مجلة حكمة
Philosophy of Technology فلسفة التقنية

فلسفة التقنية

الكاتبمارتن فرانسين، وغيرت جان لوخرست، وآيبو فان بول
ترجمةمالك آل فتيل
تحميلنسخة PDF

مدخل حول فلسفة التقنية وتاريخ تطورها، والمغموض المتجذر فيها، والعلاقة بين التكنولوجيا والعلم؛ نص مترجم ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التعديل منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


إذا كانت الفلسفة هي محاولة “لفهم كيف تترابط الأشياء بالمعنى الواسع، وبأوسع معنى ممكن، للمصطلح”، على حد تعبير سيلارز (1962)، إذاً على الفلسفة ألا تتجاهل التقنية. فبواسطة التقنية أصبح المجتمع المعاصر مترابطاً، وتعاظمت أهميتها كقوة ثقافية بالإضافة لكونها قوة اقتصادية مهمة.

واقعاً، خلال القرنين الماضيين، أثناء تطوُّر التقنية تدريجياً كفرع من فروع المعرفة، انحصر أغلب اهتمام فلسفة التقنية في دراسة تأثيرها على المجتمع والثقافة، بدلاً من دراسة التقنية نفسها. يُسمي ميتشام (1994) هذا النوع من فلسفة التقنية بـ”فلسفة التقنية الإنسانية” لأنها مازالت متعلقة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية. في الآونة الأخيرة تطورَّ فرع من فلسفة التقنية اهتم بالتقنية نفسها، واستهدف فهم كلٍ من عمليتي التصميم والانتاج (بمعنى واسع، بما في ذلك العمليات والأنظمة الاصطناعية) وفهم طبيعة المنتجات التقنية. يسعى هذا الفرع من فلسفة التقنية إلى التقدم بمعية فلسفة العلم والعديد من المجالات الأخرى في تبني النهج التحليلي في الفلسفة الحديثة كفلسفتي الفعل واتخاذ القرار، بدلاً من مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية.

يبدأ المدخل بعرض تاريخي موجز، ثم يقدم الموضوعات التي تهتم وتركز عليها فلسفة التقنية التحليلية الحديثة. بعدها سيناقش بعض الجوانب المجتمعية والأخلاقية ذات الصلة، حيث يتناول بعض ما تهتم به فلسفة التقنية الإنسانية. يأخذ العرض في اعتباره أن التقنية قد تطورت بفعل وبتوجيه من الممارسة الهندسية، ووفق معاييرها، متخففة آنذاك من السيطرة والهيمنة الاجتماعية. غير غافلةً النتائج المباشرة للتقنية على مجتمع التقنية نفسه، التي نجمت عن عمليات لا يمكن السيطرة عليها.

 

  1. التطورات التاريخية

1.1. اليونانيون

1.2 التطورات اللاحقة، فلسفة التقنية الإنسانية

1.3 الغموض المتجذر في معنى التقنية

  1. فلسفة التقنية التحليلية

2.1. مقدمة: فلسفة التقنية وفلسفة العلم  بصفتهما فلسفتان للممارسة

2.2. العلاقة بين التقنية والعلم

2.3 مركزية التصميم في التقنية

2.4 القضايا المنهجية: التصميم كعملية اتخاذ القرار

2.5 قضايا ميتافيزيقية: حالة وخصائص المنتجات التقنية

2.6. موضوعات أخرى

  1. الجوانب الأخلاقية والاجتماعية في التقنية

3.1. تطور موضوع الأخلاق في التقنية

3.2 مناهج أخلاقيات التقنية

3.3 بعض المواضيع المتكررة في أخلاقيات التقنية

3.3.1 الحيادية مقابل الفاعيلة الأخلاقي

3.3.2 المسؤولية

3.3.3 التصميم

3.3.4 المخاطر التقنية

  • المراجع

  • أدوات أكاديمية

  • مصادر أخرى على الإنترنت

  • مداخل ذات صلة


 

 

1. التطورات التاريخية

1.1. اليونانيون

التفكير الفلسفي في التقنية قديم قدم الفلسفة نفسها. أقدمها يأتينا من اليونان القديمة. فقد كانت هناك أربعة أفكار مهمة؛ أولى هذه الأفكار المبكرة هو الأطروحة القائلة بأن التقنية تتعلم من الطبيعة أو تُحاكيها (أفلاطون، القوانين X 899a وما يليها)، فوفقًا لديموقريطس، مثلاً، فإن اختراع بناء المنزل والنسيج كان في أوله عبارة عن محاكاة لما تفعله طيور السنونو والعناكب في بناء أعشاشها وشِباكها (الأب D154؛ ربما يُعد هذا أقدم مصدر يتعرض للدور النموذجي للطبيعة Heraclitus fr D112). وقد أشار أرسطو إلى هذه الفكرة من خلال تكرار أمثلة ديموقريطس، لكنه لم يؤكد أن نطاق التقنية محصور في محاكاة الطبيعة فقط: “بشكل عام، في بعض الحالات يُكملُ الفنُ ما لم تستطع الطبيعة من إنجازه، وفي حالات أخرى يُحاكيها ” (فيزياء II.8 ، 199a15؛ Physics II.2، Schummer 2001 ومدخل حول episteme and techne للمزيد).

الفكرة الثانية، هي أطروحة أن هناك تمييزًا وجوديًا أساسيًا بين الأشياء الطبيعية والمُنتجات التقنية. فوفقًا لأرسطو (فيزياء II.1) فإن الأولى لها خاصيتين داخليتين هما: التوالد والحركة، في حين أن الثانية، لكونها مصنوعات، فهي تتولد من أسباب خارجية فقط أي الأهداف والأشكال البشرية في نفس الإنسان. المنتجات الطبيعية (الحيوانات وأجزائها والنباتات والعناصر الأربعة) تتحرك وتنمو وتتغير وتتكاثر عن طريق أسباب غائية داخلية (ذاتية)؛ مدفوعة بغايات الطبيعة. في المقابل، لا يمكن للمنتجات التقنية أن تُعيد إنتاج نفسها. فبدون رعاية الإنسان وتدخله سيعتريها الزوال، وذلك بفقدان هيئتها الاصطناعية وتتحلل موادها الطبيعية. على سبيل المثال، إذا دُفنَ سرير خشبي، فسوف يتحلل إلى الأرض، أو يعود إلى طبيعته النباتية عن طريق الاحتراق.

كان للأطروحة القائلة بوجود اختلاف جوهري بين المنتجات المصنوعة من قبل الإنسان والمواد الطبيعية، أثر طويل الأمد، فقد انتقد ابن سينا في العصور الوسطى الخيمياء على أساس أنها لا تستطيع أبدًا إنتاج مواد “أصلية”. وحتى يومنا هذا، لا يزال البعض يؤكد على هذا الفرق، مثلاً ما بين فيتامين ج الطبيعي والاصطناعي. سيُناقش هذا الموضوع بأفكار حديثة في القسم 2.5.

يمكن اعتبار تصور أرسطو حول العلل الأربع: المادية والصورية والفاعلة والغائية، مساهمة ثالثة مبكرة في فلسفة التقنية، فقد شرح أرسطو تصوره هذا بالإشارة إلى المنتجات التقنية كالمنازل والتماثيل (فيزياء II.3). لا تزال علل أرسطو الأربع حاضرة إلى حد كبير في المناقشات الحديثة المتعلقة بميتافيزيقا المُنتجات الاصطناعية. تركز هذه المناقشات حول مفهوم الوظيفة، مثل الطابع الغائي “النهائي” المتأصل والصعوبات التي تمثله عند استخدامه في علم الأحياء.

وقد أدخل هوبز مسألة سفينة ثيسيوس -راجع في هذه الموسوعة المداخل الخاصة بالبنية المادية ، والهوية مع مرور الوقت، والهوية النسبية، والفرز– في الفلسفة الحديثة على أنها مسألة تبيِّن التضارب الواقع بين وحدة المادة ووحدة الشكل كمبدأ للتمييز. ينظر الكثيرون، ديفد ويجينس (1980: 89) مثلاً، إلى هذا التضارب على أنه سمة من سمات الآثار.

النقطة الرابعة التي تستحق الذكر في هذا الصدد هي الاستخدام المكثف للصور التقنية عند أفلاطون وأرسطو. وصف أفلاطون في كتابه طيماوس (Timaeus) العالم بأنه عمل حِرَفي (Demiurge). فقد كانت روايته عن تفاصيل النشوء مليئة بالصور المأخوذة من النجارة والنسيج والسيراميك والمعادن والتقنيات الزراعية. كما استخدم أرسطو مقارنات مستمدة من الفنون والحرف اليدوية لتوضيح كيفية تأثير العلل النهائية في العمليات الطبيعية. وبرغم تقديرهم السلبي لحياة الحرفيين، إذ اعتبروهم مشغولين للغاية بمخاوف مهنتهم، وحاجتهم لكسب لقمة العيش لنيل حريتهم، إلَّا أنهما وجدا أن الصور التقنية لا غنى عنها للتعبير عن إيمانهم بالتصميم العقلاني للكون (Lloyd 1973: 61).

 

1.2 التطورات اللاحقة، فلسفة التقنية الإنسانية

على الرغم من تحقق تقدم تقني كبير في عصر الإمبراطورية الرومانية وخلال العصور الوسطى كذلك، إلا أن التفكير الفلسفي لم يواكب هذا التطور. فقد أولت الأعمال الشاملة حينها، كموسوعة العمارة De architectura  لفيتروفيس (القرن الأول الميلادي)، وكتاب أجريكولا (1556) في مجال التعدين De re metallica، اهتماماً كبيراً بالجوانب التقنية العملية مقابل اهتمام ضئيل بجوانبها الفلسفية.

في حقبة الفلسفة المدرسية (السكولائية)، ظهر تقدير للفنون الميكانيكية، قبلها، كان يُنظر إلى هذه الأعمال، عمومًا، على أنها ولدت – واقتصرت على – محاكاة الطبيعة. تم تحدي هذا الرأي بدخول الخيمياء إلى الغرب اللاتيني في منتصف القرن الثاني عشر. كان بعض الكتاب الخيميائيين مثل روجر بيكون مستعدين للقول بأن الفن البشري، حتى لو تعلم من خلال محاكاته للطبيعية إلَّا أنه قادر على إعادة إنتاج المنتجات الطبيعية بنجاح، بل وتجاوزها أيضاً. وكانت النتيجة بروز فلسفة تقنية جديدة رُفع فيها قدر الفن البشري إلى مستوى لم يكن موجودًا في الأدبيات السابقة حتى عصر النهضة. ومع ذلك، فقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الثالث عشر موقفًا عدائيًا متزايدًا من قبل السلطات الدينية تجاه الكيمياء التي بلغت ذروتها بكتابة الرسالة المعروفة بكونترا ألكيميستاس Contra alchymistas، على يد المحقق العام في محاكم التفتيش نيكولاس إيمريك في عام 1396 (نيومان 1989، 2004).

في عصر النهضة نال الإنسان وجهده الإبداعي تقديراً أكبر، بما في ذلك نتاجه التقني. نتيجة لذلك، ازداد التفكير الفلسفي في التقنية وتأثيرها على المجتمع. يعتبر فرانسيس بيكون عمومًا أول مؤلِّف حديث يطرح مثل هذا التفكير. كانت وجهة نظره، التي أعرب عنها في روايته نيو أتلانتس (1627)، إيجابية للغاية. استمر هذا الموقف الإيجابي بشكل جيد حتى القرن التاسع عشر، متضمنًا نصف القرن الأول من الثورة الصناعية. أما كارل ماركس، فلم يُدين المُحرك البخاري والطاحونة الدوارة لعيوب في نمط الإنتاج البرجوازي، بل كان يعتقد أن استمرار الابتكار التقني ضرورياً للتوجه قدماً نحو المراحل الأكثر سعادة للاشتراكية والشيوعية في المستقبل، راجع بيمبر (1990) في مناقشاته الأخيرة لوجهات النظر المختلفة حول دور التقنية في التطور التاريخي في نظرية ماركس.

كانت في عام 1872 نقطة التحول في النظر إلى التقنية كظاهرة اجتماعية ثقافية، وذلك عندما عبَّر عنها الروائي صموئيل بتلر من خلال عمله Erewhon، الذي كتبه تحت تأثير الثورة الصناعية وكتاب أصل الأنواع لدارون. قدمت الرواية سرداً لدولة خيالية حُظرت فيها جميع الآلات، وجُرِّمت حيازتها ومحاولة تصنيعها، وذلك بسبب اقتناع الشعب في هذه الدولة بفكرة مفادها أن التحسينات التقنية المطردة من المحتمل أن تؤدي إلى أن تحل الآلات محل الجنس البشري كقوة مهيمنة على الأرض.

خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ومعظم القرن العشرين، ساد الموقف النقدي في التفكير الفلسفي في التقنية. كان ممثلو هذا الموقف، بشكل عام، باحثون في العلوم الإنسانية أو العلوم الاجتماعية ولم يكن لديهم فعليًا أي معرفة مباشرة بالممارسة الهندسية. فقد كتب بيكون على نطاق واسع عن المنهج العلمي وأجرى التجارب الفيزيائية بنفسه، بينما كان بتلر رجل دين يفتقر إلى هذه المعرفة المباشرة. أما مؤلف النص الأول الذي ظهر فيه مصطلح “فلسفة التقنية”، Eine Philosophie der Technik (1877) فقد كان إرنست كاب، وهو عالمٌ في اللغة ومؤرخ. كان معظم المؤلفين الذين كتبوا نقديًا عن التقنية ودورها الاجتماعي والثقافي خلال القرن العشرين فلاسفة ذوي نظرة عامة (مارتن هايدجر، وهانس جوناس، وأرنولد جيهلين، وغونتر أندرس، وأندرو فينبرج)، أو كانت لديهم خلفية في أحد المجالين: العلوم الإنسانية أو العلوم الاجتماعية مثل النقد الأدبي والبحث الاجتماعي (لويس مومفورد)، أو القانون (جاك إلول)، أو العلوم السياسية (لانغدون وينر)، أو الدراسات الأدبية (ألبرت بورجمان). لقد أطلق كارل ميتشام (1994) على شكل فلسفة التقنية الذي تشكله كتابات هؤلاء وغيرهم من المساهمين في الفلسفة اسم “فلسفة التقنية الإنسانية”، لأنها تنطلق من العلوم الاجتماعية والإنسانية بدلاً من الممارسة التقنية.

يميل الفلاسفة الإنسانيون في التقنية إلى اعتبار ظاهرة التقنية أمرًا حتميًا تقريبًا، يتعاملون معها على أنها “صندوق أسود”، ظاهرة موحدة، متجانسة، لا مفر منها. فلا يهتمون بتحليل وفهم هذه الظاهرة بحد ذاتها، بل بفهم علاقاتها بالأخلاق (جوناس، جيهلين)، والسياسة (وينير)، وبنية المجتمع (مومفورد)، والثقافة الإنسانية (إلول)، والحالة الإنسانية (حنه آرنت) والميتافيزيقا (هايدجر). كان أغلب هؤلاء الفلاسفة ينتقدون التقنية بصراحة: كل شيء أُخذ بعين الاعتبار!. كانوا يميلون إلى الحكم السلبي على الطريقة التي أثرت بها التقنية على المجتمع البشري والثقافة، أو على الأقل ينتقدون الآثار السلبية التي تخلفها التقنية على الإنسان، وعلى المجتمع والثقافة. هذا لا يعني بالضرورة أنهم كانوا يشيرون إلى التقنية نفسها على أنها السبب المباشر لهذه التطورات السلبية. في حالة هايدجر، على وجه التحديد، فإن سمو مكانة التقنية في المجتمع الحديث هو أحد أعراض شيء أكثر جوهرياً، ألا وهو الموقف الخاطئ تجاه الوجود الذي بقي في طور التكوين لما يقرب من 25 قرنًا. لذلك من المشكوك فيه ما إذا كان يجب اعتبار هايدجر فيلسوفًا تقنيًا، على الرغم من أنه من وجهة النظر التقليدية يُعتبر من بين أهم الفلاسفة. كما يمكن قول الشيء نفسه عن أرنت، ولا سيما مناقشتها للتقنية في كتابها “الحالة الإنسانية” (1958)، على الرغم من أن موقعها في فلسفة التقنية الإنسانية ليس بارزًا.

من المؤكد أن أعمال هذه الشخصيات المؤسِّسة لـ فلسفة التقنية الإنسانية قد أخذها إلى أبعد من ذلك، لكنَّ الجيل الثاني والثالث منهم، ولا سيما عمل هايدجر الذي لا يزال مصدرًا مهمًا للإلهام، تبنى المزيد من النظرة المحايدة بدلاً من السلبية نحو التقنية ومعناها لحياة الإنسان وثقافته. ومن الأمثلة البارزة: إهد (1979، 1993) وفيربيك (2000 [2005]).

استمرت فلسفة العلوم الإنسانية أثناء تطورها بالتأثر ليس فقط بالتطورات الفلسفية (فلسفة العلم، وفلسفة العمل، وفلسفة العقل) بل وبالتطورات في العلوم الاجتماعية والإنسانية أيضاً. فقد كان ظهور “دراسات العلوم والتقنية” (STS) في الثمانينيات من القرن الماضي ذا أهمية خاصة، والتي كانت تَدرسُ من منظور علمي اجتماعي واسع كيف تؤثر القيم الاجتماعية والسياسية والثقافية على البحث العلمي والابتكار التقني، وكيف تؤثر هذه بدورها على المجتمع والسياسة والثقافة. سنناقش بعض الجوانب من فلسفة التقنية الإنسانية في القسم الثالث حول “الجوانب الأخلاقية والاجتماعية للتقنية”، لكننا لن نقدِّم بشكل منفصل بالتفصيل الآراء العديدة والواسعة في هذا المجال. وللحصول على معالجة تفصيلية ونظرة شاملة مميزة يمكن مراجعة كتاب ميتشام “التفكير من خلال التقنية” (1994)، كما تقدم بيرج ألسن وسيلينجر وريس (2008) مجموعة من أحدث المساهمات في هذا المجال؛ كما عرض سكارف ودوسيك (2003) مختارات شاملة لعدة نصوص حول هذا الموضوع.

 

1.3 الغموض المتجذر في معنى التقنية

يقارن ميتشام “فلسفة التقنية الإنسانية” بـ “فلسفة التقنية الهندسية “، حيث تشير الأخيرة إلى وجهات النظر الفلسفية التي طورها المهندسون أو التقنيون على أنها “محاولات … لتطوير فلسفة تقنية” (1994: 17). لم يجد ميتشام سوى عدد قليل من فلاسفة التقنية الهندسية، من بينهم: إرنست كاب، وبيتر إنجلماير، وفريدريك ديساور، جاك لافيت، وجيلبرت سيموندون، وهيندريك فان ريسن، وخوان ديفيد جارسيا باكا، وآر بكمنستر فولر، وماريو بونج. إن التسمية بحد ذاتها تثير أسئلة جدية، مع ذلك: يصعب تصنيف العديد منهم على أنهم “مهندسون أو تقنيون”، كما أنه ليس من الواضح تمامًا كيف يمكن تحديد مفهوم “فلسفة التقنية”. وكفلاسفة، يبدو أن هؤلاء المؤلفين معزولون عن بعضهم إلى حد ما، فهناك القليل من التداخل في أعمالهم، ويبدو أنهم يشاركون بشكل أساسي غياب “علاقة عمل” مع التخصصات الفلسفية الراسخة. ليس من الواضح ما نوع الأسئلة والاهتمامات التي تكمن وراء فكرة “فلسفة التقنية الهندسية”. يمكن لدور أكبر للفلسفة النظامية أن يجعلها قريبة جدًا من بعض الأمثلة على غرار فلسفة التقنية الإنسانية، مثلاً أعمال جاك إلول، حيث كانت التحليلات متشابهة إلى حد ما والاختلافات المتبقية تعلقت بموقف أو تقدير ما.

في القسم التالي سنناقش بمزيد من التفصيل الصيغة الفلسفة التي يمكن اعتبارها بديلاً لـ فلسفة التقنية الإنسانية، والتي ظهرت في الستينيات واكتسبت زخمًا في الخمسة عشر إلى عشرين عامًا الماضية. هذه الصيغة من فلسفة التقنية، والتي يمكن تسميتها بـ”التحليلية”، لا تهتم في المقام الأول بالصِلات القائمة بين التقنية والمجتمع، ولكنها تهتم بالتقنية نفسها. لا تنظر إلى التقنية على أنها “صندوق أسود” بل كظاهرة تستحق الدراسة. كما تعتبر التقنية كممارسة، فهي في الأساس ممارسة هندسية. الصيغة الأخيرة من فلسفة التقنية تحلل الممارسة الهندسية بالنظر إلى أهدافها ومفاهيمها وأساليبها، وتربط نتائجها بموضوعات مختلفة من الفلسفة. بعد عرض القضايا الرئيسية ذات الصلة الفلسفية بالتقنية والهندسة سنناقش المسائل والتحديات التي تطرحها التقنية على المجتمع الذي تُمارس فيه، وذلك في القسم الثالث والأخير.

بالتركيز على ممارسة التقنية كما يؤديها المهندسون، وعلى غرار الطريقة التي تركز بها فلسفة العلم على ممارسة العلوم كما يؤديه العلماء، يمكن اعتبار فلسفة التقنية التحليلية بمثابة فلسفة هندسية. في الواقع، يمكن تمييز العديد من القضايا المتعلقة بالتصميم، والتي نوقشت أدناه في القسمين 2.3 و2.4، على أنها تشكل موضوع فلسفة هندسية. لكن القضايا الميتافيزيقية التي نوقشت في القسم 2.5 لم تستطع تشكيل موضوعاً للفلسفة، وبالتالي فإن فلسفة التقنية التحليلية هي أوسع بكثير من الفلسفة الهندسية. استعرضت هذه الفكرة إلى حدٍ بعيد في كتاب “فلسفة التقنية والعلوم الهندسية” (Meijers 2009)، وهو كتاب جامعي يعتبر بمثابة مقدمة في هذا المجال ويحتوي على نظرة عامة شاملة ومحدثة من المساهمات في جميع الموضوعات التي سنناقشها هنا (فيرماس وآخرون 2011).

يمكن القول أن التقنية لها “جوهران” أو “بُعدان”: الأداتية والإنتاجية. تُغطي الأداة مجمل المساعي البشرية للتحكم في حياتها وبيئاتها من خلال التدخل في العالم بطريقة آلية باستخدام الآلات بطريقة هادفة وذكية. أما الإنتاجية فتغطي مجمل المساعي البشرية لإيجاد أدوات جديدة يمكنها القيام بوظائف معينة بطريقة مُنضبطة وذكية.

 بالنسبة للأداتية، فمن حيث المبدأ لا يهم ما إذا كانت الأدوات التي نستخدمها للسيطرة على حياتنا وبيئاتنا قد صنعناها أولاً؛ أو إذا تمكنا بطريقة ما من الاعتماد على الأشياء الطبيعية لتكون متاحة دائمًا لخدمة أغراضنا، فهذا لن يؤثر على تحليل الأداة وعواقبها على الطريقة التي نعيش بها حياتنا بالضرورة. وبالمثل، بالنسبة لتحليل ما ينطوي عليه إنتاج المصنوعات (الإنتاجية) وكيفية فهم فكرة الأداة والشيء الجديد الذي يتم إحضاره إلى الوجود، فإن كيفية تغيير حياة الإنسان وثقافته ومجتمعه غير ذات صلة إلى حد كبير بالمنتجات التقنية التي أُنتجت في الواقع.

من الواضح أن فلسفة التقنية الإنسانية كانت حتى الآن أكثر انجذابًا إلى البُعد الأداتي بينما فلسفة التقنية التحليلية قد ذهبت أساسًا إلى البُعد الإنتاجي. لكن من الواضح أن التقنية كواحدة من الظواهر الأساسية للمجتمع الحديث، إن لم تكن أبسطها، تتشكل من خلال العمليات التي تتمحور حول كلا البُعدين وتشارك فيهما. ومع ذلك، فقد ثبت أنه من الصعب الوصول إلى نهج شامل يتم فيه التعامل مع التفاعل بين هذين البعدين للتقنية بشكل مناسب، ولا شك أن ذلك يرجع جزئيًا إلى الاختلافات الكبيرة في التوجه الفلسفي والمنهجية المرتبطة بالدراسات الفلسفية وبؤرهما المنفصلة. يمكن القول إن تحسين هذا الوضع هو التحدي الأكثر إلحاحًا الذي يواجه مجال فلسفة التقنية ككل، لأن استمرار انفصال الاتجاهين يهدد وحدة المجال وتماسكه كنظام في المقام الأول. على الرغم من مركزيتها وإلحاحها، يبدو أن الغموض الملحوظ هنا يصعب مجابهته بالأطروحات الحالية. عولجت هذه الفكرة بواسطة لاوسون (2017، 2008) وفرانسين وكوللير (2016).

بعد أن نعرض القضايا الرئيسية ذات الأهمية الفلسفية في التقنية والهندسة التي درسها فلاسفة التقنية التحليليون في القسم التالي، سنناقش المشكلات والتحديات التي طرحتها التقنية على المجتمع الذي تُمَارس فيه في القسم الثالث والأخير.

 

2. فلسفة التقنية التحليلية

2.1. مقدمة: فلسفة التقنية وفلسفة العلم بصفتهما فلسفتان للممارسة

قد تبدو تلك الاختلافات الكبيرة التي تفصل بين مجالي فلسفة العلم وفلسفة التقنية مفاجئةً للمستجدين على موضوعنا، وذلك نظراً لقلة الممارسات المجتمعية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعلوم والتقنية، كما أن العلم التجريبي في الوقت الحاضر يعتمد على التقنية من أجل تحقيق تجهيزاته البحثية وخلق الظروف الموائمة لملاحظة ظواهره.

أصبح البحث النظري في مجال التقنية غير قابل للتمييز في كثير من الأحيان عن البحث النظري في العلوم، مما يجعل العلوم ذات الطابع الهندسي متصلة إلى حد كبير مع العلم “المألوف” أو “البحت”. هذا تطور حديث نسبيًا، بدأ في منتصف القرن التاسع عشر تقريبًا، وهو مسؤول عن الاختلافات الكبيرة بين التقنية الحديثة والتقنيات التقليدية الشبيهة بالحِرَف.

يتطابق التدريب التعليمي الذي يتلقاه العلماء والمهندسون معاً إلى حد كبير، ثم ينفصل تدريجياً إلى منهجين فقط: علمي وهندسي. منذ الثورة العلمية في القرن السابع عشر، والتي تميزت بابتكاريها الرئيسيين: الطريقة التجريبية والتعبير الرياضي للنظريات العلمية، ركز التفكير الفلسفي نظره في العلم محاولاً تقفي الطريقة التي تتولد بها المعرفة العلمية، وتتبع منطق التفكير الخاص بصحة النظريات العلمية، وكذلك تفقُّد طبيعة الأدلة وأسباب قبول نظرية ما ورفض أخرى. نادرًا ما طرح فلاسفة العلم أسئلة لم يكن فيها مجتمع العلماء، أو اهتماماتهم، أو أهدافهم، أو حدسهم، أو حججهم أو اختياراتهم، هدفًا رئيسيًا لها. في المقابل، لم تكتشف فلسفة التقنية مجتمع المهندسين إلا مؤخرًا.

لا يُعد القول بأن فلسفة التقنية، وليس فلسفة العلم بالطبع، قد استهدفت أولاً وقبل كل شيء تأثير التقنية وعلومها على المجتمع والثقافة، بسبب أن العلم يؤثر على المجتمع من خلال التقنية فقط، تبريراً مُقنعاً. فمنذ بداية الثورة العلمية، أثر العلم على ثقافة الإنسان وفكره بشكل أساسي ومباشر دون الحاجة للمرور عبر التقنية، وينطبق الشيء نفسه على التطورات اللاحقة مثل النسبية والفيزياء الذرية وميكانيكا الكم ونظرية التطور وعلم الوراثة، والكيمياء الحيوية، والنظرة العلمية المسيطرة بشكل متزايد على العالم وبشكل شامل. من ذلك، يُعطي فلاسفة العلم انطباعًا صريحًا بأنهم يتركون تلك الأسئلة التي تتناول الجوانب المعيارية والاجتماعية والثقافية للعلم، برحابة صدر، للتخصصات الفلسفية الأخرى أو للدراسات التاريخية. ومع ذلك، هناك استثناءات، وقد تتغير الأمور؛ فقد كتب فيلسوف العلم البارز فيليب كيتشر، على سبيل المثال لا الحصر، كتبًا منذ عام 2000 عن علاقة العلم بالسياسة والأخلاق والدين.

هناك فرق كبير بين التطور التاريخي للتقنية الحديثة مقارنة بالعلم الحديث، الفرق الذي من شأنه أن يفسر هذا الموقف ولو جزئيًا، هو أن العلم ظهر في القرن السابع عشر من رحم الفلسفة نفسها. كانت الإجابات التي قدمها جاليليو وهويجنز ونيوتن وآخرون التي من خلالها بدأ تمييز العلم الحديث على أنه تحالف التجريبية والوصف الرياضي، كانت تلك الإجابات أجوبة على أسئلة تنتمي إلى جوهر اشتغال الفلسفة منذ العصور القديمة. لذلك، أبقى العلم انتباه أعين الفلاسفة عليه. فما فلسفة العلم إلا عبارة عن مرحلة تحوُّل في نظرية المعرفة الفلسفية في ضوء ظهور العلم. فالقضايا الأساسية كحقيقة الذرات، وحالة السببية والاحتمال، وأسئلة المكان والزمان، وطبيعة العالم الكمي التي نوقشت بشكل حيوي خلال نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ما هي إلَّا أمثلة لهذه العلاقة الوثيقة بين العلماء والفلاسفة. في المقابل، لا وجود لمثل هذه العلاقة الحميمة بين هؤلاء الفلاسفة والتقنيين؛ فلا تزال عوالمهم بالكاد تتلامس.

للتأكيد، يمكن إثبات، مقارنةً بالتواصل الموجود بين الفلسفة الطبيعية والعلم، وجود تواصل مماثل بين الأسئلة الفلسفية المركزية ذات العلاقة بالعمل البشري والعقلانية العملية وبالطريقة التي تعالج بها التقنية مشاكلها العلمية وتعيد تنظيمها. ولاستقصاء هذا الارتباط سوف نناقشه بمزيد من التفصيل في القسمين 2.3 و2.4، باعتباره موضوعًا رئيسيًا من موضوعات فلسفة التقنية. بدا هذا التواصل من خلال الإدراك المتأخر الخافت، فالتطور التاريخي لـ فلسفة التقنية في معظمه عبارة عن التقاء بطيء لمختلف خيوط التفكير الفلسفي حول الفعل والعقلانية، وليس تفرعاً من أصل واحد كما هو بين الفلسفة والعلم. من الجدير بالملاحظة، أن إلول هو الأكاديمي الوحيد الذي أدرك، بطريقته الخاصة، أن التقنية يمكن أن تحتوي في داخلها على الطريقة الوحيدة الشاملة للإجابة على جميع الأسئلة المتعلقة بموضوع الفعل البشري، والتي يمكن مقارنتها بالعلم باعتباره الطريقة الوحيدة الشاملة للإجابة على جميع الأسئلة المتعلقة بموضوع المعرفة البشرية (Ellul 1964 ). لكن إلول لم يكن مهتمًا بالتحقيق في هذه العلاقة بقدر اهتمامه بتأكيد واستنكار العواقب الاجتماعية والثقافية للتقنية. ومن المهم للغاية الإشارة إلى أن فلسفة التقنية الإنسانية لا يمكن تمييزها عن فلسفة التقنية التحليلية من خلال الادعاء بأن الأولى هي الوحيدة المهتمة بالبيئة الاجتماعية للتقنية. فهناك دراسات متجذرة في الفلسفة التحليلية للعلوم تتناول على وجه التحديد علاقة التقنية بالمجتمع والثقافة، وكذلك بالعلاقات الاجتماعية الخاصة بممارسة التقنية، دون اتخاذ موقف تقييمي فيما يتعلق بالتقنية؛ مثال على ذلك (بريستون 2012).

 

2.2. العلاقة بين التقنية والعلم

قد تخفي العلاقة الوثيقة بين ممارسات العلم والتقنية ما بينهما من اختلافات مهمة وتجعلها بعيدةً عن الأنظار. إن الوضع المهيمن للعلم في مجال الرؤية الفلسفية جعل من الصعب على الفلاسفة إدراك أن التقنية تستحق اهتمامًا خاصًا يؤهلها لاعتبار قضاياها قضايا مستقلة عن العلم. غالبًا ما يُقدَّمُ هذا الرأي، ربما بشكل كبير، من مُنكري الادعاء بأن التقنية ما هي إلَّا “مجرد” علم تطبيقي.

كان التساؤل عن علاقة العلم بالتقنية هو القضية المركزية في واحدة من بواكير مناقشات فلاسفة التقنية التحليليين. في عام 1966، في عدد خاص من مجلة التقنية والثقافة، قدَّم هنريك سكوليموفسكي حججه لدعم فكرة أن التقنية شيء مختلف تمامًا عن العلم (Skolimowski 1966). وصاغها بالتالي: يهتم العلمُ بما هو “كائن”، بينما تهتم التقنية بما “يجب أن يكون”. بعد بضع سنوات، في كتابه المعروف “علوم المُصطنع” (1969)، أكد هربرت سيمون على هذا التمييز المهم بالكلمات نفسها تقريبًا، مشيرًا إلى أن العالِم يهتم بكيفية سير الأمور، لكن المهندس يهتم بالكيفية التي يجب أن تعمل بها الأشياء أو تكونها. برغم صعوبة تخيل أن الفلاسفة السابقين كانوا لا يرون هذا الاختلاف، إلا أن ميلهم، ولا سيما في المدرسة التجريبية الإمبريقية، إلى النظر إلى المعرفة كنظام من البيانات ربما أدى إلى الاقتناع بأن المعرفة المتضمنة في التقنية لا تلعب دوراً لا يمكن العثور عليه أيضًا في العلوم. لذلك، لم يكن من المتوقع أن تطرح دراسة التقنية تحديات ولا مفاجآت جديدة فيما يتعلق بمصالح الفلسفة التحليلية.

في المقابل، دافع ماريو بونجي (1966) عن وجهة النظر القائلة بأن التقنية هي علم تطبيقي، ولكن بطريقة حاذقة تنصف الاختلافات الموجودة بين العلم والتقنية. يقر بونجي بأن التقنية تدور حول الفعل، لكنها فعل تدعمه النظرية بشدة، وهذا هو ما يميز التقنية عن الفنون والحِرف اليدوية ويضعها على قدم المساواة مع العلم. وفقًا لبونجي، تأتي النظريات في التقنية في نوعين: النظريات الموضوعية، التي توفر المعرفة حول موضوع الفعل، والنظريات العملية، التي تهتم بالفعل نفسه. النظريات الموضوعية للتقنية هي في الواقع إلى حدٍ كبير عبارة عن تطبيقات للنظريات العلمية. وعلى النقيض من ذلك، فإن النظريات العملية لا تسبقها نظريات علمية ولكنها تتولد أثناء البحث التطبيقي نفسه. ومع ذلك، كما يدعي بونجي، تُظهر النظريات العملية في اعتمادها على العلم أنها معتمدة على الطرائق العلمية. يتضمن ذلك، مثلاً، استخدام خاصيتي النمذجة والتمثيل المثالي، واستخدام المفاهيم النظرية والتجريدية، وتعديل النظريات عن طريق استيعاب البيانات التجريبية من خلال التنبؤ وإعادة التوقع.

رداً على هذا الدفاع، اقترح إيان جارفي (1966) أسئلة مهمة على فلسفة التقنية مُتسائلاً عن الحالة المعرفية للبيانات التقنية وطريقة تمييزها عن البيانات العلمية. لذا فهو يَقترح إجراء دراسة شاملة معمقة للأنماط المعرفية المختلفة التي تحدث في العمليتين (التقنية والعلمية). ونظرًا لأن المعرفة العلمية قد تم بالفعل دراستها على نطاق واسع، لذا يجب التوجيه بدراسة أنماط المعرفة التي تتميز بها التقنية عن العلم، أو تلك التي تبدو أهميتها أقل بكثير بالنسبة للعلم.

تم التمييز بين “معرفة ذلك”، وهي المعرفة الافتراضية التقليدية، و”معرفة كيف”، وهي المعرفة غير المفصلة وحتى من المستحيل التعبير عنها، بواسطة جيلبرت رايل (1949) في سياق مختلف. فكرة “معرفة كيف” تبناها مايكل بولاني تحت اسم المعرفة الضمنية، وجعلها السمة المركزية للتقنية (Polanyi 1958)؛ ستُقدَّم الحالة الحالية للنقاش الفلسفي في مدخل هذه الموسوعة حول كيفية المعرفة. ومع ذلك، فإن التأكيد المفرط على دور المعرفة غير المفصلية، أو “القواعد الإرشادية” كما يطلق عليها غالبًا، يقلل بسهولة من أهمية الأساليب العقلانية في التقنية. قد يكون التركيز على المعرفة الضمنية (المضمرة) أيضًا غير مناسب للتمييز بين ممارسات العلم والتقنية لأن دور المعرفة الضمنية في العلم قد يكون أكثر أهمية مما تعترف به فلسفة العلم الحالية (مثلاً: في استنتاج العلاقات السببية على أساس الدليل التجريبي). كان هذا أيضًا موضوعًا مهمًا في كتابات توماس كون حول تبدُّل النظرية العلمية (Kuhn 1962).

 

2.3 مركزية التصميم في التقنية

قد يكون الادعاء المقدم من قبل سكوليموفسكي وسيمون بأن التقنية تدور حول “ما يكون؟” أو “ما يجب أن يكون” بدلاً من “ما هو كائن” مفيدًا لتمييزها عن العلم، إلا أنهُ بالكاد يجعله مفهومًا في حالة البحث عن إجابة لسؤال: لماذا نحا أغلب التفكير الفلسفي في التقنية إلى شكلٍ من أشكال النقد الاجتماعي والثقافي. التقنية هي محاولة مستمرة لتقريب العالم إلى ما يتمناه الأنسان، ففي الوقت الذي يهدف فيه العلم إلى فهم العالم كما هو (“ما هو كائن”)، تهدف التقنية إلى تغيير العالم. هذه أفكار مجردة بالطبع. لكن، مَن يا تُرى يمكن أن يهتم بتحقيق الرغبة المتعلقة بـ”كيف يجب أن يكون العالم” في مجال التقنية؟ بخلاف العلماء الذين غالباً ما يكون لديهم دافعهم الخاص لوصف وفهم العالم، قد تكون الإجابة هي: المهندسون، فهم الذين يحاولون تغيير العالم ليس من أجل أنفسهم بل من أجل خدمة العامة. تعتبر الأفكار المتعلقة بـ”ما يكون” أو بـ”ما يجب أن تكون” ناشئة من خارج التقنية نفسها؛ ثم يأخذ المهندسون على عاتقهم تحقيق هذه الأفكار. يُعد هذا الرأي مصدرًا رئيسيًا للصورة المنتشرة على نطاق واسع حول التقنية باعتبارها وسيلة؛ كتوصيل الأدوات المطلوبة من “مكان آخر”، أو كوسيلة لتحقيق غايات محددة خارج نطاق الهندسة، وهي الصورة التي ساعدت بشكل أكبر على دعم الادعاء بأن التقنية محايدة فيما يتعلق بالقيم، سنناقش هذا الرأي في القسم 3.3.1. لكن هذا الرأي ينطوي على تشويه كبير للواقع. فالعديد من المهندسين لديهم دوافع جوهرية (ذاتية) لتغيير العالم؛ وذلك أثناء تقديمهم لأفكارهم التطويرية إلى عملائهم. ينطبق هذا الأمر على معظم الشركات الصناعية، لا سيما في اقتصاد السوق، حيث يكون احتمال تحقيق أرباح كبيرة حافزًا قويًا آخر. ونتيجة لذلك، فإن الكثير من التطور التقني حدَث “مدفوعًا بالتقنية” نفسها.

إن فهم من “أين أتت” التقنية، ومعرفة الدافع من وراء عملية الابتكار، هو أمر مهم للذين لديهم فضول لفهم ظاهرة التقنية نفسها، وكذلك لأولئك الذين يهتمون بدورها في المجتمع. التقنية هي ممارسة تركز على ابتكار المُنتجات الصناعية ذات الأهمية العالية والخدمات القائمة عليها. تشكل عملية التصميم وهي العملية المنظمة التي تؤدي إلى هدفٍ ما جوهر ممارسة التقنية. في الأدبيات الهندسية، تُمثَّل عملية التصميم بشكل عام على أنها سلسلة من الخطوات المتعدية؛ راجع على سبيل المثال سوه (2001). تبدأ عملية التصميم بتحديد احتياجات العميل أو رغباته. في الخطوة الأولى، تُترجم هذه الاحتياجات إلى قائمة من المتطلبات الوظيفية، والتي ستحدد بعد ذلك مهمة التصميم التي يتعين على المهندس أو فريق المهندسين إنجازها. تَصِفُ المتطلبات الوظيفية، بأكبر قدر ممكن من الدقة، ما يجب أن يكون الجهاز المراد تصميمه قادرًا على القيام به. هذه الخطوة مطلوبة لأن العملاء عادةً ما يركزون على ميزة واحدة أو اثنتين فقط ولا يمكنهم توضيح المتطلبات الضرورية اللازمة لدعم الوظيفة التي يرغبون فيها. في الخطوة الثانية، تُترجم المتطلبات الوظيفية إلى ما يسمى بمواصفات التصميم، التي من خلالها تُلبى المعايير المادية الدقيقة للمكونات الأساسية التي ستوفى بواسطتها المتطلبات الوظيفية. بعدها تُضم وتُعدَّل معايير التصميم بحيث ينتج عن هذه العملية مُخطط للإنتاج (برنامج عملي). يحتوي المُخطط على جميع التفاصيل اللازم معرفتها لإتمام عملية تصنيع الجهاز بشكل نهائي. من المُغري اعتبار أن المُخطط هو النتيجة النهائية لعملية التصميم بدلاً من النسخ النهائية للجهاز، إلَّا أن النسخ الحقيقية للجهاز هي الضرورية فعلياً لغرض إنشاء النماذج الأولية والاختبار. تفترض عمليتي النمذجة الأولية والاختبار أن الخطوات المتسلسلة التي تتكون منها عملية التصميم يمكن أن تخضع، في كثير من الأحيان، إلى المراجعة والتصحيح وبالتالي تؤدي، أيضاً، إلى مراجعة لمعايير التصميم و / أو المتطلبات الوظيفية. لذا، وهذا ينطبق بالتأكيد على الإنتاج الضخم، فإن مرحلة تصنيع المُنتج وتسليمه إلى العميل أو طرحه في الأسواق تأتي بعد إنهاء مرحلة التصميم. إلا أنه غالبًا ما ينعكس ما يحدث أثناء عملية التصنيع على المتطلبات الوظيفية للجهاز، مثلاً، كوضع قيود على عدد المكونات المختلفة التي يحتويها الجهاز. كما أن سهولة الصيانة غالباً ما تكون مطلبًا وظيفيًا أيضًا. يتمثل أحد التطورات الحديثة المهمة في أن دورة الحياة الكاملة للمُنتج تُعتبر الآن من اهتمامات المهندس المصمم، وكذلك المراحل النهائية لإعادة التدوير والتخلص من مكونات المُنتج ومواده، لذا يجب أن تحتوي المتطلبات الوظيفية لأي جهاز هذه المطالب. لذا، ومن وجهة النظر هذه، لا يمكن اعتبار أي مخطط أو نموذج أولي هو مُنتجاً نهائياً لعملية التصميم الهندسي.

يمكن القول أن أكبر عملية نمذجة ضمن مخطط عملية التصميم تكون في بداية عملية التصميم. فقط في عدد قليل من الحالات، تنشأ مهمة أكبر بسبب حاجة أو رغبة لاحقة للعميل. بادئ ذي بدء، وكما أُقترح، تُحدد العديد من مهام التصميم من قبل المهندسين أنفسهم، مثلاً من خلال ملاحظة شيء ما يجب تحسينه في المنتجات الحالية. غالباً ما يبدأ التصميم بمشكلة التفتتْ لها جهة اجتماعية، ثم يُدعى المهندسون لحلها. مع ذلك، فإن العديد من هذه المشاكل المقدمة من الجهات الاجتماعية تبدو مشاكل غير محددة بشكل كافٍ، مما يعني أنه ليس من الواضح على الإطلاق ما هي المشكلة بالتحديد وما هو حلها. “المشكلة” هي عبارة عن حالة (أو موقف) من انعدام الرضا، وليس بالضرورة أن يكون غير الراضين في قلب هذه الحالة أو الموقف، لكنهم عادةً غير قادرين على تحديد موقف ما، آخر، أكثر إرضاءً مما هم عليه، فليس واضحاً لهم أن حل المشكلة سيتطلب توفير مُنتجاً أو تثبيت نظاماً أو عملية. تدعي الأقسام الهندسية في جميع أنحاء العالم أن الهندسة هي القادرة على حل المشكلات، ويبدو بوضوح أن المهندسين واثقين من أنهم مؤهلون جيداً لحل أي مشكلة عندما يُطلب منهم ذلك، مهما كانت طبيعة المشكلة. علاوة على ذلك، تميل السياسة إلى دعم المهندسين في هذا الموقف. وقد أدى ذلك إلى ظاهرة الإصلاح التقني، وهي حل المشاكل من خلال التقنية، أي توفير نظام أو عملية اصطناعية، مما يطرح السؤال: هل المُقترح سيحل المشكلة؟، أو هل هناك طريقة أفضل للتعامل معها؟

من أمثلة الإصلاح التقني ما هو مطروح لحل مشكلة الاحتباس الحراري، فالخيار الذي يُناقش كثيرًا حاليًا هو حقن رذاذ الكبريتات في طبقة الستراتوسفير لتعويض تأثير الغازات المسببة للاحترار مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان. لمناقشة التثبيت التقني راجع على سبيل المثال فولتي (2009: 26-32). بمراجعة هذا الموقف ومخاطره، فإن فكرة المشكلة وتصنيف المشكلات يستحقان اهتمامًا فلسفيًا أكثر مما تتلقاه حتى الآن.

غالبًا ما تكون هذه المشاكل المزعجة للمجتمع مشاكل واسعة النطاق، ويفضل مواجهتها من خلال شكل من أشكال التدخل الاجتماعي. ودفاعًا عن وجهة النظر الهندسية، ربما يمكن القول إن ذخيرة الحلول الموثوقة للتدخل الاجتماعي ضئيلة. من وجهة نظر المهندسين، يمكن التغلب على إغراء الإصلاح التقني من خلال إدراج العلوم الاجتماعية في التطوير المنهجي وتطبيق المعرفة لحل المشكلات البشرية. ومع ذلك، فإن هذا الرأي مثير للجدل. فبالنسبة للكثيرين فإن الهندسة الاجتماعية يجب أن تبقى بعيدةً قدر الإمكان بدلاً من تبنيها كهدف لتحقيقه. أشار كارل بوبر إلى أن الطريقة المقبولة لتنفيذ التغيير الاجتماعي هو عبر “هندسة اجتماعية متدرجة”، مقارناً إياها بالطرق الثورية التي لا أساس لها من الصحة والتي تنادي بها الماركسية على سبيل المثال. ومع ذلك، بناءً على هذا المدخل من الموسوعة عن كارل بوبر فإن اختياره للكلمات يمكن أن يقال عنه أنه “مؤسف إلى حد ما”. يستحق هذا الموضوع أيضًا مزيدًا من الاهتمام الذي يبدو أنه يتلقاه حاليًا.

تعتبر المعرفة العلمية من المساهمات المهمة في عملية التصميم: معرفة سلوك المكونات والمواد المكونة لها في ظروف محددة. عند هذه النقطة يُطَّبق العلم. ومع ذلك، فإن الكثير من هذه المعرفة غير متاحة بشكل مباشر من العلوم، لأنها تتعلق غالبًا بسلوكيات مفصلة للغاية في ظروف محددة للغاية. لذلك غالبًا ما تُنتج هذه المعرفة العلمية داخل التقنية عن طريق العلوم الهندسية. ولكن بصرف النظر عن هذه المعرفة العلمية المحددة للغاية، يتضمن التصميم الهندسي أنواعًا أخرى مختلفة من المعرفة. في كتابه “ما يعرفه المهندسون وكيف يعرفونه” (Vincenti 1990) ، قدم مهندس الطيران والتر فينسنتي تصنيفًا سداسيًا للمعرفة في التصميم الهندسي (مع ترك الإنتاج والتشغيل جانبًا كمكونين أساسيين آخرين لممارسة الهندسة). يميز فينسنتي   بين (فئات):

  1. مفاهيم التصميم الأساسية، بما في ذلك في المقام الأول مبدأ التشغيل والتكوين القياسي لجهاز معين؛

  2. المعايير والمواصفات؛

  3. أدوات نظرية؛

  4. البيانات الكمية؛

  5. اعتبارات عملية؛

  6. أدوات التصميم.

التصنيف الرابع في النقاط أعلاه يتعلق بالمعرفة الكمية، والثالث بالأدوات النظرية المستخدمة بهدف اكتساب تلك المعرفة. يمكن افتراض أن هاذين التصنيفين يتطابقان مع فكرة بونجي عن النظريات التقنية الموضوعية. ومع ذلك، فإن حالة التصنيفات الأربعة المتبقية أقل وضوحًا بكثير، ويرجع ذلك جزئيًا لكونها غير معروفة، أو أنها ليست على الإطلاق مُستنتجة من سياق العلم الذي تم استكشافه. من بين هذه التصنيفات، كما يدعي فينسنتي، هناك ما يُمثل شكلاً إرشادياً للمعرفة بدلاً من الشكل الوصفي. هنا، يقدم فعل التصميم عنصرًا معياريًا غائبًا عن المعرفة العلمية. خذ مثلاً مفهوم “مبدأ التشغيل” الأساسي، والذي يشير إلى الطريقة التي تتحقق بها وظيفة الجهاز، أو باختصار “كيف يعمل”، في هذه المرحلة لا تزال الفكرة في طورها الوصفي البحت. بعد ذلك، سيلعب هذا المبدأ دورًا في النقاشات التي تسعى إلى وصف مسار عمل لشخص ما لديه هدف يمكن تحقيقه من خلال تشغيل الجهاز. في هذه المرحلة، يتغير الموضوع من الطور الوصفي إلى الطور الإلزامي أو المعياري.

برغم أن مبدأ التشغيل، وهو مصطلح يبدو أنه أُصيغَ على يد بولاني Polanyi (1958) هو أمر أساسي في التصميم الهندسي، إلا أنه لا يبدو أنه يوجد تعريف وحيد واضح له. لذا فإن مسألة فك التشابك الوصفي عن الجوانب الإلزامية في تحليل الإجراء الفني ومكوناته هي مهمة لم تبدأ بعد. تتطلب هذه المهمة رؤية واضحة لحدود ونطاق التقنية. إذا اتبعنا جوزيف بيت في كتابه “التفكير في التقنية” (2000)، الذي عرّف التقنية على نطاق واسع بأنها “الإنسانية في العمل”، تصبحُ مهمة التمييز بين الفعل التقني والعمل بشكل عام أصعب، عندها يجب أن تستوعب دراسة الفعل التقني كل ما هو وصفي ومعياري ضمن نظريات الفعل، وكذلك النظرية العقلانية العملية، والكثير من علم الاقتصاد النظري في أعقابها. كانت هناك بالفعل محاولات للوصول إلى مثل هذه النظرة الشامل للفعل البشري كما قُدِّمَ في كتاب تاديوس كوتاربنسكي Praxiology (1965)، لكن هذه النظر الشاملة تعيق الوصول إلى نتائج ذات عمق كافٍ. سيكون تحديًا للفلسفة أن تحدد الاختلافات المميزة بين أشكال العمل والأسباب المنطقية التي تؤسِّس لها بهدف التمييز بين ثلاث ممارسات بارزة: التقنية، والتنظيم والإدارة، والاقتصاد.

نجد محاولة أكثر تقييدًا لمثل هذا النهج عند إلكا نينيلوتو (1993). وفقًا لـنينيلوتو، فإن الإطار النظري للتقنية باعتبارها الممارسة التي تهتم بـ “ما يجب أن يكون” عليه العالم بدلاً من “ما هو كائن” هو علم التصميم، وذلك باعتبار أنه الإطار المقابل للإطار الوصفي للعلوم. محتوى علم التصميم، وهو المقابل للنظريات والتفسيرات التي تشكل محتوى العلم الوصفي، سيتشكل من خلال المعايير التقنية، ومن تعابير الصيغة “إذا أراد المرء تحقيق س، فيجب على المرء أن يفعل ص”. انبثقت فكرة المعيار التقني من كتاب “المعايير والعمل” لجورج هنريك فون رايت (1963). يجب التفريق بين المعايير الفنية عن العبارات التي تعبر عن الضرورة الطبيعية كتعبير: “إذا أُريد تحقيق س، فيجب القيام بـ ص”، فالأخير ذو قيمة حقيقية ولكن الأول لا قيمة له. لكن فون رايت نفسه كتب أنه لا يفهم العلاقات المتبادلة بين هذه التعابير. ترتبط الأفكار حول ماهية علم التصميم و”ما يمكن” و “ما ينبغي أن يكون عليه” ارتباطًا واضحًا بالمجال الواسع لمشكلة العقلانية العملية – راجع مدخلات هذه الموسوعة حول العقل العملي والعقلانية الأداتية – كما ترتبط أيضًا بمنطق الوسيلة والغايات، الذي سيناقش في القسم التالي.

 

2.4 القضايا المنهجية: التصميم كعملية صنع قرار

التصميم هو نشاط يخضع للتدقيق العقلاني، لكن الإبداع يلعب دورًا مهمًا فيه أيضًا. ونظرًا لأن التصميم هو شكل من أشكال العمل (نشاط)، أي سلسلة منظمة من القرارات للمضي قدمًا بطريقة ما دون أخرى، فإن شكل العقلانية المرتبط به هو العقلانية العملية، العقلانية التي تتضمن معايير حول كيفية التصرف، في ظل ظروف معينة. يشير هذا إلى تقسيم واضح للعمل بين الدور الذي يجب أن يلعبه التدقيق العقلاني والدور الذي يجب أن يلعبه الإبداع. فنظريات الفعل العقلاني تتصور وجود حالة من التخير بين مسارات عمل مختلفة أمام الفاعل (the agent). تتعلق العقلانية بمسألة كيفية اتخاذ القرار من بين هذه الخيارات، بينما يتعلق الإبداع بتوليد هذه الخيارات. يشبه هذا التمييز التمييز القائم بين سياق التبرير وسياق الاكتشاف في العلم. ومع ذلك، فإن الاقتراح المرتبط بهذا التمييز، وهو أن الفحص العقلاني ينطبق فقط في سياق التبرير، يصعب تأييده في حالة التصميم التقني. إذا نُفِّذت المرحلة الإبداعية الأولية لتوليد الخيارات بطريقة محددة بدقة، فإن نتيجة مهمة التصميم لا يمكن أن تكون مرضية. على عكس حالة العلم، حيث لا تؤخذ العواقب العملية الجانبية عن نظرية ما في الاعتبار، فسياق الاكتشاف في مجال التقنية محكوم بقيود شديدة من الوقت والمال، لذا يبدو أن تحليل المشكلة هو أفضل طريقة للتقدم. هناك شيء من العمل الفلسفي المنجز في هذا الاتجاه كلمحة عامة قدمها كروس وفرانسين وبوتشياريلي (2009).

إن أفكار هربرت سيمون حول العقلانية المُقيدة (راجع مثلاً: سيمون 1982) ذات صلة هنا، لأن القرارات المتعلقة بموعد التوقف عن توليد الخيارات وجمع المعلومات حول هذه الخيارات ونتائجها تعتبر لحظة حاسمة، إذ يجب تجنب الإجهاد المعلوماتي والعسر الحسابي. ومع ذلك، فقد ثبت أنه من الصعب تطوير أفكار سيمون حول العقلانية المقيدة. فكرة أخرى ذات صلة هنا وهي منطق الوسائل والغايات. فمن أجل أن تكون الفكرة مفيدة هنا يجب أن ألَّا تُحصر نظريات التفكير بالوسائل والغايات اشتغالها بتقييم الوسائل فيما يتعلق بقدرتها على تحقيق غايات معينة، بل وبتوليد أو بناء الوسائل لغايات معينة. رغم أن الفكرة ليست مكتلمة بعد؛ إلّا أننا يمكننا مراجعة بعض الاقتراحات حول كيفية تطوير التفكير في الوسيلة والغايات في سياق المصنوعات التقنية، راجع ) كروس وزوارت وهيوز 2007).

في ممارسة التقنية، عادة ما تؤخذ المقترحات البديلة لتحقيق وظائف معينة من ما تُسمى بـ”فهارس” الإنجازات القائمة والمتحققة. تُوسَّع هذه الفهارس من خلال البحث المستمر في التقنية وليس تحت إشراف مهام تصميمية معينة.

عندما يُنظر إلى التصميم الهندسي على أنه عملية صنع قرار تحكمها اعتبارات العقلانية العملية، فإن الخطوة التالية هي تحديد هذه الاعتبارات. تتصورها جميع نظريات العقلانية العملية تقريبًا كعملية تفكير حيث يُبحث عن تطابق بين المعتقدات والرغبات أو الأهداف. تُمثَّلُ الرغبات أو الأهداف من خلال قيمتها أو فائدتها بالنسبة لصانع القرار، ومهمة صانع القرار هي اختيار الحالة التي سيتحقق منها أكبر قيمة أو فائدة من بين جميع الحالات التي يمكن تحقيقها. وإذا كان هناك شكٌّ فيما يتعلق بالحالات التي ستتحقق من خلال إجراء معين، تكون مهمة صانع القرار هي كيفية تحقيق أقصى قيمة أو فائدة متوقعة.

يُشير المنظور الأداتي للتقنية إلى أن القيمة التي هي محل خلاف من منظور عملية التصميم، التي يُنظر إليها على أنها عملية صنع قرار عقلاني، ليست في قيمة المُنتج ذاته، فهذه القيمة الذاتية هي ضمن مجال مستخدمي التقنية، الذين من المفترض أن يُمثَّلوا أثناء تحديد المتطلبات الوظيفية التي سوف تحدد مهمة التصميم. وبدلاً من ذلك، فإن القيمة التي يجب تعظيمها هي المدى الذي يلبي فيه تصميم معين المتطلبات الوظيفية المُحددة. من هذا المنطلق، يتشارك المهندسون في الاعتقاد بفكرة أن التصميم الهندسي، بمنظور شامل، ما هو إلا ممارسة للتحسين. ولكن على الرغم من أن التحسين هو مفهوم موجه نحو القيمة، إلا أنه لا يُنظر إليه كقيمة توجِّه عملية التصميم الهندسي.

المتطلبات الوظيفية التي تُحدد معظم مسائل التصميم لا تُحدد صراحة ما يجب تحسينه؛ عادة ما يضعون المستويات التي يجب بلوغها بالحد الأدنى. ثم يعود الأمر للمهندس ليختار إلى أي مدى يمكنه أن يتخطى متطلبات الحد الأدنى. غالبًا ما تكون الكفاءة هي ذات القيمة العليا، كالكفاءة في استهلاك الطاقة واستخدام المواد. ولكن تحت ضغط المجتمع، دُمجت قيم أخرى، ولا سيما السلامة، ومؤخرًا، الاستدامة. في بعض الأحيان يُزعم أن هدف المهندسين الأوحد هو النجاح في السوق. ومع ذلك، هذا النجاح لا يمكن تقييمه إلا بعد طرح المنتج في الأسواق. وبدلاً من ذلك، ستتوجه جهود المهندسين إلى تعظيم ما تُعتبر عوامل تنبئُ بالنجاح في السوق. إن تلبية المتطلبات الوظيفية والكفاءة والأمان النسبيين هو أكثر مما يمكن أن يُرشح للمهندسين في هذه المرحلة، غير أن الأساليب الإضافية المعتمِدة على أبحاث السوق قد تضع عوامل إضافية أو قد تؤدي إلى تشكيل تسلسل هرمي جديد لمجموعة من العوامل.

إن قرار اختيار واحدٍ من خيارات التصميم بحيث يلبي إلى أقصى حد جميع المتطلبات الوظيفية (التي قد يطلبها المستخدم المحتمل، ولكن قد لا يحتاجها) وجميع الاعتبارات والمعايير الأخرى ذات الصلة، يؤدي إلى نشوء مشكلة في اتخاذ القرار العملي يتعين حلها في مرحلة التصميم الهندسي، الأمر الذي يخلق العديد من المشاكل المنهجية. والأهم من ذلك أن المهندس يواجه مشكلة متعددة المعايير في اتخاذه للقرار؛ تأتي المتطلبات المختلفة مع عمليات التشغيل الخاصة بها من حيث معايير التصميم وإجراءات القياس لتقييم أدائها. ينتج عن هذا عدد من أنظمة الترتيب أو المقاييس الكمية التي تُقدم الخيارات المختلفة المُتاحة للاختيار. وتتمثل المهمة في الخروج بنتيجة نهائية تُطرح فيها جميع هذه النتائج “بشكل مناسب”، بحيث يمكن اعتبار الخيار الذي يحقق أفضل النتائج هو الحل الأمثل لمشكلة التصميم.

يصف المهندسون هذه الحالة بأنها حالة يجب فيها إجراء مقايضات: عند الحكم على ميزة أحد الخيارات بالنسبة إلى الخيارات الأخرى، يمكن موازنة الأداء السيئ نسبيًا على معيار واحد بأداء جيد نسبيًا على معيار آخر. تتمثل إحدى الواجبات المهمة في إمكانية صياغة طريقة منطقية للقيام بذلك. لقد دافع فرانسن (2005) عن فكرة أن هذه المشكلة تشبه هيكليًا مشكلة الاختيار الاجتماعي المعروفة، والتي أثبت كينيث أرو استحالتها نظرياً في عام 1950، مما يعني أنه لا توجد طريقة لحل عقلاني عام لهذه المشكلة، الأمر الذي يطرح شكوك مهمة حول ادعاء المهندسين بأن تصاميمهم تمثل الحلول المثلى، لأن نظرية أرو تشير إلى أنه في مشكلة المعايير المتعددة لا يمكن تعريف مفهوم “الأمثل” بدقة.

يبدو أن هذه النتيجة تستثني من التدقيق الفلسفي جانبًا حاسمًا من النشاط الهندسي، ويمكن استخدامها للدفاع عن الرأي القائل بأن الهندسة -إلى حدٍ ما- فن وليس علمًا. مع ذلك، بدلاً من الاستسلام لهذه النتيجة التي لها أهمية تمتد إلى ما هو أبعد من الهندسة قد تصل إلى فكرة اتخاذ القرار بشكل عام، ربما علينا أن نستنتج بدلاً من ذلك أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين علينا القيام به بشأن ما يمكن تسميته -مؤقتًا- نمط التفكير “التقريبي” (المنطق التقريبي). أحد أنماط التفكير التي يجب تضمينها هنا هو العقلانية المحدودة لهيربرت سيمون، بالإضافة إلى الفكرة ذات الصلة بـ “الإرضاء”. فمنذ تقديم هاذين النمطين في الخمسينيات (سيمون 1957)، وجدا استخدامًا واسعًا، رغم أننا ما زلنا نفتقر إلى نظرية عامة للعقلانية المحدودة. قد يكون من طبيعة أشكال التفكير التقريبي مثل العقلانية المحدودة عدم وجود نظرية عامة لها، ولكننا إلى الآن نفتقر إلى المعالجة المنهجية التي يمكن أن تنبثق منها مثل هذه الفكرة.

هناك مشكلة أخرى من منظور موضوع اتخاذ القرار في التصميم الهندسي وهي أن معظم عمليات التصميم في التقنية الحديثة تُنفذ بواسطة فرق العمل. تتكون هذه الفرق من خبراء من تخصصات مختلفة. لكل تخصص نظرياته الخاصة، ونماذج ترابط خاصة به، ومعاييره الخاصة للتقييم، وما إلى ذلك، ويجب اعتبار هؤلاء المتخصصين كمستوطنين في عوالم مختلفة، كما عبَّر عنها لويس بوتشياريلي (1994). لذلك، أثناء التداول، من المحتمل أن يختلف أعضاء الفريق حول التصنيفات والتقييمات النسبية لخيارات التصميم المختلفة. والاتفاق على خيار واحد كأفضل خيار بشكل عام يُحتمل التوصل له، ولو بشكل أقل، عن طريق خوارزمية تجسد العقلانية الهندسية. بدلاً من ذلك، فإن نماذج التفاعل الاجتماعي قد تكون ذات صلة في هذا الشأن كالمساومة والتفكير الاستراتيجي. يقدم فرانسن وبوتشياريلي (2004) مثالاً لهذا النهج لحل مشكلة تصميم مجردة.

من وجهة نظر العقلانية العملية أو الأداتية، فإن النظر إلى التصميم التقني كعملية صنع قرار هو شكل من أشكال النظر المعياري، كما يُعد وصفًا من حيث إنه وصفٌ تَعرضُهُ المنهجية الهندسية بشكل عام في مسألة كيفية حل مشكلات التصميم. من هذا المنظور الفوقي إلى حد ما، هناك مجال لكل أنواع الأسئلة المعيارية التي لم يتم تناولها هنا، مثل: هل يمكن اعتبار أن المتطلبات الوظيفية التي تُحدد مسألة التصميم تمثل بشكل مناسب قيم المستخدمين المحتملين للمنتوجات وللتقنية؟، أو بأي طرق يمكن من خلالها استنباط قيم كالسلامة والاستدامة بشكل أفضل وتمثيلها في عملية التصميم؟ سنتناول هذه القضايا في القسم الثالث.

 

2.5 قضايا ميتافيزيقية: حالة وخصائص المنتجات التقنية

إن فهم عملية تصميم المُنتجات هو الموضوع الرئيس لـ فلسفة التقنية والذي يمس بشكل مباشر اهتمامات الممارسة الهندسية. وقد لا ينطبق هذا على قضية أخرى ذات أهمية مركزية للفلسفة التحليلية في التقنية وهي حالة وخصائص المُنتج. ربما لا يختلف هذا عن الوضع في فلسفة العلم، حيث يبدو أن العلماء العاملين لديهم اهتمام أقل بكثير مما يولوه الفلاسفة فيما يتعلق بحالة وخصائص النماذج والنظريات.

المصنوعات هي أشياء صنعها الإنسان أي لها صانع (راجع؛ هيلبينن 1992، ومقال هيلبينن عن المصنوعات في هذه الموسوعة). المصنوعات ذات الصلة بالتقنية، على وجه الخصوص، مصنوعة لخدمة غرض ما. هذا يستثني، ضمن ما يصنعه الإنسان، من ناحية المُنتجات الثانوية والنفايات، وكذلك من ناحية أخرى الأعمال الفنية. فالمنتجات الثانوية والنفايات تُنتجُ عن فعل مُتعمد لصنع شيء ما ولكن ليس بدقة، على الرغم من أن الصانع قد يكون على دراية جيدة بإنتاجها. أما الأعمال الفنية فتُنتج عن نية موجهة نحو إبداعها (على الرغم من أنه في حالات استثنائية من الفن المفاهيمي قد يتضمن هذا التوجيه العديد من الخطوات الوسيطة)، ولكن هناك خلاف حول ما إذا كان الفنانون كانوا على نية بأن يخدم العمل غرضًا محدداً، أم لا؟ مزيد من النقاش في هذا الجانب ينتمي إلى فلسفة الفن. قُدمتْ أفكار عامة مثيرة للاهتمام من قِبل ديبيرت (1993).

إذن تُصنع المنتجات التقنية لغرض ما، تُستخدم عادةً لشيء ما أو لتعمل كمكون جزئي في مُنتج أكبر، والذي بدوره يُستخدم إما لشيءٍ ما، أو كمكون جزئي مرة أخرى. سواء كان المنتج هو منتجاً نهائياً أو مكوناً جزئياً، يمكننا القول أنَّهُ أداةٌ “لشيء ما”، أما الغرضُ منه فنسميه وظيفة الأداة. أكد العديد من الباحثين على أن الوصف المناسب للمنتجات يجب أن يشير إلى وضعها كأشياء مادية ملموسة وإلى قصد صانعيها. أسمى كروس ومايرز (2006) وجهة النظر هذه بـ”الطبيعة المزدوجة للمنتجات التقنية”؛ يمكن تتبع الصيغة الأكثر نضجًا لهذه الفكرة في كروس (2012). اقترح كروس ومايرز أن الجانبين “مرتبطان”، إذا جاز التعبير، في مفهوم وظيفة الأداة. هذا يثير العديد من الإشكاليات. أحدها، أن الفكرة سيتم تجاوزها بسرعة بسبب ضآلة الاشتغال الفلسفي في هذا المجال، ثانياً، أن الارتباط بين البُنية والوظيفة هو ارتباط جزئي فقط. فمن غير الواضح ما إذا كان يمكننا الوصول لنتائج شاملة حول هذه الفكرة أم لا، وما هي المشكلات التي يجب حلها للوصول إلى هناك. قد تكون هناك روابط موضوعية مثيرة للاهتمام مع مسألة قابلية الإدراك المتعدد في فلسفة العقل ومع مسألة الاختزال في العلم، لكن لم تُكتشف على نطاق واسع بعد؛ يستثنى من ذلك ماهنر وبونجي 2000.

من الإشكاليات في هذا الصدد، مسألة إمكانية تقديم مفهوم موحد للوظيفة، هذه المسألة حظيت باهتمام فلسفي كبير. تعتبر فكرة الوظيفة ذات أهمية قصوى لتوصيف المُنتجات كما أنها تُستخدم على نطاق أوسع أيضاً. يبدو أن فكرة وظيفة المُنتج تشير بالضرورة إلى الأهداف والمقاصد البشرية. الوظيفة هي أيضًا مفهوم رئيسي في علم الأحياء حيث لا تلعب القصدية دورًا هناك. وهي مفهوم رئيسي في العلوم المعرفية وفلسفة العقل حيث تكون القصدية راسخة بحسم في الخصائص غير المقصودة البنيوية والفيزيائية. حتى الآن لا توجد فكرة شاملة مقبولة لمفهوم الوظيفة بحيث تشمل كلاً من المفهوم القائم على القصد لوظيفة الأداة والمفهوم غير المتعمد للوظيفة البيولوجية، ناهيك عن المجالات الأخرى التي يلعب فيها المفهوم دورًا مهماً كالعلوم الاجتماعية. النظرية الأكثر شمولاً، والتي لديها طموح لتفسير الفكرة البيولوجية، والمفهوم المعرفي والفكرة المقصودة، نجدها عند روث ميليكان (ميليكان 1984)؛ ولتتبع الانتقادات والردود عليها، راجع بريستون (1998، 2003) ، وميليكان (1999) ، وفيرماس وهوكس (2003)، وهوكس وفيرماس (2010). كما تطرح مجموعة من المقالات، حررها أريو وكامينز وبيرلمان (2002)، مقدمة حديثة لتعريف مفهوم الوظيفة بشكل عام، مع التركيز على الوظائف البيولوجية، كما هو الحال عمومًا في الأدبيات المتعلقة بالوظيفة.

في مقابل فكرة ضرورة القصد في مفهوم الوظيفة في المنتجات الصناعية على الأقل، هناك من يرى ثانويتها، بالأخص عند مناقشة الوظائف والعلاقات المتبادلة البينية لمجموعة من المكونات الجزئية لجهاز كبير. بالطبع، هذه الفكرة تتضمن تجاهل احتمال حدوث خلل في هذه المكونات. يبدو أن هذه الفكرة لا يمكن النظر إليها إلا من حيث كونها حالة خلل في التوافق بين السلوك الفعلي والسلوك المقصود. تؤدي فكرة الخلل أيضًا إلى زيادة الغموض في الإشارة العامة إلى المقاصد عند توصيف المنتجات الصناعية. عادة ما تَشرُكُ هذه المُنتجات الكثير من المشتغلين، وقد لا تسير مقاصد هؤلاء الأشخاص كلها في نفس الاتجاه. فيمكن التفريق بين مقاصد المستخدم الفعلي للمنتج والذي يهدف لتحقيق غرض معين ومقاصد مُصمم المنتج. وذلك نظرًا لأنه يمكن استخدام المُنتج المُصنَّع لغرض مختلف عن الغرض الذي قصده مصممه في البداية، وبما أن الأشخاص قد يستخدمون أيضًا مكونات طبيعية غير صناعية لغرض أو لآخر، فإننا علينا السماح بقبول فكرة أن للمنتجات الصناعية أيضًا وظائف متعددة، أو لفرض التسلسل الهرمي بين جميع المقاصد ذات الصلة في تحديد وظيفة المُنتج الصناعي، أو لتقديم تصنيف للوظائف يناسب أنواع المقاصد. في الحالة الأخيرة، وهي نوعاً ما فكرة وسيطة بين الخيارين الآخرين، نفرق بشكل عام بين الوظيفة الأصلية للمُنتج باعتبارها تلك التي قصدها مصممُها والوظيفة العرضية باعتبارها الوظيفة التي أُستخدم فيها المُنتج عرضياً وفق اعتبارات خاصة. وبما أن الاستخدام العرضي قد يُصبح شائعًا جدًا فالوظيفة الأصلية للمنتج قد تتلاشى من الذاكرة.

إن مدى تنوع الاستخدام وحدود التصميم مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بوظيفة الأداة أو ما تُسمى بمشكلة توصيف أنواع المنتجات الصناعية. قد يبدو أننا نستخدم الوظائف لتصنيف المنتجات: “الشيء” هو سكين لأن وظيفته القطع، أو بشكل أدق، يمكِّنُنا من القطع. ومع ذلك، علينا الاعتراف بأن الصلة بين الوظيفة والنوعية ليست بهذه البساطة. الأنواع الأساسية في التقنية، على سبيل المثال، “سكين” و “طائرة” و “مكبس”، صُمِّمَت من أجل استخدامها في قطع شيء ما، ونقله عبر الهواء، وتوليد حركة ميكانيكية من خلال التمدد الديناميكي الحراري. ومع ذلك، لا يمكن للمرء أن يُنتج نوعًا معينًا من الأدوات بمجرد تصميم شيء ما بقصد استخدامه لغرض معين، إذ يجب أن يكون المُنتج مفيدًا فعلاً لهذا الغرض، فمثلاً، على الرغم من محاولات التصميم والادعاءات التي لا حصر لها، فإن آلة الحركة الدائمة Perpetual Motion Machine ليست نوعًا من الأدوات. يُعرَّفُ النوع، مثل “السكين”، ليس من خلال نية المصمم فقط، فكل عضو من أعضاء هذا النوع يُصمم ما يفيد في القطع ولكن أيضًا من خلال مبدأ تشغيلي معروف استند إليه المصمم. بوضوح أكثر، في بيئة مختلفة، وكما دافعت ثوماسون في تحقيقها الناجح (ثوماسون 2003، 2007) عمَّا أسمته، بشكل عام، “نوعاً مصطنعاً” تقول إن هذا النوع يُعرفُ من خلال نية المصمم والفكرة الراسخة التي مفادها أنه (المصمم) يعرف كيف يمكن تحقيق ذلك من خلال الأداة التي يصممها.

هناك نوعاً آخر للتصنيف يمكن من خلاله تصنيف المُنتجات الصناعية حيث يجب التمييز بين نوع مثل “السكين” و “قاطع” آخر من نوع مختلف. تشير كلمة “السكين” إلى طريقة معينة يمكن بها أداء “القطع”. مع ذلك، يمكن للمرء أن يؤدي القطع بسن اللولب والخيط وشعلة اللحام والمياه النفاثة، وبلا شك بأنواع أخرى من الوسائل التي لم يُفكر فيها بعد. “القاطع” هو مثال لما يمكن اعتباره نوعًا وظيفيًا حقًا. على هذا النحو، فهناك تعارض بين الاستخدام والتصميم: يمكن للمرء أن يقصد بكلمة “قاطع” أي شيء يمكن استخدامه للقطع أو أي شيء صُمِّمَ لاستخدامه في القطع عن طريق تطبيق أي مبدأ تشغيلي معروف حاليًا أو غير معروف.

هذا التمييز بين أنواع المُنتجات والأنواع الوظيفية له صلة بحالة مثل هذه الأنواع مقارنة بمفاهيم الأنواع الأخرى. أكدت فلسفة العلم أن مفهوم النوع الطبيعي، مثل “الماء” أو “الذرة”، يكمن في أساس العلم. لكن من ناحية المُنتجات الصناعية، من المسلم به، أنه لا توجد قواعد منتظمة لعنونة الأنواع بحيث تشمل جميع السكاكين أو الطائرات أو المكابس. مع ذلك، يعتمد التحديد الخاص بالنوع بشكل فضفاض على اعتبارات قابلية التحقق المتعددة التي تنطبق فقط على الأنواع الوظيفية، وليس على أنواع المُنتجات نفسها. تشترك أنواع المنتجات في مبدأ تشغيلي محدد يمنحها بعض القواسم المشتركة في السمات المادية، وتصبح هذه القواسم المشتركة أقوى بمجرد تقسيم نوع معين من المُنتجات إلى أنواع فرعية أدنى. نظرًا لأن هذه الأنواع محددة من حيث المعطيات الفيزيائية والهندسية، فهي أقرب بكثير إلى الأنواع الطبيعية في العلم، من حيث إنها تدعم قواعد شبيهة بالقانون؛ لمناقشة هذا الرأي، راجع سوافي (2008). كما أن هناك مجموعة حديثة من المقالات التي ناقشت ميتافيزيقيا المُنتجات الصناعية وأنواعها (فرانسن، كروس، رايدون وفيرماس 2014).

2.6. موضوعات أخرى

هناك موضوع إضافي، واحد على الأقل، متعلق بالتقنية يجب التطرق إليه لأنه أفرز قدرًا كبيرًا من الأدبيات الفلسفية التحليلية وهو موضوع الذكاء الاصطناعي والمجالات المتصلة به. مناقشة هذا المجال الواسع هو أمر خارج نطاق هذا المدخل. لكن يمكن مراجعة الموضوع في مداخل هذه الموسوعة: آلات تورينج، وأطروحة تشيرش-تورينج، والحوسبة والتعقيد، واختبار تورينج، وحجة الغرفة الصينية، ونظرية العقل الحسابية، والوظيفية، والتحقق المتعدد، وفلسفة علم الحاسب الآلي.

 

3. الجوانب الأخلاقية والاجتماعية في التقنية

3.1. تطور موضوع الأخلاق في التقنية

حتى القرن العشرين لم يتطور موضوع أخلاقيات التقنية ليصبح موضوعاً مستقلاً كفرع بمنهجٍ خاص ضمن الفلسفة. وقد يبدو التطور المتأخر في هذا المجال مفاجئًا نظرًا للتأثير الكبير الذي أحدثته التقنية على المجتمع، خاصة منذ الثورة الصناعية.

أحد الأسباب المعقولة لهذا التطور المتأخر لأخلاقيات التقنية هو المنظور الأداتي للتقنية المذكور في القسم 2.2. فبشكل أساسي يتضمن هذا المنظور تقييمًا أخلاقيًا إيجابيًا للتقنية: التقنية تزيد من إمكانيات وقدرات البشر، ومرغوبة بشكل عام. بالتأكيد، فمنذ العصور القديمة أُعترف بأن القدرات الجديدة قد تُستخدم بشكل سيء أو قد تؤدي إلى غطرسة الإنسان. مع ذلك، غالبًا ما تُعزى هذه النتائج غير المرغوب فيها إلى مستخدمي التقنية، بدلاً من التقنية نفسها أو مطوريها. تُعرف هذه الرؤية بالرؤية الأداتية للتقنية التي أدت إلى ما يسمى بأطروحة الحياد. تنص أطروحة الحياد على أن التقنية أداة محايدة يمكن لمستخدميها توظيفها بشكل جيد أو سيء. خلال القرن العشرين، قوبلت أطروحة الحياد هذه بنقد شديد، وعلى الأخص من قبل هايدجر وإيلول، اللذين ورد ذكرهما في هذا المدخل في القسم 2.0، وأيضاً من قبل فلاسفة مدرسة فرانكفورت (أدورنو، هوركهايمر، ماركوز، هابرماس).

يعتمد نطاق وبرنامج موضوع أخلاقيات التقنية إلى حد كبير على تصورنا للتقنية نفسها. طُرحَ في النصف الثاني من القرن العشرين مجموعة متنوعة أكثر ثراءً تجاوزت تصور التقنية كمجرد أداة محايدة، أو كوجهة نظر عالمية أو كضرورة تاريخية. شملت تلك التصورات الحديثة للتقنية تصورها كظاهرة سياسية (وينر، فينبرج، سكلوف)، وكنشاط اجتماعي (لاتور، كالون، بيكر وغيرها في مجال دراسات العلوم والتقنية)، وكظاهرة ثقافية (إيد، بورجمان)، وكنشاط مهني (أخلاقيات الهندسة، مثلاً؛ دافيز)، وكنشاط معرفي (فينسينتي، وبونجي). برغم هذا التنوع، إلا أن التطور في النصف الثاني من القرن العشرين انحصر في اتجاهات عامة. الأول هو الابتعاد عن الحتمية التقنية وافتراض أن التقنية هي ظاهرة قائمة بذاتها تطورت بشكل مستقل والميل إلى التركيز على أن التطور التقني هو نتيجة الاختيارات (على الرغم من أنها ليست بالضرورة النتيجة المُختارة المقصودة). والاتجاه الآخر هو الابتعاد عن التفكير الأخلاقي في التقنية والميل إلى الانعكاس الأخلاقي لتقنيات محددة وإلى مراحل محددة في تطوير التقنية. أدى كلا الاتجاهين معًا إلى زيادة هائلة في عدد ونطاق الأسئلة الأخلاقية التي طُرحت حول التقنية. تشير التطورات أيضًا إلى أن أخلاقيات التقنية يجب أن تكون على دراية كافية بالعملية التجريبية، ولا تعتمد في نظرتها فقط إلى العواقب الدقيقة لتقنيات محددة، بل تهتم بالنظر إلى تصرفات المهندسين وعملية التطوير التقني. فتح هاذان التوجهان الطريق لمشاركة التخصصات الأخرى في التفكير الأخلاقي في التقنية، مثل مجالي دراسات العلوم والتقنية (STS) وتقييم التقنية (TA).

3.2 مناهج أخلاقيات التقنية

لا تنحصر مُشكلة أخلاقيات التقنية في تعدد مناهجها، بل أن فروعها المعرفية تعاني من وجود حالة من عدم الانضباط (وجود مجتمع من العلماء يعملون على مجموعة مشتركة من المشاكل). العلماء الذين يدرسون القضايا الأخلاقية في التقنية لديهم خلفيات متنوعة (مثالاً: الفلسفة، ودراسات العلوم والتقنية، وتقييم التقنية، والقانون، والعلوم السياسية) وهم لا يعتبرون أنفسهم دائمًا (في المقام الأول) من علماء أخلاقيات التقنية. لإعطاء القارئ نظرة عامة على المجال، ستُناقش ثلاثة مناهج أو مقاربات يمكن تمييزها في أخلاقيات التقنية.

 

3.2.1. المقاربات الثقافية والسياسية

تستند كل من المقاربات الثقافية والسياسية إلى الفلسفة التقليدية وإلى أخلاقيات التقنية في النصف الأول من القرن العشرين. المقاربات الثقافية تتصور التقنية كظاهرة ثقافية تؤثر على تصورنا للعالم، بينما المقاربات السياسية تتصورها كظاهرة تحكمها وتنظمها علاقات القوة المؤسسية في الأمة.

غالبًا ما تكون المناهج الثقافية ذات طبيعة ظواهرية أو، على الأقل، ما بعد ظواهرية بالنسبة للظواهرية. ومن الأمثلة على الفلاسفة المنتمين إلى هذا النهج دون إيد وألبرت بورجمان وبيتر بول فيربيك وإيفان سيلينجر (مثلاً: بورجمان 1984؛ إيد 1990؛ فيربيك 2005، 2011). عادة ما تتأثر هذه المناهج بالتطورات في مجال دراسات العلوم والتقنية، لا سيما فكرة أن التقنيات تحتوي على نص لا يؤثر فقط على إدراك الناس للعالم بل وعلى السلوك البشري نفسه، وفكرة عدم وجود تمييز أساسي بين البشر وغير البشر، بما في ذلك المصنوعات التقنية (كريش 1992؛ لاتور 1992؛ لاتور 1993؛ إيد وسيلينجر 2003). أدى الجمع بين هاتين الفكرتين إلى ادعاء البعض أن التقنية لها وكالة أخلاقية، وهو ادعاء نوقش أدناه في القسم 3.3.1.

تعود المقاربات السياسية في التقنية في الغالب إلى ماركس، الذي افترض أن البنية المادية للإنتاج في المجتمع، من الواضح أن التقنية عامل رئيسي فيها، هي التي تحدد البنية الاقتصادية والاجتماعية لذلك المجتمع. وبالمثل، دافع لانغدون وينر عن فكرة أن التقنيات يمكن أن تجسد أشكالًا معينة من أشكال القوة والسلطة (وينر 1980). ووفقًا له، فإن بعض التقنيات معيارية بطبيعتها بمعنى أنها تتطلب أو تتوافق بشدة مع علاقات اجتماعية وسياسية محددة. يبدو أن السكك الحديدية، على سبيل المثال، تتطلب هيكلًا إداريًا رسميًا معينًا. في حالات أخرى، قد تكون التقنيات سياسية بسبب الطريقة الخاصة التي صُممت بها. بعض المقاربات السياسية في التقنية مستوحاة من البراغماتية الأمريكية، وبدرجة أقل من أخلاقيات الخطاب. كما طالب بعض الفلاسفة، على سبيل المثال، بإضفاء الطابع الديمقراطي على التطور التقني وإدماج الناس العاديين في تشكيل التقنية (الفائز 1983؛ سكلوف 1995؛ فينبرج 1999).

على الرغم من أن المقاربات السياسية لها تشعبات أخلاقية واضحة، إلا أن فلاسفتها لا ينخرطون في التفكير الأخلاقي الواضح في التقنية. الاستثناء الأخير والمثير للاهتمام، والذي يُعتبر كمحاولة لدمج عدد من التطورات الأخيرة وتوضيحها في دراسة شاملة لما يجب أن تبدو عليه أخلاقيات التقنية، هو ما جاء في مجموعة المقالات لأخلاقيات البراغماتية لثقافة تقنية (كيلرتز وآخرون 2002). نادى المؤلفون في هذا الكتاب بإحياء الفكر البراغماتي في الفلسفة الأخلاقية لأنها الطريقة الأمثل في التعامل مع العديد من القضايا الأخلاقية في التقنية. فبدلاً من التركيز على كيفية الوصول إلى الأحكام المعيارية حول التقنية وتبريرها، تركز الأخلاق البراغماتية على كيفية التعرف على المشكلات الأخلاقية وتتبعها في المقام الأول. علاوة على ذلك، تعتبر عملية التعامل مع هذه المشاكل أكثر أهمية من النتيجة نفسها.

 

3.2.2. أخلاقيات الهندسة

تعتبر أخلاقيات الهندسة مجالًا جديدًا نسبيًا للدراسة والبحث. بدأ كمحاولة في ثمانينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة. تهتم أخلاقيات الهندسة بـ “الإجراءات والقرارات التي يتخذها المهندسون، بشكل فردي أو جماعي” (باوم 1980:1). وفقًا لهذا النهج، تعتبر الهندسة مهنة، تمامًا كمهنة الطب.

على الرغم من عدم وجود اتفاق حول كيفية تعريف المهنة تماماً، إلا أنه غالبًا ما تُذكر الخصائص التالية:

  • تعتمد المهنة على المعرفة والمهارات المتخصصة التي تتطلب فترة طويلة من الدراسة؛

  • تحتكر الفئات المهنية ممارسة المهنة؛

  • تُقيَّم كفاءة التنفيذ وما يمكن قبوله من قبل الأقران في المهنة؛

  • توفر المهنة للمجتمع منتجات أو خدمات أو قيمًا مفيدة أو جديرة بالاهتمام، وتتميز بالمثالية في خدمة المجتمع؛

  • تُنظَّمُ الممارسة اليومية للعمل المهني من خلال المعايير الأخلاقية المستمدة من، أو المتعلقة، بالمثل الأعلى للمهنة الذي يخدم المجتمع.

القضايا الأخلاقية النموذجية التي نوقشت في أخلاقيات الهندسة هي الالتزامات المهنية للمهندسين كما هو موضح، على سبيل المثال، في قواعد أخلاقيات المهندسين ودور المهندسين مقابل المديرين، والكفاءة، والصدق، والإبلاغ عن المخالفات، والاهتمام بالسلامة وتضارب المصالح ( ديفيس 1998 ، 2005 ؛ مارتن وشينزينجر 2005 ؛ هاريس ، بريتشارد ، ورابينز 2008).

في الآونة الأخيرة، طالب عدد من المؤلفين بتوسيع النطاق التقليدي لأخلاقيات الهندسة (على سبيل المثال، هيركيرت 2001) إلى نهج أوسع نابع من شأنين. يتمثل أحد الشأنين في أن المنهج الأخلاقي الجزئي في أخلاقيات الهندسة يميل إلى أخذ السياقات التي يتعين على المهندسين العمل من أجلها، بينما تتعلق القضايا الأخلاقية الرئيسية بكيفية “تنظيم” هذه السياقات. الشأن الآخر هو أن التركيز التقليدي للمنهج الأخلاقي الجزئي يميل إلى إهمال القضايا المتعلقة بتأثير التقنية على المجتمع أو القضايا ذات الصلة بالقرارات المتعلقة بالتقنية. ومن ثم، فإن توسيع نطاق أخلاقيات الهندسة يعني، من بين أمور أخرى، مزيدًا من الاهتمام بقضايا مثل الاستدامة والعدالة الاجتماعية.

 

3.2.3. أخلاقيات خاصة لتقنيات محددة

شهدت العقود الماضية زيادة في الاستفسارات الأخلاقية المعنية بتقنيات محددة. ربما يكون أحد المجالات الجديدة الأكثر وضوحًا هو أخلاقيات الحاسب الآلي (مثل، فلوريدي 2010؛ جونسون 2009؛ ويكيرت 2007؛ فان دن هوفن وويكرت 2008)، لكن التقنية الحيوية حفَّزت أيضًا التحقيقات الأخلاقية المخصصة (مثل، شيرلوك وموري 2002؛ طومسون 2007). أما المجالات الأكثر تقليدية مثل الهندسة المعمارية والتخطيط الحضري فقد جذبت اهتمامًا أخلاقيًا محدودًا (فوكس 2000). في الآونة الأخيرة، أدت تقنية النانو وما يسمى بالتقنيات المتقاربة إلى إنشاء ما يسمى بأخلاقيات النانو (ألهوف وآخرون. 2007). بعيداً عن ذلك، فقد كان هناك أيضاً نقاشاً حول أخلاقيات الردع النووي (فينيس وآخرون 1988).

من الواضح أن تأسيس مثل هذه المجالات الجديدة في التفكير الأخلاقي هو استجابة للتطورات الاجتماعية والتقنية. ومع ذلك، هناك تساؤل مطروح عما إذا كان تأسيس مجالات جديدة للأخلاقيات التطبيقية هو الإجراء الأفضل لتلبية الطلب الاجتماعي أم لا؟ في الواقع، نوقشت هذه المسألة بانتظام مع ظهور أي مجال جديد. فقد جادل العديد من المؤلفين، على سبيل المثال، بأنه لا توجد حاجة لأخلاقيات النانو لأن تقنية النانو لا تثير أي قضايا أخلاقية حديثة فعلياً (مثل، مكجين 2010). إن الغياب المزعوم لحداثة القضايا هنا يدعمه الادعاء بأن القضايا الأخلاقية التي تثيرها تقنية النانو ما هي إلا اختلاف أو تكثيف للقضايا الأخلاقية القائمة، بالتالي فإن هذه القضايا يمكن التعامل معها من خلال النظريات والمفاهيم الموجودة من فلسفة الأخلاق. وللاطلاع على مناقشة سابقة مماثلة بشأن الطابع الجديد المفترض للقضايا الأخلاقية في هندسة الحاسب الآلي راجع (تافاني 2002).

غالبًا ما توصف المجالات الجديدة في التفكير الأخلاقي على أنها أخلاقيات تطبيقية، أي كتطبيقات للنظريات والمعايير المعيارية والمفاهيم والأساليب المطورة في فلسفة الأخلاق. ومع ذلك، بالنسبة لكل عنصر من هذه العناصر، لا يكون التطبيق عادةً واضحًا ولكنه يتطلب مزيدًا من التوصيف أو المراجعة. هذا هو الحال، لأن المعايير والمفاهيم والأساليب الأخلاقية العامة غالبًا ما تكون غير محددة بما يكفي لتكون قابلة للتطبيق بأي معنى مباشر على مشاكل أخلاقية محددة. لذلك، غالبًا ما يؤدي “التطبيق” إلى رؤى جديدة قد تؤدي إلى إعادة صياغة أو على الأقل تحسين المعايير المعيارية والمفاهيم والأساليب. في بعض الحالات، قد تتطلب القضايا الأخلاقية في مجال معين معايير أو مفاهيم أو أساليب جديدة. على سبيل المثال، اقترح بوشامب وتشيلدرس عددًا من المبادئ الأخلاقية العامة لأخلاقيات الطب الحيوي (بوشامب وتشيلدرس 2001). هذه المبادئ أكثر تحديدًا من المعايير المعيارية العامة، لكنها لا تزال عامة ومجردة لدرجة أنها تنطبق على قضايا مختلفة في أخلاقيات الطب الحيوي. في أخلاقيات الحاسب الآلي، أُعيدَ تعريف المفاهيم الأخلاقية الحالية المتعلقة، على سبيل المثال، بالخصوصية والملكية وتكييفها للتعامل مع المشكلات النموذجية لعصر الحاسب الآلي (جونسون 2003). قد تتطلب المجالات الحديثة للتطبيق الأخلاقي أيضًا طرقًا حديثة، على سبيل المثال، لتمييز القضايا الأخلاقية التي تأخذ في اعتبارها الحقائق التجريبية ذات الصلة بهذه المجالات، كحقيقة أن البحث والتطوير التقني يحدث على المجاميع لا على الأفراد (زوارت وآخرون 2006).

يشير ذلك إلى أن هناك مجالات مختلفة من التفكير الأخلاقي في تقنيات محددة قد تثير وتطرح قضاياها الفلسفية والأخلاقية الخاصة. حتى إن كان هذا صحيحًا، فليس من الواضح ما إذا كان هذا يبرر تطوير حقول فرعية منفصلة أو حتى تخصصات فرعية. قد يُقال إنه يمكن تعلم الكثير من التفاعل والمناقشة بين هذه المجالات والتفاعل المثمر مع المجالين الآخرين: المناهج الثقافية والسياسية وأخلاقيات الهندسة. لكن حاليًا يبدو أنَّ مثل هذا التفاعل غائباً في كثير من الحالات. بالطبع، مع وجود بعض الاستثناءات.

 

3.3 بعض المواضيع المتكررة في أخلاقيات التقنية

ننتقل الآن إلى تفصيل بعض الموضوعات في أخلاقيات التقنية. سنركز على بعض الموضوعات التي تقدم توضيحًا للقضايا العامة في أخلاقيات التقنية وطريقة التعامل معها.

 

3.3.1. الحياد مقابل الفاعلية الأخلاقية

أحد الموضوعات العامة المهمة في أخلاقيات التقنية هو السؤال عما إذا كانت التقنية ذات حمولة قيمية أم لا. أكد بعض المؤلفين أن التقنية محايدة من حيث القيمة، بمعنى أن التقنية هي مجرد وسيلة محايدة لتحقيق غاية ما، وبالتالي يمكن توظيفها بشكل جيد أو سيئ (مثل: Pitt 2000). قد يكون لهذا الرأي بعض المعقولية بقدر ما نعتبر التقنية مجرد بنية فيزيائية مجردة. مع ذلك، يتفق معظم فلاسفة التقنية على أن التطور التقني هو عملية موجهة نحو هدف ما، وأن المصنوعات التقنية بحكم تعريفها لها وظائف محددة، بحيث يمكن استخدامها لتحقيق أهداف معينة دون أخرى، وإن استخدمت فيغير غرضها الأصلي ستستخدم بصعوبة أكثر وفعالية أقل. هذه العلاقة المفاهيمية بين الأدوات والوظائف والأهداف التقنية تجعل من الصعب الحفاظ على فكرة أن التقنية محايدة القيمة. حتى لو منحنا النقطة السابقة الأرجحية فسيبقى بإمكاننا تفسير الحمولة القيمية للتقنية بعدة طرق مختلفة. فقد أكد بعض المؤلفين أن التقنية يمكن أن يكون لها قوة أخلاقية. مُشيرين أن التقنيات يمكن أن “تتصرف” بشكل مستقل وحر بالمعنى الأخلاقي ويمكن تحميلها المسؤولية الأخلاقية عن أفعالها.

بدأ الجدل حول إمكانية أن يكون للتقنية فاعلية أخلاقية في مجال أخلاقيات الحاسب الآلي (ايشتل 1985؛ سنابر 1985؛ دينيت 1997؛ فلوريدي وساندرز 2004) واتسع منذ ذلك الحين. عادةً ما يُعيد المؤلفون الذين يدعون أن التقنيات يمكن أن يكون لها فاعلية أخلاقية تعريف مفهوم الفاعلية أو ارتباطها بالإرادة البشرية والحرية (مثل: لاتور 1993؛ فلوريدي وساندرز 2004، فيربيك 2011). من عيوب هذه الإستراتيجية أنها تميل إلى طمس الفروق الأخلاقية بين الإنسان والمنتجات التقنية. بشكل عام، يبدو أن ادعاء أن التقنيات لها فاعلية أخلاقية أصبح، أحيانًا، اختصارًا للادعاء بأن التقنية ذات صلة معنوية (أخلاقية). ومع ذلك، فإن هذا الادعاء يتجاهل حقيقة أن التقنيات يمكن أن تكون محملة بالقيمة بطرق أخرى لا تنحصر في مفهوم الوكالة الأخلاقية (راجع على سبيل المثال جونسون 2006؛ رايدر 2009؛ إلييز وميجريز 2009؛ بيترسون وسبان 2011). قد يدعي المرء، على سبيل المثال، أن التقنية تمكن (أو حتى تدعو) وتقيد (أو حتى تمنع) بعض الأعمال والأهداف البشرية ولو بشكل محدد، وبالتالي فهي ذات قيمة إلى حد ما، دون ادعاء الوكالة الأخلاقية لمنتجاتها.

 

3.3.2. المسئولية

لطالما كانت المسؤولية موضوعًا رئيسيًا في أخلاقيات التقنية. ومع ذلك، كانت الفلسفة التقليدية وأخلاقيات التقنية تميل إلى مناقشة المسؤولية بعبارات عامة إلى حد ما وكانت متشائمة إلى حد ما بشأن إمكانية تحميل المهندسين المسؤولية عن التقنيات التي طوروها. وصف إلول، على سبيل المثال، المهندسين بأنهم كبار كهنة التقنية، الذين يعتزُّون بالتقنية ولكن لا يمكنهم توجيهها. جادل هانز جوناس (1984) بأن التقنية تتطلب أخلاقًا تكون المسؤولية هي الإلزام المركزي فيها، لأننا لأول مرة في التاريخ أصبحنا قادرين على تدمير الأرض والبشرية.

في أخلاقيات الهندسة، غالبًا ما تُناقش مسؤولية المهندسين ضمن القواعد الأخلاقية التي تحدد مسؤوليات المهندسين. تؤكد هذه القواعد الأخلاقية على ثلاثة أنواع من المسؤوليات تقع على عاتق المهندسين: (1) مزاولة المهنة بنزاهة وأمانة وبكفاءة، (2) المسؤوليات تجاه أصحاب العمل والعملاء، (3) المسؤولية تجاه الجمهور والمجتمع. فيما يتعلق بالأخير، تؤكد معظم قواعد الأخلاق الأمريكية أن المهندسين “يجب أن يولوا الأولوية للسلامة وللصحة ولرفاهية الجمهور”.

وكما أشار العديد من المؤلفين (نيسنباوم 1996؛ جونسون وباورز 2005؛ سويرسترا وجيلسما 2006)، فقد يكون من الصعب تحديد المسؤولية الفردية في الهندسة. والسبب هو أن شروط الإسناد الصحيح للمسؤولية الفردية التي نوقشت في الأدبيات الفلسفية (مثل حرية التصرف والمعرفة والسببية) غالبًا ما لا يستوفيها المهندسون الفرديون. على سبيل المثال، قد يشعر المهندسون بأنهم مجبرون على التصرف بطريقة معينة بسبب قيود الهرمية أو ضوابط السوق، وقد يكون من الصعب جدًا أو من المستحيل التنبؤ مُسبقاً بالعواقب السلبية. وغالبًا ما يكون من الصعب الوفاء بشرط السببية أيضًا بسبب السلسلة الطويلة من البحث والتطوير في مجال التقنية حتى لحظة استخدامها، بالإضافة لكثرة الأشخاص المشاركين في هذه السلسلة. ومع ذلك، يؤكد ديفيس (2012) أنه على الرغم من هذه الصعوبات، يمكن للمهندسين الأفراد تحمل المسؤولية والقيام بما يجب القيام به.

إحدى القضايا المهمة في هذا النقاش هي فكرة المسؤولية. دافع ديفيس (2012)، وأيضًا لاد (1991) على سبيل المثال، عن فكرة المسؤولية التي تركز بشكل أقل على اللوم، وتؤكد على الشخصية المتطلعة أو الفاضلة لتحمل المسؤولية. لكن كثيرين آخرين يركزون على المفاهيم السلبية عن المسؤولية التي تؤكد على المساءلة أو اللوم أو الاتهام. دافع زاندفورت (2000)، على سبيل المثال، عن فكرة المسؤولية في الهندسة التي تشبه إلى حد كبير المفهوم القانوني للمسؤولية الصارمة، حيث يتم إضعاف شرط المعرفة للمسؤولية بشكل خطير. يقارن دورن (2012) ثلاث وجهات نظر حول إسناد المسؤولية في الهندسة: منظور قائم على الجدارة، ومنظور قائم على الحق، وأخير على العواقبية. ويرى أن المنظور العواقبي، الذي يطبق مفهومًا متطلعاً للمسؤولية، هو الأقوى في التأثير على الهندسة كممارسة.

قد تؤدي صعوبة إسناد المسؤولية الفردية إلى مشكلة الأيدي المتعددة (PMH). صاغ هذا المصطلح لأول مرة دينيس طومسون (1980) في مقال عن مسؤولية المسؤولين العموميين. يستخدم المصطلح لوصف المشاكل المتعلقة بنسب المسؤولية الفردية في البيئات الجماعية. اقترح دورن (2010) نهجًا إجرائيًا، بناءً على نموذج التوازن الانعكاسي لراولز، للتعامل مع مشكلة الأيدي المتعددة؛ تشمل الطرق الأخرى للتعامل مع مشكلة الأيدي المتعددة تصميم المؤسسات التي تساعد على تجنب ذلك أو التركيز على السلوك الفاضل في المنظمات (فان دي بويل ونيهلين فاهلكيست 2012).

3.3.3. التصميم

في العقود الماضية، تزايد الاهتمام ليس فقط بالقضايا الأخلاقية التي تنشأ أثناء استخدام التقنية، بل بالتي تنشأ خلال مرحلة التصميم. أحد الاعتبارات المهمة وراء هذا التطور هو التفكير في أن التقنيات وعواقبها الاجتماعية، خلال مرحلة التصميم، لا تزال مرنة بينما قد يصعب تجنب آثارها السلبية على المجتمع أثناء مرحلة الاستخدام، إلى حد ما، أو قد يصعب تحقيق الأهداف الإيجابية حينها.

في أخلاقيات الحاسب الآلي، تطوَّر نهج يُعرف باسم التصميم الحساس للقيمة Value-Sensitive Design (VSD) وذلك لمعالجة الطبيعة الأخلاقية للتصميم بشكل صريح. يهدف هذا النهج إلى دمج القيم الأخلاقية في التصميم الهندسي بطريقة منهجية (فريدمان وكان 2003). يجمع النهج بين الدراسات المفاهيمية والتجريبية والتقنية. هناك أيضًا مجموعة من الأساليب الأخرى التي تهدف إلى تضمين القيم في التصميم. مثلاً، تهدف مناهج “Design for X” في الهندسة إلى تضمين القيم الأساسية (مثل قابلية الصيانة والموثوقية والتكاليف) ولكنها تشمل أيضًا التصميم من أجل الاستدامة والتصميم الشامل والتصميم العاطفي (هولت وبارنز 2010). يهدف التصميم الشامل إلى جعل التصاميم في متناول جميع السكان، بما في ذلك، على سبيل المثال، ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن (إرلاندسون 2008). أما التصميم العاطفي فيهدف إلى تصميم ما يثير المشاعر الإيجابية لدى المستخدمين وبالتالي تساهم في رفاهية الإنسان.

من يحاول دمج القيم في علمية التصميم، قد يواجه مشكلة تضارب القيم؛ فالسيارة الأكثر أمانًا، نظرًا لوزنها، ليس من المرجح أن تكون أكثر استدامة. هنا تتعارض السلامة والاستدامة في تصميم السيارات. تشمل الطرق التقليدية التي يتعامل فيها المهندسون مع مثل هذا التعارض بالمفاضلة بين متطلبات التصميم المختلفة وذلك بتحليل التكلفة والفائدة وتحليل المعايير المتعددة. ومع ذلك، فإن مثل هذه الأساليب تعاني من مشاكل منهجية مثل تلك التي نوقشت في القسم 2.4 (فرانسن 2005؛ هانسون 2007). يناقش فان دي بويل (2009a) البدائل المختلفة للتعامل مع تضارب القيم في التصميم بما في ذلك تحديد مستويات الإرضاء والتفكير في القيم والابتكار والتنوع.

3.3.4. المخاطر التقنية

أخطار التقنية هي واحدة من الاهتمامات التقليدية في أخلاقيات التقنية. لا تثير المخاطر القضايا الأخلاقية فحسب، بل تثير أيضًا قضايا فلسفية أخرى كالقضايا المعرفية والمتعلقة بنظرية اتخاذ القرار (روزر وآخرون 2012).

تُعرَّفُ المخاطر عادة على أنها نتاج احتمال وقوع حدث وتأثيرات غير مرغوب فيها، كما توجود تعريفات أخرى (هانسون 2004 ب). بشكل عام، يبدو من المرغوب فيه إبقاء المخاطر التقنية ضئيلة قدر الإمكان، فكلما زادت المخاطر، زادت احتمالية وقوع حدث غير مرغوب فيه أو تأثيرات عنه. ولذلك، فإن الحد من المخاطر هو هدف مهم ضمن التطوير التقني، وغالبًا ما تُنسب القواعد الأخلاقية الهندسية المسؤولية إلى المهندسين في تقليل المخاطر وتصميم منتجات آمنة. مع ذلك، فإن الحد من المخاطر ليس دائمًا ممكنًا أو مرغوبًا فيه. لا يكون ذلك ممكنًا، لأنه لا توجد منتجات وتقنيات آمنة تمامًا. ولكن حتى لو كان الحد من المخاطر ممكنًا فقد لا يكون مقبولًا من وجهة نظر أخلاقية. فغالبًا ما يرفع تقليل المخاطر التكلفة، وقد تكون المنتجات الأكثر أمانًا أكثر صعوبة في الاستخدام أو أكثر تكلفة أو أقل استدامة. عاجلاً أم آجلاً، سنواجه السؤال: ما هو الأمان الكافي؟ ما الذي يجعل المخاطرة (غير) مقبولة؟

غالبًا ما نقسم عملية التعامل مع المخاطر إلى ثلاث مراحل: تقدير المخاطرRisk Assessment وتقييمها Risk Evaluation وإدارتها Risk Management. من بين الثلاث مراحل، من الواضح أن الثانية وثيقة الصلة بالناحية الأخلاقية. ومع ذلك، فإن تقدير المخاطر ينطوي بالفعل على أحكام قيمية كمهمة تحديد أي المخاطر يجب تقديرها في المقام الأول (شريدر فريشيت 1991). من القضايا المهمة وذات الصلة الأخلاقية أيضًا درجة الأدلة اللازمة لإثبات المخاطر. فعند تحديد المخاطر على أساس مجموعة من البيانات التجريبية، قد تُرتكب نوعان من الأخطاء. يمكن أن تَنشأ الخطورة عندما لا يوجد في الواقع أي خطأ (خطأ من النوع الأول) أو يمكن أن تُستنتج عن طريق الخطأ أنه لا يوجد خطر بينما الخطر موجود فعلاً (خطأ من النوع الثاني). يهدف العلم تقليديًا إلى تجنب أخطاء النوع الأول. جادل العديد من المؤلفين بأنه في السياق المحدد لتقييم المخاطر، غالبًا ما تكون هناك أهمية أكثر لتجنب أخطاء النوع الثاني (كرانور 1990؛ شريدر فريشيت 1991). والسبب هو أن تقييم المخاطر لا يهدف فقط إلى إثبات الحقيقة العلمية ولكن له أهداف عملية أخرى، كتوفير المعرفة على أساس القرارات التي يمكن اتخاذها حول ما إذا كان من المرغوب فيه تقليل أو تجنب بعض المخاطر التقنية من أجل حماية المستخدمين والجمهور.

تُقيَّمُ المخاطر بعدة طرق (راجع، على سبيل المثال، شريدر فريشيت 1985). أحد الأساليب الممكنة هو الحكم على مقبولية المخاطر من خلال مقارنتها بمخاطر أخرى أو بمعايير معينة. يمكننا، مثلاً، مقارنة المخاطر التقنية مع تلك المخاطر التي تحدث في الطبيعة. مع ذلك، فإن هذا النهج ينطوي على خطر ارتكاب مغالطة طبيعية: قد تكون المخاطر التي تحدث في الطبيعة (في بعض الأحيان) لا مفر منها ولكن هذا لا يجعلها بالضرورة مقبولة أخلاقياً. بشكل عام، غالبًا ما يكون من المشكوك فيه الحكم على مقبولية مخاطر التقنية “أ” من خلال مقارنتها بمخاطر التقنية “ب” إذا لم تكن “أ” و “ب” بديلين في القرار (للاطلاع على هذه المغالطات وغيرها في التفكير حول المخاطر، راجع هانسون 2004 أ).

النهج الثاني لتقييم المخاطر هو تحليل التكلفة والمزايا للمخاطر RCBA، والذي يعتمد على وزن المخاطر مقابل فوائد النشاط. يمكن تطبيق معايير قرار مختلفة إذا أُجريَ تحليل التكلفة والمزايا (كنيس وبن دافيد وشولز 1983). وفقًا لهانسون (2003: 306)، عادةً ما يُطبَّقُ المعيار التالي: “… يكون الخطر مقبولاً إذا وإذا فقط كانت الفوائد الإجمالية الناتجة عن التعرض للخطر تفوق التكلفة الإجمالية للمخاطر التي تُقاس على أنها عدم الاستفادة المرجحة من النتائج”.

تتمثل الطريقة الثالثة في تأسيس قبول المخاطر على موافقة الأشخاص المحتمل تعرضهم للمخاطر بعد إبلاغهم بها (الموافقة المسبقة). مشكلة هذا النهج هي أن المخاطر التقنية عادة ما تؤثر على عدد كبير من الناس في وقت واحد. لذلك قد تؤدي الموافقة المسبقة إلى حالة “تحييد المجتمع” (هانسون 2003: 300).

اقترح عدد من المؤلفين بدائل للمناهج التقليدية لتقييم المخاطر على أساس الحجج الفلسفية والأخلاقية. اقترح شريدر فريشيت (1991) عددًا من الإصلاحات في تقييم المخاطر وإجراءات التقييم على أساس النقد الفلسفي للممارسات الحالية. يناقش رويسر (2012) فكرة دور العواطف في الحكم على قبول المخاطر. اقترح هانسون المبدأ البديل التالي لتقييم المخاطر: ” يكون التعرض للمخاطر مقبولاً إذا وإذا فقط كان هذا التعرض جزءًا من نظام اجتماعي مُنصف للمخاطرة يعمل لصالح الأفراد” (هانسون 2003: 305). يقدم اقتراح هانسون عددًا من الاعتبارات الأخلاقية في تقييم المخاطر التي لا تُعالج تقليديًا أو يتم تناولها بشكل هامشي فقط، هذا مقابل ما إذا كان الأفراد يستفيدون من نشاط محفوف بالمخاطر وما إذا كان توزيع المخاطر والمنافع عادلاً.

انتقد بعض الكتاب التركيز على المخاطر في أخلاقيات التقنية، فبعضهم يرى أننا غالبًا ما نفتقر إلى المعرفة لتقييم أخطار التقنية الجديدة بشكل موثوق قبل أن تدخل حيز الاستخدام. غالبًا ما لا نعرف احتمالية حدوث خطأ ما، وأحيانًا لا نعرف، أو على الأقل لا نعرف تمامًا، ما الذي قد يحدث وما هي العواقب السلبية المحتملة. للتعامل مع هذا الانتقاد اقترح بعضهم تصور إدخال التقنية الجديدة في المجتمع كتجربة اجتماعية، وحثوا على التفكير في الظروف التي تكون فيها مثل هذه التجارب مقبولة أخلاقياً (مارتن وشينزينجر 005؛ فان دي بويل 2009 ب). هناك مجال آخر من الانتقادات ينص على أن التركيز على المخاطر أدى إلى تقليل تأثيرات التقنية التي أُخِذت في الاعتبار فقط (سويرسترا وتي مولدر 2012)، كالتأثيرات المتعلقة بالسلامة والصحة، بينما تم تجاهل التأثيرات “الناعمة”، ذات الطبيعة الاجتماعية أو النفسية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تجفيف التقييم الأخلاقي للتقنيات الجديدة.

 


المراجع

  • Agricola, Georgius, 1556 [1912], De re metallica, Translated and edited by Herbert Clark Hoover and Lou Henry Hoover, London: The Mining Magazine, 1912. [Agricola 1556 [1912] available online]
  • Akrich, Madeleine, 1992, “The Description of Technical Objects”, in Bijker and Law 1992: 205–224.
  • Allhoff, Fritz, Patrick Lin, James H. Moor and John Weckert (eds), 2007, Nanoethics: The Ethical and Social Implications of Nanotechnology, Hoboken, NJ: Wiley-Interscience.
  • Anders, Günther, 1956, Die Antiquiertheit des Menschen(Volume I: Über die Seele im Zeitalter der zweiten industriellen Revolution; Volume II: Über die Zerstörung des Lebens im Zeitalter der dritten industriellen Revolution), München: C.H. Beck.
  • Arendt, Hannah, 1958, The Human Condition, Chicago: University of Chicago Press.
  • Ariew, Andrew, Robert Cummins and Mark Perlman (eds), 2002, Functions: New Essays in the Philosophy of Psychology and Biology, New York/Oxford: Oxford University Press.
  • Aristotle, Physics, Translated in The Complete Works of Aristotle, Volume 1, The Revised Oxford Translation 2014, edited by Jonathan Barnes.
  • Bacon, Francis, 1627, New Atlantis: A Worke Vnfinished, in his Sylva Sylvarum: or a Naturall Historie, in Ten Centuries, London: William Lee.
  • Baum, Robert J., 1980, Ethics and Engineering Curricula, Hastings-on-Hudson: The Hastings Center.
  • Beauchamp, Tom L., 2003, “The Nature of Applied Ethics”, in Frey and Wellman 2003: 1–16. doi:10.1002/9780470996621.ch1
  • Beauchamp, Tom L. and James F. Childress, 2001, Principles of Biomedical Ethics, fifth edition, Oxford/New York: Oxford University Press.
  • Bechtel, William, 1985, “Attributing Responsibility to Computer Systems”, Metaphilosophy, 16(4): 296–306. doi:10.1111/j.1467-9973.1985.tb00176.x
  • Bijker, Wiebe E. and John Law (eds), 1992, Shaping Technology/Building Society: Studies in Sociotechnical Change, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Bimber, Bruce, 1990, “Karl Marx and the Three Faces of Technological Determinism”, Social Studies of Science, 20(2): 333–351. doi:10.1177/030631290020002006
  • Borgmann, Albert, 1984, Technology and the Character of Contemporary Life: A Philosophical Inquiry, Chicago/London: University of Chicago Press.
  • Bostrom, Nick and Eliezer Yudkowsky, 2014, “The Ethics of Artificial Intelligence”, in The Cambridge Handbook of Artificial Intelligence, edited by Keith Frankish and William M Ramsey, Cambridge: Cambridge University Press, 316–334. doi:10.1017/CBO9781139046855.020
  • Brey, Philip A.E., 2012, “Anticipatory Ethics for Emerging Technologies”, NanoEthics, 6(1): 1–13. doi:10.1007/s11569-012-0141-7
  • Briffault, R., 1930, Rational Evolution (The Making of Humanity), New York: The Macmillan Company.
  • Bucciarelli, Louis L., 1994, Designing Engineers, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Bunge, Mario, 1966, “Technology as Applied Science”, Technology and Culture, 7(3): 329–347. doi:10.2307/3101932
  • Butler, Samuel, 1872, Erewhon, London: Trubner and Co. [Butler 1872 available online]
  • Callon, Michel, 1986, “The Sociology of an Actor-Network: the Case of the Electric Vehicle”, in Mapping the Dynamics of Science and Technology: Sociology of Science in the Real World, Michel Callon, John Law and Arie Rip (eds.), London: Macmillan, pp. 19-34.
  • Cranor, Carl F., 1990, “Some Moral Issues in Risk Assessment”, Ethics, 101(1): 123–143. doi:10.1086/293263
  • Darwin, C. R., 1859, On the Origin of Species by Means of Natural Selection, or the Preservation of Favoured Races in the Struggle for Life, London: John Murray.
  • Davis, Michael, 1998, Thinking Like an Engineer: Studies in the Ethics of a Profession, New York/Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2005, Engineering Ethics, Aldershot/Burlington, VT: Ashgate.
  • –––, 2012, “‘Ain’t No One Here But Us Social Forces’: Constructing the Professional Responsibility of Engineers”, Science and Engineering Ethics, 18(1): 13–34. doi:10.1007/s11948-010-9225-3
  • Dennett, Daniel C., 1997, “When HAL kills, who’s to blame? Computer ethics”, in HAL’s Legacy: 2001’s Computer as Dream and Reality, edited by David G. Stork. Cambridge, MA: MIT Press, pp. 351–365.
  • Diels, H., 1903, Die Fragmente der Vorsokratiker, Berlin: Weidmann.
  • Dipert, Randall R., 1993, Artifacts, Art Works, and Agency, Philadelphia: Temple University Press.
  • Doorn, Neelke, 2010, “A Rawlsian Approach to Distribute Responsibilities in Networks”, Science and Engineering Ethics, 16(2): 221–249. doi:10.1007/s11948-009-9155-0
  • –––, 2012, “Responsibility Ascriptions in Technology Development and Engineering: Three Perspectives”, Science and Engineering Ethics, 18(1): 69–90. doi:10.1007/s11948-009-9189-3
  • Ellul, Jacques, 1954 [1964], La technique ou L’enjeu du siècle, Paris: Armand Colin. Translated as The Technological Society, by John Wilkinson, New York: Alfred A. Knopf, 1964.
  • Erlandson, Robert F., 2008, Universal and Accessible Design for Products, Services, and Processes, Boca Raton, LA: CRC Press.
  • Feenberg, Andrew, 1999, Questioning Technology, London/New York: Routledge.
  • Finnis, John, Joseph Boyle and Germain Grisez, 1988, Nuclear Deterrence, Morality and Realism, Oxford: Oxford University Press.
  • Floridi, Luciano, 2010, The Cambridge Handbook of Information and Computer Ethics, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9780511845239
  • Floridi, Luciano and J.W. Sanders, 2004, “On the Morality of Artificial Agents”, Minds and Machines, 14(3): 349–379. doi:10.1023/B:MIND.0000035461.63578.9d
  • Fox, Warwick, 2000, Ethics and the Built Environment, (Professional Ethics), London/New York: Routledge.
  • Franssen, Maarten, 2005, “Arrow’s Theorem, Multi-Criteria Decision Problems and Multi-Attribute Preferences in Engineering Design”, Research in Engineering Design, 16(1–2): 42–56. doi:10.1007/s00163-004-0057-5
  • Franssen, Maarten and Louis L. Bucciarelli, 2004, “On Rationality in Engineering Design”, Journal of Mechanical Design, 126(6): 945–949. doi:10.1115/1.1803850
  • Franssen, Maarten and Stefan Koller, 2016, “Philosophy of Technology as a Serious Branch of Philosophy: The Empirical Turn as a Starting Point”, in 2016, Philosophy of Technology after the Empirical Turn, (Philosophy of Engineering and Technology, 23), Maarten Franssen, Pieter E. Vermaas, Peter Kroes, and Anthonie W.M. Meijers (eds.), Cham: Springer International Publishing, 31–61. doi:10.1007/978-3-319-33717-3_3
  • Franssen, Maarten, Peter Kroes, Thomas A.C. Reydon and Pieter E. Vermaas (eds), 2014, Artefact Kinds: Ontology and the Human-Made World, Heidelberg/New York/Dordrecht/London: Springer. doi:10.1007/978-3-319-00801-1
  • Freeman, K., 1948, Ancilla to the Pre-Socratic Philosophers(A complete translation of the Fragments in Diels, Fragmente der Vorsokratiker), Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Frey, R. G. and Christopher Heath Wellman (eds), 2003, A Companion to Applied Ethics, Oxford/Malden, MA: Blackwell. doi:10.1002/9780470996621
  • Friedman, Batya and Peter H. Kahn, Jr., 2003, “Human Values, Ethics and Design”, in Handbook of Human-Computer Interaction: Fundamentals, Evolving Technologies, and Emerging Applications, edited by Julie A. Jacko and Andrew Sears, Mahwah, NJ: Lawrence Erlbaum, pp. 1177–1201.
  • Gehlen, Arnold, 1957, Die Seele im technischen Zeitalter, Hamburg: Rowohlt; translated as Man in the Age of Technology, Patricia Lipscomb (trans.), New York: Columbia University Press, 1980.
  • Habermas, Jürgen, 1968 [1970], “Technik und Wissenschaft als ‘Ideologie’” in an an anthology of the same name, Frankfurt: Suhrkamp Verlag. Translated as “Technology and Science as ‘Ideology’”, in his Toward a Rational Society: Student Protest, Science, and Politics, Jeremy J. Shapiro (trans.), Boston, MA: Beacon Press, pp. 81–122.
  • Hansson, Sven Ove, 2003, “Ethical Criteria of Risk Acceptance”, Erkenntnis, 59(3): 291–309. doi:10.1023/A:1026005915919
  • –––, 2004a, “Fallacies of Risk”, Journal of Risk Research, 7(3): 353–360. doi:10.1080/1366987042000176262
  • –––, 2004b, “Philosophical Perspectives on Risk”, Techné, 8(1): 10–35. doi:10.5840/techne2004818
  • –––, 2007, “Philosophical Problems in Cost-Benefit Analysis”, Economics and Philosophy, 23(2): 163–183. doi:10.1017/S0266267107001356
  • Harris, Charles E., Michael S. Pritchard and Michael J. Rabins, 2008, Engineering Ethics: Concepts and Cases, fourth edition, Belmont, CA: Wadsworth.
  • Heidegger, Martin, 1954 [1977], “Die Frage nach der Technik”, in Vorträge und Aufsätze, Pfullingen: Günther Neske; translated as “The Question concerning Technology”, in The Question Concerning Technology and Other Essays, William Lovitt (trans.), New York: Harper and Row, 1977, pp. 3–35.
  • Herkert, Joseph R., 2001, “Future Directions in Engineering Ethics Research: Microethics, Macroethics and the Role of Professional Societies”, Science and Engineering Ethics, 7(3): 403–414. doi:10.1007/s11948-001-0062-2
  • Hilpinen, Risto, 1992, “Artifacts and Works of Art”, Theoria, 58(1): 58–82. doi:10.1111/j.1755-2567.1992.tb01155.x
  • Holt, Raymond and Catherine Barnes, 2010, “Towards an Integrated Approach to ‘Design for X’: An Agenda for Decision-Based DFX Research”, Research in Engineering Design, 21(2): 123–136. doi:10.1007/s00163-009-0081-6
  • Horkheimer, Max and Theodor W. Adorno, 1947 [2002], Dialektik der Aufklärung: Philosophische Fragmente, Amsterdam: Querido Verlag; translated as Dialectic of Enlightenment: Philosophical Fragments, Gunzelin Schmid Noerr (ed.), Edmund Jephcott (trans.), Stanford, CA: Stanford University Press, 2002.
  • Houkes, Wybo, 2009, “The Nature of Technological Knowledge”, in Meijers 2009: 309–350. doi:10.1016/B978-0-444-51667-1.50016-1
  • Houkes, Wybo and Pieter E. Vermaas, 2010, Technical Functions: on the Use and Design of Artefacts, Dordrecht/Heidelberg/London /New York: Springer. doi:10.1007/978-90-481-3900-2
  • Hughes, Jesse, Peter A. Kroes, and Sjoerd Zwart, 2007, “A Semantics for Means-End Relations”, Synthese, 158(2): 207–231. doi:10.1007/s11229-006-9036-x
  • Ihde, Don, 1979, Technics and Praxis, Dordrecht/Boston/Lancaster: D. Reidel.
  • –––, 1990, Technology and the Lifeworld: from Garden to Earth, Bloomington: Indiana University Press.
  • –––, 1993, Philosophy of Technology: An Introduction, New York: Paragon.
  • Ihde, Don and Evan Selinger, 2003, Chasing Technoscience: Matrix for Materiality, Bloomington: Indiana University Press.
  • Illies, Christian and Anthonie Meijers, 2009, “Artefacts Without Agency”, The Monist, 92(3): 420–440. doi:10.5840/monist200992324
  • Jarvie, Ian C., 1966, “The Social Character of Technological Problems: Comments on Skolimowski’s Paper”, Technology and Culture, 7(3): 384–390. doi:10.2307/3101936
  • Johnson, Deborah G., 2003, “Computer Ethics”, in Frey and Wellman 2003: 608–619. doi:10.1002/9780470996621.ch45
  • –––, 2006, “Computer Systems: Moral Entities But Not Moral Agents”, Ethics and Information Technology, 8(4): 195–205. doi:10.1007/s10676-006-9111-5
  • –––, 2009, Computer Ethics, fourth edition. Upper Saddle River, NJ: Prentice Hall.
  • Johnson, Deborah G. and Thomas M. Powers, 2005, “Computer Systems and Responsibility: A Normative Look at Technological Complexity”, Ethics and Information Technology, 7(2): 99–107. doi:10.1007/s10676-005-4585-0
  • Jonas, Hans, 1979 [1984], Das Prinzip Verantwortung: Versuch einer Ethik für die technologische Zivilisation, Frankfurt/Main: Suhrkamp; extended English edition The Imperative of Responsibility: in Search of An Ethics for the Technological Age, Chicago/London: University of Chicago Press, 1984.
  • Kaplan, David M. (ed.), 2004 [2009], Readings in the Philosophy of Technology, Lanham, MD/Oxford: Rowman and Littlefield, first edition 2004, second revised edition 2009.
  • Kapp, Ernst, 1877 [2018], Grundlinien Einer Philosophie Der Technik: Zur Entstehungsgeschichte Der Cultur Aus Neuen Gesichtspunkten, Braunschweig: Westermann [Kapp 1877 available online]; translated as Elements of a Philosophy of Technology: On the Evolutionary History of Culture, Jeffrey West Kirkwood and Leif Weatherby (eds.), Lauren K. Wolfe (trans.), Minneapolis, MN: University of Minnesota Press, 2018.
  • Keulartz, Jozef, Michiel Korthals, Maartje Schermer, and Tsjalling Swierstra (eds), 2002, Pragmatist Ethics for a Technological Culture, Dordrecht: Kluwer Academic. doi:10.1007/978-94-010-0301-8
  • Kitcher, Philip, 2001, Science, Truth, and Democracy, Oxford, New York: Oxford University Press.
  • –––, 2011. The Ethical Project, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Kneese, Allen V., Shaul Ben-David and William D. Schulze, 1983, “The Ethical Foundations of Benefit-Cost Analysis”, in Energy and the Future, edited by Douglas E. MacLean and Peter G. Brown, Totowa, NJ: Rowman and Littefield, pp. 59–74.
  • Kotarbinski, Tadeusz, 1965, Praxiology: An Introduction to the Sciences of Efficient Action, Oxford: Pergamon Press.
  • Kroes, Peter, 2012, Technical Artefacts: Creations of Mind and Matter, Dordrecht/Heidelberg/New York/London: Springer. doi:10.1007/978-94-007-3940-6
  • Kroes, Peter and Anthonie Meijers (eds), 2006, “The Dual Nature of Technical Artifacts”, Special issue of Studies in History and Philosophy of Science, 37(1): 1–158. doi:10.1016/j.shpsa.2005.12.001
  • Kroes, Peter, Maarten Franssen, and Louis Bucciarelli, 2009, “Rationality in Design”, in Meijers 2009: 565–600. doi:10.1016/B978-0-444-51667-1.50025-2
  • Kroes, Peter and Peter-Paul Verbeek (eds), 2014, The Moral Status of Technical Artefacts, Dordrecht: Springer. doi:10.1007/978-94-007-7914-3
  • Kuhn, Thomas S., 1962, The Structure of Scientific Revolutions, Chicago: University of Chicago Press.
  • Ladd, John, 1991, “Bhopal: An Essay on Moral Responsibility and Civic Virtue”, Journal of Social Philosophy, 22(1): 73–91. doi:10.1111/j.1467-9833.1991.tb00022.x
  • Latour, Bruno, 1992, “Where Are the Missing Masses?”, in Bijker and Law 1992: 225–258.
  • –––, 1993, We Have Never Been Modern, New York: Harvester Wheatsheaf.
  • –––, 2005, Reassembling the Social: An Introduction to Actor-Network-Theory, Oxford, New York: Oxford University Press.
  • Lawson, Clive, 2008, “An Ontology of Technology: Artefacts, Relations and Functions”, Technè, 12(1): 48–64. doi:10.5840/techne200812114
  • –––, 2017, Technology and Isolation, Cambridge/New York: Cambridge University Press. doi:10.1017/9781316848319
  • Lin, Patrick, Keith Abney and Ryan Jenkins (eds), 2017, Robot Ethics 2.0: From Autonomous Cars to Artificial Intelligence, Oxford/New York: Oxford University Press.
  • Lloyd, G.E.R., 1973, “Analogy in Early Greek Thought”, in The Dictionary of the History of Ideas, edited by Philip P. Wiener, New York: Charles Scribner’s Sons, vol. 1 pp. 60–64. [Lloyd 1973 available online]
  • Lloyd, Peter A. and Jerry A. Busby, 2003, “‘Things that Went Well—No Serious Injuries or Deaths’: Ethical Reasoning in a Normal Engineering Design Process”, Science and Engineering Ethics, 9(4): 503–516. doi:10.1007/s11948-003-0047-4
  • Mahner, Martin and Mario Bunge, 2001, “Function and Functionalism: A Synthetic Perspective”, Philosophy of Science, 68(1): 73–94. doi:10.1086/392867
  • Marcuse, Herbert, 1964, One-Dimensional Man: Studies in the Ideology of Advanced Industrial Society, New York: Beacon Press/London: Routledge and Kegan Paul.
  • Martin, Miles W. and Roland Schinzinger, 2005, Ethics in Engineering, fourth edition, Boston, MA: McGraw-Hill.
  • McGinn, Robert E., 2010, “What’s Different, Ethically, About Nanotechnology? Foundational Questions and Answers”, NanoEthics, 4(2): 115–128. doi:10.1007/s11569-010-0089-4
  • Meijers, Anthonie (ed.), 2009, Philosophy of Technology and Engineering Sciences, (Handbook of the Philosophy of Science, volume 9), Amsterdam: North-Holland.
  • Millikan, Ruth Garrett, 1999, “Wings, Spoons, Pills, and Quills: A Pluralist Theory of Function”, The Journal of Philosophy, 96(4): 191–206. doi:10.5840/jphil199996428
  • Mitcham, Carl, 1994, Thinking Through Technology: The Path Between Engineering and Philosophy, Chicago: University of Chicago Press.
  • Mittelstadt, Brent Daniel, Patrick Allo, Mariarosaria Taddeo, Sandra Wachter and Luciano Floridi, 2016, “The Ethics of Algorithms: Mapping the Debate”, Big Data & Society, 3(2): 1–21. doi:10.1177/2053951716679679
  • Moor, James H., 1985, “What is Computer Ethics?” Metaphilosophy, 16(4): 266–275. doi:10.1111/j.1467-9973.1985.tb00173.x
  • –––, 2006, “The Nature, Importance, and Difficulty of Machine Ethics”, IEEE Intelligent Systems, 21(4): 18–21. doi:10.1109/MIS.2006.80
  • Mumford, Lewis, 1934, Technics and Civilization, New York: Harcourt, Brace and Company/London: Routledge and Kegan Paul.
  • Newman, William R., 2004, Promethean Ambitions: Alchemy and the Quest to Perfect Nature, Chicago: University of Chicago Press.
  • Niiniluoto, Ilkka, 1993, “The Aim and Structure of Applied Research”, Erkenntnis, 38(1): 1–21. doi:10.1007/BF01129020
  • Nissenbaum, Helen, 1996, “Accountability in a Computerized Society”, Science and Engineering Ethics, 2(1): 25–42. doi:10.1007/BF02639315
  • Nucci, Ezio Di and Filippo Santoni de Sio, 2016, Drones and Responsibility: Legal, Philosophical and Socio-Technical Perspectives on Remotely Controlled Weapons, Milton Park: Routledge.
  • Olsen, Jan Kyrre Berg, Evan Selinger and Søren Riis (eds), 2009, New Waves in Philosophy of Technology, Basingstoke/New York: Palgrave Macmillan. doi:10.1057/9780230227279
  • Owen, Richard, John Bessant, and Maggy Heintz, 2013, Responsible Innovation: Managing the Responsible Emergence of Science and Innovation in Society, Chichester: John Wiley. doi:10.1002/9781118551424
  • Peterson, Martin and Andreas Spahn, 2011, “Can Technological Artefacts be Moral Agents?” Science and Engineering Ethics, 17(3): 411–424. doi:10.1007/s11948-010-9241-3
  • Pitt, Joseph C., 1999, Thinking About Technology: Foundations of the Philosophy of Technology, New York: Seven Bridges Press.
  • Plato, Laws, 2016, M. Schofield (ed.), T. Griffith (tr.), Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, Timaeus and Critias, 2008, R. Waterfield (tr.), with introduction and notes by A. Gregory, Oxford: Oxford University Press.
  • Polanyi, Michael, 1958, Personal Knowledge: Towards a Post-Critical Philosophy, London: Routledge and Kegan Paul.
  • Preston, Beth, 1998, “Why is a Wing Like a Spoon? A Pluralist Theory of Function”, The Journal of Philosophy, 95(5): 215–254. doi:10.2307/2564689
  • –––, 2003, “Of Marigold Beer: A Reply to Vermaas and Houkes”, British Journal for the Philosophy of Science, 54(4): 601–612. doi:10.1093/bjps/54.4.601
  • –––, 2012, A Philosophy of Material Culture: Action, Function, and Mind, New York/Milton Park: Routledge.
  • Preston, Christopher J. (ed.), 2016, Climate Justice and Geoengineering: Ethics and Policy in the Atmospheric Anthropocene, London/New York: Rowman & Littlefield International.
  • Radder, Hans, 2009, “Why Technologies Are Inherently Normative”, in Meijers 2009: 887–921. doi:10.1016/B978-0-444-51667-1.50037-9
  • Roeser, Sabine, 2012, “Moral Emotions as Guide to Acceptable Risk”, in Roeser et al. 2012: 819–832. doi:10.1007/978-94-007-1433-5_32
  • Roeser, Sabine, Rafaela Hillerbrand, Per Sandin, and Martin Peterson (eds), 2012, Handbook of Risk Theory: Epistemology, Decision Theory, Ethics, and Social Implications of Risk, Dordrecht/Heidelberg/London/New York: Springer. doi:10.1007/978-94-007-1433-5
  • Ryle, Gilbert, 1949, The Concept of Mind, London: Hutchinson.
  • Scharff, Robert C. and Val Dusek (eds), 2003 [2014], Philosophy of Technology: The Technological Condition, Malden, MA/Oxford: Blackwell, first edition 2003, second [revised] edition 2014.
  • Schummer, Joachim, 2001, “Aristotle on Technology and Nature”, Philosophia Naturalis, 38: 105–120.
  • Sclove, Richard E., 1995, Democracy and Technology, New York: The Guilford Press.
  • Sellars, Wilfrid, 1962, “Philosophy and the Scientific Image of Man”, in Frontiers of Science and Philosophy, edited by R. Colodny, Pittsburgh: University of Pittsburgh Press, pp. 35–78.
  • Sherlock, Richard and John D. Morrey (eds), 2002, Ethical Issues in Biotechnology, Lanham: Rowman and Littlefield.
  • Shrader-Frechette, Kristen S., 1985, Risk Analysis and Scientific Method: Methodological and Ethical Problems with Evaluating Societal Hazards, Dordrecht/Boston: D. Reidel.
  • –––, 1991, Risk and Rationality: Philosophical Foundations for Populist Reform, Berkeley etc.: University of California Press.
  • Simon, Herbert A., 1957, Models of Man, Social and Rational: Mathematical Essays on Rational Human Behavior in a Social Setting, New York: John Wiley.
  • –––, 1969, The Sciences of the Artificial, Cambridge, MA/London: MIT Press.
  • –––, 1982, Models of Bounded Rationality, Cambridge, MA/London: MIT Press.
  • Skolimowski, Henryk, 1966, “The Structure of Thinking in Technology”, Technology and Culture, 7(3): 371–383. doi:10.2307/3101935
  • Snapper, John W., 1985, “Responsibility for Computer-Based Errors”, Metaphilosophy, 16(4): 289–295. doi:10.1111/j.1467-9973.1985.tb00175.x
  • Soavi, Marzia, 2009, “Realism and Artifact Kinds”, in Functions in Biological and Artificial Worlds: Comparative Philosophical Perspectives, edited by Ulrich Krohs and Peter Kroes. Cambridge, MA: MIT Press, pp. 185–202. doi:10.7551/mitpress/9780262113212.003.0011
  • Suh, Nam Pyo, 2001, Axiomatic Design: Advances and Applications, Oxford/New York: Oxford University Press.
  • Swierstra, Tsjalling and Jaap Jelsma, 2006, “Responsibility Without Moralism in Technoscientific Design Practice”, Science, Technology and Human Values, 31(1): 309–332. doi:10.1177/0162243905285844
  • Swierstra, Tsjalling and Hedwig te Molder, 2012, “Risk and Soft Impacts”, in Roeser et al. 2012: 1049–1066. doi:10.1007/978-94-007-1433-5_42
  • Taebi, Behnam and Sabine Roeser (eds), 2015, The Ethics of Nuclear Energy: Risk, Justice, and Democracy in the Post-Fukushima Era, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9781107294905
  • Tavani, Herman T., 2002, “The Uniqueness Debate in Computer Ethics: What Exactly is at Issue, and Why Does it Matter?” Ethics and Information Technology, 4(1): 37–54. doi:10.1023/A:1015283808882
  • Thomasson, Amie L., 2003, “Realism and Human Kinds”, Philosophy and Phenomenological Research, 67(3): 580–609. doi:10.1111/j.1933-1592.2003.tb00309.x
  • –––, 2007, “Artifacts and Human Concepts”, in Creations of the Mind: Essays on Artifacts and Their Representation, edited by Eric Margolis and Stephen Laurence, Oxford: Oxford University Press, pp. 52–73.
  • Thompson, Dennis F., 1980, “Moral Responsibility and Public Officials: The Problem of Many Hands”, American Political Science Review, 74(4): 905–916. doi:10.2307/1954312
  • Thompson, Paul B., 2007, Food Biotechnology in Ethical Perspective, second edition, Dordrecht: Springer. doi:10.1007/1-4020-5791-1
  • van den Hoven, Jeroen and John Weckert (eds), 2008, Information Technology and Moral Philosophy, Cambridge/New York: Cambridge University Press.
  • van den Hoven, Jeroen, Pieter E. Vermaas and Ibo van de Poel (eds), 2015, Handbook of Ethics and Values in Technological Design: Sources, Theory, Values and Application Domains, Dordrecht: Springer. doi:10.1007/978-94-007-6994-6
  • van de Poel, Ibo, 2009, “Values in Engineering Design”, in Meijers 2009: 973–1006. doi:10.1016/B978-0-444-51667-1.50040-9
  • –––, 2016, “An Ethical Framework for Evaluating Experimental Technology”, Science and Engineering Ethics, 22(3): 667–686. doi:10.1007/s11948-015-9724-3
  • van de Poel, Ibo and Lambèr Royakkers, 2011, Ethics, Technology and Engineering, Oxford: Wiley-Blackwell.
  • van de Poel, Ibo, Lambèr Royakkers, and Sjoerd D. Zwart, 2015, Moral Responsibility and the Problem of Many Hands, London: Routledge.
  • van der Pot, Johan Hendrik Jacob, 1985 [1994/2004], Die Bewertung des technischen Fortschritts: eine systematische Übersicht der Theorien, 2 volumes, Assen/Maastricht: Van Gorcum; translated as Steward or Sorcerer’s Apprentice? the Evaluation of Technical Progress: A Systematic Overview of Theories and Opinions, Chris Turner (trans.), 2 volumes., Delft: Eburon, 1994, second edition, 2004, under the title Encyclopedia of Technological Progress: A Systematic Overview of Theories and Opinions.
  • Verbeek, Peter-Paul, 2000 [2005], De daadkracht der Dingen: Over Techniek, Filosofie En Vormgeving, Amsterdam: Boom. Translated as What Things Do: Philosophical Reflections on Technology, Agency, and Design, by Robert P. Crease. University Park, PA: Penn State University Press, 2005.
  • –––, 2011, Moralizing Technology: Understanding and Designing the Morality of Things, Chicago/London: The University of Chicago Press.
  • Vermaas, Peter E. and Wybo Houkes, 2003, “Ascribing Functions to Technical Artefacts: A Challenge to Etiological Accounts of Functions”, British Journal for the Philosophy of Science, 54(2): 261–289. doi:10.1093/bjps/54.2.261
  • Vincenti, Walter A., 1990, What Engineers Know and How They Know It: Analytical Studies from Aeronautical History, Baltimore, MD/London: Johns Hopkins University Press.
  • Vitruvius, first ct BC, De architecture, translated as The Ten Books on Architecture, by Morris H. Morgan. Cambridge, MA: Harvard University Press, 1914. [Vitruvius Morgan’s translation 1914 available online]
  • Volti, Rudi, 2009, Society and Technological Change, sixth edition, New York: Worth Publications.
  • Von Wright, Georg Henrik, 1963, Norm and Action: A Logical Enquiry, London: Routledge and Kegan Paul.
  • Wallach, Wendell, and Colin Allen, 2009, Moral Machines: Teaching Robots Right from Wrong, Oxford/New York: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780195374049.001.0001
  • Weckert, John, 2007, Computer Ethics, Aldershot/Burlington, VT: Ashgate.
  • Wiggins, David, 1980, Sameness and Substance, Oxford: Blackwell.
  • Winner, Langdon, 1977, Autonomous Technology: Technics-out-of-Control as a Theme in Political Thought, Cambridge, MA, London: MIT Press.
  • –––, 1980, “Do Artifacts Have Politics?” Daedalus, 109(1): 121–136.
  • –––, 1983, “Techné and Politeia: The Technical Constitution of Society”, in Philosophy and Technology, (Boston studies in the philosophy of science vol. 80), edited by Paul T. Durbin and Friedrich Rapp. Dordrecht/Boston/Lancaster: D. Reidel, pp. 97–111. doi:10.1007/978-94-009-7124-0_7
  • Zandvoort, H., 2000, “Codes of Conduct, the Law, and Technological Design and Development”, in The Empirical Turn in the Philosophy of Technology, edited by Peter Kroes and Anthonie Meijers, Amsterdam: JAI/Elsevier, pp. 193–205.
  • Zwart, Sjoerd D., Ibo van de Poel, Harald van Mil and Michiel Brumsen, 2006, “A Network Approach for Distinguishing Ethical Issues in Research and Development”, Science and Engineering Ethics, 12(4): 663–684. doi:10.1007/s11948-006-0063-2

Journals

Encyclopedias

  • Encyclopedia of Science, Technology, and Ethics, 4 volumes, Carl Mitcham (ed.), Macmillan, 2005.
  • Encyclopedia of Applied Ethics, second edition, 4 volumes, Ruth Chadwick (editor-in-chief), Elsevier, 2012.

أدوات أكاديمية

 

How to cite this entry.

 

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

 

Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).

 

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

Aristotle, Special Topics: causality | artifact | Bacon, Francis | Chinese room argument | Church-Turing Thesis | computability and complexity | computer science, philosophy of | computing: and moral responsibility | episteme and techne [= scientific knowledge and expertise] | functionalism | identity: over time | identity: relative | information technology: and moral values | knowledge how | material constitution | mind: computational theory of | moral responsibility | multiple realizability | Popper, Karl | practical reason | rationality: instrumental | responsibility: collective | risk | sortals | Turing machines | Turing test

Acknowledgments

The SEP Editors would like to thank Carl Mitcham for his helpful comments on, and suggestions for, this entry. The authors would like to thank Gintautas Miliauskas (Vilnius University) for carefully proofreading the original version of this text and suggesting numerous improvements.


[1] Franssen, Maarten, Gert-Jan Lokhorst, and Ibo van de Poel, “Philosophy of Technology”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2018 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2018/entries/technology/>.