الكاتب | إيغور بريموراتز |
ترجمة | هويدا الشوفي |
تحميل | نسخة PDF |
حول ماهية الوطنية وقضاياها المعيارية، والمكانة الأخلاقية والسياسية للوطنية؛ نص مترجم من (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التعديل منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.
تثير الوطنية تساؤلاتٍ من النوع الذي ناقشه الفلاسفة على نحوٍ مميّز، مثل: كيف يمكن تعريف الوطنية؟ ما كيفيّة علاقتها بالاتجاهات المشابهة، مثل القومية؟ ما هي مكانتها الأخلاقيّة: أهي قيمة أخلاقيّة أو ربما إلزاميّة حتى، أم هي بالأحرى حالة يجب تجنبها؟ ومع ذلك، حتى عقود قليلة ماضية، لم يعتد الفلاسفة تناول موضوع الوطنية عن قرب أو باهتمام. فالمقال عن الوطنية في “المعجم التاريخيّ للفلسفة”، يستعرض استخدام هذا المصطلح من القرن السادس عشر إلى وقتنا هذا، ويقدّم مراجعاً عديدة، ولكن معظمها لكتّابٍ ليسوا فلاسفة. وفوق ذلك، فمن الفلاسفة القلائل المعروفين جيداً الذين ورد ذكرهم في المقالة، نجد واحداً منهم فحسب هو فيخته (J.G. Fichte) قد أعطى الموضوع أكثر من مجرد إشارة عابرة، وكان معظم ما قاله حقيقةً يخص القوميّة أكثر مما يخص الوطنية (أنظر بوش Pusch وديرس Dierse 1989).
تغيّر هذا في الثمانينيات من القرن الماضي. وكان هذا التغيّر، في جزءٍ منه، بسبب بروز النزعة “الجماعاتيّة” (Communitarianism)، التي جاءت كردٍّ على الفلسفة الأخلاقيّة والسياسيّة الليبراليّة المؤمنة بالفردانيّة، والتي مثلها جون رولز (John Rawls) في كتابه نظرية العدالة (1971)؛ ولكنه كان أيضاً بسبب انبعاث القوميّة في أجزاء مختلفة من العالم. وقد لوحظت بدايات هذا التغيّر في اعتبار أندرو أولدينكويست (Andrew Oldenquist) للأخلاق كقضيّةِ ولاءاتٍ متنوعةٍ بدلاً من كونها أفكاراً ومبادئ مجردة (أولدينكويست 1982)، وفي جدال السدير ماكنتاير (Alasdair Maclntyre) أن الوطنية فضيلة أخلاقيّة مركزيّة (ماكنتاير 1984). بصورةٍ عامّة، فإن بعض الفلاسفة، وفي ردّهم على ماكنتاير، إما دافعوا عن أشكال الوطنية هذه بشكل مقتضب أو خفضّوها مثل (Baron 1989, Nathanson 1989, Primoratz 2002). وناقش آخرون معارضون أي نوع من أنواع الوطنية مثل (Gomberg 1990, McCabe 1997, Keller 2005). ويوجد الآن نقاشٌ فلسفيّ صاخب حول المؤهلات الأخلاقيّة للوطنيّة يبدو أنّه لن يهدأ. وهناك نقاشٌ مماثلٌ في الفلسفة السياسيّة يتعلق بنوع من الوطنية يُقدِّم بديلاً عن القوميّة بوصف الوطنية طابعاً مميّزاً لدولةٍ مستقرةٍ جيدة الأداء.
-
1. قضايا مفاهيميّة
-
1.1 ما هي الوطنية ؟
-
1.2 الوطنية والقوميّة
-
-
2. قضايا معياريّة
-
2.1 الوطنيّة وأخلاق المعتقد (قواعده)
-
2.2 المكانة الأخلاقيّة للوطنيّة
-
-
3. الأهمية السياسيّة لـ الوطنية
-
المراجع
-
الأدوات الأكاديميّة
-
مصادر الإنترنت الأخرى
-
مداخل ذات صلة
-
قضايا مفاهيميّة
-
ما هي الوطنية؟
-
التعريف المعياري للوطنيّة في المعاجم هو “حب الفرد لبلده”. وإذ يمثّل هذا التعريف المعنى الجوهريّ للمصطلح في الاستخدام الدارج، فإنه يبدو وكأنه ضعيف نوعاً ما وبحاجة للإثراء. وفيما لايزال كتاب ستيفن ناثانسون (Stephen Nathanson) هو الوحيد الذي يدرس الموضوع فلسفياً بإسهاب، فإننا نجده يحدّد الوطنية بحيث تتضمن:
-
عاطفةً خاصّة للفرد تجاه بلده.
-
إحساساً بالتماهي الشخصيّ مع البلد.
-
اهتماماً خاصّاً بخير وصالح البلد.
-
استعداداً للتضحية لتعزيز خير البلد.
لا يوجد شيء يذكر هنا. فلا يوجد فرق كبير بين العاطفة الخاصّة تجاه البلد وبين حب البلد، وناثانسون نفسه يستخدم كلا المفردتين بشكلٍ تبادليٍّ. وعلى الرغم من أن الحبّ (أو العاطفة الخاصّة) هو تعبيرٌ محدّد عادةً عن الاهتمام الخاصّ بموضوعه، إلّا أنّه ليس ضرورياً. ولكن الفرد الذي لا يعبِّر عن حبه لبلده بأي اهتمام خاص به، يكون من الصعب اعتباره وطنيّاً. لذلك يحتاج التعريف أن يتضمن مثل هذا الاهتمام. ومن ناحية ثانية، ما إن أصبح ذلك متضمناً، فإن استعداد الفرد للتضحية من أجل بلده أصبح متضمناً أيضاً، وما من داعٍ لإضافته كعنصر منفصل. كذلك الأمر بالنسبة للتماهي مع البلد؛ فيمكن اعتباره متضمناً في عبارة “بلد الفرد”، ولكن هذه العبارة مبهمة جداً وتفسح المجال لاعتبار البلد كـ”ملكية خاصة” ضمن إحساس شكلي وهزيل جداً. ولكن يبدو أنّه لكي يكون الفرد وطنياً في بلد ما، فإنّه يجب أن يكون هذا البلد خاصّته ضمن إحساس جليل بعض الشيء. وأفضل طريقة لتصوير هذا الإحساس هي بالحديث عن تماهي الفرد مع هذا البلد والذي يمكن التعبير عنه بمشاعر متباينة مثل اعتزاز الفرد بفضائل ومنجزات بلده الجيدة، وشعوره بالعار من أخطائها أو جرائمها (وذلك عندما يتم الاعتراف بها بدلاً من إنكارها).
وفقاً لذلك يمكن أنْ تحدّد الوطنية على أنها حب الفرد لوطنه وتماهيه معه واهتمامه الخاص بما هو خير بلده وأبناء بلده.
يبقى هذا مجرد تحديد مبدئي. إنَّ الوصف الأشمل للوطنيّة يكمن وراء مدى فهم هذا المقال. ومثل هذا الوصف سوف يقول شيئاً حول اعتقادات الوطنيّ بفضائل بلده، وحاجته إلى أن ينتمي لمجموعة ما وأن يكون جزءاً من حكاية أشمل، وأن يكون مرتبطاً بماضٍ ومستقبل يتجاوزان الهموم الضيِّقة للحياة الفرديِّة واهتماماتها الدُنيويَّة. بالإضافة إلى التطرُّق إلى الشُّروط الاجتماعيّة والسياسيَّة الَّتي تؤثِّر في انحسار وتدفُّق الوطنية ، وتأثيرها الحضاري والسِّياسيّ وغيرهم…
2.1. الوطنية والقوميَّة
غالباً ما تمَّ الخلط بين كلٍّ من الوطنية والقوميَّة في النقاشات المتعلِّقة بهما؛ بسبب نقص في الوضوح ناجم عن الفشل في التَّمييز بينهما، فالعديد من الكُتَّاب يستخدم المصطلحين بشكلٍ تبادليّ. ونجد وسط الّذين لم يفعلوا ذلك أنَّ القلَّة الّذين ميَّزوا بينهما في أساليب لم تكن مجدية جدَّاً غالباً؛ ففي القرن التاسع عشر ميَّز لورد أكتون (Lord Acton) بين الوطنية وبين القوميّة على أساس التَّأثير والغريزة مقابل العلاقة الأخلاقيَّة. فالقوميَّة هي “صلتنا الطَّبيعيَّة أو الماديَّة فحسب مع الجنس البشري”. أما الوطنية فهي “وعينا بواجباتنا الأخلاقية تجاه جماعتنا السياسيَّة (أكتون 1972، 163). بينما عارض إيلي كيدور (Elie Kedourie) ذلك في القرن العشرين؛ إذ قدّم القوميَّة كمذهبٍ فلسفيّ وسياسي ناضج، يتمحور حول اعتبار الأمم وحدات أساسية للبشريَّة، وتستطيع الفرديّات من خلالها أن تجد الحريَّة وتحقِّق الإنجازات، بينما الوطنية هي مجرد عاطفة تؤثر بها البلد في الفرد (كيدور 1985، 73-74).
أما جورج أورويل (George Orwell) فقد ميّز بينهما كموقفين أحدهما عدائي مقابل آخر دفاعي. فالقوميّة تدور حول السلطة: يريد مناصرها أن ينال أكبر قدر ممكن من السلطة والنفوذ لأمته التي تطغى على فرديته. إذاً، وفقا لذلك، وفي حين أن القوميّة عدائيّة فإن الوطنية دفاعيّة: إنها إخلاص لمكان محدد وطريقة حياة يفكر المرء من خلالها بشكل أفضل، ولكنه لا يبغي فرضها على الآخرين (أورويل 1968، 362). هذه الطريقة في التمييز بينهما تقترب من النهج الشعبي المنتشر بين السياسيين وفي الأحاديث اليومية والتي تبيّن المستوى المزدوج لصيغة “نحن مقابل هم”. ففي البداية يتماشى مفهومي البلد والأمة معاً، ومن ثم يتم التمييز بينهما من حيث مدى قوة الحب والاهتمام الخاص اللّذين يشعر بهما الفرد تجاههما، ودرجة اندماجه معهما. فعندما تظهر هذه المشاعر بدرجة معقولة بدون أن تثير أية أفكار أو أفعال سيئة معادية للآخرين، تكون هي الوطنية . أما عندما تصبح المشاعر غير مهذبة وتسبب أفكاراً أو أفعالاً معادية للآخرين، فتلك هي القومية. عادة، وبشكل ملائم كفاية، ينتج عن ذلك أننا نحن الوطنيون بينما هم القوميون. (أنظر بيلليغ Billig 1995، 55-56).
هناك أيضا طريقة أخرى، بسيطة تماماَ ولا تستلزم أسئلة أخلاقية، للتمييز بين الوطنية والقومية. بإمكاننا أن نضع جانباً كل من المعنى السياسي للأمة الذي يجعلها مماثلة للبلد والدولة ونظام الحكم، والنمط السياسي أو المدني للقومية المتصلة بها. وأن نهتم بأنفسنا بالمعنى العرقي أو الثقافي فحسب، ونركز على القومية العرقية أو الثقافية. لكي نقوم بذلك ليس مطلوب منا توضيح الفهم المتعلق بـ”الأمة”، يكفي أن نصفها بلغة أسلافنا وتاريخنا وإرثنا الثقافي الشائع.
تتضمن كل من الوطنية والقوميّة حب واندماج واهتمام خاص بكينونة محددة. في حالة الوطنية ، تلك الكينونة هي وطن الفرد، بلده. أما في حالة القومية، فهي أمة الفرد (بالمعنى العرقي/الثقافي للمصطلح). وبالتالي تم فهم الوطنية والقوميّة بالطريقة نفسها التي تفهم مجموعة المعتقدات والمواقف، وصُنّفت بدلالة موضوعاتها، بدلاً من مدى قوة تلك المعتقدات والمواقف، أو كمشاعر عاطفيّة تقابل الأفكار النظريّة.
للتأكيد، هناك الكثير من التداخل بين البلد والأمّة، وبالتالي بين الوطنية والقوميّة. وبالتالي فإنّ مقدار ما يضاف إلى الأولى يضاف إلى الثانية. لكن متى ما كانت البلد متغايرة عرقياً، أو متى ما كانت الأمة تفتقر إلى بلدها الخاص بها، حينها يمكن أن ينفصل الاثنان.
-
2. قضايا معيارية
للوطنيّة عدد كبير من النقاد. وحكمَ عليها الأقسى منهم بأنها معيبة إلى أبعد حدٍّ في كلِّ اعتبارٍ مهم. ففي القرن التاسع عشر، وجد الروائي والمفكر الروسي ليو تولستوي (Leo Tolstoy) أنَّ الوطنية حمقاء وغير أخلاقيّة. فمن الحماقة أنْ يدعم كلّ وطنيّ في العالم بلده لتصبح أفضل البلدان، في حين أنَّه من الواضح، أنَّ بلداً واحداً هو المؤهل لذلك فحسب. وهي لا أخلاقيّة لأنها تدفعنا لتعزّيز مصالح بلدنا على حساب البلدان الأخرى بأية طريقة ممكنة، حتى أنّها تتضمن الحرب، وبالتالي هذا مناقض لأكثر قاعدة أساسيّة في المذهب الأخلاقي والتي تخبرنا بأنّه يجب علينا ألا نفعل للآخرين ما لا نريدهم أن يفعلوه لنا (تولستوي 1987، 97). وقد تم مؤخراً تأييد نقد تولستوي من قبل الباحث السياسيّ الأميركيّ جورج كاتب (George Kateb)، والذي ناقش بأنّ الوطنية “خطأٌ مرتين: إنها عادةً خطأٌ أخلاقيٌّ خطير، مصدرها حالة من التشويش الفكريّ” (كاتب 2000، 901). إنّ أهم وصف عن الوطنية هو استعداد الفرد لأن يموت وأن يَقتُل من أجل بلده. لكن البلد ليست “مجموعة مميّزة من الأفراد المميّزين”؛ إنها بالأحرى “فكرة مجردة؛ إنَّها مزيج من العناصر القليلة الواقعيّة والكثيرة المتخيَّلة”. أي وبصورةٍ دقيقة، وبالإضافة إلى كونها مكاناً محدَّداً، “فهي أيضاً مبنيّة على ذاكرتنا الموروثة، سواء أكانت صحيحة أم خاطئة؛ هي تاريخٌ غالباً ما يكون مزيفاً بشكل خاطئ أو ملحميّ بشكلٍ خاطئ؛ هي إحساسٌ بالانتماء لشرف مُلَفَّق إلى حدٍّ كبير، وهي علاقات اجتماعيّة غير مرئية أو مجهولة إلى حدٍّ كبير؛ فهي تجريد بالفعل…”. لذلك فالوطنيَّة هي “استعدادٌ للموت وللقتل من أجل فكرةٍ مجرَّدة، من أجل ما هو إلى حد كبير تخيّل مختلق” (907).
يمكن الرَّد بسهولة على بعض هذه الاعتراضات؛ فحتَّى إذا كانت الوطنية الكاملة تتضمَّن إيمان الفرد بميزات بلده، فهي لا تحتاج أن تتضمَّن إيمان الفرد بأنَّ بلده أفضل من البلدان الأخرى. وحقيقة أن البلد ليست “مجموعة من الأفراد المميزين”، وأنَّ الروابط الاجتماعية بين أبناء البلد هي “غير مباشرة إلى حدٍ كبير أو غير شخصيّة”، بدلاً من أن تكون ملموسة ومباشرة (وجهاً لوجه)، ولا تظهر أنَّها غير حقيقيّة أو متخيَّلة. فحسب ما أشار بيندكت أندرسون (Benedict Anderson) الذي ابتكر مصطلح “الجماعة المُتخيَّلة”: “كلُّ الجَّماعات -الَّتي هي أكبر من القرى البدائيَّة ذات الاتِّصال المباشر- مُتَخيَّلة”. إذاً، “الجَّماعة المُتخيَّلة” ليست عكس “الجَّماعة الحقيقية”، لكنَّها بالأحرى، عكس الجماعة الَّتي يمتلك أعضاؤها روابط مباشرة (وجهاً لوجه) فيما بينهم (أندرسون 1991، 6).
من ناحية أخرى، يوجد مسار آخر ناقد للوطنيَّة وأكثر معقوليَّة ظاهريَّاً، يركِّزُ على أوراق اعتمادها الفكريّة بدلاً من تلك الأخلاقيَّة. وفضلاً عن ذلك، فإنَّ جدال كل من تولستوي وكاتب –الذي يناقش الشَّرعيّة الأخلاقيَّة للتحيُّز السِّياسي ويسلِّط الضَّوء على علاقة الوطنية بالتَّوتُّرات الدّوليَّة والحروب- لا يمكن دحضه بسهولة.
1.2.الوطنية واخلاق المعتقد
عندما يُسأَل الوطنيّ “لماذا تحب بلدك؟” أو “لماذا أنت موالٍ له؟”؛ فعلى الأرجح أنْ يَفهم السُّؤال على الشَّكل التالي: “ما الذي تجده جيِّداً في بلدك لدرجة أنَّك يجب أن تحبَّه أو تصبح موالياً له؟”. ومن ثم يجيب بما يعتقد أنَّه فضائل بلده ومنجزاتها. يوحي هذا بأنَّه يمكن الحكم على الوطنية من وجهة أخلاق المعتقد -وهي مجموعة من المبادئ التي تُقوِّم عقائدنا وحالاتنا الفرديَّة الأخرى. ولقد درس سيمون كيلر (Simon Keller) الوطنية من وجهة النَّظر هذه ووجدها غير موجودة.
يناقش كيلر بأنَّه في حين أنّ حبِّ الفرد وإخلاصه لأحد أفراد عائلته أو صديقه يمكن أن يتواجد مع القليل من التَّقدير لصفاته الشَّخصيَّة، فإنَّ الوطنية تقتضي تأييد الفرد لبلده بكل الأحوال. فإذا أراد الوطنيّ أنْ يؤيّد بلده، فيجب عليه أنْ يراعي كون معتقداته عن فضائل ومنجزات بلده، مرتكزة إلى معايير القيمة الصَّحيحة والموضوعيَّة، وإلى الفحص الحياديّ لسجل بلده الماضي والحاضر، الذي يقود للاستنتاج أنَّه يرقى إلى مستوى تلك المعايير. ومع ذلك، فولاء الوطنيّ لا يتركّز بسهولة حول بلده لأنه يوافق مجموعة المزايا التي يمكن لبلد ما أن يملكها. لأنه إذا كان الوضع كذلك، وفي حال أصبحت البلد المجاورة تمتلك المزايا نفسها وربما بدرجة أعلى، فإنّ الولاء الوطنيّ، ووفقا لذلك، سيعاد توجيهه لصالح الدولة المجاورة. إنّ الوطنيّ موالٍ لبلده لأن تلك البلد هي بلده وحسب، والولاء يكون لها “في المقام الأول”. وبالتالي فالوطنيّ مدفوع لأن يفكر بوطنه كشيءٍ مقدّس، بغض النظر عن المزايا والمنجزات، سواء كانت الدلائل المفسرة موضوعياً تضمن ذلك أم لا. تبعاً لذلك، فالمعتقدات التي يشكلها الوطنيّ عن بلده تختلف عن تلك التي يشكلها عن البلدان الأخرى. ومن ناحية أخرى، فهو لا يستطيع، ما دام وطنياً، الاعتراف بهذا الدافع، وهذا يدفعه لأن يخفي عن نفسه المصدر الحقيقيّ لبعض المعتقدات المعيّنة سلفاً. وهذا هو سوء النيّة، وسوء النيّة ليس جيداً. إذاً، فالوطنيّة مثلها مثل أية هويّة، فرديّة كانت أم جمعيّة، تتعين في جزء منها في الولاء الوطنيّ. ويعد هذا، في رؤية كيلر، بمثابة قضيّة افتراضيّة واضحة ضد كون الوطنية فضيلة أو كونها رذيلة (كيلر 2005، 88-587).
يبدو هذا التصور دقيقاً بالقدر الذي نعرفه فيما يتعلق بالوطنية . ومع ذلك فربما يبالغ كيلر في قضيته كفرد ضد الوطنية بحد ذاتها. عند السؤال عن ولاء الفرد لبلده، أفلا يكون رده بأن “هذي بلدي، هذا وطني، ولا أحتاج لسبب آخر لكوني موالٍ لها ولكوني أظهر اهتمام خاص بخيرها وصالحها؟”. قد لا يكون هذا رد مرضٍ جداً، وقد نوافق مع زيميرمان (J.B. Zimmermann) بأن “حب الفرد لبلده هو في حالات عديدة ليس أكثر من حب الحمار لمربطه (مقتبس من قبل ناثانسون 1993، 3). ولكن مع ذلك، وبكل ثقة، فإن الوطنية يمكن وصفها بأنها أنويّة ولا عقلانيّة وحمقاء (في الجملة الأخيرة من نقاشه (2007، 80-81)، يبدو كيلر وكأنه يتردد في هذه النقطة).
2.2 المكانة الأخلاقيّة للوطنيّة
يعتقد كثيرون أن الوطنية تعبيرٌ طبيعي وملائم عن ارتباط الفرد بالبلد التي ولد وتربى فيها، وعن عرفانه بالجميل لمنافع الحياة فوق أرضها ووفق قوانينها. وهم يعتبرونها أيضاً عنصراً مهماً في هوياتنا. ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك ويناقش بأن الوطنية إلزاميّة أخلاقياً، أو أنها جوهر الأخلاق. ومع ذلك، يوجد في الفلسفة الأخلاقيّة تقليد أساسيّ يفهم الأخلاق باعتبارها كليّة (عالمية) ونزيهة بشكل أساسيّ، ويبدو أنها تستبعد الارتباط والولاء المحليّ المتحيز. يميل أنصار هذا التقليد إلى التفكير في الوطنية كنوع من الأنا الجماعيّة، وهي تحيّز تعسفيّ أخلاقياً لمصلحة الفرد على خلاف مطالب العدالة العالمية والتضامن الإنساني المشترك. الاعتراض المرتبط بذلك هو أن الوطنية مبالِغة في الأذى وبأساليب خطيرة. فحب الفرد يترافق، وعلى نحو مميز، مع كرهه وعدائه للبلدان الأخرى. وهي تميل إلى تشجيع التسلط العسكريّ، وتعمل على إثارة التوتر والنزاع الدوليين. واعتراضات كل من تولستوي وكاتب على الوطنية ، المذكورة أعلاه، تتفق مع هذه النقطة.
ما هي، إذاً، المكانة الأخلاقية للوطنيّة؟ لا يعترف السؤال بإجابة واحدة. يمكننا التمييز هنا بين خمس أنواع من الوطنية ، ويجب الحكم على كل منها على أساس مزاياها.
1.2.2 الوطنية المتطرفة
مكيافيللي المشهور (أو غير المشهور) بتعليم الأمراء العازمين على القيام بمهامهم جيداً، بأنّهم يجب أنْ يكونوا على استعداد لنكث وعودهم وللخداع والنفاق واستخدام العنف أحياناً بطرق وحشيّة وعلى نطاق واسع، عندما تستدعي الظروف السياسيّة هذه الأفعال، كون الطبيعة البشريّة بما هي عليه من شهوة للسلطة. قد يكون هذا مناسباً لمسألة الوطنية أو لا يكون، وذلك اعتماداً على النقطة التي نأخذها من القاعدة الأميريّة فحسب. ولكن، الجزء اليسير الذي نعرفه من وصايا مكيافيللي له صلة بالوطنية . فلقد سعى إلى نقل الدرس نفسه إلى السياسيين وعموم المواطنين في الجمهورية: “عندما يعتمد أمان بلد الفرد بأكمله على القرار الواجب اتخاذه، لا ينبغي أن نولي اهتمامنا للعدالة أو الظلم، للطف أو الوحشية، أو لكونه جديراً بالثناء أو الكراهية” (مكيافيللي 1998 [1518]، 515). إنّ المصالح العليا لبلد الفرد تدوس أي اعتبار أخلاقيّ ينافسها.
هذا النوع من الوطنية متطرف ولكنه بأي حال نادر جداً. وغالباً ما يتم تبنيه من قبل السياسيين وعموم المواطنين عند اعتقادهم بأن مصالح بلدهم الأساسية معرضة للخطر، وهذا الاعتقاد يتم تضمينه بالقول: “إنها بلدنا، سواء أكانت على خطا أم على صواب” في أبسط وأوضح تفسير، لهذا القول. لا نحتاج لأن نقول الكثير حول المكانة الأخلاقيّة لهذا النوع من الوطنية لكونها تعادل نبذ الأخلاق. فقاعدة “إنها بلدنا سواء أكانت على خطا أم صواب” لا يمكن أن تكون صحيحة أخلاقياً.
2.2.2 الوطنية القويّة
يُفرِّق ألسدير ماكنتاير (Alasdair Maclntyre)، في محاضرته المؤثرة: “هل الوطنية فضيلة؟” بين الوطنية وبين الالتزام الليبراليّ ببعض القيم والمبادئ العالميّة. أتعلم من الرؤية الليبراليّة أن المبادئ الأخلاقيّة، مثلها مثل مبادئ الرياضيات، مجردة وليس لها علاقة بموضوعاتها وبالتزامي بها. ومن ماكنتاير أتعلم أن لأخلاقي أهمية حاسمة بالنسبة لالتزامي بها وبموضوعاتها المتنوعة.
لا يوجد أخلاق على هذا النحو؛ فالأخلاق هي دائماً أخلاق جماعة محددة. ولا يستطيع الفرد أن يفهم ويذوّت القواعد الأخلاقية إلا “من خلال أسلوب حياة جماعته” (ماكنتاير 1984، 8). تُبرَّر القواعد الأخلاقية بلغة المصالح المحددة المراد تجسيدها وتعزيزها. ولكن، أيضاً، دائماً ما تُقدّم هذه المصالح كجزء لا يتجزأ من أسلوب حياة الجماعة. ويصبح الفرد فاعلاً أخلاقياً فحسب عندما يكون كما هو مجتمعه، ويستطيع أن يعيش وينتج كفرد بسبب دعم جماعته له في حياته الأخلاقيّة: “أستطيع أن أكون فاعلاً أخلاقياً فحسب لأننا كلنا فاعلين أخلاقيين… وبالانفصال عن جماعتي سأكون عرضة لأن أخسر دعمي الذي هو فوق كل معايير المحاكمة العقلية الواقعيّة” (10-11).
إذا لم يكن باستطاعتي العيش والنجاح كفاعلٍ أخلاقيٍّ إلا من خلال كوني عضو في جماعة يؤدي دوره الذي تتطلبه منه عضويته هذه، عندها فإن هويتي نفسها مرتبطة بهوية جماعتي وبتاريخها وتقاليدها ومؤسساتها وطموحاتها. وبالتالي، إذا لم أفهم تاريخ حياتي الشخصية على أنه جزء لا يتجزأ من تاريخ بلدي فلن أفهم ما الذي أدين به للآخرين وما الذي يدين به الآخرون لي، ولن أفهم لماذا أنا ملزم بإصلاح جرائم أمتي وملزم بالشعور بالامتنان لفضائلها. إن فهم ما هو مستحق لي ومني، وفهم تاريخ الجماعات التي أنا جزء منها لهو واحد.
هذا يقود ماكنتاير للاستنتاج أن الوطنية لا يجب أن تتباين مع الأخلاق، لأنها بالأحرى فضيلة أخلاقية، بل هي جوهر الأخلاق بالفعل.
إنَّ موضوع الولاء الوطنيّ هو بلد الفرد ونظامه السياسيّ؛ لكن هذا لا يعني أن الوطنيّ سوف يدعم أي حكومة تستلم السلطة في بلده. وهنا يختلف موقف ماكنتاير عن الرواية الشعبية للوطنية التي تدمج الاثنين معاً. يقول ماكنتاير: إن طاعة الوطنيّ ليست للسلطة بوضعها الراهن، بل “للأمة المتصورة كمشروع” (13). يستطيع الفرد أن يعارض حكومة بلده تحت مسميّات الشخصيّة الحقيقيّة للبلد وتاريخه وطموحاته. إلى ذلك الحد، هذا النوع من الوطنية نقدي وعقلاني، لكن يجب، على الأقل، أن يكون بعض ممارسات ومشاريع الوطن وبعض من “مصالحه العليا” فوق المساءلة والتدقيق النقدي. وإلى ذلك الحد، يسلم ماكنتاير بأن ما يعتبره وطنيّة حقيقيّة ما هي إلا “موقف لاعقلاني بشكل أساسي” (13). ولكن الولاء الأكثر عقلانيّة وبالتالي الأكثر تقييداً سيكون هزيلاَ، بدلاً من أن يكون وطنية واقعيّة.
يتعرض اعتبار الوطنية هذا لاعتراضات عديدة. فقد يتساءل أحدهم عن الأسس المجتمعيّة للوطنيّة عند ماكنتاير والتي تقول بأسبقيّة الجماعة أخلاقياً على الفرد. وقد يجد أحدهم خطاً بالانتقال من الجماعاتيّة إلى الوطنية :
فحتى إذا كان تصوره الجماعاتي للأخلاق صحيحاً، وحتى إذا كانت عملية التطور الأخلاقي تضمن أن ولاء الجماعة سيظهر كفضيلة مركزية، فلن يترتب على ذلك أي استنتاج حول أهمية الوطنيّة. فالمجموعة التي ندين لها بالولاء الأساسي هي المجموعة التي نُحصّل منها فهمنا الأخلاقي. وهذا لا يستلزم أن تكون تلك المجموعة هي الجماعة بكاملها أو أي وحدة سياسية، فقد تكون عائلة الفرد أو مدينته أو دينه. وبالتالي لا يجب أن تكون الأمة مصدر الأخلاق أو المنتفِع الأول من ولائنا (ناثانسون 1989، 549).
هناك اعتراض آخر يمكن أن يُركِّز على الطابع اللاعقلاني أساساً للوطنيّة القويّة، وهو إصرارها بأن “المصالح العليا” للوطن يجب أن تكون فوق المساءلة.
يسلم ماكنتاير بأن “الوطنية المناسبة قد تتطلب مني أن أدعم وأعمل على نجاح بعض مشاريع بلدي باعتبارها حاسمة لمشروعه الكليّ، حتى عندما لا يكون إنجاح مثل تلك المشاريع في مصلحة البشرية” (14). إذا كان الأمر كذلك، فإن هذا النوع من الوطنية يبدو وكأنه يتضمن رفض نظريات الأخلاق الأساسية مثل العدالة العالمية والتضامن الإنساني المشترك.
ناقش تولستوي وغيره من النقاد أن الوطنية متعارضة مع هذه النظريات، فهي مسألة أنانية كبيرة واهتمام حصريّ وعدائيّ مبالغ فيه من قبل الفرد تجاه بلده، وسبب أساسيّ للنزاعات الدوليّة والحروب. هذا ليس اعتراض منصف للوطنيّة بحد ذاتها، فقد حُدِّدت الوطنية على أنها اهتمام خاص بخير وصالح البلد وهذا ليس نفس الاهتمام الحصري العدائي به. ولكن الاعتراض وثيق الصلة وله تأثير جدير بالاعتبار عندما يتم تقديمه ضد نوع الوطنية الذي قال به ماكنتاير.
قد يرفع وطنيٌّ عند ماكنتاير مصالح بلده، بأسلوب نقدي وغير مبالغ فيه، على مجموعة من القضايا. ولكن عندما يتعلق الأمر “بالمصالح العليا”، التي هي فوق النقد ويجب دعمها بطرق لاعقلانية، فإن شعوره سيصبح بشكل حتميّ مبالغ فيه وعلى الأرجح أكثر عدوانيّة أيضاً.
إذا تم فهم العدالة كمعانٍ عالميّة بدلا من المعاني الضيقة، وإذا تم تقدير التضامن الإنساني المشترك كاعتبارٍ أخلاقيّ ذي نفوذ، وإذا كان للسلام أهمية أسمى من الحرب المباحة أخلاقيا إذا كانت عادلة فحسب، عندها فإن هذا النوع من الوطنية يجب رفضه.
3.2.2 الوطنية المعتدلة
إن رفض الوطنية القوية لا يستلزم تبني الحياديّة الشاملة التي لا تعترف بأية التزامات خاصة فلا تسمح بالتحيّز لـ”ذاتنا”. ولا يستلزم كذلك تبني موقفاً عالميّاً أكثر تقييداً لا يسمح بالتحيز لبلدنا وأبناء بلدنا. يوجد، بين هذه الحدود القصوى، منطقة وسط جديرة بالاعتبار. وقد قاد استكشاف هذه المنطقة بعض الفلاسفة لبناء مواقف تستوعب كِلا وجهتي النظر؛ وجهة النظر العامّة -المطالِبة بالعدالة العامة والإنسانية المشتركة- ووجهة النظر الخاصّة التي تقلق على الوطن وأبنائه.
أحد هذه المواقف هو “الوطنية المنسجمة مع الأخلاقيّة الليبراليّة” أو اختصاراً “الوطنية الليبراليّة” التي قال بها مارسيا بارون (Marsia Baron 1989). يناقش بارون بأن النزاع بين الحياد والتحيّز ليس بالعمق الذي قد يبدو عليه. فالأخلاق تسمح بكلا النوعين من الاعتبارات كونهما يتعلقان بمستويات مختلفة من المداولات الأخلاقية. في المستوى الأول، غالباً ما يكون مبرر لنا مراعاة التزاماتنا وارتباطاتنا الخاصة متضمنةً التزاماتنا وارتباطاتنا تجاه بلدنا. في المستوى الآخر، نستطيع ويجب علينا أن نفكر في هذه الالتزامات والارتباطات من وجهة نظر عالميّة محايدة لكي نصف مجالها الحقيقي ونحدد وزنها. نستطيع أن نستنتج على سبيل المثال “أنه فيما يتعلق بالأحداث المهمة وضمن الحدود، فمن الجيد بالنسبة للأميركيّ أن يكوّن رأيه كأميركي ويضع المصالح الأميركيّة أولاً” (بارون 1989، 272). في مثل هذه الحالة، يتم الحكم على التحيّز والاهتمامات الخاصّة على أنها شرعيّة وقيّمة فعلاً من وجهة النظر العالميّة المحايدة. وهذا يعني، فيما يتعلق بتلك الأحداث وضمن نفس الحدود، فإنه من الجيد أيضا للكوبيّ أن يفكر ككوبيّ، وأن يضع المصالح الكوبيّة أولاً… الخ. هذه هي بالضبط طريقة تفكيرنا في واجباتنا الخاصة وتفضيلنا لعائلتنا وأصدقائنا أو جماعتنا المحلية. هذا النوع من التحيّز منطقي ومهم ليس لنا فقط بل لكل شخص.
من وجهة نظر ماكنتاير، فإن نمط التحيّز في العموم، وفي الوطنية بالخصوص، يكون عند العمل في المستوى الأول من التعامل الأخلاقيّ فحسب، وضد أرضيّة الحياد في المستوى الآخر الأعلى الذي يفتقر للمحتوى والثقل. بالنسبة لبارون من ناحية أخرى فإن وطنيّة ماكنتاير الخصوصيّة بشدّة لا عقلانيّة وتنطوي على مخاطرة أخلاقيّة. يجد بارون أيضا أن الفهم الشعبي للوطنيّة مشكوك فيه، فهو يركز على قوة البلد ومصالحها كما تحددها أي حكومة موجودة في السلطة التي تؤكد الاهتمام بثقافة البلد وتفوقها الأخلاقيّ وتناقش بأنه من خلال القيام بذلك فإن وطنيتنا سوف تترك مجالاً لنقد بلدنا الجادّ والبنّاء، ولن تكون مصدر للنزاع والشقاق في المعترك الدوليّ.
طرح ستيفن ناثانسون (1989، 1993) رؤية أخرى من نمط منتصف الطريق هي “الوطنية المعتدلة”، حيث يرفض هو أيضا الاختيار بين وطنيّة ماكنتاير القويّة وبين العالميّة. ويناقش بأن الحياد الذي تتطلبه الأخلاق يسمح بارتباطات محدّدة والتزامات خاصّة عبر مناقشة مستويات مختلفة من التفكير الأخلاقي. تقدم الوصايا العشر مثالاً جيداً على ذلك، فهي تعتبر الوثيقة الأساسية في الأخلاق الغربية، وصياغتها في معظم الأحوال عامة وغير متحيّزة، ولكنها أيضا تقول لنا “احترم أبوك وأمك”.
هذا النوع من الوطنية التي دافع عنها كل من ناثانسون وبارون معتدلة ضمن عدة اعتبارات مستقلّة ولكنها ذات صلة. فهي ليست جامدة، ولا تفرض على الوطنيّ أن يعزّز مصالح بلده في كل الحالات وبأية طريقة ممكنة. إنها تقرّ بالقيود التي تفرضها الأخلاق على سعينا لتحقيق أهدافنا الفرديّة والجماعيّة. فعلى سبيل المثال، قد يكون مطلوب من الوطنيّ أن يحارب من أجل بلاده ولكن عندما تكون ولا تزال عادلة فحسب. بينما، يعتبر أتباع كل من الوطنية المتطرفة والقويّة أنفسهم ملزمين بالدفاع عن بلدهم سواء أكانت قضيته عادلة أم لا، وسيحارب الوطنيون المتشددون بأي طريقة ممكنة يتطلبها الفوز. أما فيما إذا كان أتباع وطنيّة ماكنتاير سيفعلون ذلك فهو موضع نقاش: إذا لم يفعلوا ذلك، فذلك لأن أخلاق جماعتهم وضعت بعض التقييدات على الحرب، سواء ضمن إطار محدّد (الضابط الألماني لا يعدم أسرى الحرب) أو من خلال تضمين بعض المبادئ الأخلاقيّة العامة (الضابط لا يعدم أسرى الحرب).
الوطنية المعتدلة ليست حصريّة، فأتباعها يظهرون اهتماماً خاصاً ببلدهم وأبناء بلدهم، ولكن هذا لن يمنعهم من إظهار الاهتمام بالبلدان الأخرى ومواطنيها. إلى جانب ذلك، فهذا النوع من الوطنية يسمح بإمكان أن يتجاوز الاهتمام بالوجود البشريّ العامّ، في بعض الحالات، اهتمام الفرد ببلده وأبناء بلده. مثل هذه الوطنية تتلاءم مع درجة لائقة من الإنسانيّة. وعلى عكس ذلك، فإن كل من الوطنية المتطرفة والقوية تعطيان وزناً أكبر لمصالح بلد الفرد ومواطنيه الأساسيّة على حساب مصالح البلدان الأخرى ومواطنيها عندما تتضارب مصالح البلدين.
أخيراً، ليست الوطنية المعتدلة غير نقديّة أو غير مشروطة أو أنانيّة، فليس كافياً بالنسبة للوطنيّ من هذا النوع أن تكون هذه البلد بلده فحسب، بل يتوقع من بلده أنْ ترقى إلى مستوى معين من المعايير، وبالتالي تستحق دعمه وإخلاصه واهتمامه الخاص بخيرها وصالحها. عندما تفشل بلده في ذلك فإنه سيمتنع عن دعمها. من ناحية أخرى، فإن أتباع كل من الوطنية المتطرفة والقويّة يحبون بلدهم بدون قيد أو شرط ويدعمونها مهما فعلت طالما أن أمنها و”مصالحها العليا” الأكثر عموماً هي موضع قلق.
لقد وجد كل من بارون وناثانسون نقطة التقاء بين العالميّة الكاسحة التي لا تسمح بأي ارتباطات وولاءات بين بلد الفرد وأبناء بلده، وبين الوطنية المتطرفة والقويّة التي ترفض الاعتبارات الأخلاقيّة العامة (باستثناء تلك التي تصبح جزء لا يتجزأ من أخلاق بلد الفرد). لقد بيّنوا أن الاعتراض الرئيسيّ المطروح غالباً ضد الوطنية بحد ذاتها يصح فقط على نوعيها؛ المتطرفة والقوية، وليس على الليبراليّة والمعتدلة منها. فلا يحتاج هذا النوع الأخير من الوطنية إلى الخلاف مع العدالة النزيهة أو التضامن الإنساني المشترك، وبناءً عليه سيتم الحكم على الوطنية المعتدلة بطريقة لا يمكن الاعتراض عليها أخلاقياً من قبل الكل ما عدا بعض أتباع النوع المتزمت من العالمية.
ومع ذلك، يفشل كل من بارون وناثانسون في التمييز بوضوح بين إظهار أنّ نوعهما المفضل من الوطنية لا يمكن الاعتراض عليه أخلاقياً وبين إظهار أنّه مطلوب أخلاقياً أو فعّال. ويبدو أحيانا أنهما يظنّان أنه من خلال إظهار أنه أخلاقيّ يمكنهم إظهار أنه فعّال. ولكن هناك فجوة بين الادّعاءين، ولا تزال هناك حاجة إلى تقديم قضيّة أقوى للوطنيّة المعتدلة.
4.2.2 الوطنية المنكمشة
ما هو سبب الادعاء بأن الوطنية المعتدلة إلزامية أخلاقياً، أي أنّه من الواجب علينا الاهتمام الخاص بخير وصالح بلدنا وأبناء بلدنا بشكلٍ مشابهٍ لواجباتنا تجاه العائلة أو الأصدقاء؟
ربما يكون الامتنان هو الأساسُ الأكثر شعبيّة من بين الأسس التي أدت لهذا الواجب الوطنيّ. يكتب ماريزيو فيرولي (Maurizio Viroli) مردداً كلام سقراط في محاورة كريتو (Crito) (أقريطون) لأفلاطون (51C-51D). “لدينا التزاماً أخلاقيّاً تجاه بلدنا؛ لأننا مدينون له بحياتنا وتعليمنا ولغتنا وبأقصى حالاتنا السعيدة، وحريتنا. إن كنا نريد أن نكون أشخاصاً أخلاقيين، فيجب علينا أن نعيد ما أخذنا، على الأقل جزئياً، من خلال خدمة الصالح العامّ (فيرولي 1995، 9).
ضخّم كل من سقراط وفيرولي المنافع التي منحنا إياها بلدنا. بالتأكيد أي شعور بالامتنان ندين به بسبب ولادتنا ونشأتنا هو لأهلنا بدلا من وطننا ولكن أيضاً أخذنا من بلدنا منافع هامّة وحجتهما كانت أننا ملزمون بإظهار الامتنان بسبب تلك المنافع، والأسلوب الملائم لفعل ذلك هو بإظهار اهتمام خاص بخير وصالح بلدنا وأبناء بلدنا.
أحد المخاوف هنا هو أن اعتبارات الشعور بالامتنان تنشأ بشكل اعتيادي في العلاقات الخاصة بين الأفراد، ونتحدث أيضاً عن الشعور بالامتنان تجاه بعض الكيانات الموضوعيّة والكبيرة مثل مدرستنا أو مهنتنا أو حتى بلدنا، ولكن ذلك يبدو وكأنه طريق مختصر للإشارة إلى الشعور بالامتنان تجاه أشخاص محددين نشطوا بالنيابة عن هذه الكيانات. لا تفرض علينا أية منافع تلقيناها الشعورَ بالامتنان. إذا مُنحتْ المنفعة لسبب خاطئ (كأن يكون إكراما للصورة العامة للمحسن)، بقصد أو غير قصد، فالشعور بالامتنان في غير محله. لدينا دَيناً أخلاقيّاً بالشعور بالامتنان (بدلا من مجرد قول كلمة شكرا للتصرفات الجيدة) لهؤلاء الذين يمنحون المنافع عن قصد ولأسباب صحيحة، أي بسبب الاهتمام بمصالحنا الخاصة. ولا نستطيع التحدث بثقة عن الأسباب الكامنة وراء نشاطات المؤسسات والجمعيّات الاجتماعيّة الكبيرة والمعقدّة.
لنفرض أنه يمكننا التفكير في أبناء البلد كجماع أفراد، فهل ندين لهم بالشعور بالامتنان للمنافع التي نجنيها من خلال عيشنا بينهم؟ مرة أخرى، هذا يعتمد على سبب سلوكهم الملتزم بالقانون وتعاونهم الاجتماعيّ. ولكن لا يوجد سبب واحد مشترك للكل أو حتى معظمهم. فبعضهم يؤدي دوره من دون التفكير في أسباب فعلهم ذلك، وآخرين يؤمنون بأن القيام بذلك هو في نهاية المطاف السياسة الأكثر تعقلاً، وما يزال هناك أشخاص ينشطون بدافع الإيثار. المجموعة الأخيرة فقط، وهي أقلية نادرة جدا، هي الموضوع المناسب لشعورنا بالامتنان.
بالإضافة إلى ذلك، يكون الشعور بالامتنان مناسباً فحسب، عندما تُمنح المنافع بحريّة، كهديّة، وليس كعمليّة مقايضة. ولكن معظم المنافع التي تصلنا من بلدنا هي من الصنف الأخير: الفوائد التي دفعناها من خلال سلوكنا الملتزم بالقانون بشكل عام، ومن خلال الضرائب بشكل خاص.
يمكن اعتبار المنافع التي يتلقاها الفرد من بلده ذات صلة بواجب الوطنية بطريقة مختلفة، وذلك من خلال إثارة قضية العدالة: بلد الفرد ليست مسكونة من قبل غرباء لا ندين لهم بشي غير الذي ندين به لأي وجود بشري آخر. إنها بالأحرى مؤسسة مشتركة تنتج وتوزع مجالاً واسعاً من المنافع. ويتم تحقيق هذه المنافع من خلال تعاون هؤلاء الذين يعيشون في البلد، يشاركون في هذه المؤسسة ويدينون ويسلمون بالولاء للنظام. تفرض القواعد التي تنظم التعاون وتحدِّد توزيع الأعباء، ضمن أشياء أخرى، اهتماماً خاصّاً بخير وصالح أبناء البلد الذي ليس هو واجب تجاه الغرباء كما قال ريتشارد داغر(Richard dagger):
“يحظى المواطنون بالأولويّة لأننا ندين لهم بها كقضية تبادلية. كل واحد، سواء أكان ابن بلدنا أم لا، يستحق منا الاحترام والتقدير، ولكن هؤلاء الذين تربطنا بهم مؤسسة تعاونية يستحقون منا تقديراً خاصّاً، فتعاونهم يمكّننا من الاستمتاع بمنافع المؤسسة، والعدالة تتطلب منا أن نرد بالمثل. يجب أن نعطي إخواننا المواطنين أولويّة ومنزلة خاصّة أكثر من هؤلاء الذين هم خارج هذه العلاقة الخاصّة المعيّنة بالمؤسسة السياسيّة. أي؛ [إخواننا المواطنين] لديهم علينا حق يمتد ليشمل فكرة أنّ الأولويّة لأبناء البلد” (داغر 1985، 443-446).
تدمج هذه المناقشة قضيّة الوطنية مع قضية الالتزام السياسيّ، وفكرة الوطنيّ مع فكرة المواطن. على عكس التعاون غير الرسميّ بين المستأجرين في بناية مثلاً، فإن التعاون على نطاق بلدٍ بأكمله يتم تنظيمه بمجموعة من القوانين. قيام الفرد بدوره ضمن هذه المؤسسة التعاونيّة هو مجرد طاعة للقوانين والتصرف كمواطن. أن يكون لدينا واجباً أخلاقيّاً للامتثال لقوانين بلدنا هو أحد القضايا المركزيّة في الفلسفة السياسيّة المعاصرة التي نوقشت تحت عنوان الالتزام السياسيّ. أحد الاعتبارات الأساسيّة في الالتزام السياسيّ هو العدالة. إن كانت ناجحة، فهذا الاعتبار يُظهر أن لدينا واجباً أخلاقيّاً للالتزام بقوانين بلدنا، للتصرف كمواطنين. وأن هذا الواجب هو أحد أوجه العدالة. الفشل في الالتزام بقوانين البلد هو فشل في رد الدّيْن واستغلال لأبناء البلد والتصرف بشكل جائر تجاههم. ولكن في حين أن الوطنيّ هو مواطن، فالمواطن ليس بالضرورة وطنيّ. فالوطنيّة تتضمن اهتماماً خاصّاً بالبلد وأبنائه، وهو اهتمام يتجاوز ما الذي تلزم القوانين الفرد به، ويتجاوز آليّة التصرف كمواطنٍ، إنه يتجاوز ما الذي يجب على الفرد، من وجهة نظر العدالة، أن يفعله. من ناحية أخرى، لا يمكن أن يكون الفشل في إظهار ذلك الاهتمام غير عادل -إلا على افتراض التساؤل بأن هذا التعاون ضمن هذا النطاق يعتمد أيضاً ويُنظّم من خلال قاعدة أخلاقيّة تفرض اهتماماً خاصاً بخير وصالح البلد وأبنائه، بالإضافة لقوانين الولاية. يؤكد داغر أن حق أبناء البلد علينا يتسع ليتضمن مثل هذا الاهتمام، ولكنه لم يزودنا بالمحاججات التي تدعم هذه الإضافة.
يحاول بعض الفلاسفة أن يؤسسوا للواجب الوطنيّ عبر نتائجه الجيدة (انظر مدخل إلى التبعية). فواجب الاهتمام الخاص بخير وصالح البلد وأبنائه، مثله مثل باقي الواجبات العامة والخاصة، مُسوّغ من خلال نتائجه الجيّدة الناتجة عن تبنّيه. وتتوسط واجباتنا الخاصة الواجبات العامة وتمكّن الاستفادة من إنجازها الفعليّ إلى أبعد الحدود. لقد رسخوا تقسيماً ضرورياً للجهد الأخلاقي؛ لأنّ قدرتنا على فعل الخير محدودة بمواردنا وظروفنا. يستطيع كل واحد منا وبشكل طبيعي أن يقدم مساعدة أكبر لهؤلاء الذين هم أقرب إلينا من غيرهم. فبخدمة “من لنا” (المقربون) أولاً فنحن نعزِّز في الوقت نفسه خير البشرية بأفضل طريقة ممكنة.
سيجد الوطنيون هذا الاعتبار لحبهم وولائهم لبلدهم مخالفاً لشعورهم بما تعنيه الوطنية . إنّه يقدم واجب الاهتمام الخاص بالبلد وأبنائه كوسيلة لتحدّيد بعض الواجبات العامّة للأفراد. يدين الواجب الوطنيّ بقوته الأخلاقيّة للقوة الأخلاقية التي لتلك الواجبات العامة. ولكن إذا كان الأمر كذلك، وكما يعترف أحد مؤيدي هذا الفهم للوطنيّة، “اتضح بعد كل هذا، أن إخواننا أبناء البلد ليسوا مميزين جدا” (غودين 1988، 679). يصادف أن يكونوا هم المستفيدون من أكثر الأساليب فعاليّة لوضع اهتمامنا العام بالوجود البشريّ، لا أكثر. لقد تلاشت العلاقة الخاصة بين الوطنيّ والوطن وأبناء الوطن -العلاقة بين الحب والاندماج.
هناك رؤية أيضاً للواجب الوطنيّ أنه، بخلاف الاعتبار التبادلي، لا يذّوب هذه العلاقة بل يركِّز الضوء عليها. هذا هو رأي الوطنية كواجبٍ ترابطيّ (انظر المدخل الخاص بالالتزامات الخاصة، قسم4). إنها تعتمد على فهم العلاقات الخاصّة باعتبارها ذات قيمة خاصّة تتضمن واجبات الاهتمام الخاص بخير وصالح هؤلاء الذين نرتبط معهم. ومثل هذه الواجبات ليست وسيلة لإحداث أو الدفاع عن هذه العلاقات، ولكنها بالأحرى جزء لا يتجزأ منها. ولا يمكن فهم رؤيتها وتبريرها إلا على هذا النحو، مثلما لا يمكن فهم هذه العلاقات إلا أنها تتضمن واجبات خاصة تتعلق بها (بينما تتضمن فوق ذلك غيرها الكثير). فمثلاً الفرد الذي ينكر بأن لديه واجب الاهتمام الخاص بخير وصالح صديقه، يُظهر أنه لم يعد يرى الشخص المعني ويعامله كصديق، وأنه (بقدر ما يتعلق الأمر به) قد انتهت الصداقة. من ينكر أن الناس عموماً لديهم واجب الاهتمام بخير وصالح أصدقائهم يظهر أنه لا يفهم ما هي الصداقة.
قدّم أندرو ماسون (Andrew Mason) مناقشةً حول واجب الاهتمام الخاص بخير وصالح أبناء البلد تقوم على القيمة المجسدّة في علاقتنا معهم والتي هي “المواطنة المشتركة”. لا يقصد بـ”المواطنة المشتركة” مجرد حالة قانونية، ولكنه يتعامل مع المصطلح كمعنى أخلاقيّ والذي يتضمن مكانة متساوية. إن المواطنة في هذا المعنى هي علاقة قيّمة بشكل جوهري وتؤسس لبعض الواجبات الخاصة التي تربط أبناء البلد تجاه بعضهم البعض. من الواضح الآن أن المواطنة لها قيمة كبيرة جديرة بالاعتبار، ولكن كيف هي قيّمة بحدِّ ذاتها؟
المواطنة لها قيمة جوهرية لأنّه بحكم كون الفرد مواطناً، فإنه يكون عضو في جسد جماعيّ يتمتع فيه بمكانة مساوية له مع الآخرين، وبالتالي يحظى بالتقدير. ويمارس هذا الجسد سيطرة كبيرة على ظروف حياة أعضائه (درجة من السيطرة لا يملكها أي من أعضائه بشكل فرديّ). إنه يقدّم لهم الفرصة ليساهموا في البيئة الثقافيّة التي يتم فيها تحديد قوانينها وأنظمتها الاجتماعيّة، وفرص المشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في تشكيل هذه القوانين والأنظمة (ماسون 1997، 442).
واصل ماسون ليطالب:
جزء مما يلزم لتكون مواطناً هو أنْ تتحمل التزامات خاصة. تعطي هذه الالتزامات مضموناً لما يجب أنْ يكون مسلم به أو أنْ تكون مواطناً مخلصاً، وتبرِّر من خلال مصلحة العلاقة الأوسع التي يساهمون بها. على وجه الخصوص، على المواطنين التزام تجاه بعضهم البعض بالمشاركة في الحياة العامة والتزام بإعطاء الأولويّة لحاجات إخوانهم المواطنين (442).
يمكن وضع أول هذين الواجبين الخاصين جانباً باعتباره لا يخص الوطنية ، بل المواطنة. ولكن الثاني هو القضيّة. إذا كان لدينا بالفعل واجب الاهتمام الخاصّ تجاه بلدنا وأبناء بلدنا، وإذا كان هذا الواجب ترابطيّ، فذلك لأن ارتباطنا بهم ذو قيمة جوهريّة ومتعلق بذلك الواجب. قد يُعتقد أن الادعاء حول القيمة الجوهريّة لارتباطنا بهم هي موضع نقاش. ولكن حتى لو تم التنازل عنه، فقد يظل الفرد يقاوم الادعاء المتعلق بالواجب المزعوم. إذا أنكر أحدهم أن لديه واجب الاهتمام بخير وصالح بلده وأبناء بلده، وليس لديه سوى ما تشرّعه قوانين بلده والاهتمام الذي يكنّه للبشرية بالعموم، فهل سيكف عن أنْ يكون مواطناً (بالمعنى المتضمن المكانة المتساوية)؟ إذا كان ينكر أن المواطنين عموماً لديهم مثل هذا الالتزام، هل ينمّ ذلك عن نقص في فهم ما تعنيه المواطنة (بالمعنى الملائم)؟ إذا التقى مصادفة بغريبَين في موقف مهدد لحياتيهما وكان عليه أن ينقذ أحدهما فقط، هل سيتملكه للوهلة الأولى واجباً أخلاقيّاً لإنقاذ ابن بلده؟ موقف ماسون يقوده لان يجيب بـ”نعم” في كل حالة، ولكن المطالب الثلاثة غير معقولة (بريموراتز 2009).
إذاً، جميع المناقشات الرئيسيّة المطالبة باعتبار الوطنية واجباً أخلاقيّاً، معرضةً لاعتراضات جديّة. ما لم يتم إنتاج حالة جديدة من الوطنية أكثر إقناعاً، فليس لدينا سبب وجيه للاعتقاد بأنّ الوطنية واجبٌ أخلاقيٌّ.
إذا لم تكن الوطنية واجباً، فهل هي ذات قيمة أخلاقيّة؟ إذا أظهر أحدهم اهتماماً بخير وصالح الآخرين إلى ما هو أبعد من درجة الاهتمام المطلوبة منا جميعا، فسوف يعتبر شخصاً أفضل من بقيتنا أخلاقياً (مع تساوي باقي الأشياء)، كمثال على الفضيلة الفائقة. الوطنية اهتمامٌ خاصٌّ من قبل الفرد بخير وصالح بلده وأبناء بلده، اهتمامٌ يتجاوز ما ندين به للناس والجماعات الأخرى: أليس وطنيٌّ إذاً الشخص الأفضل منا أخلاقياً (مع تساوي باقي الأشياء)؟ أليست الوطنية فضيلة فائقة؟
أحد الأمثلة المعيارية على مثل تلك الفضيلة هو نمط الاهتمام الذي يبديه هؤلاء الأشخاص الذين يأخذون على نفسهم عهد متطرف مثل الراحلة الأم تريزا أو منظمة أطباء بلا حدود، ولكن هؤلاء نماذج لفضيلة أخلاقية لنفس السبب الذي يجعل الدرجة الأكثر تواضعا من الاهتمام بالآخرين واجباً أخلاقيّاً يلاحقنا جميعا. تؤسس أيضا القيمة الأخلاقية ذاتها، التعاطف مع ومساعدة المحتاجين، لدرجة من الاهتمام بالآخرين كواجبٍ أخلاقيّ عامّ، ويفسر لماذا الدرجة الأكبر والمهمة من مثل هكذا اهتمام بالآخرين هو فكرة أخلاقيّة. ولكن هذا التفسير بأي حال لا ينطبق على الوطنية . فالوطنيّة ليست مجرد امتداد آخر لواجب الاهتمام بالآخرين، إنها اهتمام خاص ببلدي لأنها بلدي. واهتمام خاص بأبناء بلدي لأنهم أبناء بلدي. بخلاف الأم تريزا وأطباء بلا حدود الذين اهتمامهم موجه لكل الأشخاص المحتاجين أو المرضى أو على وشك الموت الذين يستطيعون الوصول إليهم، فإن اهتمام الوطنيّ يكون من خلال تحديد انتقائي يمكن إيجازه بكلمة “لي”. ولكن هذه الكلمة بحد ذاتها لا يمكن أن تلعب دور جدي في أي مناقشة تُظهر أنّ موقفاً معيناً هو ذو قيمة أخلاقية. إذا أمكن ذلك، فإن الأنماط الأخرى من التحيّز مثل القَبليّة والعرقيّة والتحيّز الجنسيّ ستثبت وفق النموذج نفسه بأنها ذات قيمة أخلاقيّة.
إذا لم تكن الوطنية واجباً أخلاقياً وليست فضيلة فائقة، عندها سوف تتضاءل كل حججها الأخلاقيّة. ليس لديها مغزى أخلاقيّ إيجابيّ، ليس هناك حديث أخلاقيّ يمكن أن يدار حولها. لدينا جميعاً أولويّات متنوعة لأماكن أو أشخاص ما، نميل إلى الاندماج مع مجموعات متعددة، كبيرة وصغيرة، نفكر بهم بأحاسيسنا الخاصة ونظهر درجة من الاهتمام الخاص بأعضائها، ولكن مهما كانت هذه الأولويّات والاندماجات والاهتمامات مهمة من نواحٍ أخرى، فإنّه ينقصها الأهميّة الأخلاقيّة الايجابيّة. هي مجازة أخلاقياً طالما هي ضمن حدود معيّنة ولكنها هي نفسها غير منحازة أخلاقياً. وتنطبق الحقيقة نفسها على الوطنية (بريموراتز 2002).
5.2.2 الوطنية الأخلاقيّة
تسعى الأنواع الأربعة التي تم استعراضها حتى الآن إلى الدفاع عمّا يعتقد أنه محدّد دنيوياً وتعزيزه، أي مصالح الوطن غير الأخلاقيّة: استقراره السياسيّ، قوته العسكريّة، ثرواته، نفوذه في المعترك الدوليّ، حيويته الثقافيّة. ولكنهم يختلفون بنظرتهم إلى الحدود التي يجب أن تُعزَّز بها هذه المصالح. فأتباع كل من الوطنيتين المتطرفة والقويّة سيذهبون إلى النهاية، إلى أي حدٍّ. بينما أتباع الوطنيتين المعتدلة والمنكمشة سيحترمون الحدود الموضوعة من قبل الاعتبارات الأخلاقيّة العامّة لهذه المهمة. وهنا تنادي مارسيا بارون بتوسيع الاهتمام الوطنيّ بازدهار البلد ليتضمن الازدهار الأخلاقيّ أيضاً (أنظر 3.2.2 في الأعلى).
موقف بارون إذاً في الوسط؛ بين النمط الدنيويّ الاعتياديّ من الوطنية وبين ما يمكن وصفه بالنمط الأخلاقيّ المتميّز. سوف يضع هذا الأخير الاهتمام بخير وصالح البلد بالمعنى الدنيويّ جانباً، ويركِّز بدلاً منه على خيرها وصالحها بالمعنى الأخلاقيّ المتميّز، على استقامتها وهويتها الأخلاقيّة. لن يعبِّر الوطنيّ من هذا النوع عن حبه لوطنه من خلال السعي لتسخير ثروات البلد وحماية جمالها الطبيعي وتراثها التاريخيّ أو بجعلها غنيّة أو قويّة أو متفوقة حضارياً أو ذات نفوذ في المشهد العالمي، بل سوف يسعى بدلاً من ذلك، ليؤكد أن بلده ترقى للمتطلبات الأخلاقيّة وتعزِّز القيم الأخلاقيّة محلياً ودولياً. سوف يعمل من أجل مجتمع إنسانيّ وعادلٍ محلياّ، ويسعى ليؤكِّد أنّ بلده تنشط بشكل عادل فيما وراء حدودها وتظهِر تضامناً إنسانياً مشتركاً تجاه من يحتاج للمساعدة مهما كان مختلف وغريب، وسيبدي أيضاً اهتماماً بالسجلِّ الأخلاقيّ الماضي لبلاده وتأثيره في الحاضر، كما سيدعم خطط استكشاف الفصول المظلمة في تاريخ بلاده والاعتراف بالأخطاء المرتكبة في الماضي والإجابة عليهم بالطرق الملائمة، سواء بتقديم الدفاعات أو إجراء تعديلات والتأكيد أن مثل هذه الأخطاء لن تتكرر مرة أخرى.
يود وطنيّ هذا النوع الأخلاقيّ المتميّز أنْ يرى العدالة تتحقق والحقوق تُحترم والتضامن الإنسانيّ فعالاً في أي زمان ومكان، ولكن وطنيته ستعمل في قلق من أن يسترشد بلده بهذه القيم والمبادئ الأخلاقيّة ذات الأداء والإحساس المعمق إلى درجة كبيرة أكثر من اهتمامه بأن تكون هذه المبادئ والقيم موضع تطبيق عموماً. وسوف يعتبر أن هويته الأخلاقيّة غير منفصلة عن هوية بلده الأخلاقيّة، وسيكون السجلّ الأخلاقيّ لبلده هو سجلّه الأخلاقيّ أيضاً. وبخلاف الوطنيّ من النوع الدنيويّ، قد لا يشعر هذا الوطنيّ بالفخر بفضائل وانجازات بلده الدنيويّة، بل سيكون فخوراً بسجلِّ بلده الأخلاقيّ عندما يستدعي ذلك الفخر. ولكن فوق كل ذلك، فإن وطنيّته سيعبر عنها بطريقة نقديّة بالنسبة لبلده وأبناء بلده، وسوف يشعر بأنه مخولاً ومدعواً فعلاً لأن يخضعهم لتدقيق أخلاقيّ نقديّ، وأن يفعل ذلك بصفته وطنيّ.
في حين أنه ليس لدينا سبباً أخلاقيّاً لكي نكون وطنيّين من النوع الدنيويّ الأكثر اعتياديّة، فإنه لدينا سبباً لنظهِّر اهتماماً خاصاً بخير وصالح بلدنا. كقاعدة، عندما يخطئ أحدهم فهناك شخص آخر يستفيد من ذلك. فعندما تدافع البلد عن الممارسات الظالمة والوحشيّة، وعندما يسن ويفرض بالقوة سياسات ظالمة ووحشيّة، فعلى الأقل بعض، وأحيانا العديد من مواطنيها، يجني منافع من ذلك. أحيانا مثل هذه الممارسات والشرائع والسياسات تؤثر في الأشخاص خارج حدود البلد. في مثل هذه الحالات، قد يستفيد السكان ككل. تقع مسؤوليّة الظلم والنقص في التضامن الإنسانيّ الأساسيّ على من يصنعون القرارات وعلى من ينفذونها، وتقع ايضا على هؤلاء الذين يدعمون تلك القرارات وتطبيقاتها. ولكن، وبهذا الصدد، قد تنقل بعض المسؤوليّة إلى هؤلاء الذين هم ليسوا طرفاً في صنع القرارات أو تطبيقاتها ولا حتى يقدّمون دعماً، ولكنهم يقبلون المنافع الناتجة عن مثل هذه الممارسات والقوانين والسياسات.
هناك جزء من الاشتراك في الجريمة قد يتحمله هؤلاء الذين ليسوا طرفاً في صنع أو تنفيذ الممارسات والقوانين والسياسات اللاأخلاقيّة، وليسوا داعمين لها أو مستفيدين منها، ولكنهم يستفيدون بطرق عديدة كونهم مواطنين في هذا البلد. فالفرد يستمد منفعة نفسيّة هامّة من عضويته واندماجه في المجتمع والنظام، من إحساسه بالانتماء والدعم والحماية التي توفره له هذه العضويّة والاندماج. فإذا أيد الفرد مثل هذه المنافع، في حين معرفته بالممارسات أو القوانين أو السياسات الجدلية اللاأخلاقيّة، أو عدم امتلاكه أي عذر لعدم معرفته بهم، فذلك أيضاّ قد يبدو كمن يورّط نفسه بهذه الأخطاء. لا شك أن لا يقدّم أية ذرائع سببيّة لهذه الإيذاءات ولا يستطيع التحكم بسبيلها ولا يقبل المنافع المكتسبة منها، ولكنه بقبوله منافع مصادقة المخطئين، فقد يبدو وكأنه يوافق على هذه الأخطاء وينخرط ضمن طبقة الذين تقع عليهم المسؤوليّة بالضبط. اشتراكه في الجريمة أقلّ، واللوم الذي يمكن أن يقع عليه أقلّ أيضاً، ولكنه ما زال يتحمل بعض المسؤوليّة الأخلاقيّة ويستحق على هذا الأساس بعض اللوم الأخلاقيّ. فلا يستطيع أن يقول بثقة كبيرة: “ليست لي علاقة بهذه الأخطاء، أنا لست متورطاً بها”.
إن كان هذا صحيح، فنحن لدينا سبباً لنُظهر ونمارس اهتماماً خاصّاً بهوية واستقامة بلدنا الأخلاقيّة. وبفعلنا هذا، سنظهر جانبا مهماً من هويتنا الأخلاقيّة. في حين أنّ وطنيّة النمط الدنيويّ الأكثر اعتياديّة ليست مطلوبة من الناحيّة الأخلاقيّة، ولكنه في أفضل الحالات، مُجاز أخلاقياً؛ لذلك فان الوطنية الأخلاقيّة، في ظل بعض الظروف المشتركة بشكلٍ عادل، ممكن أنْ تكون واجباً أخلاقياً (بريموراتز 2000).
-
الأهميّة السياسيّة للوطنيّة
في حين ناقش الفلاسفة الأخلاقيون الموقف من الوطنية على أنه اقتراح لمسألة تسويّة النزاع بين الاعتبارات الأخلاقية والارتباطات والولاءات الخاصّة، فقد اهتم المفكرون السياسيّون بالوطنيّة في المقام الأول على أساس أنها روح الدولة المنظمة جيداً وترياق القوميّة. منذ صعود الدولة القوميّة، ساد الاعتقاد على نطاقٍ واسع بأنّ شكلاً من أشكال القوميّة لا غنى عنه كأساسٍ ما قبل سياسيّ لوحدة الدولة، يضمن التكافل بين المواطنين ويزودهم بالحافز على المشاركة في الحياة العامة وتقديم التضحيّات من أجل الصالح العام. وكما قال روجر سكرتون (Roger Scruton): “لكي تصبح الدولة الليبراليّة آمنة، يجب أنْ يدرك المواطنون أنّ المصلحة القوميّة هي شيء آخر غير مصلحة الدولة؛ تستطيع فيه القوميّة أن تستحضر فيهم روح التضحيّة التي تعتمد عليها الدولة” (سكرتون 1990، 319). لكن وخلال التقدّم الحاصل في القرن العشرين، فإن القوميّة تعرضت للشبهات بشكل عميقٍ، وهذا قاد المفكرين السياسيّين إلى البحث عن بدائل: ناقش البعض منهم بأنّ الوطنية السياسيّة المتشدّدة قد تؤدي الوظيفة الموحِّدة للقومية في الوقت الذي تلغي فيه مخاطرها. هذه الوظيفة الجديدة “تضع جانباً” أو على الأقل تخفف الروابط ما قبل السياسيّة مثل الأصل المشترك أو اللغة أو الثقافة وتفرض الحبّ والولاء لجماعة الفرد السياسيّة وقوانينها وأعرافها، وتصبح الحقوق والامتيازات ممكنة.
نظراً للسجل المشؤوم للقوميّة، فليس غريب أن يرتاب المفكرين الألمان خصوصاً من الوطنية ما دامت غير منفصلة عن القوميّة. في وقت مبكر من سنة 1959، دعا المنظِّر السياسيّ دولف ستيرنبرغر (Dolf Sternberger) لفهم جديد لمفهوم “أرض الأسلاف”؛ فـ”أرض الأسلاف هي الجمهورية التي نصنعها لأنفسنا”، “أرض الأسلاف هي الحرية التي ننعم بها حقاً، عندما نعززها ونستفيد منها ونحافظ عليها” (ستيرنبرغر 1992، 12).
في الذكرى الثلاثين لقيام الجمهورية الفيدراليّة، في سنة 1979، ابتكر مصطلح “الوطنية الدستوريّة” بالألمانيّة (Verfassungspatriotismus)، لفهم الولاء للوطن المفهوم ضمناً في هذا المصطلح (13-16). وتم لاحقاً اعتماد المصطلح من قبل يورجن هابرماس (Jürgen Habermas) في سياق كلامه حول قضية التغلب على ما قبل السياسيّ، أي الولاءات القومية والثقافية في الحياة العامة واستبدالها بهوية سياسية جديدة، مجردة، بعد قومية، مجسدة بالقوانين والمؤسسات لدولة حرة وديموقراطية. يناقش هابرماس بأن هذه الهوية المعبر عنها والمدعومة بـ الوطنية الدستوريّة، تستطيع أنْ توفر أساساً صلباً لمثل هذه الدولة نظراً للتجانس الثقافيّ والعرقيّ الذي تتسم به معظم دول أوروبا الغربيّة ويمكن أْن تسهل التوحيد الأوروبيّ وأنْ توفر ترياق “شوفينية الثراء” (الغلو في المواطنة القائمة على التنوع والاختلاف) التي تغري تلك البلدان.
الوطنية الدستوريّة هي الأكثر نقاشاً على نطاق واسع، ولكنها ليست النوع الوحيد من “الوطنية الجديدة”، هناك أيضا “الوطنية الميثاقيّة” والتي دعا إليها جون ه شار (John H. Schaar) كوطنيّة مخصصة للبلدان التي سكانها غير متجانسين عرقياً وثقافياً بشكل كبير، مما لا يدع مجالاً لـ”الوطنية الطبيعيّة”. ومثاله النموذجيّ على ذلك هو الولايات الأميركيّة المتحدة التي ارتبط مواطنيها بعضهم ببعض لا من خلال الدم أو الدين، ولا من خلال التقاليد أو الأقاليم، ولا من خلال جدران وتقاليد مدنهم، ولكن من خلال فكرة سياسيّة… من خلال ميثاق، ومن خلال الإخلاص لمجموعة من المبادئ وتبادل الوعود بتقديم ودعم بعض الالتزامات (شار 1981، 291). ما زال هناك نوع آخر هو “وطنيّة الحريّة” التي دعا إليها فيرولي والذي ينادي بالعودة إلى الوطنيّة كما كانت قبل أن يتم تسخيرها لخدمة الدولة-الأمة وطمسها في القوميّة: يصبح كل من حب الفرد لقوانين ومؤسسات دولته والحريّة المشتركة قابلين للتحقيق (فيرولي 1995).
لاقى هذا الإصدار السياسيّ الجديد المؤكِد للوطنيّة تأييداً وتشكيكاً. ناقش المؤيدون له احتمالات الوطنية الدستوريّة الأوروبيّة (أنظر مولر 2007، 93-139). بينما ناقش المشككون كون الوطنية المنفصلة عن كل الهويّات والالتزامات ما قبل السياسيّة، ستولِّد إحساساً ضعيفاً جداً بالهوية، وضعفاً بالحث على المشاركة السياسيّة، وهذا يعني بالتالي أن الوطنية ليست كافيّة (كانوفان 2000).
المراجع
- Acton, Lord, 1972, “Nationality,” Essays on Freedom and Power, Gloucester: Peter Smith, 141–70.
- Anderson, Benedict, 1991, Imagined Communities: Reflections on the Origins and Spread of Nationalism, rev. ed., London: Verso.
- Anderson, John P., 2003, “Patriotic Liberalism,” Law and Philosophy, 22: 577–95.
- Appiah, Kwame Anthony, 2005, The Ethics of Identity, Princeton: Princeton University Press.
- Archard, David, 1995, “Three Ways to Be a Good Patriot,” Public Affairs Quarterly, 9: 101–13.
- –––, 1999, “Should We Teach Patriotism?” Studies in Philosophy and Education, 18: 157–73.
- Arneson, Richard J., 2005, “Do Patriotic Ties Limit Global Justice Duties?” Journal of Ethics, 9: 127–50.
- Audi, Robert, 2009, “Nationalism, Patriotism, and Cosmopolitanism in an Age of Globalization,” Journal of Ethics, 13: 365–81.
- Bader, Veit, 1999, “For Love of Country,” Political Theory, 27: 379–97.
- –––, 2005, “Reasonable Impartiality and Priority for Compatriots: A Critique of Liberal Nationalism’s Main Flaws,” Ethical Theory and Moral Practice, 8: 83–103.
- Baron, Marcia, 1989, “Patriotism and ‘Liberal’ Morality,” in D. Weissbord (ed.), Mind, Value, and Culture: Essays in Honor of E.M. Adams, Atascadero: Ridgeview Publishing Co., 269–300. Reprinted with a postscript in Primoratz (ed.), 2002.
- Billig, Michael, 1995, Banal Nationalism, London: Sage Publications.
- Blattberg, Charles, 2003, “Patriotic, Not Deliberative, Democracy,” CRISPP: Critical Review of International Social and Political Philosophy, 6: 155–74.
- Boutros, Victor, 2003, “Patriotism and International Aid: An Analysis of Alasdair MacIntyre’s ‘Is Patriotism a Virtue?’,” Contemporary Philosophy, 25: 9–16.
- Boxill, Bernard B., 2009, “Frederick Douglass’s Patriotism,” Journal of Ethics, 13: 301–17.
- Breda, Vito, 2004, “The Incoherence of the Patriotic State: A Critique of ‘Constitutional Patriotism’,” Res Publica, 10: 247–65.
- Brighouse, Harry, 2006, “Justifying Patriotism,” Social Theory and Practice, 32: 547–58.
- Busch, Hans Jürgen, and Ulrich Dierse, 1989, “Patriotismus,” in Joachim Ritter and Karlfried Gründer (eds.), Historisches Wörterbuch der Philosophie (Volume 7), Basel: Schwabe & Co., 207–17.
- Callan, Eamon, 2006, “Love, Idolatry, and Patriotism,” Social Theory and Practice, 32: 525–46.
- –––, 2010, “The Better Angels of Our Nature: Patriotism and Dirty Hands,” Journal of Political Philosophy, 18: 249–70.
- Canovan, Margaret, 2000, “Patriotism Is Not Enough,” British Journal of Political Science, 30: 413–32. Reprinted in Primoratz (ed.), 2002.
- Cohen, Joshua (ed.), 1996, For Love of Country: Debating the Limits of Patriotism, Boston: Beacon Press.
- Cronin, Ciaran, 2003, “Democracy and Collective Identity: A Defence of Constitutional Patriotism,” European Journal of Philosophy, 11: 1–28.
- Dagger, Richard, 1985, “Rights, Boundaries, and the Bonds of Community: A Qualified Defense of Moral Parochialism,” American Political Science Review, 79: 436–47.
- Dombrowski, Daniel, 1992, “On Why Patriotism Is not a Virtue,”International Journal of Applied Philosophy, 7: 1–4.
- Gaffney, James, 1993, “Patriotism: Virtue or Vice?” Philosophy and Theology, 8: 129–47. A revised version is reprinted in Igor Primoratz (ed.), 2007, Politics and Morality, Basingstoke: Palgrave Macmillan.
- Gilbert, Margaret, 2009, “Pro Patria: An Essay on Patriotism,” Journal of Ethics, 13: 319–46.
- Gomberg, Paul, 1990, “Patriotism Is Like Racism,” Ethics, 101: 144–50. Reprinted in Primoratz (ed.), 2002.
- Goodin, Robert E., 1988, “What Is So Special about Our Fellow Countrymen?” Ethics, 98: 663–86. Reprinted in Primoratz (ed.), 2002.
- Gordon, Rupert H., 2000, “Modernity, Freedom, and the State: Hegel’s Concept of Patriotism,” Review of Politics, 62: 295–325.
- Habermas, Jürgen, 1992, “Citizenship and National Identity: Some Reflections on the Future of Europe,” Praxis International, 12: 1–19. Reprinted in Habermas, Between Facts and Norms: Contributions to a Discourse Theory of Law and Democracy, William Rehg (trans.), Cambridge, MA: MIT Press, 1998.
- Hulas, Maciej, and Stanislaw Fel (eds.), 2015, Intricacies of Patriotism: Towards a Complexity of Patriotic Allegiance, Frankfurt am Main: Peter Lang.
- Kateb, George, 2000, “Is Patriotism a Mistake?” Social Research, 67: 901–24. Reprinted in Kateb, Patriotism and Other Mistakes, Ithaca: Yale University Press, 2006.
- Kedourie, Elie, 1985, Nationalism, 3rd edition, London: Hutchinson.
- Keller, Simon, 2005, “Patriotism as Bad Faith,” Ethics, 115: 563–92.
- –––, 2007a, The Limits of Loyalty, Cambridge: Cambridge University Press.
- –––, 2007b, “Are Patriotism and Universalism Compatible?” Social Theory and Practice, 32: 609–24.
- –––, 2009, “Making Nonsense of Loyalty to Country,” in Bodewijn de Bruin and Christopher S. Zurn (eds.), New Waves in Political Philosophy, Basingstoke: Palgrave Macmillan, 87–104.
- Khan, Carrie-Ann Biondi, 2003, “The Possibility of Liberal Patriotism,” Public Affairs Quarterly, 17: 265–90.
- Kleingeld, Pauline, 2000, “Kantian Patriotism,” Philosophy & Public Affairs, 29: 313–41.
- –––, 2003, “Kant’s Cosmopolitan Patriotism,” Kant–Studien, 94: 299–316.
- Kleinig, John, Simon Keller, and Igor Primoratz, 2015, The Ethics of Patriotism: A Debate, Oxford: Wiley Blackwell.
- Kodelja, Zdenko, 2011, “Is Education for Patriotism Morally Required, Permitted or Unacceptable?” Studies in Philosophy and Education, 30: 127–40.
- Königs, Peter, 2012, “Patriotism: A Case Study in the Philosophy of Emotions,” Grazer Philosophische Studien, 85: 299–309.
- Machiavelli, Niccolò, 1998 [1518], The Discourses, B. Crick (ed.), L.J. Walker (trans.), Harmondsworth: Penguin Books.
- MacIntyre, Alasdair, 1984, Is Patriotism a Virtue? (The Lindley Lecture), Lawrence: University of Kansas. Reprinted in Primoratz (ed.), 2002.
- Mason, Andrew, 1997, “Special Obligations to Compatriots,” Ethics, 107: 427–47.
- McCabe, David, 1997, “Patriotic Gore, Again,” Southern Journal of Philosophy, 35: 203–23. Reprinted in Primoratz (ed.), 2002.
- Miller, David, 2005, “Reasonable Partiality towards Compatriots,” Ethical Theory and Moral Practice, 8: 63–81.
- Michelman, Frank I., 2001, “Morality, Identity and Constitutional Patriotism,” Ratio Juris, 14: 253–70.
- Müller, Jan-Werner, 2007, Constitutional Patriotism, Princeton: Princeton University Press.
- Moore, Margaret, 2009, “Is Patriotism an Associative Duty?” Journal of Ethics, 13: 383–99.
- Nathanson, Stephen, 1989, “In Defense of ‘Moderate Patriotism’,” Ethics, 99: 535–52. Reprinted in Primoratz (ed.), 2002.
- –––, 1993, Patriotism, Morality, and Peace, Lanham: Rowman & Littlefield.
- –––, 2009, “Patriotism, War, and the Limits of Permissible Partiality,” Journal of Ethics, 13: 401–22.
- –––, 2016, “Immigration, Citizenship, and the Clash Between Partiality and Impartiality,” in Ann Cudd and Win-chiat Lee (eds.), Citizenship and Immigration, New York: Springer, 137–52.
- Nussbaum, Martha, 2012, “Teaching Patriotism: Love and Critical Freedom,” University of Chicago Law Review, 79: 215–51.
- Oldenquist, Andrew, 1982, “Loyalties,” Journal of Philosophy, 79: 173–93. Reprinted in Primoratz (ed.), 2002.
- Orwell, George, 1968, “Notes on Nationalism,” Collected Essays, Journalism and Letters, Sonia Orwell and Ian Angus (eds.), London: Secker & Warburg, vol. 3, 361–80.
- Primoratz, Igor, 2002, “Patriotism: A Deflationary View,” Philosophical Forum, 33: 443–58.
- –––, 2006, “Patriotism: Worldly and Ethical,” in Igor Primoratz and Aleksandar Pavković (eds.), Identity, Self-Determination and Secession, Aldershot: Ashgate Publishing, 91–106.
- –––, 2009, “Patriotism and the Value of Citizenship,” Acta Analytica, 24: 63–67.
- Primoratz, Igor (ed.), 2002, Patriotism, Amherst: Humanity Books.
- Primoratz, Igor, and Aleksandar Pavković (eds.), 2007, Patriotism: Philosophical and Political Perspectives, Aldershot: Ashgate Publishing.
- Schaar, John H., 1981, “The Case for Patriotism,” Legitimacy in the Modern State, New Brunswick: Transaction Books, 285–311. Reprinted in Primoratz (ed.), 2002.
- Scruton, Roger, 1990, “In Defence of the Nation,” The Philosopher on Dover Beach, Manchester: Carcanet, 299–328.
- Shue, Henry, 1988, “Mediating Duties,” Ethics, 98: 687–704.
- Singer, Peter, 2002, One World: The Ethics of Globalization, New Haven: Yale University Press.
- Somerville, John, 1981, “Patriotism and War,” Ethics, 91: 568–78.
- Soutphommasane, Tim, 2012, The Virtuous Citizen: Patriotism in a Multicultural Society, Cambridge: Cambridge University Press.
- Sternberger, Dolf, 1990, Verfassungspatriotismus (Schriften, vol. 10), Frankfurt/M.: Insel Verlag, 11–31.
- Tan, Kok-Chor, 2004, Justice without Borders: Cosmopolitanism, Nationalism and Patriotism, Cambridge: Cambridge University Press.
- Tolstoy, Leo, 1987, “On Patriotism” and “Patriotism, or Peace?” Writings on Civil Disobedience and Nonviolence, Philadelphia: New Society Publishers, 51–123, 137–47.
- Vincent, Andrew, 2009, “Patriotism and Human Rights: An Argument for Unpatriotic Patriotism,” Journal of Ethics, 13: 347–64.
- Viroli, Maurizio, 1995, For Love of Country: An Essay on Patriotism and Nationalism, Oxford: Oxford University Press.
- Weil, Simone, 1952, The Need for Roots, trans. A.F. Wills, London: Routledge & Kegan Paul.
- Wellman, Christopher Heath, 2000, “Relational Facts in Liberal Political Theory: Is there Magic in the Pronoun ‘My’?” Ethics, 110: 537–62.
- –––, 2001, “Friends, Compatriots, and Special Political Obligations,” Political Theory, 29: 217–36.
- Zmora, Hillay, 2004, “Love of Country and Love of Party: Patriotism and Human Nature in Machiavelli,” History of Political Thought, 25: 424–45.
أدوات أكاديمية
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society. |
|
Look up this entry topic at the Indiana Philosophy Ontology Project (InPhO). |
|
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database. |
مصادر أخرى على الإنترنت
[Please contact the author with suggestions.]
مقالات ذات صلة
communitarianism | consequentialism | cosmopolitanism | egoism | impartiality | loyalty | nationalism | obligations: special | political obligation | responsibility: collective
Acknowledgments
Thanks to Simon Keller, Stephen Nathanson, and Thomas Pogge for helpful comments on a draft of this article.
[1] Primoratz, Igor, “Patriotism”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2019 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/ archives/spr2019/entries/patriotism/>.