مجلة حكمة
العالم الحديث قبيح

لماذا يبدو العالم الحديث بهذا القبح؟! – آلان دو بوتون / ترجمة: محمد العمري

أحد أكبر التعميمات التي يمكن أن نصف بها العالم الحديث هي أنه وبدرجة استثنائية: عالم قبيح؛ فلو قمنا بأخذ أحد أسلافنا من ٢٥٠ عام في جولة حول مدننا وضواحينا ستدهشه تقنيتنا، وتثير ثروتنا إعجابَه، ويُذهله تقدّمنا الطبي؛ لكنه لن يصدّق، بل وسيصدم من الأهوال التي قمنا ببنائها: مجتمعات تقدّمت على أسلافها وبشكلٍ كبير في معظم النواحي تمكنت من بناء بيئات عمرانية أكثرَ كآبةً وفوضويةً وبشاعةً من أي شيء عرفته البشرية منذ بَدْءِ الخَليقة.

لكي نجد طريقًا يخرجنا من هذه المفارقة؛ علينا أن نفهم جذورها:

توجد على الأقل ستة أسباب لهذا القبح:

الحرب على “الجمال” في العالم الحديث

منذ فجر البناء، كان المعروف للجميع أن مهمة المعماري لم تقتصر على إنتاج مبنًى سهل الاستخدام فحسب؛ وإنما جَعْله جميلًا كذلك، وتتضمن هذه المهمة مجموعة من الخَطَوات التي تتخطَّى بأميال الحاجة المادية الصرفة. باسم الجمال؛ قد يضيف المعماري شريطًا من البلاط الملون أعلى النافذة، أو قوسًا من الزهور المنحوتة فوق الباب، قد يحاول خلق تَناظُر في الواجهة الأمامية، أو يتأكد وبكل كياسة أن النوافذ تَصغُر بتناسب كلّما صعدنا لطابق أعلى.

حتى لو كان المبنى -عَمَليًّا- كالقناطر أو المصانع؛ يستبسل المعماريون ليُظهروه بأجمل صورة ممكنة. أدرك الرومان أن من الممكن لشبكة ضخ المياه أن تكون بجمال مَعبَد، وشَعَرَ الفِكتوريون الأوائل أنه يمكن للمصانع أن تملك الصفات الجمالية لمنزل ريفي راقٍ، أما أهل (مِيلان) فكانوا يؤمنون أن مجمعًا للتسوق قادر على بلوغ طموحات كاتدرائية في معايير الجمال.

العمار في ة زمن الحداثة

ولكن بمجرد وصول العِمارة لزمن الحداثة صارت حتى كلمة الجمال من المحرمات (الطابوهات). شن معماريو مدرسة العِمارة الحديثة حربًا على ما وصفوه الآن بأنوثة وهَدْر وادّعاء جميع المدارس “الجمالية” السابقة. في مقال بعنوان: “الزخرفة والجريمة” (١٩١٠) حاجَجَ النِّمساوي الحداثي (أدولف لوس) في أن تزيين أي مبنًى بأي شيء “جميل” هو جريمة ضد المهنة الحقيقية للمعماري -والتي قام بإعادة تعريفها الآن بمصطلحات عملية صرفة-، كما اقترح رفيق (لوس) بالحداثة (لو كوربوزيه) أن المباني غير المزخرفة فقط هي المباني “الصادقة”، وأن كل تفكير بالجمال هو خيانة للرسالة الحقيقية للعِمارة، وهي برأيه مجرد خَلْق مبان ٍعَمَلية صريحة.

كما تنص العِمارة الحديثة بكل صراحة: “على الشكل أن يتبع الوظيفة” -بتعبير آخر: شكل المبنى يجب أن لا يتأثر بتاتًا بأي اعتبار جَمالي-، فكل ما يهم هو الغرض المادي الأساسي.

في البداية تبدو الفكرة صادمة لكنها تحرُّرية. أنتج في القرن التاسع عشر بعضُ المباني المُشبَعة بالزخرفة، حيث وصل الدافع التجميلي إلى مرحلة الانحطاط.


  • لقراءة مقال (لم العالم الحديث بهذا القبح؟) كاملًا على هذا الرابط