مجلة حكمة
جاك لاكان lacan

جاك لاكان

الكاتبأدريان جونستون
ترجمةسليمان السلطان
تحميلنسخة PDF

لمحة تاريخية حول الفيلسوف والمحلل النفسي جاك لاكان ومفاهيمه الأساسية؛ نص مترجم للـد. أدريان جونستون، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التعديل منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


من هو جاك لاكان؟

احتل جاك ماري إميل لاكان (ولد عام 13 نيسان (آبريل) 1901 وتوفي في عام 9 أيلول (سبتمبر) 1981) مكانة بارزة في فضاء الفكر بمدينة باريس معظمَ القرن العشرين. يشار إليه أحيانًا باسم “فرويد الفرنسي”، ويعد كذلك شخصية مهمة في تاريخ التحليل النفسي. سلطت تعاليمه وكتاباته الضوء على أهمية “اللاوعي” الذي اكتشفه فرويد في التحليل النفسي بشقيه النظري أو التطبيقي، وأهمية اكتشافه كذلك على جملة من التخصصات الكثيرة الأخرى. أعمال لاكان في هذا الصدد لا تقدر بثمن، سيما بالنسبة لأولئك المهتمين بالأبعاد الفلسفية للفكر الفرويدي، وعلى مدار ما يناهز الخمسين عامًا وأفكاره في التحليل النفسي تعد مركزية، خاصةً لدى الأوساط المهتمة بالفلسفة القارية (الأوربية).


1. لمحة تاريخية عن جاك لاكان

     حين رُخص لـ جاك لاكان بمزاولة الطب النفسي، أخذت باكورة كتاباته تظهر أواخر العشرينات من القرن العشرين (حين دراسته الطبَّ النفسي) غير أن نشاط لاكان الفعلي في النشر أنطلق في عقد الثلاثينات حيث شهدت عدة معالم بارزة في حياة لاكان: نشره أطروحةَ الدكتوراه في الطب النفسي عام 1932 بعنوان (ذهان جنون العظمة وعلاقته بالشخصية)، وتعاونه مع الحركات الفنية السريالية والدادائية وصحبته لها في حلها وترحالها، وخوض تجربة التدريب في التحليل.

ويشمل ذلك تلقي الارشاد من أستاذه عالم النفس رودولف لوينشتاين، وحضوره الندوة الشهيرة لقراءة ألكسندر كوجيف أطروحةَ هيجل عن ظاهريات الروح، والعرض الأول للنظرية المشهورة حاليًا المسماة “مرحلة المرأة” الذي قدمه في مؤتمر الرابطة الدولية للتحليل النفسي مؤتمر IPA)  ) المقام في مارينباد عام 1936 (وذلك مع تقديم مختصر قدمه إرنست جونز، صديق فرويد وكاتب سيرته، ورئيس جمعية الرابطة الدولية للتحليل النفسي آنذاك)؛ ونشر مقالة قيمة في الموسوعة الفرنسية عام 1938 حول موضوعات شتى بعنوان (العائلة المعقدة الأواصر، في تشكل الفرد: محاولة في تحليل الوظيفة بعلم النفس). 

وقد تميزت هذه الفترة الحرجة من تطور جاك لاكان ، بما مر بها من تضارب بالمصالح والتأثير الذي طرأ على فكره، وذلك لأنه انكب يقرأ في التحليل النفسي والطب النفسي والفلسفة والفن والأدب، وغير ذلك من مجالات أخرى.  وبتحديد أدق، قد تأتت له جملة من المعارف المتداخلة اثناء فترة اطلاعه على التحليل الفرويدي، بالإضافة إلى الديالكتيك الهيجلي، وبيداجوجيا كوجيف، وقد أطلع على تجارب مختلفة عن “الجنون” من مناظير متعددة؛ الأمر الذي ترك أثرا لا يمحى على بقية مساره الفكري.

     لم يكن من الغرابة أن يحول اندلاع الحرب العالمية الثانية بين جاك لاكان والاستمرار بجهوده العلمية (وبالطبع ينطبق ذلك على حركة التاريخ عموما) لما تحدثه الحروب من اضطرابات وقلاقل، فتوقفت أنشطته في التحليل النفسي، وانقطع عن تدريبه فيها (فلم يتوصل إلى اتفاق مع لوينشتاين على ما إذا كان هذا التحليل قد أنجز بإتقان كما ينبغي، إذ قرر لاكان أن ينهي الأمر، ولم يعد لأريكة لوينشتاين مرة أخرى الأمر الذي أثار اللغط [عن أسباب ذلك]). لكن أتاح ذلك للاكان الفرصة في أن يتعرف على الطب النفسي العسكري في كل من فرنسا وإنجلترا، خاصة عندما زار إنجلترا ومكث بها خمسة أسابيع، وقد تعرف بها على التحليل النفسي البريطاني (سُردت ملامح هذه الزيارة في “الطب النفسي البريطاني والحرب”  1947).

وقد كتب جملة من النصوص المهمة أثناء الحرب وبعدها، وأعيد طباعة كتاباته في نهاية المطاف في كراريس، هي: “ماغنوس أوبس، الكتابات” (1966) و”الزمن المنطقي وتأكيد اليقين المتوقع: صوفية جديدة” (1945) و”عرض عن السببية النفسية” (1946)، “العدوانية في التحليل النفسي” (1948)، و”مرحلة المرآة كتشكل لوظيفة الأنا كما تتجلى في تجربة التحليل النفسي” (قُدمت عام 1949 في مؤتمر الرابطة الدولية للتحليل النفسي IPA) ) في زيوريخ – بينما فقدت نسخة 1936 المقامة في مارينباد Marienbad، وهذا الإصدار هو النسخة الباقية التي اعتمدت في كتابه المعنون “الكتابات”).

     كان العقد اللاحق [الأربعينات] محوريًا في مسار جاك لاكان العلمي، فقد أحتفي به محللا نفسيا جديرا بالاعتبار، واستطاع أن يشق طريقه كصاحب أطروحة مهمة وأصيلة. ونشط في هذه الحقبة، إذ عقد سبع حلقات دراسية سنوية، وكتب عدة مقالات نالت شهرة واسعة النطاق، وقد ضُمت لاحقًا في كتاب بلغ عدد صفحاته التسعمائة (كان عددٌ عصارةَ ما ورد في الندوات السنوية التي أقامها).  في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات، بدأ لاكان يقارب أطروحة فرديناند دي سوسير في البنيوية وميراثه الذي حمل لواءه كتّابٌ كبار بحجم كلود ليفي شتراوس، ورومان جاكبسون. ساهم كتاب ليفي شتراوس “البنية الأولية للقرابة” عام 1949 في إطلاق الحركة البنيوية الفرنسية التي ازدهرت خلال الخمسينات والستينات، وقد نافست الوجودية على الصدارة في فرنسا آنذاك. 

لقد أسس “ليفي شتراوس” علم الإناسة على أساس بنيوي، وفعل ذات الأمر رولان بارت في الدراسات الأدبية الثقافية، ولوي ألتوسير في الماركسية. وفي نهاية الخمسينات، [تحديدا] بين عامي 1959و1960، حدث تحول جذري في فكر لاكان، فقد نحى منحًى بنيويا كما في الأطروحات الأخرى التي ذكرتُها آنفا، إذ قد أسس التحليل النفسي الفرويدي على أساس بنيوي، وكان قد أسسه تحت شعار “العودة إلى فرويد”، وفق معتقد لاكان الشهير الذي يؤكد على أن “اللاوعي مصاغ بنيويا كاللغة”.

قدم لاكان نفسه أنه المنافح الوحيد عن التقاليد الفرويدية عما يحدق بها من أخطار تهدد بزوالها؛ فقد زعم أن تقاليد فرويد قد هجرت وحرفت في حقبة ما بعد التحليل الفرويدي، خاصة لدى “علم نفس الأنا” الانجلو-أمريكي، كما عزز ذلك “الترويكا”[1] هم: هاينز هارتمان، وإرنست كريس، لوينشتاين الذي كان معلماً للاكان بالتحليل النفسي سابقا. 

ظل جاك لاكان يصر على أن استرداد أهمية اللغة الجوهري بحسب ما قدمها دو سوسير في خدمة التحليل سواء السريري أو الميتا-سيكولوجي هو السبيل الصحيح للسير قدما بنهج فرويد الثوري نحو الذاتية السيكولوجية، وأعلن عن كل هذا بالتفصيل في بيانه التأسيسي المطوّل الذي نشر في كتابه “كتابات” 1953 بمسمى: “وظيفة ومجال الكلام واللغة في التحليل النفسي” (يشار إليها غالبًا باسم “خطاب روما” نسبةً إلى مكان إلقائه).

تزامن هذا البيان مع اشتراكه مع آخرين في مغادرة الجمعية الباريسية للتحليل النفسي (SPP)، وتأسيس الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي (SFP) ، مرد ذلك أساسا كان لتبني الجمعية الباريسية للتحليل النفسي (SPP) نموذجَ تدريب طبيّا يقارب النموذج العلمي السائد في المعاهد الناطقة باللغة الإنجليزية، الأمر الذي عجّل بمغادرة بعض الأعضاء، وتأسيس الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي ((SFP.

     وكذلك في عام 1953 أقام جاك لاكان أيضاً أول ندوة سنوية له عن “أوراق فرويد في التكنيك”  (1953-1954)، واستمر لاكان في تقديم “السينمار” Le Séminaire لمدة سبعة وعشرين عامًا، ولم يتوقف عن ذلك إلا قبيل وفاته.

تأثير لاكان يأتى بدرجة أولى -كما كان الحال مع كوجيف- بتعاليمه الشفوية، فقد ألقيت “سيمنارات” العقد الأول (عام 1953 – 1963 ) في “مستشفى سانت آن”، كان معظم روادها من المختصين في التحليل النفسي، وقد نقل، (وذلك لأسباب سأشرحها بعد قليل) عام 1964، مكانَ إقامة “السيمنار” أولاً إلى “المدرسة العليا للحكم الذاتي” من عام 1964 إلى عام 1969، ثم إلى كلية الحقوق على الجانب الآخر من البانثيون، وذلك من عام 1969 إلى عام 1980، ومن عام 1964 وصاعدًا، زاد عدد جمهور لاكان زيادة ملحوظة كما وكيفا في خلفيات المرتادين لها، إذ انضم فنانون وأكاديميون من مختلف التخصصات مع المختصين في الطب العيادي (الإكلينيكي). أ

صبح “السيمنار” منتدى يلتقي به نخب المؤسسة الفكرية الباريسية، لقد أضحت بؤرة تستقطب ألمع النجوم في الثقافية الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية. ومن مرتاديها آنذاك فلاسفة مثل جان هيبوليت وميشيل فوكو وجيل ديلوز ولوسي إيريجاري وجوليا كريستيفا، كان لاكان في ندواته يخوض ببراعة بالعديد من الرؤى النظرية، ويتنقل من وحدة لأخرى بسلاسة، واضعاً التحليل النفسي في حوار مع تاريخ الفلسفة، والظاهراتية، والوجودية، والبنيوية، وما بعد البنيوية، والنسوية، وكما أشير آنفا، كان يتعاطى تقريبا مع كل  التخصصات المعرفية التي تدرس في أروقة الجامعة، وقد انخرط جميع الفلاسفة الفرنسيين الكبار من الجيل الذي جاء في الستينات والسبعينات في التحليل الفرويدي بصورة أو بأخرى، طارحين رؤى متنوعة تنوعا شاسعا، تأثراً بتعاليم لاكان.

     اتسمت فترة الستينات من تاريخ نشاط جاك لاكان الفكري بوفرة الإنتاج والصخب بنفس القدر؛ في ندوته السابعة المُعنّونة “أخلاقيات التحليل النفسي” (1959-1960)، اتخذ لاكان منعطفا مصيريا حدد بشدة مسار فكره لاحقا، فقد استهل ندوته هذه بالحديث عن الطرق التي تمتاز بها اللغة، كما قد أفصح عن ذلك في أطروحته عام 1950 المسماة “العودة إلى فرويد”، وما تلا ذلك من أعوام، أخذ يؤكد بلا كلل على الدور الجوهري للنظام الرمزي Symbolic، أي بروز مكانة الدوال بالمعنى الذي قدمه دو سوسير، لكن بنسختها المُعدّلة بمجال التحليل النفسي، وذلك بشرح الطرق التي تعمل هذه الدوال في بُنى وديناميات الذاتية اللاواعية والمتكلمة (في الثلاثينات والأربعينيات، أصبح الجانب الظاهري – البصري في النظام الخيالي في مقدمة الاهتمام، وذلك بفضل التركيز على نظرية مرحلة المرآة). 

في نهاية الخمسينات، برز النظام الواقعي Real في تفكير لاكان، (سوف أشرح ذلك في قسم نظرية النظم الثلاثة لاحقًا، انظر 2.1 أدناه) –وأصبحت الأشياء والظواهر أكثر مركزية من أي وقت مضى في أطروحة لاكان، سواء تلك التي تتملص من النظام الرمزي الذي يتمثل فيما هو اجتماعي لغوي أو الآليات المثبطة أو المحبطة، وانسحاب ذلك على “الآخرية”  Otherness والدوافع drives والتلذذ jouissance، والموضوع الصغير objet petit a، وذلك من بين مفاهيم أخرى قد سبق أن قدمها (انظر 2.3 ، 2.4.2 ، 2.4.3 أدناه).  ويمكن اعتبار هذه الندوة الدراسية التي عقدت في الفترة بين عام 1959 إلى عام 1960 عملا طلائعيا ممهدا لما طرحه لاحقا في أعمال حقبة “ما بعد البنيوية”.

     عصفت رياحٌ بتاريخ جاك لاكان المهني والشخصي في عام 1963، خلفت تغيرات عدة؛ فبعد عشر سنوات (1953-1963) من تأسيس الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي (SFP)، التي كان تأسيسها بسبب انشقاقات عن الجمعية البارسية للتحليل النفسي، فحصت الرابطة العالمية للتحليل النفسي IPA) ) الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي فحصا مطولا، حين تقدمت بطلب للحصول على رخصة للتدريب، ومن دون الخوض في التفاصيل، انتهى الأمر بأن أصدرت الرابطة العالمية للتحليل النفسي للجمعية إنذارًا نهائيًا، مفاده أنه لا يمكن قبول ذلك إلا إذا استبعد لاكان من قائمة المحللين، إذ كانت جلسات التحليل النفسي التي يجريها لاكان متغيرة زمانيا بين جلسة وأخرى، ولا تخضع لقواعد الجلسات الثابتة الوقت التي تفرضها الرابطة العالمية للتحليل النفسي كشرط من قوانينها الصارمة، وهذا هو السبب الرئيسي وراء حجب الاعتراف به، وقبلت الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي هذا الشرط، وعلى أساس ذلك، جرّد لاكان من عضويته بها. 

في أعقاب ما تعرض له من طعنة غائرة في ظهره كما وصفها جاك لاكان، تخلى عن خططه الأصلية في ندوة 1963-1964 حول “أسماء الأب” (قدمت فقط الجلسة الافتتاحية في 20 نوفمبر 1963)، ونقل موقع تدريسه من مستشفى “سانت آن” إلى “المدرسة العليا الأهلية” ecole normale superieure ، وأقام ندوته الحادية عشرة التي ذاع صيتها بكل جدارة عام 1964، وكان عنوانها هو “المفاهيم الأساسية الأربعة للتحليل النفسي” (حددها بأنها اللاوعي، والتكرار، والانتقال، والدافع). أستهل لاكان الجلسة الافتتاحية لهذه الحلقة الدراسية بالحديث عن “حرمانه”Excommunication  من الجمعية الباريسية للتحليل النفسي SFP، بإيعاز من الرابطة العالمية للتحليل النفسي IPA) )، وشبه ذلك بما حدث لباروخ سبينوزا عندما طردته الجالية اليهودية بوصفه زنديقًا. 

وعلى الرغم من هذه الضربة الموجعة، إلا أنها مدته بالعزيمة في أن يقدم طرحا أقرب إلى نفسه، وذلك بابتكار جملة من الأفكار والمصطلحات التي أصبحت علامة فارقة على طرحه الخاص، في مقابل الجهاز المفاهيمي واللغوي الأقرب إلى الفرويدية الذي طرحه في  “السيمنار”  le Séminaire في العقد الأول (1953-1963)، ورغم أنها لم تكن بدعة من البدع قياسًا بما طرحه في  أعماله السابقة إلا أن طرحه بدأ يتميز عن النزعة الفرويدية التي كان يقدمها في منتصف الستينيات. على أثر رفض الرابطة العالمية للتحليل النفسي له، ومغادرته الجمعية الباريسية للتحليل النفسي، أسس لاكان منظمته التحليلية الخاصة به، وهي “مدرسة باريس الحرة”، الأمر الذي أتاح له هذا الإطار المؤسسي الجديد بيئة حرة تمكن فيها من تجربة أساليب جديدة في التدريس والتدريب التحليلي.

     عامَ 1966، نشرت دار نشر Éditions du Seuil سفرَه الضخم “الكتابات” écrits، وقبل ذلك لم يُنشر له إلا كتابا واحدا، هو أطروحته في الطب النفسي في عام 1932.  كتابه “الكتابات” عبارة عن مجلد واحد من تسعمائة صفحة يتألف من العديد من الكراريس والمقالات ذات الأهمية الكبرى، ويغطي ما كتبه خلال ثلاثين عامًا تمتد من عام 1936 إلى عام 1966، واتصف أسلوبه بها بالوعورة الشديدة، بخلاف الحلقات الدراسية السنوية التي كان أسلوبها أقرب للسلاسة والشفافية إلى حد ما، ويعزى إلى كتابه هذا بالمقام الأول ما شاع عنه على أنه مفكر صعب (هذا، إن لم يكن غامضًا عن عمد)، إلا أنه أصبح من أكثر الكتب مبيعًا عندما نشر في فرنسا. 

فقد نجح جاك لاكان في الارتقاء إلى سلم الشهرة باعتباره “فرويد الفرنسي”، كما كان جمهور القراء الفرنسيين ينظرون له، وفي أثناء هذا، استمر عدد مرتادي “السيمنار” في ازدياد، ليشمل أوساطا أوسع من ذي قبل من فضاء باريس الفكرية والثقافية.

     ظل لاكان طوال حياته المهنية يولي اهتمامًا جادًا بشتى فروع المعارف الرياضية والصورية، ويعود هذا إلى حقبة الأربعينات حين استعان بنظرية اللعبة في “الزمن المنطقي وتأكيد اليقين المتوقع”. وحين تحول إلى البنيوية في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات تعززت عنده هذه النزعات الصورية، وقد تبنى بالخمسينات فعلا نظرية اللعبة، وعلم إناسة anthropology ليفي-ستروس، وعلم أصوات phonology جاكبسون، وأضاف إلى ذلك تاريخ الرياضيات، والطوبولوجيا.  وفي الخمسينات والستينات، زاد ظهور الرسوم البيانية والنزعة الترميزية symbolizations في بعض محاضرات وكتابات لاكان، وبدى ذلك شاهداً على بروز توجه، أخذ يتصاعد باستمرار، في إضفاء الطابع الصوري على أعماله. 

وبحلول أواخر الستينات، وبداية السبعينات، اتسم خطابه (بل أحيانا طغى عليه) بشكل لافت بمناقشة المنطق والطوبولوجيا ونظرية العقدة.  ويمكن أن نصم عقد السبعينات أنه حقبة “الجبريم” Matheme[2] لدى لاكان، وتبيّن بجلاء المصطلحات التي اختلقها لغرض أن يضيف الوحدة الصورية (وذلك على هدى السبيل الرياضي الرمزي) على معنى بعض المفاهيم في التحليل اللاكاني.  كان لاكان يأمل بذلك في أن يتجنب أن يساء فهم أطروحته بالطريقة ذاتها التي أساء بها معظم محللو مدرسة “ما بعد الفرويدية” بالطرح الفرويدي، إذ برروا ذلك بذريعة أن فرويد قد وظف اللغة الطبيعية توظيفاً موارباً.

وعلاوة على ذلك، أمدّتْ الطوبولوجيا جاك لاكان، بوصفها علما مختصا بدراسة الأسطح، بالمصادر المعرفية التي أقام على أساسها نقوده على مدرسة “علم نفس العمق”، وذلك لأنها تقوم على تصور فج عن الهندسة الأقليديسية التي تتبنى تصورا مبسطا ساذجا عن الأبعاد على أنها ثنائية أو ثلاثية، وقد عاضدته الطوبولوجيا التي تقدم تشكلات وبنى قادرة على تقويض أساس هذا التصور في أن يعيد تقديم “اللاوعي”  باعتباره حزمة من الالتواءات، والانطواءات، والطيات، والانحرافات، وإحالة الجواني والمحايث إلى سطح ذاتي على مستوى موّحد، يمكن للتحليل (النفسي)، إن كان دقيقا ومنهجيا، أن يتلمسها.

     بالإضافة إلى توظيف جاك لاكان للجبريمات (الرموز الرياضية)، فإنه في الندوات التي أقامها في آخر عقد من تعاليمه، كان تفكيره منهمكا بنظرية النظم، سيما النظام “الواقعي”، والفرق الجنسي (وقد تشعبت وتداخلت الكثير من أفكاره التي طرحها مع بعضها البعض حينئذٍ). وعلى ما يبدو فقد مكّنه الطابع الصوري الذي اضفاه على اطروحاته من الكشف بدقة عن حدود ما يمكن أن يقال أو يتمثل Sayable and Representable، الأمر الذي قاده إلى التطرق للنظام “الواقعي” Real، وذلك من خلال توضيح ما لا يمكن أن نتلمسه بالقدر الكافي ضمن إحداثيات “الواقع” المطروق والمألوف – الواقع المتشكل مع النظامين الأخرين ، أي “الخيالي” و”الرمزي” (انظر 2.1 أدناه).

وفيما بعد فقد ربط جاك لاكان الجوانب والأوجه التي تعنى بالأمور الجنسية مع السمة التي تختص “بالواقعي” بما يشوبها من مواراة غامضة، ويشمل ذلك الفرق الجنسي؛ ففي إحدى ندواته الأكثر شهرة، الندوة العشرين  (Encore ، 1972-1973) ، قدم نظريته عن الفرق الجنسي باعتبار أنه “جَنْسَنة” “sexuation”   من منظور المنطق الصوري، مصوّراً بذلك أوضاع الذات في الذكورة والأنوثة من دون أي اعتبار للطبيعة البيولوجية. ومن هنا، ادعى أنه كشف الستار عن وجود تباين أو فجوة بنيوية متأصلة وملازمة تفصل بين الجنسين، لا تجعل بالمطلق من الذوات المجنسنة متوازية مع بعضهم البعض (بل لا تتوازى حتى مع نفس الذوات فيما بينهم كهويات منفصلة).

لخص لاكان بذلك بنكتة سيئة: : “Il n’y a pas de rapport sexuel” (لا توجد علاقة جنسية). وكان هذا التصريح فاضحا للكثيرين في ذلك الوقت. وأضحى ما قدمه خاصة في الندوة العشرين وفي أعمال أخرى له في نفس هذه الحقبة قطب الرحى لتطورات مهمة في التفكير النسوي الفرنسي في السبعينات.

     قرر جاك لاكان عام 1980 أن الوقت المناسب قد حان ليحل مدرسته، “مدرسة الحرية” قبيل أن يودع الحياة في عام 1981، وأثار ذلك الكثير من الجدل والخلاف بين أتباعه. وقد أسس جاك آلان ميلر الذي كان صهرا للاكان، ورئيسَ تحرير صحيفة “السيمنار” (التقى بلاكان لأول مرة في عام 1964 عند حضوره الندوة الحادية عشرة، وكان آنذاك طالبًا عند ألتوسير في كلية العلوم الاجتماعية) “مدرسة الفروسية الحرة” خلفا لـ “مدرسة الحرية ” في أعقاب “حلها “. وقد احتفظ ميلر منذاك بحق إدارة نشر نصوص لاكان، محررًا سلسلة كتب Champ freudien  التي نشرت الإصدارات الرسمية للندوات السنوية، وكتابات لاكان الأخرى.

2. مفاهيم أساسية

1.2. نظرية النظم

     تشكل نظرية النظم الثلاث “الخيالي” و”الرمزي” و”الواقعي” الهيكل العام للمفاهيم والمراحل المتعددة في معظم مسار جاك لاكان الفكري. وقد مرت أطروحته عن سمات النظم الثلاثة، وعلاقة بعضها بالآخر، بعدة مراجعات وتحولات لسنين عديدة في الكثير من أعماله، (كما سيتضح لنا فيما بعد) ومعظم المفاهيم التي صاغها لاكان متصلة بهذه المفاهيم الثلاث جمعاء.  وفي السبعينات، قدم لاكان رؤيته عن الطابع الطوبولوجي للعُقدة البورومية (مشتقة من شعار لزي عسكري لعائلة بوروميو، مرسومة بصورة عبارة عن ثلاث حلقات مترابطة مع بعضها بطريقة تدل على أنه في حالة انفصال إحدى هذه الحلقات ينفرط العقد كله)، أرد بها أن يؤكد على أن كل نظام من هذه النظم الثلاث يعتمد اعتمادا متبادلا على الأخرى. 

ومن هنا، يمكن القول بشيء من التخفف أن “الخيالي”، و”الرمزي”، و”الواقعي” بمثابة الأبعاد الأساسية الثلاثة للذاتية النفسية في فكر لاكان. علاوة على ذلك، يصنف الباحثون في بعض الأحيان تطور لاكان إلى ثلاث حقب رئيسة، مع تمييز كل حقبة بالتركيز على إحدى هذه النظم: تركز الحقبة الأولى على الخيالي (ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين)، والوسطى على الرمزي (الخمسينات)، والأخيرة على الواقعي (الستينات والسبعينات) لكن هذا التصنيف المقنن والمنظم لا يبدو مقنعا إلا بصعوبة، لأنه ثمة انقطاعات واتصالات في مسار تعاليم لاكان، لا تتفق مع هذا التحقيب الزمني عن المبكر والأوسط والمتأخر.

1.1.2. الخيالي عند لاكان

     يميل جاك لاكان إلى أن يربط (وإن لم يكن حصريًا) “الخيالي” بمجالاتٍ مقيدة مختصة بالوعي والوعي الذاتي، وهو النظام الأكثر ارتباطا بما يحس به الناس في واقعهم اليومي الروتيني الذي لا يتصل بالتحليل النفسي.  أن “يتخيل” أحدٌ أشخاصا آخرين ما هي صفاتهم أو من يكونون، يعني من ثم ما “يتخيله” هو عن نفسه عما هي صفاته أو من يكون هو، وذلك عند التواصل والتفاعل، ويندرج من ضمن هذا النظام الزوايا المُتخِيلة التي من خلالها ينظر إلى الآخرين، وما يتصل بذلك. ويشير هذا الوصف إلى السبل التي يتصل “الخيالي” بها مع الأفكار التحليلية الأساسية مثل الانتقال والهُوَام [1](الفانتازيا) والأنا، وبالتالي، فإن الخياليَّ أمرٌ أساسي في وصف لاكان لعملية تشكل الأنا (بحسب مرحلة المرآة – راجع 2.2 أدناه).

     وبينما يجمع لاكان عمله المبكر في الثلاثينات والأربعينات في خيط واحد مع نظرياته المؤسسة على البنيوية في الخمسينات، فإنه كان يشدد على اعتماد “الخيالي” بـ”الرمزي”. ويعني هذا الاعتماد أن المزيد من الظواهر الحسية الإدراكية (تأثير تجارب الجسد الذاتية على خلجات النفس التي يعيشها الوعي، وعلى رؤى الأفكار، ومشاعر الآخرين، وغير ذلك) التي تشكّلها وتوجهها وتحددها (وإن بإفراط)، البُنَى والدينامياتُ الاجتماعيةُ اللغويةُ. ومع تزايد أهمية “الواقعي” في الستينات والعقدة البورومية في السبعينات في فكر لاكان، أصبح من الواضح أنه  يرى أن “الخيالي” مرتبط بكلا النظامين الآخرين (من باب المصادفة أنه عندما يندمج الخيال والرمزي برباط متكامل فإن ذلك يشكل فضاء الواقع الذي هو نفسه متباين عن “الواقعي”). 

حقيقةً، يمكن القول أن “الخيالي” على الدوام يحدث خطأ في التصنيف، وبشكل أكثر تحديدًا، إنه النظام الذي يخطئ به من بين النظامين الآخرين: فما هو “واقعي” يخطئ بالتعرف عليه باعتبار أنه “رمزي”. (على سبيل المثال، كما هو الحال في أنواع معينة من أعراض الوسواس العصابي وأعراض جنون العظمة، ويُنظر لبعض الأحداث العرضية العبثية التي تحدث على صعيد العالم المادي متمثلةً في موضوعات جامدة ليست ببشرية، كما لو كانت علامات ذات معنى عميق يجب تأويلها وتفسيرها)، وما هو “رمزي” يخطئ التعرف عليه باعتبار أنه “واقعي” (على سبيل المثال ،كـ”أعراض التحويل” في أنواع الأمراض النَّفْسَجِسْمِيّة التي تحدث بسبب صراع في اللاوعي العقلي يتخذ هيئة مشفرة في اللغة والأفكار تترجم إلى  ابتلاء وأمراض جسمانية).

      كان جاك لاكان يهدف باختياره للفظة “خيالي” الدلالة على ما هو متخيل Fictional ومحاكاتي وافتراضي، وما شابه. ومع ذلك، فإن ظواهر “الخيالي” هي أوهام ضرورية (بالمعنى الكانطي) أو تجريدات واقعية (بالمعنى الماركسي).  وهذا يشير إلى نقطتين: أولاً، أن “الخيالي” واحد من النظم الجوهرية الأساسية الثلاثة لدى لاكان هو عبارة عن بُعد جواني، لا غنى من وجوده في الذوات النفسية المتكلمة، تمامًا كما أنه لا يمكن للتحليل (ولا ينبغي أن يحاول) أن يخلص الشخص الخاضع للتحليل النفسي من اللاوعي الخاص به أو بها، فمن غير الممكن أو المرغوب فيه أيضًا التخلص من أوهام هذا النظام.  ثانياً، التجريدات المتخيلة التي في الخيالي هي أبعد ما تكون عن كونها مجرد ظواهر ثانوية “غير واقعية”، تفتقر إلى الفاعلية، وإلى التسلسل المنطقي، بل تعتبر جزءًا لا يتجزأ من الواقع الإنساني الفعلي، ولها تأثيرات ملموسة عليه.

2.1.2. الرمزي

     تنظير جاك لاكان عن “الرمزي” في البدء تأسس على مصادر قدمتها البنيوية؛ إذ هو مرتبط باللغات الطبيعية التي وصفها دو سوسير وبالتحديد لدى الأطروحات المعينة في “ما بعد االسوسيرية”، كما يشير أيضًا إلى العادات والمؤسسات والقوانين والأعراف والمعايير والممارسات والطقوس والقواعد والتقاليد، وما إلى ذلك من أمور ثقافية ومجتمعية، تتشابك بصور عدة مع اللغة.  ويمكن فهم “النظام الرمزي”، شاملا كل ما ذُكر آنفا، على أنه يكاد يتماهى مع ما نعته هيجل بـ”الروح الموضوعية”. وهذا العالم الذي لا ينتمي إلى الطبيعي هو عبارة عن جملة معقدة من السياقات بين علاقة الذات مع بعضها البعض، وما يفارقها حيث يجد الكائن الإنساني الفردي نفسه ملقى به عند الولادة (على غرار عبارة هيدجر Heideggerian Geworfenheit) وهو نظام موجود قبل مجيء الناس، يهيئ لهم أمكنة مسبقا، ويؤثر لاحقا على التقلبات التي تعصف بحياتهم المطمئنة.

     وبحسب وجهة نظر لاكان، فإن أحد الشروط الأكثر أهمية (إن لم يكن الأوحد) الذي لا غنى عنه لإمكان نشوء الذاتية الفردية هو النظام الرمزي الجماعي (يُسمى أحيانًا “الآخر الكبير”، سيُبسَّط هذا المفهوم لاحقا” – (انظر 2.3 أدناه). وتتشكل الذوات الفردية على ما هي عليه عبر وسيط النظم والمدارات الاجتماعية اللغوية التي تنتمي إلى النظام “الرمزي”. 

خاصةً في فترة “العودة إلى فرويد”، صُوّر اللاوعي التحليلي (بحسب رأي لاكان أنه مصاغ بنيويا كاللغة) كشبكات دينامية تتكون من دوال مترابطة مع بعضها البعض (“سلاسل دالة”)، ومن ثم، فإن اللاوعي، بصفته “رمزيا” يعارض الطبيعي بحد ذاته، يؤول عبر وسيط كلام “رمزي”، أي جوهر الكينونة-في-ذاتها الخاصة بذات المتكلم اللاواعية parletre ، فضلا عن أن اللاوعي اللاكاني مصاغ بنيويا “كاللغة”une langue وليس لسانيا un langage ، مع أن اللفظتين الفرنسيتين تترجمان إلى الإنجليزية على أنها “لغة” فإن langage) ) تشير إلى منطق ونسق التراكيب والدلالات، ولا تقتصر بالضرورة على اللغات الطبيعية بذاتها، في حين أن langue التي يمكن ترجمتها أيضًا إلى اللغة الإنجليزية باسم “اللسان”، تشير إلى اللغة الطبيعية.

وبهذا، فإن جاك لاكان لا يقول إن اللاوعي منظم من حيث البنية على غرار الفرنسية أو الألمانية أو الإنجليزية أو الإسبانية أو أي لغة طبيعية أخرى بعينها.

     على الرغم من أن النظام “الرمزي” أحتل المقدمة فقط مع مرحلة لاكان البنيوية في الخمسينات، إلا أنه يمكن القول أن ذلك لم يكن من دون بوادر في نصوصه المبكرة. في  1938، حمل مفهوم “عقدة” complex  التي طرحها لاكان في المقالة الموسوعية حول “العقدة العائلية” بوادرَ يمكن التنبؤ منها عن الكيفية التي سيعيد لاكان بها صياغة عقدة أوديب الفرويدية، وذلك من داخل حقل الإناسة البنيوية الليفيستراوسية، وبالمثل، يبيّن سيناريو معضلة السجناء المذكور في “الوقت المنطقي وتأكيد اليقين” عام 1945 كيف أن أداة اللعبة النظرية تتحكم بالتجارب المعيشية التي تشعر بها الذوات.

وعلاوة على ذلك، في كتابه “كتابات” المنشور عام 1949 بفصل “مرحلة المرآة” لمَّح إلى حضور الخلفية المؤثر للبيئة الاجتماعية الرمزية (متجسدة أولاً وقبل كل شيء بالقائم بالرعاية الأبوية) كمحفز يحث الطفل على التعرف على هويته من صور عبارة عن انعكاس لكيف يرى الرجل نفسه أو المرأة نفسها (سأناقش لاحقا كيف بسط لاكان ونمق هذا الملمح في المراجعات التي تعود إلى حقبة الستينيات من “مرحلة المرآة”، انظر 2.2 أدناه).

     وعلى الرغم من بروز نظام “الواقعي” تقريبا ابتداءً من 1959-1960، ظل “الرمزي” يلعب دوراً محورياً في تعاليم لاكان حتى بداية الثمانينات، على سبيل المثال، في “السيمنار” السابع عشر (1969-1970) والمقابلة المعاصرة “Radiophonie” ، صاغ لاكان نظريته عن “الخطابات الأربعة” (تلك الخاصة بـ “السيد” Master و “الأكاديمية” university و “الهستيرية” و “المُحلِل”) لتعكس التبدل المترابط الذي يكمن في أنواع عديدة من “الروابط الاجتماعية” التي تشكل العلاقات بين الذوات المتكلمة.

بشكل أعم، لقد ظل جاك لاكان فيما بعد يعوّل على فكرة جوانب “الواقعي” المتعلقة بـ”الرمزي”، كونها دوال في مظهرها المادي الذي يخلو من المعنى والمغزى باعتبارها علامات مرئية وأصوات مسموعة (أي “حروف” بالمعنى التقني في طرح لاكان)، وهذا بخلاف جوانب “الخيالي” المتعلقة بـ”الرمزي”، حيث ترتبط الدوال مع بعضها البعض مع مدلولات لتشكل علامات ذات معنى ومغزى (بطريقة التفسير الكلاسيكي لدو سوسير عن التواصل الناجح بواسطة اللغة الطبيعية). وفيما بعد افضت بلاكان فكرة هذه الدوال التي لا معنى لها وتسلسلاتها إلى تفسير الأطروحات الأولية الفرويدية على أنها عبارة عن تفكير تتميز به ذهنية اللاوعي.

     وعندما يذكر جاك لاكان كلمة “بنية” التي يستعين بها مرارا، فإن ما يرمي إليه هو النظام “الرمزي”.  بين الفترة التي طرح بها أطروحته عن “العودة إلى فرويد” وتعاليمه اللاحقة، أعاد لاكان النظر وغيّر من طرحه الذي قدمه تحت تصور “كاللغة” التي تعتبر جزءا أساسيا في مقولته “للاوعي مصاغ بنيويا كاللغة”.

ومع ذلك، منذ الخمسينات إلى وفاته، فإن تفسيره لاكتشاف فرويد للاوعي ظل على الدوام متمسكا بأطروحته التي تذهب إلى أن”اللاوعي هو بنية”، أي القول بأن اللاوعي، من حيث أنه مرتبط بـ”الرمزي”، هو عبارة عن شبكة معقدة ومتشابكة من التمثلات التصورية المتصلة بعضها ببعض بطريقة مضّعفة التعقيد؛ خلافا للتصورات الفجاجة والمبتذلة الشائعة للتحليل الفرويدي بوصفه سيكولوجيا رومانسية حديثة لاعقلانية، لأعماق النفس الطبيعة الجامحة.  يرى لاكان أن اللاوعي ليس “الهو” id، أي ليس شبيها بقِدْر طافح بالغرائز الحيوانية التي لا حظ لها من التفكير المنضبط (بمعنى آخر، إنه ليس شيئا بلا بنية).

3.1.2. الواقعي

     يرفض النظام “الواقعي” أن يخضع للقوالب والتعريفات المحددة، ووصف جاك لاكان له بالعديد من الأوصاف التي لا تستقر على حال هو السبب إلى حد ما وراء عدم الوضوح هذا؛ لكن ذلك، بدلاً من يكون حائلا عن استيعابه، فإنه بحد ذاته ينبئنا عن طبيعة هذا النظام، ولكي نكون أكثر دقة، فإن ما هو ليس متعلقا بـواقع “الخيالي” – “الرمزي” (وهو الواقع الذي ينطوي على مخاوف واعية، وعلى معاني يمكن التعبير عنها، وما شابه ذلك)، فإن جوهر “الواقعي” أن يكون متواريا، يقاوم بطبيعته أن يؤسر في تكوينات ذات معنى مفهوم تتشكل من علامات فيما هو “رمزي”-“خيالي”، إذ أن نظام “الواقعي”، كما يؤكد لاكان مرارًا وتكرارًا، هو “الاستحالة” في مقابل الواقع.

     استخدم لاكان في بداياته مصطلح “واقعي” ليشير إلى الموجودات المادية، أي الموضوعات الفيزيائية، ويشير إلى معنى يقارب مصطلح كانط في “الأشياء- في – ذاتها”.  ومن ثم، فإن “الواقعي” هو أي شيء متعدٍ، أو فيما وراء، أو كامن تحت المظاهر التي تقع في المتناول الأولي لخبرات المرء المباشرة للوعي.  ألح لاكان على هذه الخاصية للواقعي في الطرح الأول لرؤيته عن نظرية النظم المكتملة، كما قدمها مبدئا طوال الخمسينات. أثناء هذا العقد في حقبة “العودة إلى فرويد”، اتصل “الواقعي” أيضًا بمفاهيم أنشأها لاكان عن الذهان و”ال-آخر”[2] (التي سوف اتناولها بعد قليل – انظر 2.3 أدناه).

فضلا على ذلك، في الخمسينيات، كان لاكان يتقصد الحديث عن “الواقعي” على أنه امتلاء تام، وخاو من أي من سلبيات العدم، والتنافر، والثغرات، والفجوات، والانقسامات، وما إلى ذلك.  وبهذا فإنه يصور “الرمزي” على أنه المسؤول الأول لدس السلبيات في “الواقعي”، مثلا، يمكن أن يقال عن الوجود المادي في ذاته، وذلك فقط بواسطة قوى اللغة، أنه عبارة عن أشياء “مفقودة”، طالما أن هذا البعد الوجودي الخاص به لوحده مهما كان سذاجة وبساطة حضوره يعتبر مجرد وفرة، لا تسترعي المبالاة.

     كما ذكرتُ آنفا، تحول الاهتمام في الندوة السابعة لعام 1959-1960 من “الرمزي” الذي ساد في الخمسينات إلى “الواقعي”.  كان تصوير “الواقعي” ينحو قبل الندوة السابعة إلى تصور لا-ديكالتيكي ويتجه إلى تصور شبه كانطي، على الرغم من أن هذا العام التعليمي قد أولى الاهتمام بفلسفة كانط، إلا أن لاكان كان على الدوام يعيد صياغة “الواقعي” في هذه الندوة ويضفي عليه طابع شبه هيجلي، وهو الأمر الذي تسبب بتعقيد لما قدمه من أفكار. ويتضمن “الواقعي” بهذا التصور الجديد مقاربات للأضداد، باعتباره أنه نظام يرصد التذبذبات والاهتزازات المتقلبة التي تتراوح بين حالات الزيادة والنقصان، والفائض والعوز، والحضور الغامر، والغياب الشحيح. 

وكذلك في الندوة السابعة، قدم جاك لاكان شخصية الأم كمرجع تحليلي رئيسي، يبرر هذا التفسير “للواقعي” (وهو يتعلق بشخصية أخرى، هي “السيدة” في تقليد الحب الغزلي). في بداية تاريخ نشأة الذات النفسية –الليبيدية [من ليبيدو]، تبدو مقدمة الرعاية الأمومية حاضرة حضورا غامرا أو قريبا جدا، وذلك بكل غرابتها وصدودها، وأيضا غائبة أو يتعذر الوصول إليها، بشكل يدعو إلى الخيبة، وفقدان التحكم؛ أي إما أن يكون هناك الكثير، أو القليل منها، لا توسط بين ذلك.  مع مرور الوقت والتحولات الزمنية للاقتصاد الليبيدي، تصبح الأم، مثلما هو الأمر مع هذا الـ-آخر الواقعي البدئي، “الخير الأسمى” Sovereign Good العصي عن التحقق للأبد، والثابت الذي لا يمكن أن يقبض عليه إذ يتلاشى دوما، وهو ما يعبر عن كل الرغبات (في ما يسميه لاكان، في حوار مع تاريخ الفلسفة وكذلك فرويد،  “das Ding” “الشيء”).

     من الستينيات إلى Hخر حقب تعاليم لاكان، زادت معاني وايحاءات “الواقعي” حيث أصبح يفيد المفارقة transcendence الذي يؤشكل ويُحبط الواقع “الخيالي-الرمزي”، ولغته من الخارج.  ويفيد أيضاً المحايث الذي يخرب ويقض مضجع الواقع/اللغة من الداخل. أصبح الأمر يتعلق بالسلبيات الليبيدية (الآخر الصغير، المتعة، الفرق الجنسي، كلها سُتناقش لاحقًا – انظر 2.3 ، 2.4.2 ، 2.4.3 أدناه)، الأشياء المادية الخالية من المعنى سواء كانت لغوية (انظر 2.1.2 أعلاه) أو غير اللغوية، كالأحداث الصادمة الطارئة، والمشاق الجسدية التي لا تطاق، والقلق، والموت.

     فيما يتعلق باللاوعي بحكم أنه الشغل الشاغل للتحليل النفسي، فإن جاك لاكان لاحقا جمع بين تأكيده الذي كان يقول به مبكرا بخصوص التكوينات اللغوية الاجتماعية (“اللاوعي مصاغ بنيويا كاللغة “)، وتشديده على ما قاله لاحقا عن القوى والعوامل الداخلية، ولكن التي لا يمكن اختزالها في هذه التكوينات.  وبعد الخمسينيات، أضيفت أبعاد “الواقعي” إلى اللاواعي، مع أبعاد “الرمزي” فأصبح يدور حول ثقوب سوداء مما لا يمكن ترميزها ويستحيل التعبير عنها بواسطة دوال تشبه التمثلات التصورية (التي يسميها فرويد Vorstellungen) التي تختص بأوجه اللاوعي التي تشبه اللغة. 

ومع ذلك، فإن صعود “الواقعي” في تعاليم لاكان لم يصل إلى درجة أن يتحول إلى ملخص تحليلي للعقائد الصوفية أو اللاهوت السلبي.  ويرى لاكان -بدلا من ذلك- أن التحليل سواء النظري أو السريري يسمح بتحديد وتتبع “الواقعي”، بدقة بالتصورات، إذ كان الأمر مجرد ممارسة لتثبيت الحدود الدقيقة “للخيالي”، و”الرمزي”، والتداخل بينهما.

2.2. مرحلة المرآة، الأنا، والذات

     ربما أن اطروحة مرحلة المرآة هي أكثر اسهامات جاك لاكان النظرية شهرة (ربما أكثر شهرة من أطروحته المشهورة عن اللاوعي الذي وصفه بأنه مصاغ “كاللغة “). وقد تطورت في البدء بالثلاثينات، واشتملت على رؤى عدة مترابطة، قدم فيها لاكان تفسيرا خاصا عن نشوء وظيفية العامل النفسي الفرويدي للأنا (Ich، moi) .  وإحدى خلاصات التحليلات النفسية والفلسفية لمرحلة المرآة الحاسمة في نظر لاكان هي أن الأنا هي موضوع، وليست ذات.  بمعنى آخر، أن الأنا -على الرغم مما تحس وتعي بعكس ذلك- ليست عاملا مستقلا ذاتياً، أي أنها ليست مقرا لأنا تتمتع بالحرية، وقادرة على تحديد مصيرها بنفسها. 

وتقع هذه الصورة للأنا-الموضوع في قلب الحجاج النقدي الذي تبناه لاكان طوال حياته ضدا لعلم نفس الأنا الأنجلو-أمريكي، حيث يسعى علماؤه إلى تعضيد “أنا” مرضاهم من خلال الاحتكام إلى ما يفترض أنه عوامل نفسية مستقلة، لا تنطوي أوجهها على أي صراع [داخلي]، وفي مقابل ذلك، ينظر لاكان إلى الأنا على أنها تتسم كليةً بعصابية فاضحة، ومتأصلة في صميم جوهرها، باعتبارها دفاعًا متقدا ينجم عن جهل تكويني حيال اللاوعي.

     وللبقاء لبرهة في هذا المستوى الميتا-سيكولوجي العام، يميّز لاكان في نهاية المطاف، وذلك استنادا على أطروحة مرحلة المرآة، بين الأنا والذات، (وهي كلمة مشحونة فلسفيا حيث كان لاكان مدركا أنه يضيف هذه الكلمة بمفهومها الفلسفي إلى الخطاب التحليلي، على الرغم من أن فرويد لم يتحدث عن “الذات”، إذ كان يتوجس من الفلسفة). بخلاف ما يبدو، فإن الأنا، في المحصلة النهائية، عبارة عن حزمة خاملة وثابتة من الإحداثيات المُعيّنة موضوعيا، ككيان متجسد ومستثمر به ليبيديا.

وبعكس الأنا والحس الوهمي بالنفس Selfhood المتخيلة التي تساندها، فإن الذات subject في مفهوم التحليل النفسي اللاكاني هي عبارة عن السلبية الحركية اللاواعية التي تقاوم الأسر في داخل البنى الهوياتية على مستوى الأنا، فالذات اللاواعية المتكلمة -بحسب طرح لاكان- تتكلم من خلال الأنا، بينما تظل متميزًة عنها، ولا تختزل بها.

     وعودة إلى ااحديث عن مرحلة المرآة، افترض جاك لاكان، وذلك بالاعتماد على بيانات تجريبية من أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين، أن الأطفال الصغار في السن، ممن تتراوح أعمارهم من ستة إلى ثمانية عشر شهرًا، يكتسبون بسرعة القدرة على تحديد هويتهم عبر أسطح مُنعكِسة، وبهذا العمر فإنهم يفتقرن إلى معظم القدرات البدنية والعقلية التي يمتلكها كبار السن، وسبق لفرويد قبل لاكان أن سلط الضوء حقيقةً على كيف أن عدم النضج البيولوجي لدى الأطفال، يجعلهم عرضة للوقوع في سطوة التنشئة الاجتماعية أكثر من سطوة الطبيعة المادية، ويعود ذلك إلى اتكالهم الكلي لفترة طويلة على غيرهم في تلبية المتطلبات الضرورية طلبا للحياة، واتقاءً من مواجهة خطورة الموت.

وعلى هدي فرويد هنا، أبرز لاكان أهمية هذا العجز الذي يعاني منه المولودون حديثا بمجرد خروجهم للحياة. وقد وصف بالتفصيل الجوانب التشريحية والفسيولوجية والإدراكية والعاطفية والدافعية لهذه الحالة الطبيعية بعد الولادة حيث لم يكتمل بعد نموهم ونضجهم البدني.

     وتفرض حالة العجز الأولية هذا (كمحدودية القدرة على الحركة والاعتماد على الرضاعة) على الرضيع أن يمر بتجربة جملة من التأثيرات السلبية: كالقلق والضيق والإحباط وغير ذلك. بالنسبة للطفل الصغير، بدافع من هذه التأثيرات السلبية، الإغراء الآسر الذي تثيره الصورة الفاتنة لجسده أو جسدها تعود إلى ما تعد به هذه الصورة بالقدرة على التغلب على هذا العجز hilflosigkeit ، وذلك في أن يكون كلا متينا مكتملا كأجسام الآخرين الأكثر نضجا وحجما في محيط الطفل أو الطفلة (بيد أن الأفراد -كما يرى جاك لاكان- يقضون حياتهم كلها منذ البدء، وهم يسعون -لكن عبثًا- للوصول إلى حالة من الوئام والإتقان التي خلّدتها المرآة في مخيالهم، لأول مرة نظروا لأنفسها بها).

تضع هذه المُصوّرة- الجشطالتية imago-Gestalt ذات الكمال المنشود الرضيعَ حين رآها في حالة مبهجة من الدهشة (“آها!”)، فتشكل النواة المتصورة للأنا فتنمو تكوينيا كسلسلة من تموضعات النفس Self-objectifications في صور، ثم بعد ذلك بوقت قصير، في ألفاظ عند اكتساب اللغة.

     يرى جاك لاكان أن تماهي “أنا” me مع مصوَّرة- جشطالتية يستلزم الاغتراب – ويعود ذلك لأسباب كثيرة إضافة على ما ذُكر آنفا. في نسخة “كتابات” عام 1949 بخصوص مرحلة المرآة، ذكر في المقال المعنون “الدعامة prop، البشرية أو الاصطناعية” أن تحديق الرضيع في المرآة والنظر إلى نفسه أو نفسها من شأنه أن يساعدهما.  في عام 1949 ، يبدو أن لاكان يفكر في هذه الدعامة prop على أنها اصطناعية أكثر من كونها بشرية،  وذلك في الإشارة إلى “المشايّة” (walker) التي يستند عليها الطفل. ولكن في المراجعات اللاحقة التي راجع فيها لاكان مرحلةَ المرآة في الستينات، سلط الضوء بشكل كبير على الداعم البشري بدلاً من ذلك.

بينما يذكر ذلك، كان يجادل أن الرضيع يُشجَّع على التماهي مع صورة المرآة على أنها “أنا” من خلال الحث اللفظي أو الإيمائي الذي يصدره الآخر الكبير (أوالآخرون الكبار) عندما يحملونه أمام سطح يعكس [صورته] (على سبيل المثال، القول بإشارة وابتسامة: “هذا أنت هناك!”). هذه الالتفاتة اللاحقة التي تشير إلى التأكيد على الصورة لها نتائج مهمة، أولاً: النظام الخيالي للمرآة لا يسبق النظام الرمزي الخاص باللغة والتخالط الاجتماعي في التسلسل الزمني للمراحل التطورية (قد ينقض هذا ما ألمح له النص السابق في “مرحلة المرآة”)؛ إن كان لابد من وجود مسببات، فإن المتغيرات الاجتماعية – اللغوية (على سبيل المثال، ألفاظ ولغة الوالدين) هي التي تدفع سببيا الطفل للاستثمار في تجارب حسية إدراكية محددة (مثل صورة الجسم في المرآة).

ثانياً: هذا يعني أن نواة تصور الأنا تنمو في البدء مع “خطاب الآخر” المصيري التأثير – في هذه الحالة، ينتج اعتبارات ذات دلالات حاسمة (يسميها جاك لاكان، “سمات أحادية” unary traits ) تأتي من السرديات التي يقولها من يرعى الطفل.  وكذلك في نفس الوقت تأتي من أفعال التشجيع التي توجَّه إلى الطفل أو الطفلة كي يتعرفان على نفسيهما في المرآة (مثل : “يا له من صبي وسيم!” ، “يا لها من فتاة جميلة!” ، “سوف تكبر لتصبح كبيرًا وقويًا ، تمامًا مثل والدك “الخ).

     وعلى ضوء ما سبق، اعتبر لاكان أن الإدراك في مرحلة المرآة يصل إلى حد الخطأ (زيف الإدراك meconnaissance). هذا بالمثل شأن كافة التجارب المؤكدة طوال العمر التي “تتعرف” على النفس باعتبارها نوعًا معينًا من “أنا”، أي اعتبار النفس –بحسب ما هي متخيَّلة- نوعا معينا موجودا على مستوى-الأنا بحد ذاتها (بحسب التحليل النفسي الفرويدي- اللاكاني، ثمة دوما إشارة لتذكر مقولة وليام وردزورث ، “الطفل هو أبو الإنسان”).

الأنا ليست وحسب موضوعا جامدا لا متجانساً، (وليست ذاتا سائلة مستقلة)، ولكنها أيضًا، في أصلها، مستودع للرغبات والهُوام التي يسقطها الآخرون الأكبر عليها؛ تُمثل صورة الطفل أو الطفلة كوعاء لأحلام وأمنيات الوالدين، إذ يُنسخ دائمًا ومسبقا عليها صورة جسده أو جسدها، وذلك بفعل دوال تنبع من اقتصاديات الليبيدو التي عند المتكلمين الآخرين. وهكذا، فإن الاعتراف بالأنا على أنه “أناي”، باعتبارها تجسد وتمثل النفس (Selfhood) الأصيلة والفريدة والخاصة، بكونها لي بكل أصالة هو بمثابة إدراك خاطئ؛ فالأنا في الأساس هي مزيج أجنبي مغترب، من خلالها أكون مغويا وهدفا لرغبات وآليات الوعي واللاوعي للآخرين. 

وباستعارة مصطلح واحد من مصطلحات جاك لاكان الكثيرة، فإن الأنا في النهاية هي شيء “خارجميم” extimate [3]  بقدر ما تبلور “رغبة الآخر” (أي بوصفها محط رغبات وآليات وعي ولاوعي الآخرين)، أو حسب تعبير لاكان في ندوته الحادية عشرة، هناك شيء فيّ أكثر من نفسي إلى حد أن هذا “الأناي” هو في الأساس عبارة عن مزيج خاثر Coagulation تولد من تأثيرات غريبة من داخل الذات وخارجها.

     أخيرًا، لا يقصد لاكان دوما بالمرآة بالمعنى الحرفي لها، رغم أنه غالبا ما يتحدث عنها كسطح عاكس لامع، إلا أنه لا يرى أنها فقط ظاهرة فيزيائية مرئية. الأهم من ذلك، ونستطيع القول إن خطاب الآخرين، وإيماءاتهم، وهيئتهم الجسدية وحالاتهم المزاجية، وتعبيرات وجوههم، وغير ذلك كثير ما “تعكس” بالمرآة “صورة” أحدهم عن نفسه، أي الإحساس الذي يتأتى له عن كيفية “ظهوره” من الزوايا التي ينظر من خلالها الآخرون له.

3.2. الآخرية (Otherness) وعقدة أوديب، والجنسنة (Secuation)

     ظل جاك لاكان يستخدم بانتظام المصطلحين: ال-آخر Other والآخر other، وبفهم نظرية النظم الثلاث، ومرحلة المرآة (انظر 2.1 و 2.2 أعلاه)، يمكن توضيح هذين المصطلحين بيسر ودقة إلى حد كبير؛ الآخر تختص بالأنا “الخيالي”، وما يرافقها من الأنوات البديلة alter-egos .  يؤكد لاكان ذلك في حديثه عن الأنا ذاتها على أنها “الآخر”، على غرابتها واغترابها، كما وُضح أعلاه (انظر 2.2). علاوةً على ذلك، عندما يتعلق الأمر بالآخرين على أنهم الأنا البديلة، فإن ذلك يتم على أساس ما يتخيله المرء عن هؤلاء الآخرين (وغالبًا ما يتخيل أنهم “مثله “، لأنه يشعر أنهم يشتركون معه بعدد من الأفكار، والمشاعر، والميول المشتركة بالحد الأدنى التي تصيّرهم مفهومين بالنسبة له). هذه التصورات المتحولة المنحى transference-style هي متخيلات fictions تقوم بترويض وتدجين طابع النفس الغريب الغامض والمزعزع لانتمائها الجمعي، مما يجعل الحياة الاجتماعية يمكن تقبلها واحتمالها.

     يشير مصطلح “ال-آخر” إلى نوعين إضافيين من الآخرية otherness متوافقة مع النظامين: “الرمزي” و”الواقعي”. النوع الأول من ال-آخر هو “الآخر الكبير” المتعلق بالنظام “الرمزي”، وهو “الروح الموضوعية” التي تشتمل على كل البنى الاجتماعية -اللغوية المتجاوز للفرد حيث تشكل الفضاء الذي به تتفاعل الذوات فيما بينهما (البينذاتية).  وبهذا الخصوص، يمكن أن يشير الآخر الكبير “الرمزي” أيضًا إلى أفكار (غالبا متخيلة أو خيالية) عن قوة السلطة و/أو معرفة الأشياء المجهولة (سواء كانت من الله أو الطبيعة أو التاريخ أو المجتمع أو الدولة أو الحزب أو العلوم أو المحلِل كـ”ذات من المفترض أن تعرف” حسب وصف لاكان المميز للتحويل التحليلي). 

ولكن، كما اتضح بالفعل في الندوات السنوية الأولى القليلة التي عقدها جاك لاكان في أوائل الخمسينيات، هنالك أيضًا بُعد “واقعي” في الآخرية؛ هذا التجسد الخاص بـ”الواقعي” الذي بسطه لاكان بأدق التفاصيل عندما تعاطى مع الحب والذهان، هو اللغز الذي يستفز ويقلق “الآخر” باعتباره أنه الغير معلوم كما يرمز له بالجبر بـ”س” ، وهو عبارة عن هاوية الآخرية القريبة، ومع ذلك بعيدة المنال، فلا يمكن من ثم إدراكها. ( في محاضرته عام 1895 بعنوان “مشروع علم النفس العلمي” ظل يشير مرارا وتكرارا أن فرويد صوّر هذه الآخرية على أنها تنكر الجار كشيء Nebenmensch als Ding).

     بالنسبة إلى لاكان، عقدة أوديب الفرويدية هي مسرح دراما تصور كفاح الطفل الشاق في كافة الأبعاد النظرية الثلاثة للنظم التي تلامس ـ”الآخرية”، وبفضل اطلاع لاكان على البنيوية، حرص طوال حياته المهنية على تجنب تصور الطرح الفرويدي المزيف للعائلة النووية البرجوازية، بصفتها تتألف من الأم والأب كجنس بيولوجي – ذكر وأنثى، فإن الشخصيات الأوديبية الأمومية والأبوية هي مواقف نفسية-ذاتية، أي أنها الأدوار الاجتماعية-الثقافية (وليست الطبيعية أو البيولوجية) التي يمكن أن يؤديها أي كان من مختلف الجنسين(الجندرين)

     ومن الملحوظ في وصف لاكان لعقدة أوديب، تظهر شخصية الأم في البداية للرضيع باعتبارها “الآخر الواقعي” (أي Nebenmensch als Ding  )، تحديدا على أنه وجود غامض كلي الحضور يعتبر مصدرا لكل مشاعر الحب المهمة (سيُذكر المزيد عن مفهوم الحب لدى لاكان – انظر 2.4.1 أدناه)، ولكن بحكم هذا المزيج من الغموض والأهمية، تعتبر الأم بصفتها “ال-آخر الواقعي” أيضا مصدر قلق عميق للطفل الصغير، ومصدر خطر محدق لأطفالها، يتمثل ذلك بالتناوب بين تحكم خانق أو صد مفرط- أي أما أن تكون كل شيء أو لا شيء.  ويواجه الطفل أو الطفلة، وذلك في حالة القلق الذي ينتابهما بخصوص التحكم بالحضور (والغياب) لهذا ال-آخر الأمومي الغامض والضروري، الواقع خارج سيطرتهما، السؤال التالي: “ماذا تريد (الأم)/ الآخر؟”. 

إن تشكل “أنا” الطفل الذي يحدث بالتدريج عبر عمليات مُطوّلة كما هو موضح في طرح لاكان عن مرحلة المرآة (انظر 2.2 أعلاه) هو، في جزء منه، يعتبر استجابة لهذا اللغز (وإن كان ذلك بشكل أوسع، يتم أثناء قيام الطفل ببناء هوية الأنا، وذلك عند تلقيه رغبات “ال-آخرين” والأم، وغيرهم، مثل الأب).

     بالنسبة إلى ما سبق ذكره للتو، فإن الأب الأوديبي لدى جاك لاكان هو ال-آخر ذو الوجهين: “الرمزي” و”الواقعي”، فعلى الصعيد “الرمزي”، تجيب الشخصية الأبوية على السؤال التالي: “ماذا يريد الآخر الأمومي؟”، وبحسب مصطلحات لاكان، ارتكاز الطفل على طرف أبوي ثالث كما في التصور الرومانسي العائلي الذي يتمثل في البناء الثالوثي الاجتماعي الأوديبي هو حل للغز الخاص بمقصد شخصية الأم الغامض الذي يفضي إلى “رغبة الأم”، ولأنها رغبة مجهولة، فإنها تستبدل بـ”استعارة الأب”.

بناءً على هذا بشكل مباشر، أعاد لاكان صياغة فكرة الفالوس [4] (وهو ليس العضو الذكري) كبنية وظيفية لأي “معطى مجهول” (يرمز له “س” رياضيا) يفترض الطفل أنه في حوزة الأب، وهو الذي يجعله محورا لرغبة شخصية الأم، أي أن هذه الحيازة هي التي تمكن الأب من تدجين وضبط رغبة الأم التي لا يمكن التنبؤ بها بطريقة أخرى. 

وعلى الصعيد “الرمزي” أيضًا، تجعل الوظيفة الأبوية الطفل يحتمل بنفسه ضوابط العقوبات والمحرمات التي يعبر عنه نظام رمزي طاغٍ يمثل البيئة الاجتماعية – اللغوية  (يختص هذا بفروضات، مثل الفطام، والتعلم على استخدام المرحاض، والزواج من الخارج “الأباعدية” exogamy، و “الإخصاء” بالمعنى اللاكاني-الفرويدي انظر 2.4.1 أدناه).

أما بالنسبة إلى ال-آخر الواقعي هنا، فهي عن شخصية الأب في القصة الأسطورية التي ذكرها فرويد في الطوطم والتابو (1913)، وهو “الأب البدائي” (Urvater) المستبد الذي لا يقيده أي قيد، ويعيش في حشد أخوي متوحش، ومستثنى من القانون الكلي للإخصاء (الرمزي)، يمكن القول أن هذا الأب البدائي الواقعي Real Urvater هو من صنيعة الهُوام (فنتازيا) التي تولّدها عقدة اوديب، وتنشأ في رحمها، حيث يتخيل الطفل مشهد منغمس بالتلذذ ومكفّهر بالظلمة يشي عن أشياء “تحت السرة”، متسترةً من وراء حجاب زائف يعبر عن “رمزية” السلطة الأبوية وقوانينها.

     تماهي الطفل مع ال-آخرين الأمومي أو الأبوي يتوزع على أبعاد “الواقعي” و”الرمزي”. ومع ذلك، تتوزّع الذوات المختلفة التي في طور التشكل توزيعا متباينا. ولقد أعاد فرويد النظر في تفسيراته المبكرة لعقدة اوديب، وسلط الضوء على عدم التماثل بين ديناميات أوديب التي للأطفال سواء الأولاد أو الفتيات، معارضا فكرة أن “عقدة إلكترا” الخاصة بالفتيات هي نظير مماثل لعقدة أوديب.

وباختصار، لقد أبقى جاك لاكان لاحقًا، عند تناول موضوع الفرق الجنسي، على تأكيد فرويد بعدم التماثل بينهما، وفي هذا السياق، قدم لاكان فكرة الجنسنة بصفتها التي تمثل “واقعي” الفرق الجنسي، أي كواقعية صلدة تؤكد عليه باستمرار، ولكن تقاوم دوما ترجمته بقدر كافٍ في وقائع متعلقة بالنظامي “الرمزي” و”الخيالي”. نظرًا لعدم كونه معطى جنسيا بيولوجيا، ولا كونه مبني جندريا اجتماعيًا، فإن الواقعي الخاص بالجنسنة هو المسؤول عن عدم وجود علاقة طبيعية و/أو ثقافية يمكن تمثيلها وترميزها تماما في الأوضاع المتجنسنة (وفقًا لمقولة لاكان “لا وجود لعلاقة جنسية”)، وتصور الأوضاع البنيوية-النفسية التي خصصت للذكورة والأنوثة بأن لا وجود لتقابل جوهري، ولا وجود لمقايسة اساسية بين أوضاع الذوات، إذ أن ترتيبهم القائم على اقتصاديات ليبيدية متمايزة الأنواع، لا تدل على تطابقهم مع بعضهم (رغم تفاعلهم).

4.2. اقتصاد الليبيدو عند لاكان

يستند ميتا-سيكولوجيا (ما وراء علم النفس) فرويد عن الاقتصاد الليبيدي، وعن الآليات التحفيزية الأساسية للحياة النفسية، على نظريته في الدافع (Trieb بالألمانية)، وقد شرحها جاك لاكان وتوسط بإطارها النظري الفرويدي حيث أعاد صياغة بعض مفاهيم فرويد، وأضاف عليها مفاهيم أخرى من عنده.

1.4.2. الحاجة، والطلب، والرغبة، والإخصاء

     تشكل الحاجة والطلب والرغبة مصطلحات ثلاثية المفاهيم في النظرية اللاكانية، فالحاجات هي عبارة عن متطلبات حيوية فطرية بيولوجية للإنسان من حيث كونه كائنا حيا، إذ يولد البشر مثقلين بهذه الإملاءات الجسدية منذ البدء، وبحسب طرح فرويد عن العجز Hilflosigkeit ، فإنهم لذلك عاجزون عن إرضائها لأمد طويل منذ بداية مرحلة الطفولة (انظر 2.2 أعلاه).

     وبحكم أن الرضيع عاجز ومحتاج في الآن معا طوال مسيرة نموه البدني والعقلي، فإنه مضطر أن يعبر عن حاجاته للآخرين الأكبر سنا منه، إذ يلجأ لهم ( بحسب الأبعاد الثلاثة للآخر وال-آخر وفقا لنظرية جاك لاكان في النظم، انظر 2.3 أعلاه) طلبا للمساعدة لتلبية احتياجاته وإرضائها. وبالطبع يعبر الرضيع في سن مبكر بالبكاء، والصراخ، والإيماءات، وما شابه ذلك، عما هو في حاجة إليه، وذلك قبل أن يكتسب القدرة على الكلام اللغوي، ويلفتون بذلك انتباه من حولهم من كبار السن عن طلباتهم.

في هذه المرحلة المبكرة، يضطر الرضيع إلى الاعتماد أيضا على الآخرين الذين يتواصل معهم على هذا النحو لفهم “معنى” هذه التعبيرات (مثلا: “أه ، أنت جائع”، “أه ، هذا يعني أنك متعب” ” لذا حان الوقت لتغيير حفاضاتك” ، وغير ذلك)، ومن خلال هذه التفسيرات العفوية، يشارك هؤلاء، سواء عن دراية أو من دونها، الطفلَ في المراحل الأولى التي لم يكتسب بها بعد القدرة على التلفظ اللغوي، في أن يربط بين الحاجات ودلالة هذه التعبيرات التي تحدث بوسط اجتماعي، وبذلك يضفي الآخرون على أصوات وحركات الطفل دلالةَ أن تكون “طلباً”.

وبهذا، فإن ما يقدمه هؤلاء الآخرون يفيد نوعا آخر من المساعدة، بالإضافة إلى المساعدة في تلبية الحاجات بحد ذاتها، وهذا لا يعني أنه لا توجد علاقة طبيعية على الإطلاق بين الحاجات والتعابير الدالة عليها، قبل مرحلة الكلام اللغوي، إذ إنها كذلك متصلة بمخزون الأطفال السلوكي. ولكن، يمكن القول، إن الرضع ليسوا واعين وعياً ذاتيًا وتلقائيًا بها على هذا النحو، وردود القائمين برعايتهم عليها تساهم مساهمةً أساسيةً في مساعدتهم على أن يصبحوا مدركين إدراكا صريحا بأن ثمة اقترانا بين الحاجة والتعبير عنها.

      بينما يكبر الرضيع، فإنه يكتسب القدرة على الكلام اللغوي عاجلاً، ويؤثر ال-آخرون والآخرون (خاصةً في تفاعلهم البينذاتي، بصفتهم من ينقلون علامات ودوال الكبير ال-آخر بحسب النظام الرمزي المتجاوز للذات – انظر 2.1.2 و 2.3 أعلاه) تأثيراً متزايداً في خلق الروابط التي تقرن بين الحاجات والطلبات. على سبيل المثال، كجزء من عملية التنشئة الاجتماعية والتعلم، يبدأ الآباء عادةً في الإصرار على وضع القواعد التي يعبر الطفل في حدودها عن متطلباته، ودوافعه بطريقة معينة (“قل” من فضلك “و” شكرًا لك “” “اسأل جيدًا” “في هذه العائلة ، لا نصرخ عندما نشعر بالجوع ،” وغيرها من التعابير الأخرى ). 

وهكذا يتعلم الطفل أنه يتحتم عليه قبول “خطاب ال-آخر”، واستيعابه والتحدث به (في هذه الحالة، الآخر هو الأم والأب) من أجل التعرف على احتياجاته والاقرار بها، والتعاطي معها بطريقة مرضية.  باختصار، يتحتم على الطفل أو الطفلة أن يطلبا وفقا لصيغة محددة بشروط وتوافقات، قد فرضتها الأنظمة الاجتماعية الرمزية التي يمثلها ال-آخرون والآخرون، ويؤكد جاك لاكان على أن دوال الآخرية الرمزية في نهاية المطاف “تطمس” الحاجات الجسدية الطبيعية، بفعل ديناميات الطلب البينذاتية والمتجاوزة للذاتية. وهو الفعل الذي على أساسه ينزع الاقتصاد الليببدي هذه الحاجات من جوهرها الطبيعي، وإخضاعها إلى القوى والعوامل الثقافية.  والكثير من هذا يترسب في نفسية الناشئ والناشئة، وبعد ذلك يؤثر تأثيرًا حاسمًا (غالبًا بطرق لاواعية) على الاقتصاد الليبيدي لديه طوال حياته أو حياتها.
     في كتابه “دلالة الفالوس” (عام 1958)، يقدم لاكان صيغة مختصرة لتحديد “الرغبة”، وعلاقتها بكل من الحاجة والطلب، وينص على أن الرغبة هي التي تبقى بعد أن تُطرح الحاجة من الطلب، لكن ماذا تعني هذه المعادلة بالضبط؟ من خلال ترجمة الحاجات إلى طلب، تصبح مثقلة بدلالة فائضة تفيد أكثر من الاعتبارات البيولوجية؛ تستولي المتطلبات الحيوية الحمل الزائد من المعاني التي ترتفع عن مستوى شرط البقاء حياً، التابعة للمملكة الحيوانية البسيطة.  وإلى حد كبير بفضل ما يضيفه ال-آخر والآخر لتجارب الطفل في الحاجات بتفسيراتها المتراكمة بصفتها طلبا اجتماعيا-رمزيا، فإن تلبية حاجات الطفل أو الطفلة تكون استجابة لطلبه أو لطلبها يجعلها في المقام الأول عبارة عن اختبارات تحدد ما هو موقفه أو موقفها حيال التعامل مع هؤلاء ال-آخرين والآخرين المعنيين.

فإن الحصول على أطعمة معينة من قبل أحد الوالدين استجابةً لطلب يصدر من شعور بالجوع، قد يفيد الطفل أو الطفلة بأنه ليس فقط والديه قد فهما أنه لابد من تلبية حاجته إلى تناول الطعام، ولكن الأهم من ذلك، أنهما أيضا يحبانهما، وأنه أو أنها تتمتع بمكانة أثيرة، تحتل الأولوية لديهما. لذلك يؤكد لاكان أن كل طلب هو في الأساس طلب للحب، وبالعودة إلى معادلة “الطلب – الحاجة = الرغبة”، ما يٌرغب به، عند الطلب، ليس عن تلبية الحاجة التي عُبر عنها وحسب، بل، بالإضافة إلى ذلك، هو طلب للحب بحد ذاته.

      طلبات الأطفال التي لا تنتهي مألوفة جدا للآباء والأمهات (“أريد ساندويتش”، “حسنًا، ها هي ساندويتش” … “أريد مصاصة”، “حسنًا، إليك مصاصة” … “أريد لعبة جديدة”، ” حسنًا، هذه لعبة جديدة ” وهكذا دواليك إلى أن تنهكهم هذه الطلبات، فيأتي الرد بـ”لا” كمواجهة خائرة ضد احتجاج قوي يحتج به الأطفال في هذه الحالة). إن الكبار، سواء الأم أو الأب أو غيرهما، على وعي بقلق مشابه يكمن في الرغبة من خلال تجربتهم الخاصة، الذي يصاحب الشعور بالعجز حيال الظفر بشيء أو تحقق نجاح يمثل لهم “كل شيء” أي الذي بالحصول عليه ينتهي كل ما يُنشد إلى الأبد. 

وبالمثل، لا يكتفي الشخص البالغ في العلاقة العاطفية أبدًا بأن يعلم بأن المحبوب قد أحبه مرة واحدة فقط، إذ يصر هو أو هي على تكرار التأكيد دوما من قبل آخر معنيان به بعبارة: “أحبك” (كما لو لم يكن هناك تأكيد كافٍ على الإطلاق). بحسب جاك لاكان، تتضح هوامش حالة عدم الاشباع الذي يظهر كشعور بحكة تعود دوما، ولا تزول مطلقا بهرشها، سواءٍ لدى الأطفال أو الكبار، في ماهية “الحب” المتضمن في كل طلب من الطلبات، وذلك في الفائض، وفي اشباع الرغبة الموازية لها أيضا، فالطلب هنا هو استحالة المستحيل على أساس نظرية النظام لل-آخر أو الآخرية لدى لاكان (انظر 2.1 و 2.3 أعلاه).

وتغدو السلبية التي لا تقبل أن تتحول إلى موضوع  للآخرية الواقعية التي تتسم بالحركية والانزلاق (مثل: عاطفة هائمة دوما، وتثبيت، وغير ذلك من رغبة ال-آخر الواقعي سواء الواعية أو اللاواعية)، موضوعا إيجابيا ساكنا وثابتا (أي، كموضوع قد اعد ليقدم كجزء من استجابة لطلب)، لنضرب مثال الجوع مجددا، في حين أن ال-آخر و الآخر يمكن أن يستجيب لطلب للأكل، وتوفير الغذاء الذي يلبي الحاجة إلى التغذية، فإنه لا يقدر أساسا على تحويل كينونة نواة رغبته أو رغبتها (أي، الجانب الغير موضوعي من “حبه أو حبها “) في موضوع ملموس من بين أشياء أخرى تمنح مع الطعام وما يشابهه، (كما سَيُتناول ذلك هنا قريبًا، انظر 2.4.3 أدناه).

تظهر الهُوام الواعية واللاواعية في جانب طالبي الرغبة – وكل منّا هو طالب رغبة – التي يثيرها الشعور بعدم الاشباع اللازم والحتمي المصاحب للرغبات. وتستسر خلف رغبات يستحيل اشباعها عن طريق رسم سيناريوهات تتضمن وجود موضوع لم يظفر عليه (حتى في معاودة المحاولة)، من حيث كونه يمثل “كل شيء” حين نظفر به، علاوة على ذلك في هذه السيناريوهات الهوامية (الفنتازية)، ثمة إجابات على الأسئلة التي تطرحها الرغبات المتوارية في ال-آخرين الواقعي (“ماذا يريد الآخر ؟ ويريد مني تحديدًا؟”).

      إن تدخل دوال النظام الرمزي (أي خطابات ال-آخرين الكبار) –كما هو واضح الآن- هو جزء لا يتجزأ من نشأة المثلث القائم على الحاجة-الطلب-الرغبة؛ من خلال اقتحام هذه الدوال التي تتسرب إلى جسم وعقل الطفل اليافع، تتحول كينونة الحاجة بذاتيتها الأصلية إلى ذات للرغبة، مارةً عبر حقل الطلبات (بكل معنى الكلمة المضافة لها).  مثل هذه الذات يفرض عليها “المنع” (جبريا يشير لاكان إلى ذات الرغبة المحظورة بـ “$”).  فتصبح رغبتها مغتربةً عن حاجتها الطبيعية، منحرفةً إلى مسار غير طبيعي، إذ قُرر عليها بأن لا تصل إلى المتعة. 

وبخصوص مراجعات لاكان لعقدة أوديب (انظر 2.3 أعلاه)، حوّل الإخصاء الفرويدي إلى “إخصاء رمزي”، وبدلاً من أن يكون مشهدًا حقيقيًا أو متخيلًا، يشي بخطر معين يهدد تكامل أعضاء الجسد، فإنه يحرك التأثيرات الثنائية الجسدية والنفسية المُقلِقة التي تؤثر على الطبيعة الحيوانية في البشري، وذلك في المرحلة العمرية التي لم تتسم بالنضج بعد.  ومرد ذلك هو اقتحامها وخضوعها إلى السياقات الاجتماعية الرمزية المحيطة، وجعلها تعتمد دوالاً تعتبر غريبة الدلالة.

2.4.2. الدافع والتلذذ (Jouissance)

     في نظرية الدافع drive الفرويدية، يفضي التسامي إلى دافع يصبو إلى إيجاد وسيلة لتحقيق الاشباع (Befriedigung)  مقابل “كبح-الغاية” (أي انسداد مسارها السابق عن هدف مبكر، قد كان موجها إلى دافع-موضوع).  ولكن، كما يلاحظ جاك لاكان، يرى فرويد أيضًا رأيا غريبا، وهو أن الغاية (Ziel) من وراء أي دافع هو الاشباع. ومن هنا يأتي السؤال: كيف يمكن للدافع أن يحقق الاشباع إذا كان غايته (المحددة في تحقيق الاشباع) قد كُبحت؟ رد لاكان على هذا التناقض الفرويدي الظاهر على هذا في أنه ميّز بين غاية و “هدف” الدافع كوجود ميتا –سيكولوجي; في حين أن غاية الدافع لابد من كبحها، فإن هدفه (الحقيقي) يتحقق دائمًا – وذلك لأن هدفه ليس سوى الاستمتاع بحركة لا تتوقف تحوم بتكرار حول أي عوائق قد توضع في طريقها.

     ترى قراءة معينة، وهي قراءة تجد قبولا على نطاق واسع، وتساند ما سبق ذكره أعلاه للتو (يناصرها سلافوي جيجيك والمدرسة السلوفينية اللاكانية)، أن لاكان يفرق بين الرغبة والدافع. وكما سبق أن رأينا آنفا، (انظر 2.4.1 أعلاه) ، فإن الخاصية الأساسية للرغبة هو السعي المضطرب والقلق الذي لا يفضي إلى نتيجة مجدية، إذ لا تنال الرغبة ما تريده بكونه “كل شيء”.  وبينما هي في وضع معلق لعدم اشباعها، فإنها تهيم من شيء إلى شيء آخر، وهكذا دواليك (في حركة منظمة شبيهة بـ “بلانهائية زائفة/رديئة ” بحسب وصف هيجل).  إن الدافع يستمد قوته من لذة منحرفة من الليبيدو، تتغذى من رغبة تحوم حول بؤرة متلاشية يستحيل القبض عليها، وحيث يكون “التلذذ” محبطاً، يروي الدافع عطشه من خلال السعي لتحقيق الاشباع، وذلك بأن يتغذى بنهم من عدم اشباع الرغبة.

       كما هو حال النظام “الواقعي” الذي يرتبط بالتلذذ Jouissance ارتباطًا وثيقًا، (وهو المفهوم الذي برز في نهاية الخمسينات)، فإن التلذذ كذلك من العسير أن يُحدد بصيغة معينة. بحلول نهاية خط مسار لاكان في بداية الثمانينيات، أصبح لهذا المصطلح عددًا كبيرًا من الدلالات، انقسمت وتجزأت إلى مجموعة واسعة من المفاهيم المتمايزة عن بعضها، وإن كانت متصلة ببعض، في مباحث لاكان في اللغة الإنجليزية، تُترك كلمة ” Jouissance “، بالأعم الأغلب، من دون ترجمة، نظرًا لأن مكافئها في اللغة الإنجليزية، وهي “enjoyment”، لا تلتقط دلالتها الجنسية التي تفيدها الكلمة بلغتها الأصلية بالفرنسية.

     أفضل طريقة للبدء في فهم ما يعنيه جاك لاكان عن مفردة “تلذذ” هو الإشارة إلى الفارق اللاكاني بين الدافع والرغبة (انظر 2.4.2 أعلاه)، وذلك فيما يختص بشروطها التي حددها فرويد في مفهوم “دافع الموت” الفاضح (Todestrieb)  الذي صُيغ في وقت متأخر في نظرية الدافع المزدوج (طرحت لأول مرة في كتابه “ما وراء مبدأ المتعة” عام 1920). وكما في مفهوم “دافع الموت” لدى فرويد، فإن “التلذذ” لدى لاكان  هو أيضا يقع في “ما وراء مبدأ المتعة”، يعتقد فرويد بعد عام 1920 أنه يمكن القول أن كل دافع هو عن دافع الموت، مما يعني أن كل دافع ربما يعمل، على الأقل في نواحٍ وأوقات معينة، بعكس سعي اللذة، كما في التوازن والإشباع والثبات، وغير ذلك. 

على نفس المنوال، يستخلص الدافع اللاكاني “التلذذ” من حالة الإحباط وفشل الرغبة؛ في حين أن هذا التلذذ يتكيف مع الغاية المراوغة للذة بكونها اشباعا لها، ويوّلد الدافع “تلذذ، وراء مبدأ اللذة”، وذلك على وجه التحديد بكبح الرغبة نفسها. ومن هنا، فإن العديد من الآثار السادية والمازوخية المحتملة في هذا الجانب من الاقتصاد الليبيدي ليس من العسير تخيلها.

     واحدة من العديد من الظواهر السريرية التي دفعت فرويد إلى ترك مبدأ اللذة في عام 1920 كحاكم مهيمن سابق على النفس برمتها، هو “القهر التكراري” (Wiederholungszwang) – على وجه التحديد، تكرار النفس القهري المقلق للأمر المؤلم و/أو الصادم (تشمل الأمثلة على ذلك اضطرابات ما بعد الصدمة، وما يسمى “رد الفعل العلاجي السلبي” ، والأنواع المتكررة من الهزائم الذاتية التي ينظمها العصابيون أنفسهم بلاوعي). واحدة من وظائف نظرية دافع الموت هي رصد أي شيء يتجاهل أو يعطل حكم مبدأ اللذة باعتباره “قانونً” أساسيًا للحياة العقلية. وفي جهاز جاك لاكان المفاهيمي، تشير كلمة “التلذذ” Jouissance  في بعض الأحيان أيضًا إلى قوة/اتجاه سائد يفرضان تكرار التجارب أو الأحداث التي تزعج التوازن الهادئ واللطيف في الذاتية النفسية للواقع الخيالي الرمزي، (ومن ثم ارتباط التلذذ مع “الواقعي”).

     في العملية التي يكتسب بها المولود ككائن بيولوجي كلاً من الأنا والذاتية المتكلمة – وهذا يتضمن الكائن الحي الذي ينضوي تحت مصفوفات الواقع الخيالي-الرمزي، ويفترض أن يفقد المخلوق البشري، من خلال الإخصاء الرمزي (انظر 2.4.1 أعلاه) ) ، المسار الذي به يصل إلى التلذذ المباشر المركز بكثافته الخام (سواء كان هذا حدثًا وقائعيا صلبا في تطور التكويني العضوي الخطي أو الزمني أو الهُوام الذي يأتي لاحقا بأثر رجعي، فإنها مسألة معقدة في نظرية لاكان)، والتلذذ الذي يفترض أن الذات المتكلمة قد فقدته، يعود فقط متنكراً بما يمكن تسميتها بـ”التجارب المحدودة” ، أي أن التلذذ يواجه الأمر الذي يُعدم، أو لا يمكن دمجه ، أو ما يكون عارما، أو صادما ، أو ما لا يمكن أن يحتمل. 

وبالمثل، يتعلق التلذذ -بهذا السياق- بالانتهاكات العدائية، وخرق الحدود، وكسر الحواجز.  ومن العسير، إذن، إن لم يكن من المستحيل، للكائن المتكلم أن يستوعب التلذذ ويحتمله ويهضمه، بل يُفرض عليه أن يتعايش بلا استقرار مع إشكالية التلذذ دوما.

3.4.2. الهُوَام، والموضوع “أ” (Fantsay and Object a)

على خطى نقاش فرويد عن التهويم في الحياة النفسية، تعاطى جاك لاكان مع الهُوامات كخطاطة Schematization (بمعنى مشابه لمعناها لدى كانط) في الذاتية الراغبة، سيما تلك التي تعمل على مستوى تكوينات اللاوعي الأساسية.  وبكلمات أُخر، فإن ما نريد ونتمنى من موضوع محدد يتشكل ويدار من قبل قالب عام خاص، هو عبارة عن شغف بشيء ما متفرد ونموذجي، جاعلاً هذه الذات الراغبة تتصرف بسلوك محدد في مقابل موضوع معين من الرغبة، وهذا القالب لما هو يُشغِف بشكل أساسي التفرد هو ناتج عن التكوين اللاواعي، فإنه يعمل كحالة مفارقة لإمكانية الاقتصاد الليبيدي في جميع مظاهره الحاسمة العَرَضية [أي الأعراض التي تظهر في الأمراض]. جبريم الهُوام لدى لاكان هو ( $ ◊a  )، يشير $ إلى ذات الرغبة التي ظهرت بفعل ما ينتجه الحظر أو التقسيم  الذي يحدث بتأثير ال-آخرين (انظر 2.3 و 2.4.1 أعلاه).

     يشير حرف “أ” إلى الموضوع الصغير (وهو بالفرنسية object petit a)، وهو الموضوع “أ” المذكور في عبارة لاكان: ” الموضوع-سبب الرغبة”، واستخدم لاكان حرف “أ” في “الموضوع أ” object a، لأن هذا “الموضوع” هو بمثابة كيان خاص مفترض لما يمكن أن يكون مؤهلا بأن يصبح هو “كل شيء” الذي تصبو له الذات الراغبة (انظر 2.4.1 أعلاه).  هذا الخطاط الليبيدي-المتعالي transcendental لموضوع الرغبة (أي “أ”) هو “المتسبب” بانتقاء موضوعات تجريبية معطاة في تاريخ وخبرة المرء العاطفية الجنسية-الليبيدية لتكون محط الرغبة كبدائل عن هذا “الكل شيء”. 

غير أن هذه البدائل ليست دائما كافية ومرضية بالضرورة، وذلك لأن ثمة فجوة لا يمكن ردمها أو التغاضي عنها بين موضوع “أ” للهُوام (وهو لا يقتصر فقط على ما هو تجريبي)، الذي ينشأ عما ترسب بالذات من الماضي، والموضوعات التجريبية التي تتقمص به في الحاضر والمستقبل.  وإن هذه الموضوعات الأخيرة تقع في واقع رمزي-خيالي ، محكوما عليها إلى حد ما بأن تقوم بتجسيد الفائض الذي يظل في حالة انحسار وتواري بلا نهاية (أي هو المستحيل بصفته البعد الحقيقي للموضوع “أ”).

     عودةً مرة أخيرة إلى جبريم (Matheme) الُهَوام ($ ◊ a) ، يمكن قراءة “المُعيّن” الذي يبدو على شكل الماسة على أنه تكثيف لأربعة رموز: أولا: ∧ (الرمز المنطقي للاقتران [“و “]) ؛ ثانيا: ∨  الرمز المنطقي للانفصال [“أو”]) ؛ ثالثا: > الرمز الرياضي لـ (“أكبر من”) ؛ ورابعا: < الرمز الرياضي لـ (“أقل من”).  وفقًا لنظام جاك لاكان الجبري، فإن رغبات الذات يدبجها ويقودها هوام أساسي لاواعي الذي من خلاله تُوضع الذات الراغبة ($) بالتطابق مع ما يختص بها من موضوع-سبب الرغبة (أ). ومن ثم، فإن ∧ و ∨ و> و < تمثل، بطريقة فضفاضة ومفتوحة عمداً، المتغيرات المحتملة لموضع ($) مقابل (أ). 

الموضوعات الفردية تجسد الاقتران، والانفصال، و”أكبر من”، و”أقل من” في أنماطها الخاصة، بصفة أن هُواماتها الفريدة تدل على الاندماج أو التكافل (الاقتران)، أو الازدراء أو الرفض (الانفصال) ، أو التسيد أو الهيمنة ( “أكبر من”)، أو العبودية أو الخضوع (“أقل من”)، وأياً من المواضعات الأخرى المحتملة، لما قد تكون لهذه  الأصناف الأساسية الأربعة التي تؤطر التقارب الاجتماعية.

      في بعض أطروحات جاك لاكان المبكرة في مرحلة المرآة، كان حرف “أ” [5]يعني اختصاراً الآخر. وبتعبير أدق، في هذا السياق، يشير ” أ”  في المقام الأول إلى الآخر الصغير كالأنا الخيالية (انظر 2.2 و 2.3 أعلاه). الأنا هي “الآخر”، وليس “أناي” me الذي أخطئ بإدراكه على أنه “أناي” بقدر ما هو حاضر بواسطة مركب يتكون من موضوع خارج عن ذات أصلية proto-subject ( مثلما صورة الجسم كما في المصوَّرة- الجشطالية) واهتمامات ال-آخرين الرمزية والواقعية التي توظف هذا الموضوع بالكلمات والسلوكيات. في إطار مرحلة المرآة، يحدد أيضا “أ” (غالبا كـ”أ” مضافة إلى شيء ما) “الأنات البديلة” كشركاء خياليين، فإن الأنا بحد ذاتها تشتبك بهم، ولا تنفصل عنهم، فتعرف نفسها دوما بالإحالة على هؤلاء الشركاء.

علاوة على ذلك، هنالك بالفعل خيط من الاستمرارية بين معنى “أ” في مرحلة المرآة والموضوع أ: كلا الأنا (كـ”أ”) والهوام (مع “أ”) هما إجابات الذات على الأسئلة المحتومة: “ماذا يريد ال-آخر؟ ” و “كيف لي أن ألتزم بموقف حيال ما يتعلق برغبة ال-آخر؟” (انظر 2.3 أعلاه).  وتقارب “أ” لدى لاكان، مثل بقية رموزه الرياضية، العامل المتغير في الجبر باعتبارها خانة يمكن أن يشغلها أي عدد من أي نوع: ما يرغب به ال-آخرون هو ما يجب أن أكونه، لكي أكون موضوعاً لرغبة ال-آخر. وهو ما يهدد في الأخير مساعيي وتطلعاتي التي لا تستقر، وما قد يحدث كذلك لل-آخر المعني الذي لا أزال متعلقا به، إلخ…  ولكن ، في جميع الحالات ، يعكس حرف “أ” شعار جاك لاكان الهيجيلي-الكوجيفي الذي يشير إلى أن “رغبة الإنسان هي رغبة ال-آخر”.


المراجع

Several remarks are warranted about the bibliographies of primary and secondary Lacanian literature below. As regards primary sources, only fifteen of Lacan’s twenty-six annual seminars have been published by Jacques-Alain Miller through the Champ freudien series. As of the end of 2012, the following seminars are available in official editions: I, II, III, IV, V, VII, VIII, X, XI, XVI, XVII, XVIII, XIX, XX, and XXIII. Of these, only seven have been published as authorized English translations by W.W. Norton and Company: I, II, III, VII, XI, XVII, and XX. The primary sources listed below are the available book-length texts by Lacan. These lists do not include various separate essay-length pieces scattered across numerous places.

As regards secondary sources, I have been highly selective in compiling the list that follows. There are mountains of literature on Lacan in multiple languages. Moreover, these bodies of scholarship cover Lacan’s ideas from a vast array of disciplinary angles. Considering the context of this overview, the secondary sources listed below are, for the most part, books in English with more of a philosophical/theoretical focus.

  • Primary Sources

مؤلفات جان لاكان بالفرنسية

  • 2001, Autres écrits[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil. Includes:
    • 1938, “Les complexes familiaux dans la formation de l’individu: Essai d’analyse d’une fonction en psychologie”.
    • 1947, “La psychiatrie anglaise et la guerre”.
  • 1966, Écrits, Paris: Éditions du Seuil.
  • 2011, Je parle aux murs: Entretiens de la chapelle de Sainte-Anne[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil.
  • 2005, Mon enseignement[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil.
  • 2007, Le mythe individuel du névrosé, ou Poésie et verité dans la névrose[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil.
  • 2005, Des noms-du-père[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil.
  • 1932, De la psychose paranoïaque dans ses rapports avec la personnalité, suivi de Premiers écrits sur la paranoïa, Paris: Éditions du Seuil, 1975.
  • Le Séminaire de Jacques Lacan,
    • Livre I: Les écrits techniques de Freud, 1953–1954[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 1975.
    • Livre II: Le moi dans la théorie de Freud et dans la technique de la psychanalyse, 1954–1955[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 1978.
    • Livre III: Les psychoses, 1955–1956[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 1981.
    • Livre IV: La relation d’objet, 1956–1957[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 1994.
    • Livre V: Les formations de l’inconscient, 1957–1958[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 1998.
    • Livre VI: Le désir et son interprétation, 1958–1959[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions de La Martinière, 2013.
    • Livre VII: L’éthique de la psychanalyse, 1959–1960[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 1986.
    • Livre VIII: Le transfert, 1960–1961[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 2001 (seconde édition corrigée).
    • Livre X: L’angoisse, 1962–1963[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 2004.
    • Livre XI: Les quatre concepts fondamentaux de la psychanalyse, 1964[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 1973.
    • Livre XVI: D’un Autre à l’autre, 1968–1969[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 2006.
    • Livre XVII: L’envers de la psychanalyse, 1969–1970[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 1991.
    • Livre XVIII: D’un discours qui ne serait pas du semblant, 1971[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 2006.
    • Livre XIX: …ou pire, 1971–1972[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 2011.
    • Livre XX: Encore, 1972–1973[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 1975.
    • Livre XXIII: Le sinthome, 1975–1976[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil, 2005.
  • 1973, Télévision, Paris: Éditions du Seuil.
  • 2005, Le triomphe de la religion, précédé de Discours aux catholiques[ed. Jacques-Alain Miller], Paris: Éditions du Seuil.

Work by Lacan in English Translation

  • Écrits: The First Complete Edition in English[trans. Bruce Fink], New York: W.W. Norton and Company, 2006. Includes:
    • 1945, “Logical Time and the Assertion of Anticipated Certainty: A New Sophism”
    • 1946, “Presentation on Psychical Causality”
    • 1948, “Aggressiveness in Psychoanalysis”
    • 1949, “The Mirror Stage as Formative of the IFunction as Revealed in Psychoanalytic Experience”
  • Feminine Sexuality: Jacques Lacan and the école freudienne[ed. Juliet Mitchell and Jacqueline Rose; trans. Jacqueline Rose], New York: W.W. Norton and Company, 1982.
  • My Teaching[trans. David Macey], London: Verso, 2008.
  • On the Names-of-the-Father[trans. Bruce Fink], Cambridge: Polity, 2013.
  • The Seminar of Jacques Lacan,
    • Book I: Freud’s Papers on Technique, 1953–1954[ed. Jacques-Alain Miller; trans. John Forrester], New York: W.W. Norton and Company, 1988.
    • Book II: The Ego in Freud’s Theory and in the Technique of Psychoanalysis, 1954–1955[ed. Jacques-Alain Miller; trans. Sylvana Tomaselli], New York: W.W. Norton and Company, 1988.
    • Book III: The Psychoses, 1955–1956[ed. Jacques-Alain Miller; trans. Russell Grigg], New York: W.W. Norton and Company, 1993.
    • Book V: Formations of the Unconscious, 1957–1958[ed. Jacques-Alain Miller; trans. Russell Grigg], Cambridge: Polity, 2016.
    • Book VII: The Ethics of Psychoanalysis, 1959–1960[ed. Jacques-Alain Miller; trans. Dennis Porter], New York: W.W. Norton and Company, 1992.
    • Book XIII: Transference, 1961–1962[ed. Jacques-Alain Miller; trans. Bruce Fink], Cambridge: Polity, 2015.
    • Book X: Anxiety, 1962–1963[ed. Jacques-Alain Miller; trans. A.R. Price], Cambridge: Polity, 2014.
    • Book XI: The Four Fundamental Concepts of Psychoanalysis, 1964[ed. Jacques-Alain Miller; trans. Alan Sheridan], New York: W.W. Norton and Company, 1977.
    • Book XVII: The Other Side of Psychoanalysis, 1969–1970[ed. Jacques-Alain Miller; trans. Russell Grigg], New York: W.W. Norton and Company, 2007.
    • Book XX: Encore, 1972–1973[ed. Jacques-Alain Miller; trans. Bruce Fink], New York: W.W. Norton and Company, 1998.
    • Book XXIII: The Sinthome, 1975–1976[ed. Jacques-Alain Miller; trans. A.R. Price], Cambridge: Polity, 2016.
  • Talking to Brick Walls: A Series of Presentations in the Chapel at Sainte-Anne Hospital[trans. A.R. Price], Cambridge: Polity, 2017.
  • Television/A Challenge to the Psychoanalytic Establishment[ed. Joan Copjec], New York: W.W. Norton and Company, 1990.
  • The Triumph of Religion, preceded by Discourse to Catholics[trans. Bruce Fink], Cambridge: Polity, 2013.

مؤلفات عن جان لاكان من مؤلفين آخرين

  • Freud, S., 1966, Project for a Scientific Psychology, in Sigmund Freud, The Standard Edition of the Complete Psychological Works of Sigmund Freud[ed. and trans. James Strachey, Anna Freud, Alix Strachey, and Alan Tyson], vol. I, London: The Hogarth Press, pp. 281–397.
  • Freud, S., 1958, Totem and Taboo, in Sigmund Freud, The Standard Edition of the Complete Psychological Works of Sigmund Freud[ed. and trans. James Strachey, Anna Freud, Alix Strachey, and Alan Tyson], vol. XIII, London: The Hogarth Press, pp. ix-162.
  • Freud, S., 1955, Beyond the Pleasure Principle, in Sigmund Freud, The Standard Edition of the Complete Psychological Works of Sigmund Freud[ed. and trans. James Strachey, Anna Freud, Alix Strachey, and Alan Tyson], vol. XVIII, London: The Hogarth Press, pp. 1–64.
  • Hegel, G.W.F., 1977, Phenomenology of Spirit[trans. A.V. Miller], Oxford: Oxford University Press.
  • Kojève, A., 1969, Introduction to the Reading of Hegel: Lectures on the Phenomenology of Spirit[ed. Allan Bloom; trans. James H. Nichols, Jr.], Ithaca: Cornell University Press.
  • Lévi-Strauss, C., 1969, The Elementary Structures of Kinship[trans. J.H. Bell and J.R. von Sturmer], Boston: Beacon Press.
  1. Secondary Literature on Lacan in English
  • Ansermet, François and Pierre Magistretti, 2007, Biology of Freedom: Neural Plasticity, Experience, and the Unconscious[trans. Susan Fairfield], New York: Other Press.
  • Barnard, Suzanne and Bruce Fink (eds.), 2002, Reading Seminar XX: Lacan’s Major Work on Love, Knowledge, and Feminine Sexuality, Albany: State University of New York Press.
  • Boothby, Richard, 1991, Death and Desire: Psychoanalytic Theory in Lacan’s Return to Freud, New York: Routledge.
  • –––, 2001, Freud as Philosopher: Metapsychology After Lacan, New York: Routledge.
  • Borch-Jacobsen, Mikkel, 1991, Lacan: The Absolute Master[trans. Douglas Brick], Stanford: Stanford University Press.
  • Butler, Judith, Ernesto Laclau, and Slavoj Žižek, 2000, Contingency, Hegemony, Universality: Contemporary Dialogues on the Left, London: Verso.
  • Chiesa, Lorenzo, 2016, The Not-Two: Logic and God in Lacan, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 2007, Subjectivity and Otherness: A Philosophical Reading of Lacan, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Clemens, Justin and Russell Grigg (eds.), 2006, Jacques Lacan and the Other Side of Psychoanalysis: Reflections on Seminar XVII, Durham: Duke University Press.
  • Copjec, Joan, 1994, Read My Desire: Lacan Against the Historicists, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 2002, Imagine There’s No Woman: Ethics and Sublimation, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Cutrofello, Andrew, 1997, Imagining Otherwise: Metapsychology and the Analytic A Posteriori, Evanston: Northwestern University Press.
  • De Kesel, Marc, 2009, Eros and Ethics: Reading Jacques Lacan’s Seminar VII[trans. Sigi Jottkandt], Albany: State University of New York Press
  • De Waelhens, Alphonse and Wilfried Ver Eecke, 2001, Phenomenology and Lacan on Schizophrenia, After the Decade of the Brain, Leuven: Leuven University Press.
  • Dolar, Mladen, 2006, A Voice and Nothing More, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Dor, Joël, 1998, Introduction to the Reading of Lacan: The Unconscious Structured Like a Language[ed. Judith Feher Gurewich; trans. Susan Fairfield], New York: Other Press.
  • Evans, Dylan, 1996, An Introductory Dictionary of Lacanian Psychoanalysis, New York: Routledge.
  • Eyers, Tom, 2012, Lacan and the Concept of the “Real”, Basingstoke: Palgrave Macmillan.
  • Fink, Bruce, 1995, The Lacanian Subject: Between Language and Jouissance, Princeton: Princeton University Press.
  • –––, 1997. A Clinical Introduction to Lacanian Psychoanalysis: Theory and Technique, Cambridge, MA: Harvard University Press
  • –––, 2004, Lacan to the Letter: Reading Écrits Closely, Minneapolis: University of Minnesota Press.
  • –––, 2015, Lacan on Love: An Exploration of Lacan’s Seminar VIII, Transference, Cambridge: Polity.
  • Feldstein, Richard, Bruce Fink, and Maire Jaanus (eds.), 1995, Reading Seminar XI: Lacan’s Four Fundamental Concepts of Psychoanalysis, Albany: State University of New York Press.
  • ––– (eds.), 1996, Reading Seminars I and II: Lacan’s Return to Freud, Albany: State University of New York Press.
  • Forrester, John, 1990, The Seductions of Psychoanalysis: Freud, Lacan, and Derrida, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Grosz, Elizabeth, 1990, Jacques Lacan: A Feminist Introduction, New York: Routledge.
  • Homer, Sean, 2005, Jacques Lacan, New York: Routledge.
  • Johnston, Adrian, 2005, Time Driven: Metapsychology and the Splitting of the Drive, Evanston: Northwestern University Press.
  • –––, 2008, Žižek’s Ontology: A Transcendental Materialist Theory of Subjectivity, Evanston: Northwestern University Press.
  • –––, 2009, Badiou, Žižek, and Political Transformations: The Cadence of Change, Evanston: Northwestern University Press.
  • –––, 2013, Adventures in Transcendental Materialism: Dialogues with Contemporary Thinkers, Edinburgh: Edinburgh University Press.
  • –––, 2013, Prolegomena to Any Future Materialism: Volume One, The Outcome of Contemporary French Philosophy, Evanston: Northwestern University Press.
  • –––, 2017, Irrepressible Truth: On Lacan’s ‘The Freudian Thing’, Basingstoke: Palgrave Macmillan.
  • Johnston, Adrian and Catherine Malabou, 2013, Self and Emotional Life: Merging Philosophy, Psychoanalysis, and Neurobiology, New York: Columbia University Press.
  • Julien, Philippe, 1994, Jacques Lacan’s Return to Freud: The Real, the Symbolic, and the Imaginary[trans. Devra Beck Simiu], New York: New York University Press.
  • Lemaire, Anika, 1977, Jacques Lacan[trans. David Macey], New York: Routledge.
  • Marini, Marcelle, 1992, Jacques Lacan: The French Context[trans. Anne Tomiche], New Brunswick: Rutgers University Press.
  • Nancy, Jean-Luc and Philippe Lacoue-Labarthe, 1992, The Title of the Letter: A Reading of Lacan[trans. François Raffoul and David Pettigrew], Albany: State University of New York Press.
  • Nasio, Juan-David, 1998, Five Lessons on the Psychoanalytic Theory of Jacques Lacan[trans. David Pettigrew and François Raffoul], Albany: State University of New York Press.
  • Nobus, Dany, 2000, Jacques Lacan and the Freudian Practice of Psychoanalysis, New York: Routledge.
  • ––– (ed.), 1998, Key Concepts of Lacanian Psychoanalysis, New York: Other Press.
  • Pluth, Ed, 2007, Signifiers and Acts: Freedom in Lacan’s Theory of the Subject, Albany: State University of New York Press.
  • Rabaté, Jean-Michel (ed.), 2003, The Cambridge Companion to Lacan, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Roudinesco, Elisabeth, 1990, Jacques Lacan & Co.: A History of Psychoanalysis in France, 1925–1985[trans. Jeffrey Mehlman], Chicago: University of Chicago Press.
  • –––, 1997, Jacques Lacan: Outline of a Life, History of a System of Thought[trans. Barbara Bray], New York: Columbia University Press.
  • Salecl, Renata (ed.), 2000, Sexuation, Durham: Duke University Press.
  • Soler, Colette, 2006, What Lacan Said About Women: A Psychoanalytic Study[trans. John Holland], New York: Other Press.
  • Stavrakakis, Yannis, 1999, Lacan and the Political, New York: Routledge.
  • –––, 2007, The Lacanian Left: Psychoanalysis, Theory, Politics, Edinburgh: Edinburgh University Press.
  • Turkle, Sherry, 1981, Psychoanalytic Politics: Freud’s French Revolution, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Philippe Van Haute, 2002, Against Adaptation: Lacan’s “Subversion” of the Subject, a Close Reading[trans. Paul Crowe and Miranda Vankerk], New York: Other Press.
  • Paul Verhaeghe, 1997, Does the Woman Exist?: From Freud’s Hysteric to Lacan’s Feminine[trans. Marc du Ry], New York: Other Press.
  • –––, 2001, Beyond Gender: From Subject to Drive, New York: Other Press.
  • –––, 2004, On Being Normal and Other Disorders: A Manual for Clinical Psychodiagnostics[trans. Sigi Jottkandt], New York: Other Press.
  • Žižek, Slavoj, 1991, Looking Awry: An Introduction to Jacques Lacan Through Popular Culture, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 2001, Enjoy Your Symptom!: Jacques Lacan in Hollywood and Out, New York: Routledge, second edition.
  • –––, 2006, How to Read Lacan, London: Granta Publications.
  • ––– (ed.), 1992, Everything You Always Wanted to Know About Lacan… But Were Afraid to Ask Hitchcock, London: Verso.
  • ––– (ed.), 1998, Cogito and the Unconscious, Durham: Duke University Press.
  • ––– (ed.), 2006, Lacan: The Silent Partners, London: Verso.
  • Žižek, Slavoj and Renata Salecl (eds.), 1996, Gaze and Voice as Love Objects, Durham: Duke University Press.
  • Zupančič, Alenka, 2000, Ethics of the Real: Kant, Lacan, London: Verso.
  • –––, 2003, The Shortest Shadow: Nietzsche’s Philosophy of the Two, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 2008, The Odd One In: On Comedy, Cambridge, MA: MIT Press.

مصادر أخرى من الإنترنت

مداخل ذات صلة

Althusser, Louis | desire | feminist philosophy, approaches: continental philosophy | feminist philosophy, approaches: psychoanalytic philosophy | Freud, Sigmund | Hegel, Georg Wilhelm Friedrich | Kant, Immanuel: critique of metaphysics | love | postmodernism


[1] Johnston, Adrian, “Jacques Lacan”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2018 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2018/entries/lacan/>

[2] عربة روسية يقودها فريق يتكون من ثلاث سائسين – المترجم

[3]  يعربها هشام روحانا مترجم “معجم تمهيدي لنظرية التحليل النفسي اللاكانية” بماثيمة، لكن أفضل ترجمتها بنوع من التعريب بلفظة جبريم (أي من جبر) أسوةً بالترجمة الناجح في اللسانيات مثل صوتيم.

[4]  الهوام بضم الهاء تعني الهيام، ترجمة لكلمة fantasy ، وهي دالة على معنى رديفها المعربة (فنتازيا)، لأنه هيام شديد بشيء ما.

[5]  يترجم هشام روحانا Other بـال-آخر (بالحرف الكبير) كي يفرّق بينها و other (بالحرف الصغير) التي يترجمها بالآخر، اخترت أن اسير على مواله في رسم الاختلاف بينهما.

[6]  يعربها هشام روحانا بأكستيمية وهي لفظة من شقين خارجي وحميمي.

[7]  يترجم أحيانا بالقضيب، لكن رأيت أن تعريبه كما فعل هشام روحانا أفضل لأن له معنى خاص، يتجاوز معنى قضيب بالمعنى البيولوجي

[8]  a مقتبسة من autre أي الآخر في اللغة الفرنسية