مجلة حكمة
الاعلام الرقمي الإعلام الرقمي

الإعلام الرقمي بين الديكتاتورية والديمقراطية: تسلط الإعلام الرقمي على الناشئة – سعاد العنزي

١. المقدّمة: ما هو الاعلام الرقمي؟

   ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الثورة التكنولوجيَّة الهائلة متمثلة بـ الإعلام الرقمي اليوم، أسهمت بنحو  كبير في فتح مساحة كبيرة للبوح والتعبير والكشف ونشر المعرفة والمعلومات على نحو عامّ، سواء أكانت مغلوطة أم صحيحة، وقد أسهمت في تشكيل تصوّرات الحكومات والمجتمعات العربيَّة لمفاهيم عدَّة، مثل الديكتاتوريَّة والديمقراطيَّة. ومثلما استشعرت الحكومات العربيَّة خطر الديمقراطيَّة أيضاً، استشعرَ الأفراد والجماعات وشرائح المجتمع المتعدِّدة خطورةَ هذه الوسائل، وتعاملوا معَها لاحقاً بعين الريبة والقلق، على الرَّغم من استمرارهم غير الإراديّ في استخدامها. في حين اندمجت فئات أخرى فيها بكلِّ مرونة وسيولة وميوعة استدعت من المراقب والمحلِّل البحث في تشكُّلات الهُويَّة العربيَّة الجديدة بعد الإعلام الرقمي، وقياس مدى تحكُّم كلٍّ من الحكومات ومعَها كلّ أشكال الديكتاتوريَّة الموجودة في المجتمع، على فئات المجتمع الأخرى، والرغبة في هيمنة الفكر الواحد ورفض نشر الرؤى المغايرة والمعارضة، وفي أفضل هذه الأشكال حالاً، محاولة تقنين المعرفة وتحجيم الممارسة الديمقراطيَّة قدر المستطاع. فيما تظهر كلُّ المحاولات الديمقراطيَّة جهدها في نشر آرائها وتوجُّهاتها، تأتي الجماهير المعارضة لتتصدّى وترفض، وتدخل في دائرة معركة المؤيّد المتعاطف والمعارض المتحامل، ما يعني أنَّ الأصوات المُنصفة الموضوعيَّة قد تضيع بينهما.

   تهدف هذه الورقة إلى عرض وتحليل تأثير الإعلام الرقميِّ في المجتمعات العربيَّة، وعلى وجه الخصوص في مسألة الديمقراطيَّة والتعبير عن الآراء، الَّتي ستكون بين شقَّي الحكومات العربيَّة، والشعوب العربيَّة.

   ستبدأ هذه الورقة بعرض التغيير الكبير الحاصل من جرَّاء هذه الثورة التكنولوجيَّة الجديدة، وأهميَّة هذه الوسائل المتعدِّدة، مع التركيز على إيجابيَّاتها وسلبيَّاتها، ومن ثَمَّ عرض بعض من السلبيَّات الناتجة عن ممارسة المتفاعلين لهذه الوسائط المتنوِّعة. بعدَ هذا، سأعرض لأهمِّ المفاهيم المدروسة في هذه الورقة، مثل: الإعلام الرقمي، الديكتاتوريَّة والديمقراطيَّة. لاحقاً، سأناقش علاقة السلطة بترويج المعرفة، أو، بمعنى آخر، بحث مسألة هل يخضع الإعلام بكلّيته للتوجيهات السياسيَّة؟ وهل ساعد الإعلام الرقميُّ في تعزيز قيم الديمقراطيَّة والتعدُّديَّة، الَّتي سأركِّز فيها على الحالة الكويتيَّة بضرب أهمِّ الأمثلة على الممارسات الديمقراطيَّة المتحقِّقة من خلال وسائل التواصل الاجتماعيِّ. ستلي ذلك خاتمة لأهمِّ النتائج وأهمِّ ما توصَّلت إليه في هذا البحث.

٢. مدخل عامّ عن الإعلام الرقمي

 من اللافت أنَّ برنامج فيسبوك وحدَه، حسب قول كلٍّ من Statista, و ComScore، حظيَ بـــ 1.55 بليون متابع نشط في عام 2016م، كلّ منهم قضى في الأقلِّ عشرينَ دقيقةً لمتابعة آخر الأخبار. ومن اللافت أنَّ من الممكن أن يكون ثلث شعوب العالم قد استخدم وسائل التواصل الاجتماعيّ حتّى عام 2019م.[1] وهذه النسبة الكبيرة تعطي مؤشّراً على مدى تفاعل شعوب العالم مع الإعلام الرقميّ.

لا تخفى على المتتبِّع للشأن العامّ تحوّلات الهويَّة العربيَّة الناتجة عن الإعلام الرقمي، بدءاً من ممارسة حقِّ التعبير علانيةً، وصولاً إلى الثقافة الاستهلاكيَّة الناتجة عن متابعة مشاهير السوشيال ميديا. من الدراسات اللافتة الَّتي تشير إلى قدرة الإعلام الرقميِّ على تغيير هويَّة المجتمع، نجد دراسة دارنن بارني، الَّذي يربط في كتابه (المجتمع الشبكي) بين هويَّة ما بعد الحداثة وهويَّة المجتمع الشبكيِّ، قائلاً باشتراكهما في السِّمات عينها. وأهمّ هذه السِّمات؛ الرغبة في البوح واكتشاف المسكوت عنه، إضافة إلى حقِّ الأقليَّات في تمثيل نفسها وتنظيمها في هذا العالم الافتراضيِّ. وترى توركل أنَّ “الحواسيب لا تغيّر حياتنا فحسب، بل تغيّر ذواتنا أيضاً”[2] أي أنَّ الهويَّة بذاتها تتفاعل مع المعطيات المتعدِّدة، وتعدِّل وتبدِّل وتغيِّر ما لا ينفع من تصوّراتها القديمة لتتناسب معَ معطيات الهويَّة اليوم.

يؤكِّد بارني أنَّنا نستفيد من التفاعل الحاصل مع المجتمع الشبكيِّ: “نبتدع ذواتنا على نحو متواصل… فأنت ما تزعم أنَّك عليه… وهويّتك على الحاسوب هي محصِّلة حضورك المشتَّت… ذلك أنَّ هويَّتك شديدة السيولة والتعدُّد إلى الدرجة التي تجعل مفهوم الهويَّة ذا حدود فضفاضة”.[3] إنَّما، هذا بالتأكيد لا ينطبق على كلِّ مستخدمي الشبكة، فمنهم من تكون هويَّته جامدة وصلبة لا تقبل التبدُّل والتحوُّل.

   إلَّا أنَّ هذه الوسائل، مثلما هي قنوات إيجابيَّة لها أيضاً بعض السلبيَّات العامَّة. إذْ يتبيَّن بما لا يقبل الشكَّ أنَّ وسائل التواصل الاجتماعيّ، مثل فيسبوك، تويتر، واتس آب، سناب شات والانستغرام، أصبحت أماكن لانتشار الثرثرة، وانتشار الأخبار الصحيحة والمزيَّفة، وبالطبع عدم القدرة على متابعة الأخبار كلّها، ورغبة الأفراد في ممارسة أدوار لا تمثِّل هويَّاتهم واهتماماتهم الحقيقيَّة، مثل الخوض في القضايا السياسيَّة والاجتماعيَّة بوصفهم أهل دراية ومتابعة، وهم ليسوا كذلك.

   واحدة أيضاً من هذه الإشكاليَّات هي استخدام بعض الكتَّاب والفاعلين للمبالغات في تقديم القصص والأخبار كي يحصلوا على أكبر عدد ممكن من القرَّاء والمتابعين، فنجدهم يتَّبعونَ أسلوب السخرية والنقد والتعبير عن الآراء، مثلما يقول Vivian. Roese: “السخرية والتهكُّم والتقليد من التقنيات المستخدمة أسلوبياً في وسائل التواصل الاجتماعيِّ للنقد وتقديم الآراء بطريقة أكثر فاعلية”[4]. وهذا بالطبع لأنَّ السخرية، كتقنية أسلوبيَّة، بإمكانها إيصال الرسالة بطريقة أكثر فاعليَّة من الرسائل المباشرة، الَّتي لا تستطيع فعل ذلك. هذه تثير قضيَّة مصداقيَّة ومهنيَّة الأخبار، إذ يخلص Vivian Roese إلى أنَّ وسائل التواصل الاجتماعيِّ لا تقدِّم أخباراً لها ثقلها الخاصّ، بقدر ما تُقدِّم الإثارة وتحفيز مشاعر الأصدقاء والجيران[5] .

   والسؤال الَّذي يطرح نفسه بقوَّة هنا، وقد تمَّت إثارته كثيراً من قِبلِ نقَّاد ومفكِّرين كُثر، هل فعلاً تمكَّن الإعلام الرقمي (الجديد) من إزاحة الإعلام الرسميِّ التقليديِّ عن الساحة الإعلاميَّة؟ يُعلِّق Chadwick على هذا الأمر قائلاً: “وسائل الإعلام التقليديَّة والنخبة السياسيَّة إلى الآن قويَّة في التأثير في متابعة الأخبار، على الرّغم من أنَّ الفاعلين من غير النخبة يشاركون على نحو متزايد في صنع الأخبار عبر وسائل الاتِّصال. وهذا الاندماج بين الاثنين يخلق تفاعلاً يبني بين نشطاء مواطني وسائل التواصل ويخلق تنوّعاً في المصادر المؤسِّسة للخطاب الشعبيِّ العام”.[6]

   يبقى السؤال: هل، بالفعل، تحوَّل المركز الفكريُّ والثقافيُّ المتمثّل بمنتجات الإعلام الرسميِّ التقليديِّ، إلى شيء هامشيٍّ، أمَّا الطرف، أي وسائل التواصل الجديدة، فتحوّل إلى مركز مؤثِّر؟

يعني هذا القول أنَّ المركز قد فقد قيمته، والطرف بالفعل أصبح يضاهي المركز بقوّته الفكريَّة والمعنويَّة والماديَّة، وهذا بالطبع ليس صحيحاً: لأنَّنا مدينون للمركز، فهو قد شكَّل فكرنا ومعرفتنا ومخيّلتنا، فمفاتيح قراءة الشخصيَّة العربيَّة قد قدَّمها لنا أدباءُ ومفكِّرو المركز، وهم أنفسهم قد تحوَّلوا إلى هذه الوسائل والتقنيات الحديثة ليعبِّروا عن أنفسهم وفكرهم بأشكال جديدة، بحيث يظهر تحوُّل في الشكل أكثر منه تحوُّل في الفكر. ولو التفتنا إلى الأطراف (وسائل التواصل الاجتماعيّ ومستخدميها) لوجدنا هناك ضعفاً في إنتاج المعرفة لأسباب عدَّة، أهمّها: عدم وجود الوعي الكافي والاحترافيَّة الَّتي عرفتها الوسائل التقليديَّة.

   ما أودُّ قوله هنا؛ إنَّه لا طرف من دون مركز، ولو لم نعرف المركز لما عرفنا الأطراف، ولا بدَّ من التأكيد على قول جاك دريدا: “كلّ ما نستطيع هو رفض السماح لأيٍّ من القطبين في نسق ما بأن يكون هو المركز وضمان الحضور”،[7] والمعادلة الحقيقيَّة يجب أن تكون: إنَّ كلّاً من هذه الوسائل التقليديَّة والحديثة تؤدِّي دورها المطلوب في تعزيز القيم الفكريَّة المهمَّة لبناء الشعوب العربيَّة مثل الديمقراطيَّة والحريَّة والتعدُّديَّة.

3. مفاهيم إجرائيَّة

أ‌-       الإعلام الرقمي: الرقميّ بدلاً من الجديد

   يعدُّ مصطلح الإعلام الرقمي أكثر دقَّةً وتحديداً من فضفاضيَّة مُصطلح “الإعلام الجديد”، لأنَّ، كما يحدِّد د. عمَّار بكَّار في محاضرته (الإعلام الجديد[8])، الجديدَ يتحوَّل بعد فترة إلى قديم. لقد شاع مصطلح “الإعلام الرقميّ” في الآونة الأخيرة ليعني الإعلام في جانب منه الإعلام التفاعليَّ، حسب رأي واستخدام المُنظّرين للمصطلح الجديد، الَّذي: “يجمع بين النصِّ والصوت والصورة في ملفٍّ واحد، وتؤدِّي فيه التقنية دوراً مهمّاً في إضفاء صفة التفاعليَّة عليه، إذ أصبح بالإمكان التفاعل مع الطرح الإعلاميِّ وقراءته والتعليق عليه”.[9]

   من الممكن أن تتحقَّق الفاعليَّة في الإعلام التقليديِّ أيضاً، لذا نرى من المغالطة استخدام التفاعليَّة سمة مميّزة للإعلام الجديد. ونجد الباحث يستمرُّ في تحديد سمات الإعلام الجديد بأنَّه رقميٌّ، ليقول: “إعلام رقميّ لوصف بعض تطبيقاته الَّتي تقوم على التكنولوجيا الرقميَّة”.[10]

   يحدِّد محمد خليل الرفاعي في بحثه (دور الإعلام في العصر الرقميِّ في تشكيل قيم الأسرة العربيَّة) مجموعة من السمات الَّتي تحدِّد الإعلام الرقمي، ومن أهمِّها:[11]

  • 1-      التفاعليَّة: يتحقَّق فيها التفاعل بين المرسل المشارك والمُتلقِّي، ويتبادلان الأدوار بحيث تكون عمليَّة الاتصال مع المرسَل إليه “ثنائيَّة الاتّجاه وتبادليَّة”.
  • 2-      التفتيت: وهي تعني توجيه رسائل متعدِّدة إلى الجماعات الإنسانيَّة المتعدِّدة بدلاً من توجيهها إلى الجمهور الواحد العريض.
  • 3-      اللاتزامنيَّة: الَّتي لا تشترط وقتاً محدَّداً لتسلُّم الرسالة، مثل التلفزة والإذاعة.
  • 4-      الحركة والمرونة في تنقّلها مثل: الهواتف المحمولة، الآيباد، الكاميرات.
  • 5-      الانتشار وقابليَّة الاستخدام: بحيث تحوَّلت من كونها أدوات ترفيه إلى وسائط ضروريَّة في الحياة المعاصرة اليوم، فمن إيجابيَّات العالم الشبكيِّ اليوم، كما يؤكِّد:

“يرى بعضهم أيضاً أنَّ البيئة الرقميَّة للجماعات الافتراضيَّة هي بيئة سويَّة وآمنة ومتاحة للجميع، لذلك هم يقدِّمونها بديلاً من العالم الماديِّ الحقيقيِّ الّذي يكون الفضاء العامُّ فيه متدهوراً وغير آمنٍ، وغير متاح للجميع”.[12]

  • 6-      الشموليَّة والاشتراك: يتَّضح هذا من خلال تقديم وجهات نظر متعدِّدة لموضوع واحد، محقِّقاً فكرة الفضاء الديمقراطيِّ المتعدِّد.
  • 7-      عموميَّة المعرفة: أسهمت الوسائل الرقميَّة في نشر المعرفة بسهولة، وأصبحت متاحة للجميع في مقابل وسائل الإعلام التقليديَّة الَّتي كانت تحتكر المعرفة، ما يعني إمكان تأثير المعرفة في الأفراد والجماعات على نحو فعَّالٍ جدّاً.
  • 8-      الإثارة، انتصار الصورة، والكونيَّة الَّتي تعني انتشار الأفكار عالميّاً من جانب، وتمثيل قيم كونيَّة إنسانيَّة مشتركة.[13]

وللإعلام الرقميِّ أنواع تتراوح من الإعلام الرئيس إلى الجزئيِّ، مثل:

الإعلام المرئيّ، القنوات المتلفزة، المدوّنات، يوتوب، تويتر، فيسبوك، انستغرام، سناب شات.

ب‌-      الديكتاتوريَّة والديمقراطيَّة: من ديكتاتوريَّة السلطة إلى ديكتاتوريَّة الجماهير.

لا يخفى على القارئ اليوم مفهوم كلٍّ من الديمقراطيَّة والديكتاتوريَّة، بل أصبح هذان المفهومان من المفاهيم الَّتي تشكِّل وعيَ الإنسان حريَّتَه وحركيَّتَه وقدرتَه على التعبير والبوح، وتمثِّل صيغةً من صيغ الاعتراف بوجوده في المجتمع، سواء على المستوى الرسميِّ في الدولة أم الاجتماعيِّ كعضو في جماعة إنسانيَّة معيَّنة. وحقيقةً، ما يشغلني في هذه الورقة ليس البحث في ديكتاتوريَّة الحكومات العربيَّة أو ديمقراطيّتها، لأنَّ هذا الموضوع أُشبع بكثير من البحث والتحليل، مع أهميَّة متابعة تطوّرات مفهوم الديكتاتوريَّة لدى الحكومات العربيَّة، لكن ما يستحقُّ البحث والتأمُّل هو ديكتاتوريَّة المجتمعات العربيَّة والأفراد، الَّذين هم فاعلون بارزون في الإعلام الرقمي الحديث، وقياس مدى ديكتاتوريَّتهم أو ديمقراطيَّتهم يُعدُّ مؤشِّراً مهمّاً على طبيعة المجتمع، ومفتاحاً لقراءة سيكولوجيَّة الجماهير العربيَّة اليوم.

   وهنا لا بدَّ أن ندرك أنَّ مفاهيمَ مثل مفهومَي الديكتاتوريَّة والديمقراطيَّة، ومثل مفهوم السلطة، انتقلت من هرميَّة السلطة إلى شرائح المجتمع كافَّة بشكل أفقيّ، وباتت تحاصر الاتّجاهات الديمقراطيَّة الإصلاحيَّة الحديثة.

ب-١: مفهوم الديكتاتوريَّة:

   حين النظر إلى تاريخ تشكُّل مفهوم الديكتاتوريَّة في الجمهوريَّة الرومانيَّة، في القرن السادس، نجد الديكتاتوريَّة تعني حكماً بدولة ما تتَّسم بتركيز قانونيّ للسلطات لفترة محدودة. بهذا الفهم يكون الديكتاتور حاكماً استثنائيّاً، وتكون لديه السلطة المطلقة لفترة لا تتجاوز ستة الأشهر، ما يعني أنَّ هذه السلطة تُمنح على نحو استثنائيٍّ لفترة محدودة في حالة الأزمات السياسيَّة. وما يهمُّنا اليوم هو المعنى الحديث للديكتاتوريَّة، الَّذي يحيل إلى:

“ممارسة حكم سلطويّ من قِبل فرد أو أفراد عديدين، يحصلون ويحافظون على موقعهم بالقوَّة أو بالتخويف، من دون قبول أيِّ معارضة. والديكتاتوريَّة، يمكن أن تكون رجعيَّة (الفاشيَّة) أو ثوريَّة (ديكتاتوريَّة البروليتاريا).[14]

   ولو أمعنّا النظر في المفهوم السابق، لوجدنا أنَّه يشتمل على جميع أشكال الديكتاتوريَّة وإلغاء الرأي، والتفرُّد بالرأي، سواء كان هذا ناتجاً عن مؤسَّسات رسميَّة أو أفراد أو جماعات دينيَّة وفئويَّة، أو ثقافيَّة تستبدُّ برأيها وتقصي الأطراف الأخرى. وهذا ما هو حاصل اليوم فعلياً على أرض الواقع، إذ تتحوَّل سمة الاستبداد من الديكتاتوريَّات التقليديَّة إلى الأفراد.

ب- ٢: الديمقراطيَّة:

   هي كما حدَّدها الرئيس الأمريكيُّ إبراهام لنكولن: “الديمقراطيَّة هي حكم الشعب من قِبل الشعب، ومن أجل الشعب”.[15] ما يعني أن يتمتَّع المواطن بحقوقه في التعبير عن آرائه، والمشاركة في الحكم من خلال التصويت والاختيار الحرِّ. وتتعدَّد مفاهيم الديمقراطيَّة لتحيط بعدد من المجالات الَّتي لا بدَّ أن تتوافر فيها الديمقراطيَّة مثل: “الديمقراطيَّة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة”، “الديمقراطيَّة التداوليَّة”، “الديمقراطيَّة التمثيليَّة”، “الديمقراطيَّة السلطويَّة أو (الماركسيَّة)، “الديمقراطيَّة الشعبيَّة”، “الديمقراطيَّة الليبراليَّة”، و “الديمقراطيَّة الإلكترونيَّة”.[16] وهذه الأخيرة تهمُّنا هنا، وهي تشير إلى صيغة أكثر من حسبانها مفهوماً، وتعدُّ “مجموع تكنولوجيَّات الإعلام والاتّصال الَّتي تؤثِّر في الوقت الحاضر في الممارسات السياسيَّة للأنظمة الديمقراطيَّة، وهي قد تعلن عن انبعاث أنموذج جديد في التداول”.[17] والنوع الأخير يهمّنا لأنَّه يعكس لنا تمظهرات ممارسة الديمقراطيَّات السابقة الَّتي اكتفيتُ بالإشارة إليها. وسنرى، في هذه الورقة، المجال الخلَّاق الَّذي وفَّرته الديمقراطيَّة الإلكترونيَّة في إتاحة المجال في التعبير، كما سيتَّضح من خلال تجربة كلٍّ من النشطاء السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان، والبدون، والنسويَّات والمثقَّفين.

4. هل يخضع الإعلام بكلّيته للتوجيهات السياسيَّة؟

    قبل البدء بالإجابة عن هذا السؤال الجدليِّ، يتعيَّن علينا أولاً طرح بعض المفاهيم والنظريَّات المعرفيَّة الَّتي تساعدنا في فهم طبيعة السلطة والإعلام. أولى هذه النظريَّات وأشهرها، مفهوم “السلطة والمعرفة” للمفكِّر الفرنسيِّ ما بعد الحداثيِّ ميشيل فوكو، الَّذي طرحه من خلال قوله:

“علينا الاعتراف بدلاً من أنَّ السلطة تُنتج المعرفةَ أنَّ السلطةَ والمعرفةَ على نحو مباشر، يقترح بعضُها بعضاً: وليست ثمَّة علاقة معرفة من دون بناء مرتبط بحقل من حقول المعرفة، ولا أيّ نوع لا يفترض ولا يؤسِّس في الوقت نفسه علاقات القوَّة والسلطة”.[18]

   يلتفت فوكو هنا إلى أهميَّة السلطة كشرط أساسٍ في بناء المعرفة من خلال قنواتها الإعلاميَّة والمثقَّفين الَّذين يتبنَّون الخطاب الفكريَّ الَّذي تتبنَّاه السُّلطة. هذا الخطاب الَّذي يُنتج عبر مؤسَّسات تابعة للسُّلطة، يشكِّل لدى فوكو إشكاليَّة تجعله يحاول تعقُّب تاريخ الطرائق والأنساق الَّتي حوَّلت الكينونات الإنسانيَّة إلى ذوات تابعة، حسب قول فوكو.

   بينَ المفاهيم المهمَّة الَّتي طرحها فوكو، مفهوم (بايو بور) الَّذي يُقصد به تدخُّل السُّلطة من خلال مراكز عدَّة لجعل الشعب أكثر صحَّةً على المستويين الفكريِّ والجسديِّ. يحيل هذا على نحو أصيل إلى فكرة تموضع السلطة لدى فوكو، الَّذي يقول إنَّها توجد في أيِّ مكان، وعبر أشكال متعدِّدة، وليست متعلِّقة بنظام سياسيٍّ أو مؤسَّسة حاكمة، أو مؤسَّسة ثقافيَّة، بل هذا يعني أنَّ السلطة يمكن أن تتجسَّد من خلال رجال الدِّين، والشخصيَّات المتنفِّذة في المجتمع، والمثقَّفين، والمعلِّمين، والآباء… إلخ. وتالياً، تبرز لنا هنا إشكاليَّة هذه الرموز السلطويَّة وممارساتها مع الأغيار، سواء كانت ديكتاتوريَّة أو ديمقراطيَّة.

   من القيِّم أن نبدأ مع خطاب فوكو حول السلطة والمعرفة. المعرفة كمصطلح جرى إعادة تقييمه في مقاربة فوكو للقوَّة والمعرفة، كما يلاحظ دولوز أنَّ فوكو كان أوَّل شخص ابتدع هذا المصطلح الجديد للسُّلطة. الاصطلاح التقليديّ للقوَّة كان مجرَّد رؤية سياسيَّة شائعة تقع على تحديد القوَّة في مؤسَّسات الدولة، إذ هي مالك القوَّة في كلِّ المجتمع، أفقياً ورأسياً.[19]

   تبعاً لفوكو، حتَّى يقارب السلطة كمصطلح، كان عليه أن يوضِّح على نحو كامل مفهومَ السُّلطة بنفسه، وكلَّ متعلّقات السلطة، بالإضافة إلى اكتشاف كيفيَّة تجسُّد السلطة. فقد كان يشكُّ في المسلَّمات القديمة المحيطة بالسُّلطة. واحدة من هذه المسلَّمات كانت النوع المؤثِّر، الَّذي يعني أنَّ السلطة تدير نفسها بعنف، وتمارس أيديولوجيَّة تفرض ضوابطَ عدَّة، مثل: القمع والتمويه والخداع. كلُّ هذه الأداءات تعتمد على أهداف السلطة.

   وفاقاً لهذا الفهم، نحن نستطيع أن نتعرَّف أشكالَ سلطة المعرفة الَّتي تحكم الأحداث إبَّان مراحل التاريخ، ونحن لا نستطيع أن نقبض عليها من دون الفهم الحديث للسلطة. لذا، فوكو يفترض فهماً مفتوحاً لدور سلطة المعرفة، الَّتي تظهر في قواعد ومفاهيم، وعلامات للسلطة. هذا النوع من السلطة يُبنى بوساطة أنصارها الَّذين سقطوا في تأثيره من دون شعور بهيمنة العلاقة بين الفرد وفكره.

   ثاني هؤلاء المنظِّرين هو هابرماس، الَّذي تحدَّث عن آليَّة تشكيل آراء الجماهير من خلال الطبقة البرجوازيَّة المتعلِّمة، الَّتي كانت تُشكِّل نوعاً من أنواع السلطة القادرة على بلورة التوجُّهات السياسيَّة ونقلها إلى الشعب. يقول هابرماس: “الطبقة البرجوازيَّة المتعلِّمة كانت لديها القدرة على أن تجتمع وتتناقش حول الاهتمامات العامَّة للشعب في المقاهي العامَّة لتقرِّر اهتماماتها المشتركة. هذا التغيُّر الاجتماعيّ يتطلَّب نهايةً للحكم الأبويِّ مع ممارسته الاعتباطيَّة للقوَّة والوعي المنطلق من خلال فصل الفضاء الخاصّ والفضاء الشعبيّ، والصعيد الحكوميّ. لهذا، فالمجال الشعبيّ ليس مجرَّد رأي شعبيٍّ عامّ، لكن يتمُّ تأديته. لذا، هو لا يأتي من تلقاء نفسه بل هو ينطلق ويأتي ولا يكون خارجاً فقط من الرأي العامّ. الرأي العامُّ كان ثابتاً وتمَّ قياسه، في حين المجال العامّ، للميدان العامّ، هو عمليَّة فعَّالة للتعبير السياسيِّ”.[20]

    ما سبق عرضه، يلخِّص آراء المفكِّرين حول طبيعة تدخُّل السياسيين والنخبة في توجيه آراء الشعب، وفيما يلي سنحلِّل ونعطي أمثلةً على تدخُّل السُّلطة في الإعلام الرقمي، مثلما كانت تتدخَّل في الإعلام التقليديِّ. قريباً، حُدِّدت وسائل التواصل الاجتماعيِّ، بحسبان أنَّها مواقع منطلقة للخطاب المدنيِّ الشعبيِّ وتشكيل الرأي العامّ، الَّتي تسمح بمناقشات مستقلَّة. هذا النوع من المناقشات يقلِّل من قدرة التكنولوجيا ومزوّدي الخدمة على أن يتحكَّموا بطبيعة الخطاب الشعبيِّ. في سبيل المثال، المكان المخصَّص للتعليقات على اليوتوب يوضِّح هذه الفضاءات المنظّمة للتنشئة الاجتماعيَّة والتفاعل السياسيِّ، بسبب الدرجة العالية من التحكُّم الَّتي يمتلكها المستخدمون في الموضوعات الجدليَّة. ولو نلاحظ كميَّة الهجوم والرفض للآراء الصريحة والجريئة والمخالفة الناتجة عن فرق سياسيَّة أو أيديولوجيَّات دينيَّة أو حزبيَّة، لتبينَّا مدى تصلُّب الجماعات وثباتها المميت حول قناعاتها وعدم رغبتها وقدرتها على سماع الآراء المخالفة.

   هذا التشابه والأحاديَّة، على مستوى الهُويَّة الإنسانيَّة، مرتبطان بما أشار إليه المفكِّر ماركوزه في كتاب له بعنوان (الإنسان ذو البعد الواحد)، ذي الدلالة الكاشفة لحال الإنسانيَّة اليوم، إذ يبيّن ارتباط واقع الممارسات الثقافيَّة في المجتمع بالسياسة. وهو يتحدَّث عن المجتمعات الرأسماليَّة الَّتي دمجت في منظومتها الطبقة العاملة وقوى المعارضة أيضاً، فيرى “أنَّ بدائل الوضع القائم قد خنقت بالفعل، وأنَّ الحياة قد غدت أحاديَّة البُعد”.[21] ويتَّضح هذا البُعد الأحاديُّ في أحاديَّة الأفكار والتصوّرات وعدم تقبُّل أو حتَّى مناقشة الأفكار المخالفة. كما يعرض ماركوزه لقضيَّة تورُّط الأفراد في هذه المنظومة، إنتاجاً واستهلاكاً، الَّتي تعدُّ القضيَّة المركزيَّة لكتابه، إذ يقول:

 “الجهاز الإنتاجيّ وما ينتجه من سلع وخدمات “يبيع” أو يفرض المنظومة الاجتماعيَّة بوصفها كلّاً. فوسائل النقل والاتّصال، وسلع السكن، والطعام، والملبس، والنتاج الَّذي لا سبيل إلى مقاومته ممَّا تنتجه صناعة التسلية والإعلام، إنَّما تحمل معها مواقف وعادات مفروضة، وردود أفعال فكريَّة وانفعاليَّة محدَّدة تربط المستهلكين بالمنتجين ربطاً مُستحبّاً بهذا القدر أو ذاك، كما تربطهم بالكلِّ من خلال ربطها لهم بالمُنتجين”.[22] هذه السذاجة تفترض قدراً من الوعي والمعرفة لمحاربتها وتقليص دائرتها.

   إنَّما، من سلبيَّات الجماعة الافتراضيَّة: “إنَّ انتفاء المكان وغياب التجسُّد، خلال عمليَّة التواصل الشبكيّ، يقوِّضان عاملَي التجذُّر في المكان والتجسُّد الضروريين لعيش تجربة الجماعة والاتّصال بها”.[23] كما يخشى بعضهم أنَّ سهولة الاستخدام، وليونته، تشجِّع بعض المستخدمين على الانعتاق من أيِّ ارتباطات بالالتزام المدنيِّ في العالم المادّيِّ المحسوس.

   لقد انبثقت مشكلات عدَّة نتجت عن عدم الإحساس بالمسؤوليَّة تجاه استخدام وسائل التواصل الاجتماعيِّ، الَّتي أدَّت إلى عدد من المشكلات المتعلِّقة بالبوح والتعبير غير المسؤول أحياناً، الَّذي لا يناسب طبيعة المجتمع في أحيان أخرى، لأنَّ المجتمعات لم تعتدْ هذا القدر من الجرأة. لذلك وضعت الحكومات مجموعة من القوانين للحدِّ ممَّا تدعوه بالجرائم الإلكترونيَّة؛ قانون (الجرائم الإلكترونيَّة) في الكويت، في سبيل المثال لا الحصر. وهذا يتوافق مع ما يبيِّنه Stephen Tully إذ يقول موضِّحاً إنَّ كلّاً من وسائل التواصل الاجتماعيّ لها دورها في تمكين الأفراد من التعبير عن آرائهم السياسيَّة والاهتمامات العامَّة، وهذا يطرح إشكاليَّة عمليَّة التنظيم والديمقراطيَّة الَّتي بقيت عمليَّة غير منظَّمة إلى الآن. القانون واحدة من القوى الَّتي تنظِّم وتحكم الأنظمة مثل الإنترنت، في حين الفاعلون السياسيّون أو المدنيّون بإمكانهم تأكيد ما إن كانت هذه العمليَّات ديمقراطيَّة بطبيعتها أو لا. هذه العمليَّات بقدر ما هي مهمَّة بقدر ما تقيِّد.[24]

   يُنظر إلى وسائل التواصل الاجتماعيِّ بوصفها معانيَ للمشاركة السياسيَّة، وأداة فعَّالة لذلك، ولا سيَّما عندما ترتبط بالأشكال التقليديَّة لوسائل الاتّصال. أتاحت وسائل التواصل لكثير من التيَّارات والأقطاب السياسيَّة الانتشار وإعلان المواقف وردود الأفعال على الأحداث العامَّة، على المستويات العامَّة: المحليَّة والإقليميَّة والعالميَّة. فمن خلال هذه الوسائل المتعدِّدة عمدوا إلى تنظيم وتنسيق الفعاليات للتعبير عن آرائهم ومواقفهم.[25]

   يتَّضح دور وسائل التواصل الاجتماعيِّ فيما يُدعى بـ (الربيع العربي) على نحو واضح. في مصرَ، في سبيل المثال، استخدمت فرق سياسيَّة مختلفة فيسبوك وتويتر لإرسال الرسائل الثوريَّة، في حين أصبحت المدوّنات وسيلة للتعبير والتنظيم بدلاً من وسائل الإعلام التقليديَّة الَّتي تكون محجوبة عنهم. لقد أدركت الحكومات العربيَّة، وبينها مصر، خطورة استخدام برنامج فيسبوك في إتاحته المجال للفرق المتعدَّدة كي تتواصل مع بعضها بعضاً، فكان لا بدَّ من حجب الإنترنت وقطعه كي لا يكون أداةً للتواصل والتجمُّع، ومن ثمَّ التظاهر. حتَّى أجهزة الهاتف مُنعت في مراكز الشرطة كي لا يتمَّ تسجيل مقاطع اليوتيوب. ومن أشهر الأمثلة مثال خالد سعيد في مصر، الَّذي كان سبباً من أسباب الثورة فيها. وهذا يذكِّرنا بنظام المراقبة في روسيا الاشتراكيَّة، الَّذي كان يفضِّل مراقبة التلفزة على مراقبة الهواتف.

   ولعلَّ كلمة أوباما في خضمِّ متابعته للتطوّرات السياسيَّة في مصر: “لقد لاحظنا احتمالات غير قابلة للتصديق للتكنولوجيا لتقوية وتمكين المواطنين وكرامتهم ليقفوا من أجل صنع مستقبل أفضل”.[26] كما أنَّ كلنتون نبَّهت الحكومة المصريَّة إلى عدم منع المتظاهرين السلميين أو حجب وسائل التواصل عنهم، ولا سيَّما مواقع وسائل التواصل الاجتماعيِّ”.[27] لمَّا حاولت الحكومات تقليص الحريَّات ومضايقة ناشطي حقوق الإنسان، استخدم هؤلاء وسائل الإعلام الرقمي لنقل الأحداث بطريقة أكثر شفافية.

   وكلَّما كانت الأنظمة أكثر تحرُّراً وديمقراطيَّة، كانت أكثر قدرةً على فسح المجال أمام التنوّع والتعدُّد. الأنظمة الليبراليَّة – الديمقراطيَّة تشجِّع دوماً على الانفتاح لأنَّ هذا يعطيها فضاءات متعدِّدة للتعبير وتوضيح آرائها، في حين نجد الأنظمة الشموليَّة المنغلقة تسعى إلى هذه التقنيات الحديثة كي تمارس عمليَّة المراقبة والسيطرة على مجموعة من البيانات. إنَّما، علينا الالتفات إلى أنَّ هذه الأنظمة الشموليَّة لا تستطيع الانقطاع على نحو كامل عن هذه التقنية، فبسبب العامل الاقتصاديِّ لإدارة أعمالها لا تستطيع الأنظمة الديكتاتوريَّة الانقطاع عن استخدام الإنترنت. وبذلك، يُمنح حقُّ دخول الإنترنت للجهات الرسميَّة فقط في عدد من الدول.

   باختصار، تصعب، حقيقةً، الإجابة القطعيَّة عن مثل هذا السؤال، فبالتأكيد ثمَّة قنوات إعلاميَّة من المتعارف أنَّها تابعة للمؤسَّسات الرسميَّة أو لبعض الحركات السياسيَّة الَّتي تمثِّلها وتتبنَّى رأيها. لكن، من المهمِّ التأكيد على وجود القنوات الإعلاميَّة البديلة الَّتي تسهم على نحو لافت في نشر الأخبار والمعلومات وتعليقاتها وتحليلاتها، الَّتي قد تكون مغايرة للإعلام الرسميِّ، أو التابع للمؤسَّسات الرسميَّة، أو تلك الخاصَّة بمؤسَّسات المجتمع المدنيّ والحركات والأحزاب.

   من جانب آخر، قد تكون ثمَّة مظلَّة عريضة لبعض الخطوط والمسارات الفكريَّة الَّتي يجب أن تمتثل لها قنوات الإعلام الرقمي، الَّتي تمسُّ الأمن القوميَّ وثوابت الأمَّة، ونبذ العنف والتطرُّف. إلَّا أنَّ ثمَّة مناطق ومجالات مهمَّة في الإعلام ليست خاضعة على نحو عامّ للتوجُّهات السياسيَّة، ما يعني حريَّة نسبيَّة في موضوعات الحياة الاجتماعيَّة والفنيَّة والثقافيَّة، الَّتي، بالتأكيد، لا تتطرَّق للتابوهات الثلاثة: الدِّين والسياسة والجنس.

٥- هل ما يمارسه الإعلام العربيُّ يعمل على ترسيخ قيم الديمقراطيَّة والتعدُّديَّة أو العكس؟

   من المهمِّ أن ننظر إلى مفهوم الديمقراطيَّة وتحقّقه من خلال الإعلام الرقمي، بأنَّه فتح المجال أمام الهويَّات المتنوِّعة لتتشكَّل وتعلن عن نفسها. يحدِّد كاستلز السمات الَّتي يتَّسم بها المجتمع الشبكيُّ: “الصعود واسع النطاق للتعبيرات القويَّة عن الهُويَّة الجماعيَّة الَّتي تتحدَّى العولمة، العالميَّة لمصلحة التفرُّد الثقافيِّ وسيطرة الناس على حيواتهم وبيئاتهم”.[28] فما يلفت النظر في المجتمع الشبكيِّ، ظهور ترسُّخ الهويَّة بتعدُّد أنواعها وأطيافها: دينيَّة، قبليَّة، طائفيَّة، كقوة اجتماعيَّة وسياسيَّة، ما يدفعنا لأن ننظر إلى السمة الثانية، وهي كما يقول: “فقدان الدولة القوميَّة صفة الحامل أو المحرِّك الوحيد للهويَّة السياسيَّة”.[29]

   يقسم كاستلز في مؤلَّفه (سلطة الهويَّة) الهويَّة إلى ثلاثة أقسام:[30]

  • الهويَّات المشرعنة: وهي الهويَّة الَّتي تكتسب شرعيَّتها وقبول سماتها وصفاتها ووجودها في المجتمع.

ب- الهويَّات المقاومة: وهي الَّتي تعاني من الإقصاء وعدم الاعتراف في مجتمع ما، وتحاول أن تقاوم هذا التهميش من خلال إثبات حضورها وتمثيل قضاياها المتعدِّدة بأكثر من وسيلة، بينها وسائل الإعلام الرقمي.

ج- الهويَّة بحسبانها مشروعاً: وهذه الهويَّة هي هويَّة جديدة تحاول أن تعدِّل في الأنموذجين السابقين، وتبتكر شكلاً من أشكال الهويَّة يعالج ويكمل النقص فيهما.

   يعتمد هذا على نوعيَّة واتّجاهات القنوات الإعلاميَّة البديلة، وطبيعة الحسابات الشخصيَّة في وسائل التواصل الاجتماعيِّ، الَّتي أصبحت مداراً مهمّاً للنقاشات الَّتي تعكس كثيراً طبيعة الشخصيَّة العربيَّة الَّتي تميل إلى الديكتاتوريَّة في موضوعات ما، وموضوعات أخرى تكون ديمقراطيَّة.

   أظهر الإعلام الرقمي اليومَ على السطح كلَّ التوجُّهات والأنظمة والحركات التحرُّريَّة الديمقراطيَّة والأنظمة الشموليَّة المتصلِّبة. تتعايش كلُّها أحدُها معَ الآخر؛ بعضُها يدافع عن قيم الديمقراطيَّة ويفتح مجالاً خصباً للنقاش الثريِّ البنَّاء، وبعضُها الآخر يمثِّل منظومته الفكريَّة الخاصَّة الَّتي تكون الديكتاتوريَّة أحد وجوهها.

   ما سبق ذكره له كثير من الأمثلة المؤكّدة لهذه النماذج، مثل وجود قنوات متطرِّفة دينياً تدعو إلى العنف والتطرُّف ونبذ الآخر، إضافةً إلى وجود قنوات خاصَّة تقوم بدور مضاعف فتعكس تاريخ الجماعات الإنسانيَّة، لكنَّها في الوقت عينه تنمِّي النزعة القبليَّة والعنصريَّة والطائفيَّة من خلال منتجاتها المتعدِّدة. في سبيل المثال، فنّ الشيلات ومسابقات الهجن. وهذا النمط من الإعلان عن الهويَّة الجماعيَّة والتغنِّي بها لا غبارَ عليه، لكنَّه، يا للأسف، يتحوَّل إلى شكل من أشكال الخطاب المتمركز حول ذاته يزعم التفوّق على بقيَّة عناصر المجتمع. في المقابل، تظهر قنوات أخرى تحاول أن تمثِّل جميع الآراء والأطياف السياسيَّة والشعبيَّة.

٦-  كيف ساعدت أدوات الإعلام الرقمي في تطوير الأداء الديمقراطيِّ

   منذ بروز وسائل الإعلام الرقمي، ولا سيّما وسائل التواصل الاجتماعيّ المتعدِّدة: تويتر، فيسبوك، المدوّنات… وبالتزامن مع الحملات المطالبة بالإصلاح، استشعر المواطن العربيُّ، والمثقَّف على وجه الخصوص، مسؤوليَّته كمثقَّف وفرد في وطن يجب عليه الإصلاح وتغيير الأوضاع، وراح يعبِّر عن آرائه في الحياة السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة عبر هذه الوسائل المتعدِّدة وسهلة الاستخدام. للمرَّة الأولى، تجد هذه الأجيال المهزومة لعقود متتالية وسيلةً لاستشعار قيمة الفرد بوصفه متحدِّثاً سياسيّاً يعبِّر عن قضاياه، ويحمل مسؤوليَّة الكلمة، وراحوا يتبنّون دور المثقَّف، كما أشار إليه إدوارد سعيد: “إنَّ إحدى مهام المثقَّف هي بذل الجهد لتهشيم الآراء المقولبة والمقولات التصويريَّة الَّتي تحدُّ كثيراً من الفكر الإنسانيِّ والاتّصال الفكريِّ”.[31]

   كما استعار غالبيّتهم مصطلحات عن دور وسمات المثقَّف، مثل: المثقَّف الحقيقيّ، المثقَّف المزيَّف، المثقَّف العضويّ… لدى مفكّرين من مثل أنطونيو جرامشي وإدوارد سعيد. فراحوا يفرِّقون بين المثقَّف السلطويِّ والمثقَّف الحقيقيِّ، منتقدين المثقَّف الَّذي ينعزل عن العامَّة، ويشيرون إلى ما أشار إليه إدوارد سعيد بأنَّ كلمة (مثقَّف) ربطت ذهنيّاً بـــ”برج عاجيّ” أو “استهزاء”.[32] منطلقين من الإيمان بقول جاكوبي بأنَّ المثقَّف إنسان عنيد لا يأتمر بأمر أحد.[33]

   إضافةً إلى هذا، وجدنا مجموعة من الحسابات الَّتي تضع شعارات وأيقونات لمناضلين سياسيين لهم بصمتهم في تغيير مسار الأحداث في العصر الحديث: نيلسون مانديلا، تشي غيفارا، ماركس، حنظلة… وغيرها من الرموز. بات المغرِّدون يعلنون دورهم والتزامهم، ويستخدمون الشعارات والعبارات الرنَّانة، وللمفارقة من دون وعي سياسيّ كافٍ، ومن دون رصانة معرفيَّة تستقيم أمام الأسئلة الَّتي يوجّهها إليهم البعض، فأظهرت هشاشة وعيهم السياسيّ، وأخمدت هذه الرغبة الجامحة في لعب هذا الدور السياسيِّ.

   يُعدُّ الناقد الفلسطينيُّ الأمريكيُّ إدوارد سعيد أحدَ أهمِّ الأصوات النقديَّة العالميَّة الَّتي تحتمّ علينا أن نصغيَ بصمت وتأمُّل عميق إلى العوالم الفكريَّة الخصبة في كتبه النقديَّة المتعدِّدة. ومن أهمِّ المفاهيم الثقافيَّة الَّتي قدَّمها سعيد مفهومُ المثقَّف الحقيقيِّ، الَّذي أتى لدراسة الجانب العمليِّ من تطبيقات الثقافة والمعرفة العمليَّة في الحياة الاجتماعيَّة، وأتى كردٍّ على بعض انحرافات الممارسات الثقافيَّة للمثقَّفين. طرح سعيد سؤالاً مهمّاً: مَن المثقَّف الحقيقيّ؟

   كان سعيد مهتمّاً بنقد دور المثقَّف الَّذي يجب أن يؤدّيه في الحياة الاجتماعيَّة والأكاديميَّة والسياسيَّة بوصفه مثقَّفاً ثوريّاً، وعرض لنفسه بأنَّه مثقَّف معارض. أصَّل سعيد لمفهوم المثقَّف، إذ حوَّله من الشخص المتعلِّم ليحتوي مجموعة المثقَّفين الَّذين يستخدمون معرفتهم لخدمة المؤسَّسات السياسيَّة، والَّذين يقفون معزولين عن المقهورين.

   في الحقيقة، كان مفهوم سعيد للمثقَّف متأثّراً على نحو لا مراءَ فيه بالفيلسوف الماركسيِّ والثوريِّ الإيطاليِّ أنطونيو جرامشي، الَّذي يرى: “إنَّ كلَّ الناس مثقَّفون، لكن ليس لهم كلّهم أن يؤدُّوا وظيفة المثقَّفين في المجتمع”.[34] 

   هذا التحليل الاجتماعيُّ للمثقَّف لدى غرامشي كإنسان، ينجز مجموعة معيَّنة من الوظائف في المجتمع، ويتَّسم بالواقعيَّة أكثر من تلك الصفات الَّتي أعطاها بيندا للمثقَّفين في كتابه (خيانة المثقَّفين).

   رأى غرامشي أنَّ هناك نوعين من المثقَّفين في المجتمع:

1) المثقَّفون التقليديّون، وهم يشملون المعلِّمين والكهنة والإداريين، وهؤلاء يميلون إلى عزل أنفسهم عن أن يكونوا منشغلين بالقضايا الاجتماعيَّة، ودوماً ما يقومون بالشيء نفسه من جيل إلى جيل آخر. فما يؤمن به آرنولد “أنَّ على المثقَّفين تهدئة الناس، وأن يبيّنوا لهم أنَّ أفضل الأفكار، وأجود الأعمال الأدبيَّة هي من سبل الانتماء إلى جماعة قوميَّة…” [35] وكان سعيد ينظر إلى أنَّه في القرن العشرين كان المثقَّفون مهدَّدين بخطر تطبيق نصائح وتوجيهات آرنولد.

2) النوع الثاني سمَّاه غرامشي “المثقَّف العضويّ” الَّذي يصفه بأنَّه فرد شجاع يشارك بفاعليَّة في المجتمع، وبدلاً من الاكتفاء بالملاحظة المجرَّدة للأشياء، يسعى إلى أن يغيِّر واقع البشر من حوله.

   يقدِّم إدوارد سعيد في كتابه (صور المثقَّف)، على نحو واسع، تنوّعاً في صور المثقَّفين وأدوارهم، معتمداً على نظرات كلٍّ من غرامشي في (دفاتر السجن)، وجوليان بيندا في (خيانة المثقَّفين)، ومفهوم ميشيل فوكو، سابق الذكر، (السلطة والمعرفة)، الَّتي استخدمها إدوارد سعيد كثيراً في كتابه (الاستشراق).

   يميِّز سعيد بين نوعين من المثقَّفين: [36]

1) المثقَّف الحقيقيُّ: الَّذي يتبنَّى التركيز على قضيَّة قول الحقيقة، ويحارب ضدَّ الظلم.

2) المثقَّف غير الحقيقيِّ: الَّذي يتصرَّف على نحو مختلف تجاه الأشخاص المقهورين.

   فيما يلي سنبيِّن أهمَّ مجالات التعبير عن الآراء في الكويت والخليج العربيِّ، الَّتي كان المشاركون فيها قد تأثَّروا بدور المثقَّف سابق الذكر:

  1.      البدون:

يقول جونز:

“بين المسائل المطروحة بخصوص شبكات الاتّصال، ذلك الوعد بتجديد معنى الجماعة، وفي كثير من الحالات، الوعد بأصناف جديدة من الجماعات. ويبدو أنَّ التواصل بوساطة الحاسوب، ومن خلال طرائقه الإلكترونيَّة السريعة، سيفعل ما عجزت عنه الطرق الإسمنتيَّة المعبَّدة.  وستمكِّننا عمليَّة التواصل بوساطة الحاسوب من جمع شتاتنا بعدما تفرَّقت بنا السُّبل، وستضعنا على الدرب الصحيح، ولن تعزلنا عن بقيَّة العالم”.[37]

   لقد أعطت وسائل التواصل الاجتماعيِّ لبعض فئات المجتمع المقموعة، الَّتي لم يصل صوتها سابقاً، مثل “البدون”، القدرة على تنظيم نفسها من خلال وسائل التواصل الاجتماعيِّ هذه، والتعبير عن قضاياها المتعدِّدة، بدءاً من قضيَّة الوجود والانتماء، حتَّى الوصول إلى الحاجات الإنسانيَّة الملحَّة، من مثل التعليم والعلاج وحلِّ مشكلات السكن والديون المتراكمة. ما يعني أنَّ وسائل التواصل أتاحت لهم فرصة التعبير عن أنفسهم وحاجاتهم الحيويَّة على نحو كبير.

   من المهمِّ ذكر أنَّ فئة البدون في الكويت قد أخذت مساحة لا بأس بها على وجه الخصوص في جزئيَّة التعبير عن قضاياهم الإنسانيَّة الحيويَّة. كما أنَّهم استخدموا عدداً من القنوات والوسائل المهمَّة في نشر معاناتهم وتوضيحها، مثل: القنوات الإعلاميَّة غير الرسميَّة، تويتر، فيسبوك، المدوّنات والصحف الإلكترونيَّة الخاصَّة. عبر تويتر ظهرت مجموعة من الحسابات تدعم القضيَّة وتدافع عنها، مثل: “إلى متى بدون”، “الكويتيّون البدون”، وهذه الحسابات إن لم تستطع حلَّ مشكلات الوجود والانتماء والوثائق الرسميَّة، فإنَّها كانت فعَّالة جدّاً في حلّ مشكلاتهم الإنسانيَّة، مثل العلاج والتعليم والسكن وجمع التبرُّعات الماليَّة اللازمة لهم. ومن المهمِّ التوضيح أنَّ هذه النشاطات كانت مدعومة من نشطاء كويتيين، تبنَّوا هذه القضيَّة ودعموها على المستويين: الفكريّ التنظيريّ، والتطبيقيّ العمليّ، مثل: أروى الوقيان، د. ابتهال الخطيب، د. فهد المطيري. هذه المجموعة الَّتي كانت تعاني من محاربة الوضع الراهن من خلال مقاومته وتمثيل الهويَّات المقاومة، مثلما يرى سعيد: “المشكلة المحدَّدة للمثقَّف هي أنَّ ثمَّة جماعة لغويَّة موجودة أصلاً في كلِّ مجتمع تتحكَّم فيه عادات التعبير، وأنَّ إحدى وظائفها الرئيسة هي حماية الوضع الراهن، والتأكُّد من أنَّ الأمور تجري بسلاسة، لا تبديل فيها ولا اعتراض عليها”.[38]

المعارضة والإعلام الرقمي

   تقول Angela Byron : “تويتر حيث 140 حرفاً تكون أكثر من كافية لتدخل في مشكلة، لكنَّها ليست كافية تقريباً لتخرج منها”.[39]

   لقد فتحت وسائل التواصل الاجتماعيِّ، ولا سيَّما تويتر، البابَ على مصراعيه للتعبير عن الآراء السياسيَّة في الكويت أمام الفرق والأحزاب السياسيَّة، وبينَها ما سُمِّي آنذاك بـ “المعارضة الكويتيَّة”. في هذا الجزء، سأتحدَّث عن استخدام المعارضة لتويتر كقناة للتعبير عن آرائها السياسيَّة.

   في عام 2011 ، انتشرت موجة عارمة من الاستياء بسبب الأداء السياسيِّ، والمطالبات الجادَّة بتغيير آليَّة اختيار رئيس الوزراء بأن يكون رئيساً شعبيّاً، وعمد مستخدمو تويتر، في سبيل المثال لا الحصر، إلى دعوة المتابعين إلى التظاهر والمشاركة السياسيَّة، فغدت القضيَّة لديهم قضيَّة أعدادٍ وجماهير لإثبات شرعيَّة مطالبهم، وأصبح الكمُّ لا الكيفُ هو المتحكِّم حسب مفهومهم لقضيَّة نجاح المظاهرة من عدمها, باستخدام العبارات المجازيَّة والشعارات الرنَّانة “كرامة وطن”، و”الصور المؤثّرة”، فكانت حرباً إعلاميَّة تُدار بالكلمات والصور والشعارات، بين فريق المؤيِّدين وفريق المعارضين، وأصبح الصوت الموضوعيُّ المحايد يندرج في تصنيفات فضفاضة مثل الخيانة العظمى والتخندق، ما يكشف عن خفوت في الفكر الموضوعيِّ، وطغيان الأحاديَّة.

   وهنا لا بدَّ من الالتفات إلى قضيَّة المبالغة في الشعارات، وتضخيم المساوئ والسلبيَّات، وتسخيف المحاسن والإيجابيَّات، ما يعني سهولة التأثير في الشبَّان الَّذين كانوا في الغالب يعانون من هشاشة في الوعي تجعلهم مجرَّد أدوات في أيدي أقطاب المعارضة. في سبيل المثال، حادثة الصوت الواحد، الَّتي فجَّرت الوضع السياسيَّ في عام 2012، بيَّنت أنَّ كلّاً من الفريق المؤيّد (الأزرق) والفريق المعارض (البرتقاليّ) لا يملك أفكاراً منطقيَّة فيما يطرحه، أو بمعنى أدقّ: إنَّ فرضيَّاتهم لا تصمد أمام المدى القريب.

   بدأت السلطة في ملاحقة صغار المغرِّدين والقبض عليهم، في حين بقيَ آخرون في الخارج، وهذا جعل من بعضهم يغيِّر من نبرة خطابه، ويراجع قناعاته الَّتي لم تكن عميقة على النحو الكافي للثبات عليها. إخفاق المعارضة في تحقيق مشروع سياسيٍّ متكامل، والتناقض الأدائيّ قد هزَّ فكرتها أمام الشعب، مثل تبنِّي الخطاب الديمقراطيّ، وإقصاء كلّ الأطراف المعارضة، ورفض السماح لأيِّ تلفزة من الأفرقاء الآخرين بالتصوير. وتالياً، خسرت المعارضة الكثير من وهجها وفاعليَّة تأثيرها، وأصبحت المظاهرات في جوهرها منبثقة من الثورة التكنولوجيَّة، وهذه التقنيات الجديدة، يا للأسف، لم يصاحبها الوعي الكافي بآليَّة استخدامها، فجرت ملاحقة المغرِّدين ومحاسبتهم قضائيّاً.

2. 1 نقد لغة خطاب المعارضة

   يقول الكاتب الإنجليزيُّ جورج أورويل في مقالته (السياسة واللُّغة الإنكليزيَّة): “إنَّ الصيغ المبتذلة، والاستعارات المنهكة، والكتابة المترهِّلة، شواهد على “انحطاط اللَّغة”. وهذه ترتبط بوسائل التواصل اليوم”.[40] وهنا نأتي لتفحُّص طبيعة اللُّغة في خطاب المعارضة، الَّتي تبنَّت الكثير من العبارات والشعارات المغلوطة، والَّتي تزخر بالمبالغة والتجريح السياسيّ، مثل: “إلَّا الدستور”، “لن نتركها تضيع”، “ارحل” و “الله يغيّر علينا”، هذه العبارة التي أطلقتها المعارضة لطلب تقديم الأفضل وأن يتغيَّر الحال إلى ما هو أفضل؛ و “كرامة وطن” الَّتي تعني أنَّ الوطن فقدَ كرامته؛ وكلّ هذه العبارات تعكس هشاشة الفكر وحمولاته العنيفة حين تلقِّيه من الأطراف الأخرى الَّتي لا تتبنَّى الأفكار نفسها. هذا التكرار للصيغ الجماعيَّة، كما يراه إدوارد سعيد “هو تكاسل شديد ليس إلَّا…”[41]

النسوية والإعلام الرقمي

           لم تترك النسويَّات في الوطن العربيِّ فرصةً مثل فرصة الإعلام الرقمي وكلِّ الإمكانات الهائلة الَّتي يتيحها لتدخل عبره للتعبير عن قضاياها، وكشفِ معاناة المرأة، وصوتها، وفكرها، وإثبات حضورها كمبدعة في مجالات متعدِّدة. وظهرت النسويَّات يدافعنَ عن عدد من القضايا المهمَّة، مثل أن تقوم بالتواصل مع العلماء وقادة الرأي للتأثير في آرائهم ومناقشتهم في قضاياها الحيويَّة، وتصحيح ومناقشة المفاهيم المغلوطة حول قضايا المرأة، بالإضافة إلى متابعة ما يعرض ويستجدّ من قضايا، والتعليق عليها.

            دافعت المرأة عن موضوعات مهمَّة وحيويَّة، مثل قضيَّة قيادة السيَّارة ورفع الولاية في السعوديَّة. تبدو النسويَّات السعوديَّات الأكثر نشاطاً وتعرُّضاً للضغط من قِبل السلطات الدينيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة على حدٍّ سواء. الناشطات السعوديَّات وحملات الاعتقال التي طالتهنَّ، ودعواتهنَّ لإسقاط الولاية، والسماح لهنَّ بقيادة السيَّارة، من خلال برامج التواصل الاجتماعيّ: لجين الهذلول، حصَّة آل شيخ، عائشة المانع والأكاديميَّة هتون الفاسي.

            النسويَّات في دول أخرى، مثل الكويت؛ تبنَّت بعض الأكاديميَّات القضايا الترفيَّة، مثل خلع الحجاب وغيره من الأمور الأخرى الهامشيَّة الَّتي تشير إلى عدم تعمُّق المرأة الكويتيَّة في قضاياها، أو عدم رغبتها في خوض معارك معيَّنة مع السلطة الاجتماعيَّة في المجتمع، أو لاتّباعها للتوجُّهات السياسيَّة العامَّة الَّتي لا تتعارض مع النقطتين السابقتين.

     على نحو عامّ، حين البحث في طبيعة القضايا الَّتي تشغل المرأة العربيَّة اليوم، في طبيعة تمثيلها في الإعلام الرقمي، تتَّضح صورة المرأة في الإعلام العربيِّ بأنَّها كائن استهلاكيٌّ أكثر من كونها فرداً منتجاً، تهتمُّ بأمور الحياة المعيشة، كالتجميل والمطبخ والقصص العاطفيَّة، أكثر من الفكر وبناء الذات. تتَّضح صورة المرأة أيضاً، بخلاف الرجل إلى حدٍّ ما، بأنَّها بعيدة عن التفكير العقلانيِّ المنطقيِّ، وتعرض نفسها أو تُعرَض بوصفها موضوعاً للمتعة الجسديَّة للرجل.[42]

    صورة المرأة المشوَّهة تحيل إلى مفهوم المستمع (أو المشاهد) أو المستهلك الناكص، وهي جميعها تحيل إلى أنَّها تختبر وتختار السلعة الثقافيَّة في حالة من “غياب التركيز”.[43]

   إنَّما، هذه المرأة مستلبة الهويَّة هنا، تقوم بدور آخرَ أكثر خطورةً من غياب التركيز، وهو إدراك حقيقة الشيء والاستمرار في اقتنائه أو ممارسته، كما يقرِّر آلن هاو: “إنَّ إدراك حقيقة شيء ما ومواصلة شرائه هي أتاوة رديئة نؤدِّيها لقدرة صناعة الدعاية على استعمار مخيِّلاتنا، إذ نبتغي الأشياءَ على الرَّغم من علمنا أنَّ معناها مصطنع تماماً”.[44]

   وبالطبع، المرأة تنساق في خطاب التجهيل والتسليع العامّ، الَّذي تعاني منه الثقافة العربيَّة اليوم، لعدم وعيها الكافي، ولإحساسها بضآلتها وهامشيّتها في مقابل سيطرة رغبات الرَّجل، في ظلِّ النظام الرأسماليِّ، وتسليع المرأة وإعادتها إلى دورها التقليديِّ عبر التاريخ. ونتَّفق هنا مع أدورنو، إذ لا نرى أنَّ هذه الممارسات عفويَّة، وأنَّها تعبير عن احتياجات إنسانيَّة، لكنَّها منبثقة من شركات عملاقة تصنع للبشريَّة حياتها، على نحو سلس، لكنَّه مدمِّر للهويَّة الإنسانيَّة. إذ لفت أدورنو، الَّذي سكَّ مصطلح (صناعة الثقافة) بدلاً من الثقافة الجماهيريَّة، إلى أنَّه يرى الثقافة الحديثة من صناعة الجماهير بمعنى من المعاني، في حين أنَّها نتاج صناعيٌّ يُباع للجماهير كسلعة حقيقيَّة.

   وهذا يشير إلى حقيقة، حسب قول أدورنو، مؤدَّاها أنَّ الثقافة لا تمثِّل التكامل الاجتماعيَّ بقدر ما تمثِّل مجموعة متداخلة من المصالح التجاريَّة جوهرها التلاعب والمضاربة على الجماهير. وما تنتجه حقيقة الأنظمة الرأسماليَّة الَّتي نعيش تحت مظلَّتها هو قابليَّة “الأفراد أن يحملوا أنوات أشدَّ مرونة”[45]، بمعنى أن يتقبَّلوا معطيات الثقافة بسلاسة من دون مراجعة انتقائيَّة الجيّد والرَّديء، بخلاف ما كان يحدث في الماضي.

٤.  المثقَّفون:

            لقد شكَّلت وسائل التواصل الاجتماعيِّ للمثقَّفين العرب، كتَّاباً وأدباء وشعراء في المجالات المعرفيَّة المتنوّعة، وسيلةً للانتشار والحضور والاعتراف بهم من دون انتظار تقديمهم عبر وسائل الإعلام التقليديَّة الرسميَّة، فالكلُّ موجود بقوَّة تأثيره في متابعي الشبكة، وخلقِه شبكة علاقات اجتماعيَّة تقلِّص من عزلته وعدم تعرُّف جهوده الفكريَّة والثقافيَّة. إضافةً إلى إمكان النشر والتعبير والتواصل معَ المثقَّفين في العالم العربيِّ، فالكلُّ أصبح متَّصلاً “أون لاين”.

           وما يهمُّنا في هذه الورقة أنَّ وسائل التواصل الاجتماعيِّ كانت قناة للمثقَّفين في المطالبة ببعض القضايا المستحقَّة، فنظَّموا أنفسهم في جماعات ضاغطة على صانعي القرار في مؤسَّسات الدول الَّتي ينتمون إليها، لأجل المطالبة ببعض المسائل لدعم الثقافة والإبداع. ونجد في الكويت، في الآونة الأخيرة، من أهمّ القضايا الثقافيَّة الشهيرة: التطرُّق إلى موضوع ازدياد وطأة الرقابة ومنعها للكتب، فكان تويتر إحدى الوسائل الفعَّالة في عرض مطالبات المثقَّفين الاحتجاجيَّة حول منع الكتب، تحت حملة “أوقفوا منع الكتب” و “مجزرة الكتب”، و “مقبرة الكتب” للفنَّان الكويتيِّ محمد شرف. هذه الحملة، إن كانت لها وقفات احتجاجيَّة بسيطة في الشارع، إلَّا أنَّها في الأساس استمدَّت قوَّتها في التعبير من النشر عبر تويتر، فيسبوك والمدوّنات، واستطاعت استعطاف كثير من المؤيّدين في الوطن العربيِّ.

الخاتمة

          من خلال العرض السابق، يتَّضح أنَّ الإعلام الرقمي قد لعب دوراً كبيراً في التأثير الإيجابيِّ والسلبيِّ في الشعوب العربيَّة، ما تمَّت معالجة بعض أوجه هذا التأثير من خلال هذه الورقة.

           من أهمِّ أوجه التأثير السلبيِّ للإعلام الجديد هو انتشار الأخبار الكاذبة والشائعات والثرثرة، وحملات التشهير والسبّ، إضافة إلى الاستسهال في نشر الأخبار، وعدم التحقُّق من صحَّتها أو كذبها. إنَّما، هذا لا يلغي أهميَّة الإعلام الرقمي الَّذي أسهم مفصليّاً في فتح المجال للمجتمعات العربيَّة لأجل التعبير عن قضاياها الحيويَّة وإظهار الأصوات المقموعة، كالنساء والفئات المهمَّشة في المجتمع، وعملت على إظهار التنوّع في المسارات الفكريَّة والاتّجاهات الثقافيَّة على نحو أوسع من الإعلام التقليديِّ القديم. إلَّا أنَّ هذه المساحة الواسعة من البوح احتاجت إلى عدد من الأمور كي تؤدِّي دورها الحقيقيَّ، وهي الرصانة والنزاهة في نقل الأخبار، والوعي العميق لمفاهيم الحريَّة والديمقراطيَّة، الَّتي تقف عند حدود حريَّات الآخرين وعقائدهم الفكريَّة والروحيَّة. كما كشف الإعلام الرقمي هشاشة وسطحيَّة الفرد العربيِّ من جانب، وعزَّز هذه السطحيَّة من خلال فتح الباب لهؤلاء الأفراد للتعبير عن أنفسهم من دون أن تكون لديهم الزوَّادة الكافية للخوض في هذا الميدان.

    ختاماً، لقد أدَّى الإعلام الجديد دوراً حيوياً في فتح مساحات البوح، الَّتي نتمنَّى من الشعوب العربيَّة، حكومات وأفراداً، الاستفادة منها في تطوير الوعي بمفاهيم الحريَّة والديمقراطيَّة، وتطوير المجتمعات، اليوم، على المستويات: الإنسانيَّة والمعرفيَّة والثقافيَّة وبقيَّة المجالات العمليَّة والحيويَّة الَّتي تخدم المجتمع الإنسانيَّ اليوم.


 المراجع

7. 1: المراجع العربيَّة:

بارني، دارن، المجتمع الشبكي، تر: أنور الجمعاوي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت: ٢٠١٥م. ص: ١٨٨.

غرامشي، أنطونيو، دفاتر السجن، نقلاً عن: إدوارد سعيد، صور المثقَّف: محاضرات ريث 1993م، بيروت: دار النهار، 1996م.

 السيّد، طارق، الإعلام النسويّ، وقضايا المرأة، لها أونلاين، ٧ ديسمبر ٢٠١٧م:

http://www.lahaonline.com/articles/view/54341.htm

 سعيفان، أحمد، قاموس المصطلحات السياسيّة والدستوريّة والدوليّة، مكتبة لبنان، ناشرون، بيروت، الطبعة الأولى: 2004م.

سلدن، رامان، النظريّة الأدبيّة المعاصرة، تر: جابر عصفور، القاهرة: دار قباء للنشر، الطبعة الأولى، ١٩٩٨م،

عمَّار. بكَّار وفواز سعد، محاضرة: الإعلام الجديد، نادي الإعلاميين السعوديين: لندن، ٢٧ سبتمبر ٢٠١٠م، الدخول بتاريخ: ١١ ديسمبر ٢٠١٨م:

فوكو، ميشيل، المعرفة والسلطة، تر: عبد العزيز العيادي، بيروت: المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، ١٩٩٤م.

خليل، محمد، دور الإعلام في العصر الرقميّ في تشكيل قيم الأسرة العربيّة: دراسة تحليلية، مجلَّة

جامعة دمشق، مجلّد ٢٧ ع (١&٢)، ٢٠١١م.

كزوط،  هشام، الإعلام الجديد من النظام إلى الفوضى الخلَّاقة، مجلَّة دراسات وأبحاث، جامعة الجلفة، الجزائر، ع (٢٥) ٢٠١٦م، ص، ص: ١٣٨- ١٥٠.

 ماركوزه، هاربات، الإنسان ذو البعد الواحد، تر: جورج طرابيشي، دار الآداب: بيروت، ٢٠٠٤م.

هاو، آلن، النظريّة النقديّة: مدرسة فرانكفورت، القاهرة: المركز القوميّ للترجمة، الطبعة الأولى، ٢٠١٠م.

7. 2. المراجع الإنجليزيَّة:

Annie. Waldherr, ‘Modelling issue-attention dynamics in a hybrid media system’, in From Media Hype to Twitter Storm, edited by: Peter Vasterman, Amsterdam University Press. (2018).

Peter John Chen, ‘Social Media’, Australian Politics in a Digital Age,
published by: ANU Press. (2013).  

Vivian. Roese,  ‘You won’t believe how co-dependent they are Or: Media hype and the interaction of news media, social media, and the user’ , in From Media Hype to Twitter Storm,edited by: Peter Vasterman,Amsterdam University Press. (2018).



[1] Vivian. Roese,  ‘You won’t believe how co-dependent they are Or: Media hype and the interaction of news media, social media, and the user’ , in From Media Hype to Twitter Storm,edited by: Peter Vasterman,Amsterdam University Press. (2018).


[2]    دارن. بارني، (المجتمع الشبكي)، تر: أنور الجمعاوي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت: ٢٠١٥م. ص: ١٨٨.

[3]  السابق، ص: ١٨٨.

[4]   السابق، ص: ٣٢٠.

[5]  السابق، ص: ٣٢٠.

[6] Annie. Waldherr, ‘Modelling issue-attention dynamics in a hybrid media system’, in From Media Hype to Twitter Storm,edited by: Peter Vasterman,Amsterdam University Press. (2018).


[7]  رامان سلدن، “النظرية الأدبية المعاصرة”، تر: جابر عصفور، القاهرة: دار قباء للنشر، الطبعة الأولى، ١٩٩٨م، ص: ١٣٥.

[8]  عمار. بكار وفواز سعد، محاضرة (الإعلام الجديد)، نادي الإعلاميين السعوديين: لندن، ٢٧ سبتمبر ٢٠١٠م، الدخول  بتاريخ: ١١ ديسمبر ٢٠١٨م:

[9]  هشام كزوط، (الإعلام الجديد من النظام إلى الفوضى الخلاقة)، مجلة دراسات وأبحاث، جامعة الجلفة، الجزائر، ع (٢٥) ٢٠١٦م، ص، ص: ١٣٨- ١٥٠، ص: ١٤٢.

[10]  السابق، ص: ١٤٢.

[11]  محمد خليل، (دور الإعلام في العصر الرقميّ في تشكيل قيم الأسرة العربية: دراسة تحليلية)، مجلة جامعة دمشق، مجلد ٢٧ ع (١&٢)، ٢٠١١م.

[12]  دارن، بارني، (المجتمع الشبكي)، مرجع سابق، ص: 198.

[13]   محمد خليل الرفاعي، (دور الإعلام في العصر الرقمي في تشكيل قيم الأسرة العربية)، 2011م، ص. ص:711- 713.

[14]  أحمد سعيفان، (قاموس المصطلحات السياسية والدستورية والدولية)، مكتبة لبنان، ناشرون، بيروت، الطبعة الأولى: 2004م، ص: 177.

[15]  السابق، ص: 182.

[16]  السابق.

 [17]  السابق، ص: 183.

[18]   ميشيل فوكو، (المعرفة والسلطة)، تر: عبد العزيز العيادي، بيروت: المؤسّسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، ١٩٩٤م.

[19]  السابق.

[20] Peter John Chen, ‘Social Media’, Australian Politics in a Digital Age,
 published by: ANU Press. (2013), p. 71.  

[21]   هاربات، ماركوزه، (الإنسان ذو البعد الواحد)، تر: جورج طرابيشي، دار الآداب: بيروت، ٢٠٠٤م.

[22]  السابق، ص: ٦٨.

[23]  دارن بارني، (المجتمع الشبكي)، مرجع سابق، ص: ١٩٩.

[24]  Stephen Tully, ibid, 154.

[25]   السابق، ص: ١٥٦.  

[26]  السابق.

[27]  السابق، ص: ١٥٦.

[28]  دارن، بارني، (المجتمع الشبكي)، ص: 181.

[29]  السابق، ص: ١٨١.

[30]  دارن، بارني، (المجتمع الشبكي)، السابق.

[31]  إدوارد سعيد، (صور المثقف)، ص: ١٣.

[32]  السابق، ص: ١٣.

[33]  السابق.

[34]   أنطونيو غرامشي، (دفاتر السجن)، نقلاً عن إدوارد سعيد، (صور المثقف: محاضرات ريث 1993م)، بيروت : دار النهار، 1996م.

[35]  إدوارد سعيد، (صور المثقف)، مرجع سابق.

[36]  السابق.

[37]  دارن بارني، (المجتمع الشبكي)، مرجع سابق، ص: ١٩٧.

[38]  مرجع سابق.

[39]  Peter Jhon, ibid, 2013, p.71.

[40]   إدوارد سعيد، (صور المثقف).

[41]  السابق.

[42]  طارق السيد، (الإعلام النسوي، وقضايا المرأة)، لها أونلاين، ٧ ديسمبر ٢٠١٧م:

http://www.lahaonline.com/articles/view/54341.htm

[43]   آلن هاو، (النظرية النقدية: مدرسة فرانكفورت)، القاهرة: المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى، ٢٠١٠م. ص: 129.

[44]  السابق، ص: ١٢٩.

[45]  السابق.