مجلة حكمة
فرنسوا طاديي فرنسوا طاديي

حوار مع الباحث فرنسوا طاديي

ترجمةالعربي القاسي

إن نموذجنا المبني على المنافسة قد عفا عليه الدهر

  يرى الباحث فرنسوا طاديي أن نموذجنا [أي نحن الفرنسيين] المدرسي النخبوي لا يهيِّئ [المتعلمين] لا للجامعة، ولا لعالم الشغل، ولا للحياة حين يكبرون… ولهذا فقد آن الأوان لأن نعيد صياغته معا من جديد.

° يبدو أن المدرسة الفرنسية شديدة الحرص على نجاح التلاميذ، ولكنها في الوقت نفسه لا تعبأ كثيرا بتقييم نجاحات تلاميذها ودعمها. أليس هذا تناقضا؟

° إن مناط الأمر يتوقف على ما نقصده “بالنجاح”. فتاريخ نظامنا التربوي بفرنسا يدفعنا إلى النظر إليه من زاوية التنافس. أي أن النجاح ليس فقط تعلمُ الأشياء أو تذليل الصعاب، بل هو تبوؤ صفوف الصدارة، فتلك هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى مدارس النخبة، وقد ظل الأمر كذلك منذ إنشاء كلية الفنون التطبيقية (البوليتكنيك) في نهاية القرن الثامن عشر. إن هذا النموذج الذي يميز فئة ضئيلة من التلاميذ قد صار اليوم باليا متداعيا. وذلك أنه وُضع لمجتمع يختلف كليا عن مجتمعنا، لمجتمع كان يحصل فيه على شهادة الباكالوريا أقل من 1% من الفئة العمرية [التي تترشح لها]. ومن الظاهر أنه أضحى مُضرا لمعظم التلاميذ [اليوم] إذ لا يسمح بإصلاح التفاوتات الاجتماعية ولا باستثمار كل المواهب [لدى التلاميذ]، وإن مرتبة فرنسا المتردية في التصنيفات الدولية لنُظُم التعليم لشاهد على ذلك.

° يبدو أن نموذج النجاح هذا القائمَ على التنافس متغلغل في النظام المدرسي الفرنسي برمته. إلا أن النجاح المدرسي أبعد ما يكون من أن يكون مؤشرا صادقا للنجاح الجامعي [فكثيرا ما يصبح التلميذ الخامل في المدرسة طالبا جامعيا نجيبا]. فكيف يمكن تفسير هذه القطيعة؟

   ويبقى التعليم العالي أقرب بكثير من المدرسة إلى الحياة المهنية وإلى الحياة في أرض الواقع إذ لا يتواءم معه النموذج التنافسي البتة. فإن كان من الممكن أن يوجد التنافس بين شركتين [في أرض الواقع] فإنه يتوجب على الأفراد أن يعرفوا كيف يتعاونون داخل الشركة الواحدة، وكيف يعملون داخل مجموعات عمل قد تصغر أو تكبر، مع أناس ذوي خلفيات ومهارات متباينة. وعلاوة على ذلك، فإن نموذجنا المنتهج في [تقييم] النجاح لا يقيم وزنا للاستقلالية وروح المبادرة، وقد أصبحت هاتان الخصلتان كفايتين هامتين حاسمتين حينما يواجه المرء مشاكل حقيقية، كالتي تعرض في أروقة الجامعة أو في العالم المهني.

° وهكذا يمكن أن تكون طريقتنا في النظر إلى النجاح المدرسي ضارة أيضا بالنجاح المهني الذي يتطلع إليه الشباب؟

   أجل، وهذا ينذر بتفاقم الوضع إذا لم يتم تدارك الموقف! ويُقدَّر أن ما بين 10% و15% من المهن [الموجودة اليوم] سوف تندثر [عما قريب] أو يطرأ عليها تحول عميق جراء الطفرات التقنية والتحديات البيئية [التي يشهدها العالم]. وعليه فإن رهان المدرسة اليوم لم يعد يقتصر على مجرد تكوين التلاميذ لمزاولة المهن الموجودة، بل يمتد إلى جعلهم قادرين على إعادة اكتشاف ذواتهم بشكل فردي وجماعي. ويتم هذا عبر تثمين الكفايات المعرفية المختلفة. بمعنى أن التلاميذ يتم انتقاؤهم حاليا بالنظر إلى قدرتهم على الاستظهار واسترجاع المعارف [بضاعتنا ردت إلينا]، في حين أن أي جهاز كمبيوتر يقوم بذلك أفضل منا!. لذلك يجب أن ينصب تدريبهم على الاستكشاف، أي على التساؤل، والبحث، والتجريب، الأمر الذي من شأنه أن يفضي، بالمقابل، إلى إعادة النظر في فاعلية نموذجنا المتبع في تقييم النجاح، بحيث يكون فيه الخطأ وما يستتبعه من تعلم، بمثابة محرك لا مناص منه لهذا الاستكشاف المنشود.

° ولا يمكن حصر دور المدرسة في تحضير المتعلمين للنجاح المهني [ﻷن في الحياة ما هو أهم من ذلك]. فهل نظامنا المدرسي قادر على صناعة أفراد سُعداء، قادرين على تحمل أعباء الحياة ومصاعبها، أي هل يسمح لكلٍّ بأن “ينجح في حياته” [في كل نواحيها بما يُسِّرَ له] ؟

  ولقد بات واضحا أن نموذج النجاح القائم على التنافس يشكل عقبة [أمام هذا المطلب]. فإن كان المرء في تنافس محتدم مع الآخرين، فإنه لا يحتاج إلى تطوير المهارات الاجتماعية التي يتطلبها التعاون مثلا. والحال أن هذه القدرات، أي القدرة على التعاطف مع الغير، وعلى اتباع مكارم الأخلاق، وعلى التآزر، ليست تفيد في مواجهة تحديات الغد وحسب، بل هي مقومات أساسية في تحقيق النجاح الوجودي لكل فرد فرد. ذلك أن النجاح في الحياة يعني أن يكون المرء قادرًا على إيجاد الأشياء التي لها معنى [في حياته] لأنها موضع شغفه ولأنها مفيدة. لكن للأسف لا يمكن القول بأن هذه المبتغيات المأمولة حاضرة في صميم النظام المدرسي الحالي. غير أنه قد ظهرت الآن مبادرات كثيرة في المدارس تقصد العمل على تطوير ذلك. وعلينا أن نضع الثقة في الذكاء الجماعي بغية إنتاج النظام التربوي المثالي المنشود الجديد التي نحتاج إليه.

                         تكفلت بجمع هذه الأفكار بياتريس كاميري  


  • فرنسوا طاديي (Francois Taddéi): باحث في علم الأحياء التطوري، مؤسس مشارك في مركز البحث الذي يعنى بطرق التعلم الجديدة (CRI)، ومؤلف كتاب “التعلم في القرن الحادي والعشرين” [Apprendre au 21e siècle (Calmann-Lévy 2018)]
  •   إن العبارات الموجودة بين معقوفتين [] من إضافات المترجمة استكمالا للمعنى وتيسيرا للفهم.
  • عنوان النص الفرنسي الأصلي «Notre modèle compétitif est totalement obsolète» ، مجلةSciences Humaines Octobre 2019, N° 318 ، عدد خاص Réussir à l école [النجاح في المدرسة] ، الصفحة: 58.