مجلة حكمة
فلسفة العصور الوسطى

فلسفة العصور الوسطى

الكاتببول فنسيت سبيد
ترجمةناصر الحلواني
تحميلنسخة PDf

مدخل حول المكونات الرئيسية لـ فلسفة العصور الوسطى منذ توافر النصوص اليونانية وفترة آباء الكنيسة إلى منتصف القرن الثاني عشر وظهور الجامعات؛ نص مترجم للـد. بول فينسيت سبيد، والمنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.

 


يُنظر إلى فلسفة العصور الوسطى تقليديا على أنها فلسفة أوروبا الغربية، في الفترة ما بين اضمحلال الثقافة الوثنية الكلاسيكية وبين عصر النهضة. وموضوع بمثل هذا الاتساع لا يمكن تغطيته بالتفصيل في مقال واحد، ولحسن الحظ، ليست هناك حاجة للقيام بذلك، لأن مدخلات أخرى، في هذه الموسوعة، تقدم الفلاسفة والموضوعات الفردية في العصور الوسطى. ستقتصر مقالتي هذه على توضيح بعض الملامح العامة لـ فلسفة العصور الوسطى. على القارئ الرجوع إلى العناصر المدرجة ضمن المدخلات ذات الصلة، المذكورة لاحقا، للحصول على معلومات أكثر تفصيلا حول موضوعات محددة.

 

  1. الحدود الجغرافية و الزمنية لـ فلسفة العصور الوسطى

  2. المكونات الرئيسية لـ فلسفة العصور الوسطى

  3. توافر النصوص اليونانية

  4. من فترة آباء الكنيسة إلى منتصف القرن الثاني عشر

4.1   أوغسطين

 4.2  بوثيوس

4.3   الفترة الكارولنجية

4.4   أنسيلم كانتربري

 4.5  بيتر أبيلارد

4.6  الخصائص العامة لهذه الفترة المبكرة

  1. القرن الثاني عشر وظهور الجامعات

5.1   ترجمات جديدة

 5.2  أشكال تعليم جديدة

  1. القرن الثالث عشر وما بعده

  2. بعض الموضوعات الرئيسية في فلسفة العصور الوسطى

  • قائمة المراجع

  • أدوات أكاديمية

  • مصادر أخرى على الإنترنت

  • مدخلات ذات صلة


 

  1. الحدود الجغرافية و الزمنية لـ فلسفة العصور الوسطى

تشير  عبارة “فلسفة العصور الوسطى” إلى الفلسفة في أوروبا الغربية خلال فترة “القرون الوسطى”، أو ما يسمى بـ “العصور الوسطى”. تم طرح مفهوم “العصر الوسيط” (أو الجمع “العصور الوسطى”)، في القرن الخامس عشر، للدلالة على الفترة ما بين اضمحلال الثقافة الوثنية الكلاسيكية في أوروبا الغربية، وما تم اعتباره إعادة اكتشافها خلال عصر النهضة. أول استخدام موثق معروف للتعبير (مصاغا في تعبير: (“media tempestas” ، يعود إلى عام 1469 (Robinson [1984], p. 748).[1]

كان منشئو فكرة العصور الوسطى يفكرون، في المقام الأول، في ما يسمى بـ “الغرب اللاتيني”، منطقة الكاثوليكية الرومانية تقريبا. وبرغم صحة أن هذه المنطقة، كانت إلى حد ما، وحدة منفصلة ثقافيا عن جيرانها، فمن الصحيح أيضا أن فلسفة العصور الوسطى تأثرت قطعا بأفكار من الشرق اليوناني، ومن التراث الفلسفي اليهودي، ومن الإسلام. إذا اعتبر المرء أن فلسفة العصور الوسطى تشمل حقبة آباء الكنيسة، كما يفضل المؤلف المعاصر اعتبارها كذلك، فلا بد من توسيع المجال لتشمل، على الأقل خلال القرون الأولى، أوروبا الشرقية الناطقة باليونانية، وكذلك شمال إفريقيا، وأجزاء من آسيا الصغرى.

وبالمثل، فإن الحدود الزمنية لـ فلسفة العصور الوسطى غير دقيقة. فالكثير من أعمال التأريخ لـ فلسفة العصور الوسطى (مثل العديد من المناهج الدراسية حول هذا الموضوع) تبدأ بالقديس أوغسطين (354-430)، رغم أن بعضها يشمل مفكرين مسيحيين من القرنين الثاني والثالث (انظر: Marenbon [2007], p. 1]، بينما يتحدث روبرت باسناو ([2010]، ص 1) عن “إجماع حديث حول متى وأين تتحدد بدايات فلسفة العصور الوسطى، والتي تُفهم على أنها مشروع بحث فلسفي مستقل: بدأت في بغداد، في منتصف القرن الثامن، وفي فرنسا، في بلاط شارلمان المتجول، في الربع الأخير من القرن الثامن”. في الطرف الآخر لتلك الفترة، الأمور أقل دقة بدرجة أكبر. يلخص روبنسون ([1984]، ص 749 – 750) الموقف بطريقة مسلية:[2]

لقد أيَّد العلماء كثيرا من المصطلحات المختلفة لعصرنا، ويبدو أن هناك اتفاقا ضئيلا، وأساسا ضئيلا بالفعل، للحجة المنطقية المتعلقة بهذه المسألة. بدأت العصور الوسطى، كما قيل لنا، مع موت ثيودوسيوس عام 395، أو مع استقرار القبائل الجرمانية في الإمبراطورية الرومانية، أو مع نهب روما عام 410، أو مع سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية (الذي يؤرخ له عادة بعام 476)، أو حتى متأخرا، في زمن احتلال المسلمين للبحر الأبيض المتوسط. وتنتهي … عند سقوط القسطنطينية، أو عند اختراع الطباعة، أو حين اكتشاف أمريكا، أو مع بداية الحروب الإيطالية (1494)، أو مع الإصلاح اللوثري (1517)، أو عند انتخاب تشارلز الخامس (1519). تؤكد العديد من المراجع، التي اعتمدتُ عليها، ببساطة، أن العصور الوسطى انتهت عام 1500، ومن المحتمل أن ذلك حدث ليلة رأس السنة. هناك نهاية أخرى، غالبا ما تُعطى للعصور الوسطى، وهي ما يطلق عليها “إحياء التعلم”، تلك الحقبة الرائعة؛ عندما “اكتشف” العلماء الإنسانيون النصوص الكلاسيكية وأعادوها إلى الجنس البشري، بعد ليل قوطي طويل. على متخصصي القرون الوسطى أن يبتسموا قليلا لهذه “الاكتشافات”؛ لأننا نعرف أين اكتشف متخصصو العلوم الإنسانية تلك النصوص الكلاسيكية ـ أعني: في مخطوطات العصور الوسطى، حيث كان كتبة العصور الوسطى يحفظونها بعناية، للبشرية على مر القرون. … على ضوء كل هذا الخلاف، حول فترة العصور الوسطى، ربما ينبغي أن نُرضي أنفسنا بالقول إن تلك الفترة تمتد من نهاية الفترة الكلاسيكية، إلى بداية عصر النهضة. وإذا كان دارسو الفترة الكلاسيكية، وباحثو عصر النهضة لا يعرفون متى بدأت الفترة موضع بحثهم، ومتى تنتهي، إذن، فتلك مشكلتهم.

ويظل مع ذلك، أنه قد يكون مفيدا للغاية، عدم النظر إلى فلسفة العصور الوسطى حسبما عينتها الحدود الزمنية للفترات الفلسفية المتاخمة لها، ولكن على أنها تبدأ حين شرع المفكرون، لأول مرة، في معايرة تصوراتهم الفلسفية بحسب متطلبات العقيدة المسيحية، وأنها تنتهي عندما لم تعد تلك هي الممارسة السائدة.[3] تسمح هذا الوجهة من النظر لـ فلسفة العصور الوسطى، المتأخرة والمبكرة، بالتشابك خلال فترة آباء الكنيسة. وهكذا يكون بركليس (411–85) منتميا إلى الفلسفة القديمة، رغم أنه متأخر عن القديس أوغسطين (354-430). مرة أخرى، تستوعب وجهة النظر هذه حقيقة أن الفلسفة المدرسية المتأخرة استمرت وازدهرت، حتى في عصر النهضة. وهكذا كان فرانسيسكو سواريز (1548-1617)، الذي يمكن اعتباره الفصل الأخير في تاريخ فلسفة العصور الوسطى، معاصرا لـ فرانسيس بيكون (1561-1626). ومع ذلك ففي حوالي عام 1450، على أبعد تقدير، ظهرت بوضوح طرق ثورية جديدة لممارسة الفلسفة.

ربما يشير هذا التفسير الوافر للتراتب الزمني لـ فلسفة العصور الوسطى، إلى أنها استمرت على الأقل منذ عصر المؤلف اليوناني الآبائي جاستين الشهيد Justin Martyr (منتصف القرن الثاني) حتى القرن الخامس عشر  تماما ـ أكثر من نصف تاريخ الفلسفة بأكمله بشكل عام. من الواضح أن هناك الكثير مما يحتاج إلى المناقشة.

 

  1. المكونات الرئيسية لـ فلسفة العصور الوسطى

إليكم وصفة لإنتاج فلسفة عصور وسطى: اخلط فلسفة وثنية كلاسيكية، خاصة اليونانية، ولكن في نسختها الرومانية، مع الديانة المسيحية الجديدة. تُتبَّل الخلطة بمجموعة متنوعة من النكهات التراثية للفكر اليهودي والإسلامي. تُقلَّب وتُترك على نار هادئة لمدة 1300 عام أو أكثر، حتى تنضج.

تنتج هذه الوصفة مشروبا قويا وسريع التبخر. لأن العديد من ملامح المسيحية، في الواقع، لا تتناسب بشكل جيد مع الآراء الفلسفية الكلاسيكية. إن مفهوم التجسد، وعقيدة الثالوث، مثالان واضحان على ذلك. ولكن حتى قبل أن تكتمل صياغة تلك العقائد، كانت هناك عقبات، بحيث كان أمرا مضنيا على المسيحي المثقف، في القرون الأولى، أن يعرف كيف يموضع الآراء الدينية في إطار التراث الفلسفي الوحيد المتاح. لنأخذ مثالا واحدا فقط، تأمل في النظريات الفلسفية الوثنية للروح. للوهلة الأولى، يبدو أن الإرث الأفلاطوني[4] سيكون أكثر جاذبية لمسيحي من القرون الأولى. والحقيقة أنه كان كذلك. في المقام الأول، لأن التقليد الأفلاطوني كان مهتما جدا بالتطور الأخلاقي للروح. مرة أخرى، رأى هذا التقليد أن الهدف الأسمى للإنسان، كنوع من النظر الصوفي، أو الاتحاد مع مثال الخير، أو الواحد، وسيكون من السهل تفسير ذلك على أنه لقاء “وجها لوجه” مع الإله في الحياة الأخرى، التي يصفها القديس بولس في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، إصحاح 12-13. والأهم من ذلك كله، ذهبت الأفلاطونية إلى أنه يمكن للروح أن توجد بمعزل عن الجسد بعد الموت. من الواضح أن هذا سيكون مثيرا لاهتمام المسيحيين، الذين يؤمنون بالحياة الآخرة.

من ناحية أخرى، كان هناك جانب آخر، بالغ الأهمية، للمسيحية؛ لم يكن له أي معنى لأي أفلاطوني، وهو عقيدة قيامة الأموات بعد نهاية العالم. سمحت الأفلاطونية بالتناسخ، لذلك لم تكن هناك، بالنسبة للأفلاطونيين، مشكلة نظرية خاصة حول عودة الروح إلى الجسد. لكن بالنسبة للمسيحي، كانت القيامة من الموت أمرا يتطلع إليه؛ فقد كان شيئا جيدا بالنسبة له. قد يكون ذلك غير مفهوم من وجهة النظر الأفلاطونية، إذ بالنسبة لها “الجسد هو سجن الروح”، وترى أن مهمة الفيلسوف هي “تعلم كيف يموت” ليتحرر من تأثيرات الجسد المشتِتَة والمفسدة. لا، فمن الأفضل بالنسبة للأفلاطوني ألا تكون الروح في الجسد.[5]

لذلك سيجد المسيحي صعوبة في أن يكون أفلاطونيا ملتزما، فيما يتعلق بمسألة الروح. لكن أيضا لا يمكن للمسيحي أن يكون أرسطيا ملتزما. من المعروف أن آراء أرسطو حول خلود الروح غامضة للغاية، وغالبا ما تم تفسير أعماله على أنه ينفيها صراحة. الأمر الأصعب، إذن، هو فهم وجهة النظر القائلة بأن قيامة الموتى، بعد نهاية العالم، أمر يتم توقعه بفرح.[6]

توضح هذه المشكلة نوع الصعوبات التي تنشأ عن “الوصفة” المذكورة أعلاه، لفلسفة قرون وسطى. من الواضح أنه سيكون لدى المثقفين المسيحيين الأوائل، الذين يسعون جاهدين للتوفيق بين دينهم وبين الإرث الفلسفي الوحيد الذي عرفوه، الكثير من العمل للقيام به. يمكن اعتبار مثل هذه التوترات بمثابة “المحركات” التي قادت الكثير من الفلسفة خلال هذه الفترة. وكاستجابة لها، تم تطوير مفاهيم جديدة، ونظريات جديدة، وتميزات جديدة. وبطبيعة الحال، بمجرد تطويرها، بقيت هذه الأدوات، وما تزال متاحة بالفعل، لاستخدامها في سياقات لا علاقة لها بالعقيدة المسيحية. سيجد قراء فلسفة العصور الوسطى، الذين استمروا في دراسة جون لوك، على سبيل المثال، صعوبة في تخيل كيف كان من الممكن كتابة مناقشته الشهيرة حول “الهوية الشخصية”، في مقال حول الفهم الإنساني، إن لم تكن بسبب نجاح تمييز العصور الوسطى بين مفهومي “شخص” و “طبيعة” في التعامل مع عقيدتي التجسد والثالوث.

 

  1. توافر النصوص اليونانية

في حين أن تأثير الفلسفة الوثنية الكلاسيكية كان بالغ الأهمية في تطور فلسفة العصور الوسطى، فقد كان من المهم أيضا، أنه حتى القرنين الثاني عشر والثالث عشر، كانت كل النصوص اليونانية الأصلية تقريبا، في الغرب اللاتيني، قد فُقدت ، لذلك مارست تأثيرها بشكل غير مباشر فقط. و”فُقدت” ليس بمعنى أن النصوص كانت غير متوفرة، ولكن بمعنى أن القليل فقط من الناس من كانوا يستطيعون قراءتها؛ لأنها كُتبت بلغة مختلفة. فمع التفكك التدريجي للإمبراطورية الرومانية الغربية، اختفت المعارف اليونانية. كان بوئثسيوس (480- 526/545) ما يزال يتحدث اليونانية بطلاقة، لكنه أدرك الحاجة إلى الترجمات حتى في عصره. بعده كانت اليونانية، بالفعل، لغة ميتة في الغرب. وإن كانت ما تزال هناك بعض الجيوب الملمة باليونانية، خاصة حول شخصيات مثل إيزيدور الإشبيلي، والقديس بيدا المبجل، تحفظ، وتتناقل أفكار التعلم القديم، ولكن لم يكن لها تأثير يذكر على الفكر الفلسفي في العصور الوسطى.

في حالة أفلاطون، لم يكن يتوفر للعصور الوسطى، ولأغراض عملية خالصة، سوى الجزء الأول من محاورة طيماوس (حتى 53م)، وهو بالكاد حوار أفلاطوني نموذجي، في ترجمة وتعليق كالسيديوس (أو خالكيديوس).[7] تشتمل محاورة طيماوس على علم كونيات أفلاطون، آراؤه حول أصل الكون.

كانت هناك أيضا ترجمات لمحاورتي مينون وفيدون، في القرن الثاني عشر، بواسطة هنري أريستيبوس من كاتانيا[8]، ولكن يبدو أن أحدا لم يقرأها. كما يبدو أن تداولها كان متواضعا، ولم يكن لها من تأثير يذكر، يمكن الحديث عنه.[9]

كانت هناك بعض الترجمات اللاتينية الأخرى، التي تم إنجازها قبل ذلك بكثير، لكنها اختفت عن التداول قبل تقدم العصور الوسطى كثيرا. قام شيشرون نفسه بترجمة محاورة بروتاجوراس، وجزء صغيرا من محاورة طيماوس، وفي القرن الثاني، ترجم أبوليوس محاورة فيدون، لكن هذه الترجمات اختفت بعد القرن السادس، ولم يكن لها تأثير يذكر على أي شخص (Klibansky [1982], pp. 21–22). كما يشير القديس جيروم، في أواخر القرن الرابع، أو أوائل القرن الخامس، في تعليقه على رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية: “كم عدد من يعرفون كتب أفلاطون، أو اسمه؟ بالكاد يتذكره الرجال الكهول الخاملون في الزوايا”  (Migne .1844–64], vol. 26, col. 401B)

استمرت هذه الحالة حتى عصر النهضة، عندما قام مارسيليو فيتشينو (1433-1499) بترجمة الأعمال الكاملة لأفلاطون والتعليق عليها. وهكذا، باستثناء النصف الأول تقريبا من محاورة طيماوس، فإن العصور الوسطى لم تعرف النصوص الفعلية لأفلاطون.

أما بالنسبة لأفلوطين، فقد كانت الأمور أسوأ حالا. لم تكن تاسوعاته (مجموعة كتاباته) متوافرة على الإطلاق. يُقال إن ماريوس فيكتورينوس قد ترجم ، في القرن الرابع، بعضا من التاسوعات إلى اللاتينية، ولكن يبدو أن ترجمته، إذا كانت تمت بالفعل، قد ضاعت بعد ذلك بوقت قصير.[10]

بالنسبة لأرسطو، كانت العصور الوسطى في حال أفضل إلى حد ما. قام ماريوس فيكتورينوس بترجمة “المقولات”، و”العبارة”. وبعد أكثر من قرن بقليل، تمت ترجمة الأعمال المنطقية بشكل عام، باستثناء ربما “التحليلات الثانية“، بواسطة بوثيوس، حوالي عامي 510–512، ولكن ترجماته للمقولات والعبارة لم تدخل حيز التداول العام قبل القرن الثاني عشر. تُرجمت باقي أعمال أرسطو، في النهاية، إلى اللاتينية، ولكن بعد ذلك بفترة كبيرة، في حوالي منتصف القرن الثاني عشر. أولا، تُرجمت بقية الأعمال المنطقية، ثم الطبيعة، ثم الميتافيزيقا، وهلم جرا. وتمت ترجمة جميع الأعمال بحلول منتصف القرن الثالث عشر (Dod [1982]). كان “انتعاش” أرسطو، في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، حدثا بالغ الأهمية في تاريخ فلسفة العصور الوسطى.

ومع ذلك، مع أهمية التأكيد على هذا الغياب للنصوص الأساسية للفلسفة اليونانية، في العصور الوسطى اللاتينية، فمن المهم أيضا إدراك أن القرون الوسطى عرفت الكثير عن الفلسفة اليونانية. وقد حصلوا على معلوماتهم من: (1) بعض المؤلفين اللاتين الآبائيين، مثل ترتليان، وأمبروز، وبوثيوس، الذين كتبوا قبل اختفاء المعارف اليونانية فعليا في الغرب، والذين كثيرا ما ناقشوا المذاهب اليونانية الكلاسيكية بشيء من التفصيل، و(2) بعض المؤلفين الوثنيين اللاتينيين، مثل: شيشرون، وسينيكا، الذين قدموا لنا (وقدموا للقرون الوسطى) قدرا كبيرا من المعلومات حول الفلسفة اليونانية.

خلال الجزء الأول من العصور الوسطى، سيطرت التأثيرات الأفلاطونية، والأفلاطونية المحدثة، على التفكير الفلسفي. “أفلاطون نفسه لا يظهر على الإطلاق، لكن الأفلاطونية موجودة في كل مكان”، كما يقول جيلسون. (جيلسون [1955]، ص 144.[11]) ساد هذا الوضع حتى انتعاش أرسطو في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. ومن ثم، على الرغم من أنه ما يزال يحدث في بعض الأحيان، فمن الخطأ تماما التفكير في فلسفة العصور الوسطى باعتبارها تنحصر في مسألة التعليقات على أرسطو. بالنسبة لمعظم فترات العصور الوسطى، إلى الآن، كان لأرسطو أهمية ثانوية بالتأكيد. هذا بالطبع لا ينفي أنه عندما سيطر أرسطو، كانت سيطرته كبيرة بالفعل، وكان تأثيره هائلا.

 

  1. من فترة آباء الكنيسة إلى منتصف القرن الثاني عشر

“عِلمُ آباء الكنيسة Patrology” أو “patristics” هو دراسة ما يسمى “آباء (patres) الكنيسة”. في هذا المعنى، فإن لفظة “الآباء” لا تعني الكهنة، على الرغم من أن العديد من المؤلفين الآبائيين كانوا كهنة بالطبع. كما أنها لا تعني “الآباء” بمعنى “الآباء المؤسسين”، على الرغم من أن العديد من المؤلفين الآبائيين، كانوا بالمثل، مؤسسين لكل ما جاء بعد ذلك. وإنما تعني “الآباء” بهذا المعنى: “المُعلمين”. انظر، على سبيل المثال، القديس بولس: “لأنه قد يكون لديك آلاف المرشدين في المسيح، إلا أنه ليس لك آباء كثيرون. حقا، في المسيح يسوع صرت أباك من خلال الإنجيل “(الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 15:4 [النسخة الأساسية الجديدة المنقحة]). في الاستخدام المسيحي المبكر، استُعمل مصطلح “الأب” بشكل أساسي للأسقف، الذي كان يتمتع بسلطة تعليمية بارزة داخل الكنيسة. لكن استخدام الكلمة توسع تدريجيا إلى أن أصبحت، بعد ذلك بكثير، تشمل جميع الكتَّاب المسيحيين الأوائل، الذين اعتبروا ممثلين للتراث الأصيل للكنيسة (Quasten [1950–86], I, p. 9). وبشكل عام تعتبر فترة آباء الكنيسة ممتدة من مؤلفي ما بعد الرسولية مباشرة، وتنتهي إما إلى جريجوري العظيم (توفي ٦٠٤) أو إيزيدور الإشبيلي (توفي ٦٣٦) في الغرب اللاتيني، وإلى يوحنا الدمشقي (توفي ٧٤٩) في الشرق اليوناني (Quasten [1950–86]،1،1).

 

4.1   أوغسطين

لا يتمتع جميع المؤلفين الآبائيين، بحال من الأحوال، بالتميز الفلسفي، لكن العديد منهم كذلك بالتأكيد. وإلى الآن، فإن أعظمهم أهمية هو القديس أوغسطين (354-430) (انظر مدخل: القديس أوغسطين). من المؤكد أن أوغسطين هو أهم فلاسفة العصور الوسطى، وأكثرهم تأثيرا، ومن أكثر الفلاسفة تأثيرا في أي وقت:[12]

لقد تبدت سلطته على نطاق أوسع، ولفترة أطول بكثير من سلطة أرسطو، الذي كان دوره ضئيلا نسبيا في العصور الوسطى، إلى فترة متأخرة. بالنسبة لأفلاطون، كان الكثير من تأثيره محسوسا، لفترة طويلة، بشكل رئيسي، من خلال كتابات أوغسطين. ولأكثر من ألف عام، بعد وفاته، كان أوغسطين هو السلطة التي كان لابد من تبنيها. لقد شكل فكر القرون الوسطى كما لم يفعل أحد. علاوة على ذلك، فإن تأثيره لم ينته مع نهاية العصور الوسطى. طوال فترة الإصلاح، كانت المناشدات لسلطة أوغسطين شائعة من كافة الجوانب. وعاشت نظريته في التنوير لدى مالبرانش، وفي “النور الطبيعي” عند ديكارت. ما تزال مقارباته لمشكلة الشر، وإرادة الإنسان الحرة، سائدة على نطاق واسع اليوم. كانت قوته، وما تزال، محسوسة، ليس في مجال الفلسفة فحسب، ولكن أيضا في اللاهوت، والدين الشعبي، والفكر السياسي، على سبيل المثال: في نظرية الحرب العادلة. Spade [1994], pp. 57–58))

ومع ذلك، على الرغم من تفوقه الفلسفي، لم يكن أوغسطين، ولم يفكر في نفسه باعتبار أنه فيلسوف، لا بالتوجه ولا بالاحتراف المهني. من ناحية التوجه كان خطيبا، ومن جهة الاحتراف المهني، فقد كان في البداية خطيبا ومعلما للخطابة، ثم لاحقا أصبح أسقف هيبو (عنابة الحديثة، أو بون بالفرنسية، التي تقع الآن في شمال شرق الجزائر)، حيث كانت اهتماماته رعوية ولاهوتية. نتيجة لذلك، تتضمن بعض كتاباته على ما نظن أنه مناقشات فلسفية بحتة.[13] ما نكتشفه، بدلا من ذلك، في أوغسطين، هو رجل “فيلسوف” بالمعنى الأصلي والاشتقاقي، “عاشق للحكمة”، شخص يبحث عن الحكمة، بأكثر منه شخص يكتب كما لو كان قد وجدها، ويعرضها لنا الآن، في شكل منهجي، وجدلي.

 

4.2   بوثيوس

بعد أوغسطين، كان بوثيوس أول مفكر في السجل الفلسفي (حوالي عام 480-524 / 525) (انظر مدخل: أنيكيوس مانليوس سيويرينوس بوثيوس). لا شك في أن بوثيوس يشتهر اليوم بـكتابه “عزاء الفلسفة”، وهو حوار في خمسة كتب بين بوثيوس و “السيدة فلسفة”، وهي شخصية رمزية، تظهر له في رؤيا، أثناء بقائه في السجن محكوما عليه بالإعدام، بتهمة الخيانة. شغل بوثيوس مكانة عالية في المجتمع والحكومة. وُلِد في عائلة ذات أصول رومانية قديمة راقية، وارتقى إلى موقع قوة وتأثير هائلين، في مملكة القوط الشرقيين، تحت حكم ثيودوريك. على الرغم من أنه كان ناجحا، بشكل واضح، لفترة من الزمن، إلا أنه سقط، في نهاية المطاف، في موقف الازدراء، واتُهم بالتآمر على خيانة الإمبراطور جوستين في القسطنطينية (يدعي بوثيوس أنه بريء)، وتم القبض عليه، وانتهى الأمر بإعدامه.[14] في كتابه “عزاء الفلسفة”، يناقش بوثيوس والسيدة فلسفة مشكلة الشر، وتقلُّب الحظ – وهي قضية ملحة بشكل خاص لبوثيوس، نظرا للظروف التي تمت كتابة العمل فيها.

ولكن على الرغم من أن “عزاء الفلسفة” مشهور حقا، سواء في أيامنا هذه أو في العصور الوسطى، فمن المحتمل أن أهمية بوثيوس، التي استمرت طويلا، تقوم على نشاطه في الترجمة والتعليق. كان بوثيوس  جيد التثقيف، وكان من الأشخاص الذين يندر أشباههم في الغرب، ممن يعرفون اليونانية جيدا، ليس اللغة فقط، بل والثقافة الفكرية. لقد خطر له الهدف النبيل بترجمة أفلاطون وأرسطو إلى اللغة اللاتينية، وكتابة التعليقات على هذه المادة كلها، ثم كتابة عمل آخر لبيان أن أفلاطون وأرسطو قالا، بشكل أساسي، نفس الشيء:

إذا أنعم عليَّ الإله بمزيد قوة، فسيكون هدفي الراسخ: على الرغم من أن هؤلاء الناس كانوا ذي مواهب عظيمة للغاية، وتُرجمت أعمالهم ودراساتهم إلى اللغة اللاتينية، مما نتعامل معها كثيرا الآن، إلا أنها لم تصدر في أي شكل منظم أو في ترتيب يبلغ المستوى المناسب للتخصصات [العلمية]. [ومن ثمَّ، أقترح] أن أنقل كل أعمال أرسطو – [أو] أيا ما توفر [منها] لديَّ ـ إلى الأسلوب اللاتيني، وأن أكتب تعليقات باللغة اللاتينية عليها كلها، وهكذا، فإذا كان هناك شيء من دقة الفن المنطقي كتبه أرسطو، أو من أهمية المعرفة الأخلاقية، ومهارة حقيقة الأمور المادية، سوف أترجمه، بل وأسلط الضوء عليه، بنوع من “نور” التعليق. [ثم،] أقوم بترجمة كل محاورات أفلاطون، أو حتى التعليق [عليها]، سأقوم بوضعهما في صيغة لاتينية. وما أن أنتهي من كل هذا، لن أتوانى عن الجمع بين وجهات نظر أرسطو وأفلاطون معا، في نوع من الانسجام وإظهار أنهما، على غير ما يعتقد معظم الناس، لا يختلفان حول كل شيء، بل يتفقان على معظم الأشياء، خاصة في الفلسفة. (بوثيوس [1880]، ص 79. 9-80.6 [ترجمتي])

لا شك أن هذه الخطة كانت ستثبت أنها صعبة التحقق، حتى لو لم يتم تنفيذ حكم الإعدام في بوثيوس وهو في منتصف الأربعينيات من عمره. بشكل خاص، لأنه بينما يُظهر “عزاء الفلسفة”، بالتأكيد معرفة بمحاورة طيماوس، فلا يبدو أن بوثيوس قد ترجم أيا من أعمال أفلاطون على الإطلاق، على الرغم من نواياه القيام بذلك. ومع ذلك، فقد قام بترجمة كتابي أرسطو “المقولات” و”العبارة“، بالإضافة إلى كتاب فورفوريوس الصوري: “إيساغوجي“، وهو أشبه “بمقدمة” لمقولات أرسطو.[15] يبدو أيضا أنه قد ترجم الأعمال الأخرى في أورجانون أرسطو (ربما باستثناء “التحليلات الثانية“، التي يوجد حولها بعض الشك)، لكن مصير هذه الترجمات غامض، إذ لم يتم تداولها على نطاق واسع إلا بعد ذلك بوقت طويل (Dod [1982], pp. 53–54).

بالإضافة إلى ترجماته، كتب بوثيوس عددا من الأطروحات المنطقية الخاصة به. وهي، قبل كل شيء، تعليق على كتاب “الجدل” لأرسطو، والتي لم تعد موجودة. وسواء قام بترجمة “التحليلات الثانية” أم لا، فربما كان هناك تعليق عليها، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فإنه لم ينجو، ولم يكن له تأثير يُذكر (Ebbesen [1973]). ينطبق الأمر نفسه على تعليق محتمل (غير مكتمل) على “التحليلات الثانية” (Obertello [1974]، I، pp.230–32). الأكثر أهمية مما سبق، كان سلسلة من التعليقات (واحد على “المقولات“، واثنان؛ أحدهما على “البرهان“، والآخر على “إيساغوجي” فورفوريوس، وتعليق على طوبيقا شيشرو) (انظر مدخل: medieval theories of categories)، بالإضافة إلى العديد من الأعمال الأخرى حول القياس المنطقي الحملي والافتراضي، و”الانقسام” المنطقي، وحول الاختلافات بين مقولات أرسطو وشيشرو (Chadwick [1981], Gibson [1981], Obertello [1974). تشكل  كل هذه الكتابات المنطقية معا، سواء الترجمات أو غيرها، ما أصبح لاحقا يسمى “المنطق القديم” (= logica vetus). بعض هذه الأعمال كانت أكثر تأثيرا من غيرها. لكن بنحو أساسي، فإن كل ما بلغته العصور الوسطى  من معارف عن المنطق، حتى منتصف القرن الثاني عشر، كان متضمنا في هذه الكتب. نتيجة لذلك، يعد بوثيوس أحد المصادر الرئيسية لنقل الفلسفة اليونانية القديمة إلى الغرب اللاتيني، خلال النصف الأول من العصور الوسطى.

وأهمية بوثيوس تكمن أيضا في تقديمه “مشكلة الكليات” الشهيرة، بالشكل الذي نوقشت فيه، بشكل أساسي، طوال العصور الوسطى (انظر مدخل: medieval problem of universals).

وأثبت بوثيوس أيضا أنه كان مؤثرا في القرن الثاني عشر وما بعده، بفعل الآراء الميتافيزيقية المتضمنة في سلسلة من الدراسات القصيرة، المعروفة مجتمعة باسم الرسائل اللاهوتية.

 

4.3   الفترة الكارولنجية

بعد بوثيوس، مع تنامي العالم اليوناني الروماني الكلاسيكي إلى درجة كبيرة، مرَّت الفلسفة ـ وإلى حد ما الثقافة بشكل عام ـ بفترة من الركود النسبي، استمرت إلى ما بعد عام 1000 ميلادي. كان هناك نقطة واحدة مضيئة، وقصيرة العمر، في بلاط شارلمان، أواخر القرن الثامن وأوائل القرن التاسع (768-814) وخلفائه، أو ما يُسمى بالفترة “الكارولينجية”. كانت الشخصية الفلسفية الرئيسية في هذه الفترة هي جون سكوتوس الإريوجيني John Scottus Eriugena [16] (ولد حوالي 800 ـ توفي حوالي 877)، وهو راهب ايرلندي، عاش في بلاط تشارلز الأصلع، حوالي عام 850 (انظر مدخل: John Scottus Eriugena). من الغريب أن المعرفة باليونانية لم تكن قد ماتت تماما في إيرلندا، حتى في هذا التاريخ المتأخر، وقد جلب إريوجينا معه معرفة باللغة اليونانية. وفي البلاط الكارولينجي، ترجم إريوجينا العديد من الأعمال اليونانية إلى اللاتينية، بما في ذلك الكتابات المهمة جدا لديونيسيوس الزائف الأرجيوباتي Pseudo-Dionysius the Areopagite (المزيد عنه تجده لاحقا)، وأحد أعمال مكسيموس المعترف (المعروف أيضا باسم ماكسيموس القسطنطيني، حوالي 580-662)، وعملا لجريجوريوس النيصي (توفي عام 385) في خلق الإنسان (De hominis opificio = ). وصنَّف إريوجينا أيضا العديد من الأعمال الأخرى الخاصة به.

من المؤكد أن كتابات ديونيسيوس الزائف، من بين أعماله وترجماته، هي الأكثر أهمية وتأثيرا (انظر مدخل: Dionysius the Areopagite).[17] إن الهوية الحقيقية للرجل الذي نطلق عليه اسم ديونيسيوس الزائف “غير معروفة، لكن، من المرجح، أنه عاش في أواخر القرن الخامس، في مكان ما، في الشرق الأدنى، الناطق باليونانية، وكان متأثرا جدا ببركليس، المنتمي إلى الأفلاطونية المحدثة. أيا من كان، فقد ادعى أنه ديونيسيوس، الذي قيل أنه من زمرة فلاسفة أريوباجوس في أثينا، عندما ذهب إليها القديس بولس للتبشير (أعمال الرسل 17: 19-34). ضحك معظم الجمهور، في تلك المناسبة، على بولس وعقائده غير المألوفة.

لكن بعضهم انضم إليه وأصبح مؤمنا، ومن بينهم ديونيسيوس الأريوباجي، وامرأة تدعى داماريس، وآخرون معهم. (أعمال الرسل 17:34).

اختفى داماريس و “الآخرون” دون أن يتركوا أثرا، لكن كاتبنا المجهول الأخير يتظاهر بأنه ديونيسيوس المذكور في هذا المقطع.

تتكون الكتابات الديونيسية الزائفة من أربع أطروحات، وسلسلة من عشرة رسائل. أهمها من الناحية الفلسفية: أطروحتان عن الأسماء الإلهية، وعن اللاهوت الصوفي. من خلالهما، تعرَّف الغرب اللاتيني على ما يسمى أحيانا “تصوف الظلام”، وهو تقليد تراثي يفسر التجربة الصوفية لكن ليس من منظور “رؤية فكرية” (قارن قصة أفلاطون المجازية عن الكهف، حيث يوصف مثال الخير بأنه الشمس المبهرة)، ولكن من حيث الإرادة لا العقل، والظلمة لا النور. (قارن التعابير الصوفية اللاحقة مثل: “الليلة المظلمة للروح”، و”سحابة الجهل”).

من خلال تلكما الرسالتين أيضا، وبشكل أساسي، حصلت فلسفة العصور الوسطى على وجهة نظر، المألوفة ما زالت، مفادها: أن هناك ثلاث طرق للتحدث عن الله، من خلال محاولة قول ما هو عليه (بواسطة العبارات الإيجابية عنه the via affirmativa)، أو، بدلا من ذلك، بذكر  ما هو ليس عليه) بواسطة العبارات النافية via negativa)، أو بطريقة “مجمعة”؛ تتحدث عن الله بتصريحات إيجابية، ولكن مع الإشارة إلى الامتياز الفائق (بواسطة بيان الرفعة، “الله أكثر من خير، أكثر من حكيم”).

من بين كتابات الأريوجيني الخاصة، فمن المؤكد أن أهم كتابين هما: في تقسيم الطبيعة (=De Divisione naturae أو، تحت عنوان يوناني، Periphyseon) والآخر: في القضاء والقدر (=De praedestinatione). وتأثر العملين شديد بنصوص الأفلاطونية المحدثة، التي كان الإريوجيني يترجمها. تم إدانة كلا العملين، أدين كتابه “عن القدر” بعد وقت قصير من كتابته. أما كتابه عن تقسيم الطبيعة، فهو عمل منظم كبير في أربعة كتب، يقدم رؤية للواقع، في عبارات أفلاطونية محدثة قوية. إن عدم الإلمام بهذا النوع من التفكير في العالم المسيحي الغربي، والذي تأثر بشدة بأوغسطين، ساهم بلا شك في وصمه لاحقا بكونه مهرطقا.

 

4.4   أنسيلم كانتربري

بعد “نهضتهما” القصيرة خلال الفترة الكارولينجية، اضمحل التعليم والثقافة مرة أخرى، لما يقرب من 200 عام أخرى. ثم، بعد فترة وجيزة من مطلع الألفية، بدأت الأمور في استعادة ازدهارها. كانت القبائل الجرمانية “البربرية”، التي أزعجت الإمبراطورية الرومانية المتأخرة، قد استقرت منذ فترة طويلة، وأصبح غزاة الفايكنج اللاحقون، في هذا الوقت، “نورمان” مهذبين. بدأت التجارة في الانتعاش، وأصبح السفر آمنا نسبيا مرة أخرى، على الأقل مقارنة بما كان عليه، ونشأت مدن جديدة، ومعها بدأت ترتيبات اجتماعية جديدة في التبلور. كان التعليم جزءا من هذا الازدهار العام، ومعه كانت الفلسفة. ربما كان عدد فلاسفة القرون الوسطى من الرواد، قبل عام 1000، أقل من خمسة (اعتمادا على مدى سخاء المرء في فهم كلمة “رائد”). ولكن بعد عام 1000، ازدادت أعدادهم أضعافا مضاعفة. لم يعد من الممكن التعامل معهم بشكل فردي حسب الترتيب الزمني، في الواقع، من الصعب تتبعهم جميعا. مع مرور الوقت، تزداد التعقيدات والأرقام.

في الوقت نفسه، تصبح الفلسفة تقنية و”أكاديمية” بشكل متزايد. يمثل أنسيلم من كانتربري (1033-1109) شخصية انتقالية رئيسية (انظر مدخل: Saint Anselm). لم تكن كتاباته مثقلة بالتقنيات والرطانة التي تجعل فلسفة العصور الوسطى، في مرحلتها المتأخرة، عصية على الاستيعاب، من قبل غير المتخصصين. ومع ذلك، فإن كتاباته “جدلية” من الوجهة الفلسفية، بطريقة لم تكن عليها فلسفة العصور الوسطى في مرحلتها الأولى، وهذا مما يجعلها مألوفة بشكل أكبر لقراء اليوم.

لا شك في أن أنسيلم قد اشتهر بكونه منشئ “البرهان الأنطولوجي” الشهير على وجود الله.[18] لكنه كتب الكثير من الأعمال إلى جانب ذلك، في الكثير من الموضوعات الفلسفية واللاهوتية. تذخر كتاباته بالتفكير الدقيق والمتمرس. في الواقع، إنها توضح الدور المتزايد “للديالكتيك” في الفلسفة واللاهوت. على يد أنسيلم، بدأ علم اللاهوت في التطور إلى نظام جدلي، وليس على سبيل الحصر مسألة “دراسات الكتاب المقدس” والروحانية، وبشكل متزايد مسألة الاستكشاف والتقديم المنهجي للعقيدة. ويزداد هذا التطور في النمو، بشكل واضح وقوي، بعد أنسيلم.

 

 4.5  بيتر أبيلارد

مع استهلال أوائل القرن الثاني عشر، كان إحياء التعليم، الذي بدأ بعد الألفية بفترة وجيزة، على أشده. خلال النصف الأول من القرن، كان الفيلسوف الأكثر أهمية على الإطلاق هو بيتر أبيلارد  (1079-1142) (انظر مدخل: Peter Abelard). كان أيضا أحد أكثر الشخصيات حيوية في تاريخ الفلسفة بأكمله. علاقته العاطفية مع إيلواز  Héloise، وما تترتب على ذلك من إخصائه، هي مادة حكاية خرافية، كما عزز جدله مع برنارد دي كليريفو، الأكثر تقليدية بكثير (1090-1153)، سُمعته، بين من رأوه (مع فرط تبسيط)، كبطل للعقل المنتصر على السلطة. وسيرته الذاتية قصة مآسيَّ (= Historia calamitatum) وهي موضوع “جيد للقراءة ” حتى في عصرنا، وهي واحدة من أكثر الوثائق الشخصية قوة في العصور الوسطى.[19]

يمثل أبيلارد كمال الازدهار لـ”فلسفة العصور الوسطى المبكرة”، مباشرة قبل أن تحوّل الترجمات الجديدة، لأعمال أرسطو وآخرين، كل شيء. من المهم أن ندرك أنه، باستثناء أعمال ديونيسيوس الزائف،  التي لا يبدو أن لها دورا مهما في فكر أبيلارد، فإنه لم يصل إلى أي مصدر من مصادر فلسفة أصيلة في العالم القديم، بأكثر مما وصل إليه أي شخص آخر في أوروبا، منذ زمن بوثيوس. ومع ذلك، فإن فلسفته أصيلة بشكل لافت للنظر. آراؤه في المنطق، وما نطلق عليه: فلسفة اللغة، رفيعة المستوى وجديدة. في الواقع، هو منافس حقيقي على لقب أعظم منطقي في فترة القرون الوسطى بأكملها، المبكرة أو المتأخرة. إنه أحد أوائل الإسميين nominalists، ومن المؤكد أنه الأهم من بينهم. أكدت كتاباته عن الأخلاق، بشكل جديد وقوي للغاية، على دور نية العامل، عوضا عن الأفعال الخارجية. كما كتب أيضا عن مواضيع لاهوتية، مثل الثالوث.

تعمل كتابات أبيلارد على تضخيم الميل، الذي سبق مشاهدته لدى أنسيلم، على زيادة استخدام التفكير والحُجج، في علم اللاهوت. ولكن بينما نجح أنسيلم في صرف الانتباه عن الانتقادات الموجهة إلى هذا النهج الجديد في اللاهوت، فإن شخصية أبيلارد، المولعة بالجدل، قد أزعجت أولئك الذين كانوا أكثر ارتياحا للأسلوب القديم. لقد تعرض للاستهجان من جانب الكنسية خلال حياته، وهي واقعة ساهمت بلا شك في قلة الاستشهادات الصريحة عنه في العصور الوسطى المتأخرة. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن تأثيره كان واسعا.

 

4.6   الخصائص العامة لهذه الفترة المبكرة

خلال هذه الفترة المبكرة من العصور الوسطى، نجد العديد من الكتاب، عادة ذوي قناعة “أفلاطونية” كبيرة، يتعاملون مع الموضوعات الفلسفية بنحو غير منهجي، ولكنها بعيدة عن التعامل السطحي، الذي لا يميز الفلسفة عن اللاهوت، أو عن “أدب الحكمة” عموما. وغالبا ما يقومون بتقديم وجهات نظرهم بواسطة الحجج، التي تبلغ حد المناشدة من أجل “رؤية” الكيفية التي تسير بها الأمور (“انظر، ألا ترى؟”).[20] هذه ببساطة ملاحظة عامة، وإن لم تكن كلية، بخصوص هؤلاء المؤلفين، ولا ينبغي اعتبارها قيدا، أو عيبا فلسفيا. في النهاية، تم تقديم بعض من أهم الفلسفات في العالم، بهذه الطريقة “الرؤيوية”. ضع في اعتبارك دور “الحدس” في ظاهراتية القرن العشرين، على سبيل المثال، ناهيك عن قصيدة بارمينيدس (حيث يتم تقديم الفلسفة بواسطة إلاهات) وقسم كبير من فلسفة أفلاطون، بما في ذلك مجاز الكهف.

هناك استثناءات كثيرة في هذا التعميم. فتعليقات بوثيوس المنطقية، على سبيل المثال، فلسفية بحتة، وهي في معظمها جدلية بنحو أصيل، حتى إن ساد معظمها الغموض، ويصعب على القراء المعاصرين فهمها. على الرغم من أن كتاب إيريوجينا في تقسيم الطبيعة “رؤيوي”، إلا أنه منهجي تماما في بنيته. وفي عصر أنسيلم، بدأ دور الجدل المنطقي في النمو. بالتأكيد،، فإن التعميم لا ينطبق إطلاقا على أبيلارد.

ومع ذلك، هناك تغيير كبير على وشك أن يحدث. قبل أبيلارد، لم تكن الفلسفة في العصور الوسطى شأنا أكاديميا صرفا. فقد كانت موجهة، في الغالب، إلى القارئ جيد الثقافة، والمهتم بالمواضيع التي تتم مناقشتها. كتاب بوثيوس “عزاء الفلسفة“، على سبيل المثال، أو تقريبا، أي من كتابات أوغسطين أو أنسيلم، يمكن أن يقرأها، ويفيد منها، أي شخص متعلم. لكن سرعان ما تغير كل هذا. أصبحت الفلسفة مجالا متخصصا بشكل متزايد، يرومه، وموجَّه إلى الذين يعيشون على العمل في المؤسسات التعليمية. تميزت الفلسفة عن اللاهوت بشكل أكثر وضوحا، وصار كلاهما أكثر منهجية، وصرامة، ودقة. صاحب هذه الفضائل تنامي للمصطلحات التقنية، مما جعل فلسفة العصور الوسطى، في مرحلتها المتأخرة، مرعبة وعصية على القراء غير المتخصصين. على نفس المنوال، تضاءل بسبب هذه التقنية المتزايدة، الإحساس العام بالإلحاح الأخلاقي، الذي يجده المرء على سبيل المثال في اعترافات أوغسطين أو عزاء بوثيوس.

كما هو الحال مع التعميم السابق، لا ينبغي اعتبار هذا خطأ فلسفيا للمؤلفين اللاحقين، إنها ببساطة، طريقة مختلفة لممارسة الفلسفة. كما فهم ديفيد هيوم، هناك نمطان للفلسفة، لكل منهما مزاياه الخاصة (مبحث في الفهم البشري، الفقرة 1). ما نراه في المرور من أوائل العصور الوسطى إلى العصور الوسطى المتأخرة، هو انتقال من احدها إلى الآخر.

 

  1. القرن الثاني عشر وظهور الجامعات

    • ترجمات جديدة[21]

كجزء من الإحياء الثقافي الموصوف آنفا، ومن أواخر القرن الحادي عشر وما بعده، كان هناك اهتمام جديد ومتزايد بالحصول على ترجمات لنصوص لم تكن متوفرة سابقا، وإن لم تكن كلها فلسفية بأية حال. لا شك أن هذا الاهتمام الجديد كان مدفوعا، جزئيا، بتعرض أوروبا الغربية للعالمين اليوناني والإسلامي، خلال الحملة الصليبية الأولى (التي بدأت عام 1095). ولكن، لسبب من الأسباب، سرعان ما بدأت الترجمات الجديدة في الظهور من:

  • صقلية، التي كانت في ذلك الوقت بوتقة ينصهر فيها اللاتين، واليونان، واليهود، والمسلمون. فتمت ترجمة إقليدس وبطليموس هناك، بالإضافة إلى أعمال رياضية وطبية أخرى.

  • القسطنطينية. ارتحل بعض العلماء الغربيين إلى القسطنطينية، وأبرزهم: جيمس الفينيسي، في أواخر عشرينيات القرن الحادي عشر تقريبا، وهو مترجم مهم لكتابات أرسطو المنطقية وغيرها. لكن التوترات السياسية بين الغرب والقسطنطينية، في ذلك الوقت، كفلت عدم توسع مثل هذا الاتصال (انظر مدخل Byzantine philosophy).

  • إسبانيا. ظهرت مدرسة بالغة الأهمية للمترجمين في طليطلة، تحت إشراف رئيس الأساقفة ريموند (المتوفي 1151، وإن بقيت المدرسة مستمرة). وشملت، من بين آخرين:

  • جون الإسباني (Johannes Hispanus) الذي ترجم، من بين أعمال أخرى، كتاب المنطق، للفيلسوف المسلم البارز الأهمية ابن سينا (980 ـ 1037)، من اللغة العربية إلى اللاتينية.

  • دومينيك جونديسالينوس (أو Gundisalv، صياغة لفظية قديمة من “Gonzales”، أواخر القرن الثاني عشر). ترجم جونديسالينوس الميتافيزيقيا لابن سينا​​، وجزء من أعماله في الطبيعة، وبعض أعماله الأخرى، بالإضافة إلى كتابات للفلاسفة المسلمين: الفارابي (حوالي 870-950) والغزالي (1058-1111). قام جونديسالينوس بمشاركة جون الإسباني بترجمة كتاب سليمان ابن جابيرول (حوالي 1022 – 1058/1070) نبع الحياة (= Fons vitae). كان ابن جابيرول (باللاتينية، Avicebron، Avencebrol، وما إلى ذلك) مؤلفا يهوديا أيبيريا، الذي ألَّف كتابه “نبع الحياة” باللغة العربية. يقدم وجهة نظر أفلاطونية محدثة ومنهجية للكون. بالإضافة إلى هذه الترجمات، كان جونديسالينوس أيضا مؤلفا لبعض الأعمال الفلسفية الأصيلة الخاصة به.

  • جيرارد كريمونا (توفي 1187). بدأ جيرارد العمل في طليطلة عام 1134. وقام بترجمة “التحليلات الثانية” لأرسطو، جنبا إلى جنب مع تعليقات ثيمستيوس عليها، والطبيعة لأرسطو، و”في السماء“، و”في الكون والفساد“، وأجزاء من كتابه: “الظواهر الجوية“، ورسالة الفيلسوف المسلم الكندي (ت 873) المهم، “في العقل“، وأعماله الأخرى. ترجم جيرارد أيضا كتاب “العلل” المهم جدا (= Liber de reasonis)، المنسوب خطأ إلى أرسطو، على الرغم من أن العمل، في الواقع، يستند إلى أطروحات بعينها، مستمدة من كتاب بركليس: “عناصر اللاهوت“.

عمل المترجمون الإسبان على النصوص العربية. في حالة أرسطو، استخدموا الترجمات العربية عن اليونانية لأرسطو، وأحيانا مع وجود وسيط سرياني سابق بينهما. بعد هذا المسار الملتوي، فمما يثير الدهشة، أن يكون الأوروبيون اللاتين قادرين على فهم أي شيء من هذه الأعمال الأرسطية، التي توفرت لهم حديثا. في النهاية، فقد تُرجمت التعليقات الشاملة والمتعمقة للأندلسي ابن رشد (باللاتينية، Averroes، 1126-1198) عن اللغة العربية أيضا. كانت هذه التعليقات مهمة للغاية في تشكيل فهم القرون الوسطى المتأخر لأرسطو، على الرغم من أن بعض الآراء الواردة فيها أصبحت مثيرة للجدل إلى حد كبير.

بحلول نهاية القرن الثاني عشر، كانت أعمال أرسطو المتاحة اليوم، تقريبا، قد تمت ترجمتها  إلى اللاتينية، وبدأت تداولها بالتدريج، جنبا إلى جنب مع التعليقات، والنصوص الأخرى المترجمة حديثا. بحلول منتصف القرن الثالث عشر، كانت معروفة على نطاق واسع. كانت أول ما انتشر وتم تداوله هي الكتابات المنطقية المتبقية لأورجانون أرسطو، غير تلك التي كانت معروفة بالفعل على نطاق واسع من ترجمات بوثيوس، قبل حوالي ستمائة عام. تلك الكتابات المنطقية الجديدة، المتميزة عن “المنطق القديم” (Logica vetus =) التي قام بها بوثيوس، أصبحت تُعرف مجتمعة باسم “المنطق الجديد” (Logica nova =) بعدهم، أصبحت المؤلفات عن الطبيعة، والميتافيزيقا، وغيرها من الكتابات الأرسطية معروفة تدريجيا.

كان هذا الضخ المفاجئ نسبيا، للكثير من المواد الجديدة وغير المألوفة في أوروبا الغربية، بمثابة صدمة مذهلة، تشبه صدمة ثورية. لم يعد من الممكن للفلاسفة واللاهوتيين أن يعتبروا مهمتهم على أنها، ببساطة، تنحصر في تعميق وتطوير الآراء التقليدية، التي نشأت بشكل رئيسي عن آباء الكنيسة، والسلطات المعروفة والمعتمدة الأخرى. لقد أصبح الأمر الآن متعلقا بالتعامل مع إطار عمل غير مألوف تماما، بأفكار جديدة، مصحوبة ببراهين قوية عليها، كان من الواضح أن بعض هذه الأفكار غير مقبولة بالنسبة للمسيحي ـ على سبيل المثال: إنكار أرسطو لأي شيئ يمثّل عناية إلهية، وآرائه حول خلود العالم (انظر مدخل: William of Auvergne).

 

  • أشكال تعليم جديدة

كجزء من النهضة التي بدأت مع مطلع الألفية، بدأت أشكال جديدة من التعليم في الظهور، في أوروبا الغربية. بشكل عام، يمكننا تمييز أربعة أنواع رئيسية من النظم التعليمية في العصور الوسطى: [22]

  • مدارس رهبانية. وهي مدارس ارتبطت بانتظام بالأديرة، منذ القرن السادس. تم كتابة الكثير من أهم أعمال أنسيلم، على سبيل المثال، بما في ذلك Proslogion، الذي يحتوي على “حجته الأنطولوجية”، في مدرسة بيك الرهبانية، في نورماندي. ويصف أبيلارد في كتابه “قصة مآسيَّ“، على الأقل وفقا لرواية أبيلارد، كيف طُرد معلمه ويليام شامبو (حوالي 1070-1121) من باريس، بسبب مهارات أبيلارد الجدلية الفائقة، وتقاعده في دير القديس فيكتور، حيث “أسس” (أو على الأقل أعاد تنظيم) ما أصبح يعرف باسم مدرسة القديس فيكتور. كانت تلك واحدة أخرى من المدارس الرهبانية. وقد أصبح أساتذة هذه المدرسة معروفين جيدا، في حد ذاتهم، في أواخر القرن الثاني عشر. وكانوا يُعرفون معا باسم “الفيكتوريين”. من أهمهم:

  • هيو سانت فيكتور (حوالي 1096-1141)، مؤلف كتاب ديداسكاليكون Didascalicon حول مختلف الفنون الحرة. كان هيو لاهوتيا أيضا، ومنظرا للتصوف.

  • ريتشارد سانت فيكتور (1123-1173)، الذي خلف هيو كرئيس للمدرسة. مثل هيو، كان ريتشارد مُنظِّرا للتصوف. كما كتب أطروحة مهمة عن عقيدة الثالوث، أول بديل جاد لنهج أوغسطين في عقيدة الأخير حول الثالوث. على عكس هيو، كان ريتشارد أكثر استعدادا، بنحو إيجابي، للاستخدام الجديد للجدل، أو المنطق، في علم اللاهوت. يقال إنه كتب أطروحة خاصة به عن المنطق، ولكن لا يبدو أنها بقيت.

  • “معلمون” فرديون. ابتداء من منتصف القرن الحادي عشر، كان العلماء الأفراد ينشئون، في بعض الأحيان، “مدرسة” خاصة بهم، ويجمعون الطلاب حولهم. كانت هذه المدارس، في بعض الأحيان، متجولة، وتعتمد كليا على جاذبية “المعلم” الذي يقوم بالتدريس. ربما يكون أقرب نظير لهذا النظام هو مدارس “فنون القتال” الحديثة، التي يجدها المرء غالبا في المدن المعاصرة. اضمحل هذا النظام بعد حوالي عام 1150. تولى أبيلارد “مدرسة” كهذه، في مولن في أوائل القرن الحادي عشر، ويبدو أنه قد التحق في وقت سابق بـ “مدرسة” مماثلة، يديرها روسيلين (حوالي 1045 – 1120)، وهو شخصية مثيرة للجدل، ينتمي للمذهب الإسمي، فُقدت معظم كتاباته، و اتهمه أنسيلم، في الواقع، بقوله بآلهة ثلاثة في عقيدة الثالوث.

  • مدارس الكاتدرائية. كانت هذه مدارس مرتبطة بالكنيسة الرسمية للأسقف، ولعبت دورا مشابها لدور المدارس الرهبانية في الأديرة: فقد دربت رجال الدين الشباب، وآخرين أيضا، في بعض الأحيان. قبل أن يغادر ويليام شامبو باريس، بسبب الانتقادات التي وجهها أبيلارد إلى آرائه، كان يقوم بالتدريس في مدرسة الكاتدرائية في باريس (انظر مدخل: William of Champeaux). ربما كانت المدرسة المسماة “مدرسة شارتر” أيضا مدرسة كاتدرائيّة.[23] كان العلماء هناك مهتمين بشكل خاص بمحاورة طيماوس لأفلاطون، التي كانت متداولة في ترجمة كالسيديوس (انظر أعلاه)، وبالآثار الميتافيزيقية لرسائل بوثيوس اللاهوتية. من بين الشخصيات المهمة المرتبطة بمدرسة شارتر: برنارد شارتر (توفي حوالي عام 1130)، وتييري (= ثيودوريك) من شارتر (توفي عام 1150)، وجيلبرت من بواتييه (=Gilbert de la Porrée, Gilbertus Porreta, c. 1085–1154)، ويعد كتاب Metalogicon  لجون من ساليسبري (حوالي 1115- 1180) مصدرا لا يقدر بثمن للمعلومات حول كل هؤلاء، والعديد من المفكرين الآخرين، في النصف الأول من القرن الثاني عشر(جون من ساليسبري [1955]، راجع (John of Salisbury [24] ازدهرت مدارس الكاتدرائية حوالي 1050- 1150.

  • الجامعات. يمكن القول إن البرلمان و “الجامعة” هما أكبر مؤسستين في العصور الوسطى بقيتا على حالهما، بشكل أو بآخر، حتى يومنا هذا. (يمكن اعتبار الكنيسة ثالثهما الواضح، اعتمادا على وجهات نظر المرء حول الإصلاح، والإصلاح المضاد). في كثير من الأحيان، نشأت الجامعات عن مدارس الكاتدرائية. وهكذا، تطورت مدرسة الكاتدرائية في باريس، في أوائل القرن الثالث عشر، إلى جامعة باريس. جذبت إحدى مدارس الكاتدرائية المهمة الطلاب من جميع أنحاء أوروبا. أصبحت هذه المدرسة معروفة باسم مدرسة التعليم العام studium generale. تمكنت بعض هذه المدارس العامة من البقاء، وأصبحت تُعرف باسم “الجامعات”. في البداية، أشار مصطلح “universitas” ببساطة إلى “كلية” أو “عالمية” العلماء، من أعضاء هيئة التدريس والطلاب، الملتحقين بالمدرسة. ومع الاستخدام التدريجي للمصطلح، أصبحت “الجامعة” واحدة من هذه المدارس الدولية الكبرى، التي تميزت عن غيرها بامتلاكها امتيازا رسميا (ممنوحا من قبل سلطة ملكية أو كنسية)، ومجموعة من التشريعات، وشكل من أشكال الحكم الذاتي.

كانت جامعة باريس هي الجامعة الأولى في أوروبا، في القرن الثالث عشر. تمت الموافقة على قانونها الأساسي رسميا من قبل المندوب البابوي روبرت دي كورسون في عام 1215. وعادة ما يتم تحديد زمن التأسيس الرسمي للجامعة في هذا التاريخ، برغم أنه من الواضح أن القوانين الأساسية كانت قائمة قبل ذلك. يعود تاريخ جامعتي أكسفورد وكامبريدج، أيضا، إلى أوائل القرن الثالث عشر، على الرغم من أن فترة ذروة نشاطهما، في العصور الوسطى، كانت في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر. تأسست جامعة تولوز عام 1229، بموجب المرسوم البابوي. وتأسست جامعة سالامانكا بموجب المرسوم الملكي، عام 1200. كانت هناك أيضا جامعات في إيطاليا، والواقع أن بولونيا كانت أول جامعة في أوروبا تتميز بكونها جامعة يديرها الطلاب.

تم تقسيم الجامعات إلى “كليات”. كانت الكليات الأربعة الأكثر شيوعا هي: الآداب، والقانون، والطب، واللاهوت. كانت معظم الجامعات تضم كليات للفنون، بالإضافة إلى كلية واحدة أو أكثر، من الكليات الأخرى. كانت كلية الآداب مخصصة للتدريب الأساسي للطلاب، قبل أن ينتقلوا إلى إحدى الكليات “العليا”. في الواقع، كانت كلية الآداب معادلة لبرنامج البكالوريوس الحديث. أما بالنسبة للكليات “العليا”، فقد كانت بولونيا في الأساس جامعة لدراسة القانون. اشتهرت بعض الجامعات الأخرى بالطب. كانت جامعة باريس تضم الكليات الأربع، وإن كانت كلية اللاهوت تعتبر الأعلى من بينهم.

في جامعات العصور الوسطى، كانت الفلسفة توضع أولا، وقبل كل شيء، في كليات الآداب. عندما ظهرت أعمال أرسطو، المترجمة حديثا، لأول مرة في جامعة باريس، على سبيل المثال، كان ذلك في كلية الآداب. كان من الواضح أن أعمال أرسطو لم تكن قانونا أو طب. (قد يتوسع بعضها فيدخل في باب الطب، لكن تلك لم تكن ذات التأثير الأول). كما لم تكن لاهوتا، بالمعنى التقليدي لـ “العقيدة المقدسة”، على الرغم من أن بعض كتابات أرسطو كانت لها آثار مهمة على اللاهوت. كان يُعتقد أن بعض هذه الآثار تشكل خطورة على العقيدة المسيحية، وكانت كذلك بالفعل. في عام 1210، قرر مجمع سينودس الإقليمي، في باريس، منع “قراءة” كتاب “علم اللاهوت الطبيعي” لأرسطو، في كلية الآداب في باريس. “القراءة”، في هذا السياق، تعني “إلقاء محاضرة حوله”. ولا يعني أن الطلاب والأساتذة لا يستطيعون دراسة هذه الأعمال ومناقشتها في لقاءات خاصة. في عام 1215، عندما وافق روبرت دي كورسون على قوانين النظام الأساسي لجامعة باريس، كان أحد تلك القوانين يمنع أساتذة كليات الآدب من إلقاء محاضرات حول الميتافيزيقيا والعلوم الطبيعية الأرسطيين. في عام 1231، أمر البابا جريجوري التاسع بعدم التعامل مع الأعمال التي تم حظرها عام 1210، حتى يتم فحصها من قبل لجنة لاهوتية، لحذف أية أخطاء. في عام 1245، وسَّع البابا إنوسنت الرابع المحظورات، في عامي 1210 و 1215، إلى جامعة تولوز. وعلى الرغم من هذا الحظر، فإن دراسة ومناقشة أعمال أرسطو لم تتوقف. بحلول خمسينيات القرن الثالث عشر، كان الناس يحاضرون علنا في كل ما لديهم من أعمال أرسطو.

لماذا صدرت هذه المحظورات؟ من ناحية، لأنها كانت بعيدة عن الاهتمام الحقيقي بنقاء الإيمان. كان يُعتقد، وبحق، أن الأرسطية مشكوك فيها لاهوتيا. إلى جانب ذلك، كان الأكاديميون الأوروبيون بالكاد يتعرفون على معظم أعمال أرسطو، وفي هذه المرحلة المبكرة من تعرفهم بها، لم يكونوا متأكدين تماما مما تعنيه، وما الذي تتضمنه. لم يكن نهج “التقدم ببطء” مسار عمل غير معقول على الإطلاق لتبنِّيه. من ناحية أخرى، لا يمكن إنكار أن بعض الأسس التي قام عليها الحظر، كانت فقط من أجل مقاومة الأفكار الجديدة.

 

  1. القرن الثالث عشر وما بعده

بطبيعتها، جمعت الجامعات بين أساتذة وطلاب من جميع أنحاء أوروبا، وقاربت بينهم بشكل كبير. من غير المستغرب أن يؤدي ذلك إلى “ازدهار” في الدراسة الأكاديمية، ومن بين ذلك في مجال الفلسفة. وبحلول القرن الثاني عشر، وبالتأكيد في أوائل القرن الثالث عشر، أصبح مما لا طائل معه محاولة القيام بأي شيء كسرد متسلسل لتاريخ فلسفة العصور الوسطى. بدلا من ذلك، سيذكر الجزء المتبقي من هذه المقالة عددا قليلا فقط من الشخصيات الرئيسية، ويصف بعض الموضوعات الرئيسية التي تم بحثها طوال فترة العصور الوسطى. من أجل صورة أكثر اكتمالا، يجب على القراء الرجوع إلى أي من كتب التاريخ العامة، في قائمة المراجع أدناه، وللحصول على تفاصيل حول المؤلفين والموضوعات الفردية، فليراجع المدخلات ذات الصلة في هذه الموسوعة، المدرجة أدناه.

غالبا ما تتعامل كتب تاريخ فلسفة العصور الوسطى مع توماس الأكويني (1224 / 25– 1274)، وجون دونز سكوت (حوالي 1265- 1308)، وويليام الأوكامي (1287– 1347) باعتبارهم الشخصيات “الثلاثة الكبار” في فترة العصور الوسطى المتأخرة، أضاف البعض بونافنتورا (1221-1274) باعتباره رابعهم. على الرغم من وجود مبرر كافٍ لإيلاء اهتمام خاص بهؤلاء المؤلفين، إلا أنه سيكون مضللا اعتقاد المرء إمكانية الحصول على صورة شاملة وصحيحة منهم وحدهم. ومع ذلك، فإن القائمة إرشادية، وتوضح العديد من الأشياء.

بادئ ذي بدء، لم يكن أحد هؤلاء المؤلفين الثلاثة، أو الأربعة، فرنسيا. كان الأكويني وبونافنتورا إيطاليين، وكان سكوت – كما يوحي اسمه – اسكتلنديا، وكان أوكام إنجليزيا. قضى الجميع، ما عدا أوكام، على الأقل جزءا من حياتهم المهنية في جامعة باريس. يبين ذلك تفوق جامعة باريس، في القرن الثالث عشر، والتدويل المتزايد للتعليم في العصور الوسطى المتأخرة، بشكل عام. لكنه يوضح، في الوقت ذاته، حقيقة غريبة أخرى: الغياب النسبي للفرنسيين، كلاعبين رئيسيين في المشهد الفلسفي، خلال تلك الفترة، حتى في الجامعة الأولى في فرنسا. من المؤكد أن هناك استثناءات ملحوظة لهذه الملاحظة، التي قد تكون مثيرة للجدل (انظر على سبيل المثال المدخلات الخاصة بـ ,Peter Auriol و ,John Buridan و ,Godfrey of Fontaines و Nicholas of ,Autrecourt  و ,Peter John   Olivi و ,Philip the Chancellor و William of Auvergne)، ولكن مع استثناء بوريدان Buridan، القابل للنقاش، فمن المؤكد أن لا أحد منهم يرقى إلى منزلة الأربعة المذكورين أعلاه.

حقيقة أن بوريدان لم يتم الاعتراف به، عموما، في نفس مرتبة “العظماء” الأربعة، على الرغم من أنه بالتأكيد منافس لا يُستهان به، يشير إلى سمة مهمة في تأريخ القرن العشرين لـ فلسفة العصور الوسطى المتأخرة. كان بوريدان يتصف بما يُعرف بـ “المعلم العلماني”. أي أنه، برغم كونه كاهنا، إلا أنه لم يكن ينتمي إلى أي من “المراتب” الدينية.[25] ومع استهلال القرن الثالث عشر، تم تأسيس عدة نظم دينية جديدة، لا سيما الفرنسيسكان (1209)، والدومينيكان (1216)، وكلاهما أصبح بارزا جدا، في جامعات العصور الوسطى المتأخرة. انتمى الأكويني إلى الدومينيكان، في حين كان بونافنتورا وسكوتوس وأوكام فرنسيسكانا.

تميل النظم الدينية إلى الاحتفاظ بسجلات جيدة، بما في ذلك كتابات أعضائها، وبذلك، فعادة ما يتوفر لدى مؤرخي فلسفة العصور الوسطى مواد أكثر عن المؤلفين المنتمين إلى مختلف النظم الدينية، أكثر مما لديهم عن الشخصيات “العلمانية”، مثل بوريدان. إلى جانب ذلك، عند تساوي الأشياء الأخرى، تفضل النظم الدينية، بنحو مفهوم، أن “تناصر أتباعها”، في الأمور الأكاديمية كما في الأمور الأخرى، وعندما يأتي النصير الأكاديمي مبكرا نسبيا في تاريخ نظامه، يمكن اعتبار أنه يمثل “موقفا” أصيلا لذلك النظام، وبالتالي، يؤثر في آراء أعضاء النظام اللاحقين.[26] وبهذه الطريقة، سرعان ما أصبح الأكويني الفيلسوف واللاهوتي شبه “الرسمي” للدومينيكان، وهو الوضع الذي تم تعزيزه عام 1879، في الرسالة العامة للبابا ليو الثالث عشر، عن الأب الأبدي Aeterni Patris، والتي وصفت توماس الأكويني بأنه: “رئيس وأستاذ جميع الحكماء السكولائيين”، وحثت على إعطاء الأفضلية للعقيدة التوماوية، في المدارس الكاثوليكية (انظر مدخل: Saint Thomas Aquinas). نتيجة لذلك، تمتع الأكويني بسلطة هائلة في أواخر القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، ربما بأكثر مما كان يتمتع به في العصور الوسطى. إلى حد ما، تم اعتبار بونافنتورا، أيضا، أنه يمثل وجهات النظر الفرنسيسكانية النموذجية (انظر مدخل: Saint Bonaventure)، ولاحقا حظي سكوت باحترام كبير، وغالبا ما يكون مفضلا بين الفرنسيسكان (انظر مدخل: John Duns Scotus). أما أوكام، فهو حالة خاصة. كان شخصية مثيرة للجدل، ويرجع ذلك أساسا إلى الخلافات السياسية مع البابا، والتي تورط فيها في نهاية حياته (انظر مدخل: William of Ockham). ومع ذلك، باعتباره واحدا منهم، كان الفرنسيسكان دائما ما يهتمون به وبكتاباته.

ومحصلة ذلك كله؛ أن معظم فلاسفة القرون الوسطى المتأخرين، مثل بوريدان، ممن لا ينتمون إلى نظام ديني، قد عانوا، غالبا، من الإهمال في الكتابات التاريخية لـ فلسفة العصور الوسطى، على الأقل، حتى وقت قريب. عانى معلم علماني آخر من الإهمال، هو هنري أوف جينت Henry of Ghent ، وهو شخصية مهمة للغاية من أواخر القرن الثالث عشر، والذي تبين أهميته لفهم الكثير عن دونس سكوت، أما وجهات نظره فلم يُهتم بدراستها بنحو جاد إلا في العقود القليلة الماضية (انظر مدخل: Henry of Ghent).

في هذا الصدد، فحتى العديد من فلاسفة القرون الوسطى المهمين والمؤثرين، ممن ينتمون إلى النظم الدينية، ما زالوا مجهولين فعليا، أو على الأقل، لم تتم دراستهم، للأسف، اليوم، على الرغم من جهود أجيال من الباحثين. فإن أعمالهم لم تُطبع مطلقا، ولا توجد إلا في مخطوطات مكتوبة بخط اليد، في نظام كتابة اختزالي شيطاني وغامض، يتطلب تدريبا خاصا لفك شفرتها. ربما يمكننا القول إنه ما من فترة أخرى، في تاريخ الفلسفة الأوروبية، ما تزال لديها هذا القدر من العمل الأساسي، الذي يجب القيام به.

 

  1. بعض الموضوعات الرئيسية في فلسفة العصور الوسطى

تضمنت فلسفة العصور الوسطى جميع المجالات الرئيسية، التي نراها كجزء من الفلسفة اليوم. ومع ذلك، تبرز بعض الموضوعات، لما تستحقه من ذكر بشكل خاص. بادئ ذي بدء، ليس من باب المبالغة القول إن فلسفة العصور الوسطى اخترعت فلسفة الدين. لتكن موقنا، فقد تحدث الفلاسفة الوثنيين القدماء، أحيانا، عن طبيعة الآلهة. لكن مجمل المشكلات التقليدية، في فلسفة الدين، قد اتخذت ـ لأول مرة في العصور الوسطى ـ الأشكال التي ما زلنا نناقشها كثيرا حتى اليوم:

  • مشكلة توافق الصفات الإلهية.

  • مشكلة الشر. تفكرت الفلسفة القديمة في مسألة الشر، لكن الشكل الملحف بشكل بارز، الذي تتخذه المشكلة في المسيحية، ومقتضاه أن الله، الذي يحيط علمه بكل شيء، والكلي القدرة، والخيِّر، الذي خلق، بحرية، كل ما هو دونه، ظهر لأول مرة في العصور الوسطى.

  • مشكلة توافق المعرفة الإلهية المسبقة مع الإرادة الحرة للبشر. مال العديد من مؤلفي العصور الوسطى إلى الإرادة الحرة للإنسان، في استجاباتهم لمشكلة الشر، لذلك كان من المهم، بشكل خاص، إيجاد طريقة للتوفيق بين إرادتنا الحرة والمعرفة الإلهية المسبقة (انظر مدخل: medieval theories of future contingents).

بالنسبة للمنطق، لاحظ المؤرخ العظيم للمنطق جوزيف ماريا بوتشنسكي I. M. Bocheński  ([1961]، الصفحات 10-18) أن العصور الوسطى المتأخرة كانت – جنبا إلى جنب مع الفترة القديمة من 350- 200 قبل الميلاد تقريبا، والفترة الحديثة من جورج بول و جيوسيبي بيانو – إحدى الفترات الثلاث الكبرى الأصيلة في تاريخ المنطق. على الرغم من أننا علمنا الكثير عن تاريخ المنطق، منذ أن كتب بوتشنسكي، وعلى الرغم من إمكانية العثور على شخصيات فردية بارزة في المنطق، تقع خارج أي من فتراته الثلاث العظيمة، إلا أن ملاحظته تظل صحيحة إلى حد كبير. منذ عصر أبيلارد، وحتى منتصف القرن الرابع عشر، على الأقل، إن لم يكن ما يليه، تم، بنحو مميز، تطوير وصقل مساهمات القرون الوسطى، الخاصة بالمنطق، إلى درجة عالية جدا. لم يعد الأمر يتعلق بتفسير أرسطو، أو التعليق على الأعمال الخاصة “بالمنطق القديم”، أو “المنطق الجديد”، حيث انبثقت أنواع جديدة تماما من الكتابة المنطقية، وتم تطوير مفاهيم منطقية ودلالية جديدة تماما.

للمزيد عن التطورات المنطقية في العصور الوسطى، راجع المدخلات:  المفارقات غير القابلة للحل Insolubles، الأشكال الأدبية لفلسفة العصور الوسطى literary forms of medieval philosophy ، نظريات المقولات في العصور الوسطى medieval theories of categories، السيميائية في العصور الوسطى medieval semiotics، نظريات التشبيه في العصور الوسطى medieval theories of analogy، نظريات البرهنة في العصور الوسطى medieval theories of demonstration، نظريات الشرطية في العصور الوسطىmedieval theories of modality، نظريات العصور الوسطى في الالتزامات medieval theories of Obligationes، نظريات العصور الوسطى: خصائص المصطلحات medieval theories: properties of terms، نظريات العصور الوسطى للمصطلحات الفردية medieval theories of singular terms، نظريات القياس المنطقي في العصور الوسطى medieval theories of the syllogism، والسوفيسماتا Sophismata.

للحصول على معلومات حول بعض المساهمين في منطق القرون الوسطى، راجع مدخلات:  ألبرت ساكسوني Albert of Saxony، أنيسيوس مانليوس سيفرينوس بوثيوس Anicius Manlius Severinus Boethius، جون بوريدان John Buridan، جون ويكليف John Wyclif، يوهانس شارب Johannes Sharpe، بول الفينيسي Paul of Venice، بيتر أبيلارد Peter Abelard، بيتر الإسباني Peter of Spain، ريتشارد كيلفينجتون Richard Kilvington، ريتشارد صاحب الألغاز المنطقية Richard the Sophister، روجر بيكون Roger Bacon، توماس من إرفورت Thomas of Erfurt، والتر بورلي Walter Burley، وليم هيتسبري William Heytesbury، وويليام الأوكامي William of Ockham.

في مجال الميتافيزيقيا، تمتعت العصور الوسطى بسمعة طيبة عن جدارة؛ لتميزها الفلسفي. كانت مشكلة الكليات، على سبيل المثال، واحدة من الموضوعات التي تمت مناقشتها في هذا الوقت، بدرجة عالية من الدقة والصرامة، سيكون من الصعب العثور على ما يماثلها من قبل أو بعد ذلك. لكنها لم تكن، بأي حال من الأحوال، المسألة الوحيدة من هذا القبيل.

للاطلاع على بعض الموضوعات الرئيسية في الميتافيزيقا، التي شحذ فلاسفة القرون الوسطى ذكاءهم بحثا فيها، راجع المدخلات: الثنائيات الأكثر شهرة binarium famosissimum، والوجود Existence، و علم علاقات الأجزاء في العصور الوسطى medieval mereology، ومشكلة الكليات في القرون الوسطى the medieval problem of universals ، ونظريات السببية في العصور الوسطى medieval theories of causality، ونظريات القرون الوسطى في فرادة الشيء medieval theories of haecceity، ونظريات القرون الوسطى في العلاقات medieval theories of relations.

بالنسبة لبعض المساهمين المهمين في مجال الميتافيزيقيا، في العصور الوسطى، راجع المدخلات: جون بوريدان John Buridan، جون دونز سكوت John Duns Scotus، جون ويكليف John Wyclif، القديس أوغسطين، سانت توماس الأكويني Saint Thomas Aquinas، وويليام الأوكامي William of Ockham.

في الفلسفة الطبيعية وفلسفة العلم، كانت فلسفة العصور الوسطى، بلا شك، متأثرة بشكل كبير – ولكن ليس حصريا – بأرسطو. انظر، على سبيل المثال، مدخلات: نظريات السببية في العصور الوسطى medieval theories of causality، و القديس توما الأكويني Saint Thomas Aquinas. بداية من القرن الرابع عشر ،على وجه الخصوص، سيكون من شأن الاستخدام المتزايد للتفكير الرياضي في الفلسفة الطبيعية، أن يمهد الطريق، في النهاية، لظهور العلم الحديث في وقت لاحق. من الشخصيات المهمة المساهمة في هذا التطور: ويليام هيتسبري William Heytesbury، وويليام الأوكامي. من بين المساهمين المهمين الآخرين في الفلسفة الطبيعية، في العصور الوسطى، ألبرت ساكسونيا Albert of Saxony، وديتريش أوف فرايبرغ Dietrich of Freiberg، وجون بوريدان John Buridan، ونيكولاس أوف أوتريكورت  Nicholas of Autrecourt، ونيكول أوريسم Nicole Oresme، وروبرت جروسيتيست Robert Grosseteste، وويليام كراثورن William Crathorn.

لم تكن نظرية المعرفة في العصور الوسطى، مع بعض الاستثناءات الجديرة بالملاحظة، قلقة بشأن مشكلة الشك، وما إذا كانت لدينا معرفة حقيقية (انظر مدخل: الشكية في العصور الوسطى medieval skepticism). كان الميل هو أنه أمر مفروغ منه أنها لدينا، وبدلا من ذلك، نسأل عن كيف يحدث ذلك: ما هي آليات الإدراك، وتشكيل المفهوم، وما إلى ذلك، وبالتالي، فإن نظرية المعرفة في العصور الوسطى، عادة ما تتداخل مع ما نسميه، في الوقت الحاضر، علم النفس الفلسفي، أو فلسفة العقل، وبعد استعادة أطروحة أرسطو في الروح On the Soul، تم اعتبارها فرعا من فروع فلسفة الطبيعة.

للاطلاع على بعض الموضوعات المهمة، التي نوقشت في مجال نظرية المعرفة في القرون الوسطى، راجع مدخلات: التنوير الإلهي divine illumination، ونظريات البرهنة في العصور الوسطى theories of demonstration، والتمثيل العقلي في فلسفة العصور الوسطى mental representation in medieval philosophy.

بالنسبة لبعض مؤلفي العصور الوسطى المهمين في هذا المجال، راجع المدخلات: جون بوريدانJohn Buridan  وجون دونز سكوت John Duns Scotus  ونيكولاس أوف أوتريكورت Nicholas of Autrecourt والقديس أوغسطين Saint Augustine والقديس توماس Saint Thomas وولتر شاتون Walter Chatton وويليام الأوكامي  William of Ockham.

للحصول على تفاصيل حول بعض التطورات المهمة في أخلاقيات القرون الوسطى، راجع مدخلات: نظريات القرون الوسطى للضمير medieval theories of conscience، ونظريات القرون الوسطى للعقل العملي medieval theories of practical reason، وتراث القانون الطبيعي في الأخلاق the natural law tradition in ethics.

بالنسبة لبعض المساهمين الرئيسيين في أخلاقيات العصور الوسطى، راجع مدخلات: جون دونس سكوت، وبيتر أبيلارد، وبيتر من إسبانيا، والقديس أنسيلم، والقديس أوغسطين، والقديس توماس الأكويني، وويليام الأوكامي، في مكان آخر من هذه الموسوعة.

للاطلاع على بعض الشخصيات المهمة في النظرية السياسية في العصور الوسطى، راجع مدخلات: دانتي أليجيري Dante Alighieri، وجون ويكليف John Wyclif، والفلسفة السياسية لجون ويكليف وويليام الأوكامي.

يجب اعتبار قوائم الموضوعات والشخصيات المهمة، المذكورة أعلاه، على أنها تمثيلية فقط، وليست تفصيلية شاملة.

 


قائمة المراجع

تتضمن هذه الببليوغرافيا العناصر المذكورة في متن المقال فقط، بالإضافة إلى الموارد العامة ذات الصلة بدراسة فلسفة العصور الوسطى. يمكن العثور على ببليوغرافيات أكثر تخصصا ذات صلة بمواضيع وشخصيات معينة في مقالات أخرى في هذه الموسوعة. انظر قائمة المدخلات ذات الصلة أدناه.

التاريخ العام لـ فلسفة العصور الوسطى

  • Dronke, Peter (ed.), 1988, A History of Twelfth-Century Western Philosophy, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Gersh, Stephen, 1986, Middle Platonism and Neoplatonism: The Latin Tradition, 2 volumes (Publications in Medieval Studies: Volume 23), Notre Dame, Ind.: University of Notre Dame Press.
  • Gilson, Étienne, 1955, History of Christian Philosophy in the Middle Ages, New York: Random House.
  • Gracia, Jorge J. E. and Timothy Noone, 2003, A Companion to Philosophy in the Middle Ages(Blackwell Companions to Philosophy), Oxford: Blackwell Publications.
  • Inglis, John (ed.), 2002, Medieval Philosophy and the Classical Tradition: In Islam, Judaism, and Christianity, London-New York: Routledge.
  • Koterski, Joseph W., S.J., 2009, An Introduction to Medieval Philosophy: Basic Concepts, Chichester: Wiley-Blackwell.
  • Kretzmann, Norman, et al. (eds.), 1982, The Cambridge History of Later Medieval Philosophy: From the Rediscovery of Aristotle to the Disintegration of Scholasticism, 1100–1600, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Luscombe, D. E., 1997, Medieval Thought(History of Western Philosophy: Volume 2), Oxford: Oxford University Press.
  • MacDonald, Scott, and Kretzmann, Norman, 1998, “Medieval Philosophy,” Routledge Encyclopedia of Philosophy(Volume 6), London: Routledge, pp. 269–77.
  • Marenbon, John, 2007, Medieval Philosophy: An Historical and Philosophical Introduction, London: Routledge.
  • McGrade, A. S. (ed.), 2003, The Cambridge Companion to Medieval Philosophy, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Pasnau, Robert, and Christina van Dyke (eds.), 2010, The Cambridge History of Medieval Philosophy, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Quasten, Johannes, 1950–86, Patrology(4 volumes), Volumes 1–3, Utrecht: Speculum, and Westminster, Md.: The Newman Press, 1950–60; Volume 4, Westminster, Md.: Christian Classics. 1986.
  • Spade, Paul Vincent, 1994, “Medieval Philosophy,” in Anthony Kenny (ed.), The Oxford Illustrated History of Philosophy, Oxford: Oxford University Press, Chapter 2, pp. 55–105.
  • مختارات مفيدة
  • Baird, Forrest E., and Kaufmann, Walter, 2007, Medieval Philosophy, 5th edition, Philosophic Classics (Volume 2), Upper Skaddle River, N. J.: Prentice-Hall.
  • Bosley, Richard N., and Tweedale, Martin, 2006, Basic Issues in Medieval Philosophy: Selected Readings Presenting the Interactive Discourses among the Major Figures, 2nd edition, Peterborough, Ont.: Broadview Press.
  • Hyman, Arthur, Walsh, James J., and Williams, Thomas (eds.), 2010, Philosophy in the Middle Ages: The Christian, Islamic and Jewish Traditions, 3rd edition, Indianapolis: Hackett Publishing Company; 1st edition, 1978; 2nd edition, 1983.
  • Kretzmann, Norman, and Stump, Eleonore (eds. and trans.), 1988, The Cambridge Translations of Medieval Philosophical Texts(Volume 1: Logic and the Philosophy of Language), Cambridge: Cambridge University Press.
  • Klima, Gyula (ed. & trans.), with Allhof, Fritz and Vaidya, Anand Jaiprakash, 2007, Medieval Philosophy: Essential Readings with Commentary, Oxford: Blackwell Publishers.
  • McGrade, Arthur Stephen, Kilcullen, John, and Kempshall, Matthew (eds. & trans.), 2001, The Cambridge Translations of Medieval Philosophical Texts(Volume 2: Ethics and Political Philosophy), Cambridge: Cambridge University Press.
  • Pasnau, Robert (ed. & trans.), 2002, The Cambridge Translations of Medieval Philosophical Texts(Volume 3: Mind and Knowledge), Cambridge: Cambridge University Press.
  • Schoedinger, Andrew B. (ed.), 1996, Readings in Medieval Philosophy, New York: Oxford University Press.

مصادر أخرى تم الاقتباس منها في هذا المقال

Augustine, Confessions, James J. O’Donnell (ed.), 3 volumes, Oxford: Clarendon Press, 1992; Volume 1 = Latin text, Volumes 2–3 = commentary.

Bocheński, I. M., 1961, A History of Formal Logic. Ivo Thomas, trans., Notre Dame, Ind.: University of Notre Dame Press; a translation of the author’s Formale Logik [1955], Freiburg/München: Verlag Karl Alber.

Boethius, Anicii Manlii Severini Boethii Commentarii in librum Περὶ ‘ερμηνίpars posterior secundam editionem et indices continens, Carolus Meiser (ed.), Leipzig: B. G. Teubner, 1880.

Chadwick, Henry, 1981, Boethius: The Consolations of Music, Logic, Theology and Philosophy, Oxford: Clarendon Press.

(Pseudo-) Dionysius the Areopagite, Pseudo-Dionysius: The Complete Works, Colm Luibheid, trans., The Classics of Western Spirituality, New York: Paulist Press, 1987.

Dod, Bernard G., 1982, “Aristoteles latinus,” in Kretzmann, et al. [1982], Chapter 2, pp. 45–79.

Gibson, Margaret (ed.), 1981, Boethius: His Life, Thought and Influence, Oxford: Basil Blackwell.

John of Salisbury, The Metalogicon of John of Salisbury: A Twelfth-Century Defense of the Verbal and Logical Arts of the Trivium, D. D. McGarry, trans., Berkeley, Cal.: University of California Press, 1955.

Justin Martyr, Dialogue with Trypho, a Jew, Chapters 1–9 (= Prologue), Paul Vincent Spade, trans. [Available in PDF].

Klibansky, Raymond, 1982, The Continuity of the Platonic Tradition during the Middle Ages, together with Plato’s Parmenides in the Middle Ages and the Renaissance, London: Kraus International Publications. (The Continuity of the Platonic Tradition during the Middle Ages: Outlines of a Corpus Platonicum medii aevi was originally published, London: The Warburg Institute, 1939, and is reprinted in the 1982 volume with a new preface and four supplementary chapters. “Plato’s Parmenides in the Middle Ages and the Renaissance: A Chapter in the History of Platonic Studies” was originally published in Mediaeval and Renaissance Studies 1.2 (1943), pp. 281–330, and is reprinted with a new introductory preface.)

Migne, Jacques-Paul (ed.), 1844–64, Patrologiae cursus completus … series latina, 221 volumes, Paris: J.-P. Migne. (Commonly cited as “PL.”)

Obertello, Luca, 1974, Severino Boezio, 2 volumes, Collana di Monografie, I. Genoa: Accademica ligure di scienze e lettere.

Robinson, Fred. C., 1984, “Medieval: The Middle Ages,” Speculum, 59: 745–56. (Presidential address to the annual meeting of the Medieval Academy of America, 1984.)

Ebbesen, Sten, 1973, “Manlius Boethius on Aristotle’s Analytica Posteriora,” Cahiers de l’institut du moyen-âge grec et latin (University of Copenhagen), 9: 68–73.

 

أدوات أكاديمية

 

How to cite this entry.

 

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

 

Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).

 

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

  • Center for the History and Philosophy of Science. Originally founded as the Center for Medieval and Renaissance Natural Philosophy, a research center that studies “the entire history of natural philosophy from its Aristotelian roots up to its modern transformations into the various specialized natural sciences” but particularly emphasizes the medieval and early modern periods.
  • The Electronic Grosseteste, formerly at www.grosseteste.com. Contains viewable and downloable HTML files of Grosseteste’s Latin works now in the public domain. There are plans to include bibliographical aids and a searchable database of XML copyrighted texts (including some of Grosseteste’s Aristotelian commentaries).
  • Franciscan Authors, 13th–18th Century: A Catalogue in Progress. An alphabetical collection of information on Franciscan authors—biographies, manuscripts, editions, links, etc., with links to many other resources.
  • Mediaeval Logic and Philosophy. Downloadable texts, links to other sites.
  • The Peter Auriol Homepage. Information about Auriol’s life, recent research, editorial and translation projects, etc.
  • The Richard Rufus of Cornwall Project. Life, works, and thought of Richard Rufus, who may be identical with Richard the Sophister.
  • Scholasticon. A site dedicated to the study of Late Scholasticism, both Catholic and Protestant (16th–17th centuries). Includes a growing database of authors with biographical descriptions, a book review section, an e-mail directory and links to useful institutions. The working language of the site is French, but it is open to contributions in any language.
  • Society for Medieval Logic and Metaphysics. A useful site for links to texts and works in progress, together with a list of recent publications.
  • Society for Medieval and Renaissance Philosophy. The largest professional society in North America devoted to medieval philosophy.
  • Thomas Instituut te Utrecht. A site (in English) with many resources for the study of Thomas Aquinas.
  • Electronic Resources for Medieval Philosophy, hosted by Société Internationale pour l’Etude de la Philosophie Médiévale.

مدخلات ذات صلة

Abelard [Abailard], Peter | Albert the Great [= Albertus magnus] | Alyngton, Robert | analogy: medieval theories of | Anselm, Saint [Anselm of Bec, Anselm of Canterbury] | Aquinas, Saint Thomas | Augustine, Saint | Auriol [Aureol, Aureoli], Peter | Bacon, Roger | binarium famosissimum [= most famous pair] | Boethius, Anicius Manlius Severinus | Bonaventure, Saint | Buridan, John [Jean] | Burley [Burleigh], Walter | causation: medieval theories of | Christian theology, philosophy and | condemnation of 1277 | conscience: medieval theories of | Cusanus, Nicolaus [Nicolas of Cusa] | Damian, Peter | Dante Alighieri | demonstration: medieval theories of | divine: illumination | Duns Scotus, John | Eriugena, John Scottus | Francis of Marchia | free will: divine foreknowledge and | future contingents: medieval theories of | Gersonides | Giles of Rome | Godfrey of Fontaines | Gregory of Rimini | haecceity: medieval theories of | Heytesbury, William | Holkot [Holcot], Robert | insolubles [= insolubilia] | John of Salisbury | Kilvington, Richard | Maimonides | Marsilius of Inghen | medieval philosophy: literary forms of | mental representation: in medieval philosophy | modality: medieval theories of | Nicholas of Autrecourt [de Altricuria, Autricuria, Ultricuria, Autricort] | obligationes, medieval theories of | Ockham [Occam], William | Olivi, Peter John | ontological arguments | Paul of Venice | Penbygull, William | Peter of Spain [= Petrus Hispanus] | Philip the Chancellor | practical reason: medieval theories of | Pseudo-Dionysius the Areopagite | relations: medieval theories of | Richard the Sophister [Ricardus Sophista, Magister abstractionum] | semiotics: medieval | Sharpe, Johannes | Simon of Faversham | singular terms: medieval theories of | sophismata [= sophisms] | syllogism: medieval theories of | terms, properties of: medieval theories of | Thomas of Erfurt | universals: the medieval problem of | William of Champeaux | Wyclif, John

شكر وتقدير

يود المحرر الرئيسي أن يشكر محرري الموضوع، جيولا كليما، وجاك زوبكو، وتوماس ويليامز، على تحديث هذا المدخل من قبل بول فينسينت سبيد. التغييرات التي تم إجراؤها على التحديث المنشور في مارس 2016 ساهم بها توماس ويليامز.


[1] Spade, Paul Vincent, “Medieval Philosophy”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2018 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/ sum2018/entries/medieval-philosophy/>.