مجلة حكمة
التخلي عن الوطن المانيا النازية و اليهود

التخلي عن الوطن – هيلموت والسر سميث / ترجمة: غادة مانع العميان

صور لمواطنين ألمان يتظاهرون خارج مؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي اليميني المتطرف في ألمانيا عام ١٩٦٧ و مكتوب على الملصق ” مرة اخرى؟ ليس بمشاركتنا ” صورة من تصوير وولفجانج كونز / أولشتاين عبر وكالة جيتي.


بعد اثني عشر عامًا من التيار الدكتاتوري، وحرب استمرت ست سنوات، والتركيز على الإبادة الجماعية لمحرقة اليهود، ومع تأثر مصداقية القومية، إلا أن الأطر الذهنية للقومية مستمرة وثابتة على مر السنين، ولقد سادت هذه الأطر على الجانبين، حيث يطلق على الأول لقب الستارة الحديدة، وطغت أيضًا على شمال الكرة الأرضية ممتدة إلى الدول النامية في جنوب العالم وحتى جمهورية ألمانيا الاتحادية، إن خروجك من القفص المسمى بالوطن سيكون كما اطلق كيتنهوفِه على ألمانيا الغربية بالقومية المحبطة والتي لم تبدأ على الفور ولقد كان كيتنهوفِه الشخصية الرئيسة في رواية  The Hothouse التي نشرت عام ١٩٥٣، وكانت من مؤلفات وولفجانج.

عندما يبدأ الانقلاب فإن بلد كيتنهوفِه قد تنطلق في رحلة لا تنسى ولكن ليس بالتسابق نحوالعالمية وإنما هي رحلة بطيئة تتطلب خطى صغيرة نحو التشكيل التدريجي لأمة تتمتع بالسلام والتنوع بشكل اكثر، وصادقة من الناحية التاريخية هذه تُعد رحلة لألمانيا نحو الأفضل، وبعد انهيار الرايخ الثالث وعلى نحو غير معروف وجهت ألمانيا التهم لدول الاخرى على أنهم سبب الحرب العالمية الثانية، ولقد أكد الصحفي النازي هيلدغارد روزي لويس في ١٩٤٦ قالاً:

 "يعي كل ألماني أننا لسن مذنبين في اندلاع الحرب"

ومع عبارة ” كل ألماني”، فإن معرفة المصورة الأمريكية مارغريت بورك وايت مبالغ فيه بلا شك، ولكن في عام ،١٩٥٢ وضح الاستطلاع الألماني أنه لم يتم اختيار ألمانيا بنسبة ٦٨ % إجابة على سؤال من “بدأ الحرب العالمية الثانية؟”  وتراجعت نسبة هذا الرأي في الستينات، وفي منتصف الخمسينات ما يقارب نصف مجموع الألمان صوتوا “بنعم” ردا على اقتراح ينص على أن هتلر كان سيكون أحد أعظم رجال الدولة في القرن العشرين لولا الحرب، وفي أواخر الخمسينات ما يقارب ٩٠ بالمئة لم تكن اجابتهم “نعم” إجابة على سؤال اذا ما كان يجب على بلدانهم الاعتراف بخط الأودر – نيزه والذي يمثل الحد الجديد مع بولندا،

وقد يكون اكبر اكتشاف هو موقفهم من اليهود وفي الثاني عشر من يونيو ١٩٤٦ شاطرت حنة آرنت رأيها مع دولف ستيرنبيرجر وهو احد ابرز الوكلاء الإعلامين في المانيا والذي أبدى رأية على أن ألمانيا الآن تُعد مُعادية لسامية اكثر من اي وقت مضى، وفي عام ١٩٥٩ اعتقد ٩٠% من الألمان والذين شملهم الاستطلاع أن اليهود ينتمون لعرق اخر في حين ١٠%  يعتقدون ان اليهود من أصول انجليزية، وملخص هذه الموقف يقترح أن قفص كيتنهوفِه والذي اطلق عليه الوطن ظل مقفلًا لأكثر من عقدين بعد انهيار الرايخ الثالث ومثل معظم اوروبا والعالم اجمع افتقرت ألمانيا لخطاب يُعد بديلًا قويا ينصب نحو القومية، وفي السبعينات حاز إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على القليل من الشعبية بعد الحرب في اوروبا وكانت الانتماءات الاقليمية مثل التي في اوروبا ( او الوحدة الافريقية اوقد تكون العروبة ) تعد انتماءات واعدة على الرغم من انحصارها لعدد قليل من النخبة.

وإضافة الى ذلك، لم تنجح الدفاعات الشرسة عن الرأسمالية لاستهلاك مخزون المجازات القومية ومن الناحية الغريبة لستارة الحديدة فإن الشيوعية دعمت القومية المتأثرة بالنازية بدلًا من إحباطها وإضافة الى ذلك فإن العالم بعد الحرب كان منغمسا بالدول القومية الجديدة وخاصة عندما كان العالم تحت ظل فترة ما بعد الاستعمار وفي عام ١٩٤٥ كان هنالك فقط ٥١ دولة مستقلة ممثلة في الأمم المتحدة ولاحقا وبعد ٣٠ سنة ازداد عدد الدول ليكون ١٤٤.

سواء كان في عصر جواهر لال نهر وفي الهند او خلال زعامة كوامي نكروما في غانا، فإن القومية ووعود حرية الارادة اطلقت حركة الاستقلال المعادية للاستعمار وفي اوروبا استمرت القومية على صياغة المطالب لحقوق المجموعة والحدود الإقليمية، اما بالنسبة لألمانيا لقد انقسمت حيث أنها لم تكن ذات سيادة حتى مطلع عام ١٩٩٠ ولقد تم مناقشة التوحيد النهائي، وحق المنفيين من ذوي العرق الأماني ليعودوا لمواطنهم في اوروبا الشرقية وشمل النقاش شرعية الحدود الشرقية الألمانية وبالفعل بقى الحال دون تغير حتى مطلع عام ١٩٧٠ أي ربع قرن بعد الحرب وبعد عناء اقرت جمهورية ألمانيا الاتحادية بشرعية الحدود الألمانية مع بولندا والتي انشئت خلال مؤتمر بوتسدام عام ١٩٤٥ ولايزال نصف الألمان الغربيين ضد هذا الإقرار.

عادات التفكير لأمة نازية مسلحة ذات يوم شكلت مجموعة واحده من الإمدادات

كما تعكس القومية الاقصائية خلال فترة ما بعد العرب حقيقة اساسية جديدة واسفرت الحرب العالمية الثانية عن اوروبا والتي تشكلت من عدة دول قومية متجانسة تقريبا ولقد كان هنالك سلسلة من دول اوروبا الغربية والتي كانت عكس ذلك تماما وتُعد متنوعة في وقتنا الحالي، ولقد بلغ عدد سكان ألمانيا الغربية والذين ولدوا في بلد اجني ١.١ بالمائة فقط واثبتت هذه النسبة الضئيلة نموذجية هذه القارة فُسيفسائية بشكل كامل وما تزال هولندا تمتلك عددًا قليلًا من السكان الأجانب ويشكلون الأجانب اقل من ٥ بالمائة من السكان في بلجيكا وفرنسا وبريطانيا العظمى.

وخلال السنوات ما بين الحربين العالميتين كانت اوروبا الشرقية مثل بولندا والمجر تملك اكبر الأقليات العرقية، في حين يشكل اليهود النسبة السكانية الأعلى وفي فترة ما بعد الحرب، ذهب كليهما وبقي البولنديون والهنغاريون متفردين الى حد كبير، وحتى في ادنى مرحلة من تفكك العولمة وفي كثير من الأحيان لم يتجاوز الاوروبيون حدودهم ولم يكن الألمان استثناءً لذلك، وفي عام ١٩٥٠ كان اغلب الألمان لم يسبق لهم أن كانوا خارج البلاد باستثناء الجنود وما يقارب ٧٠ بالمائة من النساء البالغات لم يغادرن ألمانيا على الإطلاق ولم يكن السفر رائجًا وكان يعتبر مظهر من مظاهر الترف لا يتمتع به الاغلبية إلا في منتصف الخمسينات، بينما اصبح السفر الدولي ظاهرة جماعية حقيقة في السبعينات عندما كان معظم الأشخاص يمتلكون سيارتهم الخاصة.

وخلال العقود الاولى من فترة السياحة كانت معظم زيارات الألمان لمناطق ناطقة للغة ألمانية مثل القلاع على نهر الراين او منحدرات جبال الآلب الشمالية، وفي غضون هذه السنوات وباستثناء الأشخاص ذوي التعليم العالي كان القلة من الألمان يعرفون لغات اجنبية وايضا معظم الأوربيين الأخرين فليس بينهم فرق إذ لم يكونوا من العمالة المهاجرين , ولقد كان القفص المسمى بالوطن يشكل تعزيزا وإن المثابرة في عالم تسوده النزعة القومية لعادات التفكير لأمة نازية مسلحة سابقا شكلت مجموعة واحده من الإمدادات، ونتيجة لتجانس النسبي للأمم لما بعد الحرب وافتقارهم لتجارب السفر خارجًا وقت السلام

فقد شكلت تعزيزا وايضا هنالك تعزيزا ثالث والذي يبقي القفص مغلقًا وهذا الشيء الذي كانوا يخفونه الألمان وخلال الفترة ما بعد الحرب كانت ألمانيا تعج بمجرمي الحرب وادانت المحاكم الاوروبية ما يقارب ١٠٠،٠٠٠ جاني ألماني ونمساوي، ولقد  تسببت مجموع الإدانات برفع الارقام بشكل عالي حيث ان هذه الإدانات مقدمة من قبل حلفاء الحرب العالمية الثانية وتشمل الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي وبولندا واكثر من ٦٠٠٠ جانح سترسلهم محاكم ألمانيا الغربية لسجن ولقد ادان النظام القضائي والذي يعد اشد الانظمة قسوة في ألمانيا الشرقية ما يقارب ١٣٠٠٠ شخص.

وعلى الرغم من ذلك فإن هنالك الكثير لتستر عليه وفي اسفل درجة في التسلسل القيادي النازي كان هنالك عدد مفزع من الجناة تواطؤ في عدة انواع مختلفة من الجرائم ولقد افلتوا من العقاب، وهنالك مثالين متناقضين قد يفون بالغرض الأول هو أن هنالك ١٠ بالمائة فقط تم ادانتهم من الألمان وهم من سبق لهم العمل في معسكر اوسكويتز وحوالي ٤١ عضوا فقط من ٥٠ ألف قاتل من كتيبة الشرطة الألمانية لم تطبق العدالة بحقهم على الرغم من انهم كانوا مسئولون عن قتل نصف مليون شخص وتكشف المحاكم والعقوبات جزء بسيط من قصة التواطؤ، ولم ينخرط العديد من الألمان بشكل مباشر في الجرائم التي جرتهم الى الممتلكات والسلع الرخيصة.

وبناءً على تقارير مفصلة مقدمة من مدينة هامبورغ والتي تقع في شمال ألمانيًا وبشكل منفرد تشير على أن هنالك حوالي ١٠٠،٠٠٠ شخص اشترى  بضائع مصادرة في مزاد لسلع اليهودية وكل من الجمهورية الفدرالية والبيوت والمعابد اليهودية والتجارة والتي كانت تحت تصرف اليهود المجاورين اصبحت الآن في حوزة الألمان، ومع ما يقتضيه اختلاف الحال إنه امر صحيح في ما يتعلق بعدد الأشخاص المنخرطين في أعمال الجريمة والسرقة لرايخ الثالث هوما ينطبق على ما يعرفه الناس “لم نكن نعلم اي شي”  اشارة الى مجزرة اليهود ولم يحاول مواطني ألمانيا الغربية بإعادة الكره خلال العقود الاولى بعد الحرب.

وما زال المؤرخون يناقشون اذا ما كان ثلث او نصف البالغين يعرفون ما هي عملية الإبادة الجماعية حتى لواقر معظم العلماء أن هنالك قلة من الألمان يعرفون عن معسكر أو شفيتز بشكل مفصل , وعلى الرغم من أن لديهم الكثير ليستروا عليه فإن الألمان يتشاركون مصيرنا واحد وفي مقالة رائدة The Past Is Another Country: Myth and Memory in Postwar Europe نشرت عام ١٩٩٢ وهي من مؤلفات الراحل توني جدت والتي من خلالها أشار الى الرهانات التي معظم اوروبا المحتلة تملكها تسترًا على التعاون مع السادة من النازيين، هذه ليست مسألة سهلة النسيان كما هو مفترض ففي بعض الأحيان هذه المسألة تتضمن تستر دائم وواعي.

وعلى الرغم من ذلك أثرا العديد من الأشخاص على انفسهم وخاصة الذين يعيشون في شرق اوروبا والتي كان اكثرية اليهود يعيشون هناك وكانوا هؤلاء الأشخاص يستمتعون بنعومة اسرة اليهود كمال يقال ويحتلون مساكنهم بطريقة تعد من اعظم النقلات الإجبارية السكانية في التاريخ الحديث ولأجل هذه الاسباب ليس من السهل ترك القفص المسمى بالوطن، إنه لأمرُ منطقي متابعة العمل الجاد والتي يكمن في تخفيف ابعاده الثالثة الاساسية وهي الدول المتحاربة ومتجانسة والمتسترة عوضًا عن تخيل مفتاح يتيح لك الخروج ولم يكن للأمر أن يتم إلا عندما قرر الألمان التخلي عن هذه القوالب العقلية والتي قد تمكنهم من الخروج من هذا القفص ومن حسن الحظ وفي الفترة ما بعد الحرب تمتع ألمان بإزهار لا منقطع وزيادة في عدد المهاجرين والتمتع بوقتهم وعندما جُمعت كل من هذه الخطوات الصغيرة للأشخاص مع المؤسسات ووعلينا الإقرار بأنها خطوات جريئة وسمحت هذه العوامل لألمانيا الغربية بأن تنعم بالسلام والتنوع وقادتها الى الحقيقة التاريخية وباختصار الخروج من القفص.

إن النموذجية الادراكية للأمم ما تزال متخاصمة وكان الشعور بالغدر هومشكلة العديد من الألمان


ومثل تصور مفهوم العيش للوطن وليس الموت لأجله والذي صاغه دولف ستيرنبيرجر في عام ١٩٤٧ وبالفعل تشكل هذا المفهوم في السنوات الأولى من الاحتلال ولقد اخذ دولف والمعروف عنه انه ازال الحرف الأول من اسمه ( أ ) يجادل من أجل تنوع الأمة، وإحدى هذه الامم تتطلب الانفتاح والانخراط ولكن هذه الامة لم يقودها نهاية الطريق لتمجيد القتل والموت في الحرب او تهميش واضطهاد الآخرين، إن الأمة تعد مصدر الحياة والتي بدورها تعد راعية لمواطنيها وليست كوسيلة لسلطة والتوسع والحرب والموت.

يلخص هذا تصور ستيرنبيرجر المبدئي ولقد كان تصور ألمانيا والذي تبناه الألمان الغربيون بشكلٍ بطيء ورمزي بدل حالة حرب الى حالة رخا وتبادل الثكنات ودبابات للمتاجر والسيارات عالية الاداء وإن التمكين من قبل ثورة مخملية التي يوجد فيها الناتج المحلي الاجمالي (GDP) لكل تضاعف رباعي أساسي لنصيب الفرد ما بين ١٩٥٠ و١٩٨٠ ولقد توصل الألمان لاستنتاج أن ماضيهم كان افضل بكثير مقارنة بسنوات السلام لرايخ الثالث، وقد نتناسى مدى صلابة وانحصار القفص الذي كان بشكل مباشر في منتصف فترة ما بعد الحرب وفي غالب الاحيان تهكم النقاد المعاصرين على ما يسمى التبني السطحي لديمقراطية استغلالية ومع فجوة أكثرا اتساعًا نعلم أن الازدهار وغياب الحرب تعد شرطًا مسبق واساسيا لانتقال عالمي لديمقراطية حيث أن معظمها حدث في عصر ما بعد الحرب.

في عام ١٩٣٩ وعاش ما يقارب ١٢ بالمائة من سكان العالم في بيئة ديمقراطية ولكن في نهاية القرن العشرين ارتفعت النسبة لتصل ٦٠ بالمائة  وكان خروج ألمانيا من عقلية الأمة المسلحة خروجا بطيئًا ومهمًا لتكن تحت جناح الديمقراطية ولكن هذا الخروج لم يكن سهلًا بتاتًا ويمكننا القول إن تخليد ذكرى المقاومين المحافظين والتي تعد بدورها مثيرة للجدل والتي من شأنها أن تكون مفيدة في هذا السياق حيث توضح هذه الذكرى محاولة المقاومين اغتيال هتلر في العشرون من يوليو عام ١٩٤٤ وباتت محاولتهم بالفشل وفي عام ١٩٥١ وضح ما يقارب ٤٠ بالمائة من الألمان على أنهم يقفون مع هؤلاء المقاومين في حين ٣٠٪؜ كانوا ضدهم وأما بالنسبة للبقية كانوا يجهلون ما يسمى بعملية فالكيري او كانوا غير متأكدين منها حيث أن النموذجية الادراكية للأمم ما تزال متخاصمة وكان الشعور بالغدر هو مشكلة العديد من الألمان وهذا ما كان ينطبق على الرجال.

وعلى الصعيد الأخلاقي لقد صرح اكثر من نص الرجال الألمان أن محاولة الاغتيال كانت محاولة خاطئة وحتى من كان يدعم هذا الاغتيال وهم يشكلون عدد لا يستهان به اعتقدوا انه كان يجيب على هؤلاء المقاومين الانتظار لما بعد الحرب، وظللت استمرارية عقلية الأمة المسلحة عملية إعادة التشكيل مطلع عام ١٩٥٥ وتُعد احد اكثر القضايا جدلًا لأوائل الجمهورية الفدرالية  ولقد نتج عن قرار إعادة تسليح المجتمع الألماني ائتلاف واسع يحذر من هذا التسليح وهذا الائتلاف يتراوح من منظمات الكنائس الى نقابات العمال وعندما اصبح واضحا أن الجيش سيعود، ولقد تم التأكد من خلال الانشطة نفسها على أن هؤلاء الجنود يصونوا الحق وموضحين موقفهم بالرفض تجاه اي أمر غير اخلاقي ومن خلال هذا التصور فإن هذا الهيكل الجديد للجيش الأماني اوما يسمى  بونديس فير يُجسد الرفض لكل التقاليد النازية والبروسية وعلى الرغم من ذلك فإن هنالك ٨٠ بالمائة من ضباط التشكيل الجديد لدفاع الفدرالي خدموا في فيرماخت او القوات المسلحة الألمانية التابعة للحزب النازي، وعُقدت الاحداثيات الاساسية للأمة المسلحة قرنا بعد الحرب العالمية الثانية  وقد تكون على ذا الحال لربع الاول وبشكل تدريجي وعلى حد تعبير المؤرخ مايكل هوارد إن الأوروبين ” اخترعوا السلام” ويعتقدون أن الحرب تُعد حالة غير طبيعية وأن مجتمعها يعتبر مُنافيا للمجتمع الحضاري.

لم يكن النقاش يدور حول ما إذا كان ينبغي السماح للأجانب بالمكوث ولكن كان حول ما هي الشروط وتحت اي دعم

 وخلال الفترة ما بعد الحرب في ألمانيا كان الاستنكاف الضميري للخدمة العسكرية مؤشرًا موثوق بالنسبة لهذا الاعتبار الجديد لسلام، وفي السنوات الاولى من بونديس فير حضر اغلب الشبان الذين جندوا لتأدية الواجب ولكن بحلول اوائل السبعينات ارتفع عدد طلبات التقديم لأكثر من ٢٠،٠٠٠ للاعتراف بالمستنكفين ضميريا وازدادت الأعداد في السبعينات والثمانينات ووصل عدد المتقدمين ٨٠،٠٠٠ تقريبا قبل الإتحاد بعامين وخلال هذا الوقت ومن بين كل الأشياء أضعفت حركة السلام  الهيبة العسكرية بين اليافعين حيث تُعد هذه الحركة ردت فعل تجاه القوى العظمى والتي أدت الى وضع كل من المقاطعتين ألمانيتين في مخيمات عسكرية.

وبحلول عام ٢٠٠٠ اصبح الألمان احد اقل الشعوب احتمالية لرفع السلاح ومواجهة بلدهم ولكن ثلث من شملهم الاستطلاع صوتوا على انهم قد يقدمون على فعل ذلك, وقد يستغرق الخروج من قفص الوطنية وقتنا اكثر بالنسبة لهؤلاء الذين يعتقدون أن الانتماء هو انتماء عرقي وتصوير الأمم على أنها متجانسة عِرقيًا، اما بالنسبة للمخرج الاخرى فقد بدأ بعد المواجهة مع ماضي ألمانيا المشبع بالروح العسكرية، ومن المثير لسخرية أن إنشاء جدار برلين في الثالث عشر من أغسطس في ١٩٦١ كان له دور مثمر في تسريع الوتيرة  وكان الهدف من الجدار أن يضع حدًا للهدر من الشباب المؤهلين من ألمانيا الشرقية ولقد كان له دورًا في إشعال الشغف الوطني على مدى قصير ولكن لم يحالفه الحظ في جعله شغفا بلا نهاية. 

ولقد اتى شباب الجيل التالي من ألمانيا الغربية ليرا حل دائم لمشكلة ” ولايتان – امة واحدة ” كما صاغها مستشار ألمانيا الغربية ويلي برانت، كما أن الجدار سرع عملية الجهود لجلب العمال الوافدين بعد التوقف المفاجئ  لتدفق الهائل من ألمانيا الشرقية بشكل مفاجئ حيث وصل عدد الأشخاص لأكثر من ثلاثة مليون ما بين عام  ١٩٤٥ وعام ١٩٦١ وبدأت المجموعة العرقية لألمانيا الغربية بالتغير أولًا بشكل بطيء ثم على نحو سريع كما لو أنها تقلبات المشكال وكان هدف وقف توظيف العمال مطلع عام ١٩٧٣ هو للحد من التدفق الأجنبي لأقل عدد وفي الواقع لقد ضاعفت هذه المبادرة عدد العمال القادمين من ألمانيا الغربية ودفعهم على جلب عائلاتهم.

وبحلول عام ١٩٨٢ ومع المعاناة المستمرة لألمانيا الغربية مع أزمة النفط وارتفاع نسبة البطالة لعشرة بالمائة وكانت البلد تواجه ارتفاع مفاجئ في عدد السكان الأجانب بنسبة ٧،٥ بالمائة وصرح ما يقارب ٨٠ بالمائة من الألمان الغربيين أن هنالك عدد لا يستهان به من الأجانب يعشون في بلدهم في الوقت الراهن وحتى ٦٠ بالمائة من الألمان الغربيين والمنتمين للحزب الخَضِر يوافقونهم الرأي، ولا زال النقاش مستمرا حتى وقتنا الحالي حول ألمانيا الغربية ولأي درجة اصبحت بها ” أمة مهاجرة ” كما وصفها هاينز كون مفوض الشؤون الخارجية في حكومة هلموت شميت وبعد اتخاذ طريق لا عودة منه كتب كون في عام ١٩٧٩

"أولئك من لديهم الرغبة بالبقاء ... يجب أن يُقدم لهم اندماج غير مشروط ودائم "

إن مذكرة كون والتي باتت منسية إلا من قبل المتخصصين الألمان في تاريخ الهجرة قد غيرت وبشكل فعال لُب النقاش حيث توجه نحو ما هي الشروط وعن اي الدعم يقدم للعمال الأجانب وليس ما اذا كان يجب على العمال الأجانب البقاء في ألمانيا، ولقد عززت ايضا نقاش مبدئيا حول اي مدى كانوا الاجانب لم يُعتبروا ضيوفًا بكل كانوا إخوانا لهم وفي حياة الأمم قد تكون الثغرات الصغيرة ذات أثرا عميق  وخلال السنوات ما بعد الحرب وبصورة عامه سمح الازدهار للألمان بسفر بصفتهم سياح وليس كجنود ولم تُزود اي دولة اوربية كبيرة الكثير من السياح لأي امة اوروبية اخرى مثل ما فعلت مع ألمانيا الغربية  والاهم من ذلك استمر الازدهار بجذب العمال الى الجمهورية الاتحادية.

وبحلول نهاية القرن قد ترتفع نسبة الأجانب في ألمانيا المتحدة لمًا يقارب ثمانية اضعاف مما كانت عليه في ١٩٥٠ اما بالنسبة لنسبة المئوية لم يكن عدد السكان الأجانب في عام ٢٠٠٠ بعيدًا عن نظرائهم في الولايات المتحدة ولكن إذا أختفى التعصب والذي كان شائعًا في العقود الماضية وبقى التميز العرقي والعنصرية التي بثت سمومها في كلًا المجالين الخاص والعام على حد سواء وبالفعل وبعد التوحيد مطلع عام ١٩٩٠ فلقد ثارت موجات عنف كبيره لم يكن لم يسبق لها مثيل وابتداء من المدن التي تقع في الغرب وذات اكبر نسبة من البطالة وأفاق قاتمة وتجارب محدودة مع الأجانب ولقد حدثت اعمال عنف  خطيرة وفي بعض الاحيان مميتة في هو يرسفيردا ودريسدن وروستوك ليشتنهاجين ومجتمعات اخرى عدة وسرعان ما امتدت الى غرب ألمانيا وفي ١٩٩٣ قام الأشخاص ذوق الفكر المتطرف ضد الأجانب بقتل ما يقارب ٥٠ شخص غير ألماني

وبحلول نهاية العقد وصل عددٍ القتلى الى اكثر ١٠٠ شخص والسؤال هنا هل سيختفي مفهوم الأمة المهاجرة كما حذر الكثير ؟ على العكس تمامًا لن يحدث ذلك وهذا بناءً على دليل واضح  وكردة  فعل تجاه حملات القتل لقد خرج مئات الألف من الألمان الى الشوارع متظاهرين ومحتجين علناً على العنف ولقد كانوا اكثر من مليون ألماني في بعض التقديرات  وكانوا رجالًا ونساء من مختلف الأعمار والطبقات والقناعاتِ السياسية ولم يسبق للعديد منهم النزول لساحة المظاهرات من قبل ولكن كانوا يردون أن يثبتوا للعالم ” هذا ليس ما نحن عليه ” واستخدامهم لكلمة ” نحن” هنا كان شي في منتهى الأهمية بالنسبة لهم لأنها تمثل مناشدتهم ضد القوميين الكارهين للأجانب والذين يعيشون بينهم وإن هذه المناشدة تطمح الى أمة شاملة للجميع،

وبحلول نهاية عام ١٩٩٠ بدأت هذه المناشدة بالتحول الى سياسة صارمة وفي عام ٢٠٠٠ عكست انظمة الجنسية الجديدة الخطاب الشامل الجديد من خلال تقديم تنازلات كبيرة لقانون مسقط الرأس وهي الفكرة التي تنص على أنك تُعد مواطناً للمكان الذي ولدت فيه مقارنة بحق الدم وهو الإجراء الألماني الأقدم والذي من خلاله يتم تحديد الجنسية عن طريق الدم وبشكلٍ مباشر تقريبا أصبح ما يقارب مليون مهاجر يحملون الجنسية الألمانية ولقد تضاعفت نسبة الزواج من جنسيات اخرى منذ منتصف التسعينيات وذلك يجعلهم يشكلون سبعة بالمائة من الزيجات المغايرة في ألمانيًا وعلى الرغم من هذا كله ستبقى الأمة المهاجرة الجديدة بعيدة كل البعد من أن تكون ارض غير مُتنازع عليها وذلك بناءً على ما اظهره ارتفاع نسبة حزب الكارهين للأجانب في خضم ازمة اللاجئين مطلع عام ٢٠١٦ ومع ذلك وكما حدث في التسعينيات كان عدد الألمان الذين خرجوا من أجل التظاهر علناً لمناشدة التسامح ومد يد العون عددا جديرًا بالثناء.

جيران عائلة تركية يلوحون لهم عند مغادرتهم لقضاء الإجازة السنوية في تركيا، التقطت الصورة في ألمانيا الغربية عام ١٩٨٢ من تصوير وولفجانج كونز / أولشتاين عبر وكالة جيتي.

إن العمل الدؤوب لإحياء ذكرى المفقودة في العقود الاولى اصبحت ألان تطارد بحماس شديد

لقد كان اكثر تغير بارز هو التغير الثالث : كيف واجهت ألمانيا ماضيها في حين انها لم تواجهه بشكل مباشر وبالتأكيد ومن العدل أن نقول أن هذا الالتفاتة الصادقة والحقيقة تجاه الماضي لم تبدأ إلا عندما انتهت محاكم الحرب الرئيسية وتم تنظيم وتسوية إعادة الممتلكات وإتباعاً لهذا المنطق قد يزداد وبشكل متوقع اهتمام الشخص نحو ماضي الاشتراكية الوطنية بعد المحاكمات في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات وبحلول نهاية الستينيات وبدون اعطائهم الوقت لتعافي كان الإقناع العاطفي مطلبا عصرنا الحاضر متضمنا الايدولوجية السياسية عِوضا عن تعميق التحليل التاريخي والتي في الغالب ما تظلل الأمور وما يزال امرأ مثيرا للجدل على أن نجزم أن هذا الاهتمام المتسم بالجدية والمستمر والمنصب نحو الفترة الزمنية للاشتراكية الوطنية لم يبدأ في أواخر الستينيات.

بدلًا من ذلك لقد بدأ كما وصف احد أهم مؤرخي ألمانيا الغربية فترة السبعينيات ” بالنسيان الثاني”  وهنالك تفسير من شأنه أن يحد من مصداقية التطور الذي بدأ في اواخر الستينيات والذي ينص على أن هذا الاهتمام بالماضي بدأ من نهاية السبعينيات وبداية الثمانينات كما حدثت اربعة وقائع متتالية وابتداء من الذكرى الأربعين لمذبحة نوفمبر او ليلة البلور عام ١٩٣٨ حيث أنها أدت الى عدد كبير من الاحتفالات التذكارية  خاصة في مدن ألمانيا الغربية الكبيرة، أما بالنسبة للحدث الثاني فكان البث المباشر التلفزيوني للمسلسل القصير الامريكي الهولوكوست في عام ١٩٧٩ ولقد شاهد ما يقارب ٢٠ مليون ألماني جزء من البرنامج التلفزيوني وكان معظمهم  في الجمهورية الفدرالية حيث كانت البنية السردية لمسلسل تحث المشاهدين على التعرف على الشخصية الاساسية الشجاعة إنجا هيلمز فايس والتي لعبت دورها الممثلة ميرل ستريب تدور القصة حول إنجا التي تزوجت من عائلة يهودية وبذلت كل ما في وسعها لإنقاذهم.

اما بالنسبة للحدث الثالث الذي يُعد اقل المواضيع جدالًا حيث أنه نقاشاً لم ينتهي ألا عند مرور عقدين كاملين يدور حول فترة التقادم في ما يخص الجرائم النازية وإثر تصويت متقارب النتيجة في برلمان الألماني الغربي حيث صوت ما يقارب ٢٥٥ شخص لإلغاء الحماية القانونية في حين ٢٢٢ شخص كانوا ضد هذا القرار ولقد مكن هذا السلطات الألمانية الغربية من استكمال ملاحقة النازيون المذنبون بارتكاب جرائم القتل اما بالنسبة للحدث الرابع والأخير كان يتمحور حول مسابقة مقالات على مستوى البلاد لطلاب الثانوية عام ١٩٨١ تقدم حوالي ١٣،٠٠٠ مشارك ليكتبوا موضوع حول ” الحياة اليومية في الاشتراكية الوطنية ” وكان تأثير التقاء تلك الحوادث قوياً كما ضرب امواج التسونامي ولقد ارتفعت الأبحاث في المدارس والمجتمعات وفي جميع أنحاء البلاد من الآلاف من المعلمين والمسئولين عن الأرشيف والمتقاعدين والمهتمين من المواطنين وطلاب المدارس.

وهذا مثل الحياة الواقعية لـ انا روزموس التي كانت قصة حياتها محور احد افلام مايكل فيرهوفن “ The Nasty Girl “ عام ١٩٩٠ حيث أن هذا الفلم يبحر في اعماق السجلات المحلية ويبحث عن ما قد حدث في مجتمعاتهم وغالب ما تتعاون مع أشخاص من اليهود والذين عاشوا ذات مرة في هذه المدن والبلدان والآن يعيشون في اسرائيل او فرنسا او بريطانيا العظمى او الأرجنتين او الولايات المتحدة وبشكل مفاجئ كان العمل الدؤوب لإحياء الذكرى التي كانت مفقودة في العقود الاولى أصبحت الآن تلاحق بحماس شديد ولقد عمل الناس على ترميم المعابد وتم فضح الثكنات المهجورة والتي كانت تستخدم لإيواء العمال للأعمال القسرية وكشفت المئات من المعسكرات الفرعية لمخيمات الاعتقال في جميع انحاء الريف الألماني.

ولقد القوا الخطابات وكتبوا المقالات ونشروا الكتب، إن اي بلدة في ألمانيا مع سكان عددهم يصل لأكثر من ٢٠،٠٠٠ والتي كان اليهود يعيشون فيها بالكاد اعارت اهتماماً في وقتنا الحالي لما حدث في ذلك الوقت وما هو مصير اليهود الذين عاشوا هناك وما الذي اصابهم آنذاك او كما بدأ العديد من الألمان يطلقون عليهم الآن المواطنين السابقين من اليهود، وغالبا ما كانت تروى قصة ألمانيا وكيف واجهت ماضيها وذُكرت مؤخراً في كتاب سوزن نيمان Germans: Race and the Memory of Evil  في ٢٠١٩.

وحيث أنه لم يكن شيئًا شائعاً ذِكر مواجهة ألمانيا مع ماضيها العسكري وتحولها الى أمة مهاجرة لقد كان هذا بسبب التقاء الطرق الثلاثية – وهي أمة مسالمة ومهاجرة وصادقة – ولقد ساهمت في إعادة بناءً ألمانيا والتي من شأنها أن تسمح للألمان أن يودعوا قفص القومية والذي اطلق عليه كيتنهوفِه الوطن وصحيح أن هذه الاستعارة المجازية بعيدة كل البعد عن المثالية وعلى الأغلب أن الألمان لم يخروج من القفص عندما تركوا الأمةُ خلفهم ولم يصبحوا عالميين الأفق أو أوربيين حتى لوكان هذا هو مصير البعض منهم ومن خلال استطلاع لرأي عام ٢٠٠١ خُير الألمان بين الهويات فختار العدد الأكبر بنسبة ٧٥ بالمئة الهوية ” الألمانية ” بدلًا من ” الأوربية ” او” مواطن عالمي ” إن ما تركوه خلفهم  لم تكن أمتهم بل كانت قوميتهم وبالتأكيد هنالك ممرات عدة بالنسبة لهذا الطريق لسلكها ولكن العديد من الألمان في الفترة ما بعد الحرب اخذوا الطريق التي وصفها روبرت فروست ” الطرق التي لم تسلك …. وهذا ما أحدث الفرق ” وهذا لم يقتصر على ألمانيا فقط بل على لدول الاخرى التي تسعى للهروب من قفص القومية.