مجلة حكمة
الفكر التطوري قبل داروين موسوعة ستانفورد

الفكر التطوري قبل داروين

الكاتبفيليب صلون
ترجمةرامي رأفت
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول الفكر التطوري قبل داروين، يبحث في الأسس المبكرة للـ الفكر التطوري، والتحولات التي طرأت في فترتي الأنوار والقرن التاسع عشر؛ نص مترجم ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة التعديل منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


(ملاحظة المحرر: ظهر الكثير من المحتوى في المدخل التالي في الأصل في المدخل بعنوان مفهوم التطور/ The Concept of Evolution إلى عام 1872. تم تقسيم الأخير إلى مدخلين منفصلين).


يشير مصطلح “التطور” في المناقشات المعاصرة إلى نظرية تغيير الأنواع العضوية بمرور الوقت. فقبل النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان المصطلح يُستخدم في المقام الأول -إن لم يكن حصريًا- بالمعنى الجنيني، للإشارة إلى تطور الجنين الفردي. تحيط أوجه الغموض نفسها في الاستخدام أيضًا بالمصطلح الألماني “Entwicklungsgeschichte” الذي استخدم في الأصل في سياق علم الأجنة Embryological. في عام 1852، استخدم الفيلسوف الإنجليزي هربرت سبنسر Herbert Spencer (1820-1903) هذا المصطلح للإشارة إلى التغيرات الكونية والبيولوجية من “التجانس” إلى “عدم التجانس”، وتحدّث هناك عن “نظرية التطور“. بينما في ستينيات القرن التاسع عشر، تم استخدام المصطلح في بعض السياقات للإشارة إلى تغير الأنواع[i]. لم يستخدم داروين نفسه هذا المصطلح المحدد لنظريته حتى كتاب “أصل الإنسان” (1871). نظرًا لأن هذه المقالة ستدرس التاريخ الواسع لهذه النظريات قبل كتاب أصل الأنواع، فإن مصطلح “التحولية أو تَطفُّر الأنواع*“، وهو مصطلح أصبح شائع الاستخدام في المصادر البيولوجية الفرنسية حوالي عام 1835، سيتم استخدامه بشكل عام في هذه المقالة لتعيين نظرية تغيرت الأنواع قبل التحول في المعنى في ستينيات القرن التاسع عشر. منذ عمل داروين، ارتبط مصطلح “التطور” بشكل نموذجي، إن لم يكن حصريًا، بنظرية الانتقاء الطبيعي (أو الانتخاب الطبيعي) باعتباره السبب الرئيسي الذي بواسطته تغيرت هذه الأنواع عبر الزمن التاريخي.

يقدم هذا المدخل مراجعة تاريخية واسعة للموضوع حتى “الثورة الداروينية“. سيتم التعامل مع الفترة الداروينية في المدخل المنفصل: داروين: من أصل الأنواع إلى أصل الإنسان/ Darwin: From the Origin of Species to the Descent of Man. سيتم فحص القضايا تحت العناوين التالية:

 

 

  1. ثباتية الأنواع، والتغيير في العصور القديمة

1.1  المناقشات الكلاسيكية (القديمة)

2.1  التنقيحات الدراسية

  1. الأسس الحديثة المبكرة

1.2  التاريخ الديكارتي للطبيعة

2.2  الميكانيزم، ونظرية ما قبل الوجود، وثبات الأنواع

3.2  المراجعات النيوتونية

4.2  حيوية الطبيعة وتغيير الأنواع

  1. تحولية بوفون في تنويرية “التاريخ الطبيعي”

1.3  بوفون، المنهج في “التاريخ الطبيعي”

2.3  بوفون، عن الجيل

3.3  إعادة تصور الأنواع

4.3  الانحطاط التاريخي للأنواع

5.3  الاستقبال للـ “التاريخ الطبيعي” لبوفون

  1. التحولية، في أوائل القرن التاسع عشر 

1.4  التحولية الفرنسية 1790- 1830

2.4  التحولية البريطانية 1830-1859

  1. الملخص والاستنتاج حول الفكر التطوري

  • المراجع (الفكر التطوري)

  • أدوات أكاديمية حول الفكر التطوري

  • مصادر أخرى على الإنترنت عن الفكر التطوري

  • مداخل ذات صلة حول الفكر التطوري


 

 

  1. ثباتية الأنواع، والتغيير في العصور القديمة

1.1 المناقشات الكلاسيكية (القديمة)

في كثيرٍ من النواحي، تعُد الفكرة العامة لإمكانية تغيير الأنواع مفهومًا قديمًا. فقد شكلت انعكاسات إمبيدوكليس Empedocles (495-35 قبل الميلاد)، وآراء علماء الذرة اليونانيين بين -فلاسفة الطبيعة ما قبل سقراط– تراثًا كلاسيكيًا حيث تم تطوير الكثير من التكهنات بشأنه لاحقًا. جمعت هذه التكهنات لفترة ما قبل سقراط بين أساطير الأصول الطبيعية مع تأملات في طريقة عمل العمليات الشبيهة بالصدفة لإنشاء حساب طبيعي لأصول أشكال الحياة الحالية (انظر مدخل: المذهب الذري القديم/ Ancient Atomism). على وجه الخصوص، حيث أعاد الشاعر الروماني تيتوس لوكريتيوس Titus Lucretius (حوالي 99-50 قبل الميلاد) تكهنات فترة ما قبل سقراط حول الذرة في الكتاب الخامس من كتابه “حول طبيعة الأشياء[ii]، كان هناك مصدر متاح في العصور القديمة وهو وضع نظرية حساب الأصل التدريجي للكائنات الحية من فوضى ذرية أولية، ومن خلال عملية غير موجهة، تقوم بفرز أفضل الأشكال الملائمة، وإزالة تلك التي لا تناسب ظروفها. 

ومع ذلك، قوبلت الروايات التخمينية للذرات الأوائل على عدة مستويات من التقاليد الفلسفية السائدة التالية، كالأفلاطونية، والأرسطية، والأفلاطونية الجديدة، والرواقية. فقد قدمت كتابات أفلاطون Plato (427-327 قبل الميلاد)، ولا سيما أسطورة الخلق الطويلة، محاورة تيموس-المحاورة الأفلاطونية الوحيد المتاحة باستمرار في التقليد الغربي اللاتيني- مصدرًا مؤثرًا غير كتابي للحُجج ضد التقليد الذري. تُعد هذه المحاورة بمثابة الموضع الكلاسيكي لمفهوم الأصل -المفروض خارجيًا- للكائنات الحية من خلال عامِل حرفي ذكي*، الذي يأمر بمسألة متصورة رياضيًا في كون عقلاني، يتضمن الكائنات الحية وفقًا للأنماط البدائية الأبدية أو المُثل، التي تَدرِك من خلال هذا النشاط كلا من الغايات الجمالية والعقلانية. بدأ حساب أفلاطون التقليد الطويل من التفكير الذي استمر في الأفلاطونية الجديدة وفي جوانب الرواقية لتشكيل أساس الحجة القائلة بأن الكائنات العضوية لا يمكن تفسيرها بعمليات شبيهة بالصدفة سواء في أصولها أو في تصميمها المعقد. كما تم التطوير بشكل خاص في الكتابات المؤثرة للطبيب اليوناني كلوديوس جالينوس Claudius Galenus (200- 129 قبل الميلاد)، حيث اعتمد التراث الطويل في علوم الحياة على علم التشريح كدليل على التصميم العقلاني. كما تفاعلت تفسيرات “التصميم الغائي” بطرق معقدة مع مفاهيم الخلق اليهودية والمسيحية والإسلامية[iii]. كما أن هنالك معنى شائع لـ “علم الغائية” كثيرًا ما تمت مواجهته في مناقشات التطور منذ داروين -وهو التصميم المفروض خارجيًا بواسطة عامل ذكي (خالق الكون المادي، أو الطبيعة، أو الله) على مادة موجودة مسبقًا- ينشأ في هذه المناقشات القديمة ولا يتم تحديده بدقة مع المفهوم الكتابي للخلق من العدم Creatio Ex Nihilo[iv]*.

ففي كتابات أرسطو Aristotle (384–322 قبل الميلاد) البيولوجية الأساسية، تم استبدال الغائية الخارجية للمصمم-الخالق بغاية غائية داخلية مرتبطة بالفعل الجوهري لسبب داخلي- في الكائنات الحية بروحهم الخبرية “إبسيكي”*، والتي تعمل على أنها السبب الرسمي والنهائي والفعَّال للحياة[v]. كما لم يؤيد أرسطو أيضًا مفهوم الأصل التاريخي للعالم[vi]، مؤكدًا بدلاً من ذلك على خلود النظام العالمي. على الأقل هكذا فُهم في تقليد اللاحقين[vii].

قضية أخرى عالجها أرسطو على نطاق واسع ذات صلة بمفهوم الأنواع “التطور الجنيني”. كان لها أيضًا آثار مهمة في المناقشات اللاحقة. ففي التقاليد المدينة بطريقة ما لفلسفة أرسطو الطبيعية، التوليد الجنسي والتطور الجنيني اللاحق للفرد من المادة البدائية، هي عملية متسلسلة تحدث في الوقت المناسب تحت تأثير الروح الغائية (إبسيكي). في حساب أرسطو نفسه، عادة ما يستمد هذا المُثل/الروح كما هو من الأصل، ويكونوا الذكور، ولكن يمكن أيضا أن تستمد من مكان اخر، ويمكن حتى من الشمس، كما استخدمه في شرح أصل الأشكال التي ولدت بطريقة عفوية[viii].

شكّلت نظرية عبور الروح كشكل جوهري في الجيل أيضًا أساسًا لمعنى واحد لكلمة “المُثل” “إيدوس”* في أعمال أرسطو البيولوجية -باعتبارها الشكل الفردي المتناثر الذي يستمر في التوليد إلى الأبد. على الرغم من ارتباطها بنظرية معقدة للتجريد العقلي بالعام في الفكر واللغة، فإن “المُثل” بهذا المعنى البيولوجي ليست كلية، ولكنها تسلسل تسلسلي أبدي لفرد يولد فردًا آخر[ix]. أهمية هذا المعنى لكلمة “المُثل” على أنها متميزة عن معنى “الأنواع باعتبارها كلية” لها أهمية في العديد من القضايا التي تم استكشافها في القسمين 3.3 و4.3 أدناه. تتعلق إحدى القضايا التفسيرية في تفسير مفهوم أرسطو للأنواع بمدى التزامه بتأكيد أي شيء يتجاوز خلود المجموعات الرئيسية الثلاث (نوع) -النباتات والحيوانات والبشر- بدلاً من خلود كل نوع فردي (المُثل/إيدوس)[x].

 

2.1 التنقيحات الدراسية

تنوعت تداعيات فكر أرسطو المعقد للمناقشات اللاحقة حول المُثل/الأنواع، والتي ولدت من خلال استعادة كتاباته في الغرب اللاتيني في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. من ناحية، يبدو أن المطلب الميتافيزيقي الواضح لأرسطو بأن تكون الروح كشكل (مُثل) ثابتة، ومستمرة خلال عملية توليد “مِثل مِن مِثل”، يبدو أن الكثير من التقاليد ترقى إلى إنكار إمكانية أن يمكن أن تتغير الأنواع بمرور الوقت في خصائصها الأساسية، على الرغم من أن التكيف المحلي في الخصائص “العرضية” كان ممكنًا تمامًا. نظرًا لأن الكائنات الفردية كانت تعتبر مركبات ديناميكية لركيزة مادية، ومُثل غير مادي وأبدي، فإن التمايز العرضي للشكل الأساسي في الأفراد لم يؤثر على التحمل الميتافيزيقي للأنواع. كما جعل انقراض الأنواع مستحيلًا ميتافيزيقيًا. في الكائنات الحية، يتم تمرير الروح –كمُثل بشكل متسلسل عبر الزمن عن طريق فعل التوليد/التكاثر لخلق استمرارية أبدية للمُثل. قُدم هذا أساسًا ميتافيزيقيًا لمفهوم بقاء الأنواع دون الاعتماد على عامل خالق خارجي.

في خلفية مناقشة العصور الوسطى اللامعة، كانت أيضًا نظرية “الخلق الإلهي” المُعتَمد في الفكر اليهودي والمسيحي والإسلامي الموروث. قد تطلب هذا التمييز بين الأصل الأول للأنواع في الزمن التاريخي، والجيل الطبيعي للفرد. إذا كان أصل الأنواع يُعزى إلى الفعل الإلهي، فإن الظهور الزمني لهذه الأنواع لم يكن بالضرورة فوريًا. كانت هذه العقيدة أساس نظرية أوغسطينوس أسقف هيبو Augustine (354-430) للخلق الأصلي للبذور البدائية (Rationes Seminales)* لكل نوع في لحظة أولية من الزمن، ولكن مع ظهور الأنواع في الزمن التاريخي كاحتمالية[xi]. سمحت نظرية الخلق المؤقت هذه -التي تم طرحها بالتفصيل في أطروحته “التفسير الحرفي لسفر التكوين The Literal Interpretation Of Genesis“- لأوغسطينوس أن يجادل بأن الأنواع نشأت بالتتابع في الزمن التاريخي بدلاً من ظهورها كلها مرة واحدة.

استعادت عمليات الاسترداد النصية العظيمة في الغرب اللاتيني للعلوم والطب والفلسفة اليونانية من القرن الثاني عشر حتى القرن الخامس عشر، مصحوبة عمومًا بتفسيرات إسلامية، هذه النصوص في سياق لاهوتي تم تعريفه بقوة من قِبل الأوغسطينية والأفلاطونية الجديدة. إن التفاعل بين هذا التقليد الموجود مُسبقًا مع وجهات النظر الفلسفية الجديدة حدد فترة معقدة من الهياج الفكري الذي عرّف الكثير من التاريخ الفكري والعلمي اللاحق للغرب[xii].

تطلبت الجهود المتواصلة التي بذلها كبار المؤيدين، مثل توما الأكويني Thomas Aquinas (1225-1274)، لجلب مجموعة ضخمة من الأعمال الأرسطية المستعادة حديثًا إلى حوار مع الأفلاطونية الجديدة المسيحية والأوغسطينية، رؤى جديدة لمفهوم العلاقة بين الروح والجسد، استقلالية النظام الطبيعي ودور الأسباب الثانوية في خلق العالم.

فيما يتعلق بمسألة ثبات الأنواع وأصلها، تعامل الأكويني مع هذا في حوار مع نظرية أوغسطينوس في الخلق المتسلسل. كما يعلق في مؤلفه الرئيسي، “الخلاصة اللاهوتية Summa Theologiae: الأنواع الجديدة، إذا ظهرت، موجودة مسبقًا في بعض القوى النشطة. يقترح هذا الادعاء قراءة لأرسطو افترضت الثبات الأساسي لكل مُثل جوهري يمكن تحديده، وخلود كل نوع منذ الخلق. لكن يجب قراءة هذا الاستنتاج في سياق نظرية الأكويني المعقدة عن الخلق، ومناقشات مشكلة المسلمات في الفلسفة المدرسية المتأخرة (انظر مدخل: مشكلة القرون الوسطى للمسلمات Medieval Problem Of Universals)[xiii].  يمنع هذا السياق أي صورة بسيطة للفكر المدرسي فيما يتعلق بمسألة دوام الأنواع، ولا يمكن الادعاء بأن أرسطو أو الدراسات اللاحقة للأكويني هم المسؤولون عن الموقف “الجوهري” القوي الذي يُنسب إليهم غالبًا في الأدبيات[xiv]. فكما هو موضح أدناه، يمكن القول بأن مفهوم الأنواع لم “يتم تقويته” إلا في الفترة الحديثة المبكرة مع ظهور الفلسفة الميكانيكية الآلية وعلم الأجنة المسبق المصاحب لها. إن موقف “الجوهرية القوية” غالبا ما تُنسب إلى أرسطو والسكولاستسية[xv]، حيث هو واضح نتاج التطورات التاريخية في وقت لاحق[xvi].

 

2. الأسس الحديثة المبكرة

1.2 التاريخ الديكارتي للطبيعة   

إن إعادة إدخال النظرية الذرية اليونانية والرومانية في عصر النهضة، مع استعادة (1417) وطباعة (1473) قصيدة لوكريتيوس الفلسفية عن “طبيعة الأشياء On The Nature Of Things، قَدَمَت لجمهور أوروبي متعلم سلسلة من التكهنات الكونية المؤثرة التي تضمنت حساب طبيعي لأصل الأنواع المدمجة في علم الكون المادي غير الغائي، الذي يتناقض بشكل ملحوظ مع التقاليد المدرسية والأرسطية والأوغسطينية-الأفلاطونية. ففي القرن الثامن عشر، كانت هذه التخمينات، وتلك المستمدة من مصادر ذرية أخرى (انظر المدخل: الفلسفة الطبيعية في عصر النهضة Natural Philosophy In The Renaissance)، والتي غالبًا في خلفية تأملات حديثة مبكرة حول أصول الأنواع، وتحولها المحتمل بمرور الوقت طوال القرن الثامن عشر[xvii].

كانت نقطة انطلاق جديدة في التأملات المنهجية حول أصل الأرض والكائنات الحية، والتي تُظهر بعض التشابه والاختلافات الرئيسية أيضًا عن التكهنات الذرية، وهي تواريخ على وجه التحديد من تأليف الفلسفة الطبيعية والميتافيزيقا التي وضعها رينيه ديكارت René Descartes (1596-1650) في كتابه “المبادىء للفلسفة Principia Philosophiae (لاتيني)(طبعة أولى 1644، طبعة ثانية 1647). وسعت هذه الأطروحة ولخصت القضايا التي طورها في وقت سابق في “العالم، أو رسالة على الضوء Le Monde (فرنسي)“، وهو عمل نُشر بعد وفاته فقط في عام 1664، مع ظهور طبعة محسنة في عام 1677. 

من المهم لفهم الانعكاسات اللاحقة على “تاريخ” الطبيعة، أن ندرك أن هذه التكهنات الديكارتية حول تاريخ الأرض والنظام الشمسي، قد تم تقديمها في شكل فرضية معاكسة للحقائق، سعت صراحةً إلى تجنب التعارض مع اللاهوت المقبول لتفسيرات الأصل[xviii]. في الحساب الافتراضي المقدم في كتابه المبادىء للفلسفة، اشتق ديكارت الأرض من نجم بارد “سابقًا … مثل الشمس”[xix]. وذلك من خلال تصلّبها التدريجي في دوامة سماوية كبيرة، حيث تشكّلت الأرض. ولقد شكَّل الجفاف والتصدع اللاحقان أحواض المحيطات والقارات وسلاسل الجبال.

كانت الثغرة البارزة في وصف ديكارت، مع ذلك، هي فشله في دمج أصول الكائنات الحية في قصته الطبيعية مع الخلق بالقوانين الطبيعية. على الرغم من أن المخطوطات تعرض الدرجة التي حاول بها ديكارت في عدة مناسبات إيجاد بعض الروابط بين فلسفته الطبيعية العامة والتكوين الجنيني للكائنات الحية، إلا أن هذه الانعكاسات لم تظهر في الطباعة خلال حياته[xx]. وفي كتابه المبادىء، يتخطى ببساطة حول قضية حساب طبيعي من أصل الحياة وأصل الأنواع الفردية. بدلاً من ذلك، في الجزء 4، المكرّس بشكل عام لأصل الأرض وخصائصها الفيزيائية، يقفز (في القضية 188) من مناقشة المغناطيسية إلى إشارة موجزة إلى الجزأين 5 و6 من كتابه، والتي ستتعامل مع الحيوانات والبشر[xxi]. لكن المبادئ لا تقدم سوى مناقشة موجزة لمختلف الحواس والتفاعل بين الجسد والروح شبيهًا بتلك التي وردت في أطروحته المبكرة غير المنشورة “عن الإنسان” (الطبعة الأولى باللاتينية 1662، والطبعة الثانية بالفرنسية 1664). فقد تأسست هذه التخمينات على مفهوم آلة التمثال الافتراضية التي تم إنشاؤها مباشرة من خلال الفعل الإلهي، وتمتلك على الفور جميع الوظائف والتركيبات البشرية[xxii].

نقلت تكهنات ديكارت إلى خلفائه قضيتين على الأقل تتعلقان بأصل وتاريخ الأنواع الحية.

أولاً، من خلال تقديم التفسير التاريخي لأصل النظام الشمسي والعالم كفرضية معاكسة، كوسيلة لفهم تاريخ الطبيعة الذي تم تكييفه مع قيود العقل البشري، بدلاً من اعتباره حسابًا حقيقيًا حرفيًا. حيث قدَّم ديكارت خِيار قراءة خيالية بحتة للعلوم التاريخية استمرت حتى القرن التاسع عشر[xxiii].

ثانيًا، لم يُحِل دمج الكائنات الحية في الفلسفة الطبيعية الجديدة للمذهب الطبيعي الآلي. إذا كان هناك أي شيء، فإن انعكاسات ديكارت قد أبرزت مشكلة تقديم تفسير طبيعي لأصول الكائنات الحية.

يمكن تتبع تقليدين في أعقاب انعكاسات ديكارت. بدءًا من De Solido Intra Solidum Naturaliter Contento Dissertationis Prodromus* 1669 من قبل الدنماركي نيكولاس ستينو Nicholas Steno الديكارتي (1638-1686)، بدأت الجهود لرسم الأصول التاريخية من الكائنات الحية في علم الكونيات الديكارتي، في هذه الحالة في المقام الأول عن طريق منح تلك الحفريات التي كانت بقايا كائنات موجودة على الأرض والتي تشكلت تاريخيًا. ومع ذلك، لم يكن هناك أي جهد يُبذل لتفسير أصول هذه الكائنات على المبادئ الديكارتية[xxiv].

أسس التقليد الثاني سلسلة من التأملات المنشورة في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، والتي أصبحت تُعرف في الأدبيات اللاحقة باسم “نظريات الأرض“. بدأ هذا التقليد مع Telluris Theoria Sacra*، وكانت الطبعة الإنجليزية 1684، بواسطة رجل الدين الإنجليزي توماس بيرنت Thomas Burnet (1635-1715). سعى بيرنت إلى التوفيق بين حساب تاريخي مشتق من الديكارتي لأصول الأرض مع حساب الخلق لتقليد الموسوي (نسبة إلى موسى كاتب التوراة). في حساب بيرنت، بدأت الأرض من الفوضى الأصلية التي شكلها الفعل الإلهي إلى الأرض الحالية من خلال سلسلة من التغييرات التي تضمنت الفصل التدريجي للقارات، وعكس القطبين، وفيضان الموسوي. لشرح أصل الكائنات الحية، اعتمد بيرنت على “الخصوبة التلقائية للأرض” في عالم الجنة (جنة عدن التوراتية) البدائي، بدلاً من الخلق المباشر للأشكال/المُثل من خلال الفعل الإلهي[xxv]. من خلال ربط هذا الحساب بالقصة التوراتية للإصحاح الأول من سفر التكوين، لقد انفصل بيرنت عن الواقعية المضادة الديكارتية، حيث قدم لأول مرة تفسيرًا حرفيًا مفترضًا لتاريخ تطور الطبيعة على غرار الديكارتي، والذي تضمن أيضًا أصول الأشكال الحية.

 

2.2 الميكانيزم*ونظرية ما قبل الوجود، وثبات الأنواع

روايات مختلفة قُدمت في تقليد “نظرية الأرض” اللاحقة، كما تم تضخيمها من قبل هذه الفلاسفة الطبيعية كجون راي John Ray (1627-1705)، وجون وودواردJohn Woodward (1665-1728)، ووليام ويستون William Whiston (1667-1752)، حيث فشلت في تحقيق موقف إجماعي حول مسألة التفسير الطبيعي لأصول الكائنات الحية[xxvi]. فقد قدمت الانعكاسات الجديدة حول الأصل الجنيني للكائن الحي الفردي في القرن السابع عشر كنقطة مركزية معينة، وكانت الانعكاسات حول هذه القضية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتكهنات حول أصول الأنواع.

في سياق القرن السابع عشر، تضمنت قضية أصول الأنواع أيضًا نقاشات حول إمكانية التولد التلقائي للأشكال أو الأنواع[xxvii]. أضعف دحض التجارب الذي أجراه فرانشيسكو ريدي Francesco Redi  (1626-1667) لنظريات الأصل التي تعتمد على التولد الذاتي، مثل تلك التي اقترحها توماس بيرنت، حيث الإيمان بالولادة التلقائية، لكنه لم يهدمها. قد يمكن دائمًا تفسير الدليل على التولد التلقائي من خلال اللجوء إلى نظرية أوغسطينوس عن “البذور” أو “الجراثيم” الموجودة مسبقًا.

إن الأبحاث التجريبية الواسعة على جيل من الطيور والثدييات التي قام بها وليام هارفي William Harvey (1578-1657)، والتي نشرت في وقت متأخر من حياته في كتابهExercitationes De Generatione Animalium (لاتيني- ويعني ملاحظات على جيل من الحيوانات) في 1651، وثَبَتَ أن تكون قنبلة في هذه المناقشة. زعمت دراسات هارفي الدقيقة أنها دحضت على أسس تجريبية كل من نظرية المادة-المُثل الأرسطية للتوليد الجنسي، وكذلك نظرية” البذور المزدوجة “القائمة على افتراض وجود السائل المنوي المتكافئ للذكور والإناث. وقد تم تبني هذه النظرية الأخيرة من قبل علماء الذرات القدامى من قِبل جالينيك Galenic وأبقراط Hippocratic الطبيين، وأغلبية أطباء عصر النهضة. نظرية البذور المزدوجة تم قبولها من قبل علماء الذرة في وقت مبكر بعد الحداثة مثل بيير جازيندي  Pierre Gassendi (1592-1655)، وناثانيال هايمور Nathaniel Highmore (1613-1685)[xxviii]. نتيجة لذلك، عندما نُشرت تكهنات ديكارت حول التكوين الجنيني بعد وفاته أخيرًا في عام 1677، حيث اعتمد أيضًا على مزيج من البذرة الذكرية والأنثوية التي تنظمها قوانين الطبيعة ونظرية الدوامة Vortex Theory، فقد قوبلوا عادةً بالسخرية (انظر الاقتباس لجاردن أدناه- سيأتي ذكره). كانت استفسارات هارفي الأجنة المفصلة لعام 1651 قد قوضت بالفعل بشكل خطير القواعد التجريبية لهذه الادعاءات. لذلك كان من الصعب أن تجد أي مؤلف يؤيد الحل كما قدمه ديكارت.

هذه الصعوبات التجريبية مع كل من النظريات الموروثة الرئيسية للتوليد، وكذلك مع التفسيرات البديلة “الميكانيزمية” الجديدة للتكوين الجنيني لجازيندي وهايمور وديكارت أنتجت أزمة مفاهيمية داخل برنامج الميكانيزمية العالمية التي اقترحت أن الميكانيزمية العالمية لا يمكن أن تتعامل سببيًا مع واحدة من أهم القضايا في فلسفة الطبيعة. هناك حاجة لإيجاد حل آخر.

نتيجة لفشل التخلق المتوالي “الميكانيكي”، حل الميكانيكيون ما بعد الديكارتيين هذه المسألة بنظرية “الوجود المسبق Pre-Existence”. يمكن إرجاع الأسس العلمية لهذا إلى عمل عالم الميكروسكوب يان زفامردام Jan Swammerdam (1637-1680) في أواخر ستينيات القرن السادس عشر، وذلك على أساس ملاحظاته المجهرية حول تطور الحشرات. جاء هذا التطور الفلسفي لهذه النظرية من قبل الفرنسي الكاهن والأوراتواري (نسبة لجمعية الأوراتوار) نيكولاس مالبرانش Nicholas Malebranche (1638-1715)، الذي كان مؤثرًا بـ  “ Recherche De La Vérité وتنعني البحث عن الحقيقة”* في 1674، لإعادة صياغة العديد من المبادئ الديكارتية في إطار “التوحيدية”الميكانيزمية العالمية[xxix]. في هذا العمل، قدم مالبرانش نظرية جديدة للتوليد، والتي تسمى بدقة نظرية “الوجود المسبق“. وفقًا لوجهة النظر هذه، لم يتم خلق الكائن الجديد في الزمن الدنيوي، ولكنه كان موجودًا مسبقًا منذ الخلق الأصلي للعالم. هذه النظرية، التي غالبًا ما تدعمها مناشدات لنظرية أوغسطين حول خلق البذور الأصلية (انظر أعلاه القسم 2.1)، كان من المفترض أن تصبح النظرية النموذجية لما يقرب من قرن من الزمان، وكانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بنسخة من الفلسفة الميكانيكية. يمكن تتبع التعبيرات المختلفة لنظرية الوجود المسبق في التعليم العام والأعمال المنشورة لمفسرين مؤثرين في الطب الأكاديمي مثل هيرمان بويرهاف Hermann Boerhaave (1668-1738) من جامعة ليدن. تم اعتماد النظرية أيضًا في العديد من الرسائل العلمية في أوائل القرن الثامن عشر. لكن تمت إزالة مسألة أصل كلٍّ من الفرد والجنس من خلال هذه النظرية إلى الفعل الإلهي عند الخلق الأول للعالم[xxx].

يمكن التمييز بين ثلاث متغيرات على الأقل من نظرية الوجود المسبق. افترض اثنان من هؤلاء وجود أشكال في المنمنمات/الصور المصغرة، إما مغطاة في مبيض الأنثى، النسخة الأصلية، أو بعد اكتشاف الحيوانات المنوية بواسطة أنطون فان ليفينهوك Anton Van Leeuwenhoek في 1677، في خصيتي الذكر. هذه الإصدارات اثنين من “التكوين المسبق للكائنات Pre-formationism” بشكل عام أصبحت الخيارات الرئيسية التي يكتشفها المرء في الأدبيات الطبية وأمراض النساء المهنية في الفترة من 1670 إلى 1740. البديل الثالث، الذي كان له عدد قليل من الأتباع في القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، ولكنه أصبح شائعًا بشكل خاص بحلول سبعينيات القرن الثامن عشر، كان نظرية “الجراثيم Germs” مُسبّقة التشكيل/التكوين، نظرًا لبيانها الأول الواضح لكلود بيرولت Claude Perrault (1608-1680). كانت نظرية بيرولت هذه -التي تشبه إلى حد بعيد الرواية الأوغسطينية- تنص على أن أولى الكائنات الحية تَشكّلت عند الخلق الأصلي كبذور متناثرة في التربة، والتي تم أخذها منها مع الطعام. في ظل الظروف المناسبة وداخل الكائنات الحية الصحيحة، تم زرع هذه “الجراثيم” في المبايض، والتي تطورت منها بعد ذلك في استجابة للتلقيح. في جميع الروايات الثلاثة، وفر فعل الإخصاب والتلقيح الفرصة، وليس السبب، لتطور الكائنات الحية في الوقت المناسب.

كان يُنظر إلى نظرية الوجود المُسبق لحل العديد من المشاكل:

أولاً، أوضح الارتباط الوثيق للبنية والوظيفة الذي بدا أنه يتطلب وجود أجزاء من الكائن الحي في نظام متكامل. من المفترض أن القلب لا يمكن أن يخفق بدون العصب، ولا يمكن أن توجد الأعصاب بدون القلب. وبالتالي، كما ذهبت الحُجة، يجب أن يكون الكائن الحي بأكمله موجودًا مسبقًا. لذا بدا من الصعب تفسير وجود مثل هذه الأنظمة المتكاملة من خلال التطور المتسلسل للأجزاء، كما هو مضمن في نظريات التطور الأرسطية وغيرها من النظريات “اللاجينية”.

ثانيًا، تمت مواءمة هذا الحساب بسهولة مع التطورات اللاهوتية في القرن السابع عشر، لا سيما في القارة، حيث كان التأثير القوي للاهوت الأوغسطيني على الكالفينية (البروتستانتية) واليانسينية (الكاثوليكية) أكثر وضوحًا. مثال لذلك، نصت على نقل الخطيئة الأصلية. الحل الذي ظهر كان ميكانيزمية “إيمانية” أكدت قدرة الله المطلقة وسلبية الطبيعة المقابلة[xxxi].

الميزة الثالثة لنظرية الوجود المُسبق، على الأقل في الإصدارات التي احتضنت تفسير “الجراثيم مُسبقة التشكيل”، هي أنها سمحت بظهور الحياة في الزمن الدنيوي، والذي بدا أنه اقتراح وجود أشكال الحفريات. في الوقت نفسه، لم تتضمن أي نسخ من نظرية الوجود المُسبق أي تغيير في الأنواع أو تطور نوع من نوع آخر في الوقت المناسب.

أخيرًا، يمكن التوفيق بين نسخة من نظرية تكوين الجنين مع أفضل الملاحظات المجهرية في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، حيث تم الإبلاغ عن هذه من قبل خبراء في هذه الأداة مثل أنطون فان ليفينهوك Anton Van Leeuwenhoek (1632-1723)، يان زفامردام Jan Swammerdam، ومارتشيلو ملبيغي Marcello Malpighi (1628–1694)، وهنري بيكر Henry Baker (1690–1774).

أثرت نظريات الوجود المُسبق للأصل الجنيني بشكل مباشر على مسألة تحول الأنواع. أولاً، قاموا بإزالة الكائن الحي بشكل فعال من تأثيرات الظروف المحلية والظروف البيئية. ثانيًا، وضُعِوا جميعًا أصل الأنواع، وكذلك على الأقل أصل بدائية الكائن الحي الفردي، في لحظة في الخلق الإلهي الأصلي. يوضح اقتباس من مقال مراجعة معاصر عدة جوانب من أطروحة الوجود المُسبق:

“… وبالفعل، فإن جميع قوانين الحركة التي تم اكتشافها حتى الآن، لا يمكن إلا أن تقدم وصفًا ضعيفًا جدًا لتكوين نبات أو حيوان. نحن نرى كيف جاء ديكارت بشكل بائس عندما بدأ بتطبيقها على هذا الموضوع؛ لقد تم تشكيلها من خلال القوانين التي حتى الآن غير معروفة للبشرية، ويبدو أنه من المحتمل جدًا أن قوة التحمل لجميع النباتات والحيوانات التي كانت في أي وقت مضى، أو ستكون في أي وقت، قد تشكلت [منذ تأسيس العالم] من قِبل الخالق كلي القدرة، في الأول من كل نوع منها”.[xxxii]

كانت النتيجة المباشرة لهذه النظرية صلابة وقساوة جديدة أعطيت لمفهوم الأنواع التي لم تكن تمتلكها في التقاليد الأرسطية والسكولاستيكية. فقد عزّزت نظرية الوجود المُسبق تمييزًا حادًا بين الخصائص “الأساسية” و “العرضية” إلى درجة لا يتضمنها التقليد السابق. في الوقت نفسه، جعلت نظرية الوجود المُسبق من الصعب تفسير الظواهر التجريبية الواضحة، مثل البشاعة، وتجديد الأجزاء المفقودة، وتشابه النسل مع كلا الوالدين، والدليل على التباين الجغرافي، والاختلافات العرقية، ووجود أشكال هجينة مثل البغل. بدا من الضروري أن نعزو هذه الانحرافات إلى الفعل الإلهي في الخليقة الأصلية. وبالتالي أدت هذه الصعوبات في النظرية إلى مجموعة متنوعة من الانتقادات التي أدت في النهاية إلى سقوط نظرية الوجود المُسبق في شكلها الأصلي، على الرغم من أن النظرية كان لها تاريخ لاحق طويل من خلال تعديل نظرية “الجرثومة”[xxxiii].

تقدم هيمنة شكلٌ ما من أشكال نظرية الوجود المُسبق للتوليد بين عامي 1670 و1740 بعض التفسير لقلة الجهود بين الفلاسفة الطبيعيين لتطوير نظريات التحويلية لأصول الأنواع في نفس الفترة. وكان الاستثناء الملحوظ لهذا ادعاء علم الكونيات الأبيقوري حيث تشبه بعض جوانب قصيدة لكريتيوس Lucretius، وُضعت من قِبل الفرنسي الفيلسوف بنوا دي ماييه Benôit De Maillet (1656-1738) في مخطوطته الخاصة المتداولة Telliamed*، والتي كانت معروفة في الدوائر الفرنسية لمدة عشر سنوات قبل نشرها في عام 1748. في هذا العمل قدم دي ماييه تكهنات جريئة حول كيفية تطور الكائنات البحرية إلى أشكال برية مع مرور الوقت. ومع ذلك، فإن الفترة التي سبقت منتصف القرن الثامن عشر هيمنت عليها نظرية التوليد العضوي التي حالت فعليًا دون التطور الطبيعي للأنواع. يمكن النظر إلى تطور التحولية العلمية على أنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بنظريات التوليد الجديدة، وكذلك بتطوير المفاهيم “النشطة” بدلاً من المفاهيم “السلبية” للمادة.

 

3.2 المراجعات النيوتونية

كان لإدخال الفلسفة الطبيعية النيوتونية (نسبةَ إلى السير نيوتن وفلسفته) في هذه المناقشة عواقب غامضة اعتمادًا على التفسيرات المعطاة لفلسفة نيوتن الطبيعية. أسس نيوتن “المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية Philosophiæ Naturalis Principia Mathematica لعام 1687، مع الإصدارات المنقحة اللاحقة في 1713 و1726، وكان نقدًا أساسيًا للديكارتية، وقدم أيضًا مفهوم “الفعل عن بعد” في التفسيرات المادية. بتوسيع مفهوم “القوى النشطة” إلى المستوى الجزئي في “البصريات Opticks لعام 1704 (بالإنجليزية)، مع تنقيحات مهمة في طبعات 1706 (بالاتينية)، 1717، 1721، 1730، أدخل نيوتن في المناقشات البيولوجية قضايا جديدة حيث لعبت دورها بطرق معقدة في العقود اللاحقة.

في القراءة لنيوتن، قدّم مفهومه للقوى النشطة في علم الحياة مفهومًا للمادة “الديناميكية” التي يمكن استخدامها كمبرر لعلم الأجنة الحيوي الجديد وحتى المفهوم غير الآلي للطبيعة التي تمتلك قوى جوهرية[xxxiv]. تم اتباع هذا الخيار من قبل العديد من الكُتَّاب الأطباء الفرنسيين الذين استخدموا الحجج النيوتونية لتأسيس نظرية طبية “حيوية”، تم تطوير تفسير خاص في جامعة مونبلييه Montpellier في العقود الأولى من القرن الثامن عشر[xxxv].

لكن في التفسير الأكثر “ميكانيزمية” للنيوتونية، احتفظ هذا بالطابع الخامل للمادة وأيد العديد من السمات الرئيسية للميكانيكا الحيوية الديكارتية، ولكن مع إضافة القياس الكمي الرياضي وبعض استخدام القوة الصغيرة الجذابة والمثيرة للاشمئزاز[xxxvi]. في هذا التقليد من التفسير، يجد المرء التزامًا بالتشكيل الميكانيزمي وحتى نظرية “الوجود المسبق” القوية. يمكن اتباع ذلك في النظريات الطبية لهرمان بورهاف Hermann Boerhaave، وأرشيبالد بيتكيرن Archibald Pitcairne (1652-1713)، وريتشارد ميد Richard Mead (1673-1754)، وغيرهم من أخصائيي المعالجة الميكانيكية النيوتونيين الذين كانوا عادةً على اتصال بكليات الطب الهولندية العظيمة[xxxvii].

كان نيوتن قد جادل أيضًا في الاستفسار الطويل الحادي والثلاثين في البصريات ضد “بناء العالم” بالشكل الديكارتي، كما نوقش أعلاه. رأى نيوتن هذا على أنه ادعاء بأن العالم “قد ينشأ من فوضى بسبب مجرد قوانين الطبيعة”[xxxviii]، وأدان هذا باعتباره “غير فلسفي”[xxxix]. لقد تضمن إحياء علم الكونيات التاريخي المفسر واقعيًا في القرن الثامن عشر انفصالًا واضحًا عن هذه القيود النيوتونية. سيتم تطوير هذا التحول في القسم التالي.

 

4.2 حيوية الطبيعة وتغيير الأنواع

في القرن الثامن عشر تم تطوير تصورات جديدة لعلاقة الكائنات العضوية بتاريخ العالم، وعلاقة بقاء الأنواع بهذا التاريخ. وشمل ذلك انهيار الميكانيزمية العالمية، وإدخال نظريات ديناميكية للمادة، ونظريات جديدة للتكوين الجنيني، وإعادة صياغة مفاهيم العلاقة بين الزمن والعالم المادي. كما تضمنت صياغة مفاهيم تقدمية وتنموية، وليست “انحلالية”، لتاريخ الحياة. المناقشة التالية سوف تدرس بشكل انتقائي جوانب هذه التطورات. حيث تتم إحالة القارئ إلى التوليفات التاريخية الحديثة الرئيسية، وذلك لمزيد من التطوير للسياق الفكري والعلمي الأكثر عمومية[xl].

ترتبط هذه التطورات في جوانب عديدة بطريقة ما بإدخال مفاهيم أكثر ديناميكية للمادة، والتي ظهرت في التفاعل بين النيوتونية والليبنيزية (نسبة إلى فلسفة ليبنيز وأتباعه) في العقود الأولى من القرن الثامن عشر، وخاصة في المناقشات الفرنسية[xli]. كما هو موضح في القسم السابق، فتحت هذه المناقشة مقدمة نيوتن في تساؤولات في البصريات لمفهوم القوى الدقيقة النشطة التي يمكن أن تفسر الظواهر الكيميائية الدقيقة والكهربائية. كما طور جوتفريد ليبنيز Gottfried Leibniz (1646-1716) الفلسفة الطبيعية العظيمة الأخرى في القارة، وتم تنظيمها وتوسيعها لتصبح برنامجًا فلسفيًا منهجيًا مؤثرًا بواسطة كريستيان وولف Christian Wolff (1679-1754)، ووضع نظرية أكثر تعقيدًا للمادة التي ميزت بين خصائص “المادة” الظاهراتية كما تصورها نيوتن، وتلك التي لها “مادة” أكثر نشاطًا وتوجيهًا غائيًا، متأصلة في القوة (في المقابل). في الفيزياء، ظهر هذا التطور في القارة في جدل “القوة الحية Vis Viva (لاتيني)”، والذي كان مهتمًا في البداية بالحفاظ على القوة في الاصطدامات. ثم امتد ليشمل المزيد من القضايا الميتافيزيقية الأساسية التي كان لها تأثير معقد على علوم الحياة.

في علوم الحياة، ظهرت هذه القضايا في النقاشات حول دور القوى الحيوية في تفسير الخصائص الحية، حيث تم تطويرها بشكل خاص في المناقشات الفرنسية في التفاعلات المعقدة للفلسفات الطبيعية النيوتونية والليبنيزية-الوولفية. ومن الأمثلة المؤثرة على هذا التوليف إميلي دو شاتليه Émilie Du Châtelet (1706-1749) في “أساسيات الفزياء Institutions De Physique (الطبعة الأولى 1740، الطبعة الثانية 1742). هذه التركيبات الهجينة النيوتونية-الليبنيزية، التي تجمع بين جوانب قوى نيوتن “النشطة أو الحيوية” مع نظرية الموناد (الجوهر الفرد) والمادة من الليبنيزية، تم توسيعها لاحقًا إلى مناقشات علم الأجنة Embryology من قبل بيير دي موبرتويس Pierre De Maupertuis (1698-1759)، كما سيتم تطويره في القسم التالي، بواسطة جورج لويس لي كليرك Georges-Louis Leclerc، كونت دي بوفون Comte De Buffon (1707–1788) في أربعينيات القرن الثامن عشر.

في هذه المناقشات، نواجه أول تكهنات منهجية حديثة مبكرة تربط بين النظريات الطبيعية لتاريخ الأرض، والتطور الجنيني، وتغيرات الأنواع العضوية استجابة للتغيرات الخارجية لظروف الحياة. تتطور هذه الروابط مباشرة من انتقادات نظرية الوجود المسبق للجيل من قِبل موبرتيوس Maupertuis و بوفون Buffon، اللذين قاما بطرق مختلفة ولكن ذات صلة بإعادة صياغة علم الأجنة اللاجيني “الميكانيكي” الذي سبق أن دعا إليه ديكارت والمنظّرون الذريون. على غرار هذه النظريات المهملة (انظر أعلاه، القسم 2.2)، تم افتراض وجود “بذور” مكافئة للذكور والإناث، والتي افترض بعد ذلك أنها تتحد في الجيل الجنسي لتكوين الجنين. ولقد استكملت الإصدارات الجديدة من القرن الثامن عشر حسابات القرن السابع عشر بدور جديد للمفاهيم الديناميكية للمادة والقوى المنظمة المتأصلة. ففي حالة بوفون، كانت هذه الادعاءات مدعومة بملاحظات مجهرية مثيرة للجدل يفترض أنها دحضت الادعاءات المعارضة التي قدمها ويليام هارفي William Harvey قبل قرن من الزمان.

يمكننا بشكل ملائم تأريخ هذه التطورات من تخمينات بيير دي موبرتيوس Pierre De Maupertuis، المطروحة في أطروحتين، المعروفة باسم “فينوس الفيزيائية Vénus Physique التي نُشرت عام 1745. للتعامل مع صعوبة شرح كيفية استخلاص البذور الذرية من الذكر والأنثى يمكن تشكيلها في تعقيد الجنين، حيث اعتمد موبرتيوس على نوع من الجذب النيوتوني المتأصل في هذه البذور والذي تضمن أيضًا عناصر من نظرية الموندو الليبنيزية. في صيغته الأخيرة لعام 1751، توسع في هذا الأمر بدعوى أن الجسيمات نفسها مُنحت مبدأ داخليًا أدى بها إلى ترتيب نفسها لتشكيل أجزاء معينة من الجنين. ديناميكية موبرتيوس “التخلق المتوالي Epigenesist” دمج كل من الميكانيزمية والمادية الديناميكية[xlii].

يوجد -على الأقل- ثلاث طرق أثبتت بواسطتها أن التغيير في النظرية الجنينية الذي وضعه موبرتيس، والذي وضعه بوفون لاحقًا، وثيق الصلة بالمسألة الأوسع الخاصة بالتحول التاريخي للأنواع:

أولاً، هذا التفسير الجديد للأصل الجنيني للكائن الحي يعني أنه منظم في الواقع في زمن تاريخي بدلاً من وجوده مسبقًا، ويتكشّف ببساطة في لحظة مناسبة.

ثانيًا، تضمنت نظرية وراثة المواد التي أوضحت انتقال السمات الجسدية من جيل إلى الجيل التالي من خلال انتقال جسيمات المادة.

ثالثًا، لا يتم ضمان الحفاظ على هوية الأنواع إلا من خلال النقل الدقيق لهذا الميراث المادي. إذا تأثر هذا النقل بظروف خارجية بأي شكل من الأشكال، من الممكن حدوث تغيير تاريخي كبير في نسل السلف والأحفاد. هذه الخيارات، التي تم فتحها من خلال تكهنات موبرتيوس، تم تطويرها لاحقًا ضمن إطار مؤسسي بواسطة بوفون.

 

3. تحولية بوفون في تنويرية “التاريخ الطبيعي”

تم جمع مجموعة القضايا المعقدة الموضحة في القسم الثاني السابق معًا في عمل بوفون. في تحول مهني رائع في عام 1739 انتقل فيه من منصبه كعالم رياضيات متقاعد في الأكاديمية الملكية للعلوم في باريس، إلى تعيين ملكي في مجلس إدارة حديقة الملك والتاريخ الطبيعي Jardin Du Roi في باريس، بوفون جلب معه إلى مجال التاريخ الطبيعي وإلى تفكيره في قضايا في علم الأحياء إلمامه العميق بالمناقشات النظرية الرئيسية التي قسّمت النيوتونيين والديكارتيين والليبنيزيين في عصره. كما تعرّفَ عن كثب من خلال صديقه موبرتيوس على النقاشات حول نظرية الأجيال ونظريات الأرض. لقد صاغ هذه المكونات في مجموعة من وجهات النظر الجديدة التي كان من المفترض أن تحدد نهجه الجديد في علوم الحياة على مدار نصف القرن الأخير من نظام بوربون الملكي Bourbon Monarchy. في تفسير هذه المقالة، كان بوفون الشخصية الرئيسية التي جمعت مجموعة من القضايا التي شكلت الشروط المسبقة للتحولية في علم الأحياء، على الرغم من أنه لن ينتقل هو نفسه إلى هذه المنطقة النظرية. فمن خلال كتاباته التي حظيت بشعبية كبيرة، والتي تُرجمت إلى جميع اللغات الأوروبية الرئيسية، كان له تأثير على المناقشات التي تراوحت بين سانت بطرسبرغ في روسيا وفيرجينيا في المستعمرات الأمريكية.

كان بوفون قادرًا على ممارسة مثل هذا التأثير بالأساس المؤسسي الملموس الذي قدمته حديقة الملك، مع المجلس الاستشاري الكبير المصاحب للعينات التي تم جمعها من جميع أنحاء العالم*. تحت قيادته، تم إنشاء مركز بارز للأبحاث في علم التشريح المقارن والكيمياء وعلم المعادن وعلم النبات والدراسة الجغرافية الحيوية[xliii]. من خلال توفير إطار مؤسسي لهذه الاستفسارات، يمكن أن تخضع التخمينات والانعكاسات النظرية لمؤرخي الطبيعة في القرن الثامن عشر لنقد منظم، وفحص متخصص في سياق غير موجود في مكان آخر في العلوم الطبيعية التاريخية لتلك الفترة. قدمت رؤية بوفون النظرية إطارًا ملموسًا تمكن أولئك المرتبطون مباشرة بـالـ Jardin من تطوير تأملات إضافية حول قضايا مثل طبيعة ومدة الأنواع، وأهمية الدراسات التشريحية المقارنة، والعلاقات التاريخية للأشكال، ومعنى الأحافير، والعلاقات المنهجية للكائنات الحية مع بعضها البعض. كان مُعاصر بوفون، كارولوس لينيوس Carolus Linnaeus (1707-1778)، أستاذ الطب وعلم النبات في جامعة أوبسالا في السويد بعد عام 1741، له سلطة مماثلة في مجال التاريخ الطبيعي، لكن لم يكن لدى لينيوس الموارد والسلطة المؤسسية التي تميزت بها جاردان في آخر أيام مملكة بوربون.   

أدى هذا الظهور المتزامن لهاتين الشخصيتين الرئيسيتين في علوم “التاريخ الطبيعي” لعصر التنوير الأوسط إلى تنافس كبير بين تقاليد البحث التي من شأنها أن تلعب على عدة جبهات. عند بوفون، كان لدى المرء نموذج لمنظر الطبيعة الكبير والبليغ الذي طور موضوعات رئيسية في فلسفة التنوير الطبيعية، وطبقها على الموضوعات البيولوجية. بينما عند لينيوس، كان للمرء منظِّمًا متدينًا للعالم الطبيعي في عصره، والذي شكَّل مجلد “نظام الطبيعة System Of Nature” الضخم (الطبعة الأولى 1735)، إلى جانب العديد من الأعمال الأخرى، أساس التصنيف البيولوجي الحديث. مهدت مناهجهم المختلفة المسرح لصراع نظري كبير بين التقاليد في العلوم التاريخية الطبيعية التي تم تجميعها في نهاية المطاف في القرن التاسع عشر[xliv].

إن تطوير بوفون للتحقيق النظري الواسع في العلوم الطبيعية في إطار هيكل مؤسسي ترعاه الدولة يستدعي الاهتمام الخاص الذي يُعطى هنا لمساهمته في تاريخ النظرية التطورية. وشملت هذه:

  1. ثورته المنهجية في نظرية المعرفة لعلوم التاريخ الطبيعي؛

  2. تحليله، والحل المقترح لمشكلة التوليد الحيواني والنباتي.

  3. إعادة تصوره لمفهوم الأنواع البيولوجية.

  4. نهجه الجغرافي الحيوي لقضايا توزيع الحيوانات وتنوعها.

  5. اهتمامه النظري المتجدد بقضايا علم الكونيات و”نظرية الأرض”.

  6. وأخيرًا، نُشر تجميعه الختامي لتاريخ الأرض والحياة في الحساب الطبيعي الكبير باعتباره كتابه الضخم عهود الطبيعة Les Époques De La Nature )من 1778 إلى 1779، والذي قدم نموذجًا لتوليفات مماثلة من القرن التاسع عشر. من خلال هذا المزيج من عدة سطور من البحث السابق، طرح بوفون سلسلة من الأسئلة النظرية التي تم استكشافها من قِبل خُلفاء مهمين مرتبطين بمتحف باريس في القرن التاسع عشر وفي التاريخ الطبيعي بشكل عام.

 

1.3 بوفون، المنهج في “التاريخ الطبيعي”

في موقعه كفيلسوف طبيعي -في حواره عن أعمال نيوتن، ديكارت، ليبنيز، كليروت، الموسوعيين الفرنسيين، والفلاسفة الإنجليز الرئيسيين في عصره- استكشف بوفون الأسئلة المنهجية والفلسفية التأسيسية للتنوير بالاقتران مع تحليله لأسئلة تجريبية. كان أحد التعبيرات عن هذه الرؤية الأوسع نطاقًا هو الطريقة غير العادية التي سعى من خلالها إلى التحقق من صحة التحقيق في التاريخ الطبيعي فيما يتعلق بنظرية المعرفة الطبيعية التي اعتبرها العلماء رواية في ذلك الوقت[xlv]. في تطوير نهج منهجي جديد للتاريخ الطبيعي، ادعى بوفون أن يؤسس حججه على شكل من أشكال اليقين التجريبي -الحقيقة المادية Verité Physique- التي يتم الحصول عليها من خلال الاستقصاءات في العلاقات الملموسة للكائنات في علاقاتهم المادية. لقد عارض هذه “التجريدات” في الفيزياء الرياضية، وتوسعها، على ما يبدو، الحجة الليبنيزية المستوحاة ضد نيوتن كما تم تطويرها في أساسيات إميلي دو شاتليه Émilie Du Châtelet’s (1706-1749)، عمل من المعروف أن بوفون قد قرأه وأعجب به عندما انتقل إلى مسيرته المهنية في التاريخ الطبيعي[xlvi]. كما طور بوفون هذه الحجة في “خطاب حول المنهج” الذي فتح المجلد الأول من كتابه “التاريخ الطبيعي Histoire Naturelle” (1749)، حيث جادل بوفون بأن العلم القائم على الملاحظة المتكررة للعلاقات المادية الملموسة للأجسام يمكن أن يحقق درجة من اليقين المعرفي يفوق ذلك المتاح من التحليل الرياضي للطبيعة[xlvii]. وعلى أساس هذا الإطار المعرفي الجديد، الموجه للبحث عن الحقيقة “المادية”، وجه بوفون بالتالي التاريخ الطبيعي بعيدًا عن مشروع تصنيفي في المقام الأول. فكان المشروع الأخير، الذي تجلى في أعمال لينيوس المعاصر، قام بوفون بانتقاد لفرضه تصنيفات “مجردة” على الطبيعة. ففي مكانه، سعى بوفون لتحليل الكائنات الحية فيما يتعلق بظروف وجودهم المادية. فقد كان من المقرر أن يركز هذا على علاقاتهم الإنجابية، والتوزيع الجغرافي الحيوي، وفي أعماله اللاحقة، على صلاتهم بعلم الكونيات والجيولوجيا التاريخية.

وقد وضعت هذه الأفكار في العمل الرئيسي بوفون، و في التاريخ الطبيعي، Histoire Naturelle, Générale Et Particulière, Avec La Description Du Cabinet Du Roi. في هذه المناقشات تعامل بوفون مع قضايا في نظرية المعرفة التأسيسية ومنهجية العلوم الطبيعية والتاريخية، كذلك مع العموميات وخصوصيات الكائنات العضوية. كان القصد من العمل في الأصل أن يكون مسحًا لمجموعة كاملة من الحيوانات والنباتات والمعادن. في تحقيقه الفعلي، كان أكثر محدودية. ظهرت السلسلة الأولى المكونة من أربعة عشر مجلدًا بين عامي 1749 و1767 وتناولت نشأة النظام الشمسي والأرض، وتوليد الحيوانات، واختلاف الأنواع البشرية، والتاريخ الطبيعي لذوات الأربع، والقردة الأولية. وقد تمت كتابة المجلدات لذوات الأربع الرئيسية من السلسلة الأولى، التي بدأت في عام 1753، بالتعاون مع عالمة التشريح المقارن ماري لويس دوبنتون Marie-Louis Daubenton (1716-1800). وقدمت سلسلة من سبع مجلدات من الإضافات (1774-1789) تأملات وإضافات لهذه المقالات، وتوسعت في وجهات نظره حول تاريخ الأرض، وذوات الأربع، والأنثروبولوجيا. كما تحدثت عن تجارب على قوة الخشب، وتبريد المعادن التي طبقها لتحديد عمر الأرض. في المجلد الخامس التكميلي (1778)، قدم بوفون تجميعه الكبير لعلم الكونيات، وتاريخ الأرض، وتاريخ الحياة، Les Époques De La Nature. كما تناولت الخمسة المجلدات الإضافية (1783-1888) قضايا المعادن، والكيمياء، والنار، والقوى الرئيسية للطبيعة، وخاصة الكهرباء والمغناطيسية.

كذلك قدمت “عهود الأرض Epochs Of Nature“، التي طُبعت منفصلة (1779) وترجمت إلى الألمانية عام 1781، توليفة كبيرة من علم الكونيات التاريخي، وتاريخ الأرض، وتاريخ الحياة الذي كان له تأثير على العديد من التوليفات اللاحقة التي تم تطويرها باللغة الألمانية (هيردر Herder، شيلينج Schelling)، وباللغة الفرنسية (لاسيبيد Lacépède) وربما الإنجليزية (تشامبرز Chambers) التاريخ الطبيعي. ولقد استمرت الاستفسارات الخاصة بمجموعات الحيوانات بعد وفاته من قِبل زميله برنارد دي لاسيبيد Bernard De Lacépède (1756-1825)، الذي وسع نهج بوفون العام تجاه الزواحف (1788-1789)، والأسماك (1798-1803)، والحيتانيات (1804). لقد أصبح “عصر بوفون” حقبة محددة في التاريخ الطبيعي، وأنشأ حديقة الملك وخليفتها الثوري، المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي Muséum National D’histoire Naturelle، باعتباره المركز المؤسسي الأول للبحث التاريخي الطبيعي خلال القرن التاسع عشر[xlviii].

في حديثه عن تاريخ الأرض، خالف بوفون تقليد ديكارت “الواقعي المضاد”. حيث قدم مكانه سردًا دنيويًا وحَرْفيًا علميًا لأصول الأرض وأشكال حياتها. كما أن أسلوب بوفون الجديد في الاستقصاء التاريخي الطبيعي فصله أيضًا عن ارتباطه الطويل باللاهوت الطبيعي المصمم بعناية، والذي طوره مؤرخو الطبيعة البريطانيون بعد جون راي John Ray (1627-1705). كانت هذه ميزة أخرى تُميز أسلوبه في التاريخ الطبيعي عن أسلوب لينيوس. إذا لم يكن وحده المسؤول عن “كسر حدود الوقت”، فقد كان مع ذلك أحد الشخصيات الرئيسية في “ثورة الزمن” في القرن الثامن عشر الأخير[xlix]. على الرغم من أن كل هذه النقاط قُدمت قبل كتاب العهود 1778-1779 في شكل مجزأ، وفي كثير من الأحيان بدون تطور مرضٍ من وجهة نظر فلسفية عامة، فإن عرضها في أعمال بوفون ذات التأثير الواسع أثر بعمق على التقليد اللاحق للتاريخ الطبيعي.

 

2.3 بوفون، عن الجيل

يتم عرض المظهر الملموس لمزيج بوفون من المنهجية الجديدة والاستقصاء التجريبي لأول مرة بواسطة معالجته للجيل الجنيني في المجلد الثاني من كتابه التاريخ الطبيعي (1749). تكمن هذه المبادئ أيضًا في تحليله غير العادي لمعنى “الأنواع” في التاريخ الطبيعي. في كلتا الحالتين، يبدو أن مفهوم اليقين المعرفي المكتسب من “التواتر المستمر” للأحداث قد لعب دورًا أساسيًا في تأملاته. باتباعه لقيادة صديقه موبرتيوس، أيّد بوفون أيضًا نظرية بذرة الذكور والإناث لشرح التكاثر الجنسي، مستمدًا أصل الجنين من الخليط الميكانيكي لهذه المكونات. التضخيم بناءً على تكهنات موبرتيوس السابقة (انظر أعلاه، القسم 4.2)، شَرَحَ تنظيم جسيمات هاتين البذرتين في كل منظم من خلال قوى دقيقة محددة بشكل وثيق مع قوى الجذب النيوتونية التي شكلت مجال قوة منظم، “قالب داخلي“، تلك المادة المستوعبة بالترتيب الصحيح للتطور الجنيني. من منظور تاريخي أطول، عملت نظرية بوفون عن القالب الداخلي بطريقة مشابهة لمفهوم أرسطو عن شكل جوهري، ومن المحتمل أنها تأثرت بمناقشات أرسطو في De Generatione Animalium (انظر أعلاه، القسم 1.1). يعمل هذا “القالب” كمبدأ جوهري للتنظيم الذي يعمل في الشركة مع المادة لهيكل الكائن الحي الموحد عن طريق التطور التدريجي. يضمن القالب الداخلي أيضًا إدامة الإعجاب بالمِثل بمرور الوقت. على عكس الشكل الجوهري لأرسطو، فإن قالب بوفون الداخلي ليس له نهائية داخلية في عمله. كما أنه ليس مبدأ الحيوية.

لهذا السبب، طُلب من بوفون من الناحية المفاهيمية إسناد بعض الصلاحيات الجديدة للمسألة لحساب الإجراءات الحيوية. في متابعة هذا الخيار، كسر مع الميكانيزمية العالمية وافتراض سلبية المادة التي كانت مكونًا جوهريًا للفلسفة الميكانيكية وبعض تفسيرات نيوتن (انظر أعلاه، القسم 3.2). هناك أيضًا أوجه تشابه مهمة بين “الحيوية” الجديدة الخاصة به، وبين تلك الموجودة في مناقشات ليبنيز مثل تلك التي تم شرحها في Institutions De Physique إميلي دو شاتليه في عام 1740[l]. لإعطاء تفسير معقول للتكوين الجنيني، يجب، بالتالي، أن تُنسب الخصائص الحيوية إلى نوع معين من المادة يقتصر على الكائنات الحية، وهي الجزيئات العضوية Organic Molecules، التي لها خصائصها الديناميكية والمحددة المتأصلة.

يمثل تقديم بوفون لمفهوم المادة “الحيوية” -حتى مع وجود قيود على أفعالها- تطورًا مهمًا في تاريخ علوم الحياة في هذه الفترة. لقد حطّمت وحدة المادة التي افترضتها التقاليد النيوتونية والجاسندية والديكارتي، وبطريقة محدودة وضع بوفون عند افتتاح الثورة “الحيوية” التي بدأت الانعكاسات الأولى حول تحولية الأنواع الحقيقي، على الرغم من أن بوفون نفسه لم ينتقل أبدًا إلى هذا المجال الجديد[li].

في عروضه التقديمية الأصلية، تصوّر بوفون هذه القوالب الداخلية وحدد الجزيئات العضوية التي نشأت من الخلق الإلهي. مع تقدم التاريخ الطبيعي، على أية حال، نظر بوفون بشكل متزايد إلى الجزيئات العضوية المراد تشكيلها من مادة “وحشية” أصلية غير متمايزة، وشوهدت القوالب الداخلية نفسها تنشأ تلقائيًا، وحصلت على خصوصية عملها من قوى الجذب التفاضلية بين أشكال مختلفة من الجسيمات العضوية[lii].

 

3.3 إعادة تصور الأنواع

كان يتبع حله المقترح لقضية التوليد العضوي الذي تناول بوفون بعد ذلك مسألة الأنواع العضوية ودوامها. في المجلد الرابع من التاريخ الطبيعي (1753)، المخصص لذوات الأربعة المحلية الكبيرة، أثار بوفون أولاً خيار “تحولية الأنواع”، فقط لرفضه. في مقال “The Ass” المخصص للحمار المحلي، لفت بوفون الانتباه إلى التشابه التشريحي الوثيق بين الحصان والحمار، كما أوضحت الأوصاف التشريحية لمعاونه دوبنتون Daubenton. يشير هذا التشابه بقوة إلى وحدة أساسية للخطة لجميع الأشخاص الرباعي، وهو تشابه يزيد من احتمال أن يكون كل رباعي الأرجل قد اشُتق في وقت تاريخي من ساق واحد (Souche) التي “على التوالي، أنتجت، بالكمال والانحطاط، جميع الحيوانات الأخرى”[liii]. في خطوة أربكت المعلقين منذ ذلك الحين، رفض بوفون هذا الاحتمال وبدلاً من ذلك جادل أنه بسبب عقم الهجينة، يجب أن تكون الأنواع مختلفة منذ البداية.

أشكالًا عديدة تم اتخذها في تفسير رفض بوفون الأولي للتحولية في عام 1753، وتطوره اللاحق لوجهات النظر التطورية الأولية مع تقدم التاريخ الطبيعي[liv]. الحجة في هذه المقالة هي أن كلًا من رفض بوفون الأولي للتحولية، وتطوره اللاحق نحو قبول تغيير الأنواع التاريخية، يعكس تطورًا متماسكًا ومتسقًا لمفهومه عن “الحقيقة المادية” (انظر أعلاه، القسم 1.3). بالاعتماد على تأكيده على التكرار المتسلسل كأساس للحقيقة الفيزيائية، يتم الحفاظ على الأنواع في الوقت المناسب وإعطاء واقعها الأنطولوجي من خلال تكرار مرور القالب الداخلي الذي يشكل الجزيئات العضوية إلى كائن حي جديد في الوقت المناسب.

هذا التحليل ضمنيًا لبوفون إعادة تعريف مهمة لمفهوم الأنواع العضوية، إعادة تعريف أثرت على تقليد التاريخ الطبيعي، وعلم الأحياء منذ خمسينيات القرن الثامن عشر. رفض بوفون صراحة المعنى المقبول منذ زمن طويل لـ “الأنواع” كمعنى كلي – أو، بلغة حديثة، مفهوم طبقي، يتكون من مجموعة من الأفراد على أساس امتلاك خصائص تعريف صريحة. كان هذا هو المعنى الضمني في تصنيف ليني Linnaean في عصره. انتقد هذا المفهوم بوفون على أنه معنى “مجرد” للأنواع. على النقيض من ذلك، عرّف بوفون نوعًا ما في التاريخ الطبيعي حصريًا على أنه الخلافة التاريخية للأسلاف والأحفاد المرتبطين بالاتصال المادي عبر الجيل. مثل هذا النوع

… ليس العدد ولا مجموعة الأفراد المتشابهين الذين يشكلون النوع؛ إن الخلافة المستمرة والتجديد المستمر لهؤلاء الأفراد هو الذي يشكلها[lv].

العلامة التجريبية لهذه الوحدة الأساسية للأنواع بمرور الوقت هي قدرة أعضائها على التزاوج وإنتاج ذرية خصبة، وهو معيار له الأسبقية على أوجه التشابه في علم التشريح أو عادات الحياة. يجب أن يكون الحصان والحمار نوعين مختلفين لأنهما لا يستطيعان التزاوج وينتج نسلًا خصبًا، مهما كان تشابههما التشريحي. من ناحية أخرى، يجب أن تشكّل الكلاب، على الرغم من الاختلافات المورفولوجية الكبيرة بين السلالات، نوعًا واحدًا بسبب قابليتها للتفاعل.

في تحديد هذا المعنى الجديد لـ “الأنواع” في التاريخ الطبيعي، وتمييزه عن المعنى البديل للأنواع كعموم منطقي، كان بوفون يفعل أكثر من تمييز “الفئة” من “التصنيف” حيث أصبحت هذه المصطلحات يفهم في فلسفة علم الأحياء المعاصرة. بمعنى هام، قدم بوفون معارضة بين هذين المعنيين لكلمة “الأنواع” الموجودة في التقليد الذي يعود إلى أرسطو (انظر أعلاه، القسم 1.1)، مانحًا “الواقع” في علم الأحياء فقط للأنواع التي تم تصورها على أنها تعاقب مادي لأفراد يتشاركون في انتشر القالب الداخلي نفسه في الوقت المناسب. على النقيض من ذلك، اعتبر بوفون فهم الأنواع بمعنى مفهوم الطبقة العالمية “مجردة” و”مصطنعة”.

هذه المعارضة الصريحة لمعنيين من “الأنواع” التي قدمها بوفون، والمفاهيم المتناقضة المرتبطة سابقًا بعلاقة معقدة بين الفكر والعالم داخل المناقشات الأرسطية والمدرسية، قد اعتبرها بعض المعلقين بمثابة إشارة إلى إدخال ارتباك أساسي حول مفهوم الأنواع في المناقشات اللاحقة في الأدبيات البيولوجية. هذا على الأقل أحد الأسباب الكامنة وراء ما يسمى “مشكلة الأنواع”. في التوسع التاريخي، تستمر هذه القضايا في توليد الخلافات المعاصرة التي تعارض مفاهيم “الأنواع كمجموعات” على مفاهيم “الأنواع كأفراد مكاني-زماني”[lvi].

 

4.3 الانحطاط التاريخي للأنواع

التطورات اللاحقة في فكر بوفون تجاه ما فسره التقليد الأقدم للمعرفة عن طريق الخطأ على أنه “تطورية”، تضمنت التوسيع التدريجي لأنواعه الطبيعية-التاريخية أو “المادية” لتشمل درجات أوسع وأوسع من العلاقة المادية. هذا التوسع لمفهومه الأصلي للأنواع يعبر عنه بوفون بلغة “انحطاط/انحلال Degeneration* الأشكال في الوقت المناسب استجابة للظروف البيئية.

عادت المواجهة مع مجموعة كبيرة من البيانات الجديدة من المستعمرات والرحلات الاستكشافية إلى باريس أثناء كتابة التاريخ الطبيعي، أثار إعجاب بوفون بالدرجة التي يبدو أن الأنواع تتأثر بالظروف الخارجية، مثل أنه من مصدر واحد يمكن أن تنشأ العديد من “انحطاطات” في بعض المجموعات. شكل هذا الأساس المفاهيمي لمفهومه عن العرق على أنه متميز عن تَنَوُّع لنين. كان “العرق” بالمعنى البوفوني بمثابة انحطاط تاريخي من سلف مشترك، التي حافظت على الارتباط المادي والتاريخي بنموذج المصدر المشترك هذا. لكن هذا النسب يمكن أن يخضع لتمايز وراثي كبير وشبه دائم في سلالات مختلفة، مع تفسير سبب هذه الانحطاطات من خلال تغييرات طفيفة في الجزيئات العضوية التي تنتجها الظروف البيئية المتغيرة مع هجرة نوع مادي إلى بيئات جديدة. أثّرت هذه التغييرات الطفيفة بدورها على “القالب الداخلي”. تم تطويره بأكبر قدر من التفصيل في مقالته الطويلة، “حول انحطاط الحيوانات” في المجلد الرابع عشر (1766) من التاريخ الطبيعي، امتدت نظرية بوفون حول انحطاط الأنواع إلى حد السماح بتجميع ذوات الأربع لكل من القديم، وعوالم جديدة في عدد محدود من الرئيسيات “الفصائل” و”الأنواع”، أنه من نقاط المنشأ في نصف الكرة الأوروبية الشمالية، تحولت أو انحطت بمرور الوقت استجابةً للهجرة إلى مناطق جديدة. من خلال تضمين البشر في هذا السيناريو الطبيعي في كتاباته اللاحقة، وافتراض أن السلالات البشرية قد خضعت لتغيرات تنكسية مماثلة عندما هاجروا من نقطة أصلهم المفترضة للبشر في القوقاز، لعبت نظرية بوفون دورًا رئيسيًا في تطوير نظرية التنوير العرقية[lvii].

اتخذ بوفون بعد ذلك بعض الخطوات نحو الجمع بين أطروحة الانحطاط التاريخي للأنواع، ونظريته في علم الكونيات التاريخي في Les Époques De La Nature، الذي نُشر لأول مرة كملحق للتاريخ الطبيعي في عام 1778. في هذه الأطروحة أعاد صياغة كِتابه التكهنات السابقة حول “نظرية الأرض”، التي انطلقت لأول مرة في عام 1749، مضيفةً إلى ذلك التسلسل الزمني التاريخي لعمر الأرض الذي تم تحديده تجريبياً في سبعينيات القرن الثامن عشر من خلال دراسات كمية على مجالات تبريد المعدن. في هذا التوليف الخيالي، وبالاعتماد على قراءة مجازية لسفر التكوين التوراتي الإصحاح الأول، جمع بوفون تاريخ الأرض مع تسلسل تاريخي لظهور الأشكال الحية[lviii]. وبذلك وسع النطاق الزمني لتاريخ الأرض إلى حد كبير إلى ما هو أبعد من التسلسل الزمني “الموسوي” المقبول الذي يقل عن 10000 سنة من بداية العالم حتى الوقت الحاضر، إلى ما يقرب من 75000 سنة في النسخة المنشورة، وأكثر من مليوني سنة في مسودة المخطوطة. في هذه الأطروحة، قدم بوفون حلاً طبيعيًا للمعضلتين الديكارتيتين الموروثتين. أولاً، تم تقديم مخططه كحساب واقعي. اختفت اللغة الديكارتية للواقعية المضادة. ثانيًا، دمج تاريخ الأشكال الحية في هذا التاريخ الشامل للعالم. بالإضافة إلى تطبيع نظريته عن القوالب الداخلية والجزيئات العضوية، فقد نشأ كلاهما الآن من خلال القوانين الطبيعية من الجذب الطبيعي لأشكال مختلفة من المادة، ومن التغيرات في المادة، حيث تبرد الأرض من أصلها من المادة التي أطلقتها الشمس. فقد نشأت الحيوانات أولاً عن طريق التكتل التلقائي لهذه الجزيئات العضوية على الأرض الباردة[lix].

قدم كتاب العهود أيضًا مخططًا لتسلسل تاريخي من الأشكال في سلسلة من ستة “عهود” رئيسية أعطيت تواريخ محددة للمدة. يبدأ هذا بأصل الأرض من نجم بارد، ثم يصف بداية الطبيعة الحية مع الحياة البحرية والنباتات في المراحل الأولى من تاريخ الأرض، وينتهي بالأشكال الحالية، حتى أن روايته اقترح أصلًا طبيعيًا للبشر، على الرغم من ترك هذه القضية غامضة. تظهر البشرية، بدون تفسير في النص، في حالة غير فردوسية في خطوط العرض الشمالية لأوراسيا Eurasia*، محاطة بالحيوانات الشرسة والزلازل والفيضانات، وفي حالة اجتماعية بدائية تتطلب التعاون من أجل البقاء. إن استخدام بوفون الليبرالي لشكل من أشكال التوليد التلقائي الذي سمح بأصل حتى مجموعات الحيوانات الرئيسية من تكتل الجزيئات العضوية معًا مع تبريد الأرض، جعل الاشتقاق الفعلي للأشكال من الأشكال السابقة غير ضروري. من نواحٍ عديدة، تطلب تطوير نظريات التحول الحقيقية من قبل خلفاء بوفون استخدامًا أكثر تقييدًا لإمكانية التوليد التلقائي.

 

5.3 الاستقبال للـ “التاريخ الطبيعي” لبوفون

خارج حدود حديقة باريس، كانت الانعكاسات المستوحاة من بوفون في مناقشات أوسع في أواخر عصر التنوير معقدة. على سبيل المثال، كان الاستقبال لكتاب Des Époques De La Nature متفاوتًا[lx]. لم يُترجم العمل أبدًا إلى اللغة الإنجليزية حتى وقت قريب (2018)، ويبدو أنه لعب دورًا ضئيلًا في المناقشات الناطقة بالإنجليزية، على عكس التأثير الكبير لأعمال لينيوس، والتي حظيت بترجمة وعرض بريطانيين واسعين. كان الطابع التخميني الجريء للعصور على خلاف أيضًا مع التحقيقات المهنية الجديدة في الجيولوجيا والتاريخ الطبيعي التي قام بها جيل أصغر من علماء الطبيعة الذين ربما تبنوا مذهب بوفون الطبيعي وامتداد علم الأرض، ولكن ليس أسلوبه الخطابي الكبير[lxi].

مع ذلك، أظهرت الأبحاث التاريخية، أن كتاب العهود كان لها تاريخ مؤثر عند ناطقي الألمانية[lxii]. تمت ترجمة الأطروحة بسرعة (1781) إلى الألمانية في سانت بطرسبرغ، ويبدو أنها لعبت دورًا مهمًا في تطوير التاريخية الألمانية[lxiii]. فعلى الرغم من أن الروابط في حاجة إلى مزيد من البحث العلمي، فإن تأثير كتاب العهود بوفون على التحول التاريخي الذي رسمه بعد بضع سنوات يوهان جوتفريد هيردر Johann Gottfried Herder (1744-1803) في المجلد الأول من كتابه الرائع “أفكار حول فلسفة تاريخ البشرية Ideen Zur Philosophie Der Geschichte Der Menschheit” (1784-9117)، حيث تم اقتراحه من خلال عدة أسطر من الأدلة[lxiv].

مع ذلك، انحرف هيردر بشكل ملحوظ عن بوفون في تطوير نظريته التاريخية الخاصة عن الكون وتطور الحياة، وفي النهاية في الثقافة البشرية، على إطار من التقدم الغائي القائم على نظرية “حيوية” للمادة. بالنسبة إلى هيردر، ليس الكائن الحي الفردي فحسب، بل الطبيعة ككل تتطور تحت تأثير قوة عضوية داخلية تقودها إلى تطوير مراحل أعلى وأعلى من الحياة، مما يؤدي في النهاية إلى التطور النهائي للبشرية في التاريخ.

 

4. التحولية، في أوائل القرن التاسع عشر

بحلول أوائل القرن التاسع عشر، يمكن للمرء أن يتبع عدة خطوط انعكاس تقبل شكلاً من أشكال تحولية الأنواع. في ألمانيا، شكّلت انعكاسات هيردر مكونًا رئيسيًا في تطوير الفلسفة الطبيعية الألمانية، والعلم”الوهمي” الذي توسع في كتابات يوهان جوته Johann Goethe (1749-1832)، فريدريش شيلينج Friederich Schelling (1775-1854)، جوتفريد تريفيرانوس Gottfried Treviranus (1776-1837) والعديد من الآخرين الذين دافعوا عن نسخة من فلسفة تقدمية تاريخية للطبيعة مع على الأقل “التطور” إن لم يكن التحولية الفعلية للأنواع في الوقت المناسب[lxv]. في الجزر البريطانية في الفترة نفسها، قدمت الانعكاسات في المجلد الثاني من كتابه “قوانين الحياة العضوية Zoonomia” (1794-1796) لإيراسموس داروين Erasmus Darwin (1731-1802)، سلف تشارلز داروين، حيث قدم نظرية تطور الأنواع على أساس مفهوم المادة الحية الديناميكية. مع الاعتراف بهذه الخطوط المتعددة من التفكير في القضايا، والتي يمكن متابعة كل منها بالتفصيل، فإن التطوير المؤسسي لهذه المناقشات حول تحول الأنواع فيما يتعلق بالتاريخ الجيولوجي يمكن متابعته بسهولة من خلال مناقشاتهم الفرنسية، وهذه الأفكار الفرنسية كانت مهمة بشكل خاص للتشكيل المبكر للتطورات النظرية الخاصة بتشارلز داروين.

 

1.4 التحولية الفرنسية 1790 1830

انتهت قيادة بوفون للحديقة الملكية بوفاته في أبريل من عام 1788 على حافة التغييرات الاجتماعية والسياسية والعلمية الهائلة التي كانت ستتفوق على فرنسا بعد عام. باعتبارها المنظمة العلمية الرئيسية الوحيدة التي نجت من تفكيك جميع مؤسسات الامتياز الأخرى بموجب الاتفاقية في صيف عام 1793، وإعادة هيكلة المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي Muséum National D’histoire Naturelle استمرار خلفًا لما بعد الثورة للحديقة الملكية[lxvi]. في هذا الشكل الجديد، قُدم سياقًا مؤسسيًا تم فيه متابعة العديد من جوانب مهمة بوفون الكبرى في التاريخ الطبيعي في العقود التي أعقبت وفاته[lxvii]. في السياق الثوري للجمهورية الجديدة، أدرج المتحف أيضًا تقديرًا جديدًا لعمل لينيوس والمشروع التصنيفي الذي ألهمه. حظي لينيوس بالإعجاب والشعبية من قِبل جان جاك روسو Jean Jacques Rousseau، وبالنسبة لبيولوجيا الجمهورية الفرنسية، كان ينظر إلى لينيوس ونهجه الوصفي في علم الأحياء في تناقض إيجابي مع أسلوب بوفون، الذي كان يُنظر إليه على أنه رمز للنظام القديم. أصبحا قائدا التاريخ الطبيعي في الواقع بالنسبة لعلماء الطبيعة الفرنسيين ما وصفه جورج كوفييه George Cuvier (1769-1832) فيما بعد بأنهما “ينبوعان” استلهموا منهما بشكل مشترك.

كما خلقت إعادة التنظيم الثوري للحديقة نوعًا جديدًا من التخصص في البحث ضمن ما كان يُنظر إليه سابقًا على أنه “تاريخ طبيعي”. أُنشئت إعادة التنظيم عام 1793 داخل المتحف اثني عشر كرسيًا منفصلاً في وضع متساوٍ، والتي منحت أفرادًا محددي السيطرة على أجزاء من المجموعات والعمل البحثي الذي تم إجراؤه داخل هذه الأقسام، وبذلك أسست تقسيمات صارمة جديدة في التاريخ الطبيعي. وُضِعَت “الثدييات والطيور” تحت قيادة إتيان جوفروي سانت هيلير Etienne Geoffroy Saint-Hilaire (1772-1844). تم وضع قسم “الزواحف والأسماك” لبوفون البديل برنارد دي لاسيبيدي Bernard De Lacépède (1756-1825). أعطيت “تشريح الإنسان” لأنطوان بورتال Antoine Portal (1742-1832). أدى إنشاء كرسي جديد لعلم التشريح المقارن، مع وجود متحف منفصل مرافق تم إنشاؤه في عام 1802، إلى توفير المنصب لعالم الحيوان الألزاسي الشاب جورج كوفييه Georges Cuvier. تم وضع المجموعة الكبيرة من الأشكال، التي كانت تُعرف سابقًا باسم “الديدان” فقط، تحت سيطرة جان بابتيست بيير أنطوان دي مونيه Jean Baptiste Pierre Antoine De Monet، شوفالييه دي لامارك Chevalier De Lamarck (1744-1829) -زميل بوفون السابق. تم إنشاء كراسي أخرى في علم النبات وعلم الحفريات وعلم وظائف الأعضاء المقارن والأنثروبولوجيا، أو سيتم تطويرها في القرن التاسع عشر. كل هذه الهياكل المؤسسية الجديدة قسّمت “التاريخ الطبيعي” التقليدي، وسهلت التحقيقات المهنية في مجالات محددة من علوم الحياة التي تتعلق بطبيعة الأنواع، وتفسيرات النظم التصنيفية، والتاريخ والجغرافيا الحيوية للأرض[lxviii].

في هذا السياق، ومن خلال موقعه كأول حامل لرئاسة قسم “الديدان Vers”، طور جان بابتيست دي لامارك Jean Baptiste De Lamarck خلال فترة ولايته أول نظرية متماسكة لتغيير الأنواع عبر الزمن التاريخي، والتي عُرفت في النهاية بالمصطلح الجديد – التحويلية أو التطفرية Transformisme. يثبت لامارك في كثير من النواحي الادعاء بأنه أول مفكر تطوري حقيقي يقع داخل مؤسسة علمية محترفة.

ظهرت نظرية لامارك عن تحولية الأنواع تدريجيًا في محاضراته السنوية في متحف “حيوانات بلا فقرات” والتي بدأت عام 1794. وبصفته الشاغل الجديد للكرسي المخصص لهذه المجموعة الواسعة من الأشكال، قام لامارك في عام 1794 بإعادة تنظيم ضخمة لمجموعات المتحف من هذه الحيوانات. ولتحقيق ذلك، قام بتكييف طريقة ترتيب مجموعات النباتات التي طورها في عمله السابق في علم النبات الفرنسي 1778 من أجل تنظيمهم التصنيفي، والتي تم إنشاؤها خلال سنوات تكوينه عندما كان يعمل في الحديقة الملكية كعالم نبات. في هذا العمل النباتي المبكر كان قد أمر المجموعات بالتسلسل من الأكثر تعقيدًا إلى الأكثر بساطة. ثم تبنى لامارك طريقة مماثلة لترتيبه الأولي لمجموعات الحيوانات اللافقارية.

ثم زوده هذا الشكل الخطي لإعادة ترتيب تصنيف اللافقاريات بقاعدة تجريبية تم من خلالها تطوير نظريته التحويلية[lxix]. تم شرحه من خلال محاضراته السنوية في المتحف، وتمكن لامارك من تطوير هذه الحجج ضد مجموعة واسعة من مجموعات الحيوانات اللافقارية في المتحف.

في ضوء التفسيرات العديدة لآراء لامارك التي ظهرت منذ العرض الأكثر تطورًا لنظريته في “فلسفة علم الحيوان Philosophie Zoologique” 1809، يجب تفصيل الميزات الأساسية لانعكاسات لامارك بعناية. في معظم المصطلحات الأساسية، كانت نظريته عن تغيير الأنواع مرتبطة بعكسه للترتيب التصنيفي للأشكال المقدمة في الأصل في ترتيباته المنهجية المبكرة. في تصنيفاته الأصلية، تم ترتيب هذه المجموعات في سلسلة خطية تبدأ بأكثر أشكال اللافقاريات تعقيدًا (رأسيات الأرجل)، وتنتهي في أقلها تنظيماً (النقاعيات). بحلول عام 1800، قرر لامارك أن هذا الترتيب مصطنع، وأن الترتيب “الطبيعي” كان من البسيط إلى المعقد. تضمنت النظرية التطورية التي طورها لاحقًا الادعاء بأن هذا الترتيب الجديد للترتيب كان أيضًا التسلسل التاريخي الذي تم من خلاله إنشاء أشكال من أخرى بمرور الوقت.

تم تقديم هذه الاستنتاجات الجديدة لأول مرة في محاضرات المتحف عام 1800، ثم تم تطويرها بمزيد من التفصيل في طباعة كتابه “البحث في تنظيم الهيئات المنظمة Recherches Sur L’organisation Des Corps Organisés (1802)، مع العرض الكامل في فلسفة علم الحيوان. تم عرض استنتاجاته النظرية أيضًا بشكل ملموس في ترتيب العينات في معرض علم الحيوان الرئيسي بالمتحف الذي كان لديه سيطرة أساسية عليه. تم بعد ذلك التعبير عن بعض التفاصيل المهمة الأخرى لأفكاره في العديد من مقالاته للطبعة الثانية من كتاب جوزيف فيري Joseph Virey “القاموس الجديد للتاريخ الطبيعي Nouveau Dictionnaire D’histoire Naturelle[lxx]، وفي الخطاب التمهيدي الطويل لعمله الرئيسي في مراجعة تصنيفية للافقاريات، “التاريخ الطبيعي للحيوانات اللافقارية Histoire naturelle des animaux sans vertèbres” (1815-1822). شكّلت الادعاءات التالية جوهر نظريته الناضجة:  

  1. أصل الكائنات الحية هو في البداية من خلال التكاثر التلقائي. ومع ذلك، يقتصر هذا العمل على أصول أبسط أشكال الحياة من الناحية الهيكلية والبسيطة – النقاعيات. تم تطوير جميع الأشكال اللاحقة بالضرورة بطريقة ما بمرور الوقت من البداية الابتدائية في هذه الأشكال المجهرية البسيطة.

  2. إن الفاعلية السببية وراء هذا “الصعود”، بدلاً من “الانحطاط”، تاريخ الحياة عبر الزمن يتم توفيرها من خلال نشاط الوكالات المادية الديناميكية -السعرات الحرارية والسوائل الكهربائية. تنتج هذه الوكالات المادية التوليد التلقائي للنقاعيات وتوفر أيضًا الزخم الذي تؤدي به هذه الأشكال إلى ظهور أشكال أعلى من التعقيد، والانتقال إلى الشعوعيات Radiarians، وهكذا دواليك. بالانتقال إلى ما وراء التمييز بين المادة “الخاملة” و “الحية” لمُعلمه بوفون، يمكن اعتبار نظريات لامارك عمومًا ” حيوية ” من حيث أنها تنسب ديناميكية حقيقية إلى المادة الحية، وتمنحها القدرة على إنشاء أشكال وهياكل جديدة من خلال سلطاتها الكامنة. ومع ذلك، فإن جاذبية لامارك للدور السببي للسوائل الأثييرية النيوتونية، قد أسست نظريته على مفهوم المادة الفعالة بدلاً من القوى الحيوية الخاصة فائقة الإضافة، وفي هذا الصدد يمكن تسميتها نظرية “المادية الحيوية”.

  3. المحور الرئيسي للتحول اللاماركي هو سلسلة خطية تتحقق في الوقت المناسب. ينتقل هذا من الأشكال الأبسط على نطاق التنظيم إلى الأشكال الأكثر تعقيدًا. ينتج عن هذا محور من أربعة عشر مجموعة أولية رئيسية تنتهي إلى الثدييات. يوازي هذا الترتيب الخطي “الطبيعي” لتصنيف المجموعات التي طورها في نظامه التصنيفي. يتم تحديد الموضع في السلسلة في المقام الأول من حيث التكوين الهيكلي والوظيفي للجهاز العصبي.

  4. السمة الأكثر شهرة لللاماركية في التقليد اللاحق -نظرية التحولية من خلال وراثة الصفات المكتسبة- تعمل كعملية ثانوية ومتنوعة يتم من خلالها تكييف مجموعات الحيوانات الرئيسية مع الظروف المحلية. ومع ذلك، فإن هذا التكيف ليس هو السبب الرئيسي للتحول من مجموعة إلى أخرى. وبالتالي، على عكس نظرية داروين اللاحقة، فإن التطور الأساسي للحياة لا يتم من خلال التكيف المحلي.

  5. ومع ذلك، قد تحدث التحولات الرئيسية بين المجموعات الأقل من خلال عمل استخدام الهياكل وإهمالها. على سبيل المثال، يُفترض أن تحول الرئيسيات إلى بشر قد حدث عن طريق هذه العملية التكيفية.

تُشكل تنقيحات النقطة الثالثة أهم تغيير في هذه النقاط الخمس بعد عام 1809، على الرغم من أن ارتباط هذه التغييرات بنظرية لامارك الأصلية للتحولية لا يزال غير واضح. في كل من الرسم التخطيطي الموفر كملحق للجزء الأول من فلسفة علم الحيوان وفي الخطاب التمهيدي للتاريخ الطبيعي للحيوانات اللافقارية، قدم لامارك صورة متفرعة لتطور المجموعة. استجابًا على الأرجح لانتقادات زميله الأصغر جورج كوفييه التي كانت موجهة إلى مفهوم العلاقات الخطية للمجموعات (انظر أدناه)، اعترف لامارك بنمط متفرع أكثر تعقيدًا لعلاقات المجموعة، مع إظهار البعض سلالات مستقلة وحتى نقاط مختلفة من الأصل. ومع ذلك، لم يتم تطوير هذه القضية في أي صياغة نظرية من قبل لامارك نفسه، ولم يكن لها تأثير كبير على الفهم التاريخي للاماركية. ومع ذلك، كان لبعض هذه العناصر في نظرية لامارك اللاحقة بعض التأثير على القراءات البريطانية[lxxi].

داخل حدود المتحف، تم إجراء تطورات موازية، إن لم تكن مستمرة على الفور، للقضايا ذات الصلة التي تؤثر على تحولية الأنواع من قبل زميل لامارك الأصغر، وحامل كرسي الثدييات والطيور، عالم التشريح المقارن إيتيان جيفروي سانت هيلير Etienne Geoffroy St. Hilaire (1772-1844). أقل اهتمامًا بقضية تحولية الأنواع من تأثير التشريح المقارن لعلاقات الأشكال، استكشف جيفروي سانت هيلير “وحدة النوع” التشريحية -التشابه الملحوظ للبنية التشريحية بين الكائنات التي كشف عنها التشريح المقارن. تابع جيفروي سانت هيلير هذه القضية في محاضراته في المتحف وفي العديد من الأوراق، حيث شرع في العمل على الآثار المترتبة على التشابه التشريحي الداخلي للفقاريات. بناءً على مبدأين رئيسيين، “مبدأ الاتصال” و”قانون التوازن”، لفت جيفروي سانت هيلير الانتباه إلى الآثار المترتبة على علم التشريح المقارن لوحدة مملكة الحيوان. في منتصف عشرينيات القرن التاسع عشر، طور جيفروي سانت هيلير موقفًا تاريخيًا أكثر فيما يتعلق بعلاقة وحدة النوع بقضايا السجل الأحفوري وتطور الحياة.

بحلول عام 1823، وسع جيفروي سانت هيلير نظريته عن “وحدة النوع” إلى الادعاء بأنه حتى اللافقاريات تشارك في خطة مشتركة مع الفقاريات، وبحلول عام 1825 كان قد اعتنق نسخة محدودة من التحولية. أدى ذلك إلى معارضة مباشرة لمزاعم صديقه وزميله جورج كوفييه، الذي شغل منصب رئيس قسم التشريح المقارن. قادت أبحاث كوفييه في علم التشريح المقارن وعلم الأحافير إلى استنتاج أن الحيوانات تشكلت على سلسلة من أربع خطط جسدية متميزة ومستقلة (الفروع) والتي قد تظهر بعض الوحدة من النوع داخل الفروع، ولكن ليس بين هذه الخطط. كانت هذه الدعامة الأساسية لمعارضة كوفييه للتحولية، وكانت بمثابة مصدر قوي لمعارضة التحولية إلى العصر الدارويني.

تكمن هذه النزاعات حول “وحدة النوع” في أساس “الجدل الكبير” الذي اندلع في علم الحياة الفرنسي في أواخر عشرينيات القرن التاسع عشر بين جيفروي سانت هيلير، وكوفييه، وتلاميذهما[lxxii]. يشكّل هذا النقاش أيضًا إحدى المواجهات التاريخية بين المفاهيم المختلفة للبيولوجيا التي أثرت على العديد من جوانب علوم الحياة في القرن التاسع عشر. لقد رسم خطوط التقسيم داخل علم الأحياء الفرنسي، وحتى البريطاني، حول علاقة الكائنات الحية بالتاريخ، وشمل بشكل مباشر إمكانية تغيير الأنواع. ساعد هذا النقاش أيضًا في تركيز القضايا في علم الحياة الفرنسي بطريقة أثرت بشكل كبير على الاستقبال الفرنسي السلبي اللاحق لعمل داروين. كان هذا النقاش في نهاية المطاف يشمل قضايا علم الحفريات، وعلم التشريح المقارن، وتحولية الأنواع، وعلاقة الشكل بالوظيفة.

أدت حجج كوفييه، التي عززتها السلطة التي يحملها في علم التشريح الفرنسي المقارن والعلوم عمومًا، إلى هيمنة مناصبه في أكاديمية باريس للعلوم Académie Des Sciences. ومع ذلك، ظل تقليد جيفروي سانت هيلير تيارًا قويًا داخل المتحف. استمر في ذلك من قِبل أفراد مثل أنطوان إتيان سيريس Antoine Etienne Serres (1786-1868)، الذين تم تقديس حججهم للتسلسل التاريخي للأشكال، المدعومة بالأدلة الجنينية، في الدوائر المورفولوجية مثل قانون ميكل-سيريس للاستعادة*[lxxiii]. خارج العلوم الأكاديمية الفرنسية الرسمية، حظيت نظريات جيفروي سانت هيلير بقبول واسع لأولئك الذين رأوا أهمية علم الأجنة التنموي لقضايا العلاقة الجماعية، وهي قضية تجاهلها كوفييه، بصفته خبيرًا معتدلًا في التكوين. الاهتمام الحالي بالعلاقة بين التطور وعلم الأحياء النمائي التطوري -الذي يُطلق عليه عادةً “Evo–Devo وهي Evolutionary Developmental Biology”- حفز اهتمامًا جديدًا بآراء جيفروي سانت هيلير.

 

2.4 التحولية البريطانية 1830-1859

تأثرت مناقشات التحولية في الجزر البريطانية في فترة ما قبل الداروينية بشكل خاص بالتأملات الفرنسية والمناقشات الفرنسية التي دارت في المتحف، بعد توقف الحروب النابليونية في 1814-1815، عندما تطورت اتصالات جديدة واسعة النطاق بين العلماء الفرنسيين والبريطانيين. بالإضافة إلى الانعكاسات الفرنسية، كانت هناك أيضًا مقدمات مهمة للتطور التقدمي الألماني الذي دخل العلوم البريطانية في العقود الأولى من القرن التاسع عشر. إن الاعتراف بعمليات النقل القارية هذه إلى الجزر البريطانية، لا سيما في السياقات الطبية، قد وفر إطارًا جديدًا لفهم الانعكاسات حول تغير الأنواع في بريطانيا في الفترة التي سبقت ظهور عمل داروين[lxxiv].

لقد لعب عالم التشريح المقارن في إدنبرة، روبرت إدموند جرانت Robert Edmond Grant (1793-1874)، دورًا مهمًا في إدخال المناقشات الفرنسية إلى الجزر البريطانية. كما عمل كأول معلم لتشارلز داروين في العلوم عندما كان داروين طالبًا شابًا في كلية الطب بجامعة إدنبرة (1825-1827). وقد عمل جرانت مباشرة مع القضايا التي تجري مناقشتها في الوقت بين جيفروي سانت هيلير، وكوفييه، ولامارك، وقد دافع عن نوع مختلف من تحولية لاماركي-جوفروي في كتاباته، وهي موضوعات تم شرحها في محاضراته حول التشريح المقارن في الكلية الجامعية الجديدة لندن حيث أصبح أول أستاذ في علم التشريح المقارن في عام 1827.

تمت الإضافة إلى هذا التقليد أيضًا مُدخلات قوية لفلسفة الطبيعة الألمانية التي دخلت في المناقشات البريطانية في عشرينيات القرن التاسع عشر، وتم شرحها بشكل خاص في محاضرات هينتريان في التشريح المقارن في الكلية الملكية للجرّاحين، والتي ألقاها الجراح البريطاني جوزيف هنري جرين Joseph Henry Green (1791- 1863). حيث استورد جرين في محاضراته أبعادًا عديدة للفلسفة الطبيعية لشيلينج التي استخدمها لتطوير نظرية ديناميكية لعلاقة الأنواع والتي جمعت أعمال لامارك وكوفييه، والمنظر الطبي بجامعة جوتنجن Göttingen، يوهان بلومنباخ Johann Blumenbach (1752-1840)[lxxv]. هذه الموضوعات ستستمر في السلسلة الرئيسية من المحاضرات التي ألقاها تلميذ جرين في كلية الجراحين، عالم التشريح المقارن ريتشارد أوين Richard Owen (1804-1892)، الحائز على كرسي الهينتريان المرموق في التشريح المقارن من 1837 إلى 1856[lxxvi]. محاضرات أوين التي حضّرها على نطاق واسع بين عامي 1837 و1856 جلبت العديد من قضايا التشريح وعلم الأحياء وعلم الأجنة للتأثير على مسائل العلاقة بين الأنواع والتغيير.

في هذه المحاضرات وكتاباته المنشورة، طوّر أوين تفسيرًا جديدًا لأهمية نزاع كوفييه-جوفروي وجعله يؤثر على قضايا التطور التاريخي للأنواع. وفي هذه المحاضرات أيضًا طرح أوين نظرية النموذج البدائي للفقاريات في محاضراته في الهنتريان في عام 1845، وهو موضوع أوضحه في مجموعة مهمة من المنشورات في عامي 1847 و1848. توظيف جوانب من فلسفة ويليام ويويل William Whewell في العلوم لتطوير هذه الحجج، شرح أوين نظرية وحدة النوع فيما يتعلق بالشكل والوظيفة الكوفيريين من خلال افتراض نموذج أصلي مثالي. عمل هذا التجريد بالنسبة لأوين على حد سواء كمثالية متسامية مشابه للمُثل الأفلاطوني، وأيضًا كقانون جوهري يعمل في المادة، تم تصوره على تشبيه القانون النيوتوني، الذي حكم تطور الأشكال في الوقت المناسب[lxxvii]. من خلال هذه النظرية، ادعى أوين أنه يستطيع أن يشرح بشكل متماسك كلاً من التشابه العميق للأشكال في تشريحها الداخلي -الموضوع الذي أكده جيفروي سانت هيلير- وأيضًا التلاؤم الوثيق للبنية والوظيفة مع “ظروف وجود” الكائن الحي، البصيرة التي أكدها كوفييه.

للتمييز بين هذين المعنيين للعلاقة، أدخل أوين في الأدبيات تمييزًا حاسمًا بين أوجه التشابه في “التماثل”، مما يعني وجود الأجزاء “نفسها” في كل مجموعة متنوعة من الأنواع والوظائف -العلاقات الجيفروية- وتلك الخاصة بـ “القياس”، تشير فقط إلى تشابه الأجزاء في تكيفاتها الوظيفية -العلاقات الكوفييرية. تطوير مفهوم التنادد هذا فيما يتعلق بنظريته عن النموذج الأصلي، ادعى أوين أنه يستطيع أخيرًا إعطاء معنى متماسك لمفهوم “التشابه” في العلاقات التشريحية. علاوة على ذلك، عندما طور أوين هذه النظرية فيما يتعلق بعمله في السجل الأحفوري، أدت نظرية النموذج الأصلي، التي تم تصورها أيضًا كقانون جوهري يعمل في التاريخ، إلى تبني أوين لمفهوم تفرع وتنويع علاقات الأشكال على أنها اختلافات عن هذا. النموذج النموذجي المثالي بمرور الوقت. وهكذا كسر أوين مع التقدم التاريخي الخطي من البسيط إلى المعقد المفترض في النظريات التحويلية مثل نظريات لامارك، لا سيما في كتابات لامارك قبل عام 1815. كما ميز هذا النوع من العلاقة التاريخية عن تلك التي دعا إليها بعض المتحولين البدائيين الألمان الذين طوروا أفكارهم على نماذج خطية.

من ناحية أخرى، لا يمكن اعتبار نموذج أوين تحولًا حقيقيًا للأنواع -فالأنواع لا تتغير تاريخيًا أحدها إلى آخر، والنموذج الأصلي موجود بمعنى ما باعتباره “قانونًا” شبه نيوتوني يحكم التطور في الوقت وليس كنوع تاريخي حقيقي. ومع ذلك، فإن دمج علم التشريح المقارن وعلم الحفريات وحتى علم الأجنة في هذا الإطار وضع نموذجًا متطورًا للعلاقة أعاد داروين تفسيره لاحقًا من وجهة نظر نظريته في الاشتقاق المادي من أسلاف التاريخ المشتركين.

على مستوى أكثر شيوعًا، انتشرت تحولية الأنواع على نطاق واسع في المناقشات الناطقة بالإنجليزية قبل الداروينية من خلال الظهور في عام 1844 لعلم الكونيات التطوري الكبير الذي طرحه بشكل مجهول الناشر الاسكتلندي روبرت تشامبرز Robert Chambers (1802-1871) في كتابه الشهير “ آثار التاريخ الطبيعي من الخلق Vestiges Of The Natural History Of Creation“، وهو عمل أعدّ المجتمع الفيكتوري في إنجلترا، وكذلك أمريكا قبل الحرب الأهلية، لنظرية داروين الأكثر تقييدًا لعام 1859[lxxviii]. أكثر شبهاً بعهود بوفون في الطبيعة، وتكهنات هيردر، أكثر من كتابات لامارك، اقترح تشامبرز مخططًا تطوريًا بدأ ببدايات سديم للكون، وانتقل في اتجاه غائي حتى البشرية، مع تطور واسع للأنواع في سلسلة الوجود. في هذا المخطط الكبير، قام بدمج رؤى من علم الحيوان الفرنسي والتقدم الجيولوجي، مع كل هذا العمل تحت تصرفات قانون طبيعي موحد واحد عظيم. تم نشر هذه الرؤية بشكل أكبر من خلال دمجها في قصيدة ألفريد لورد تينيسون Alfred Lord Tennyson “الملحمية Memoriam (1850). على الرغم من شعبية أعمال تشامبرز، والتي مرت بأحد عشر طبعة بحلول نهاية القرن التاسع عشر وبيعت نسخًا أكثر من “أصل الأنواع Origin Of Speciesلداروين، كان المجتمع العلمي البريطاني إجماعيًا بشكل أساسي على رفضه لتكهنات تشامبرز. من نواحٍ عديدة، شكلت هذه المعارضة لكتاب الآثار من قِبل أعضاء قياديين في المؤسسة العلمية الفيكتورية مصدرًا رئيسيًا واحدًا للمقاومة المهنية للنظرية الداروينية. اللاحقة (انظر المدخل عن: داروين، من أصل الأنواع إلى ولادة الإنسان Darwin: From the Origin of Species to the Descent of Man,، القسم 3).

كما دعا مهندس السكك الحديدية البريطاني والمفكر العام، هربرت سبنسر Herbert Spencer (1820–1903) إلى نظرية التطور التطوري الأكثر تأثيرًا فلسفيًا في إنجلترا ما قبل الداروينية. حيث تأثر بشروح اللاماركية من قبِل تشارلز ليل Charles Lyell في المجلد الثاني من كتاب ليل “مبادئ الجيولوجيا Principles Of Geology” (1830-1833)، ومن خلال كتابات كارل ارنست فون باير Karl Ernst Von Baer على التنمية الجنينية، وأيضا من خلال محاضرات هونتيريان لريتشارد أوين على علم العظام من الفقاريات الهيكل العظمي، الذي حضرها سبنسر في عام 1851[lxxix]، دخل سبنسر في المناقشات البريطانية حول التحولية في عام 1852 بتأييده لـ “فرضية التطور”[lxxx]. بدأ هذا في تأملاته الواسعة حول تطور المجتمع والإنسانية الذي يحكمه القانون، والذي تم تطويره بالتفصيل في أعمال مثل “المبادئ الأولى First Principles“، التي نُشرت عام 1862[lxxxi]. قبل استخدام المصطلح من قبل داروين، تحدّث سبنسر عن “تطور” الحياة والكون من بدايات مادية، مع تغير الأنواع نتيجة لعمل القوى الطبيعية. ومن سبنسر أيضًا، اقترض داروين المصطلح “البقاء للأصلح” كمرادف لـ “اختياره الطبيعي” في الطبعة الخامسة من كتاب أصل الأنواع في عام 1869. على الرغم من ظهور مبادئ سبنسر الأولى بعد نشر أصل داروين، فقد تم تطوير تحولية سبنسر بشكل عام بشكل مستقل عن عمل داروين، ويظهر تقاربًا وثيقًا مع انعكاسات لامارك وتشامبرز والتطور التاريخي لأوين.

غالبًا ما كان يُنظر إلى سبنسر، بدلاً من داروين، على أنه المنظر الأساسي للداروينية “الاجتماعية” في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين[lxxxii]. حتى أن تأثير سبنسر في جميع أنحاء العالم جعل أعماله وسيلة تم من خلالها إدخال الداروينية لأول مرة في المناقشات غير الغربية[lxxxiii]. تم استكشاف هذا التجاور غير المعتاد بين سبنسر وداروين في داروين، من أصل الأنواع إلى ولادة الإنسان Darwin: From the Origin of Species to the Descent of Man,، (القسم 1.3).

 

5. الملخص والاستنتاج حول الفكر التطوري

سعى السيناريو التاريخي الطويل المُلخص في المدخل الحالي إلى إظهار تعقيد التحولية في علم الأحياء في الفترة التي سبقت ظهور الداروينية. كان على هذه الخلفية المعقدة أن يطور داروين نظريته الخاصة حول أصل الأشكال وتنوعها. كان يعتمد بعدة طرق على هذه المناقشات الموجودة مسبقًا في المصادر الفرنسية وحتى الألمانية. سيتم إجراء مزيد من الاستكشاف لهذا في داروين، من أصل الأنواع إلى ولادة الإنسان Darwin: From the Origin of Species to the Descent of Man,.

 

 


المراجع (الفكر التطوري):

  • Appel, Toby A., 1987,The Cuvier-Geoffroy Debate: French Biology in the Decades Before Darwin, Oxford: Oxford University Press.
  • Aquinas, Thomas,Summa Theologiae, in S. Thomae de Aquino, Opera omnia, [available online].
  • Aristotle,The Complete Works of Aristotle: the Revised Oxford Translation, 2 volumes, Jonathan Barnes (ed.), Princeton, NJ: Princeton University Press, 1984.
  • Aucante, Vincent, 2006, “Descartes’s Experimental Method and the Generation of Animals”, in Smith 2006: 65– doi:10.1017/CBO9780511498572.004
  • Augustine of Hippo, [GL],De Genesi ad Litteram, translated by J. H. Taylor as The Literal Meaning of Genesis (Ancient Christian Writers, 41), New York: Newman Press, 1982. (Latin text available online)
  • Blanckaert, Claude, Claudine Cohen, Pietro Corsi, and Jean-Louis Fischer (eds.), 1997,Le Muséum au Premier siècle de son Histoire, Paris: Editions du Muséum national d’histoire naturelle.
  • Bowler, Peter J., 1975, “The Changing Meaning of ‘Evolution’”,Journal of the History of Ideas, 36(1): 95– doi:10.2307/2709013
  • –––, 2003,Evolution: the History of an Idea, third edition, Berkeley, CA: University of California Press.
  • Buffon, Georges-Louis LeClerc, Le Comte de, 1753, “L’asne” (the ass) ,Histoire Naturelle, volume 4. Collected in Buffon [OP].
  • –––, 1765, “De la Nature. Seconde Vue”, inHistoire Naturelle, volume 13, Paris: L’Imprimerie Royale, pp. i– Collected in Buffon [OP]. [Buffon 1765 available online]
  • –––, 1779,Les Époques de la Nature, Paris: De l’imprimerie royale. Critical edition, Jacques Roger (ed.), Paris: Muséum national d’histoire naturelle, 1962, reissued 1988; translated into German as Epochen der Natur, St. Petersburg, 1781; translated into English as The Epochs of Nature, J. A. Zalasiewicz, Anne-Sophie Milon, and Mateusz Zalasiewicz (trans.), Chicago: The University of Chicago Press, 2018. Divided into the “First Discourse” and seven “Epochs”.
  • –––, [OP],Oeuvres philosophiques, Jean Piveteau (ed.), Paris: Presses Universitaires de France, 1954.
  • –––, [HN],Histoire naturelle, génèrale et particulière, introduit et annoté par Stéphane Schmitt, avec la collaboration de Cédric Crémière, 13 volumes, Paris: Champion, 2007–
  • Burkhardt, Richard W., Jr., 1977,The Spirit of System: Lamarck and Evolutionary Biology, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Burnet, Thomas, 1684 & 1690 [1965],The Theory of the Earth, London, originally published in two parts, 1684 and 1690, in English, reprinted later as The Sacred Theory of the Earth. Reprinted with an introduction by Basil Willey, London: Centaur Press, 1965. The two parts were first published in Latin as Telluris theoria sacra, 1681 and 1689. [Burnett 1684 available online]
  • Carroll, William E., 2015, “After Darwin, Aquinas: A Universe Created and Evolving”, inDarwin in the Twenty-First Century: Nature, Humanity, and God, Phillip R. Sloan, Gerald P. McKenny, and Kathleen Eggleson (eds.), Notre Dame, Indiana: University of Notre Dame Press.
  • Chambers, Robert, 1844 [1994],Vestiges of the Natural History of Creation, Edinburgh. A facsimile reprint of first edition, James A. Secord (ed.), Chicago: University of Chicago Press, 1994. [Chambers 1844 third edition, 1845, available online]
  • Châtelet, Émilie Du, 1740,Institutions de Physique (Foundations of Physics), Paris; second edition under the title Institutions physique, 1742; English translation of first edition available online.
  • Corsi, Pietro, 1983 [1988],Oltre Il Mito: Lamarck e Le Scienze Naturali Del Suo Tempo, (Saggi 255), Bologna: Mulino. Translated, with revisions and updates, as The Age of Lamarck: Evolutionary Theories in France 17901830, Jonathan Mandelbaum (trans.), Berkeley, CA: University of California Press.
  • –––, 2001,Lamarck: Genèse et enjeux du transformisme, 17701830, Paris: CNRS Editions. Revised version of Corsi 1983 [1988].
  • Dales, Richard C. and Omar Argerami, 1991,Aristotles Teaching on the Eternity of the World in Medieval Latin Texts on the Eternity of the World, Leiden: Brill. doi:10.1163/9789004246720.008
  • Deason, Gary B., 1986, “Reformation Theology and the Mechanistic Conception of Nature”, inGod and Nature: Historical Essays on the Encounter Between Christianity and Science, David C. Lindberg, and Ronald L. Numbers (eds.), 1986, Berkeley: University of California Press, 167–
  • Descartes, René, 1664 [1972],Traité de lhomme. Translated as Treatise of Man, Thomas Steele Hall (trans.) (Harvard Monographs in the History of Science), Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • –––, 1647 [1983],Principia Philosophiae. Translated as Principles of Philosophy, second edition, V. R. Miller and R. P. Miller (trans.), Dordrecht: Reidel, 1983.
  • –––, 1677,Lhomme, et la formation du foetus, Paris. [Descartes 1677 available online]
  • Desmond, Adrian J., 1989,The Politics of Evolution: Morphology, Medicine, and Reform in Radical London, (Science and Its Conceptual Foundations), Chicago: University of Chicago Press.
  • Detlefsen, Karen, 2006, “Explanation and Demonstration in the Haller-Wolff Debate”, in Smith 2006: 235– doi:10.1017/CBO9780511498572.012
  • Dupré, John, 1993,The Disorder of Things, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Elshakry, Marwa, 2013,Reading Darwin in Arabic, 18601950, Chicago: The University of Chicago Press.
  • Ereshefsky, Marc (ed.), 1992,The Units of Evolution: Essays on the Nature of Species, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Fisher, Saul, 2006, “The Soul as Vehicle for Genetic Information: Gassendi’s Account of Inheritance”, in Smith 2006: 103– doi:10.1017/CBO9780511498572.006
  • Garden, George, 1686, “A Discourse Concerning the Modern Theory of Generation”,Philosophical Transactions of the Royal Society of London, 17(192): 474– doi:10.1098/rstl.1686.0085
  • Gaukroger, Stephen, 2006,The Emergence of a Scientific Culture: Science and the Shaping of Modernity 12101685, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780199296446.001.0001
  • –––, 2010,The Collapse of Mechanism and the Rise of Sensibility: Science and the Shaping of Modernity, 16801760, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780199594931.001.0001
  • Ghiselin, Michael T., 1997,Metaphysics and the Origin of Species, (SUNY Series in Philosophy and Biology), Albany, NY: State University of New York Press.
  • Gould, Stephen Jay, 1977,Ontogeny and Phylogeny, Cambridge, MA: Belknap Press of Harvard University Press.
  • Greene, John C., 1959,The Death of Adam: Evolution and Its Impact on Western Thought, Ames, Iowa: Iowa State University Press.
  • Grene, Marjorie and David Depew, 2004,The Philosophy of Biology: An Episodic History, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9780511819018
  • Guerrini, Anita, 1987, “Archibald Pitcairne and Newtonian Medicine”,Medical History, 31(1): 70– doi:10.1017/S0025727300046329
  • Haines, Valerie A., 1988, “Is Spencer’s Theory an Evolutionary Theory?”,American Journal of Sociology, 93(5): 1200– doi:10.1086/228869
  • Harvey, William, 1651,Exercitationes de generatione animalium, London. Translated as The Generation of Animals in The Words of William Harvey, M.D., Robert Willis (trans.), London: C. and J. Adlard, 1847. [Harvey 1651 [1847] available online]
  • Hoffheimer, Michael H., 1982, “Maupertuis and the Eighteenth-Century Critique of Preexistence”,Journal of the History of Biology, 15(1): 119– doi:10.1007/BF00132007
  • Hofstadter, Richard, 1944 [1955],Social Darwinism in American Thought, Philadelphia, PA: University of Pennsylvania Press. Revised edition, Boston: Beacon, 1955.
  • Hoquet, Thierry, 2005,Buffon: Histoire Naturelle et Philosophie, (Les dix-huitièmes siècles, 92), Paris: Champion.
  • –––, 2007,Buffon-Linné: Éternels Rivaux de La Biologie?, (Quai Des Sciences), Paris: Dunod.
  • Hull, David L., 1965 [1992], “The Effect of Essentialism on Taxonomy – Two Thousand Years of Stasis” (two parts),The British Journal for the Philosophy of Science, 15(60): 314–326 and 16(61): 1– Reprinted in Ereshefsky 1992: 199–225. doi:10.1093/bjps/XV.60.314 doi:10.1093/bjps/XVI.61.1
  • –––, 1999, “On the Plurality of Species: Questioning the Party Line”, in R.A. Wilson 1999: 23–
  • Jin, Xiaoxing, 2019, “Translation and Transmutation: TheOrigin of Species in China”, The British Journal for the History of Science, 52(1): 117– doi:10.1017/S0007087418000808
  • Lamarck, Jean Baptiste Pierre Antoine de Monet de, 1798,Flore françoise, ou, Description succincte de toutes les plantes qui croissent naturellement en France, 3 volumes, Paris: l’Imprimerie Royale. doi:10.5962/bhl.title.9461 [Available online Lamarck 1798 vol. 1Lamarck 1798 vol. 2Lamarck 1798 vol. 3]
  • –––, 1809,Philosophie Zoologique, two volumes, Paris: Dentu. [Available online Lamarck 1809 vol. 1Lamarck 1809 vol. 2]
  • –––, 1815–22,Histoire naturelle des animaux sans vertèbres, Paris: Verdiè doi:10.5962/bhl.title.12712 [Lamarck 1815–22, vol. 1, available online]
  • –––, 1817–19 [1991], various articles from theNouveau dictionnaire dhistoire naturelle, 36 volumes, Joseph Virey (ed.), Paris: Chez Deterville. Lamarck’s articles were published in Articles dHistoire naturelle, Jacques Roger and Goulven Laurent (eds.), Paris: Belin, 1991.
  • Le Guyader, Hervé, 1998 [2004],Etienne Geoffroy Saint-Hilaire, 17721844: Un Naturaliste Visionnaire, (Un Savant, Une Époque), Paris: Belin. Translated as Étienne Geoffroy Saint-Hilaire, 17721844: A Visionary Naturalist, Marjorie Grene (trans.), Chicago: University of Chicago Press, 2004.
  • Lennox, James G., 1985 [2001], “Are Aristotelian Species Eternal?”, inAristotle on Nature and Living Things: Philosophical and Historical Studies: Presented to David M. Balme on His Seventieth Birthday, Allan Gotthelf (ed.), Pittsburgh, PA: Mathesis Publications, 67– Reprinted in Lennox 2001: 131–159.
  • –––, 1987 [2001], “Kinds, Forms of Kinds, and the More and the Less in Aristotle’s Biology”, inPhilosophical Issues in Aristotles Biology, Allan Gotthelf and James G. Lennox (eds.), Cambridge: Cambridge University Press, 339– Reprinted in Lennox 2001: 160–181. doi:10.1017/CBO9780511552564.019
  • –––, 1993, “Darwin Was a Teleologist”,Biology & Philosophy, 8(4): 409– doi:10.1007/BF00857687
  • –––, 2001,Aristotles Philosophy of Biology: Studies in the Origins of Life Science, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Lightman, Bernard V. (ed.), 2016,Global Spencerism: The Communication and Appropriation of a British Evolutionist, (Cultural Dynamics of Science, 1), Leiden: Brill.
  • Lovejoy, Arthur O., 1911 [1959], “Buffon and the Problem of Species”, two parts,Popular Science Monthly, 79(November): 464–473 and 79(December): 554– Reprinted, 1959, Forerunners of Darwin: 17451859, Bentley Glass, Owsei Temkin, and William L. Strauss (eds.), Baltimore, MD: Johns Hopkins Press, 84–113.
  • Lucretius, Titus, [RN],The Way Things Are: the De Rerum Natura of Titus Lucretius Carus, translated by Rolfe Humphries, Bloomington, IND: Indiana University Press, 1968.
  • Malebranche, Nicholas, 1674/75,De la Recherche de la vérité (Concerning the Search after Truth), two volumes, Paris. [Malebranche 1674/75 available online]
  • Maillet, Benôit de, 1748,Telliamed ou entretiens dun philosophe indien avec un missionnaire françois, sur la diminution de la Mer, la formation de la Terre, lOrigine de lHomme, etc., Jean Baptiste de Mascrier (ed.), Amsterdam. [Maillet 1748 available online]
  • Maupertuis, Pierre de, 1745,Vénus physique. [available online]
  • Newton, Isaac, 1687,Philosophiæ Naturalis Principia Mathematica (Mathematical Principles of Natural Philosophy), London.
  • –––, 1730,Opticks: Or, A Treatise of the Reflections, Refractions, Inflections and Colours of Light, fourth edition, London: William Innys, first edition in 1704. [Newton 1730 available online]
  • Oderberg, David S., 2007,Real Essentialism, New York and London: Routledge.
  • Oldroyd, David, 1996,Thinking About the Earth: A History of Ideas in Geology, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Pusey, James Reeve, 1983,China and Charles Darwin, (Harvard East Asian Monographs, 100), Cambridge, MA: Council on East Asian Studies, Harvard University.
  • Pyle, Andrew, 2006, “Malebranche on Animal Generation: Preexistence and the Microscope”, in Smith 2006: 194– doi:10.1017/CBO9780511498572.010
  • Reill, Peter H., 1992, “Buffon and Historical thought in Germany and Great Britain”, inBuffon 88: actes du Colloque international pour le bicentenaire de la mort de Buffon (Paris, Montbard, Dijon, 14–22 juin 1988), Jean Gayon (ed.), Paris: J. Vrin, 667–
  • –––, 2005,Vitalizing Nature in the Enlightenment, Berkeley: University of California Press.
  • Richards, Richard A., 2010,The Species Problem: A Philosophical Analysis, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9780511762222
  • Richards, Robert J., 2002,The Romantic Conception of Life: Science and Philosophy in the Age of Goethe, (Science and Its Conceptual Foundations), Chicago: University of Chicago Press.
  • Roe, Shirley A., 1981,Matter, Life, and Generation: Eighteenth-Century Embryology and the Haller-Wolff Debate, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Roger, Jacques, 1963 [1997],Sciences de la Vie dans la Pensée Française de XVIIIe Siècle, Paris: Amand Colin. Translated as The Life Sciences in Eighteenth-Century French Thought, Keith Rodney Benson (ed.). Robert Ellrich (trans.), second edition, Stanford, CA: Stanford University Press.
  • –––, 1989 [1997],Buffon, un Philosophe au Jardin du Roi, Paris: Librairie Arthème Fayard. Translated as Buffon: A Life in Natural History, L. Pearce Williams (ed.). Sarah Lucille Bonnefoi (trans.), (Cornell History of Science Series), Ithaca, NY: Cornell University Press, 1997.
  • Rudwick, Martin John Spencer, 1972,The Meaning of Fossils: Episodes in the History of Palaeontology, (History of Science Library), London: Macdonald.
  • –––, 2005,Bursting the Limits of Time: The Reconstruction of Geohistory in the Age of Revolution, Chicago: University of Chicago Press.
  • Rupke, Nicolaas A., 1993, “Richard Owen’s Vertebrate Archetype”,Isis, 84(2): 231– doi:10.1086/356461
  • –––, 1994,Richard Owen: Victorian Naturalist, New Haven, CT: Yale University Press.
  • –––, 2009,Richard Owen: Biology Without Darwin, Chicago, IL: University of Chicago Press.
  • Schmitt, Stéphane, 2019, “From Paris to Moscow via Leipzig (1749–1787): Translational Metamorphoses of Buffon’sHistoire naturelle”, Erudition and the Republic of Letters, 4: 33–
  • Schofield, Robert E., 1970,Mechanism and Materialism: British Natural Philosophy in an Age of Reason, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Secord, James A., 2000,Victorian Sensation: The Extraordinary Publication, Reception, and Secret Authorship of Vestiges of the Natural History of Creation, Chicago, IL: University of Chicago Press.
  • Sedley, David N., 2007,Creationism and Its Critics in Antiquity, (Sather Classical Lectures, 66), Berkeley, CA: University of California Press.
  • Shank, John B., 2008,The Newton Wars and the Beginning of the French Enlightenment, Chicago, Il.: University of Chicago Press.
  • Sloan, Phillip R., 1973, “The Idea of Racial Degeneracy in Buffon’sHistoire naturelle”, Studies in Eighteenth Century Culture, 3: 293–
  • –––, 1987, “From Logical Universals to Historical Individuals: Buffon’s Idea of Biological Species”, in J-L. Fischer and J. Roger (eds.),Histoire du Concept dEspèce dans les Sciences de la Vie, Paris: Fondation Singer-Polignac, 101–
  • –––, (ed.), 1992,Richard Owens Hunterian Lectures, MayJune 1837, Chicago: University of Chicago Press.
  • –––, 1997, “Lamarck in Britain: Transforming Lamarck’s Transformism”, inJean-Baptiste Lamarck: 17441829, Goulven Laurent (ed.), Paris: Éditions du CTHS, 667–
  • –––, 2003, “Whewell’s Philosophy of Discovery and the Archetype of the Vertebrate Skeleton: The Role of German Philosophy of Science in Richard Owen’s Biology”,Annals of Science, 60: 39– doi:10.1080/713801780
  • –––, 2006a, “Kant on the History of Nature: The Ambiguous Heritage of the Critical Philosophy for Natural History”,Studies in History and Philosophy of Science Part C: Studies in History and Philosophy of Biological and Biomedical Sciences, 37(4): 627– doi:10.1016/j.shpsc.2006.09.003
  • –––, 2006b, “Natural History”, inThe Cambridge History of Eighteenth-Century Philosophy, volume 2, Knud Haakonssen (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, 903– doi:10.1017/CHOL9780521867436.012
  • –––, 2007, “Kant and British Bioscience”, inUnderstanding Purpose: Kant and the Philosophy of Biology, (NAKS Studies in Philosophy, 8), Philippe Huneman (ed.), Rochester, NY: University of Rochester Press, 149–
  • –––, 2013, “The Species Problem and History”,Studies in History and Philosophy of Science Part C: Studies in History and Philosophy of Biological and Biomedical Sciences, 44(2): 237– doi:10.1016/j.shpsc.2013.01.001
  • –––, 2014, “The Essence of Race: Kant and Late Enlightenment Reflections”,Studies in History and Philosophy of Science Part C: Studies in History and Philosophy of Biological and Biomedical Sciences, 47(A): 191– doi:10.1016/j.shpsc.2014.06.001
  • –––, 2019, “Metaphysics and ‘Vital’ Materialism: Émilie Du Châtelet and the Origins of French Vitalism”, inPhilosophy of Biology before Biology, Cécilia Bognon-Küss and Charles T. Wolfe (eds.), London: Routledge, chp. 3.
  • Smith, Justin E. H. (ed.), 2006,The Problem of Animal Generation in Early Modern Philosophy, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9780511498572
  • Spary, E. C., 2000,Utopias Garden: French Natural History from Old Regime to Revolution, Chicago: University of Chicago Press.
  • Spencer, Herbert, 1852, “The Development Hypothesis”,The Leader, March 20 (published anonymously). Reprinted in his Essays Scientific, Political & Speculative, three volumes, London: Williams and Norgate, 1891, pp.1– [Spencer 1852 available online]
  • Stamos, David N., 2003,The Species Problem: Biological Species, Ontology, and the Metaphysics of Biology, Lanham: Lexington Books.
  • Steno, Nicholas, 1669,De solido intra solidum naturaliter contento dissertationis prodromus, Florence. Translated as The prodromus of Nicolaus Stenos dissertation concerning a solid body enclosed by process of nature within a solid, John Garrett Winter (trans.), New York: Macmillan, 1916. [Steno 1669 and Steno 1669 [1916] available online]
  • Terrall, Mary, 2002,The Man Who Flattened the Earth: Maupertuis and the Sciences in the Enlightenment, Chicago: The University of Chicago Press.
  • Wheeler, Quentin D. and Rudolf Meier (eds.), 2000,Species Concepts and Phylogenetic Theory: A Debate, New York: Columbia University Press.
  • Wilkins, John S., 2009,Species: A History of the Idea, (Species and Systematics 1), Berkeley, CA: University of California Press.
  • Wilson, Catherine, 2006, “Kant and the Speculative Sciences of Origins”, in Smith 2006: 375– doi:10.1017/CBO9780511498572.017
  • Wilson, Robert A. (ed.), 1999,Species: New Interdisciplinary Essays, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Winsor, Mary P., 2006, “The Creation of the Essentialism Story: An Exercise in Metahistory”,History and Philosophy of the Life Sciences, 28(2): 149–
  • Wolfe, Charles, 2014, “On the Role of Newtonian Analogies in Eighteenth-Century Life Science”, inNewton and Empiricism, Zvi Biener and Eric Schliesser (eds.), Oxford: Oxford University Press, 223– doi:10.1093/acprof:oso/9780199337095.003.0010
  • Zammito, John H., 2018a,The Gestation of German Biology: Philosophy and Physiology from Stahl to Schelling, Chicago: University of Chicago Press.
  • –––, 2018b, “From Natural History to the History of Nature: Kant Between Buffon and Herder”, inRethinking Kant 5, Pablo Muchnik and Oliver Thorndike (eds.), Newcastle upon Tyne: Cambridge Scholars Publishing, 281–

أدوات أكاديمية لـ الفكر التطوري

 

How to cite this entry.

 

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

 

Look up this entry topic at the Indiana Philosophy Ontology Project (InPhO).

 

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

   

مصادر أخرى على الإنترنت عن الفكر التطوري


مداخل ذات صلة حول الفكر التطوري

adaptationism | altruism | altruism: biological | Aristotle, General Topics: biology | biology: philosophy of | Châtelet, Émilie du | creationism | Darwinism | Descartes, René | evolution: cultural | evolution: from Origin of Species to the Descent of Man | fitness | genetics: evolutionary | life | Malebranche, Nicolas | natural selection | natural selection: units and levels of | species | Spencer, Herbert | teleology: teleological notions in biology | Whewell, William


Acknowledgments

The author wishes to acknowledge the valuable comments of colleagues on this article, and particularly those by David Depew, Robert J. Richards and M. Katherine Tillman. Additional debt is due to Michael Ruse, Edward Zalta, and the anonymous reviewers for the Stanford Encyclopedia of Philosophy.


[1] Sloan, Phillip, “Evolutionary Thought Before Darwin”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2019 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2019/ entries/evolution-before-darwin/>.

*  سيتم الأخذ بمصطلح التحولية، حيث تعبر عن فكرة النظرية أفضل من كلمة التطفّر، التي ربما تُحدِث لغط مع مصطلح “الطفرة”، والتي هي نظرية أحدث منها. المترجم.

*  ديميورجوس، وهي الكلمة باليونانية القديمة Δημιουργός وتعني حرفيًا، خالق الكون المادي- المترجم.

*  لاتيني.

*  وهي باليونانية القديم Ψυχή.

*  باليونانية القديمة Εἶδος وتعني الشكل المنظور.

*  كلمة لاتينية- تُرجمت بشكل مختلف كمبادئ جينية، أو سببية، أو العقل البدائي، أو العوامل الأصلية، أو الأسباب أو الفضائل الأساسية، أو المبادئ الشبيهة بالبذرة، وهي نظرية لاهوتية حول أصل الأنواع. إنها العقيدة القائلة بأن الله خلق العالم في شكل بذور، مع بعض الإمكانات، والتي تطورت بعد ذلك أو تكشّفت وفقًا لذلك بمرور الوقت. الغرض منه هو التوفيق بين الإيمان بأن الله خلق كل الأشياء، والحقيقة الواضحة أن الأشياء الجديدة تتطور باستمرار.

*  لاتيني- وهي إحدى الأطروحات المبكرة التي تحاول شرح حدوث الحفريات في الصخور الصلبة.

*   لاتيني- وتعني النظرية المقدسة للأرض. نُشر الجزء الأول عام 1681 باللغة اللاتينية.

*  تترجم كلمة Mechanism عادة في العربية بالآلية، لكن هذه الترجمة لا تفي في الحقيقة بالمعنى الدقيق للفظ الأجنبي، فأصل كلمة “آلة” من المصدر آل يئول أي انتهى إلى مآل وإلى نهاية، ومن ثم فالآلية تعني الأتوماتيكية أي الحركة الذاتية Outo- Matic. أما الماكينة –وهو لفظ امتصته العربية من اللاتينية وصار شائع الاستعمال- فتتآلف من عدة آليات، أي من عدة حركات آلية تؤدي كل حركة منها إلى الأخر، ابتداءً من حدث معين ووصولًا إلى نتيجة ما مرورًا بعدة خطوات. ومن هنا جاء استخدامنا لكلمة “ميكاميزم” بدلًا من “آلية” كترجمة أوفى وأدق. أنظر كتاب الداروينية والإنسان، للدكتور صلاح عثمان. طبعة 2001، ص 29.

*  عالج فيه طبيعة العقل البشري وكيفية استخدامه لتجنب الخطأ في العلوم، ووضع الكتاب الأساس لسمعة مالبرانش وأفكاره الفلسفية.

*  حيث يحمل الكتاب عنوان “اسمه بالعكس”.

*  لعب بوفون دورًا أساسيًا في تحويل Jardin du Roi حديقة الملك إلى مركز أبحاث ومتحف رئيسي. كما قام بتوسيعها، وترتيب شراء قطع الأرض المجاورة والحصول على عينات نباتية وحيوانية جديدة من جميع أنحاء العالم.

*  جرى تعريف معنى الانحطاط تعريفًا ضعيفًا، ولكن يمكن وصفه بأنه تغيّر الكائن الحي من شكل أكثر تعقيدًا إلى شكل أبسط وأقل تمايزًا، ويرتبط بمفاهيم الانحدار البيولوجي للقرن التاسع عشر.

*  هي كتلة أرضية مكونة من قارتي أوروبا وآسيا. تشكلت قبل حوالي 350 مليون سنة بعد اندماج القارات.

*  شكل سيرس النظرية الجينية بين عامي 1824 و1826، بناء على أعمال ميكل فيما أصبح يُعرف باسم “قانون ميكل-سيرس”. كانت هذه محاولة للربط بين علم الأجنة المقارن وبين “نمط التوحيد” في العالم العضوي. دعم الفرضية ايتيان جيفروي سانت هيلار، وأصبحت الفرضية جزءًا هامًا من أفكاره. افترضت الفرضية أن التحولات الماضية في الحياة قد تكون بسبب أسباب بيئية عاملة على الجنين، بدلًا من عملها على البالغين كما في اللاماركية..

[i] Bowler 1975.

[ii] Lucretius [RN].

[iii] Sedley 2007.

[iv] Carroll 2015.

[v] Aristotle, De Anima II: 415b, 10–30.

[vi] Physics, I: 192a, 25–34.

[vii] Dales and Argerami 1991.

[viii] Aristotle, De generatione animalium, III: 762a, 20–35.

[ix] De Anima, II: 415b, 1–10.

[x] De generatione animalium, II: 731b, 32–732a5.

[xi] Augustine, VI.13.23–25, [GL, 175–76].

[xii] Gaukroger 2006: chp. 2.

[xiii] Wilkins 2009: Ch. 3.

[xiv] R.A. Richards 2010: chp. 2.

[xv] Hull, 1992.

[xvi] R.A. Richards 2010; Wilkins 2009; Oderberg 2007: chp. 9; Winsor 2006; Lennox 1985, 1987.

[xvii] Bowler 2003: chp. 2; Oldroyd 1996; Greene 1959.

[xviii] Descartes 1647 [1983: 181].

[xix] Ibid.

[xx] Aucante 2006.

[xxi] Descartes 1647 [1983: 275–276].

[xxii] Descartes 1664 [1972: 1–5].

[xxiii] Sloan 2006a.

[xxiv] Rudwick 1972.

[xxv] Burnet 1684: bk 2, chp. 2, para. 4, p. 187 [1965: 141].

[xxvi] Rudwick 1972, 2005.

[xxvii] Roger 1963 [1997: chp. 2].

[xxviii] Fisher 2006.

[xxix] Gaukroger 2010: chp.2.

[xxx] Pyle 2006; Roger 1963 [1997: chp. 6].

[xxxi] Deason 1986; Roger 1963 [1997: chp. 6].

[xxxii] Garden 1691: 476–477.

[xxxiii] Detlefsen 2006; Roger 1963 [1997: chp. 7]; Roe 1981.

[xxxiv] Schofield 1970: chp. 9.

[xxxv] Wolfe 2014; Gaukroger 2010: chps. 10–11.

[xxxvi] Schofield 1970: chp. 1.

[xxxvii] Guerrini 1987.

[xxxviii] Newton 1730: 378.

[xxxix] ibid., 401.

[xl] Zammito 2018a; Gaukroger 2010; Reill 2005; Rudwick 2005.

[xli] Shank 2008.

[xlii] Terrall 2002: chp. 7; Hoffheimer 1982.

[xliii] Spary 2000.

[xliv] Hoquet 2007.

[xlv] Hoquet 2005; Sloan 2006b; Roger 1963 [1997: chp. 9], 1989 [1997: chp. 6].

[xlvi] Sloan 2019.

[xlvii] Hoquet 2005; Grene & Depew 2004; Roger 1989 [1997: chp. 6]; Sloan 2006b.

[xlviii] Spary 2000: chp. 1; Blanckaert et al. (eds) 1997; Corsi 1983 [1988], 2001.

[xlix] Rudwick 2005.

[l] Sloan 2019.

[li] Reill 2005: chp. 1.

[lii] Buffon “De la Nature. Seconde vue”, 1765, [OP, 38–41].

[liii] Buffon 1753, [OP, 355].

[liv] Bowler 2003: chp. 3; Lovejoy 1911 [1959].

[lv] Buffon 1753, [OP, 355].

[lvi] Dupré 1993; Ereshefsky (ed.) 1992; Ghiselin 1997; Hull 1999; R.A. Richards 2010; Sloan 2013; Stamos 2003; Wheeler & Meier (eds) 2000; Wilkins 2009; R.A. Wilson (ed.) 1999; and the entry on species in this encyclopedia.

[lvii] Sloan 1973, 2014.

[lviii] Buffon 1779.

[lix] Buffon 1779: Fifth Epoch.

[lx] Roger “Introduction” in Buffon 1779, [1988, cxxiv].

[lxi] Rudwick 2005: chp. 3.

[lxii] Schmitt, 2019.

[lxiii] Reill 1992.

[lxiv] Zammito 2018a: 180–185, 2018b.

[lxv] Zammito 2018a: chps. 8,9,11; R. J. Richards 2002: chps. 2,3,8.

[lxvi] Blanckaert et al. (eds) 1997.

[lxvii] Corsi 1983 [1988: chp. 1].

[lxviii] Corsi 1983 [1988: chp. 1]; Appel 1987.

[lxix] Burkhardt 1977.

[lxx] extracted in Lamarck 1817–19 [1991].

[lxxi] Sloan 1997.

[lxxii] Appel 1987.

[lxxiii] Gould 1977: chp. 3.

[lxxiv] Rupke 2009; R.J. Richards 2002; Sloan 2007, 2003, 1992; Desmond 1989.

[lxxv] Sloan 2007.

[lxxvi] Rupke 1994, 1993; Sloan (ed.) 1992.

[lxxvii] Sloan 2003; R. J. Richards 2002: chp. 14; Rupke 1993.

[lxxviii] Secord 2000.

[lxxix] Rupke 1994: 206.

[lxxx] Spencer 1852.

[lxxxi] Haines 1988.

[lxxxii] Hofstadter 1944 [1955]; see also the entry on Herbert Spencer.

[lxxxiii] Jin 2019; Lightman (ed.) 2016; Elshakry 2013; Pusey 1983.