مجلة حكمة
فلسفة علم الأعصاب فلسفة العلوم العصبية

فلسفة العلوم العصبية

الكاتبآيان قولد، أدينا ل. روسكيس
ترجمةتركي الشمدين

الملخص

تشير هذه الورقة إلى المشكلات التي يمكن معالجتها في فلسفة علم الأعصاب ، تظهر المشكلة الأولى في فهم شكل أو طبيعة العلم بشكل كلي، يعد حقل العلوم العصبية من الحقول الغنية بالبيانات. ومع تكثر هذه البيانات إلا أنه فقير بالنظريات. تواجهنا مشكلة أخرى وهي تتعلق بكيفية تحليل المفاهيم الأساسية والمبادئ وطرق النظر، وكذلك الأسئلة الأساسية والمميزة لهذا العلم. يتبع علماء الأعصاب مبدأ التموضع الوظيفي (functional localization) الذي ينص على أن وظائف الدماغ تتموضع في مواقع تشريحية معينة فيه.  أما الدراسات التي تدعم دور الدماغ في الوعي فقد ظهرت مؤخرا. تسلط هذه الورقة الضوء كذلك على الأسئلة التقليدية للفلسفة مع توظيف للنتائج التجريبية.  وتناولت هذه الورقة كذلك مجموعة واسعة من المواضيع في الفلسفة العصبية، بما في ذلك العديد من جوانب الإدراك والتمثيل والمشاعر وكذلك طبيعة الألم. ويثبت بهذا أن علم الأعصاب وثيق الصلة بفلسفة علم النفس.

مقدمة: هل هناك فلسفة في العلوم العصبية؟

ممن استفاد من الثورة البيولوجية في النصف الأخير من القرن العشرين الحقول التي تدرس الدماغ والجهاز العصبي. أصبحت هذه التخصصات، التي غالبًا ما يتم فصلها عن طريق المنهجية المختارة أو “مستوى” التحقيق، والتي توجه تركيزها على الجهاز العصبي تُعرف باسم “العلوم العصبية”.. يتمتع علم الأعصاب، وهو علم حديث، بفترة من التوسع المذهل في السنوات الأخيرة. تأسست جمعية علم الأعصاب في عام 1970 وضمت حينها 500 عضو، ويبلغ عدد أعضائها الآن 37500 عضو. يحتوي الحقل على عدد من المجلات المتخصصة. وتنشر أوراق علم الأعصاب بشكل كبير في Science and Nature؛ وأقسام وبرامج علوم الأعصاب في جامعات الولايات المتحدة يجاوز المئات.

إن الناظر لحقل علم الأعصاب يجد أن لديه كل علامات الجدة العلمية والتضافر مع البنية الاجتماعية ودعم من القطاعين العام والخاص والحكومي للازدهار وقد أدت العديد من العلوم الأساسية إلى انضباط فرعي في الفلسفة المركزة على هذه العلوم. فهل هناك حقل معرفي يدعى فلسفة علم الأعصاب؟ والإجابة على هذا السؤال هي نعم ولا في نفس الوقت. هناك بالتأكيد عدد متزايد من الفلاسفة المهتمين بتطبيق نتائج علم الأعصاب على مجموعة متنوعة من الأسئلة في فلسفة العقل، والأبستمولوجيا، وفروع أخرى من الفلسفة.

كثير من هؤلاء الفلاسفة يعرّفون أنفسهم على أنهم “فلاسفة عصبيون”، وذلك باستخدام النيوليولوجيا التي صاغتها باتريشيا تشرشلاند (1986)، التي ينسب إليها الفضل في تأسيس هذا المجال (انظر أيضًا Churchland & Sejnowski 1992؛ Churchland 2002) ومع ذلك، غالبًا ما يتم تمييز الفلسفة العصبية عن فلسفة العلوم العصبية، والتي يُنظر إليها على أنها تتعلق بالمشكلات الفلسفية الداخلية لعلم الأعصاب نفسه: تحليل المفاهيم النظرية؛ التحقيق في منهجيات العلم؛ علاقة علم الأعصاب بالعلوم الأخرى؛ وغيرها من الأسئلة. على عكس الفلسفة العصبية، لم تلق فلسفة علم الأعصاب، على هذا المفهوم المعرفي، اهتمامًا كبيرًا كفرع من البحث الفلسفي.. ومع ذلك هناك عدد قليل من فلاسفة العلوم الذين يركزون على علم الأعصاب.

ومع ذلك لأغراض هذا الفصل سنتناول “فلسفة علم الأعصاب” على نطاق أوسع، لنظهر أن أي تحقيق فلسفي يلعب فيه علم الأعصاب دورًا مهمًا.

انطلاقا من وجهة النظر هذه، هناك منطقة واحدة على الأقل – الفلسفة العصبية – تزدهر فيها فلسفة علم الأعصاب، وتسمح لنا بمسح مجال أوسع بكثير مما يمكننا القيام به.

ليس الهدف من هذا الفصل هو إعطاء ملخص لهذا المجال، والواضح لدينا أنه حديث التكوّن، ولكن المقصود متابعة فلاسفة آخرين في علم الأعصاب مثل (, Bechtel et al. 2001; Machamer et al. 2001; Hacker & Bennett 2003) ومحاولة الإشارة إلى شيء من مجموعة المشاكل التي يمكن معالجتها في فلسفة علم الأعصاب، التي يتم تفسيرها على نطاق واسع.

من أجل بيان دور فلسفة العلوم العصبية، يحسن البدء بذكر المحرك لممارسة الفلسفة في أي علم كان. هناك على الأقل أربع محركات لهذا الأمر:

  1. فهم طبيعة وشكل العلم المخصوص بماهيته الكلية.
  2. تحليل أو توضيح المفاهيم والمبادئ الجوهرية والمناهج والأسئلة الأساسية الخاصة بهذا العلم. وقد تتضمن أيضًا الافتراضات الدافعة لصياغة التجارب، وتفسير النتائج التجريبية، والألغاز المفاهيمية الخاصة بهذا العلم؛
  3. ولإلقاء الضوء على الأسئلة الفلسفية التقليدية مع الأخذ بعين الاعتبار النتائج التجريبية
  4. لفهم هيكل أو طبيعة العلم بشكل عام بنحو أفضل. في حين أن أفضل ما يميز أو يمثل جوهر فلسفة علم الأعصاب هو أول هذين الدافعين من هذه الدوافع أعلاه، إلا أن الكثير من العمل المنجز حتى الآن ركز على الثالث والرابع. هذا يسلط الضوء على نطاق العمل الذي يتعين القيام به في فلسفة علم الأعصاب. تنقسم المناقشة أدناه إلى أربعة أقسام، تمثل النقاط السابقة.

لكن قبل أن نبدأ يحسن بنا أن نقدم بعض الملاحظات التوضيحية، على الرغم من أن المقصود الأولي هو فلسفة علم الأعصاب، فإننا سنناقش أحيانا عمل الفلاسفة وأحيانا أخرى عمل علماء الأعصاب، والذي دفعنا لذلك سببين:

الأول: ضمت بعض المناقشات في فلسفات الفيزياء وعلم الأحياء الفلاسفة والعلماء معا، وهذا يبدو لنا شيئًا مطلوبا. لذلك لا يوجد سبب يدعو إلى أن تكون فلسفة علم الأعصاب ناديًا للفلاسفة فقط. الثاني: بدلاً من قصر أنفسنا على الأسئلة التي ناقشها الفلاسفة بالفعل، فإن جزءًا من هدفنا هنا هو الإشارة إلى بعض المؤلفات العلمية العصبية التي قد يبحثها الفلاسفة بنحو مثمر في المستقبل. ولأسباب تتعلق بحجم المقال سنقتصر غالبا على رسم توضيحي أو مؤلف واحد في كل قسم فرعي، على الرغم من أننا سنحاول أذا أمكن ذكر قضايا أخرى وكتّاب أصحاب اهتمام. ولا ينبغي أن يؤخذ ما ذكرنا أنه أكثر المواضيع أهمية في فلسفة العلوم العصبية. في بعض الأحيان نختار بناء على معرفتنا الخاصة. وفي أحيان أخرى من خلال الشعور بما قد يكون مثيرًا للاهتمام لغير المتخصصين؛ وأحيانًا بما يبدو مدهشًا. أخيرًا حاولنا أن نكون طموحين وأن نغطي أكبر مساحة ممكنة، لكننا لم نقصد الاستقصاء.


1. فهم ماهية علم الأعصاب

الدافع الرئيسي لفلسفة علم معين هو فهم طبيعة هذا العلم. على سبيل المثال لطالما كانت الفيزياء موضوعًا للدراسة الفلسفية. تحتوي الفيزياء على عدد من النظريات الواسعة جدًا، بما في ذلك نظريات النسبية الخاصة والعامة، وميكانيكا الكم، ونظرية المجال الكهرومغناطيسي، والميكانيكا الإحصائية. في حين تفتقر الفيزياء إلى نظرية شاملة موحدة (النظرية المنشودة “نظرية كل شيء”) التي تدمج كل الفروع، فإن نطاق كل النظريات واسع بما فيه الكفاية، والظواهر التي تم تصنيفها تحتها بما يكفي بحيث تعتبر الفيزياء خصوصا غنية بالنظريات.

تميل فلسفة الفيزياء إلى التركيز على تفسير النظريات، مثل ميكانيكا الكم، وعلى توضيح المفاهيم التي تلعب دورًا في هذه النظريات مثل: الوقت والزمكان والانتروبي إلخ. وبالمثل نجد أن التركيز المركزي لفلسفة علم الأحياء هو علم الأحياء التطوري وهو مجال غني بالنظريات بشكل خاص. تركز فلسفة علم الأحياء التطوري إلى حد كبير على توضيح المفاهيم في النظرية الداروينية والتوليف الحديث. وبالتالي تتميز أبرز فلسفات العلم بنظريات واسعة وناجحة.

وعلى النقيض من ذلك فإن نظريات علم الأعصاب الشاملة قليلة جدًا. ويمكن القول إن المجال يحكمه عدد قليل من الأطر الكلية – النزعة الفيزيائية[1] (physicalism) وربما النزعة الحسابية (computationalism) – ولكن هذه بمثابة افتراضات أساسية أو موجِهة، ولكنها لا تعد نظريات في الحقل المعرفي: فهي لا توفر لعلماء الأعصاب القدرة التنبؤية بالطريقة التي تقدمها النظريات الفيزيائية. علاوة على ذلك فإن الافتراضات الفيزيائية والحسابية ليست مستخرجة من علم الأعصاب، ولكنها مستعارة من مجالات أخرى وتم تطبيقها على النظام العصبي.

وبالنظر إلى افتقار حقل العلوم العصبية إلى الثراء النظري، والسمات الموجودة إلى حد ما للنظريات المتوفرة، يظهر لنا أن علم الأعصاب مختلف تمامًا عن الفيزياء وعلم الأحياء التطوري.

تثير هذه الميزات عددا من الأسئلة مثل: هل الإطار النظري خال تمامًا في علم الأعصاب؟

 وإذا لم يكن كذلك، إلى أي مدى يمكننا القول بأنه يحوي نظرية؟

ما هي الطرق أو ما هو الإطار المفاهيمي للنظرية والذي نقارنه مع نظريات العلوم الأكثر نضجًا؟

ما عواقب هذه الاختلافات على فلسفة علم الأعصاب؟

وقد يدفعنا هذا إلى سؤال آخر: هل يمكن أن تكون هناك فلسفة لعلم الأعصاب دون أن نملك نظرية شاملة ناجحة فيه؟

حتى هذه اللحظة نعتقد أن الإجابة نعم. قطعا هذا ممكن، وربما يعد أمرا محببا أن نقترب من الأسئلة الفلسفية حول الدماغ وعلومه في غياب نظرية شاملة. نعم قد تختلف طبيعة الفلسفة المنتجة بهذه الصورة بشكل جذري عن طبيعة الفلسفات التقليدية للعلوم، ولكن لا يشترط وجود قالب تفتقر إليه فلسفة العلم.

قد نطرح السؤال بشكل أفضل: كيف ستكون فلسفة العلوم العصبية في ظل غياب نظرية شاملة أساسية؟ أحد الافتراضات الواعدة هي أن فلسفة علم الأعصاب ستركز أكثر على صياغة المفاهيم المنهجية المستخدمة في البحث أكثر من الفلسفات التي تركز على العلوم المليئة بالنظريات.

علاوة على ذلك قد يعتقد المرء أن غياب نظرية واسعة قد يمنح فلاسفة علم الأعصاب منظورا أوسع للمساهمة في التطور المفاهيمي لعلم الأعصاب. وبالتالي قد تبدو فلسفة علم الأعصاب أكثر جزئية من فلسفات الفيزياء أو علم الأحياء، وهذا قد يعكس انفتاح البحث والتحقيق، وغياب إطار نظري مقبول، وحتى غياب مجموعة مقبولة من الأسئلة.

بالرغم من غياب نظرية شاملة، يعد حقل العلوم العصبية حقلا مليئا بالبيانات. وفي الواقع نحن نملك العديد من الحقائق المتعلقة بنمو وتطور الدماغ وكيف يعمل، وكيف يستجيب عند الإصابات. وبالإمكان تقدير المعلومات المتراكمة في الحقل عن طريق الاطلاع على آلاف الملصقات والمحادثات المقدمة كل عام في الاجتماع السنوي لجمعية علم الأعصاب.

بالاعتماد على هذه البيانات استطاع علماء الأعصاب بناء تفسيرات أو نظريات مقيدة في المجال. في الواقع نحن نفضل الاحتفاظ بمصطلح “نظرية” للتوصيفات المجردة والعامة للغاية للظواهر والتي تقدم تصورا أشمل لآليات أو ديناميكيات النظام بدلاً من وصف صورة الفهم النسبي العلمي العصبي الذي نمتلكه حاليًا من حيث النماذج والمخططات الخاصة بالمجال لكيفية حدوث العمليات المختلفة.

لذا وفي حين أن علم الأعصاب هو قليل النظريات فإنا نجده غني بالنماذج. فنحن نفهم كيف تدمج الخلايا العصبية المدخلات من الخلايا العصبية الأخرى وما هي أسباب تحفيزها وكيف يتم تعزيز السيالات العصبية؛ وكيف يمكن لهذه العملية أن تشارك في التعلم والذاكرة. لدينا فهم عميق لكيفية عمل المعالجة البصرية ومناطق الدماغ التي تشارك في عدد من الوظائف المعرفية العليا. نجد أن قائمة النماذج المفصلة واسعة النطاق لكن الفهم النظري لا يزال غير مكتمل.

لو أخذنا نظرة أخرى على أنواع المبادئ الأساسية المتاحة سنجد علم الأعصاب مثيرا للاهتمام بنحو فلسفي. على سبيل المثال هل يصح التفكير في الدماغ باعتباره جهازا حاسوبيا؟ هل نحوسب العصبون الواحد؟  وماذا يجب أن يستعير علم الأعصاب من النزعة الحاسوبية؟ إذا كانت الخلايا العصبية محوسبة، فكيف يجب أن نميز مهامها الحاسوبية؟ ما هو المستوى الصحيح من التفسير لنحصل على فهم لوظائف الدماغ؟ هل يجب أن نركز انتباهنا على نشاط الخلايا العصبية المفردة، أو مجموع من الخلايا أو العمليات تحت الخلوية؟ ما هي خصائص الخلايا العصبية المرتبطة وظيفيا؟ هل المعلومات المهمة وظيفياً مشفرة في جهد\ احتمال العمل ((action potentials[2]– كل شيء أو لا شيء- بتغير في الجهد الذي تؤثر به الخلايا العصبية على الخلايا العصبية المجاورة – أو في الخصائص الأسفينية spike) properties)، مثل المعدل أو النمط الزمني أو الارتباط الزمني؟ هل يجب على علماء الأعصاب أن يميلوا إلى إحصائيات التنشيط العصبي، أو الخصائص الديناميكية لشبكات الخلايا العصبية، أو الخصائص العصبية الأخرى؟

كل هذه الأسئلة مطروحة على الطاولة وكلها ذات آثار فلسفية، تقودنا الطبيعة الأساسية لهذه الأسئلة عما إذا كنا فعلا نملك المعلومات الأساسية حول وظيفة الدماغ وذلك بسبب اعتمادنا على الافتراضات والمبادئ المشكوك فيها. علاوة على إظهار أن علم الأعصاب يفتقد إلى أساس نظري للتحليل الفلسفي، تكشف هذه المشكلات بدلا من ذلك عن الإمكانات الغنية التي يوفرها المنهج الفلسفي لعلم الأعصاب. في الواقع قد يؤدي إحجام العديد من علماء الأعصاب عن التنظير إلى ما هو أبعد بكثير من البيانات -مثل دراسات الوعي- إلى إيجاد موضع لفلاسفة علم الأعصاب.

يبقى السؤال قائما هل الضعف النظري يعود لطبيعة علم الأعصاب، أم لكونه علم حديث نسبيا؟

تجدر الإشارة إلى أن معظم طرق دراسة تشريح الدماغ وعلم وظائف الأعضاء أصبحت متاحة فقط في منتصف القرن العشرين وأعظم المكتشفات فيها كانت فقط في التسعينات من القرن الماضي.

يعد الدماغ جهازا بيولوجيا معقدا للغاية والذي تطور لأداء مجموعة متنوعة من المهام المعقدة. تراه يعطي أسراره على مضض. ومع ذلك لا يوجد سبب مبدئي يمنعنا أن نكون في الوقت المناسب قادرين على صياغة نظريات أكثر عمومية حول المعالجة العصبية التي تكمن وراء هذه الوظائف المتنوعة. في الوقت الحاضر نجد أن علم الأعصاب يحوي العديد من الحقائق، وعدد كبير من النماذج، ولكن لا توجد نظريات شاملة وواضحة. ومن ثم فإنه يختلف اختلافًا جوهريًا عن نماذج العلوم التي يتم اعتبار موضوعها بشكل كلاسيكي فلسفيا، مثل الفيزياء، ولهذا السبب قد تكون فلسفة علم الأعصاب مهمة بشكل خاص.

في توضيح المفاهيم والمبادئ والطرق، والأسئلة الأساسية:

الهدف الثاني لفلسفة علم الأعصاب هو توضيح المفاهيم والمبادئ الأساسية لعلم الأعصاب. وخصوصا حول الأفكار التي لا تشكل جزءًا من نظريات علم الأعصاب، ولكنها تشكل افتراضات يعتمد عليها البحث في المجال ولها أهمية خاصة. قائمة الأهداف المحتملة للمعالجات الفلسفية طويلة، ويبقى أن نرى المفاهيم التي ستثبت أنها مثيرة للاهتمام أو مهمة من الناحية الفلسفية.

بعض المفاهيم التي نعتقد أنها تستحق البحث والتمحيص مثل الترميز العصبي للمعلومات (انظر Barlow 1996 ؛ Black 1994 ؛ Eggermont 1998 ؛ Garson 2003) ؛ ومفهوم الربط الإدراكي وآلياته العصبية  (Revonsuo 1999؛ Clark 2001؛ Hardcastle 1996، 1997) ؛ والمفاهيم ذات الصلة من المرونة العصبية ، والنمو العصبي، والمفاهيم الفطرية (Buller & Hardcastle 2000 ؛ كوارتز 2003).

من بين الموضوعات المرشحة للاستكشاف الفلسفي لأساليب علم الأعصاب صبغ الأنسجة وتمييزها؛ كذلك تتبع المسارات (trac) العصبية ودراسات الآفات التي تصيب الدماغ، وتقنيات التسجيل أحادية الخلية ومتعددة الخلايا؛ والاستعمال الدوائي، والطرق المختلفة لتصوير الأعصاب. والتقنيات البيولوجية الجينية والجزيئية، مثل knockouts، وgene silencing. يجب أن يطرح البحث الفلسفي لهذه التقنيات سؤالا أبستمولوجيا: ما الذي نتعلمه من خلال استخدامها؟ وهذا بدوره يجب أن ينتج عنه مفهوم واضح للمعايير التي يجب أن تفي بها هذه التقنيات لتقديم بيانات موثوقة.

نقدم هنا مناقشات موجزة لمبدأ مهم ومنهجي وسؤال أساسي في علم الأعصاب، وهو كذلك يمتد إلى حقل فلسفي: المجال الحسي الاستقبالي RF[3].

1.2 المبادئ الأساسية: التموضع الوظيفي

منذ الأيام الأولى لدراسة الدماغ التزم معظم علماء الأعصاب بمبدأ التوطين الوظيفي – وجهة النظر القائلة بأن وظائف الدماغ يتم تموضعها في مواقع تشريحية معينة (Hardcastle & Stewart 2002؛ Lloyd 2000؛ Mundale 2002؛ Young 1990 ). يتضمن هذا المبدأ تصميمًا وتفسيرًا للعديد من تجارب علم الأعصاب. يُكرس الكثير من علم الأعصاب لتحديد ماهية تلك الوظائف وكيفية تنفيذها على المستوى النسيجي\ لخلوي للمخ.

تؤكد العديد من التقنيات، بما في ذلك دراسات الآفات والتصوير العصبي أن الدماغ ليس متساوي القدرات؛ تم تطوير الحجج النظرية من علم النفس والفلسفة وعلم النفس التطوري لدعم الفكرة ذات الصلة بالنمطية في أنظمة الدماغ (Buller & Hardcastle 2000) والمفهوم الأكثر ارتباطًا بالنمطية النفسية (Fodor 1983).

على الرغم من انتشار هذه الفكرة إلا أنه لا يزال من غير الواضح كيف يجب أن نفسر تخصيص مناطق وظيفية في الدماغ. ما أنواع الوظائف التي تم تحديدها في مناطق الدماغ المختلفة وكيف ينبغي تمييزها وما مدى كونها متموضعة في مكان ما؟ هذه التساؤلات مهمة وإجاباتها تؤثر على تصميم وتفسير العديد من تجارب علم الأعصاب. على سبيل المثال هناك نقاش دائر في أدبيات التصوير الوظيفي حول ما إذا كانت منطقة في التلفيف المغزلي (fusiform gyrus) مخصصة للوجوه (Yovel & Kanwisher 2004 ؛ Kanwisher & Yovel in press) أو للتمييز بين ما خبرناه سابقا منها (Tarr & Gauthier 2000؛ Gauthier et al. in press).

أثير هذا الجدل في سياق الاعتقاد المشترك بأن المناطق البطنية في الدماغ المسؤولة عن الرؤية (the ventral visual areas) متخصصة في التعرف على بعض فئات الأشياء. ومع ذلك فإن طرق التحليل الجديدة في التصوير العصبي قد تساءلت حول هذا المبدأ الأساسي من خلال الكشف عن أن العديد من المناطق القشرية تحمل معلومات موزعة حول العديد من فئات الكائنات وأن هويات الكائنات يمكن استردادها من أنماط التنشيطات منخفضة المستوى عبر مواقع بصرية متعددة (يقصد أن المناطق المسؤولة عن إدراك المبصرات موزعة في الدماغ بعدما ساد اعتقاد أنها متخصصة\متموضعة في مكان واحد). (Haxby وآخرون 2001؛ Hanson وآخرون 2004). تشير هذه التطورات الجديدة إلى الحاجة إلى إعادة التفكير في طبيعة النظر السائد حول تنظيم وتموضع النظام البصري وكذلك حول التموضع الوظيفي في الدماغ.

2.2 المنهاج الأساسية: التصوير الوظيفي

تعتبر علاقة البنية بالوظيفة مركزية في كل العلوم الطبيعية ولا تقل عن ذلك في علوم العقل. يشتهر الذكاء الاصطناعي الكلاسيكي على سبيل المثال بالقول إن مفاهيم الهيكل والوظيفة قابلة للفصل: نظرًا لأنه يمكن تشغيل نفس البرمجيات على أجهزة مختلفة، يمكن اعتبار الوظيفة مرتبطة بشكل عرضي فقط بتنفيذها.

لا يجزم علم الأعصاب بوجود تمييز مهم من الناحية النظرية بين البنية والوظيفة، ولكنه يرى أن الاثنين متشابكان. هذا لا يعني أن التمييز غير متحصل. في علم الأعصاب الإدراكي المعاصر مثلا تعتبر العلاقة بين التركيب والوظيفة أكثر أهمية في دراسات تصوير الدماغ للوظيفة المعرفية. هناك شكوك جدية حول ما يمكن أن تخبرنا به النماذج الحيوانية عن الإدراك، ونتيجة لذلك، أدى ظهور تصوير الدماغ إلى حقبة جديدة في دراسة الدماغ. أصبحت تقنيات التصوير الوظيفي للدماغ، وخاصة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، متاحة الآن على نطاق واسع. في هذه الدراسات تتم مراقبة أدمغة المشاركين أثناء قيامهم بمهمة إدراكية. يتم تحديد المواقع التشريحية النشطة من خلال زيادة التمثيل الغذائي التي تتميز بتدفق الدم إلى هذا الموقع. تعطي البيانات الدالة على التغيرات في تدفق الدم نظرة مستبصرة على التشريح الوظيفي للمهمة، وتستخدم دراسات مثل هذه لمحاولة تقديم استنتاجات حول العمليات المعرفية المشمولة في أداء المهمة.

السؤال المنهجي المركزي فيما يتعلق بهذه الدراسات هو: ما العلاقة بين البيانات المتعلقة بمناطق الدماغ النشطة والنظريات الوظيفية المعرفية؟ إن أدبيات التصوير الدماغي مهمة. وفي وقت كتابة هذا التقرير[4] يحوي موقع PubMed ما يقرب من 7000 إدخال لعبارة “brain and f (or functional) MRI” بين عامي 1990 و2006- أكثر من دراسة في اليوم في المتوسط ​​، لمدة ستة عشر عامًا. وأصبحت ممارسة تصوير الدماغ مهمة جدًا للمتخصص بحيث أصبح من الصعب الحصول على عمل في بعض المجالات دون إتقان هذه الممارسة. في ظل هذا الذي ذكرناه من المدهش أن يكون هناك من يعتقد أن الإجابة على السؤال الذي افتتح هذه الفقرة هي: لا يوجد علاقة! علاوة على ذلك هناك أولئك الذين يعتقدون ليس فقط أن التصوير الوظيفي لم يساهم في فهم الوظائف المعرفية، ولكن هذه المساهمة مستحيلة من حيث المبدأ (انظر Coltheart 2004؛ Fodor 1999؛ Henson 2005؛ Poeppel 1996؛ Uttal 2001؛ Van Orden & Paap 1997). مثلا يناقش Van Orden and Paap (1997) بأن التصوير العصبي الوظيفي يمكن أن يساهم في تطوير نظرية معرفية فقط في حال استوفى ثلاث افتراضات، ولكن غالبا لن يصدق أي منها. الافتراض الأول هو أن الباحث يمتلك نظرية معرفية صحيحة للظاهرة المعنية بالإضافة إلى معرفة مناطق الدماغ التي تؤدي الوظائف التي تفترضها تلك النظرية.

تتمثل إحدى طرق إجراء دراسات التصوير في إنتاج مجموعتين من الصور إحداهما يتم فيها تنشيط مكون إدراكي وظيفي معين والثانية لا يتم فيها تنشيط هذا المكون السابق تحديدا. ثم تُطرح الصورة الثانية من الأولى، ويتم تحديد منطقة الدماغ المسؤولة عن هذا المكون المعرفي. ومع ذلك إذا كانت النظرية المعرفية للفرد غير صحيحة ولم تحدد بشكل صحيح المكونات الوظيفية للمهمة المعرفية، فإن الصور المتناقضة ستفشل في عزل الأساس العصبي للمكون المعرفي المفترض، ولكن لا يمكننا معرفة الآلية العصبية المسؤولة مالم نكن نملك نظرية معرفية صحيحة.

الافتراض الثاني هو أن المكونات العصبية التي تنفذ الوظيفة المعرفية يجب أن تكون باتجاه تقدمي فقط (feed‐forward). افترض أن الباحث لديه نموذج معرفي يحدد عددًا من المكونات. إذا كان الهدف من مهمة التصوير بالرنين هو عزل الموقع العصبي لمكون معين فإن التجربة ستشمل مهمة واحدة يكون فيها المركب نشطًا ومهمة ثانية متطابقة باستثناء عدم نشاط هذا المكون المخصوص.

طالما أن المكونات لا تتفاعل – أي أن نشاط المكون النهائي لا يعود إلى المكونات السابقة لتغيير سلوكها – عندها يكون الطرح ممكنًا. ومع ذلك إذا كانت هناك ردود فعل فإن منطقة الدماغ النشطة قد لا تمثل مكونًا إدراكيًا واحدًا، بل تمثل التأثير النهائي لتغيير المهمة أثناء تفرعها عبر الدماغ. نظرًا لأنه كما يجادل Van Orden وPaap، فإن التغذية الراجعة هي القاعدة في الإدراك (كما هو الحال في وظيفة الدماغ)، فإن طريقة الطرح أو الاستبعاد تفشل.

الافتراض الثالث هو أن المهام المتناقضة يجب أن تغير أصغر عدد من المكونات المعرفية. الفكرة هي أنه من أجل تحديد الموقع العصبي لوظيفة معرفية، يجب على المرء الحفاظ على المكونات المتبقية ثابتة. ومع ذلك يجادل Van Orden و Paap بأن الأدلة من علم النفس المعرفي تشير إلى أهمية السياق للإدراك والتفاعلات بين الوحدات المعرفية المفترضة. إذا كان الوضع كذلك فقد لا يكون من الممكن أبدًا عزل وحدة واحدة مع تغيير في المهمة المعرفية. أي تغيير سيغير وظيفة العديد من الوحدات وسيكون من المستحيل تفسير نشاط الدماغ. يعتقد عدد من العلماء والفلاسفة (بما في ذلك نحن) أن تحليل Van Orden و Paap مفرط في التشاؤم وأن التصوير العصبي يمكن أن يسفر عن معلومات مفيدة وأحيانًا لا غنى عنها دون تلبية هذه الافتراضات (انظر Bogen 2002).

 ومع ذلك نظرًا للأهمية الكبيرة للتصوير العصبي الوظيفي في علم الأعصاب المعاصر والموارد الهائلة من المال والوقت الذي يتم إنفاقه عليه ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام للتحقيق في منطق التصوير الوظيفي وكذلك لتقييم نطاقه وحدوده. وهذه بالذات وظيفة فيلسوف علم الأعصاب.

3.2 الأسئلة الأساسية: الارتباطات العصبية للوعي

 تعمل فلسفة علم الأعصاب أيضًا على تحديد واستكشاف الأسئلة الأساسية في علم الأعصاب. ربما لا يوجد سؤال أكثر جوهرية وإرباكا في نفس الوقت حول الدماغ من كيفية ارتباطه في الوعي. إن قبول دراسة الوعي كمسار علمي صالح هو تطور جديد نسبيًا.

في السابق كان يُعتقد أنه نظرًا لأن وصولنا الوحيد إلى الوعي هو من خلال التعبير الذاتي، فلا يمكن التحقيق منه علميًا. لكن هذا الموقف قد تغير جزئيًا بسبب تطوير تقنيات علم الأعصاب الجديدة التي تمكن من إجراء دراسة غير تداخلية لنشاط الدماغ لدى البشر، وجزئيًا بسبب إدراك أن العثور على الارتباطات العصبية للوعي (NCC) – أنماط النشاط العصبي التي من المفترض أن تتشكل أساس الدماغ للوعي – يمكن تتبعه علميًا، حتى لو لم يكن الوعي بحد ذاته متتبعا هنا.

قام العلماء والفلاسفة بالتحقيق في الأسئلة المتعلقة بكيفية العثور على كيفية ارتباط الوعي بالأعصاب NCC (Frith et al. 1999؛ Crick & Koch 1998، 2003) وما هي أنواع الظواهر المهمة. مثلا، يميز البعض بين مكونات الوعي، مثل الإدراك أو مستوى الاستيقاظ، ومحتويات الوعي (Rees et al. 2002؛ Laureys 2005)، بينما يقترح البعض الآخر أن هناك أنواع مختلفة من الوعي، مثلما قدم Block’s (2005 الوعي الوصولي والوعي الظاهراتي. يبقى أن نرى ما إذا كان أي من هذه التصنيفات يبحث عن أساسات الوعي والتي توفر إطارًا مثمرًا للعثور على هذه الرابطة NCC. إن تقسيم الوعي لأجل تتبع هذا الهدف هي مهمة صعبة لفلسفة علم الأعصاب، كما هو الحال في التقييم النقدي للنتائج العلمية في ضوء الفروق الفلسفية المختلفة حول الوعي.

استمر البحث عن هذه العلاقة NCC بشكل جاد ومتزايد (Rees et al. 2002؛ Crick & Koch 2003) ، ويبدو أن هناك اتفاقًا عامًا على أن النشاط في المناطق الأمامية الوسطى، والحزامية الخلفية / الطليعة ، ومناطق الارتباط العليا داخلة في الوعي. بل أبعد من ذلك يبدو هناك اتفاق ضئيل حتى حول ما يبدو أنه سؤال مباشر نسبيًا، مثل ما إذا كان النشاط الأولي في القشرة الحسية يساهم في تحديد محتويات الوعي (Rees et al. 2002؛ Pins & Ffytche 2003).

كما أنه ليس من الواضح ما إذا كانت الارتباطات العصبية الموجودة حتى الآن تتوافق مع معالجة الإدراك نفسه، والتعرف الإدراكي، والاستبطان، وما إلى ذلك. وبغض النظر عن القضايا المنهجية التي تحضر البحث عن NCC، فإن السؤال المركزي حول الوعي، أي ما سنفهمه حول الوعي إذا نجحنا في العثور على ارتباطاته العصبية، لم يمسها علم الأعصاب حتى الآن.

3. توضيح المشكلات الفلسفية

من بين الأسباب التي قد تجعل فلسفة علم الأعصاب قد تستحوذ على اهتمام المرء هي أنها ترتبط بالعديد من القضايا في فروع الفلسفة الأخرى. ومن المحتمل أن يؤدي التقدم في علوم الأعصاب إلى تغيير الطريقة التي نتعامل بها مع هذه الأسئلة، ومن المحتمل كذلك أن العلاقة الوثيقة بالعديد من القضايا الفلسفية تميز فلسفة علم الأعصاب عن الفروع الأخرى لفلسفة العلم.

1.3 فلسفة العقل

كما أشرنا أعلاه، فإن الفلسفة العصبية هي النظام الذي يحاول الاستفادة من علم الأعصاب لإلقاء الضوء على المشاكل المتعلقة بالعقل. يبدو من المحتمل جدًا أن الفلسفة العصبية كانت مجالًا أكثر نشاطًا من فلسفة علم الأعصاب التي تم تفسيرها بشكل ضيق ليس فقط لأن الروابط بين علم الأعصاب وفلسفة العقل هي الأكثر مباشرة، ولكن لأن الفلاسفة الذين ينجذبون إلى علم الأعصاب غالبًا ما يكونون فلاسفة للعقل. على الرغم من أن معظم فلاسفة العقل هم عادة وظيفيون يعتقدون أن الكيانات العقلية ليست متطابقة مع إدراكهم الجسدي، إلا أنه يبدو من المعقول للكثيرين أن الفهم الأفضل للتطبيق المادي للظواهر العقلية الحيوانية والبشرية سيساهم في فهم العقل على نطاق أوسع. وبالنسبة للعديد من غير الوظيفين فإن أهمية علم الأعصاب أكبر.

تم تناول مجموعة واسعة من الموضوعات في الفلسفة العصبية بما في ذلك العديد من جوانب الإدراك (Akins 1996 ؛ Keeley 2002 ؛ Clark 1993) ؛ التمثيل (Bechtel 2001؛ Jacob son 2003؛ Mandik 2003؛ O’Keefe & Nadel 1978؛ Rolls 2001؛ Stufflebeam 2001)؛ المشاعر (Hardcastle 1999c) ؛ وطبيعة الألم (Hardcastle 1999a).

إحدى المجالات المهمة والكبيرة هي العلاقة بين الإدراك والفعل (Noë 2004؛ Mandik 2005). يشير الحس المشترك حول الإدراك إلى أن العمل الموجه إدراكيًا يعتمد على إدراكنا الواعي للبيئة. وهكذا على سبيل المثال عندما ألتقط فنجانًا من القهوة أشعر بأن أفعالي تعتمد على التمثيل الواعي لخصائص الكوب وموقعه في الفضاء ثلاثي الأبعاد. وصف Ungerlei der and Mishkin (1982) مسارين تشريحيين متميزين في النظام البصري أطلقوا عليها اسم مسارات “ماذا” و “أين” “what” and the “where” pathways.

كان يُعتقد أن المسار العصبي “ماذا” يدعم تمثيل خصائص جسم ما أو مشهد ما؛ بينما كان يُعتقد أن مسار “أين” يمثل موقع الكائن في الفراغ. في عام 1995 اقترح ميلنر وجودال طريقة جديدة للتفكير في هذا المسار الأخير. بدلاً من الموقع في الفراغ اقترح أن يكون هذا المسار مسؤولاً عن توجيه التفاعلات الحركية مع الجسم المرئي. بدلاً من “الأين” يحمل هذا المسار معلومات حول “كيفية” التصرف بصريًا فيما يتعلق بالجسم المشاهد. تأتي بعض الأدلة الأكثر إقناعًا لفرضيتهم من دراستهم للمريضة د.ف، التي عانت من تسمم بأول أكسيد الكربون، مما أدى إلى تلف موضعي لمسار “ماذا”. وجد Milner وGoodale أن د.ف كانت عمياء فعليًا ولم تستطع المريضة على سبيل المثال تحديد اتجاه مدخل صندوق البريد الذي أمامها بشكل صحيح. ومع ذلك من كان من المدهش أنها تمكنت من إدخال الرسالة بنجاح من خلال فتحة البريد، مهما كان اتجاهها ثنائي الأبعاد. أي أنها أظهرت سلوكًا طبيعيًا موجهًا بصريًا دون أن تكون قادرة على “الرؤية” بالمعنى الشائع. أظهر مريض آخر RV، التفكك العكسي (reverse dissociation)، المعروف باسم الترنح البصري(optic ataxia). يمكن للمريضة RV أن تصف الأشياء بينما لا تستطيع الإمساك بها.

افترض كل من Merleau ‐ Ponty (1962) وGareth Evans (1985) أن جزءًا مهمًا من الرؤية هو إدراك المجال الذي يحدث فيه السلوك الموجه بصريًا. ومع ذلك فقد اعتبر كلاهما أن تصور هذا المجال هو وظيفة محددة للتمثيلات الواعية للمشاهد المرئية. إذا كان ميلنر وجودال على حق فإن السلوك الموجه بصريًا يعتمد إلى حد كبير على نظام غير واعي يمكن فصله وظيفيًا عن النظام المسؤول عن إنتاج تمثيلات لخصائص الموضوع المشاهد، بما في ذلك التمثيلات الواعية.

  وبالتالي فإن تجربة السلوك الموجه بصريًا والتي تعتمد على هذه التمثيلات الواعية هي خادعة إلى حد كبير.

هذه النتائج مهمة ليس فقط للنظرية الفلسفية للإدراك، ولكن لعدد من الأسئلة الفلسفية الأخرى حول الوعي ودور الجسد (المخ) في الحياة العقلية ودور التمثيل في الإدراك.

2.3 فلسفة علم النفس

ليس من المستغرب أن يثبت أن علاقة علم الأعصاب وثيقة بفلسفة علم النفس. الأهم من ذلك تناول قدر كبير من الأعمال العلاقة بين علم النفس وعلم الأعصاب على مستوى النظريات (انظر Gold & Stoljar 1999؛ Hatfield 2000؛ Schouten & de Jong 1999). كان عمل باتريشيا وبول تشيرشلاند مركزيًا في هذا المجال. بطبيعة الحال تنبؤوا ودعوا إلى القضاء على علم النفس الشعبي واستبداله بلغة علم الأعصاب (انظر على وجه الخصوص P.M. Churchland 1981؛ P. S. Churchland 1986). وتشمل كذلك الموضوعات الأخرى ذات الأهمية الوظيفية وقابلية التحقيق المتعدد (Bechtel & Mundale 1999؛ Kim 2002؛ Couch 2004) وعبر الطرق المختلفة لنمذجة العمليات العقلية (Eliasmith 2003؛ Gluck et al. 2003).

إحدى الظواهر النفسية ذات الأهمية الكبيرة هي قراءة أفكار الآخرين. منذ التسعينيات كان هناك نقاش كبير حول كيفية تعلم الأطفال “قراءة الأفكار أو فهم العقول المقابلة” – أي تفسير الحالات العقلية للآخرين والتنبؤ بها (Davies & Stone 1995). نجد أن مقدرة قراءة الأفكار تبدو ضرورية للتفاعل الاجتماعي، ويفترض أنها غائبة في التوحد (Baron ‐ Cohen، Leslie، & Frith 1985) وغير موجودة في الفصام (Frith 1992). تم تكوين فرضيتين عريضتين لشرح هذه المقدرة. تؤكد “نظرية النظرية”(The “theory theory”) أن الأطفال يطورون نظرية منطقية ضمنية عن الحياة العقلية للآخرين والتي يمكنهم تعميمها للتفكير حول الحالات العقلية للآخرين أثناء التفاعلات الاجتماعية. تتكون النظرية من قوانين سببية وتفسر قراءة الأفكار على أنها مثال على التفسير أو الاستدلال النظري، في اللاوعي!

 الفرضية الثانية هي نظرية المحاكاة، وفقًا لهذه النظرية، بدلاً من التنظير المجرد حول ما سيفعله الآخرون أو ما هي أهدافهم، فإننا نفكر في الحالات العقلية للآخرين من خلال “التظاهر” بأننا هم. أي أننا نحاكي الحياة العقلية للآخرين في نفس الأنظمة العصبية التي تشارك في تمثيل حالتنا العقلية، ونعالجها بالآلية العصبية لاتخاذ القرار والتخطيط الذي نستخدمه لتوليد سلوكنا الخاص. تعمل هذه الأنظمة عادة بالتنبؤات فقط، وتتعطل في غير هذا من العمليات، توفر لنا المحاكاة فهمًا للحالات العقلية للآخرين والقدرة على التنبؤ بما سيفعلونه.

ساهمت الفسيولوجيا بهذا النقاش مع اكتشاف “الخلايا العصبية المرآتية” (Gallese، Fadiga، Fogassi، & Rizzolatti 1996؛ Rizzolatti، Fadiga، Gallese، & Fo gassi 1996). تم العثور على هذه الخلايا العصبية في منطقة من دماغ قرد المكاك المعروفة باسم المنطقة الحركية (premotor area) F5 ، وهناك دليل على وجود خلايا عصبية من نوع مشابه في الدماغ البشري (Fadiga, Fogassi, Pavesi, & Rizzolatti 1995). ينتج عن تحفيز الخلايا العصبية F5 حركات متناسقة لليد والفم (وليس مجرد تقلصات عضلية) والذي يبدو أنه يشير إلى أن هذه الخلايا العصبية داخلة في تنفيذ الإجراءات الموجهة نحو الهدف (انظر Gallese & Goldman 1998). من المثير للاهتمام أن الخلايا العصبية المرآتية وهي مجموعة فرعية من الخلايا العصبية F5، يتم تنشيطها عندما يقوم قرد بإجراء ما وعندما يلاحظ القرد شخصًا آخر يقوم بنفس الإجراء. لا يتم تنشيطها عندما تبدو الإجراءات عرضية أو عندما يتم تنفيذ حركات مماثلة من قبل كيانات غير حية.

ما غرض الخلايا العصبية المرآتية؟ يفترض Gallese و Goldman (1998) أن الخلايا العصبية المرآتية تشارك في تطوير قراءة العقل\الأفكار. ناقشا بأن الخلايا العصبية المرآتية على وجه الخصوص قد تكون جزءًا من الآلية التي تسمح للأفراد بإعادة استنتاج الأهداف من السلوك المقابل. افترض مثلا أن شخصًا ما قام بعمل ما مثل حمل كوب. سيتم تنشيط الخلايا العصبية المرآتية للمراقب من خلال هذا الإجراء وسيؤدي إلى الخطة الحركية لنفس الإجراء الذي تم ملاحظته. وبالتالي سيكون المراقب في حالة ذهنية من التخطيط لإجراء فعل ما ويتضمن هذا التخطيط معرفة الهدف. بناءً على هذه الفرضية فإن الخلايا العصبية المرآتية تمنح المراقب الوصول إلى هدف الفعل وبالتالي تضعه في مكان مؤدي الفعل. نظرًا لأن الخلايا العصبية المرآتية تضع المراقب في شيء يشبه الحالة العصبية نفسها للشخص المقابل، فقد تكون أحد تطبيقات نظام المحاكاة الموجه لقراءة عقول الآخرين. إذا كان بحث Gallese وGoldman صحيحا فإنه يقدم دليلاً على أن المحاكاة هي التي تدعم قراءة الأفكار بدلاً من النظرية -السابقة-، على الأقل في هذا السياق المقيد.

3.3 ابستمولوجي

يسعى علم الأعصاب إلى فهم النظام البيولوجي في تمثيل العالم والأسباب حول تمثيلاته. وبالتالي قد يكون للتقدم في علم الأعصاب القدرة على التأثير في منهجية النظر لعدد من الأسئلة المعرفية بما في ذلك تلك المتعلقة بطبيعة المعرفة والاعتقاد والتبرير وأدوار العقل والعاطفة في تأسيس المعرفة. أغلب مباحث نظرية المعرفة معيارية، وعلم الأعصاب ملزم بتقديم معلومات وصفية فقط. ومع ذلك ليس بمستبعد أن تتأثر وجهات نظرنا المعيارية بأفضل نموذج لدينا لكيفية عمل الدماغ.

أحد المجالات التي اتصل فيها فلاسفة علم الأعصاب بنظرية المعرفة هو مسألة المعتقدات المرضية التي تمثلها الأوهام النفسية (انظر مثلا Davies، Coltheart، Langdon، & Breen 2001؛ Gerrans 2002؛ Hohwy 2004). تم طرح قضية صلة الوهم بالفلسفة لأول مرة بواسطة Stone and Young (1997)، وانضم عدد من الفلاسفة الآخرين إلى النقاش. أحد الأسئلة التي أثارتها دراسة الوهم يتعلق “ببنية” الاعقتاد. علمنا كواين أن الاعتقاد عبارة عن شبكة وأن التغيير في الالتزامات المعرفية يتشعب في جميع أنحاء تلك الشبكة. على أي حال يبدو أن الأوهام تخرم هذا المبدأ الأبستمولوجي. تمثل “الأوهام الأحادية” monothematic delusions شكلاً حادًا بشكل خاص من المشكلة. المرضى الذين يعانون من هذه الأوهام لا يعانون إلى حد كبير من عيب باستثناء وجود اعتقاد وهمي واحد أو مجموعة صغيرة من المعتقدات. أكثر الأوهام الأحادية شهرة هو وهم كابجراس – الاعتقاد بأن شخصًا ما أو شيئًا ما غالبًا ما يكون أحد أفراد الأسرة، قد تم استبداله وأن الشيء أو الشخص الذي يتعامل معه المريض هو نسخة طبق الأصل من الشخص الذي يعرفه. إذا كانت المعتقدات التي يتم تفسيرها على أنها كيانات نفسية حقيقية، تشكل شبكة من المعارف، عندها يمكن للمرء أن يتوقع أنه من المستحيل تبني معتقد جديد (خاصةً ذاك الذي له العديد من التشعبات مثل وهم كابجراس) دون تغييرات جذرية في الكثير من بقية الشبكة المعرفية. ولكن ليس الأمر كذلك. يبدو أن المرضى الذين يعانون من وهم كابجراس لا يدمجون وهمهم في بقية معتقداتهم. بالطبع أن الأوهام معتقدات مرضية (بافتراض أنها معتقدات بإطلاق)، وانفصالها عن شبكة المعتقدات قد يكون على وجه التحديد جزءًا مما يجعلها مرضية. كيف يمكن أن تصبح المعتقدات منفصلة إلى هذا الحد هو سؤال معرفي يستحق الاستكشاف.

عادةً ما تحفز المعتقدات (أو المعتقدات جنبًا إلى جنب مع الرغبات) على الفعل. الطريقة الثانية التي تتحدى بها الأوهام الصورة القياسية للاعتقاد هي أن العديد من الأوهام تفشل في تحفيز الفعل. على سبيل المثال ليس بعيدا أن الأفراد الذين يعانون من وهم كابجراس بإمكانهم الاستمرار في العيش مع الشخص الذي يعتقدون أنه نسخة طبق الأصل من أزواجهم أو أقربائهم. قد لا يسعى المصاب بهذا الوهم إلى تحديد مكان الزوج الحقيقي أو معرفة ما حدث له بالضبط. بطبيعة الحال ليس هذا هو النمط مع كل الأوهام لكنه شائع بدرجة كافية لكي نطلب له تفسيرًا. مرة أخرى قد يفترض المرء أن أحد جوانب الوهم المرضي هو أن الأوهام يمكن أن تفشل في التحفيز. وبالتالي قد يساعدنا استكشاف الوهم في فهم عمليات التحفيز وعلاقتها بالاعتقاد.

أخيرًا فإن تناول تحليل الوهم أيضًا يشمل مسألة عقلانية الأشخاص المصابين بالأوهام. أحد التفسيرات النظرية للعقلانية إجرائي: وبناءً عليه فإن العقلانية هي مجرد استيفاء لمعايير التفكير، بغض النظر عن محتويات معتقدات الفرد ورغباته. تماشيًا مع هذا التقليد الهيومي، تدعي إحدى النظريات الإدراكية المركزية للوهم أن الأشخاص الذين يعانون من الأوهام يتبنون معتقدات على أساس أدلة أقل من الأفراد العاديين، وهناك بالفعل دليل على أن الأفراد الذين يعانون من الوهم “يقفزون إلى الاستنتاجات” (Garety & Hemsley 1994). لذلك من الممكن أن يقبل الأفراد الوهميون الفرضيات التي قد يرفضها الآخرون لأن معاييرهم في الأدلة ليست عالية بما فيه الكفاية.

ومع ذلك فمن غير الواضح ما إذا كان هذا الاختلاف عن الأشخاص غير المتوهمين يجب اعتباره سببًا للنظر إلى الأشخاص الذين يعانون من الأوهام غير عقلانيين. في حين أن تفكيرهم يختلف عن الأشخاص غير المصابين (المجموعة الضابطة control subjects)، وهذا في الواقع يقارب معيار بايس[5]بشكل أفضل من المجموعة الضابطة (على الرغم من أن هذا في حد ذاته ليس كافياً للعقلانية). علاوة على ذلك فإن الاختلافات في التفكير بين الأشخاص الذين يعانون من الأوهام وأولئك الذين لا يعانون منها يسيرة نوعًا ما، وليس من المعقول تمامًا أن يفسر هذا اللاعقلانية المبرزة لمعتقداتهم. أحد الاحتمالات هو أن الأشخاص الذين يعانون من الأوهام يعدون غير عقلانيين ليس لأنهم ينتهكون المعايير الإجرائية، ولكن لأن محتويات معتقداتهم غير عقلانية (انظر لويس 1986). وإذا كان الأمر كذلك فإن النظرية الفلسفية للعقلانية لا تجري على نظام المعايير الإجرائية وحدها.

4.3 الميتافيزيقيا

تتناول فلسفة علم الأعصاب ميتافيزيقا العقل إلى الحد الذي يهتم بالعلاقة بين علم النفس وعلم الأعصاب بكونه علما للعقل. مثلا إذا سُوغت النزعة الاستبعادية[6] التي دعا إليها تشرشلاند، فإن بعض تمثلات مشكلة العقل والجسد على الأقل ستتأثر بشكل كبير. علاوة على ذلك مع تقدم علم الأعصاب نتوقع أن نتعلم شيئًا ما عن الوجود -الانطولوجي- لخصائص وحالات وعمليات عقلية معينة.

يرتبط علم الأعصاب أيضًا مع الموضوعات الميتافيزيقية الأخرى، بما في ذلك القضايا الميتافيزيقية الكلاسيكية، مثل الإرادة الحرة والسببية العقلية (انظر مثلا Libet 1985 ؛ Tib betts 2004 ؛ de Vignemont & Fourneret 2004). الذات كذلك تعد موضوعا آخر من الموضوعات الدائمة في واحدة من أولى الأوراق في الفلسفة العصبية، استكشف Nagel (1971) ظاهرة الدماغ المشرّح، أو “الدماغ المنفصل” “split brain”، وتبعاتها على الشخص. حتى الآن أصبحت فكرة الدماغ المنقسم مألوفة (انظر Gazzaniga 2005، للمراجعة).  عندما تم إجراء القطع الجراحي للجسم الثفني(corpus callosum) والتركيبات ذات الصلة التي تربط نصفي الدماغ لأول مرة في عام 1940 في محاولة لمنع نوبات الصرع من الانتشار من أحد نصفي الدماغ إلى النصف الآخر. كشفت الدراسات التي أجراها روجر سبيري على الحيوانات في الخمسينيات (Sperry 1961) وعلى البشر بواسطة Michael Gazzani ga في الستينيات أن بضع الصوار [7](commissurotomy) الكامل يمنع المعلومات من الانتقال من نصف الدماغ إلى الآخر ويسمح بدراسة اختلاف الوظائف كل من الفصوص الدماغية. في غالبية الناس يتم تحديد فهم اللغة وإنتاجها في النصف المخي الأيسر. وبالتالي فإن المعلومات المقدمة إلى النصف الأيمن وحده لا يمكن التعبير عنها شفهيًا من قبل المريض المصاب بانفصال الدماغ.  بدا أن التجارب المبكرة في بعض الأحيان تقدم دليلاً على أن كل نصف من دماغ المريض المصاب بانقسام الدماغ لديه ما يشير إليه Gazzaniga  على أنه وجهة نظره الخاصة -أي وجهة نظر خاصة بهذا الفص من الدماغ-. (Gazzaniga 2005, 657)

كتب جازانيجا Gazzaniga:

"كانت هناك لحظات بدا فيها أن أحد نصفي الدماغ نشطا بينما كان الآخر هادئًا. كانت هناك أوقات اليد اليسرى (التي يتحكم فيها النصف المخي الأيمن) تتصرف بشكل هزلي مع شيء تم إبعاده عن الأنظار بينما بدا النصف الأيسر متحيرًا بشأن السبب."

أخذ ناجل (1971) بالاعتبار ما تقوله التجارب المبكرة للدماغ المنقسم عن الذات، في كل من الأفراد المصابين بالدماغ المنقسم أو الأفراد السليمين. نظرًا لظهور الاستقلال الجزئي على الأقل لنصفي الدماغ فإنه يسأل عن الاحتمالات المتعلقة بعدد العقول التي يعاني منها مرضى انشقاق الدماغ.

وقام بوضع خمس احتمالات:

(1) نظرًا لأن النصف المخي الأيسر هو موضع إنتاج اللغة وفهمها (في معظم الأشخاص)، فإن هؤلاء المرضى لديهم عقل واحد في النصف الأيسر من المخ، والنصف المخي الأيمن هو نوع من الإنسان الآلي. (2) لديه عقل واحد في النصف المخي الأيسر، لكن النصف المخي الأيمن يظهر أحيانًا عقلية واعية منفصلة عن العقل؛ (3) لديه عقلان أحدهما لغوي والآخر غير لغوي. (4) لديه عقل واحد مجزأ يتكون من محتويات نصفي الدماغ؛ و(5) عادة ما يكون لديه عقل واحد، ولكن يمكن تقسيم العقل في سياق تجارب الدماغ المنقسم.

يناقش ناجل بأنه لا يمكن الدفاع عن أي من الاحتمالات الخمسة ويخلص إلى أنه لا يوجد عدد من العقول، أو الذوات، التي يعاني منها المريض المصاب بانقسام الدماغ. كما يقترح أن ما تُظهره تجارب الدماغ المنفصل هو أن إحساسنا بوحدة أذهاننا يعد وهما. يتكون العقل في الواقع من عدد من الوظائف التي يتم دمجها بشكل أفضل في الأفراد غير المنقسمة أدمغتهم أكثر من مرضى الدماغ المنقسمة. ومع ذلك ففي جميع الحالات تخفي تجربة الوحدة العقلية التنوع والانفصال الكامنين تحتها. كما ساهمت أعمال أخرى حول الدماغ المنفصل في طرح السؤال المتعلق بطبيعة الذات. قام كل من Turk Heatherton وKelley وFunnell وGazzaniga & Macrae (2002) بالبحث في مسألة التعرف على الذات في مريض مصاب بانقسام الدماغ. في هذه التجربة تم عرض سلسلة من الصور على المريض JW. كان أحدهما نفسه والثاني لشخص مألوف له لنرمز له ب MG. تم إنشاء تسع صور أخرى عن طريق تحويل هاتين الصورتين. كل واحد يمثل تحولا بنسبة 10٪ من JW إلى MG. تم تقديم الصور لكل نصف دماغ على حدة وطُلب من المريض أن يقرر ما إذا كانت الصورة لنفسه أم لـ MG. عندما تم تقديم الصور إلى النصف الأيمن من JW، كان يميل إلى تعريفها على أنها MG ، في حين أنه عرّف عن نفسه في كثير من الأحيان عند عرض الصور على النصف الأيسر للدماغ. على الرغم من أن هذه التجربة ليست سوى خطوة أولى نحو البحث في مسألة تمثيل الذات في الدماغ، إلا أنها تشير إلى أن النصف المخي الأيسر منحاز نحو التعرف على الذات واليمين نحو التعرف على الآخرين المألوفين لدى الشخص.

5.3 الأخلاق العصبية

يُطلق على المجال الذي يؤثر فيه البحث والتقدم في علم الأعصاب على الأسئلة الأخلاقية “أخلاقيات عصبية neuroethics” (Roskies 2002). للوهلة الأولى قد يبدو أن علم الأعصاب ليس لديه الكثير ليساهم به في الفلسفة الأخلاقية. ومع ذلك بدأ بعض الفلاسفة يعتقدون أن علم الأعصاب يمكنه في الواقع أن يعلمنا شيئًا عن الأخلاق. يقوم علم الأعصاب بالفعل بتشكيل أفكارنا حول علم النفس الأخلاقي، وهناك دليل جيد على أن فهم كيفية عمل الإدراك الأخلاقي سيكون له تأثير على مفهومنا الفلسفي للأخلاق. وبالفعل تم تقديم بعض الحجج التي تربط البيولوجيا العصبية للإدراك الأخلاقي بقضايا في علم الأخلاق الماورائية

واحدة من أقدم المسائل في هذا الحقل والتي أثارت اهتمام الفلاسفة الأكبر هي دراسة Greene وSommerville وNystrom وDarley و Cohen (2001). هناك لغز معروف جيدًا في الفلسفة الأخلاقية يُعرف بمشكلة العربة أو الترولي، يُثار من خلال الحدس الناتج عن معضلتين أخلاقيتين خياليتين (انظر Thomson 1986). في الأول تتجه عربة ترولي خارجة عن السيطرة لخمسة أشخاص يمشون على المسار. وأنت في وضع يسمح لك بسحب رافعة لتحريك العربة إلى مسار آخر، حيث ستضرب وتقتل شخصًا واحدًا فقط. هل تسحب الرافعة لإنقاذ الخمسة وتقتل الواحد؟ قال معظم الناس أنهم سيفعلون ذلك. في المعضلة الثانية لإنقاذ خمسة أشخاص، يجب عليك دفع أحدهم من أعلى الجسر. هل ستقوم بدفعه؟ قال معظم الناس أنهم لن يفعلوا ذلك. بالنظر إلى أن كلا السيناريوين يتضمن قتل شخص واحد لإنقاذ خمسة أشخاص، والمفترض أن يكون جواب الناس واحد في الحالين! إما مع أو ضد قتل واحد لإنقاذ الكثيرين. لكن الأمر ليس كذلك.

 السؤال هنا: لماذا تباينت وجهة النظر في الموقفين؟

قدم غرين وزملاؤه سيناريوهات العربة وجسر المشاة في نموذج التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) ووجدوا أن نمط النشاط العصبي الناتج عن اتخاذ قرار أخلاقي كان مختلفًا في الحالتين. في السيناريو الأول لوحظ زيادة النشاط في مناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة العاملة (مناطق الفص الجبهي الظهراني والجداري) (dorsolateral prefrontal and parietal areas))، بينما في السيناريو الثاني تم العثور على نشاط متجعد في مناطق الدماغ المرتبطة بالإدراك الاجتماعي والعاطفي (التلفيف الجبهي الإنسي، الحزامي الخلفي التلفيف والتلم الصدغي الثنائي العلوي) ( medial frontal gyrus, posterior cingulate gyrus, and bilateral superior temporal sulcus). عندما عُرضت المعضلات غير الأخلاقية على الأشخاص، كان نمط النشاط العصبي هو نفسه كما في السيناريو الأخلاقي الأول.

يفترض غرين وزملاؤه أن البيانات العصبية تقدم دليلًا على الرأي القائل بأن الأحكام الأخلاقية المتناقضة التي تصدرها حالات العربة الجامحة مشتقة من عمليتين معرفيتين مختلفتين للتوصل إلى حكم أخلاقي، كل منهما تخضع لحكم أخلاقي مختلف، ويندرج تحت تشريح الأعصاب الوظيفي بطريقة مختلفة. السيناريوهات الأخلاقية مثل حالة جسر المشاة التي تصنف على أنها “شخصية”. ويجب أن تستوفي المعضلات الشخصية ثلاثة شروط: (1) يجب أن يتم إيقاع الحدث من قبل الشخص؛ (2) يجب أن تنطوي على احتمال حدوث ضرر بدني جسيم؛ و (3) يجب أن يتم تمثيل الإجراء على أنه ضحية شخصية. تنشط مثل هذه المعضلات مناطق الدماغ القديمة تطوريًا وتتعامل مع المحفزات الاجتماعية والعاطفية. ينتج هذا النظام استجابات سريعة وبديهية للمشاكل الأخلاقية. في المقابل سيناريوهات مثل حالة العربة تنشط نظامًا عصبيًا ظهر مؤخرًا في التاريخ التطوري.

يفترض غرين وزملاؤه أنه نفس النظام الذي يهتم بأي مشكلة تتطلب التفكير المجرد بما في ذلك المعضلات الأخلاقية “غير الشخصية” – تلك التي لا تفي بالشروط الثلاثة المذكورة أعلاه. نظرًا لأن المعضلات الأخلاقية غير الشخصية يتم التعامل معها من خلال نظام تفكير “متعدد الأغراض” فإن نمط التنشيط العصبي المرتبط بهذه المعضلات هو نفسه الذي أثارته المعضلات غير الأخلاقية. ما يميز حالة العربة أو الترولي عن حالة جسر المشاة هو أنه في الحالة الأولى، يقوم بطل القصة فقط بإبعاد تهديد قائم (عن طريق السحب إلى أقصى حد لتحويل العربة) بينما، في الحالة الثانية، يكون هو المباشر للحالة بدفع شخص ما من الجسر. في الحالة الأولى لم يتم استيفاء الشرط الأول لأن العامل “يعدل” فقط، لكنه لا ينشئ الحدث (التسبب المباشر بالقتل).

يبدو أن هذه النتائج المحيرة لها آثار مهمة على عدد من النقاشات الأخلاقية التقليدية، من أهمها الجدل بين الهيوميين والكانطيين حول الأهمية النسبية للعقل والعاطفة في الحكم الأخلاقي (Greene et al. 2004). ومع ذلك لا يزال هناك عمل كبير يتعين القيام به من أجل توضيح البنية النفسية والعصبية لصنع القرار الأخلاقي وآثاره على الفلسفة.

بالإضافة إلى العمل في علم الأعصاب الذي يطمح إلى إلقاء الضوء على المسائل الأخلاقية، ظهرت عدد من الأسئلة الأخلاقية الملحة التي أثارتها ممارسة علم الأعصاب. أحد الأهداف المركزية لعلم الأعصاب هو التحكم في وظائف المخ والتدخل فيها (Craver 2007). بالإضافة إلى هدف علاج الأمراض والخلل الوظيفي، فإن التقدم في علم الأعصاب يزيد من احتمالات التعزيز المعرفي وتثير تقنيات التصوير العصبي غير التداخلية عدة أمور منها قضايا تتعلق بالخصوصية والإكراه، من بين أمور أخرى. نتوقع أن نرى توسعًا كبيرًا في هذا المجال حيث إنه سرعان ما أصبحت المشكلات الأخلاقية لعلم الأعصاب ملحة (انظر Farah 2005؛ Illes & Raffin 2002).

6.3 الجماليات

ربما يكون من المدهش أن يكون علم الأعصاب قد شق طريقه أيضًا في علم الجمال. نظرًا لأن التجربة الجمالية -على الأقل جزئيًا- تجربة إدراكية، فقد تم بذل بعض الجهود لفهم التجربة الجمالية بشكل أفضل من خلال تحليل علم النفس وعلم الأعصاب للإدراك. تم تخصيص مجلد عام 1999 (المجلد 6، العددان 6-7) من مجلة دراسات الوعي لموضوع الفن والدماغ. في نفس العام نشر عالم الفسيولوجيا العصبية البصرية المتميز سمير زكي كتاب Inner Vision (Zeki 1999) حيث قال إن الفن الحديث يتأثر بشدة بالطريقة التي يعمل بها النظام البصري.

من الأمثلة الرائعة على تطبيق علم الأعصاب على إدراك الفن المرئي تحليل Margaret Livingstone’s (2002) لابتسامة الموناليزا. يستشهد Livingstone بقصة الفن الشهيرة Gombrich’s (1998، 300) لطرح المشكلة:

“ما يلفت انتباهنا أولاً هو الدرجة المذهلة التي تبدو ليزا على قيد الحياة عندها. يبدو أنها تنظر إلينا حقًا ولديها عقل خاص بها. مثل كائن حي، يبدو أنها تتغير أمام أعيننا وتبدو مختلفة قليلاً في كل مرة نعود إليها …. في بعض الأحيان يبدو أنها تسخر منا، ثم مرة أخرى يبدو أننا نلتقط شيئًا مثل الحزن في ابتسامتها.”

يدعي ليفنجستون أن لغز الموناليزا – سر ابتسامتها – هو نتيجة تشريح شبكية عين المشاهد. مركز الشبكية – the fovea – مليء بالمستقبلات الضوئية بشكل أكثر كثافة مما هو عليه في المحيط وبالتالي يكون له أكبر وضوح مكاني. لهذا السبب نحن نوجه مركز الشبكية على أجزاء من كائن أو مشهد من أجل توضيح تفاصيله. عندما يبتعد المشهد عن مركز الشبكية تنخفض كثافة المستقبلات الضوئية وتقل حدة. ومع ذلك يدعي ليفنجستون أن هذا لا يعني أن الرؤية المحيطية ضعيفة، بل مجرد أنها مخصصة لأشياء أخرى، مثل تنظيم المشهد، ورؤية الأشياء الكبيرة، وتنبيهنا إلى أماكن في الفراغ حيث يجب أن نوجه الرؤية الحادة.

وبالتالي إذا نظر المرء إلى صورة تغطي أجزاء مختلفة من الشبكية، فسوف ينتج عن ذلك تمثيل دقيق أو أقل حدة. ومع ذلك – وهذا هو الادعاء الحاسم – فإن التمثيلات الأقل حدة ليست بالضرورة أفقر بالتفاصيل. بدلاً من ذلك توفر الصور الأقل دقة معلومات مختلفة عن تلك التي توفرها الصور الدقيقة. من أجل رؤية تأثير هذا على الموناليزا قام Livingstone بتصفية الصورة ثلاث مرات لاستخراج مكوناتها المكانية الأقل حدة والمتوسطة والدقيقة.

في كل صورة من الصور الثلاث، يبدو التعبير على وجه ليزا مختلفًا – أكثر بهجة في الصورة الأقل حدة وأكثر حزنًا في الصورة الدقيقة. مع تحرك العينين فوق الصورة، سيتم معالجة الصور الأقل حدة أو الدقيقة لوجه ليزا بواسطة النظام المرئي، وباستخدام هذه الصور، سيتم اكتشاف تعبيرات مختلفة – الآن مبهجة، ثم ساخرة وحزينة. إذن فإن سر ابتسامة الموناليزا هو أنه بنظرة متغيرة، يتم تغيير تفسيرنا للعاطفة على وجه ليزا، وكما يقول Gombrich، “تبدو مثل كائن حي، يبدو أنها تتغير أمام أعيننا وتبدو مختلفة قليلاً في كل مرة نعود إليها “.

4. فهم طبيعة العلم

السبب الأخير لمتابعة فلسفة علم الأعصاب هو فهم مشروع العلوم الطبيعية بشكل عام. العديد من آرائنا حول العلم مستوحاة من المعالجة الفلسفية لعلوم نموذجية معينة، مثل الفيزياء. ركزت فلسفة العلم تقليديًا على الفيزياء وعلم الأحياء التطوري لسببين على الأقل. أولاً إذا كان المرء يعمل في محاولة لفهم سمات وطرق عمل العلم، فمن المنطقي التركيز على العلوم التي تم تطويرها جيدًا في كل من المنهجية ونجاح نظرياتها. ثانيًا يعتقد العديد من فلاسفة العلم والعلماء أنفسهم أن التفسير العلمي يكون في أفضل حالاته عندما يستند على نظريات “أساسية”. وبالتالي، فإن أفضل تفسير للكون المادي هو الفيزياء، وأفضل تفسير للظواهر الحية من خلال نظرية التطور.

وفي موقفنا ضد هذا الدافع للتركيز على الفيزياء وعلم الأحياء التطوري، قد يقلق المرء من أن بعض السمات المهمة للمنهج العلمي يمكن أن يحجبها الاهتمام بالنظريات المتطورة جيدًا. قد يعمل العلم بشكل مختلف تمامًا في المراحل الأولى من التطور، وهذا الاحتمال يبرر إجراء تحقيق في علم جديد مثل علم الأعصاب. علاوة على ذلك لا يوجد ما يجعلنا نعتقد بأن جميع العلوم تعمل بنفس الطريقة، وهذا يدفعنا للبحث في الدراسات المقارنة، والدراسات التي تتقاطع مع مجموعة متنوعة من العلوم والتي ستوضح لنا هيكل العلم. وأخيرًا، توفر العلاقة الحافلة بين علم الأعصاب وعلم النفس سببًا للاعتقاد بأن علم الأعصاب قد يُظهر ميزات فريدة. سواء كانت فلسفة علم الأعصاب تقدم وجهات نظر جديدة للعلم أو تدعم وجهات نظر مألوفة، فإن المسعى يمكن أن يثري صورتنا لطبيعة وتقدم العلم.

1.4 الاختزال ومستويات التفسير

إن العلاقة الحافلة بين علم النفس وعلم الأعصاب التي ذكرناها للتو مستلة على الأرجح من مشكلة العقل والجسد. نحن لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت العلاقة بين علم النفس وعلم الأعصاب هي علاقة فرعية أو ما إذا كان التقدم في فهم هذه العلاقة قد ينتج نماذج جديدة من العلاقات بين النظريات بشكل عام. يحتاج الأمر إلى مزيد من البحث لتحديد ما إذا كان الفهم الأفضل للعلاقة بين علم الأعصاب وعلم النفس سوف ينير العلوم الأخرى أم لا.

لقد واجهنا بالفعل وجهة نظر Churchland إلى أن طريقة حل التوتر بين علم النفس وعلم الأعصاب هي القضاء على علم النفس وإعادة وصف الظواهر النفسية بمصطلحات عصبية. وجهة النظر الأكثر تقليدية في كل من علوم العقل والعلوم الأخرى هي الاختزال، والتي بموجبها (في الصورة النحوية الكلاسيكية لـ Nagel 1961)، يمكن أن تكون النظرية الاختزالية، جنبًا إلى جنب مع مجموعة من قوانين الجسر، تستخدم لاشتقاق قوانين النظرية الاختزالية[8]. كان الاختزال هو الهدف من نظرية الهوية للعقل التي ألغتها الوظيفية[9]. على الرغم من أن فكرة الاختزال التدريجي بين مستويات التنظيم العصبي قد فقدت شعبيتها في فلسفة العلم، فإنها تظل هدفًا ضمنيًا لعلم الأعصاب الإدراكي. علاوة على ذلك تتطلب الوظيفية أن يكون هناك إدراك جسدي للحالات العقلية لأنواع معينة أو أفراد معينين.

يعترف بعض فلاسفة العقل بالحد الضيق للحالات الذهنية الخاصة بالنوع أو للفرد كهدف محتمل (انظر Kim 1992) على الرغم من أن هذا ليس اختزالا بالمعنى الكلاسيكي. لم ينتج علم الأعصاب حتى هذه اللحظة اختزالًا لأي جزء معقول من النظرية النفسية على الرغم من وجود أمثلة تتعلق بالمسائل التي يمكن تقديمها. تعتبر نظرية Kandel وزملاؤه عن التعلم الأولي في أبليسيا أحد الأمثلة (انظر Gold & Stoljar 1999 والمراجع الواردة فيها). قد تكون الحالة المشؤومة الحالية للمشروع الاختزالي الكلاسيكي نتيجة لعدد من العوامل. قد لا يمتلك علم الأعصاب بعد الموارد اللازمة للتغلب على أي ظاهرة نفسية جوهرية؛ وقد يتحول الاختزال إلى استحالة تجريبية؛ أو قد يكون المفهوم الكلاسيكي للاختزال غير مناسب لحالة علم النفس وعلم الأعصاب. الاحتمال الأخير هو الأكثر أهمية للعلماء وفلاسفة العلم. يجادلBickle  (1998) على سبيل المثال بأن الاختزال الكلاسيكي فشل على وجه التحديد لأنه تبنى مفهوم ناجل لعلاقة الاختزال. من وجهة نظر Bickle  تتوفر مفاهيم أخرى للاختزال بين النظريات وقد توفر إمكانية ظهور شكل “موجة جديدة” من الاختزالية.

2.4 التفسير والآلية

ترتبط قضية الاختزال تاريخيًا بمسألة التفسير العلمي. وفقًا لنموذج القانون المستغرق[10]covering‐law model الكلاسيكي للتفسير العلمي والمؤدي إلى أنه هو ولا شيء إلا هو (they were one and the same): اختزال الظاهرة يعني شرحها. ومع ذلك فإن العمل الأحدث يميز التفسير عن الاختزال. على الرغم من أن البعض يحافظ على أهمية الاختزال كهدف لعلم الأعصاب، يجادل آخرون بأن التركيز الفلسفي على الاختزال يمثل منعطفًا خاطئًا، ويعزى إلى حد كبير إلى هيمنة الفيزياء في فلسفة العلم. وفقًا لـ Craver (2007) على سبيل المثال فإن نظرة فاحصة على تاريخ علم الأعصاب وممارسته تظهر أن “الاختزال يسيء توصيف وحدة علم الأعصاب بحيث لا يمكن أن يكون بمثابة نموذج تنظيمي مثالي”. يدعي Craver أن فكرة أن كل شيء يجب أن يكون قابلاً للتفسير على المستوى الأساسي (من الخلايا العصبية، المشبك العصبي، الجزيء، إلخ) مضللة وأنه لا يوجد مستوى علمي عصبي واحد للتفسير. وفقًا لـ Craver فإن لعلم الأعصاب هدفان أساسيان، التفسير والتدخل في وظيفة الدماغ، وأن الشكل المناسب للتفسيرات العلمية ليس اختزاليًا أو موحِّدًا أو قائمًا على النموذج، بل سببيًا – آليًا.

بعد سالمون وآخرين، يجادل Craver بأن التفسير يتضمن تحديد أسباب الظاهرة. وبالتالي، تهدف التفسيرات العلمية العصبية إلى وصف الآليات (بما في ذلك المكونات والأنشطة والمنظمات) ذات البنية السببية الواضحة. علاوة على ذلك، يجادل بأن تركيب التفسيرات على مستويات مختلفة مناسبة لشرح هذه الظواهر المتنوعة وأن الصورة المركبة، وليس الاختزال، هي أفضل ما يجسد وحدة علم الأعصاب.

3.4 الاستدلال في علم الأعصاب

أصبح فهمنا لوظيفة الدماغ ممكنًا، ولكنه أيضًا محدود أو مقيد من خلال الطرق المتاحة لعلماء الأعصاب لفحص بنية الدماغ ووظيفته والكيمياء وما شابه. يعد فهم هذه التقنيات ونوع المعلومات التي تقدمها مهمة أخرى حاسمة لفلسفة علم الأعصاب.

تسلط مناقشة المجال الاستقبالي في القسم 2.4 الضوء على المشكلة التي يواجهها كل العلم التجريبي فيما يتعلق بالطريقة التي تنتج بها التقنيات المتاحة البيانات التي يمكن أن تحيز النظرية. أدت صعوبة استخدام الصور الطبيعية كمحفزات في تجارب الفيزيولوجيا الكهربية إلى تصور RF (المجال الاستقبالي) الذي قد يكون من صنع المنبهات الاصطناعية التي تم استخدامها منذ منتصف القرن العشرين. تزودنا جميع تقنيات علم الأعصاب بنافذة محدودة مماثلة على الصورة المعقدة للغاية لكيفية عمل أدمغتنا، حيث تمكننا كل تقنية من استكشاف بعض القيود المكانية والزمانية باعتبارها جزء من وظائف الدماغ. يعد فهم حدود كل تقنية مهمة مركزية لفلسفة علم الأعصاب.

تعد قيود التقنيات المتاحة واحدة من مجموعة من الاهتمامات العلمية التي تتعلق بإجراء استنتاجات من البيانات إلى النظرية. السؤال الثاني الذي قد يكون ذا أهمية خاصة في علم الأعصاب هو ما إذا كان يمكن عمل استنتاجات حول الإدراك البشري من النماذج الحيوانية. في حين أن مثل هذه الاستنتاجات يتم إجراؤها بانتظام في العلوم الطبية الحيوية ويبدو من الواضح أنه على الرغم من التداخل الجيني عبر الثدييات، فإن الإدراك البشري يختلف نوعياً على الأقل في بعض المجالات.

المسألة الثالثة والمحتمل أن تحظى باهتمام الفلاسفة هي منطق عمل الاستدلال من البيانات إلى النظريات في مختلف فروع علم الأعصاب. تم وضع منطق الاستدلال جيدًا بشكل خاص في علم النفس العصبي المعرفي، لذلك نستخدمه كموَجه لنا في هذا لحقل. علم النفس العصبي المعرفي هو فرع من فروع علم النفس المعرفي (وليس علم النفس العصبي؛ انظر Coltheart 2001) حيث تُستخدم البيانات السلوكية من الأفراد المصابين بتلف في الدماغ لتقديم أدلة مع أو ضد النماذج المعرفية. في مثل هذه الدراسات، يمكن الاستدلال على كيفية إخضاع الدماغ للسلوك من خلال توصيف كل من الآفة وتأثيراتها السلوكية (انظرGlymour 1994). هذه إحدى الطرق القليلة التي يمكن لعلماء الأعصاب من خلالها التحقق من وظيفة الدماغ البشري من خلال الاستفادة من تجارب الطبيعة الخاصة.

يقدم Coltheart (2001) لمحة عامة مفيدة عن الأدلة المتعلقة بالعجز الإدراكي مع تلف الدماغ. (للمناقشات المبكرة، انظر Bub & Bub 1988؛ Caramazza 1984؛ Shallice 1988.) يقع الدليل في واحدة من ثلاث فئات: العلاقات associations، والانفصالات dissociations، والانفصال المزدوج double dissociations. يجد المرء ارتباطًا عندما يعاني المريض المصاب بتلف في الدماغ من ضعف في مهمتين – لنقل مثلا فهم الكلمات المكتوبة وفهم الكلمات المنطوقة. يحدث الانفصال عندما يعاني المريض من إعاقة في مهمة واحدة مثل فهم الكلمات المكتوبة، ولكن ليس في وظيفة أخرى، مثل فهم الكلمات المنطوقة. يتطلب الانفصال المزدوج مريضين، أحدهما يعاني من ضعف في مهمة واحدة (لنفترض أني أعاني من فهم الكلمات المكتوبة، ولكن ليس الكلمات المنطوقة)، ومريض آخر يعاني من ضعف في المهمة الثانية، ولكن ليست الأولى (يعني ضعف في فهم الكلمات المنطوقة، وليست المكتوبة).

من بين الأنواع الثلاثة من الأدلة لنظرية ما، فإن الانفصال المزدوج هو الأقوى. لنفترض أن المرء وجد ارتباطًا بين القراءة والفهم السمعي للكلمة. إحدى الفرضيات المعقولة التي يدعمها هذا الاكتشاف هي أن وحدة معرفية واحدة تخضع لفهم كل من الكلمات المكتوبة والمنطوقة. ومع ذلك فإن الفرضية الثانية معقولة أيضًا وهي أن فهم الكلمات المكتوبة وفهم الكلمات المنطوقة يخضعان لوحدات معرفية منفصلة يتم تنفيذها بواسطة مناطق الدماغ المجاورة. وبالتالي من المحتمل أن يؤدي تلف هذا الجزء من الدماغ إلى إتلاف كليهما. إن بيانات الارتباط محدودة وبالتالي لا تستطيع التمييز بين هاتين الفرضيتين.

نشأت المشكلة العكسية للانفصال. بتوفر دليل أن المريض الذي يعاني من ضعف في الفهم الكتابي، ولكن ليس في الفهم الشفوي دليلاً على وحدتين معرفية متميزتين. ومع ذلك فإن الفرضية الثانية منطقية هنا أيضًا وهي أن هناك وحدة واحدة فقط تالفة، ولكنها ليست كذلك تمامًا. في مثل هذه الحالة من الممكن أن يقوم المريض بمهام أسهل تخدمها هذه الوحدة، ولكن لا يمكن هذا مع مهام أكثر صعوبة. إذا افترض المرء أن الفهم الكتابي أكثر صعوبة من الفهم الشفهي فقد يفسر ذلك الحقائق التي ظهرت على المريض.

ومع ذلك ففي حالة الانفصال المزدوج، نرى أن الفرضيات المتنافسة من النوع الذي تمت مناقشته للتو لا تبرز بشكل واضح. (هذا لا يعني أن النظريات المعرفية المختلفة للانفصال غير ممكنة.) إذا كان لدينا مريض يعاني من ضعف في الفهم للكلام المكتوب، ولكنه قادر على فهم الكلمات المنطوقة ومريض آخر يعاني من ضعف في الكلمات المنطوقة، ولكنه قادر على الفهم الكلمات المكتوبة لا يمكن الاعتراض على دليل التفكك لدى مريض واحد. لا يمكن أن يكون فهم الكلمات المنطوقة أصعب من الاختبار المسبق للكلمة المكتوبة لأن المريض الأول يمكنه القيام بذلك على الرغم من عدم قدرته على القيام بالمهمة الأخيرة. ولا يمكن أن يكون فهم الكلمات المكتوبة أصعب من فهم الكلمات المنطوقة لأن المريض الثاني يمكنه القيام بهذه المهمة على الرغم من عدم قدرته على القيام بالمهمة الأخرى. وهكذا فإن الانفصال المزدوج يقدم دليلاً قوياً على وجود وحدتين تخدمان القدرات المنفصلة.

يعتبر تركيب الأدلة المطورة جيدًا للاستدلال من البيانات إلى النظرية مثل تلك الموجودة في علم النفس العصبي الإدراكي مفيدة للغاية في إثبات قوة نظريات علم الأعصاب، والدور الذي يمكن أن يلعبه فلاسفة علم الأعصاب هو اقتراح مثل هذه المعطيات. كما ذكرنا أعلاه، فإن وجود التصوير الوظيفي للدماغ يعد أمرا مهما (Bo gen 2002).

علم الدماغ: الفكرة ذاتها

ليس كل شيء يمكن القيام به يتحتم علينا فعله. يبدو من الواضح أن هناك فلسفة في علم الأعصاب لكن ليس من الواضح لماذا يجب أن يكون الأمر كذلك. بعد كل هذا، لا يوجد الكثير في طريق فلسفة الكيمياء أو الجيولوجيا أو علم وظائف الأعضاء. والأهم من ذلك لا توجد فلسفة في طب القلب ولا في طب الكلى. ما الذي يجعل دراسة هذا العضو -أي الدماغ- مميزة جدًا؟

يبدو أن هناك أربعة معايير على الأقل لتعيين علم ما (س) لكي يُدرس فلسفيا؛ إذا فشلت الاعتبارات الأربعة، فقد نميل إلى الاعتقاد بأن المعالجة الفلسفية لهذا الحقل غير ضرورية. الأسباب هي:

  • (س) مهم بشكل خاص في فهمنا للعالم؛ (2) (س) يقدم ألغازًا معينة ذات أهمية؛ (3) (س) له أهمية فلسفية خاصة. و (4) (س) لها قيمة معرفية خاصة.

يمكن القول إن الفيزياء والبيولوجيا التطورية تغطي الأربع نقاط. كيف يعمل علم الأعصاب؟ بالتأكيد تظهر أهميته في فهمنا للعالم: يتوسط الدماغ كلاً من الإدراك والفعل، وتحتل هذه الظواهر أماكن مركزية في المخطط المفاهيمي. بقدر ما يمكن لعلم الأعصاب أن ينير فهمنا للإدراك والفعل، فهو مرشح جيد للمعالجة الفلسفية. يقدم علم الأعصاب أيضًا أسئلة مثيرة للاهتمام قد تستفيد من البحث الفلسفي، تمامًا كما أثارت ميكانيكا الكم ألغازًا تتطلب اهتمامًا فلسفيًا. قد تشمل هذه الأسئلة: كيف ينبغي فهم القدرات التمثيلية للخلايا العصبية؟ هل حساباتنا تقدم نموذج جيد لما يفعله الدماغ؟ كيف تمكننا طرق علم الأعصاب من الوصول إلى الظواهر المثيرة للاهتمام، ومتى تفشل؟ كيف ندمج رؤى علم الأعصاب مع تلك من الاستفسارات الملحة الأخرى؟

يستوفي علم الأعصاب أيضًا المعيار الثالث. للفيزياء أهمية فلسفية خاصة بسبب الحمل التاريخي بأنها الأساس للعلم وأنها بلغت ذلك المستوى الذي قد تعود إليه جميع الظواهر الفيزيائية في الكون في النهاية. يلعب علم الأعصاب دورًا مشابهًا فيما يتعلق بالإدراك: كما رأينا فقد قيل إن جميع الظواهر العقلية يمكن صياغتها في النهاية بلغة علم الأعصاب (أو بدلاً من ذلك يمكن تفسير جميع الظواهر العقلية من منظور ظواهر الدماغ). سواء كان هذا حاصلا في نفس الأمر أم لا، لا تزال منطقة أخذ ورد.

أخيرًا يبدو أن علم الأعصاب يستوفي أيضًا المعيار الرابع. يظهر أن لعلم الأعصاب قيمة معرفية فريدة من حيث إنه قد يساعد في تزويدنا بمستوى من فهم الذات لا توفره العديد من العلوم الأخرى. وقد يضيء أيضا طبيعة الفهم نفسه.

بشكل عام يبدو أن هناك القليل من الشك في أن المحرك الأساسي لفلسفة علم الأعصاب هو محاولة فهم طبيعة العقل وكيف ينشأ من الركيزة المادية للدماغ. وبالتالي فإن وجود فلسفة لعلم الأعصاب يعتمد إلى حد كبير على مدى صلة فهم الدماغ بفهم العقل وهذا إلى حد كبير سؤال تجريبي. لقد علمتنا الحجج المضادة للاختزالية في فلسفة العقل أن القليل جدًا من الاهتمام العلمي ينبع من حقيقة أن العقل يتكون من الدماغ ووظائفه. حتى لو كانت حقيقة ميتافيزيقية أن العقل متطابق مع الدماغ فإن علم العقل قد يتحول أو لا يكون علمًا للدماغ.

في نهاية المطاف قد تنتج العلوم النفسية أفضل نظرياتنا عن العقل بمساهمة علم الأعصاب وهذا ما يشار إليه عادةً باسم mere implementation”. في المقابل قد ينضج علم الأعصاب بطريقة تجعل الوصول مباشر إلى الظواهر العقلية.

يبقى التساؤل ما إذا كان يجب أن تكون هناك فلسفة لعلم الأعصاب على المدى الطويل سيعتمد على القرب من العلاقة بين علم الأعصاب والعقل، على الرغم من أنه كما قلنا، حتى لو انتصرت مناهضة الاختزال فإنه لا يزال هناك دافع كاف لامتلاك فلسفة خاصة بعلوم الدماغ. ومع ذلك في الوقت الحالي فإن البحث فيما إذا كان علم الأعصاب وثيق الصلة بفهم العقل يعد أحد أهم القضايا في الفلسفة. لهذا السبب وحده إذا لم تكن هناك فلسفة لعلم الأعصاب، فسيكون من الضروري اختراعها.

شكر وتقدير

أتقدم بالشكر والتقدير للأصدقاء الذين ساهموا في إخراج هذه الترجمة، سواء بتشجيعهم أو بمراجعتهم للنص المترجم، وأخص الأستاذ سلطان المقيرشه الذي تفضل مشكورا بمراجعة النص المترجم وإبداء ملاحظات قيمة ساهمت بإخراج النص على الهيئة التي بين أيديكم اليوم.


المصدر

Ian Gold and Adina L. Roskies, The Oxford Handbook of Philosophy of Biology Edited by Michael Ruse

Print Publication Date: Jul 2008
Subject: Philosophy, Philosophy of Mind, Philosophy of Science
Online Publication Date: Sep 2009 DOI: 10.1093/oxfordhb/9780195182057.003.0016


المراجع

  • Akins, K. 1996. Of sensory systems and the “aboutness” of mental states. Journal of Phi­ losophy 13:337–72.
  • (p. 376) Bair, W. 2005. Visual receptive field organization. Current Opinion in Neurobiolo­ gy 15:459–64.
  • Barlow, H. 2001. Redundancy reduction revisited. Network: Computation in Neural Sys­ tems 12:241–53.
  • Baron‐Cohen, S., Leslie, A. M., & Frith, U. 1985. Does the autistic child have a “theory of mind”? Cognition 21:37–46.
  • Bechtel, W. 2001. Representations: From neural systems to cognitive systems. In W. Bech­ tel et al. (eds.), Philosophy and the Neurosciences: A Reader, 332–49. Oxford: Blackwell.
  • Bechtel, W., Mandik, P., Mundale, J., & Stufflebeam, R. S. 2001. Philosophy and the Neuro­ sciences: A Reader. Oxford: Blackwell.
  • Bechtel, W., & Mundale, J. 1999. Multiple realizability revisited: Linking cognitive and neural states. Philosophy of Science 66:175–207.
  • Bickle, J. 1998. Psychoneural Reduction: The New Wave. Cambridge, Mass.: MIT Press. Black, I. B. 1994. Information in the Brain. Cambridge, Mass.: MIT Press.
  • Block, N. 2005. Two neural correlates of consciousness. Trends in Cognitive Sciences 9(2):46–52.
  • Bogen, J. 2002. Epistemological custard pies from functional brain imaging. Philosophy of Science 69:S59–71.
  • Bub, J., & Bub, D. 1988. On the methodology of single‐case studies in cognitive neuropsy­ chology. Cognitive Neuropsychology 5:565–82.
  • Buller, D. J., & Hardcastle, V. G. 2000. Evolutionary psychology, meet developmental neu­ robiology: Against promiscuous modularity. Brain and Mind 1:307–25.
  • Burge, T. 1979. Individualism and the mental. In P. A. French, T. E. Uehling, & H. K. Wettstein (eds.), Midwest Studies in Philosophy IV: Studies in Metaphysics. Minneapolis: University of Minnesota Press.
  • Caramazza, A. 1984. The logic of neuropsychological research and the problem of patient classification in aphasia. Brain and Language 21:9–20.
  • Chirimuuta, M., & Gold, I. J. forthcoming. The receptive field in transition. In J. Bickle (ed.), Handbook of Philosophy of Neuroscience. Oxford: Oxford University Press.
  • Churchland, P.M. 1981. Eliminative materialism and propositional attitudes. Journal of Philosophy 77, 67–90.
  • Churchland, P. S. 1986. Neurophilosophy. Cambridge, Mass.: MIT Press.
  • Churchland, P. S. 2002. Brain‐wise: Studies in Neurophilosophy. Cambridge, Mass.: MIT Press.
  • Churchland, P. S., & Sejnowski, T. J. 1992. The Computational Brain. Cambridge, Mass.: MIT Press.
  • Clark, A. 1993. Sensory Qualities. Oxford: Oxford University Press.
  • Clark, A. 2001. Some logical features of feature integration. In Werner Backhaus (ed.), Neuronal Coding of Perceptual Systems. New Jersey: World Scientific.
  • Coltheart, M. 2001. Assumptions and methods in cognitive neuropsychology. In B. Rapp
  • (ed.), Handbook of Cognitive Neuropsychology. Philadelphia: Psychology Press.
  • Coltheart, M. 2004. Brain imaging, connectionism and cognitive neuropsychology. Cogni­ tive Neuropsychology 2:21–25.
  • Couch, M. B. 2004. A defense of Bechtel and Mundale. Philosophy of Science 71:198–204.
  • Craver, C. F. 2005. Beyond reduction: Mechanisms, multifield integration and the unity of neuroscience. Studies in History and Philosophy of Biological and Biomedical Sciences 36C:373–95.
  • (p. 377) Craver, C. F. 2007. Explaining the Brain: What a Science of Mind Could Be. Oxford: Oxford University Press.
  • Crick, F., & Koch, C. 1998. Consciousness and neuroscience. Cerebral Cortex 8(2):97–107.
  • Crick, F., & Koch, C. 2003. A framework for consciousness. Nature Neuroscience 6(2): 119–26.
  • David, S. V., William, E. V., & Gallant, J. L. 2004. Natural stimulus statistics alter the re­ ceptive field structure of V1 neurons. Journal of Neuroscience 24:6991–7006.
  • Davies, M., Coltheart, M., Langdon, R., & Breen, N. 2001. Monothematic delusions: To­ wards a two‐factor account. Philosophy, Psychiatry and Psychology 8:133–158.
  • Davies, M., & Stone, T. (eds.). 1995. Folk Psychology: The Theory of Mind Debate. Oxford: Blackwell.
  • de Vignemont, F., & Fourneret, P. 2004. The sense of agency: A philosophical and empiri­ cal review of the “who” system. Consciousness and Cognition 13:1–19.
  • Eggermont, J. J. 1998. Is there a neural code? Neuroscience and Biobehavioral Reviews 22:355–70.
  • Eliasmith, C. 2003. Moving beyond metaphors: Understanding the mind for what it is. Journal of Philosophy 100(10):493–520.
  • Evans, G. 1985. Molyneux’s question. In Evans, Collected Papers. Oxford: Clarendon.
  • Fadiga, L., Fogassi, L., Pavesi, G., & Rizzolatti, G. 1995. Motor facilitation during action observation: A magnetic stimulation study. Journal of Neurophysiology 73:2608–11.
  • Farah, M. J. 2005. Neuroethics: The practical and the philosophical. Trends in Cognitive Science 9:34–40.
  • Fodor, J. 1983. The Modularity of Mind. Cambridge, Mass.: MIT Press.
    Fodor, J. 1999. Let your brain alone. London Review of Books /www.lrb.co.uk/v21/n19/
  • fodo01_.html.
    Frith, C. 1992. The Cognitive Neuropsychology of Schizophrenia. Hillsdale, N.J.: Erlbaum.
  • Frith, C., Perry, R., & Lumer, E. 1999. The neural correlates of conscious experience: An experimental framework. Trends in Cognitive Sciences 3(3):105–14.
  • Gallese, V., Fadiga, L., Fogassi, L., & Rizzolatti, G. 1996. Action recognition in the premo­ tor cortex. Brain 119:593–609.
  • Gallese, V., & Goldman, A. 1998. Mirror neurons and the simulation theory of mind‐read­ ing. Trends in Cognitive Sciences 2:493–501.
  • Garety, P. A., & Hemsley, D. R. 1994. Delusions: Investigations into the Psychology of Delusional Reasoning. Oxford: Oxford University Press.
  • Garson, J. 2003. The introduction of information into neurobiology. Philosophy of Science 70:926–36.
  • Gauthier, I., Curby, K. M., & Epstein, R. in press. Activity of spatial frequency channels in the fusiform face‐selective area relates to expertise in car recognition. Cognitive and Af­ fective Behavioral Neuroscience.
  • Gazzaniga, M. S. 2005. Forty‐five years of split‐brain research and still going strong. Na­ ture Reviews: Neuroscience 6:653–59.
  • Gerrans, P. 2002. Multiple paths to delusion. Philosophy, Psychology and Psychiatry 9:66– 72.
  • Gluck, M. A., Meeter, M., & Myers, C. E. 2003. Computational models of the hippocampal region: Linking incremental learning and episodic memory. Trends in Cognitive Science 7:269–76.
  • Glymour, C. 1994. On the methods of cognitive neuropsychology. British Journal for the Philosophy of Science 45:815–35.
  • Gold, I. J., & Stoljar, D. 1999. A neuron doctrine in the philosophy of neuroscience. Behav­ ioral and Brain Sciences 22:809–30.
  • Gombrich, E. H. 1998. The Story of Art, 16th ed. New York: Prentice‐Hall. Greene, J. D., Nystrom, L. E., Engell, A. D., Darley, J. M., & Cohen, J. D. 2004. The neural
  • bases of cognitive conflict and control in moral judgment. Neuron 44:389–400.
  • Greene, J. D., Sommerville, R. B., Nystrom, L. E., Darley, J. M., & Cohen, J. D. 2001. An fM­ RI investigation of emotional engagement in moral judgment. Science 293:2105–8.
  • Hacker, P. M. S., & Bennett, M. R. 2003. Philosophical Foundations of Neuroscience. Malden, Mass.: Blackwell.
  • Hanson, S. J., Matsuka, T., & Haxby, J. V. 2004. Combinatorial codes in ventral temporal lobe for object recognition: Haxby (2001) revisited: Is there a “face” area? Neuroimage 23(1):156–66.
  • Hardcastle, V. G. 1996. How we get there from here: Dissolution of the binding problem. Journal of Mind and Behavior 17:251–66.
  • Hardcastle, V. G. 1997. Consciousness and the neurobiology of perceptual binding. Semi­ nars in Neurology 17:163–70.
  • Hardcastle, V. G. 1999a. The Myth of Pain. Cambridge, Mass.: MIT Press.
  • Hardcastle, V. G. 1999b. What we don’t know about brains. Studies in History and Philoso­ phy of Biological and Biomedical Sciences 5C:69–89.
  • Hardcastle, V. G. 1999c. It’s o.k. to be complicated: The case of emotion. Journal of Con­ sciousness Studies 6:237–349.
  • Hardcastle, V. G., & Stewart, C. M. 2002. What do brain data really show? Philosophy of Science 69:S72–82.
  • Hartline, H. K. 1938. The response of single optic nerve fibers of the vertebrate eye to il­ lumination of the retina. American Journal of Physiology 121:400–415.
  • Hatfield, G. 2000. “The brain’s ‘new’ science: Psychology, neurophysiology, and con­ straint,” Philosophy of Science 67:S388–403.
  • Haxby, J. V., Gobbini, M. I., Furey, M. L., Ishai, A., Schouten, J. L., & Pietrini, P. 2001. Dis­ tributed and overlapping representations of faces and objects in ventral temporal cortex. Science 293:2425–30.
  • Henson, R. 2005. What can functional neuroimaging tell the experimental psychologist? Quarterly Journal of Experimental Psychology 58A:193–233.
  • Hohwy, J. 2004. Top‐down and bottom‐up in delusion formation. Philosophy, Psychiatry and Psychology 11:65–70.
  • Hubel, D. H., & Weisel, T. N. 1998. Early explorations of the visual cortex. Neuron 20:401– 12.
  • Illes, J., & Raffin, T. 2002. Neuroethics: A new discipline is emerging in the study of brain and cognition. Brain and Cognition 50:341–44.
  • Jacobson, A. J. 2003. Mental representations: What philosophy leaves out and neuro­ science puts in. Philosophical Psychology 16:189–203.
  • Kanwisher, N., & Yovel, G. in press. The fusiform face area: A cortical region specialized for the perception of faces. Philosophical Transactions of the Royal Society of London B.
  • Kayser, C., Salazaar, R. F., & König, P. 2003. Journal of Neurophysiology 90:1910–20.
  • Keeley, B. 2002. Making sense of the senses: Individuating modalities in humans and oth­ er animals. Journal of Philosophy 99:5–28.
  • Kim, J. 1992. Multiple realizability and the metaphysics of reduction. Philosophy and Phe­ nomenological Research 52:1–26.
  • Kim, S. 2002. Testing multiple realizability: A discussion of Bechtel and Mundale. Philoso­ phy of Science 69:606–10.
  • Laureys, S. (2005) The neural correlate of (un)awareness: Lessons from the vegetative state. Trends in Cognitive Sciences 9:556–559.
  • Lehky, S. R., & Sejnowski, T. J. 1988. Network model of shape‐from‐shading: Neur­ al function arises from both receptive and projective fields. Nature 333:452–54.
  • Lewis, D. 1986. On the Plurality of Worlds. Oxford: Oxford University Press.
  • Libet, B. 1985. Unonscious cerebral initiative and the role of conscious will in voluntary action. Behavioural and Brain Science 8:529–66.
  • Livingstone, M. S. 2002. Vision and Art: The Biology of Seeing. New York: Abrams.
  • Lloyd, D. 2000. Terra cognita: From functional neuroimaging to the map of the mind. Brain and Mind 1:93–116.
  • Machamer, P. K., Grush, R., & McLaughlin, P. 2001. Theory and Method in the Neuro­ sciences. Pittsburgh, Pa.: University of Pittsburgh Press.
  • Mandik, P. 2003. Varieties of representation in evolved and embodied neural networks. Bi­ ology and Philosophy 18:95–130.
  • Mandik, P. 2005. Action oriented representation. In A. Brook & K. Akins (eds.), Cognition and the Brain: The Philosophy and Neuroscience Movement. Cambridge: Cambridge Uni­ versity Press.
  • Merleau‐Ponty, M. 1962. The Phenomenology of Perception. Translated by C. Smith. Lon­ don: Routledge & Kegan Paul.
  • Milner, A. D., & Goodale, M. A. 1995. The Visual Brain in Action. Oxford: Oxford Universi­ ty Press.
  • Mundale, J. 2002. Concepts of localization: Balkanization in the brain. Brain and Mind 3:313–30.
  • Nagel, E. 1961. The Structure of Science. New York: Harcourt, Brace & World.
  • Nagel, T. 1971. Brain bisection and the unity of consciousness. Synthese 22:396–413.
  • Noë, A. 2004. Action in Perception. Cambridge, Mass.: MIT Press.
  • O’Keefe, J., & Nadel, L. 1978. The Hippocampus as a Cognitive Map. Oxford: Oxford Uni­ versity Press.
  • Pins, D., & Ffytche, D. 2003. The neural correlations of conscious vision. Cerebral Cortex 13:461–74.
  • Poeppel, D. 1996. A critical review of PET studies of phonological processing. Brain and Language 55:317–51.
  • Quartz, S. R. 2003. Innateness and the brain. Biology and Philosophy 18:13–40.
  • Quian Quiroga, R., Reddy, L., Kreiman, G., Koch, C. & Fried, I. 2005. Invariant visual rep­ resentation by single neurons in the human brain. Nature 435:1102–7.
  • Rees, G., Kreiman, G., & Koch, C. 2002. Neural correlates of consciousness in humans. Nature Reviews Neuroscience 3(4):261–70.
  • Revonsuo, A. 1999. Binding and the phenomenal unity of consciousness. Consciousness and Cognition 8:173–85.
  • Ringach, D. L. 2004. Mapping receptive fields in primary visual cortex. Journal of Physiol­ ogy 558:717–28.
  • Rizzolatti, G., Fadiga, L., Gallese, V., & Fogassi, L. 1996. Premotor cortex and the recogni­ tion of motor actions. Cognitive Brain Research 3:131–41.
  • Robertson, A. D. J. 1965. Anesthesia and receptive fields. Nature 205:80–83.
  • Rolls, E. T. 2001. Representations in the brain. Synthese 129:153–71.
  • Roskies, A. L. 2002. Neuroethics for the new millennium. Neuron 35:21–23.
  • Roskies, A. L. 2003. Are ethical judgments intrinsically motivational? Lessons from “ac­ quired sociopathy”. Philosophical Psychology 16, 51–66.
  • Rust, N. C. & Moushon, J. A. 2005. In praise of artifice. Nature Neuroscience 12:1647– 1650.
  • Schouten, M. K. D., & de Jong, H. L. 1999. Reduction, elimination, and levels: The case of the LTP‐learning link. Philosophical Psychology 12(3):237–62.
  • Shallice, T. 1988. From Neuropsychology to Mental Structure. Cambridge: Cam­ bridge University Press.
  • Sperry, R. W. 1961. Cerebral organization and behavior. Science 133:1749–1757.
  • Stone, T., & Young, A. W. 1997. Delusions and brain injury: The philosophy and psycholo­ gy of belief. Mind and Language 12:327–64.
  • Stufflebeam, R. S. 2001. Brain matters: A case against representations in the brain. In W. Bechtel et al. (eds.), Philosophy and the Neurosciences: A Reader, 395–413. Oxford: Blackwell.
  • Tarr, M. J., & Gauthier, I. 2000. FFA: A flexible fusiform area for subordinate‐level visual processing automatized by expertise. Nature Neuroscience 3(8):764–69.
  • Thomson, J. J. 1986. Rights, Restitution, and Risk: Essays in Moral Theory. Cambridge, Mass.: Harvard University Press.
  • Tibbetts, P. 2004. The concept of voluntary motor control in the recent neuroscientific lit­ erature. Synthese 141:247–76.
  • Turk, D. J., Heatherington, T. F., Kelley, W. M., Funnell, M. G., Gazzaniga, M. A. & Macrae, C. N. 2002. Mike or me? Self‐recognition in a split‐brain patient. Nature Neuroscience 5:841–42.
  • Ungerleider, L. G., & Mishkin, M. 1982. Two cortical visual systems. In D. J. Ingle, M. A. Goodale, & R. J. W. Mansfield (eds.), Analysis of Visual Behavior, 549–86. Cambridge, Mass.: MIT Press.
  • Uttal, W. R. 2001. The New Phrenology: The Limits of Localizing Cognitive Processes. Cambridge, Mass.: MIT Press.
  • Van Orden, G. C., & Paap, K. R. 1997. Functional neuroimages fail to discover pieces of mind in the parts of the brain. Philosophy of Science 64:S85–94.
  • Wörgötter, F., & Eysel, U. T. 2000. Context, state and the receptive fields of striatal cortex cells. Trends in Neuroscience 23:497–503.
  • Young, R. M. 1990. Mind, Brain, and Adaptation in the Nineteenth Century: Cerebral Lo­ calization and Its Biological Context from Gall to Ferrier. New York: Oxford University Press.
  • Yovel, G., & Kanwisher, N. 2004. Face perception: Domain specific, not process specific. Neuron 44(5): 889–98.
  • Zeki, S. 1999. Inner Vision: An Exploration of Art and the Brain. New York: Oxford Univer­ sity Press.

الهوامش

([1] ) أو الفيزيقانية، نظرة فلسفية تقول بأن العالم الفيزيائي هو كل ما هنالك، أو بعبارة أخرى هو المذهب القائل أن كل شيء مادي. والفيزيقانية في فلسفة الذهن: تزعم أن كل الوقائع المرتبطة بالأذهان والذهنية وقائع مادية. وانظر دليل أكسفورد للفلسفة ص ١١٥٢ (المترجم).  

([2] ) عملية فسيولوجية، على المستوى الخلوي العصبي، قد نتجوز بتعريفها بالسيال العصبي لكونه أحد نتائج هذه العملية. (المترجم)

[3] منطقة في المحيط الحسي يمكن أن تؤثر فيها المنبهات على النشاط الكهربائي للخلايا الحسية.

[4] 2008

[5] Bayes, Thomas عالم رياضيات ورجل دين إنجليزي، قدم برهانا يدعىBayes theorem أو مبرهنة بايس في مقاله المعنون (مقال نحو حل مشكلة في مذهب الصدفة) ، ومبرهنته هذه في حساب الاحتمال. للاستزادة راجع فلسفة العلم من الألف إلى الياء. (المترجم).

[6] النزعة الاستبعادية أؤ الإقصائية، صورة متطرفة من النزعة المادية في العقل، تستبعد الاعتقادات وتنكر وجودها، وعندهم أن الكلام في الاعتقادات سيذهب مع تقدم علم الأعصاب، ويرون أن كلمة (الاعقتاد) مماثلة لكلمات تم التخلص منها بواسطة التقدم العلمي، وأنها من بقايا علم النفس الشعبي. وللاستزادة راجع نظرية المعرفة مقدمة معاصرة لصلاح إسماعيل. (المترجم).

[7] قطع الألياف الرابطة بين فصي الدماغ. (المترجم)

[8] أو الردية، وهو نموذج قدمه ناجل يستلزم رد النظرية (ن) إلى النظرية (نَ) أمرين، الأول أن تكون مفردات النظرية (ن) مرتبطة بشكل مناسب بمفردات النظرية (نَ)، والثاني أن تكون جمل النظرية (ن) قابلة للاستقاق من جمل (نَ). مع تفصيل يراجع في محله، وانظر فلسفة العلم من الألف إلى الياء. (المترجم)

[9] يعتبر المذهب الوظيفي الحالات العقلية، حالات وظيفية. أي أن أي حالة ما تعد وظيفية إدا كانترتلعب دورا عليا في من نوع مخصوص في المنظومة التي تنتمي إليها. وانظر فلسفة العقل لجون هيل. (المترجم).

[10] تعبير استعمله وليام دراي للإشارة إلى النموذج الاستنباطي النومولوجي في التفسير والذي وفقا له يكونا لتفسير موضحا بكيان يتدرج تحت أو مستغرق بقانون ما (فلسفة العلم من الألف إلى الياء) المترجم.