مجلة حكمة
العدالة العالمية

العدالة العالمية

الكاتبجيليان بروك
ترجمةأمل فريد زاهد
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول العدالة العالمية؛ نص مترجم لد. جيليان بروك، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


 

ما هي العدالة العالمية؟

طبقًا للتفسيرات المتداولة، تتحقق العدالة عندما يحصل كل فرد على حقه، ومن هذا المنطلق كانت العدالة معنية بما ندين به لبعضنا البعض، وماهي الالتزامات التي نحملها على عاتقنا عندما نتعامل مع بعضنا البعض بشكل عادل في مختلف المجالات، بما في ذلك قضايا التوزيع والتقدير، وقد ركز الفلاسفة السياسيون المعاصرين عند وضع نظرياتهم بشكل كامل حول العدالة داخل الدولة، وعلى الرغم من أن السنوات العشرين الماضية أو نحو ذلك قد شهدت توسعًا ملحوظًا في مجال العدالة العالمية، فكانت تتمتع بتوسع هائل في مجموعة الموضوعات التي تمت العمل على تغطيتها، وعلى صعيد آخر فقد ظلت بعض القضايا، مثل قضايا السلوك العادل في الحرب محل قلق منذ فترة طويلة، إلا أن بعض القضايا الأخرى تتسم بالحداثة وتنشأ بشكل خاص في سياق ظواهر معاصرة مثل التوجه نحو العولمة الشاملة، والتكامل الاقتصادي والتغير المناخي الكارثي المحتمل الذي ينتج عن الإنسان.

ولا شك أن العمل الذي قدمه “جون راولز” ” ”John Rawls المسمى قانون الشعوب يعتبر عملًا مهمًا بشكل خاص حيث أنه حفز بشكل كبير التفكير حول النماذج المختلفة للعدالة العالمية (Rawls, 1999). وسرعان ما برزت العديد من الأسئلة في المناقشات بما في ذلك الأسئلة التالية: ما هي المبادئ التي ينبغي أن يسترشد بها العمل الدولي؟ وما هي المسؤوليات التي تقع على عاتقنا تجاه فقراء العالم؟ وهل ينبغي أن يكون عدم المساواة العالمية أو الظلم العالمي مصدر قلق من الناحية الأخلاقية؟ وهل ينبغي التسامح مع بعض الشخصيات غير الليبرالية؟ وأي نوع من السياسة الخارجية يتوافق مع القيم الليبرالية؟ وهل “المدينة الفاضلة الواقعية” ممكنة في السياق العالمي؟ وأخيراً، كيف يمكننا الانتقال بشكل جيد نحو عالم أقل ظلمًا وأكثر عدلًا؟

كما لعبت الأحداث المعاصرة دورًا كبيرًا في إثارة التساؤلات الفلسفية، ومن أمثلة تلك الأحداث المعاصرة ما يلي: الحالات البارزة من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وأشكال الإرهاب التي لم تكن شائعة قبل عام 2001، والاهتمام المتزايد بالهجرة إلى البلدان المتقدمة الغنية، وزيادة الاعتماد على العمالة الوافدة من البلدان النامية الفقيرة، والتهديدات الهائلة للرفاه والأمن والبيئة، وقد مثلت تلك الأحداث محفزات تتطلب المزيد من العمل. وبدأ الفلاسفة في التفكير في أسئلة مثل الأسئلة التالية: هل يجوز في أي وقت الانخراط في عمل عسكري قسري لأغراض إنسانية؟ وهل من الممكن وقف الإبادة الجماعية أو منع الانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان؟ وهل يمكن تبرير الإرهاب؟ وهل يجب على الدول المتقدمة الغنية أن تفتح حدودها بسخاء أكبر مما تفعله حاليًا لأولئك القادمين من البلدان النامية الفقيرة الذين يرغبون في الهجرة إليها؟ وهل ترتيباتنا الاقتصادية العالمية الحالية عادلة، وإذا لم تكن كذلك، فكيف ينبغي تغييرها لكي تصبح عادلة؟ وما هي المسؤوليات التي تقع على عاتقنا تجاه بعضنا البعض في النظام العالمي المعولم، عالم ما بعد ويستفاليان (عالم ما بعد انتهاء الحرب الباردة)؟ وكيف ينبغي تخصيص وتوزيع المسؤوليات للحد من الظلم العالمي في عالمنا، كما في حالة تخصيص وتوزيع التكاليف المرتبطة بمعالجة تغير المناخ؟

كما تزامن الاهتمام المتزايد بقضايا العدالة العالمية مع الاهتمام المتزايد بمكانة وقيمة القومية، وقد تبع هذه القضايا بعض الأحداث المعاصرة؛ مثل الاشتباكات القومية التي امتدت إلى معاناة واسعة النطاق (لا سيما في يوغوسلافيا السابقة ورواندا)، والدعوات المتزايدة لتحمل مزيد من المسؤولية للدفع بتقرير المصير القومي، مثل الاعتراف بدولة ذات سيادة للفلسطينيين أو التبتيين (سكان منطقة التبت)، وأيضًا في حالة الانفصال (بشكل بارز، كيبيك). وفي هذا السياق أيضًا قد اهتم منظرو العدالة العالمية بمجموعة من الأسئلة المهمة مثل الأسئلة التالية: متى يجب أن تُمنح مطالبات تقرير المصير القومي وزنًا كبيراً؟ ومتى يجب أن يكون تقرير المصير محل اهتمام من أجل حماية حقوق الإنسان؟ وهل الالتزامات تجاه القومية والعدالة العالمية متوافقة مع بعضها البعض؟ وهل الديمقراطية الحقيقية ممكنة فقط على مستوى الدولة؛ أم أن هناك أشكالًا قوية من الديمقراطية ممكنة في المزيد من المحافل الدولية؟ وما هي أفضل طريقة لدمج مُثُل الديمقراطية في الترتيبات المؤسسية العالمية التي يمكن الدفاع عنها؟ وأخيراً، هل يمكن تحقيق العدالة العالمية بدون وجود دولة عالمية؟

إن الغرض الأساسي من هذه المقالة هو إعطاء توجيه إلى مجال العدالة العالمية الهائل والمتوسع بسرعة كبيرة. وهناك العديد من المدخلات في هذه الموسوعة التي تغطي بالفعل بعض الموضوعات الأساسية بشكل جيد وسيتم الرجوع إليها، ولكن لا تزال هناك العديد من الثغرات المهمة، إلى جانب بعض السياقات المفقودة حول كيفية انسجام بعض الموضوعات مع بعضها البعض، حيث يهدف هذا المدخل في المقام الأول إلى معالجة هذه الاحتياجات.

جدول المحتويات


 

1. تعريفات لبعض القضايا

1.1 العدالة العالمية والعدالة الدولية

غالبًا ما يتم التمييز بين العدالة العالمية والعدالة الدولية، وتتمثل نقطة الاختلاف الرئيسية بين هذين المفهومين في توضيح ماهية الكيانات المنوط بها السعي لتحقيق العدالة، ففي العدالة الدولية يُنظر إلى الأمة أو الدولة على أنها الكيان المركزي للاهتمام، ويكون التركيز على العدل بين الدول، ومن ناحية أخرى وفي مجال العدالة العالمية؛ نجد أنه على النقيض من العدالة الدولية لا يسعى المنظرون في المقام الأول إلى تعريف العدالة بين الدول أو الأمم؛ بل إنهم يتعمقون في هيكل الدولة ويستفسرون عن ماهية العدالة بين البشر والشعوب. ويكون الأفراد هم الهم الأول والأساسي لاستفسارات واستقراءات العدالة العالمية، كما تسعى العدالة العالمية إلى تقديم وصف لما ينطوي عليه الإنصاف بين هؤلاء الوكلاء، وهناك مجموعة من الإجراءات التي تتقاطع مع الدول أو تشمل وكلاء وعلاقات وأشكال مختلفة، قد تكون غير مرئية في استقصاء يسعى لتحقيق العدالة بين الدول بصورة حصرية، ولا يتم تقييد العديد من أنواع التفاعلات المختلفة بعضوية الدولة الواحدة، ومع ذلك يمكن أن تؤثر مثل تلك التفاعلات بصورة كبيرة على المصالح الأساسية للبشر، ولذلك فإن طرح السؤال حول ما يدين به البشر لبعضهم البعض غالبًا ما يكشف عن السمات المهملة للعلاقات والأشكال ذات الأهمية المعيارية. ولا تُستثنى تحليلات العدالة العالمية من تحقيق أي التزامات على مستوى الدولة؛ وفي الواقع عادة ما يفعلون ذلك، إلا أنهم يفكرون في مجموعة واسعة من الوكلاء والمنظمات المحتملة التي قد يكون لها واجبات أيضًا.

وهناك مزايا مرتبطة بكلا النوعين من الاستفسارات والاستقراءات، فمن المزايا المهمة للسؤال عما تدين به الدول لبعضها البعض هو أن جل القانون الدولي يفترض مسبقًا نظام الدول ويتطلب من الدول القيام بأعمال مختلفة لتعزيز العدالة، وفي هذا السياق غالبًا ما يبدو أن المسؤوليات مخصصة بوضوح لأطراف معنية، مما يجعل الأمر دقيقًا تمامًا بخصوص ما يجب أن يحدث في عالمنا الفعلي. وتتمثل إحدى مزايا استفسارات واستقراءات العدالة العالمية في أننا لسنا مجبرين على اعتبار الدول قيداً ثابتًا، وبالتالي يمكننا النظر في مجموعة من العلاقات والقدرات والأدوار ذات الصلة الكائنة التي من شأنها أن تنظم تفاعلاتنا أيضًا، وقد تكون ذات صلة بكيفية تصور المسؤوليات العالمية. وعند التساؤل عما يدين به الأفراد لبعضهم البعض قد يكون لهذا التساؤل تداعيات على الدول وكذلك على التزاماتها أيضا، وقد يكون لدى مجموعة من الوكلاء والمؤسسات الأخرى التزامات ذات الصلة بالعدالة. ويمكن أن تصبح هذه المسؤوليات أكثر وضوحًا عندما نستكشف ما يدين به الأفراد لبعضهم البعض، وبالتالي فإن كلا المنهجين لهما نقاط قوة برغم اختلافها، ويمكن أن يكمل كل منهما الآخر، ولكن في النقاش المعاصر غالبًا ما يتم اعتبارهما منافسين لبعضهما البعض؛ حيث يتنافسان لتوفير إطار العمل الأكثر منطقية.

ونظراً لوجود مدخل في هذه الموسوعة يركز على العدالة الدولية (انظر المدخل عن عدالة التوزيع الدولية)، حيث سيركز هذا المدخل على مجال العدالة العالمية.

2.1 ما هي نظرية العدالة العالمية؟

بشكل عام، تهدف نظرية العدالة العالمية إلى إعطائنا تفسيراً لما تتكون منه العدالة على نطاق عالمي، وغالبًا ما يتضمن ذلك مناقشة المكونات التالية:

  • 1. تحديد ما يجب اعتباره مشاكل مهمة للعدالة العالمية
  • 2. اقتراح حلول لكل مشكلة بعينها
  • 3. تحديد من قد يكون لديه مسؤوليات في معالجة المشكلة الكائنة
  • 4. الجدل حول وضعية وكلاء بعينهم (أو مجموعات من الوكلاء) وحول ما يجب عليهم القيام به فيما يتعلق بحل كل مشكلة

5. تقديم رؤية معيارية ذات ثقل (1) – (4). تهدف نظريات العدالة العالمية إلى مساعدتنا على فهم عالمنا بشكل أفضل وماهية مسؤولياتنا في هذا العالم، في حين يهدف بعض المنظرين فقط إلى الفهم النظري، إلا أنه يأمل المنظرون الآخرون في تقديم تحليل يمكن أن يكون مفيدًا في صنع السياسات العملية المتعلقة بمسائل العدالة العالمية.

3.1 متى تكون المشكلة مشكلة عدالة عالمية؟

غالبًا ما تُعتبر المشكلة مشكلة عدالة عالمية؛ ذلك عندما يتوفر واحد (أو أكثر) من الشروط التالية:

  • 1. الأفعال والإجراءات الناشئة عن وكيل أو مؤسسة أو ممارسة أو نشاط (وما إلى ذلك) يمكن إرجاعها إلى دولة (أو أكثر) تؤثر سلبًا على المقيمين في دولة أخرى.
  • 2. المؤسسات والممارسات والسياسات والأنشطة (وما إلى ذلك) في دولة (أو أكثر) التي تحقق فائدة أو تقلل الضرر لأولئك المقيمين في دولة أخرى.
  • 3. الاعتبارات المعيارية التي تتطلب من الوكلاء في دولة ما اتخاذ إجراءات معينة فيما يتعلق بوكلاء أو كيانات ما في دولة أخرى، ويمكن التوسط في مثل هذه الإجراءات من خلال المؤسسات أو السياسات أو المعايير أو الأعراف.
  • 4. عدم إمكانية حل مشكلة تؤثر على سكان دولة أو أكثر دون تعاون مقدم من دول أخرى.

لذلك وبشكلٍ عام؛ فإن المشكلة تقع في نطاق مشكلة العدالة العالمية، فهي تؤثر إما على الوكلاء المقيمين في أكثر من دولة واحدة أو عندما تكون المشكلة غير قابلة للحل دون تعاونهم مع بعضهم البعض. وخلاصة القول؛ لكي يتم اعتبار المشكلة مشكلة أنها مشكلة عالمية بالفعل وليست إقليمية، فيجب أن تؤثر تلك المشكلة على أكثر من منطقة إقليمية واحدة.

2. مبادئ لتوجيه السلوك في الشؤون الدولية والعالمية

ما هي أنواع واجبات العدالة، إن وجدت، الموجودة بين البشر الذين لا يقيمون في نفس البلد أو في نفس الدولة؟ وإذا ما كانت هناك واجبات من هذا القبيل، فما هو أساسها؟ وهنا نجد أنه يجادل البعض بأن مبادئ “جون رولز” John Rawls التي تم تطويرها لقضية العدالة المحلية، ولا سيما مبدأ تكافؤ الفرص العادل أو مبدأ الاختلاف، فيجب أن تنطبق عالميًا، أو بمعنى آخر أن تكون في نطاق الشئون العالمية (Caney 2005, Moellendorf 2002). وعلى النقيض من ذلك نجد أنه يؤكد آخرون أن أفضل طريقة لاستكشاف محتوى واجباتنا تجاه بعضنا البعض القيام بفحص ودراسة المفاهيم البديلة غير الواردة في مجموعة مبادئ “جون رولز”John Rawls”، مثل قدرات الإنسان أو حقوق الإنسان (Nussbaum 2006, Pogge 2008).

ويتأثر الكثير من النقاش حول ما ندين به لبعضنا البعض في السياق العالمي بعمل “جون رولز”John Rawls، ولذلك فإن هناك حاجة إلى موجز قصير لتحديد مجال المناقشات والمداولات، ونظراً لأن مناقشة هذه القضايا تم تغطيتها بإسهاب في المدخلات الخاصة بعدالة التوزيع الدولية وفي مجموعة مبادئ “جون رولز”John Rawls، فسيكون ما سنعرضه فيما يلي ملخصًا موجزاً يركز فقط على الجوانب الأكثر مركزية في النقاش والمداولات التي لها تأثير على الموضوعات التي هي في صلب وصميم العدالة العالمية.

1.2 تأثير قانون جون راولز للشعوب

يدافع “جون رولز”John Rawls في كتابه قانون الشعوب عن ثمانية مبادئ يعتقد أنها يجب أن تنظم التفاعلات الدولية بين الشعوب، وبالنسبة إلى ” جون رولز”، يتألف “الشعب” من مجموعة من الأشخاص الذين لديهم خصائص مشتركة كافية مثل الثقافة أو التاريخ أو التقاليد أو المشاعر، كما يستخدم ” جون رولز” مصطلح “الناس” بطرق تتوافق بشكل وثيق مع عدد الأشخاص الذين يستخدمون مصطلح “الأمة”، بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يفترض ” جون رولز” أن لكل شعب دولة في أغلب الأحيان.

وتوثق وتقر المبادئ الثمانية التي يؤيدها ويدفع بها ” جون رولز” باستقلال الشعوب والمساواة بينها، وهي كما يلي: للشعوب الحق في تقرير المصير إلى جانب واجباتهم في عدم التدخل ، وأنه يجب عليها احترام المعاهدات، واحترام قائمة بعينها من حقوق الإنسان، ويجب أن تتصرف الشعوب مع بعضها البعض بالطرق المناسبة إذا ما كانت بينهم حروب، وأنه عليهم واجبات لمساعدة الشعوب الأخرى في إنشاء مؤسسات لتمكين الناس من تقرير مصيرهم، كما يدافع ” جون رولز” عن المؤسسات الدولية التي تحكم التجارة والاقتراض والمسائل الدولية الأخرى التي تتعامل معها الأمم المتحدة بشكل مميز.

وكانت هناك عدة ادعاءات حول موضع جدل كبير بين نقاد ” جون رولز” والمدافعين عن موقفه، ومن بين مواقف ” جون رولز” على وجه الخصوص، أنه يعتقد أنه طالما أن جميع الشعوب لديها مجموعة من المؤسسات التي تمكّن المواطنين من عيش حياة كريمة؛ فإن أي عدم مساواة عالمية قد تبقى غير مقلقة من الناحية الأخلاقية، وهنا يلفت النقاد الانتباه إلى الطرق التي يمكن أن يتحول بها التفاوت العالمي، فعلى سبيل المثال، في مستويات القوة أو الثراء والتي تؤدي بشعوب أخرى إلى المعاناة بسبب الحرمان والظروف السيئة، وعلى سبيل المثال، يمكن للشعوب التي تستأثر بالمزايا العالمية أن تستخدم موقعها المتفوق والمتميز في التأثير على القواعد التي تحكم المؤسسات الدولية منها، وعلى سبيل المثال ايضًا، الممارسات التجارية، والتي يمكن أن تسهل المزيد من الفرص لزيادة الميزات للشعوب التي تتميز بالوفرة والثراء، وبالتالي يمكن أن تهدد بالفعل قدرات الشعوب الأخرى الفقيرة في الأراضي البعيدة، والتأثير بالسلب على مسعاهم لعيش حياة كريمة (Pogge, 2008) [1].

وهناك قضية مهمة أخرى تكمن وراء الجدل بين ” جون رولز” ومنتقديه تتعلق بآراء مختلفة حول طبيعة وأصول الازدهار المعيشي والاقتصادي، ويقدم ” جون رولز” بيانًا قويًا بشكل خاص لما يراه من الأسباب التي تؤدي إلى الرخاء، فهو يدعي إلى أن أسباب ثروة الشعب يمكن إرجاعها إلى الثقافة السياسية المحلية، كما يمكن إرجاعها إلى فضائل ورذائل القادة الذين يتحكمون في مصير الشعوب، وجودة ونوعية المؤسسات المحلية، ويعزز رأيه كما يلي:

“أعتقد أن أسباب ثروة الشعوب والأشكال التي تتخذها تكمن في ثقافتهم السياسية وفي التقاليد الدينية والفلسفية والأخلاقية التي تدعم البنية الأساسية لمؤسساتهم السياسية والاجتماعية، وكذلك في الاجتهاد والمواهب التعاونية لتلك الشعوب، كما أن العناصر الحاسمة التي تصنع الفارق بين شعب وآخر هي الثقافة السياسية، والفضائل السياسية والمجتمع المدني للبلد أو الدولة” (Rawls 1999, p. 108).

كما يلاحظ النقاد أنه بالإضافة إلى العوامل المحلية التي تؤثر على رخاء الشعوب، فإن هناك أيضًا عوامل دولية تلعب دورًا مهمًا في آفاق تلك الرفاهية المنشودة، وساعد “توماس بوج” Thomas Pogge بشكل بارز في إبراز بعض هذه الأمور، والتي سيتم سردها في السطور التالية، فمثلاً المؤسسات الدولية، مثل المؤسسات التي تتحكم في الاقتراض الدولي وامتيازات الموارد، هي أمثلة جيدة للطرق التي يمكن أن يكون للمؤسسات الدولية من خلالها تأثيرات عميقة على العوامل المحلية التي تلعب بلا شك دوراً في تعزيز الازدهار المنشود للشعوب. ووفقًا لامتياز الاقتراض الدولي؛ قد تقوم بعض الحكومات باقتراض مبالغ مالية نيابة عن الدولة، وبالتالي تتحمل الدولة التزامًا بسداد تلك الديون، ويشير امتياز المورد الدولي إلى قدرة الحكومة على فعل ما تريد باستخدام تلك الموارد، بما في ذلك بيعها لمن تختاره وبأي سعر تشاء، وأي مجموعة تمارس سلطة فعالة في دولة ما فهي مجموعة معترف بها دوليًا كحكومة شرعية لتلك الدولة وتتمتع بالامتيازين معًا. لكن “توماس بوج” Thomas Pogge يجادل بأن مثل هذه الامتيازات تضع حوافز غير مرغوب فيها وتقوم بعرقلة قدرة البلدان النامية على الازدهار، وتشمل تلك الامتيازات غير المرغوب فيها تحفيز أولئك الذين لديهم دوافع قوية لشغل مناصب قيادية لتحقيق مكاسب مادية من خلال الاستيلاء على السلطة بالقوة أو ممارستها بطرق قمعية تساعد في تعزيز قدرة الحكومات القمعية على الاحتفاظ بالسيطرة على الشعوب، ويحقق المستفيدون العالميون الاستفادة بشكل كبير من هذه الامتيازات، ومن ثم يكون لديهم حافز ضئيل لإصلاحها، لكن على النقيض ووفقًا لـ”توماس بوج” Thomas Pogge؛ هناك حاجة ماسة لإصلاح هذه الامتيازات، كما أنه إذا ما كانت الحكومات الشرعية وحدها دون سواها قادرة على التمتع بهذه الامتيازات، فإن المجتمع الدولي سيزيل عقبة من أهم العقبات التي تواجه البلدان النامية في الوقت الحالي.

يجادل المدافعون عن آراء ” جون رولز” بأن موقفه أكثر تعقيداً عن مما هو مفهوم بشكل عام، ويسمح بموقف يتسم بالاستناد على المبادئ بشأن بعض القيم الأساسية جنبًا إلى جنب مع الانفتاح المناسب على الطرق البديلة التي قد تنظم بها الفئة الحاكمة الشرعية والمناسبة حياة الشعوب التي تحكمها (Reidy 2004, Freeman 2006). كما يجادل المدافعون عن آراء ” جون رولز” بأن موقفه يُظهر حساسية كبيرة لعدد من العوامل التي يجب مراعاتها عند تقييم السلوك الصحيح للشؤون الدولية، فعلى سبيل المثال، عندما يقدم ” جون رولز” ادعاءاته الجريئة حول أسباب امتلاك الثروة أو الثراء، فمن المفيد أن نأخذ في الاعتبار السياق الذي يجادل فيه ويدفع فيه بحججه، ففي مقابل افتراض أن الموارد مهمة للغاية لقدرة المجتمع على الازدهار؛ فإن ” جون رولز” يؤكد على أهمية المؤسسات القوية والثقافة السياسية والعوامل المحلية الأخرى، مما يوفر حياة كريمة للمواطنين. ويستند ” جون رولز” أيضًا على صعوبة تغيير الثقافة السياسية، مشيراً إلى أن مجرد نقل الموارد لن يكون مفيد وحده، ومن المثير للاهتمام ايضًا؛ نجد أنه في فقرة تم تناولها بالنقاش البسيط، أن ” جون رولز” يغامر بأن يدفع بأن يقول إن “التركيز على حقوق الإنسان قد يعمل على تغيير الأنظمة غير الفعالة وسلوك الحكام الذين لم يعبئوا بشأن رفاهية شعوبهم قط” (Rawls 1999, p. 109). وللمزيد من المعلومات حول ما إذا كان رولز يقدم لنا نموذجًا مقنعًا يمكنه توفير إرشادات حكيمة في الشؤون الدولية، فمن الممكن مراجعة المدخل الخاص بعدالة التوزيع الدولية والمدخل الخاص بـ “جون رولز”، أنظر أيضًا Martin and Reidy ((2006. ومن أجل الغرض الذي يخدم هذا المدخل، نحتاج فقط إلى تلخيص بعض الأسئلة الرئيسية التي كان لها تأثير في تحديد شروط المناقشة حول العدالة العالمية لبعض الوقت.

 ونسرد فيما يلي بعض الأسئلة الرئيسية التالية:

  • 1. ما هي المبادئ التي يجب أن تحكم التعاملات بين الشعوب على المستوى العالمي؟
  • 2. ما هي أسباب الازدهار، وهل يمكن عزوها بالكامل إلى عوامل محلية أم أن هناك اعتبارات دولية يمكن عزوها إليها؟
  •  3. ما الذي يجب اعتباره نوع من أنواع الرخاء أو الرفاهية الذي نهدف إلى تعزيزه؟
  • 4. هل لدينا التزام لضمان تلبية احتياجات الشعوب الأساسية يمكنهم من خلالها أن يعيشوا حياة “كريمة”، أو هل ينبغي أن نكون أكثر اهتمامًا بالمساواة الاجتماعية والاقتصادية العالمية؟
  • 5. ما هي واجباتنا تجاه تلك الشعوب التي لا تملك حتى وقتنا هذا ما تحتاجه لتقرير مصيرها أو تحقيق الازدهار الذي تنشده؟
  • 6. إذا ما كانت حقوق الإنسان تلعب دوراً مهمًا في الشؤون العالمية، فما هي الحقوق التي يجب أن تكون على قائمتنا والتي يجب المصادقة عليها؟ وما هي الواجبات التي تنشأ عن هذا الالتزام؟
  • 7. هل يمكننا اعتبار الدول مسؤولة مسؤولية كاملة عن رفاهية شعوبها، وإذا كان الأمر كذلك، في أي ظروف قد يكون هذا منطقيًا؟ وكيف نشجع الدول على تحمل مسؤولية رفاهية شعوبها؟
  • 8. عندما نفكر فيما ندين به لبعضنا البعض، فهل يستحق المواطنون اعتبارًا خاصًا؟

 عليك بتتبع بعض المواقف المؤثرة التي شكلت إجابات لمثل هذه الأسئلة في أجزاء لاحقة من عرض هذا المقال.

2.2 ما هي واجبتنا العالمية؟

إن واحدة من أكثر مشاكل العدالة العالمية المعاصرة وضوحًا والتي تفرض نفسها على نطاق واسع هي مشكلة الفقر العالمي وهنا نتساءل، ما الذي يجب أن نفعله لمليار شخص أو نحو ذلك ممن يعيشون حاليًا في حالة من الفقر؟ (هذا مدخل ذو كم هائل من المعلومات يختص بعدالة التوزيع الدولية وتمت مناقشته بإسهاب). وفي هذا السياق، فإن هناك بعض الحجج الأساسية التي تستحق أن نستعرضها هنا أيضًا، ففي حجة كلاسيكية يصف “بيتر سينغر” Peter Singer، ما يسمى بحالة الإنقاذ السهلة التي يغرق فيها طفل رضيع في بركة ضحلة من المياه، ويصادف أن تكون هناك، ويمكنك إنقاذ الطفل بأقل جهد تبذله، أو أي إزعاج قد يحدث لك، وهنا يدفع “بيتر سينغر” Peter Singer بأنك ستكون ملزمًا بالمساعدة باستخدام مبدأ أنه عندما يكون في وسعنا منع حدوث شيء سيء دون التضحية بأي شيء أو حدوث أي خسائر لنا، فمن الخطأ عدم منع حدوث هذا الشر المحدق الوقوع بالآخرين وبناءً عليه؛ يجادل “بيتر سينغر” Peter Singer بأن هناك واجبات ضرورية وواسعة النطاق لمساعدة المحتاجين، سواء كانوا قريبين جغرافيًا أم بعيدين، كما أنه لدينا واجبات كبيرة لمساعدة فقراء العالم الذين يمكن إنقاذهم من الظروف الأليمة التي يعشون فيها، وذلك ببذل أقل جهد من جانبنا، حيث ينطبق نفس المبدأ في كلتا الحالتين، (ولمزيد من المعالجات) أنظر (Singer 1972 and Unger 1996).

وهناك مساهمة أخرى ذات تأثير هائل هي مساهمة “توماس بوج” Thomas Pogge، الذي يجادل بأنه بما أن الدول المتقدمة تفرض نظامًا عالميًا قسريًا على الفقراء والذي يسبب وقوع ضرراً كبيراً عليهم، وبما أنه يمكن تجنبه، فإن لديهم مسؤوليات مهمة لإصلاح النظام العالمي بحيث يتوقف عن إحداث هذا الضرر بالفقراء، وبدلاً من ذلك، فإن عليهم تأمين حقوق الإنسان حول العالم بشكل أفضل (Pogge 2002, 2008, 2010). فنحن نؤذي فقراء العالم عندما نتعاون مع بعضنا البعض في فرض نظام مؤسسي عالمي غير عادل، ونقوم بتطبيقه عليهم، وعلاوة على ذلك، فإن هذا النظام يكون غير عادل عندما يعمل على استدامة أوجه قصور واسعة النطاق بشكل متوقع في مجال حقوق الإنسان والتي يمكن تجنبها بشكل معقول إذا ما قمنا بإجراء تعديلات مؤسسية ذات جدوى (Pogge 2002, 2008, 2010)، ومن ناحية أخرى؛ يؤكد “بيتر سينغر” Singer على قدرتنا على المساعدة في تلبية حاجة الشعوب الفقيرة، كما يؤكد على أنه لابد من مساهمتنا في حل تلك المشكلة انطلاقًا من أنها جزء من واجباتنا الأساسية تجاه شعوب العالم.

وعندما نقوم بمناقشة واجباتنا تجاه بعضنا البعض، فهناك أيضًا نقاش قوي حول محتوى واجباتنا وكذلك الهدف منها، بالإضافة إلى مناقشة أفضل الطرق للقيام بهذه الواجبات، ونرى أن المناهج والمداخل الاقتصادية التقليدية السائدة قد ركزت على رفع مستويات الدخل أو زيادة الناتج المحلي الإجمالي؛ وذلك من أجل تحقيق هدف تعزيز الرخاء للشعوب حول العالم، وعلى النقيض من ذلك، وفي مواجهة مثل هذه المناهج والمداخل فقد اقترحت “أمارتيا سين” Amartya Sen أن نهج القدرات يوفر مقياسًا محسنًا للرفاهية ويشكل طريقة أفضل لإحداث التغيرات الإيجابية في ظروف الشعوب والبشر بمرور الوقت (Sen, 1980).ويوفر استكشاف ما يستطيع الناس فعله، وما يمكن أن يكونوا عليه بشكل أكثر ملاءمة لتقييم ما إذا كانت حالتهم قد تحسنت بدلاً من التركيز بصورة حصرية على دخلهم أو نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي. وتقوم “مارثا نوسباوم” Martha Nussbaum، بتطوير هذا المدخل وهذا النهج، وتدافع عن قائمة مكونة من عشر قدرات يجب تأمينها لجميع الشعوب في جميع الأماكن والدول. حيث يمكن أن توفر هذه القائمة العالمية المكونة من عشر قدرات أداة مهمة في إقناع الحكومات بإجراء إصلاحات تؤدي إلى رفاهية وازدهار مواطنيها. (أنظر المدخل الخاص بمدخل وبنهج القدرة لمزيد من المعلومات)، كما أن ما يشكل الرفاهية وأفضل الطرق لقياسها هو موضوع متسع ومتشعب في كل من الفلسفة والتخصصات ذات الصلة، وللحصول على مقدمة جيدة في هذا الموضوع، عليك بالرجوع إلى مدخل الرفاهية، علمًا بأن السياق المهم الآخر لمناقشة هذه الموضوعات هو سياق حقوق الإنسان الذي ستتم مناقشته في القسم 4.2 الذي سيرد في جزء لاحق من هذه المقالة.

3.2 الكونية، والواجبات تجاه غير المواطنين، والمواطنين

عند التفكير فيما ندين به لبعضنا البعض نتساءل؛ هل يتميز المواطنون عن غيرهم من غير المواطنين؟ وهل لدينا نفس الواجبات تجاه غير المواطنين مثل تلك التي علينا تجاه المواطنين أم أن هناك طريقة ترتكز على مبدأ أنه يجب أن تختلف بها هاتان المجموعتان من الواجبات تجاه المواطنين وغير المواطنين؟

ويجادل القوميون بأننا ننتمي إلى مجتمعات وطنية وأي تفسير لمسؤولياتنا العالمية يتجاهل هذا الجانب المهم من كيفية ارتباطنا بمجتمعاتنا الوطنية، فإنه يتجاهل جانبًا مهمًا من هذه الكيفية في الارتباط، حيث يجب أن نرتبط ببعضنا البعض كمواطنين، كما يجادل هؤلاء القوميون بأن الأمم يمكن أن توفر أساسًا قيمًا للارتباط الاجتماعي والهوية والمعنى في الحياة، ويمكنها وضع التزامات خاصة لتقوية الحياة الوطنية ومساعدة المواطنين، كما يدافع آخرون عن قيمة القومية على أسس ذات مغزى، حيث يدفعون بأنه لا يوجد شيء مميز بطبيعته في علاقاتنا الوطنية المشتركة ولكن حدود الدولة ذات فائدة في توجيه واجبات مهمة لوكلاء معينين” ألا وهم المواطنين” (Goodin, 1998)، حيث أنه في عالم مثل عالمنا المليء بالاحتياجات الكبيرة التي لا يمكن تلبيتها، يمكن تبرير إيلاء اهتمام خاص بالمواطنين دون غيرهم من غير المواطنين (Goodin, 1998) [2].

وعلى حد تعبير “ديوجينز” Diogenes”، الذي يُنسب إليه الفضل الكبير باعتباره أول شخص يطرح وجهات نظر عالمية، يرى العالميون أنفسهم “مواطنين ينتمون إلى هذا العالم على اتساعه”، حيث يعتقد العالميون المعاصرون عادةً أن لكل إنسان مكانة كوحدة نهائية من الاهتمام الأخلاقي، ويحق له أن يأخذ في الاعتبار اهتماماته على قدم المساواة بغض النظر عن الانتماءات الأخرى، وخاصة الانتماءات الوطنية، التي يعتز بها، واستناداً على فكرة أن لدينا جميعًا نفس القيمة الأخلاقية كبشر، ويسعى العالميون إلى توسيع آفاقنا الأخلاقية حتى لا ننسى المسؤوليات التي نتحملها تجاه الآخرين خارج حدود الدولة، حتى عندما تكون لدينا مسؤوليات محلية تجاه مواطنينا أيضًا.

وهناك نوعان من الروايات المعاصرة البارزة عن الكونية؛ حيث تؤكد “مارثا نوسباوم” Martha Nussbaum أننا كبشر، ننتمي إلى مجتمع عالمي من الأشخاص (Nussbaum, 1996)، وتجادل “مارثا نوسباوم” Martha Nussbaum، بأنه في حين أن يمثل حب شخص لبلده أو دولته، فهذا يجعل له مكانة شرعية في تصورات الناس عن الحياة الجيدة، إلا أنه يجب ألا نتجاهل العلاقات العديدة الأخرى التي تربطنا بالآخرين في هذا العالم المتسع، فنحن بحاجة إلى تقريب المجتمع العالمي من المجتمع المحلي، وبشكل عام، نهدف إلى رؤية أنفسنا كأعضاء في مجتمعات متداخلة لها أيضًا واجبات مهمة علينا.

ويقدم “توماس بوج” Thomas Pogge تبريراً مؤثرًا بشكل هائل يرتكز على تداعيات الكونية على النظام المؤسسي العالمي، حيث أننا بحاجة إلى ضمان أن الهياكل المؤسسية العالمية تولي الاعتبار المتساوي لمصالح الجميع في هذا العالم على سعته، ويقول “توماس بوج” Thomas Pogge، “بقدر ما يشارك وكلاء بشريون في تصميم أو إدارة قواعد أو ممارسات أو منظمات عالمية، فيجب عليهم تجاهل التزاماتهم الخاصة والمحلية، بما في ذلك الالتزامات والولاءات الوطنية لإعطاء اعتبار متساوي لاحتياجات ومصالح كل إنسان على هذا الكوكب الأرضي”Pogge 2013, 298)  )، وتنطبق اعتبارات المساواة هذه في مراعاة المصالح في مثل هذه السياقات فقط، وفي حين أن معايير الحياد هذه مألوفة تمامًا داخل حدود الدولة الواحدة؛ نجد على سبيل المثال: أنه عندما يقوم القضاة بسن القوانين، فيتعين عليهم إدراك المتطلبات والمسؤوليات المنوطة بنا على المستوى العالمي.

وغالبًا ما يتم افتراض أن الكونية يجب أن تكون بالضرورة في حالة نزاع وصراع مع الارتباطات والالتزامات الوطنية والمحلية بالأصدقاء أو العائلة أو المواطنين، ويعتقد بعض العالميين أن مثل هذا الصراع بين العالمية والارتباطات الوطنية والمحلية هو أمر حتمي وجزء ضروري من فهم ما تنطوي عليه الكونية، ولكن هذا المعنى لا يمثل أي إشكالية على الإطلاق (Ypi, 2013). ويجادل آخرون حول طرق مختلفة، يمكن من خلالها إيجاد حلول للتوترات البارزة بين الواجبات والمسئوليات العالمية والارتباطات الوطنية والمحلية (Pogge 2013, Tan 2004). كما رأينا في الجزء الذي تم استعراضه أعلاه، يؤكد “توماس بوج” Thomas Pogge على الفصل الواضح بين المجالات التي ينطبق فيها الاعتبار المتساوي لمصالح الناس، كما يقدم “كوك تشور تان” Kok-Chor Tan حجة مماثلة، وتتمثل استراتيجيته في إظهار أن المبادئ العالمية يجب أن تحكم الهياكل المؤسسية العالمية التي تضمن معاملة الناس على قدم المساواة فيما يخص استحقاقاتهم (Tan, 2004). وعندما يكون هذا هو الحال فمن الممكن أن يكون هناك دور شرعي للوطنية يعمل ضمن مثل هذه القيود، حيث يجب ألا يتعارض التحيز للمواطنين مع الالتزامات العالمية، وتتمثل الاستراتيجية البارزة الأخرى في هذا الدفع بأنه لا يمكننا تحقيق العدالة على المستوى الوطني ما لم نحقق العدالة على المستوى العالمي، وانطلاقًا من وجهة النظر هذه، فلدينا أسباب قوية للاهتمام بالعدالة العالمية، حتى لو كنا نهتم بشدة بالعدالة الاجتماعية في أمتنا ودولتنا (Banai, Ronzoni and Schemmel 2011, Ronzoni 2013).

وهناك جدل مهم بين منظري المساواة حول ما إذا كان اهتمامنا بالمساواة يجب أن يقتصر على مواطني نفس الدولة أو ما إذا كان ينبغي أن يمتد إلى جميع البشر على مستوى العالم، ويجادل بعض المنظرين بأن الدراسة المتأنية لمفاهيم بعينها، مثل: المعاملة بالمثل أو الإكراه أو الشروط العادلة للتعاون، ويفترض أننا نعطي وزنًا خاصًا لمصالح مواطني الدولة، وعلى النقيض من ذلك، يجادل آخرون بأن هذه المخاوف، عند فهمها بشكل صحيح، تشير في اتجاه واجبات ذات وزن بنفس القدر تجاه غير المواطنين، كما أن أحد أشكال الدفع القائل بأن لدينا واجبات خاصة تجاه المواطنين لا يتم مشاركتها مع غير المواطنين، ترتكز على الهيكل القانوني القسري الذي ينطبق داخل الدول ويدعي أن مثل هذه الهياكل القسرية لا تنطبق خارجها (R. Miller 1998, Blake 2001). وتزعم نسخة أخرى شديدة التأثير من الدفوعات في هذا الصدد أن هناك اختلافًا في سلطة إنفاذ العدالة داخل الدولة وخارجهاNagel, 2005) )، وهناك العديد من التحديات الهامة لمثل هذه المواقف، ويؤكد أحد التوجهات الهامة في هذا الدفع على أن الإكراه مهم بالفعل في تفعيل واجبات العدالة المتساوية، ولكن بما أن هذا التوجه سائد على المستوى العالمي، فإنه يفعل واجبات المساواة على المستوى العالمي وليس فقط على المستوى الوطني (Cohen and Sabel 2006, Abizadeh 2007)، بالإضافة إلى ذلك، يجادل البعض بأن نفس المكونات التي يعتبرها ” ناجل” Nagel، حاسمة في خلق سلطة الدولة موجودة على المستوى العالمي أيضًا (Cohen and Sabel, 2006). انظر المدخل الخاص بعدالة التوزيع الدولية لمزيد من المعلومات حول هذه القضايا، وللحصول على معالجة شاملة للقومية والكونية، انظر إلى المداخل الخاصة بالقومية والكونية، على التوالي.

4.2 إنجاز حقوق الإنسان

غالبًا ما تثير مناقشة مسائل العدالة العالمية الاهتمام بقضية حقوق الإنسان، وفي الواقع، وبالرغم من كل الاختلافات بين القوميين والعالميين؛ نجد أنهم يتفقون بصورة كبيرة على أن الطريقة الجيدة للتفكير في بعض واجباتنا تجاه بعضنا البعض هي عبر حقوق الإنسان، وبالتالي يمكن لحقوق الإنسان أن تعمل كسياق مهم لمواصلة النقاش حول مسؤولياتنا العالمية.

يعتبر احترام حقوق الإنسان مطلبًا مهمًا في كثير من القوانين الدولية، ويمكن أن يكون معياراً رئيسيًا في تقييم ما إذا كانت الحكومات تعتبر شرعية من قبل المجتمع الدولي أم لا، ويعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة معياراً وفيصلاً شديد التأثير على الاستحقاقات الأساسية لجميع البشر، وغالبًا ما تلعب هذه الوثيقة دوراً مهمًا في مناقشات ومداولات العالم الحقيقي حول مسائل العدالة. انظر المدخل الشامل عن حقوق الإنسان لمزيد من التفاصيل، مع العلم بأنه لدي هنا مساحة لمناقشة قضيتين فقط برزتا في المناقشات والمداولات حول العدالة العالمية، وسيتم تناولهما بشيء من التفصيل فيما يلي.

تتعلق القضية الأولى بأنواع الواجبات المنوطة بنا فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وفي مواجهة وجهة النظر التقليدية التي كانت سائدة قبل عام 1980، يجادل “هنري شو” Henry Shue، بأنه إذا كانت حقوق الأمن المادي أساسية ، فنفس الشيء ينطبق على حقوق الكفاف، أي حقوق الشعوب في تلبية احتياجاتها الأساسية (Shue, 1980)، ويشير التحليل الدقيق للواجبات المرتبطة بحقوق الإنسان إلى أنه لا يمكن الحفاظ على التمييز الشائع بين الواجبات الإيجابية والسلبية، حيث أن جميع الحقوق لها مجموعة من الواجبات الإيجابية والسلبية المرتبطة بها على حد سواء.

ويقدم “توماس بوج” Thomas Pogge، وصفًا مؤثراً بشكل كبير للواجبات المتعلقة بحقوق الإنسان، حيث يعمل نظامنا العالمي الحالي على إدامة أمد الفقر العالمي على نطاق واسع، ولكن بما أن هناك إصلاحات من الممكن إضفائها على هذا النظام، فيمكن درء هذا الضرر، ومن ناحية أخرى، إذا فشلنا في إضفاء الإصلاحات على هذا النظام العالمي، فهذا لا يورطنا فقط في جلب البؤس للشعوب، ولكن يورطنا أيضًا في انتهاك حقوق الفقراء حول العالم [3]. ومن هذا المنطلق، لدينا التزامات واسعة لإصلاح نظامنا العالمي حتى يمكن الوفاء بحقوق الفقراء حول العالم.

 لمزيد من المعالجة للقضايا، لا سيما تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، وماهية الحقوق التي يتم تفسيرها بشكل صحيح على أنها حقوق إنسان، وكيفية عمل حقوق الإنسان في القانون الدولي، انظر مدخل حقوق الإنسان.

3. الاستخدام المناسب للقوة والتدخل العسكري والآثار المترتبة عليه

1.3 سلوك الحرب والعدل

نجد أن القضايا المتعلقة بالحرب لها التاريخ الأطول على الإطلاق في مجال العدالة العالمية، وكان لإطار الحرب العادلة تأثير في تحديد شروط الكثير من النقاش والمداولات حول الاستخدام المناسب للقوة في الشؤون الدولية، حيث قدم “أرسطو وسيسرو وأوغسطين وتوماس أكويناس” بعضًا من أقدم الروايات عن المعايير التي يجب الوفاء بها لتبرير الحرب، وتمت دراسة منطقتين بشكل شامل وعلى نحو خاص؛ وهما: (1) الشروط التي بموجبها يكون الدخول في الحرب مبرراً، و (2) شروط السلوك العادل في الحرب(Jus In Bello) ، وفي حين أن وجود قضية عادلة يعتبر حالة من حالات الضرورة لتبرير الحرب، إلا أن هذا التبرير ليس كافيًا. وغالبًا ما يختلف المنظرون حول الظروف والحالات الإضافية التي يجب استيفاؤها حتى يمكن وصف الحرب بأنها حرب عادلة، ومن هذه الظروف والحالات الإضافية الأكثر شيوعًا والمقترحة هي أن الحرب يجب أن تقوم بها سلطة مناسبة، مع توفر النوايا الصحيحة، وعندما تخضع الحرب لمتطلبات التناسب (تأمين وجود الغايات المناسبة لاستدعاء الدخول في الحرب)، ويكون الدخول في الحرب كحل أخير ولابد منه دون وجود بديل، وعندما تكون هناك احتمالات معقولة لتحقيق النجاح من وراء الدخول في تلك الحرب، ووفقًا لكل الاعتبارات التقليدية لنظرية الحرب العادلة، فيجب تلبية جميع الظروف والحالات التي تستدعي الدخول في الحرب، إلا أن الكثير من المنظرين المعاصرين يتحدون وجود ضرورة من منطلق ظروف وحالات بعينها تستدعي الدخول في الحرب (Mellow 2006, Moellendorf 2002).

وبمجرد أن يبدأ القتال، فهناك مبدآن مركزيان يوجهان تقييم ما إذا كانت تلك الحرب تجري بشكل عادل أم لا، ويتمثل أحدهما في ذلك المبدأ الذي يحترم التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين (مبدأ حصانة غير المقاتلين)،

 والمبدأ الآخر يحكم ما يعتبر الاستخدام المناسب للقوة (التناسب)، وفيما يخص المبدأ الأول، فليس من المشروع استخدام القوة ضد المدنيين، وعلى الرغم من احتمال حدوث بعض الأضرار الثانوية للمدنيين، فمن الخطأ استهداف غير المقاتلين عمداً، وفيما يخص المبدأ الثاني، يجوز للمقاتلين استخدام القوة اللازمة فقط لتحقيق غاياتهم من وراء الدخول في الحرب، حيث يجب أن تكون القوة المستخدمة متناسبة مع الغايات التي سيتم تحقيقها من وراء شن الحرب، وهناك متطلبات أخرى تحكم العدالة؛ ومنها: متطلبات الامتثال للقوانين الدولية ومعاملة السجناء معاملة عادلة، مع العلم أن المبدأين الذين تمت الإشارة إليهما هما المبدأين الأكثر شيوعًا في التحليلات المعيارية للعدالة في الحرب.

ويتعلق الجزء الثالث من نظرية الحرب العادلة (Jus Post Bellum) بكيفية انتهاء الحرب والعودة إلى حالة السلم، ويتعامل هذا الجزء الثالث مع قضايا مثل التعويض والعقاب والإصلاح، وفي الآونة الأخيرة، تم اقتراح عنصر إضافي خاصة في ضوء الاشتباكات التي شهدتها العراق وأفغانستان في الفترة 2001-2011، وهي العدالة في الخروج من الحرب (Jus Ex Bello)، والتي تتعلق بالوقت المناسب لإنهاء الحرب Moellendorf 2008, Rodin 2008)).

وهناك العديد من قضايا العدالة العالمية المعاصرة المتعلقة بالاستخدام المناسب للقوة، والأثار المترتبة عليها التي تحظى بالاهتمام في الوقت الحالي بما في ذلك: هل حرب الطائرات بدون طيار مسموح بها؟ وهل يمكن تبرير الإرهاب؟ وهل يمكن تبرير “الاغتيالات المستهدفة” (حيث يتم استهداف القادة المسؤولين عن قرارات شن الحرب بالاغتيال)؟ وهل يمكننا الدخول في حرب من أجل منع “حرب أسوأ” متوقعة (كما يؤكد أنصار عقيدة بوش”)؟ وهل التعذيب لاحتواء التهديدات العالمية الكبرى مسموح به؟ وهل محاولة احتواء تطوير الأسلحة النووية من قبل أولئك الذين يمتلكونها بالفعل يشوبها بالنفاق؟ وكيف يجب أن نتعامل بشكل أفضل مع المجتمعات التي تعيش في حالة من العدالة الانتقالية؟ وهل يوجد مكان لـ “لجان الحقيقة والمصالحة”؟ وأخيراً، متى تكون الاعتذارات السياسية عن ارتكاب الظلم التاريخي في الحرب مناسبة؟

وفيما يلي نستعرض بإيجاز قضيتين أخريين فقط، يتسمان باهتمام واسع النطاق في الوقت الحالي في أدبيات العدالة العالمية، وهما: التدخل الإنساني والإرهاب. انظر المدخل الخاص بالإرهاب للحصول على تحليل مستفيض لمثل هذه الأسئلة، وانظر مدخل الحرب للحصول على نظرة عامة وشاملة للقضايا المتعلقة بالعدالة في الحرب.

2.3 التدخل الإنساني

السؤال الذي يفرض نفسه هنا، أنه وفقًا لأي ظروف، إن وجدت، هل يمكن أن ننخرط في تدخل عسكري بهدف وقف الإبادة الجماعية؟ حيث برزت قضية الإبادة الجماعية في السنوات الأخيرة مع انكشاف انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ومعاناة في كل من: رواندا والسودان ويوغوسلافيا السابقة وليبيا، وعلى النقيض من الفهم التقليدي بأن احترام سيادة الدولة يتطلب عدم التدخل في شؤنها خاصة التدخل العسكري، فقد تم حشد الحجج الناجحة حول وجود مسؤوليات مهمة لحماية الضعفاء من الشعوب حول العالم (اللجنة الدولية للتدخل وسيادة الدولة، 2001). واستناداً على الظروف والحالات التقليدية الواردة في إطار الحرب العادلة، فقد دفعت اللجنة الدولية للتدخل وسيادة الدولة بأننا قد ننخرط في حرب تهدف إلى حماية أولئك الذين يعانون على أيدي الحكومات غير الراغبة أو غير القادرة على وقف الانتهاكات واسعة النطاق فيما يخص حقوق الإنسان، وقامت اللجنة الدولية للتدخل وسيادة الدولة بإصدار تقريرًا مؤثراً، بعنوان “مسؤولية الحماية” والذي تبنته الأمم المتحدة في عام 2005، وقامت هذه المبادئ الواردة في التقرير المشار إليه بالمساهمة في القرارات المتعلقة بالقضايا التي ظهرت على الساحة الدولية مؤخراً، مثل التدخل العسكري في ليبيا في عام 2011، والتدخل العسكري في سوريا في عام 2012.

هناك تساؤل يطرح نفسه بصورة متكررة، ويعبر عن القلق بشأن التدخلات الإنسانية، وهو ما إذا كانت هذه التدخلات الإنسانية مجرد شكل آخر من أشكال الإمبريالية أو الاستعمار، وكيف سيتم محاسبة المتدخلين عسكرياً على أفعالهم التي يرتكبونها؟ وانطلاقًا من أخذ مثل هذه المخاوف على محمل الجد، يدافع كل من ألين بوكانان وروبرت كيوهان عن سلسلة من الآليات المبتكرة للمساءلة، قبل وبعد التدخل العسكري المقترح، وذلك لإزالة المخاوف بشأن سوء المعاملة المحتمل (Buchanan and Keohane, 2004).

3.3 الإرهاب

نتساءل هنا أيضًا، ما هي أنواع العنف التي نطلق عليها إرهابا؟ وهل هناك فرق بين إرهاب الدولة وبين إرهاب التنظيمات المتمردة؟ وهل يمكن تبرير الإرهاب في ظروف بعينها؟ وبصفة عامة، نجد أن الإرهاب بشكل مركزي يتضمن إما استخدام العنف أو التهديد باستخدامه ضد الأشخاص، الذين نعتبرهم أبرياء بصفة عامة، من أجل تحقيق نتائج لن تحدث إلا باستخدام مثل هذه الطريقة من العنف (Coady and O’Keefe 2002, Primoratz 2013)، ويدفع البعض بأن الأهداف بريئة، إلا أنه يشير الإرهابيون في كثير من الأحيان إلى تواطؤ المواطنين في الفظائع التي يتم ارتكابها من قبل حكوماتهم ، حيث يدفع المواطنون الضرائب ويصوتون في الانتخابات، وتتخذ حكوماتهم إجراءات يمكن أن يقال أنهم يستفيدون منها ولذلك فهناك مبرر لعقاب هؤلاء المواطنين، ولذلك فمن الطبيعي تحميل المواطنين المسؤولية عن تصرفات حكوماتهم، وبناءً على هذه الحجة، يمكن أن يكون المواطنون أهدافًا مشروعة للعنف، بالإضافة إلى ذلك، هناك سابقة ذات صلة من الحكومات التي تستهدف المدنيين عندما ترى أن الوضع يمثل “حالة طوارئ قصوى”، كما حدث في حالة استهداف بريطانيا للمدنيين الألمان في الحرب العالمية الثانية، ولذلك عندما ترى الحكومات أنها ارتكبت كارثة أخلاقية مكتملة الأركان، فيمكنهم تبرير ذلك باستخدام وسائل غير تقليدية وقبيحة لا تنطلي على أحد.

4. الظلم الاقتصادي العالمي

قد تكون قضية العدالة العالمية التالية الأكثر بروزاً، بعد تناول قضية اعتبارات الاستخدام السليم للقوة، وتتعلق بتأثير العولمة والمسؤوليات التي أبرزتها على الساحة، إن العولمة ظاهرة معقدة ذات جوانب وأوجه عديدة، ولكن من أجل خدمة الغرض من هذه المقالة، فسنحتاج فقط إلى ملاحظة بعض السمات المركزية المميزة للعولمة، وتشتمل هذه السمات على ما يلي: (1) اقتصاداً متكاملًا عالميًا بشكل متزايد. (2) اقتصادًا تهيمن عليه الشركات العالمية المنخرطة في أنشطة (مثل الإنتاج والتوزيع)، ويمتد نشاطها عبر العديد من الدول.

(3) زيادة تنظيم الشؤون الاقتصادية من قبل المؤسسات ذات السلطة فوق الشركات الوطنية (مثل منظمة التجارة العالمية). (4) الالتزام العام بإزالة الحواجز أمام “التجارة الحرة”. (5) مستويات أعلى من الترابط الاقتصادي، وفي حين أن هناك الكثير من الجدل والنقاش المحتدم حول الآثار طويلة المدى للعولمة وما إذا كانت متوازنة بوجهيها الجيد أو السيئ، نجد أنه في وقتنا الحالي وفي هذه المرحلة الحالية التأثيرات المختلطة للعولمة والجامعة بين الميزات والعيوب، فعلى سبيل المثال: أدت العولمة إلى إضفاء تحسينات وامتيازات بالنسبة لبعض الشعوب، بينما أدت إلى تدهور موقف بعض الشعوب الأخرى (Singer, 2002).

 واهتم الفلاسفة بضرورة وجود إجابات لمجموعة من الأسئلة ذات مصدر قلق واهتمام بالنسبة لهم، مثل الأسئلة التالية: ما هي أنواع الترتيبات الاقتصادية العادلة؟ وهل ينبغي إصلاح مؤسساتنا الدولية لتعكس بشكل أفضل شروط التعاون العادلة في عالمنا المعولم؟ وهل يمكن إدارة العولمة بشكل أفضل بحيث تعمل على مساعدة فقراء العالم بشكل أكثر فعالية؟ وهل السياسات الحمائية في التجارة مبررة، أم أن التجارة الحرة ضرورية للوفاء بتحقيق العدالة؟ وهل ينبغي أن تكون ظروف العمل السيئة في البلدان النامية مصدر قلق للمواطنين والمستهلكين في البلدان الغنية والمتقدمة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن تحسين ظروف العمل الضارة في البلدان النامية بشكل فعال؟

وبينما يجادل “توماس بوج” Thomas Pogge بأن العولمة قد أضرت بالفقراء حول العالم، وعلى نطاق واسع يجادل “ماتياس ريس Mathias Risse: “بأن ما دفع به “توماس بوج” ليس واضحًا على الإطلاق” (Pogge 2010, Risse 2005). ويجادل “ريس” بأنه يتحتم على النظام العالمي تحقيق الفائدة للفقراء حول العالم بطريقة ما أو بأخرى، كما أن “ريس” يتحدى ادعاء “بوج” بأن هناك بدائل مجدية لنظامنا العالمي يمكن تنفيذها بسهولة وتجنب فقراء العالم الضرر الذي لحق بهم، ذلك الضرر الذي لفت إليه “توماس بوج” الانتباه.   

كانت منظمة التجارة العالمية نقطة محورية ومهمة للنقاش حول العدالة الاقتصادية العالمية، ويجادل النقاد بأن بعض سياسات منظمة التجارة العالمية على وجه الخصوص، مثل تلك التي تدافع بشكل عام عن التجارة الحرة ولكنها تسمح بالحمائية في البلدان المتقدمة الغنية، تنطوي على نفاق خطير وظلم لبعض الشعوب الأكثر فقراً في العالم (Pogge 2001, Moellendorf 2002)، كما أن هناك أيضًا تفاوتات كبيرة في الموارد المتاحة للأطراف المختلفة، حيث أن الأطراف الأضعف غالبًا ما تعاني من مساوئ كبيرة في قدرتها على التفاوض بشأن الاتفاقات التي تعود عليها بالنفع والفائدة، وبمثل هذه الطرق يمكن للوكلاء في البلدان المتقدمة (مثل الحكومات أو المواطنين أو الشركات) الاستفادة بشكل غير عادل من أولئك الوكلاء الموجودين في البلدان النامية (R. Miller, 2010).

وبشكل عام، فإن هناك مخاوف تتعلق بالقوة الهائلة للشركات متعددة الجنسيات والتأثير غير المبرر الذي يمكنها ممارسته في التفاوض على الصفقات المواتية لها على حساب مصالح الفئات الأكثر ضعفًا والأكثر فقراً حول العالم، كما أن ما يسمى بالمصانع المستغلة للعمال Sweatshops (حيث يعمل العمال عادة في ظل ظروف قاسية وخطيرة) هي أيضًا شاهد ومثال حي يتم إثارته بشكل متكرر عن كيفية تورط المستهلكين الغربيين في المعاناة الكبيرة للعمالة الفقيرة القابعة على مسافات بعيدة عنهم، نظراً لارتفاع مستوى الاعتماد في البلدان ذات الدخل المرتفع على العمالة من الدول ذات الدخل المنخفض، ونتساءل هنا عندما نشتري المنتجات المصنعة في المصانع المستغلة للعمال، فإننا مذنبون بالمساهمة في استغلال العمالة الفقيرة والضعيفة، وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي يجب علينا فعله للتخفيف من حالات الظلم هذه؟ ويقدم “كريستيان باري” و”سانجاي ريدي”Christian Barry and Sanjay Reddy، اقتراحًا مبتكراً، لإضفاء التحسينات على معايير العمل ومستويات الأجور في البلدان النامية الفقيرة (Barry and Reddy, 2008). ويقدم اقتراح “الارتباط العادل” هذا الذي يقدمانه، بعض الفرص الإضافية المرغوبة لتعزيز التجارة الدولية لأولئك الذين يستوفون معايير أعلى في التعامل مع العمال حول العالم.

 وفي هذا السياق قام الفلاسفة أيضًا بدراسة مجموعة من القضايا الأخرى بما في ذلك الالتزامات بالتنازل عن الديون الكريهة (Barry, Herman and Tomitova 2007)، وما إذا كان التمويل الصغير موضع ترحيب كقوة إيجابية للفقراء حول العالم (Sorrell and Cabrera, 2015)، ويمكن العثور على مخاوف عامة أخرى حول الاستغلال والعدالة الاقتصادية في المداخل الخاصة بالاستغلال والاقتصاد [المعياري] والعدالة الاقتصادية، أنظر أيضًا مدخل العولمة.

5. العدالة العالمية بين الجنسين

مما لا شك فيه أنه لا تصيب آثار الفقر كل من الرجال والنساء بالتساوي، ونفس الشيء بالنسبة للشباب والشابات، وبشكل عام فعادة ما يجعل الفقر حياة النساء والفتيات أصعب من حياة نظرائهن من الذكور، حيث تملي التوقعات الثقافية في معظم الأحيان على النساء والفتيات القيام بمزيد من الرعاية والعمل المنزلي وعدم الاستفادة من الموارد بصورة ما أو بأخرى عندما تكون تلك الموارد شحيحة، ويمكن أن يؤثر ذلك بالسلب على رفاه النساء والفتيات وكذلك جودة حياتهن بشكل كبير، حيث يتم بشكل روتيني توجيه التعليم والرعاية الصحية والطعام لصالح الرجال والفتيان على حساب النساء والفتيات، وتجادل “أليسون جاجار” Alison Jaggar بشكل بارز بأن الهياكل المختلفة للدول والمؤسسات تخلق وتعيد خلق نقاط ضعف بين الجنسين على الصعيد الوطني وتستشهد بالممارسات الشائعة في العمل المنزلي وصناعة الجنس (Jaggar, 2009).

ويمكن أن تؤدي التصورات الثقافية لأدوار الجنسين في كثير من الأحيان إلى ممارسات ضارة للغاية بالمصالح الأساسية للنساء والفتيات، وتشتمل هذه الممارسات على التالي: “جرائم الشرف” (حيث أن هناك اعتقاد سائد بأنه من الأمور المسموح بها ثقافيًا قتل فتاة أو امرأة يُعتقد أنها جلبت العار إلى الأسرة)، وتشويه الأعضاء التناسلية، ووأد الأطفال، والدعارة القسرية، والزواج المدبر، والاعتراف القانوني بحقوق الملكية والميراث التي تضر بشكل كبير بالنساء والفتيات، كما يمكن للفقر أن يؤدي إلى تفاقم نقاط الضعف هذه لدى النساء والفتيات، ولذلك فلدينا مزيد من الأسباب لمعالجة هذه القضية على وجه السرعة (Jaggar 2009, 2014)، ودافعت “مارثا نوسباوم” Martha Nussbaum عن قائمة من عشر قدرات يجب على جميع البشر، بغض النظر عن جنسهم، أن يكونوا في وضع يمكنهم من ممارستها، وتجادل بأن هذا النهج والمدخل يوفر أداة قوية للإقناع في الحالات التي يتم فيها حرمان النساء والفتيات من هذه الفرص من قبل الجهات الفاعلة المحلية في الثقافات المختلفة.

وكان لبعض السياسات الهامة تأثير في السياق الدولي المتعلق بمكافحة الظلم بين الجنسين، كما تشمل الأهداف الإنمائية للألفية كهدف ثالث من أهدافها تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، ومهد منهاج عمل بكين لعام 1995، الطريق للعديد من المواثيق الدولية، وسبق ذلك قيام اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في توفير بعض الحماية الهامة لحقوق الإنسان للمرأة، ومن ناحية أخرى يشكك بعض المنظرين النسويين في لغة حقوق الإنسان ويميلون إلى رفض ما يعتبرونه خطابًا ذكوريًا يعلو على استقلالية الفرد بطريقة تفشل في الاعتراف بشكل كافٍ بالترابط الإنساني الأساسي بين الذكور والإناث. وفي حين أن هناك بالتأكيد متسع لمناقشة هذه الموضوعات المهمة، يجادل آخرون بأنه لا ينبغي لنا أن نغفل عن الانتصارات المهمة التي تمكنت حقوق الإنسان أيضًا من تحقيقها للمرأة على وجه الخصوص، على الرغم من أنه لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه في هذا الاتجاه (كما أنه سيكون هناك إخفاقات أخرى). وقد مكّن خطاب حقوق الإنسان من تحقيق مكاسب كبيرة لتعزيز المساواة بين الجنسين وحماية المصالح الأساسية للمرأة، لذلك يمكن القول إن حقوق الإنسان تتمتع بقيمة استراتيجية على أقل تقدير.

6. الهجرة

 في الواقع، هناك عدد كبير من القضايا التي تمت مناقشتها في أدبيات العدالة العالمية المتعلقة بالهجرة، سواء كانت تلك الهجرة مؤقتة أو دائمة أو قانونية أو غير قانونية، وتشتمل هذه القضايا على عدد من التساؤلات، هي كما يلي: هل يجب أن يكون للدول الحق في ضبط حدودها؟ وحتى لو كان لديهم مثل هذا الحق، فهل يجب على الدول أن تكون أكثر سخاء في قبول المهاجرين المحتملين، لا سيما بالنظر إلى الحقائق المتعلقة بالتفاوتات العالمية في آفاق الحياة؟ وعندما ترفض الدول المتقدمة الغنية فتح حدودها أمام المحرومين اقتصاديًا، فهل هذا يعادل حماية أعضاء الطبقة الأرستقراطية لامتيازاتهم بطريقة غير عادلة كما كان الحال في الأوقات الإقطاعية الغابرة؟ وما هي المسؤوليات الموجودة لقبول المزيد من اللاجئين؟ وهل يمكن تبرير الهجرة غير الشرعية في ظل ظروف بعينها؟ وما هي أنواع المعايير التي قد تستخدمها البلدان المتقدمة الغنية عند اختيار المهاجرين من مجموعة المتقدمين للحصول على الجنسية؟ وهل يجوز لهم أن يفكروا بشكل قانوني في كيفية ملائمة المهاجرين المحتملين لمواطنيهم الحاليين، مع تفضيل بعض الانتماءات الدينية أو اللغوية أو العرقية من أجل تحقيق التوافق بين المهاجرين ومواطني الدولة المستقبلة للمهاجرين؟ وعند اتخاذ قرارات اختيار المهاجرين، هل ينبغي عليهم النظر في الآثار السلبية التي ستحل على أولئك الذين يبقون في بلدانهم الأصلية، وإذا كان الأمر كذلك، فهل هذا عادل للمهاجرين المحتملين الذين سيتم استبعادهم على أساس الآثار السلبية المزعومة لمواطني بلدهم الأصلي؟ وإذا سمحت الدول بقبول العمال المهاجرين، فهل هناك قيود أخلاقية على كيفية معاملتهم؟ وهل سيكون قبول عمال مؤقتين دون السماح لهم في الوقت نفسه بالحصول على الجنسية أمراً غير عادل؟ وما هي المسؤوليات التي تقع على عاتقنا فيما يتعلق بالإتجار بالبشر؟

ويوجد في الوقت الحالي العديد من الدفاعات الكلاسيكية عن حقوق الدولة في السيطرة على الحدود، حيث يمثل ديفيد ميلر وآخرون (Miller 2005, 2007) , Michael Walzer (Walzer 1983) and Christopher Wellman (Wellman and Cole, 2011)، هذه الدفاعات المهمة بشكل خاص، كما أن “جوزيف كارينز” هو المؤيد الأكثر تأثيراً لموقف “الحدود المفتوحة” البديل (Carens 1987, 2013, but Cole 2000 and Wellman and Cole 2011). وفي حين يناقش العديد من المنظرين المسؤوليات تجاه اللاجئين والعاملين الضيوف، فإن معالجة ” والزر” مؤثرة بشكل خاص، لا سيما في الدفاع عن وجهة نظره بأن برامج العامل الضيف لا يمكن تبريرها إلا عندما تقدم الدول المضيفة لمثل هؤلاء “الضيوف” مسارًا مناسباً للحصول على المواطنة الكاملة والمتساوية مع مواطنيها الأصليين (Walzer, 1983)، ويقدم “ويلمان” مناقشة شاملة لمعايير قبول المهاجرين القابلة للدفاع عنها (Wellman and Cole, 2011)، وكانت قضايا هجرة العقول وارتباطها بقرارات الهجرة هو أحدث قضية تمت مناقشتها (Carens 2013, Oberman 2012, Brock and Blake 2015). وللحصول على تغطية تفصيلية للقضايا المتعلقة بما إذا كان ينبغي أن تكون الحدود مفتوحة إلى حد ما، وما هي التزاماتنا تجاه اللاجئين أو العمال الضيوف، والقضايا المتعلقة بأخلاقيات تجنيد المهاجرين القادمين من البلدان النامية الفقيرة البعيدة، انظر المدخل الخاص بالهجرة.

7. القضايا البيئية العالمية

 إن أنماط السلوك البشري التي تدمر البيئات، وتسرع من وتيرة انقراض أنواع الكائنات الحية، وتؤدي إلى تفاقم مستويات التلوث السامة، وتساهم في تدمير طبقة الأوزون، أو تزيد من مستويات الزحام السكاني، كلها قضايا ذات اهتمام بيئي عالمي، ومع ذلك وعلى الرغم من وجود العديد من الموضوعات البيئية العالمية التي تعتبر بالفعل من ضمن اهتمامات العدالة العالمية، إلا أن هناك موضوعًا يهيمن على المناقشة ويتعلق بمسؤولياتنا فيما يتعلق بتغير المناخ، ونركز هنا بصورة حصرية على هذه القضية.

لم يعد مثيراً للجدل بين الأوساط العلمية أن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان هو أمر حقيقي ويشكل تهديداً هائلًا لرفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية، ولكن من المسلم به على نطاق واسع أن التنمية البشرية هي وسيلة مهمة لمعالجة المستويات العالية من الفقر العالمي، وأن مثل هذه التنمية كثيفة الاستخدام للطاقة، ومن غير المحتمل أن تكون أرخص مصادر الطاقة المتاحة هي أنواع الطاقة النظيفة، وتؤثر مثل هذه الاعتبارات بشكل كبير على الجهود المبذولة للتعامل مع المشاكل التي يطرحها تغير المناخ، وهناك الكثير من الجدل حول المبادئ التي ينبغي أن تشكل معاهدة عادلة تهدف إلى التعامل مع تغير المناخ التي تعطي وزنًا مناسبًا لمخاوف التنمية البشرية، ويدرج بعض المتنافسين الرئيسيين من المنظرين المبادئ التي تعترف بالمسؤولية السببية لمستويات عالية من الانبعاثات، والمبادئ التي تراعي القدرة على الدفع تحمل التكاليف، والمبادئ التي بموجبها نتوقع الآن ودون تأخير من أولئك الذين استفادوا من تلك الانبعاثات أن تتحمل التكاليف المتبقية في هذا الصدد.

ومما لاشك فيه أننا لم نساهم جميعًا بالتساوي في المشاكل التي تسببت فيها الانبعاثات؛ حيث ساهمت الدول الصناعية تاريخيًا بمستويات أعلى بكثير من الانبعاثات من تلك الدول النامية، أو التي لا تزال في طور النمو، ومن ثم يجب علينا دعم المبادئ التوجيهية لأولئك الذين يلوثون أكثر؛ ويجب أن يدفعوا أكثر للمساعدة في معالجة المشاكل القائمة (مبدأ تغريم الملوِّث) .(Polluter Pays Principle)لكن النقاد يجادلون بأن هذا المبدأ يحمل بعض الأشخاص المسؤولية بشكل غير عادل على الرغم من معرفتهم أنهم لا يعرفون أنهم يتسببون في ضرر، حيث لم يكن معروفًا على نطاق واسع أن غازات الدفيئة يمكن أن تؤدي إلى تغير المناخ قبل عام 1990. وبناءً على هذا الرأي، نجد أن مسؤولية الانبعاثات قبل عام 1990، لا تتوافق مع (مبدأ تغريم الملوِّث)، حتى لو تم استخدامه لتخصيص التكاليف بعد عام 1990، والمبدأ الثاني الذي تتم مناقشته غالبًا هو (مبدأ المستفيد يدفع). ولقد استفاد أولئك الذين يعيشون في البلدان الصناعية بشكل كبير من المستويات الأعلى للانبعاثات، لذلك ليس من العدل أن يدفعوا نسبة أعلى من التكاليف، ويعترض النقاد بأن تاريخ المزايا ليس اعتباراً قويًا بما يكفي لتوزيع تلك المسؤوليات، وفي كثير من الحالات ما إذا كان الناس سيستفيدون أم لا، فإن هذا إلى حد كبير يكون خارج سيطرتهم، ووفقًا للمبدأ المشترك الثالث القدرة على الدفع؛ أي قدرة الوكلاء على دفع التكاليف المرتبطة بالتخفيف من تغير المناخ، فيجب أن تكون مناسبة.

كما تتطلب المعالجة الشاملة للعدالة المناخية معالجة قضية المسؤوليات تجاه الأجيال المستقبلية؛ لمعالجة مهمة لمسؤولياتنا تجاه الأجيال الأخرى، راجع مدخل العدالة بين الأجيال.

8. قضايا الصحة العالمية

لا شك أن إحدى السمات البارزة لحالة الصحة العالمية هي الفوارق الكبيرة في النتائج الصحية والفرص الصحية حول العالم، حيث يختلف متوسط ​​العمر المتوقع بشكل كبير بين سكان العالم، ويتضح هذا في الأمثلة التالية، من المتوقع لأي شخص ولد في سيراليون أن يعيش حوالي 40 عامًا، بينما من المتوقع لأي شخص ولد في اليابان أن يعيش حوالي80عامًا، ومثال آخر، أنه تم القضاء على الملاريا بالكامل تقريبًا في البلدان ذات الدخل المرتفع، لكنها لا تزال تقتل حوالي مليون شخص في البلدان النامية (United Nations, 2009)، كما أن هناك احتمالية أن تموت المرأة في النيجر أثناء الولادة بنسبة 1 : 7، في حين أن هناك احتمالية أن تموت المرأة في كندا أثناء الولادة بنسبة 1 : 11000 (Benatar and Brock, 2011)، كما أنه لا ينتشر العبء العالمي للمرض بأي حال من الأحوال بالتساوي في كل دول العالم، كما لا تتوافق قدرة القوى العاملة مع المناطق الأكثر احتياجًا، وفي الواقع، فإن العديد من البلدان التي تعاني من أكبر أعباء المرض لديها أقل عدد من العاملين المهرة في مجال الرعاية الصحية، بالإضافة إلى ذلك لا تنفق شركات الأدوية ميزانيات البحث والتطوير الخاصة بها بطرق تتناسب مع الاحتياجات الأكبر حول العالم، وبدلاً من ذلك، وانطلاقًا من السعي وراء المشاريع الأكثر ربحية، فمن الأرجح أن تنفق شركات الأدوية الموارد على تطوير الأدوية للأسواق المربحة حيث تكون المكاسب أكبر، حتى عندما تكون الفوائد الهامشية للمستهلكين صغيرة؛ وأحد الأمثلة على ذلك هو: موارد البحث والتطوير التي تنفقها شركات الأدوية بشكل متكرر على تطوير عقاقير تشبه الأدوية الأخرى المتاحة بالفعل، بدلاً من تطوير علاجات للأمراض التي لا يوجد لها علاج، وتشير أحدث الاختبارات إلى أن شركات الأدوية تنفق ما يقرب من حوالي 90٪ من موارد البحث والتطوير في البحث عن علاج لحوالي 10٪ فقط من الأمراض. (Drugs for Neglected Diseases Working Group 2001).

كما أنه غالبًا ما يكون الفقراء في البلدان النامية أكثر عرضة للإصابة بالأمراض وأقل قدرة على مقاومة المرض بسبب الظروف المعيشية السيئة المرتبطة بالفقر، كما يلعب نقص المياه النظيفة ومصادر الطاقة النظيفة والتغذية غير الكافية والمحددات الاجتماعية الأخرى ذات الصلة بالصحة دوراً رئيسيًا في تفسير التعرض المتزايد للأمراض، كما أنه يمكن للعيش في منازل مكتظة بالسكان أن يسهل انتشار الأمراض المعدية، مثل السل ولذلك؛ ينبغي أن يكون عدد من القضايا التي تعمل على إدامة الفقر أن تؤدي إلى تفاقم تعرض الناس للمرض، فهي مصدر قلق بالنسبة لنا (Benatar and Brock, 2011)، كما يجادل “نورمان دانيلز” Norman Daniels، أنه يمكن اعتبار التفاوتات الصحية بين المجموعات الاجتماعية المختلفة أنها غير عادلة، ذلك عندما تنتج عن التوزيع غير العادل في العوامل التي يمكن السيطرة عليها اجتماعيًا، والتي تؤثر على صحة السكان ((Daniels 2011, 101، واستناداً لوجهة النظر هذه، فإن العديد من التفاوتات الصحية الموجودة هي مصدر قلق بالنسبة لنا؛ لأنها تستوفي محل النقاش، وهو كيف ينبغي تخصيص المسؤوليات لتحسين هذا الوضع؟. وهناك طرق عديدة للإجابة على هذا التساؤل؛ لكني اختار القليل منها هنا فقط، خاصة تلك التي حظيت باهتمام كبير في الأدب الفلسفي إلى الآن.

ويعد النظام الحالي لحقوق الملكية الفكرية أحد المجالات المثيرة للقلق، حيث تمنح منظمة التجارة العالمية براءات اختراع للمنتجات لمدة عشرين عامًا مما يجعل العديد من الأدوية الجديدة صعب الحصول عليها بالنسبة للغالبية العظمى من سكان العالم خاصة أولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها من الفقراء حول العالم، وهناك عدد من المقترحات المبتكرة التي تهدف إلى معالجة مثل هذه القضايا، ومن بين أحد هذه الأمثلة البارزة هو اقتراح صندوق التأثير الصحي الذي طوره “توماس بوج” Thomas Pogge، والذي يقدم طرقًا بديلة لمكافأة شركات الأدوية استناداً على مدى تأثيرها على علاج الأمراض فعليًا حول العالم (Pogge, 2008)، حيث أنه كلما زاد تأثيرهم زاد نصيبهم من المكافآت من صندوق التأثير الصحي. وتقترح “نيكول حسون” Nicole Hassoun؛ برنامج اعتماد يوثق تصنيف مساهمات شركات الأدوية للفقراء في العالم “دليل التجارة العادلة” (Hassoun, 2012)، حيث ستتنافس الشركات على تصنيفات النجوم الذهبية التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على خيارات استهلاك منتجاتها، وبالتالي على أرباحها المتوقعة. وخلاصة القول، إن الهدف في كلتا الحالتين هو خلق حوافز مهمة للاعبين الرئيسيين للاهتمام بكيفية تأثير منتجاتهم على فقراء العالم.

وهناك العديد من القضايا الأخرى التي تهم الفلاسفة في مجال الصحة العالمية؛ نظراً لوجود ممارسة مقلقة وبشكل متزايد، وهي تتمثل في إجراء التجارب على الأشخاص المحرومين في البلدان النامية، وغالبًا ما يتم الاستعانة بمصادر خارجية للبحث السريري للبلدان النامية الفقيرة ذات السكان المعرضين لمخاطر عالية. وقد نتساءل عما إذا كان هؤلاء السكان يتعرضون للاستغلال وما إذا كان المشاركون قد تم التأثير على قدراتهم من أجل الموافقة على الخضوع للتجارب السريرية للأدوية، وفي كثير من الحالات تجلب تلك التجارب فوائد صحية كبيرة والتي لم تكن لتحدث لولا أن إجراء مثل هذه البحوث السريرية في تلك المواقع يصب في مصلحة شركات الأدوية، وإذا ما تحققت فوائد كافية للسكان المحليين من وراء مثل هذه البحوث السريرية، فيجادل البعض بأن هذه الحالات لا يجب أن تكون مصدر قلق بالنسبة لنا (London, 2011).

وتطرح الأمراض المعدية الجديدة وخطر الأوبئة المزيد من الأسئلة حول مسؤولياتنا. وغالبًا ما يتم إثبات أن المصالح الوطنية في مجال الصحة العامة في البلدان المتقدمة تتطلب الاهتمام بالأمراض المعدية التي قد تنشأ في البلدان النامية، لكن يبدو أن لهذه الحجة قيوداً مذهلة في الآونة الأخيرة، ويثير تفشي فيروس إيبولا في غرب إفريقيا في عام 2014 أسئلة حول ما يتعين علينا القيام به لمساعدة الضحايا الذين يتعرضون لهذا الفيروس؛ وكان بسبب الطرق التي ينتشر بها المرض، ومن غير المرجح أن يهددوا شرائح كبيرة من السكان في البلدان المتقدمة الغنية خارج إفريقيا، ومما لاشك فيه أنه لا تتلاقى المصالح الوطنية للبلدان المتقدمة الغنية بسهولة مع متطلبات الصحة العامة في البلدان النامية في هذه الحالة ومع ذلك، فقد لا يزال لدينا المزيد من المسؤوليات المهمة للمساعدة في هذا الصدد.

9. بعض القضايا التي تتقاطع مع العديد من الموضوعات

1.9 الموارد الطبيعية والعدالة العالمية

في الواقع، غالبًا ما تحتل مناقشة قضية الموارد الطبيعية مكانة بارزة في العديد من موضوعات العدالة العالمية، وتتضمن بعض الأسئلة ذات الصلة، نسردها فيما يلي: هل يحق للمجتمعات الوطنية الحصول على الموارد التي يجدونها في أراضيهم؟ وهل ينبغي تطبيق مبادئ العدالة العالمية على ترتيباتنا لتوزيع الموارد الطبيعية بشكل عادل؟ وكان “تشارلز بيتز” Charles Beitz من أوائل المؤيدين لمبدأ توزيع الموارد، والذي بموجبه يجب توزيع الموارد الطبيعية بحيث يكون كل مجتمع قادراً على توفير ما يكفي لسكانه (Beitz, 1975)، ورأينا في القسم رقم 2 أن “رولز” يعتقد أن الموارد ليست مهمة للازدهار بالطرق التي يتخيلها الكثيرون، وبدلًا من ذلك فإن المرونة والنجاعة المؤسسية أكثر أهمية في تحقيق الازدهار، وعلى النقيض من ذلك يسلط “توماس بوج” Thomas Pogge الضوء على الطرق التي تخلق بها الممارسات الدولية المتعلقة بتوزيع الموارد عقبات كبيرة أمام الازدهار في البلدان النامية، وباختصار، تخلق مثل هذه الممارسات حوافز للأنواع الخاطئة من الناس للاستيلاء على السلطة من خلال وسائل غير مشروعة والتركيز على الاحتفاظ بالسلطة على حساب الأهداف الأخرى التي يجب أن تركز عليها الحكومات، مثل محاولة تحسين رفاهية مواطنيها، وبالتالي فنحن بحاجة إلى تعديل هذه الممارسات الدولية حتى لا تخلق مثل هذه البيئة غير المناسبة، وبالإضافة إلى ذلك، يقترح ” توماس بوج” Thomas Pogge عائدًا من الموارد العالمية كإجراء واحد يمكن من خلاله أن تعمل الممارسات المتعلقة بتوزيع الموارد الطبيعية بطريقة ما لصالح فقراء العالم، ومن خلال اقتراح توزيع أرباح الموارد العالمية هذا؛ ستكون هناك ضريبة صغيرة على استخراج الموارد يدفعها مستهلكو الموارد، ويتم توجيه هذه الضريبة الصغيرة على استخراج الموارد للمشاريع التي من شأنها أن تساعد الجميع ليكونوا قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية بكرامة (Pogge, 2008).

ويولي “ليف وينار” Leif Wenar أيضًا اهتمامًا خاصًا بالممارسات السائدة التي تحكم بيع الموارد الطبيعية ومنتجاتها (Wenar, 2010)، فعندما يشتري المستهلكون في الدول الغنية سلعًا من البلدان النامية، وغالبًا ما يكون هذا مشابهًا لاستلام بضائع مسروقة وبإدراك كامل، حيث تتطلب المبيعات المشروعة للموارد موافقة عامة من المواطنين، ويتطلب دليل الاتفاق هذا ما يلي: (1) يجب إعلام المالكين بالمبيعات، (2)يجب أن يكون المالكون قادرين على التعبير عن معارضتهم بحرية إذا كانت لديهم شكوك بشأن تلك المبيعات، (3) يجب أن يكون المالكون قادرين على إيقاف مبيعات الموارد دون الخوف من العواقب الوخيمة مثل العنف والترهيب، ومن خلال هذه الأنواع من الطرق، يهدف وينار إلى تجريم نزع ملكية موارد المواطنين.

ولأسباب مختلفة (بما في ذلك الأسباب الاستراتيجية)، لا يتحدى “توماس بوج” و”ليف وينار” Thomas Pogge and Leif Wenar حق الدول في امتلاك موارد على أراضيها، حيث أن التوصيات المتعلقة بالسياسة على سبيل المثال: “من المرجح أن تكون أكثر فاعلية إذا أمكن وضعها ضمن الهياكل الرئيسية للاتفاقيات الدولية، ومع ذلك فقد تناول منظرين آخرين هذه القضية بما في ذلك “هيليل شتاينر” و”تيم هايوارد” و”ماثياس ريس” Hillel Steiner, Tim Hayward and Mathias Risse، حيث يدفع ” شتاينر” بأن جميع سكان العالم يحق لهم الحصول على حصة متساوية من قيمة جميع الأراضي، كما يدافع عن “الصندوق العالمي” الذي يهدف إلى ضمان إمكانية تأمين استحقاقات أنصبة متساوية للشعوب من الموارد حول العالم، كما سيشكل الصندوق العالمي غرفة مقاصة للمدفوعات واستحقاقات الشعوب (Steiner, 2005).

من خلال روايات الدفوعات بملكية الموارد، يستخلص بعض الفلاسفة آثاراً مهمة لمناقشات العدالة العالمية المتنوعة، حيث يجادل “ماتياس ريس” Mathias Risse، بأننا جميعًا نمتلك موارد الأرض بصورة جماعية وهذا له آثار عميقة على مجموعة من قضايا العدالة العالمية، بما في ذلك الهجرة، وعندما لا يستغل الناس “حصصهم المشروعة” من الأرض، لا يمكنهم الشكوى عندما يرغب الملاك المشتركون معهم في ملكية هذه الأرض في احتلال جزء منها، كما يناقش بعض المنظرين المهتمين بالقضايا البيئية أيضًا حقوقنا فيما يتعلق بالموارد الطبيعية، حيث يجادل البعض بأن لدينا حقوقًا متساوية للاستفادة من موارد الأرض، فعلى سبيل المثال: يجادل “تيم هايوارد ” Tim Hayward بأن لدينا حقوقًا متساوية في الفضاء البيئي (Hayward, 2005). وغالبًا ما يتم القبول بهذا الدفع واللجوء إليه عندما يكون هناك تصور بأننا تجاوزنا حصتنا أو نصيبنا، مثل مستويات انبعاثات الكربون والاستهلاك بشكل عام.

كما أن الروايات التي بموجبها يتم الدفع بأنه لدينا حقوق متساوية في الموارد والأرض والفضاء البيئي وما إلى ذلك، غالبًا ما يتم اتهامها بالمعاناة من مشكلة مشتركة مهمة، ومن الصعب الدفاع عن رواية واضحة ومقنعة لقيمة الموارد لأنها يمكن أن تختلف بشكل كبير طبقًا لمختلف السياقات الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، إلا أننا بحاجة إلى أن نكون قادرين على تحديد قيم الموارد بصورة معقولة، إذا ما أردنا تحديد ما إذا كان الناس يستمتعون أو يتجاوزون حصصهم المتساوية بالفعل.

2.9 تخصيص المسؤوليات لمعالجة المشاكل العالمية

هناك عدد من مشاكل العدالة العالمية التي تتطلب الإنصاف، وهذا بدوره يثير قضية المسؤوليات العلاجية، ومن ينبغي أن يفعل ما يقلل من الظلم العالمي؟ ومما لا شك فيه أنه يمكن للعديد من الوكلاء والمجموعات والمنظمات والمؤسسات المختلفة لعب دور في مثل هذه المعالجة، وهنا نتساءل، ما هي المسؤوليات التي يجب إلقائها على عاتق الشركات أو الحكومات أو المستهلكين أو المواطنين أو المنظمات الدولية أو الحركات الاجتماعية؟ وتتضمن العديد من الإرشادات التي تتم مناقشتها في كثير من الأحيان فيما يخص القضايا المتعلقة بالمساهمات في تقديم المعالجات من قبل الوكلاء لمشكلة ما، وأنماط استفادتهم من تلك المشكلة، وقدرتهم على اتخاذ إجراءات بناءة في الوقت الحالي، وهناك إطاران مؤثران يستحقان مزيدًا من النقاش والمعالجة، لا سيما إطار “أيريس ماريون يونج” Iris Marion Young المتعلق بنموذج الاتصال الاجتماعي لتوزيع المسؤوليات عن الظلم الهيكلي العالمي، وإطار “ديفيد ميلر” David Miller فيما يتعلق بالمسؤولية العلاجية (Young 2011, Miller 2007).

وعلى النقيض من فكرة المسؤولية باعتبارها تنطوي على البحث عن الخطأ والمسؤولية الفردية ثم العثور على من ارتكب الخطأ والمسؤولية الفردية، وتحميله لهما، فإن “أيريس ماريون يونج”Iris Marion Young” طور نموذجًا استشرافيًا، يدفع بأنه أكثر ملاءمة من فكرة البحث عن الخطأ والمسؤولية الفردية إنها تعتمد على فكرة أن المشاركة عبر المؤسسات ينتج عنها أحيانًا الظلم، لذلك لدينا مسؤوليات خاصة لمعالجة مثل هذا الظلم. ونتشارك جميعًا المسؤولية عن معالجة الظلم ولكن قد تكون لدينا درجات وأنماط مختلفة من المسؤولية تجاه معالجة هذا الظلم، حيث تقدم “أيريس” معايير مختلفة للاستدلال يمكن أن تساعد الأفراد والمنظمات في تحديد ما قد يكون أكثر منطقية بالنسبة لهم في محاولة تصحيح الظلم نظرًا لوجود العديد من المظالم حول العالم، في حين أن لدينا وقتًا محدودًا وموارد محدودة، وباستخدام دراسة حالة لصناعة الملابس العالمية؛ نجد أن حقيقة الطريقة التي نضع بها أنفسنا بشكل مختلف يمكن أن تستلزم مسؤوليات مختلفة ولكنها مهمة لجميع المشاركين في الأنشطة التي تدعم هذه المصانع، نظرًا لوجود أربعة معايير على الأقل يمكن للوكلاء استخدامها لإثبات تبريرهم وفهمهم، فإننا ندرجهم على النحو التالي:

  • 1. القوة: لدينا مستويات مختلفة من التأثير والقدرات لتغيير العمليات، ومن ثم يجب أن نركز على تلك المجالات التي لدينا فيها قدرات أكبر لتغيير العمليات الهيكلية المثيرة للقلق، وبالتالي قد يعني هذا التركيز على عدد قليل من اللاعبين الرئيسيين الذين لديهم قدرة أكبر على إحداث التغييرات بأنفسهم والتأثير على الآخرين.
  • 2. الامتياز: يتمتع بعض الأشخاص بامتيازات أكثر من غيرهم من حيث الهياكل، لذا فإن مستهلكي الملابس من الطبقة الوسطى لديهم دخل تقديري أكثر وخيارات وقدرة على استيعاب التكاليف، ويمكنهم تغيير ممارسات شراء الملابس الخاصة بهم بسهولة أكبر من أولئك الذين يكسبون الحد الأدنى من الأجور، لديهم تقديرية الدخل. قدرة قليلة، وبالتالي ضعيفة على استيعاب المزيد من التكاليف.
  • 3. المصالح: كل من لديه مصلحة في تغيير الهياكل القمعية الظالمة لديه مسؤوليات فيما يتعلق بمعالجة هذه المظالم، وهذا يعني أن “الضحايا” أيضًا يتحملون مسؤوليات مهمة لأن لديهم مصلحة كبيرة في القضاء على هذا الظلم، وفي تحليل دقيق، قالت “أيريس ماريون يونج” Iris Marion Young أنه قد يكون لدى الضحايا مسؤوليات في سياقات معين، مثل التحدث علنًا عن الظروف القاسية التي يعملون فيها، كما يجب عليهم أن يتحملوا بعض المسؤولية لمقاومة وتحدي الهياكل المؤسسية التي تنطوي على الظلم، وبدون مشاركتهم قد يتم تبرير عدم الحاجة إلى الإصلاحات أو قد لا تأخذ الإصلاحات الشكل المطلوب، وقد لا تكون هذه الالتزامات موجودة دائمًا، خاصة عندما تتطلب تكاليف المقاومة تضحيات غير عادية من قبل الجميع خاصًة ضحايا الظلم.
  • 4.القدرة الجماعية: في بعض الحالات لدينا بالفعل قدرات التنظيم الجماعي والموارد الراسخة، وفي بعض الأحيان يكون من المنطقي أن نعتمد على مثل هذه الأشياء لذلك، على سبيل المثال: في بعض الأحيان، تمارس اتحادات الطلاب أو المنظمات الدينية أو النقابات أو مجموعات المساهمين بالفعل قوة كبيرة في القدرة على تنسيق الأعضاء ذوي التفكير المتماثل الذين يرغبون في اتخاذ إجراءات معينة وإحداث تغييرات بعينها، إن “أيريس ماريون يونج”” Iris Marion Young تشجعنا على تسخير الموارد التنظيمية التي نتمتع بها لأن فعل ذلك دائما ما يثبت فعاليته.

وخلاصة القول، تشجعنا “أيريس ماريون يونج” على التفكير في أفضل السبل التي يمكننا من خلالها تحمل المسؤولية للحد من الظلم الهيكلي من خلال التفكير في هذه المعايير الأربعة – مواقف مختلفة للسلطة (القوة) والامتياز والمصالح والقدرة الجماعية السابق الإشارة إليها بالتفصيل.

ويقدم “ديفيد ميلر” David Miller نظرية ارتباط ذات تأثير هائل في المسؤولية والتي تناقش أيضًا مسؤولياتنا العلاجية للظلم، وهناك ست طرق يمكن من خلالها أن نتواصل مع شخص ما، (فلان)، الذي يحتاج إلى مساعدة وبالتالي يتحمل المسؤولية العلاجية هذه المساعدة، وتؤدي هذه الروابط إلى ست طرق يمكن من خلالها تحديد المسؤولية العلاجية، وقد نكون مسؤولين أخلاقيًا عن حالة (فلان)؛ وقد نكون نتيجة لحالة (فلان) أو مسئولين سببيًا عن حالة (فلان)؛ وربما لم يكن لدينا دور سببي في حالة (فلان) لكننا استفدنا منها؛ وقد تكون لدينا القدرة على مساعدة (فلان)؛ أو قد نكون مرتبطين ب(فلان) من خلال الروابط المجتمعية [4].

وتوجد أيضًا مخاوف مهمة في أدبيات العدالة العالمية حول توزيع المسؤوليات بين الوكلاء كجماعات وكأفراد، فهل يمكننا تحميل الدول والأمم المسؤولية عن الظلم العالمي أو تصحيح هذا الظلم بصورة جذرية؟ ويثير هذا التساؤل أسئلة مهمة حول المسؤولية الجماعية التي يتم التعامل معها بشكل مناسب في جزء آخر من هذه الموسوعة (انظر المدخل الخاص بالمسؤولية الجماعية).

3.9 السلطة في مجال العالمي: هل نحتاج إلى دولة عالمية لتأمين العدالة العالمية؟

هل من الممكن أن يكون هناك عدالة عالمية في غياب دولة عالمية تحققه؟ يجادل “هوبز” Hobbes بأن هذا غير ممكن نظراً لعدم وجود سلطة عالمية يمكنها تأمين وفرض متطلبات العدالة، ويقدم ما يسمى بالحالة الواقعية الكلاسيكية، والتي لها تأثير كبير في السياسة الدولية، مثل وجود حالة من الطبيعة في العالم الدولي، واستناداً على مبدأ أن جميع الدول تتنافس في السعي وراء مصالحها الخاصة، وبما أنه لا توجد سلطة عالمية فلا يمكن أن يكون هناك عدالة في الشؤون الدولية.

إلا أن البعض الآخر أكثر تفاؤلا، نظرًا لأنه لدينا بالفعل مستوى عالٍ من التفاعل بين الدول والمنظمات والوكلاء الآخرين، والذي أدى بدوره إلى ظهور معايير وتوقعات مختلفة حول السلوك المناسب الذي يوجه السلوك في المجال الدولي (Beitz, 1999)، وعلاوة على ذلك، فلدينا مصلحة قوية في التعاون عندما يكون ذلك ضروريًا للتعامل عمليًا مع مجموعة من المشكلات التي لها امتداد عالمي وتأثير على مختلف دول العالم، وتهتم الحوكمة العالمية بكيفية إدارتنا للمصالح التي تؤثر على سكان أكثر من دولة في العالم في ظل غياب دولة عالمية، كما يوجد بالفعل مستوى عالٍ من التعاون بين مجموعة متعددة من الشبكات والمنظمات والمجموعات الأخرى من الأطراف المعنية على مستوى فرعي من الدول، وهذا يؤثر بقوة على إعادة تصميم معايير أفضل للممارسات في مجالات بعينها (Anne-Marie Slaughter 2004).

ومن بين وكلاء التغيير الأخرين الذين كان بإمكانهم ممارسة ضغوط إصلاحية كبيرة وقد مارسوها بالفعل، الحركات الاجتماعية العالمية، مثل كل من: حركة مكافحة استغلال العمالة، وحركة التجارة العادلة، وغيرها من حركات الاستهلاك الأخلاقي، ولقد كان النشاط العالمي مصدرًا مهمًا للتغيير التدريجي، كما تُظهر مثل هذه الأمثلة البسيطة أنه من الممكن تحقيق وإنجاز التغيير أكثر مما يطمح إليه الواقعيون حتى في غياب دولة عالمية.

ولمزيد من المعلومات حول قضايا الحكومة العالمية، أنظر مدخل الحكومة العالمية، الذي يقدم مزيد من المعالجة المستفيضة لهذه القضية.

10. المساهمة في السياسة العامة

يساهم الفلاسفة بطرق مهمة في المناقشات حول قضايا سياسة العدالة العالمية، على سبيل الأمثلة الإيضاحية؛ قمنا في هذا المدخل باستطلاع العديد من مقترحات الإصلاح المؤسسي لمعالجة المظالم العالمية التي حظيت باهتمام واسع النطاق، وتتضمن تلك الأمثلة الإيضاحية كل من: اقتراح صندوق التأثير الصحي ل “توماس بوج” (القسم رقم 8 من هذه المقالة) جنبًا إلى جنب مع اقتراحه بشأن “توزيع أرباح الموارد العالمية” (القسم رقم 1.9من هذه المقالة)، ومقترح الارتباط العادل لكل من “كريستيان باري” و”سانجاي ريدي” للمساعدة في تحسين ظروف العمال حول العالم (القسم رقم 4 من هذه المقالة)، ومقترح كل من “آلان بوكانان” و”روبرت كيوهان” المسمى ب “الابتكارات المؤسسية” لتأمين وجود المساءلة في استخدام القوة العسكرية (القسم رقم  2.3من هذه المقالة)، وهناك أيضًا مقترح “العمل المبتكر” لـ ” ليف وينار” فيما يتعلق بمقترحات التجارة النظيفة (القسم رقم 1.9من هذه المقالة).

بالإضافة إلى تلك الأمثلة التوضيحية التي تم إبرازها بالفعل في هذه المقالة ؛ يؤثر الفلاسفة أيضًا على مناقشات السياسة في مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك ما يلي: قضايا تغير المناخ، وإصلاح الأمم المتحدة، واقتراح الأولويات الجديدة التي ينبغي أن تحل محل الأهداف الإنمائية للألفية التي انتهت صلاحيتها بالفعل في عام 2015، ولقد ساهم الفلاسفة أيضًا في مشاريع دولية مؤثرة ومتعددة المناحي تبحث عن طرق بديلة لقياس نوعية وجودة حياة الشعوب ولقياس الفقر حول العالم (Nussbaum and Sen 1993, Pogge 2014)، كما أن أحد المجالات الأخرى التي جذبت اهتمامًا متزايدًا في الفترة الأخيرة تتعلق بالضرائب وقضايا المساءلة، ولقد ناقش الفلاسفة الممارسات الضريبية التعسفية المتفشية والموجودة على نطاق واسع، والتي تفرضها الشركات والأفراد الأثرياء وكيف أن مثل هذا الأمر يحرم البلدان النامية من الدخل، وهو الذي تشتد الحاجة إليه للتنمية البشرية في البلدان النامية، كما تمت أيضًا مناقشة ضرائب الدخل العالمية وضرائب الكربون وضرائب المعاملات المالية وضرائب توبين (Moellendorf 2009, Caney 2005b, Brock 2009).

كما يواصل الفلاسفة تقديم مساهمة مهمة في المناقشات والسجلات السياسية، ومن المحتمل أن يكون هذا مجال تركيز العمل المستقبلي المفيد بشأن العدالة العالمية.


 

المراجع

  • Abizadeh, A., 2010, “Citizenship, Immigration and Boundaries,” in Ethics and World Politics, Duncan Bell (ed.), Oxford: Oxford University Press, pp. 358–376.
  • Altman, A. and C.H. Wellman, 2009, A Liberal Theory of International Justice, Oxford: Oxford University Press.
  • Aquinas, T. “Summa Theologiae IIaIIae 40: On war,” in Aquinas: Political Writings, (Cambridge Texts in the History of Political Thought), R.W. Dyson (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, 2002, pp. 239–247.
  • Banai, A. M. Ronzoni and C. Schemmel (eds.), 2011, Social Justice, Global Dynamics: Theoretical and Empirical Perspectives, Abingdon: Routledge.
  • Barry, B. and R. Goodin (eds.), 1992, Free Movement: Ethical Issues in the Transnational Migration of People and Money, University Park: Pennsylvania State University Press.
  • Barry, C., B. Herman and L. Tomitova (eds.), 2007, Dealing Fairly with Developing Country Debt, Malden, MA: Blackwell.
  • Barry, C. and T. Pogge (eds.), 2005, Global Institutions and Responsibilities: Achieving Global Justice, Malden, MA.: Blackwell.
  • Barry, C. and S. Reddy, 2008, International Trade and Labor Standards, New York: Columbia University Press.
  • Beitz, C., 1975, “Justice and International Relations,” Philosophy and Public Affairs, 4 (4): 360–389.
  • –––, 1999, Political Theory and International Relations, Princeton, NJ: Princeton University Press, 2nd edition.
  • –––, 2009, The Idea of Human Rights, Oxford: Oxford University Press.
  • Beitz, C. and R. Goodin, 2009, Global Basic Rights, Oxford: Oxford University Press.
  • Bell, D., 2010, Ethics and World Politics, Oxford: Oxford University Press.
  • Benatar, S. and G. Brock, 2011, Global Health and Global Health Ethics, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Blake, M., 2001, “Distributive Justice, State Coercion, and Autonomy,” Philosophy and Public Affairs, 30 (3): 257–296.
  • Blake, M. and P.T. Smith, 2013, “International Distributive Justice,” The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2013 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2013/entries/international-justice/>.
  • Bohman, J., 2007, Democracy Across Borders: From Demos to Demoi, Cambridge: MIT Press, 2007.
  • Brock, G., 2009, Global Justice: A Cosmopolitan Account, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2010, “Recent Work on Rawls’s Law of Peoples: Critics versus Defenders,” American Philosophical Quarterly, 47 (1): 85–101.
  • Brock, G. (ed.), 2013, Cosmopolitanism versus Non-Cosmopolitanism: Critiques, Defenses, Reconceptualizations, Oxford: Oxford University Press.
  • Brock, G., and M. Blake, 2015, Debating Brain Drain: May Governments Restrict Emigration?, Oxford: Oxford University Press.
  • Brock, G. and H. Brighouse (eds.), 2005, The Political Philosophy of Cosmopolitanism, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Brock, G. and D. Moellendorf (eds.), 2005, Current Debates in Global Justice, Dordrecht: Springer.
  • Brooks, T. (ed.), 2008, The Global Justice Reader, Malden, MA: Blackwell.
  • Brown, G. and D. Held (eds.), 2010, The Cosmopolitan Reader, Cambridge: Polity.
  • Buchanan, A., 1997, “Theories of Secession,” Philosophy and Public Affairs, 26 (1): 31–61.
  • Buchanan, A., 2004, Justice, Legitimacy and Self-Determination, Oxford: Oxford University Press.
  • Buchanan, A. and R. Keohane, 2004, “The Preventive Use of Force: A Cosmopolitan Institutional Proposal,” Ethics and International Affairs, 18 (1): 1–22.
  • Caney, S., 2005a, “Cosmopolitan Justice, Responsibility, and Global Climate Change,” Leiden Journal of International Law, 18 (4): 747–775.
  • –––, 2005b, Justice Beyond Borders, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2008, “Global Distributive Justice and the State,” Political Studies, 57 (3): 487–518.
  • Carens, J., 1987, “Aliens and Citizens: The Case for Open Borders,” The Review of Politics, 49 (2): 251–273.
  • –––, 2013, The Ethics of Immigration, New York: Oxford University Press.
  • Chatterjee, D. (ed.), 2004, The Ethics of Assistance: Morality and the Distant Needy, Cambridge: Cambridge University Press.
  • ––– (ed)., 2011, The Encyclopedia of Global Justice, Dordrecht: Springer.
  • Chatterjee, D. and D. Scheid, 2003, Ethics and Foreign Intervention, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Coady, T. and M. O’Keefe (eds.) 2002, Terrorism and Justice: Moral Argument in a Threatened World, Melbourne: Melbourne University Press.
  • Cohen, J., 2010, “Philosophy, Social Science, Global Poverty,” Thomas Pogge and His Critics, A. Jaggar (ed.), Cambridge: Polity Press, pp. 18–45.
  • Cohen, J. and C. Sabel, 2006, “Extra Republicam Nulla Justitia?” Philosophy and Public Affairs 34: 147–175.
  • Cole, P., 2000, Philosophies of Exclusion: Liberal Political Theory and Immigration, Edinburgh: Edinburgh University Press.
  • Daniels, N., 2011, “International Health Inequalities and Global Justice: Towards a Middle Ground” in Global Health and Global Health Ethics, S. Benatar and G. Brock (eds.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 97–107.
  • Dobson, A., 1998, Justice and the Environment, Oxford: Oxford University Press.
  • Doyle, M., 2008, Striking First: Pre-emption and Prevention in Interventional Conflict, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Drugs for Neglected Diseases Working Group, 2001, “Fatal Imbalance: The Crisis in Research and Development for Drugs for Neglected Diseases”. Geneva: MSF.
  • Dryzek, J., 2006, Deliberative Global Politics: Discourse and Democracy in a Divided World, Cambridge: Polity Press.
  • Freeman, S., 2006, “The Law of Peoples, Social Cooperation, Human Rights and Distributive Justice,” Social Philosophy and Policy, 23 (1): 29–68.
  • Gardiner, S., 2011, A Perfect Moral Storm: The Ethical Tragedy of Climate Change, Oxford: Oxford University Press.
  • Gehring, V. (ed.), 2003, War after September 11, Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
  • Goodin, R., 1988, “What Is So Special About Our Fellow Countrymen?” Ethics, 98 (4): 663–686.
  • Gould, C., 2004, Globalizing Democracy and Human Rights, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Hardin, G., 1974, “Lifeboat Ethics: the Case Against Helping the Poor,” Psychology Today, 8 (4): 38–126.
  • Hassoun, N., 2012, Globalization and Global Justice: Shrinking Distance, Expanding Obligations, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Hayward, T., 2005, Constitutional Environmental Rights, Oxford: Oxford University Press.
  • Held, D., 1995, Democracy and the Global Order: From the Modern State to Cosmopolitan Governance, Cambridge: Polity.
  • Held, V., 2008, How Terrorism is Wrong: Morality and Political Violence, New York: Oxford University Press.
  • –––, 2010, “Terrorism,” in Ethics and World Politics, D. Bell (ed.), Oxford: Oxford University Press, pp. 342–357.
  • Hobbes, T., 1651, Leviathan, in R. Tuck (ed.), Hobbes: Leviation, Cambridge: Cambridge University Press, 1996.
  • International Commission on Intervention and State Sovereignty, 2001, The Responsibility to Protect, Ottawa: International Development Research Centre.
  • Jaggar, A., 2005a, “‘Saving Anima’: Global Justice for Women and Intercultural Dialogue,” in Real World Justice, A. Follesdal and T. Pogge (eds.), Dordrecht: Springer, pp. 37–63.
  • –––, 2005b, ‘What Is Terrorism, Why Is It Wrong, and Could It Ever Be Morally Permissible?” Journal of Social Philosophy, 36 (2): 202–217.
  • –––, 2009, “Transnational Cycles of Gendered Vulnerability: A Prologue to a Theory of Global Gender Justice,” Philosophical Topics, 37 (2): 33–52.
  • Jaggar, A. (ed.), 2010, Thomas Pogge and his Critics, Cambridge: Polity Press.
  • ––– (ed.), 2014, Gender and Global Justice, Malden, MA: Polity.
  • James, A., 2012, Fairness in Practice: A Social Contract for a Global Economy, New York: Oxford University Press.
  • Kant, I., 1795, “Perpetual Peace: a philosophical sketch,” in H. Reiss (ed.), Kant: Political Writings, Cambridge: Cambridge University Press, 1991.
  • Kleingeld, P. and E. Brown, 2013, “Cosmopolitanism,” The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2013 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2013/entries/cosmopolitanism/>.
  • Kuper, A., (ed.), 2005a, Global Responsibilities: Who Must Deliver on Human Rights? New York: Routledge.
  • Kuper, A., 2005b, “Global Poverty Relief: More than Charity,” in Global Responsibilities: Who Must Deliver on Human Rights?, A. Kuper (ed.), New York: Routledge, pp. 155–172.
  • Lang, A., 2010, “Humanitarian Intervention,” in Ethics and World Politics, D. Bell (ed.), Oxford: Oxford University Press, pp. 324–341.
  • Liu, C., 2012, “World Government,” The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2012 Edition), Edward Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2012/entries/world-government/>.
  • London, A., 2011, “Justice and Research in Developing Countries,” in Global Health and Global Health Ethics, S. Benatar and G. Brock (eds.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 293–303.
  • Luban, D., 1980, “Just War and Human Rights,” Philosophy and Public Affairs, 9 (2): 160–181.
  • Mandle, J., 2006, Global Justice, Cambridge: Polity Press.
  • Margalit, A. and J, Raz, 1990, “National Self-Determination,” Journal of Philosophy, 87 (9): 439–461.
  • Martin, R. and D. Reidy, 2006, Rawls’s Law of Peoples: A Realistic Utopia? Malden, MA: Blackwell.
  • McKim, R. and J. McMahan (eds.), 1997, The Morality of Nationalism, New York: Oxford University Press.
  • McMahan, J., 2005, “Just Cause for War,” Ethics and International Affairs, 19 (3): 55–75.
  • –––, 2009, Killing in War, Oxford: Oxford University Press.
  • Mellow, D., 2006, “Iraq: A Morally Justified War,” Journal of Applied Philosophy (23): 293–310.
  • Mill, J.S., 1859, “A Few Words on Non-Intervention,” [Available online].
  • Miller, D., 1995, On Nationality, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2001, “Distributing Responsibilities,” Journal of Political Philosophy, 9 (4): 453–471.
  • –––, 2005, “Immigration: The Case for Limits,” in Contemporary Debates in Applied Ethics, A. Cohen and C. Wellman (eds.), Malden, MA: Blackwell Publishing, pp. 193–206.
  • –––, 2007, Nationalism and Global Responsibility, Oxford: Oxford University Press.
  • Miller, R., 2010, Globalizing Justice: The Ethics of Poverty and Power, Oxford: Oxford University Press.
  • Miscevic, N., 2010, “Nationalism,” The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2010 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2010/entries/nationalism/>.
  • Moellendorf, D., 1996, “Constructing the Law of Peoples,” Pacific Philosophical Quarterly, 77 (2): 132–154.
  • –––, 2002, Cosmopolitan Justice, Boulder, CO: Westview.
  • –––, 2005, “The World Trade Organization and Egalitarian Justice,” Metaphilosophy, 36 (1–2): 145–162.
  • –––, 2008, “Jus Ex Bello” Journal of Political Philosophy, 16 (2): 123–136.
  • –––, 2009a, “Treaty Norms and Climate Change Mitigation,” Ethics and International Affairs, 23 (3): 247–265.
  • –––, 2009b, Global Inequality Matters, Houndsmills: Palgrave Macmillan.
  • Moore, M., 2001, The Ethics of Nationalism, Oxford: Oxford University Press.
  • Moseley, A., 2014, “Just War Theory,” The Internet Encyclopedia of Philosophy, J. Fieser and B. Dowden (eds.), available online.
  • Nagel, T., 2005, “The Problem of Global Justice,” Philosophy and Public Affairs, 33 (2): 113–147.
  • Nickel, J., 2007, Making Sense of Human Rights, Oxford: Blackwell.
  • –––, 2014, “Human Rights,” The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2014 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/spr2014/entries/rights-human/>.
  • Nowicka, M. and M. Rovisco (eds.), 2011, The Ashgate Research Companion to Cosmopolitanism, Aldershot: Ashgate.
  • Nussbaum, M., 1995, “Human Capabilities, Female Human Beings,” in Women, Culture and Development: A Study of Human Capabilities, M. Nussbaum and J. Glover (eds.), Oxford: Oxford University Press, pp. 61–104.
  • –––, 1996, “Patriotism and Cosmopolitanism,” in For Love of Country: Debating the Limits of Patriotism, J. Cohen (ed.), Boston, MA: Beacon Press, pp. 3–17.
  • –––, 2000, Women and Human Development: The Capabilities Approach, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2006, Frontiers of Justice , Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Nussbaum, M. and A. Sen (eds.), 1993, Quality of Life, Oxford: Clarendon Press.
  • O’Neill, O., 1987, “Rights, Obligations and World Hunger,” in Poverty and Social Justice: Critical Perspectives: A Pilgrimage Toward Our Own Humanity, F. Jimenes (ed.), Tempe, AZ: Bilingual Press, pp. 86–100.
  • Okin, S., 1994, “Gender Inequality and Cultural Differences,” Political Theory, 22 (1): 5–24.
  • Orend, B., 2008, “War,” The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2008 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2008/entries/war/>.
  • Pogge, T., 1992, “Cosmopolitanism and Sovereignty” Ethics 103 (1): 48–75.
  • –––, 1994, “An Egalitarian Law of Peoples”, Philosophy and Public Affairs 23 (3), 195–224.
  • –––, 2001, “Priorities of Global Justice” Metaphilosophy 32 (1/2):6–24.
  • –––, 2002, World Poverty and Human Rights, Cambridge: Polity Press.
  • –––, 2004, “‘Assisting’ the Global Poor,” in The Ethics of Assistance: Morality and the Distant Needy, D. Chatterjee (ed.), Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2008 World Poverty and Human Rights, Cambridge: Polity Press (second edition).
  • –––, 2010, “Responses to the Critics” in Thomas Pogge and His Critics, A. Jaggar (ed.), Cambridge: Polity Press, pp. 175–250.
  • –––, 2013, “Concluding Reflections” in Cosmopolitanism versus Non-Cosmopolitanism, G. Brock (ed.), Oxford: Oxford University Press, 294–320.
  • –––, 2014, “Gender Sensitive Multi-Dimensional Poverty Measurement: A Participatory Proposal” in Oxford Handbook of Well-being and Public Policy, M. Fleurbaey and M. Adler (eds.), Oxford: Oxford University Press.
  • Pogge, T. and K. Horton (eds.) 2008, Global Ethics: Seminal Essays, St. Paul, MN: Paragon House.
  • Pogge, T. and D. Moellendorf (eds.) 2008, Global Justice: Seminal Essays, St. Paul, MN: Paragon House.
  • Primoratz, I., 2013, Terrorism: A Philosophical Investigation, Cambridge: Polity Press.
  • Rawls, J., 1999, The Law of Peoples, Cambridge: Harvard University Press.
  • Reidy, D., 2004, “Rawls on International Justice: A Defense” Political Theory 32: 291–319.
  • Risse, M., 2005, “How Does the Global Order Harm the Poor?” Philosophy and Public Affairs 33: 349–376.
  • –––, 2012, On Global Justice. Princeton: Princeton University Press.
  • Rodin, D., 2008, “Two Emerging Issues in Jus Post Bellum: War Termination and the Liability of Soldiers for Crimes of Aggression,” in C. Stahn and J. Kleffner (eds.) Jus Post Bellum: Towards a Law of Transition from Conflict to Peace, The Hague: T.M.C Asser Press, pp. 53–76.
  • Ronzoni, M., 2013, “For (Some) Political and Institutional Cosmopolitanism, (Even if) Against Moral Cosmopolitanism,” in Cosmopolitanism versus Non-Cosmopolitanism, G. Brock (ed.), Oxford: Oxford University Press, pp. 156–174.
  • Sen, A., 1980 “Equality of What?” in The Tanner Lectures on Human Values, Vol. I, S. McMurrin (ed.), Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 1988, “The Concept of Development,” in Handbook of Development Economics, C. Hollis and T. Strinivasan (eds.), Amsterdam: Elsevier, pp. 9–26.
  • Shue, H., 1980, Basic Rights: Subsistence, Affluence, and US Foreign Policy, Princeton: Princeton University Press.
  • Singer, P., 1972, “Famine, Affluence and Morality” Philosophy and Public Affairs, 1: 229–43.
  • –––, 2002, One World: The Ethics of Globalization, Melbourne: Text Publishing.
  • Slaughter, A., 2004, A New World Order, Princeton: Princeton University Press.
  • Sorell, T. and L. Cabrera (eds.), 2015. Microfinance, Rights and Global Justice, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Steiner, H., 2005, “Territorial Justice and Global Redistribution,” in The Political Philosophy of Cosmopolitanism, G. Brock and H. Brighouse (eds.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 28–38.
  • Tan, K., 2004, Justice Without Borders: Cosmopolitanism, Nationalism and Patriotism, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2012, Justice, Institutions, and Luck, Oxford: Oxford University Press.
  • Teichman, J., 1986, Pacificism and the Just War: A Philosophical Examination, Oxford: Blackwell.
  • Unger, P., 1996, Living High and Letting Die: Our Illusion of Innocence, New York: Oxford University Press.
  • United Nations General Assembly, 1948, “Universal Declaration of Human Rights,” [available online].
  • Walzer, M., 1981, “The Distribution of Membership,” in Boundaries: National Autonomy and Its Limits, P.G. Brown and H. Shue (eds.), Totowa, NJ: Rowman and Littlefield.
  • –––, 2000, Just and Unjust War: A Moral Argument with Historical Illustrations, New York: Basic Books, 3rd edition.
  • Wellman, C.H., 2014, “Immigration,” The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2014 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/spr2014/entries/immigration/>.
  • Wellman, C. H. and P. Cole, 2011, Debating the Ethics of Immigration: Is There a Right to Exclude?, New York: Oxford University Press.
  • Wenar, L., 2010, “Realistic Reform of International Trade in Resources” in Thomas Pogge and His Critics, A. Jaggar (ed.), Cambridge: Polity Press, pp. 123–150.
  • Young, I., 2011, Responsibility for Justice, Oxford: Oxford University Press.
  • Ypi, L., 2013, “Cosmopolitanism Without If and Without But,” in Cosmopolitanism versus Non-Cosmopolitanism, G. Brock (ed.), Oxford: Oxford University Press, pp. 75–91.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

capability approach | colonialism | corruption | cosmopolitanism | economics [normative] and economic justice | egalitarianism | exploitation | feminist philosophy, interventions: political philosophy | feminist philosophy, topics: perspectives on globalization | globalization | immigration | justice: distributive | justice: intergenerational | justice: international distributive | justice: transitional | nationalism | pacifism | patriotism | political realism: in international relations | Rawls, John | responsibility: collective | rights: human | secession | sovereignty | terrorism | war | well-being | world government


[1] Brock, Gillian, “Global Justice”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2022 Edition), Edward N. Zalta (ed.), forthcoming URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2022/entries/justice-global/>.