مجلة حكمة
من هو ابن سينا إبن سينا للفلسفة

من هو ابن سينا

الكاتبديمتري جوتاس
ترجمةعمرو بسيوني
تحميلنسخة PDF
Gutas ديمتري جوتاس ابن سينا
د. ديمتري جوتاس

مدخل فلسفي حول الاجابة عن سؤال من هو ابن سينا؟، نص مترجم ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها بعض التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


من هو ابن سينا؟

أبو علي الحسين بن عبد الله ابن سينا (حوالي 970-1037م)، الفيلسوفَ والطبيبَ البارز في العالم الإسلامي(1)، لقد دمج في أعماله خيوط التفكير الفلسفي/العلمي(2) المتباينة في العصور اليونانية القديمة والإسلام المبكر، في نظامٍ علمي صارم ومتّسق، أحاط فيه وشرَح الواقع كلَّه، بما في ذلك مبادئ الدين الموحى به وتفاصيله اللاهوتية والرُّوحية [الصوفية].

يمثِّل مذهب ابن سينا، بصياغته المتكامل والشاملة للعلم والفلسفة؛ ذروةً التقليد الهلليني، الذي قضى في اليونان بعد القرن السادس، وولِد من جديد باللغة العربية في القرن التاسع (Gutas 2004a, 2010). لقد سيطر تقليدُه على الحياة الفكرية في العالم الإسلامي لعدّة قرون لاحقة، وتراوحت ردودُ الفعل المتنوعة تجاهه من القَبول إلى المراجعة إلى النقض إلى استبداله بالبِنى المتجاوِزة للفلسفة، والتطورات الحتمية في الفلسفة والعلم والدين والثيولوجيا والتصوف.

وبدْءًا من القرن الثاني عشر، أثّرت فلسفة ابن سينا في ترجماتها اللاتينية بشكل كبير على فلاسفة وعلماء العصور الوسطى وعصر النهضة، تمامًا كما شكَّلت الترجمة اللاتينية لكتابه الطبّي: القانون، (GMed 1)، الذي نقِّح في الغالب؛ أساسَ التعليم الطبي في الجامعات الأوروبية حتى القرن السابع عشر. قَبِل العلماء اليهود والمسيحيون العربُ في الإسلام معظمَ أفكاره (ولاسيما موسى بن ميمون في دلالة الحائرين باللغة العربية، وابن العبري في زبدة الحكمة)، إلى حدّ أنهم كانوا يكتبونها لمجتمعاتهم الخاصة وليس كأعضاء في المجتمع الإسلامي.

واستخدمت الجماعات اليهودية في أوروبا الترجمات العبرية لبعض أعماله، على الرغم من أنها كانت أقلَّ تقبُّلًا لأفكاره من نظرائهم الكاثوليك الرومان، حيث كانوا يفضّلون ابن رشدَ عليه. كان الروم الأرثوذوكس في القسطنطينية غيرَ مُبالين تمامًا بالتطورات الفلسفية في الخارج (والمعادية لأولئك الذين في الداخل)، ولم يعرفوا اسمَ ابن سينا إلّا من خلال ظهوره في الترجمات اليونانية للنصوص السكولاستية اللاتينية التي بدأت بعد الحملة الصليبية الرابعة. ومن حيث تأثيره على التاريخ الفكري للعالم في الغرب (غرب الهند وما يليها)؛ يحتلُّ ابن سينا المرتبة الثانية بعد أرسطو، حيث اعتُرف به بصورة واضحةٍ في العالم الإسلام، وأُطلِق عليه: الشيخ الرئيس بعد أرسطو، الذي أَطْلق عليه ابن سينا: المعلِّمَ الأول.


1. حياة ابن سينا وأعماله

1.1 سيرة ابن سينا

في مرحلةٍ ما من سنوات عمر الأخيرة، كتب ابنُ سينا، أو أملى على تلميذه وصاحبه وناسخه أبي عبيد الجوزجاني سيرتَه الذاتية، ووصل بها إلى الوقت الذي التقيا فيه لأول مرة في المرحلة الوسطى من عمره، ليُكمل الجوزجاني سيرتَه الذاتية بعد هذه النقطة بعد وقت قصيرٍ من وفاة أستاذه عام (1037م). إن ذلك التأليف في الترجمة/أو السيرة الذاتية، والذي يحتوي أيضًا على ببليوغرافيات، ونُقِل كوثيقة مُفردة (Gohlman 1974)؛ لهو ممثِّلٌ مبكر لنوع من الأدبيات العربية التي نمَّاها العلماء والباحثون في الإسلام في عصوره الوسطى (Gutas 2015).

إنه أيضًا مصدرُنا الأكثر شمولية حول حياة ابن سينا والعصور التي عاشها. وُلد ابنُ سينا، وفقًا لهذ الوثيقة، في أَفْشَنَة، من القرى التي تقع في ضواحي مدينة بُخارَى الكبيرة، في وقتٍ ما في العقد السابع من القرن العاشر الميلادي، ربما في أوائل عام (964م)، ولم يكن من الممكن تحديد سنة ولادته بدقّة أكبر(3). وأصل والدِه من بلخ في أقصى الجنوب الشرقي، ثم انتقل شمالًا عندما كان شابًّا للبحث عن عملٍ (أفضل)، وكان موظفًا حكوميًّا، وعمل حاكمًا لقرية خَرْمَيْثن القريبة.

لقد كان يعمل لدى الأسرة السامانية الفارسية التي حكمت ما وراء النهر وخراسان واتخذت بخارَى عاصمةً لها (819-1005م)، حيث انتقلت العائلة عندما كان ابن سينا لا يزال صغيرًا. نشأ ابن سينا وتعلَّم هناك، وبدأ حياته العلمية الفلسفية كأحد أفراد النخبة المتعلمة في الأوساط السياسية القريبة من السامانيين.

تقع بخارى على إحدى المسارات التجارية الرئيسة لطريق الحرير بين سمرقند ومَرْو، وكانت مِثْلُ هذه المدن وغيرها على طول طريق الحرير نشِطة اقتصاديًّا وثقافيًّا منذ عصور ما قبل الإسلام. وفي عهد السامانيين في القرنيْن التاسع والعاشر، الذين اتبعوا أجندةً مدروسة للإحياء اللُّغَوي الفارسي وكذلك الترويج للثقافة العربية الإسلامية الرفيعة التي تنطلق من بغداد وسط العالم الإسلامي؛ فقد وفّروا بيئةً متطوّرة ونقية لازدهار الفنون والعلوم.

احتوت مكتبةُ قصر السامانيين، حيث سمح للمراهق ابن سينا بالزيارة والدراسة بعد معالجته الناجحة للحاكم المريض؛ على كتبٍ في جميع المجالات، بما في ذلك كتب اليونان القديمة مترجمةً إلى العربية، على نحوٍ لم يسبق له مثيلٌ من قبل ولا في عصرها (Gohlman 1974, 37).. كان هذا نتيجةً للإنجاز الثقافي والعلمي والفلسفي الذي يجري في بغداد بسبب النظرة العقلانية للشؤون السياسية والاجتماعية التي تبنَّتها الأُسرةُ العباسية عند وصولها إلى السلطة عام (750م) وحركة الترجمة اليونانية-العربية المصاحبة لها (Gutas 1998; Gutas 2014a, 359–62). ولم تكن بخارى مدينة ريفية، حيث كانت تعج بالعلماء المقيمين والمفكرين الزائرين.

تلقَّى ابنُ سينا ​​تعليمًا ممتازًا في جميع المجالات، لكنه أسهب في السيرة الذاتية في الحديث عن دراسته للعلوم الفكرية، أي المنهج الفلسفي المعمول به في المدارس اليونانية للتعليم العالي في العصور القديمة المتأخرة، وبخاصة في الإسكندرية. كانت هذه العلوم تتألَّف من المنطق كأداة للفلسفة (الأورغانون) (Organon)، والعلوم النَّظرية [الثلاثة]: الفيزياء (العلوم الطبيعية)، والرياضيات (التعاليم [الأربعة] quadrivium: الحساب، والهندسة، وعلم الفلك [الهيئة]، والموسيقى)، والميتافيزيقيا -، والعلوم العملية [الثلاثة]: الأخلاق، وعلم الاقتصاد [المنزلي] (إدارة الأسرة)، والسياسة.

يشير ابنُ سينا إلى أنه درس هذه المجالات بنفسِه، بهذا الترتيب، على مستويات متدرجةٍ تصاعديًّا من الصعوبة، وأنه حقق الكفاية فيها عند بلوغه الثامنة عشرة. وفي ذلك الوقت تقريبًا سمح له بزيارة مكتبة حاكم السامانيين، المذكورة أعلاه قريبًا، حيث، كما يقول،

«قرأ تلك الكتب، وأتقن ما فيها، وعرَفَ أدرك مدى تقدُّمِ كلِّ رجلٍ في علمه» (Gohlman 1974, 36; transl. Gutas 2014a, 18).

بعد ذلك بوقت قصير، كتبَ أوَّلَ أعمالِه: كتاب في النفس، (GP 10)، الذي أهداه إلى الحاكم في امتنانٍ واضح لإذنه بزيارة المكتبة. نمت شهرته، وعندما كان في الحادية والعشرين من عمره طَلب منه أحد الجيران يسمَّى العروضي أن يكتب «عملًا شاملًا» في جميع الفلسفة، وهو ما فعله (الحكمة العروضية، GS 2)، حيث تناول جميعَ الموضوعات المذكورة أعلاه باستثناء الرياضيات.

ثم طلب منه أحدُ الجيران الآخرين، وهو البركي، أن يشرح كتبَ الفلسفة في جميع الموضوعات – والمقصود كتب أرسطو بصورة أساسية -، فالتزم بكتابة كتابٍ من عشرين مجلداً سمَّاه: الحاصل والمحصول (GS 10)، وكتب كتابًا من مجلدين في العُلوم العَمَلِيّة، وهو: البِرُّ والإثم (GPP 1). واضطر إلى العَمَلِ بعد أن توفِّيَ والدُه في هذه الأثناء، لكن من الواضح أنه لم يجد صعوبةً في العثور على وظيفة في الإدارة المالية للسَّامانيين.

ولكنْ ضرب التاريخُ ضربتَه ليُنهي وجود ابن سينا المثالي في العمل الآمن والشُّهرة الفكرة وإعجاب مواطنيه. وضع القراخانيون الأتراك عام (999م) حدًّا فعليًّا للسامانيين واستولوا على بخارى. كان رأي ابن سينا واضحًا بسبب ارتباطه الوثيق بالأسرة الحاكمة وموقعه الرفيع في الإدارة السامانية، لقد رأى أن من المناسب الفرار من بخارى. لا يقدم ابن سينا في السيرة الذاتية أيَّ سياقٍ سياسيٍّ لقراره، لكنه يقول فقط «دعتني الضرورة إلى الإحلال ببخارى» (Gohlman 1974, 40–41)، على الرغم من أن طبيعة هذه «الضرورة» لا يمكن أن يخطئها معاصروه وحتى نحن.

وهكذا بدأت مسيرة ابن سينا المتجوِّلة مدى الحياة، وسعيُه المصاحب للرعاية والتوظيف (Reisman 2013). في البداية، انتقل شمالًا إلى جرجانج [كركانج] في خوارزم (999؟ -1012م)، لكنه اضطُر في النهاية إلى المغادرة مجددًا وسافر غربًا ليبقى لفترة (1012-1014م؟) أولًا في جرجان، قبالة جنوب شرق بحر قزوين، ثم انتقل إلى قلب إيران، في الري (1014؟ -1015م)، وفي همذان (1015-1024؟م)، وأخيرًا في أصفهان (1024؟ – 1037م)، في بلاط علاء الدولة، الحاكم الكاكوي في المنطقة (Gutas 2014b-I, 6–9). خدم ابنُ سينا الحُكَّامَ المحلّيّين المختلفين في هذه المدن بكل تأكيد بصفته طبيبًا ومستشارًا سياسيًّا، وهي وظائف كان قد تولاها بالفعل في بلاده، وأيضًا كعالمٍ مقيم.

لقد جرى الانخراط في العلوم والفلسفة خلال القرون العباسية الثلاثة الأولى (750-1050م) في الإسلام في الغالب تحت الرعاية السياسية للحُكَّام، والنخبة الحاكِمة التي كانت الراعية والمستهلكة أيضًا للإنتاج العلمي. لقد كان أمرًا أكيدًا من هيبة الحاكم أن يكونَ مُحاطًا بكبار العلماء في عصر، والأهم من ذلك من الناحية السياسية أنه اعتُبرت رعايةُ العلوم أيضًا بمثابة إضفاء الشرعية على حقه في العرش الذي يشغله. نتيجةً لذلك، أبدى العديدُ من الحكَّام اهتمامًا هائلًا بالعلم في حد ذاته بدافع الرغبة في الظهور بمظهر المعرفة والمشاركة في المناقشات العلمية، والتي تحدث عادة في المنتديات السياسية.

ولهذا السبب، نجد أنَّ ابن سينا يشارك في بعض الخلافات السياسية/الفكرية في بعض المدن التي عاش فيها، ويخاطب النُّخبَ السياسية في دفاعه بطرحٍ علميٍّ بدلًا من الخطاب السياسي (Michot 2000; Reisman 2013, 14–22; Gutas 2014a, الكتابات الشخصية المدرجة ص 503). كان العلم أكثر ارتباطًا بالحياة والخطاب الاجتماعي والسياسي خلال هذه الفترة، وكان ذلك أيضًا عاملًا مهمًّا في انتشاره السريع وتطوره في العالم الإسلامي.

في بلاط علاء الدولة في أصفهان حيث أمضى آخر ثلاثة عشر عامًا أو نحو ذلك، تمتّع ابنُ سينا بالتقدير الذي شعر أنه يستحقه. لم تتوقَّفْ إنتاجيّتُه قط، حتى خلال هذه السنوات التي كانت مضطربة عسكريًّا وسياسيًّا. أكمل في هذه الفترة كتابَه الرئيس: الشِّفاء (GS 5)، وأربعة مختصرات أخرى في الفلسفة، إلى جانب رسائل أقصر، وأجرى مراسلات فلسفية قوية مع الطلاب والأتباع ردًّا على الأسئلة التي أثاروها حول نقاط متنوعة في المنطق والفيزياء والميتافيزيقيا. توفي ابن سينا عام (1037م) في همَذان. ثَمَّة ضريحٌ في تلك المدينة اليوم يقال إنه له.

2.1 مؤلفات ابن سينا

على الرغم من حياة الارتحال التي قضاها ابن سينا في أزمنة ومناطق مضطربة تاريخيًّا، فضلًا عن الظروف الشخصية غير المواتية التي وجد فيها نفسه في كثير من الأحيان (كما روى في السيرة الذاتية، أو جاء في ترجمته، Gohlman 1974)، كان ابن سينا مُنتجًا بشكل رهيب، حتى بمعايير المؤلفين غزيري الإنتاج في الكتابة باللغة العربية في الإسلام في العصور الوسطى. يقول في سيرته الذاتية إنه ببلوغه الثامنة عشرة من عمره كان يُتقن جميع المجالات الفلسفية دون أن يضاف إليه أيُّ جديد منذ ذلك الحين (Gohlman 1974, 30–39).

على الرغم من أن السيرة الذاتية قد تضمنت نقاطًا فلسفية معيّنة يمكن توضيحها (نوقشت في القسم التالي)، فإنّ هذا لم يكن مجرَّد تباهٍ. ثَمَّة رواياتٌ تفيد بأنه كتب أجزاءً كبيرة من أعظم أعماله: الشفاء، دون الرجوع إلى أي كتب (Gohlman 1974, 58; transl. and analysis Gutas 2014a, 109–115)، وأنّه ألَّف مصنَّفًا في المنطق يقع في مئة صفحة ومن الحجم الكبير في ليلة واحدة من العشاء إلى الفجر (Gohlman 1974, 76–81)، وألَّف كتاب: النجاة (GS 6) «في الطريق» – على ظهر الخيل، بشكل واضح، أو أثناء الراحة من الركوب – في أثناء الحملة العسكرية التي رافق فيها سيّده علاء الدولة (Gohlman 1974, 66–67). ومع المبالغة والطابع الخاص بسِيَر القدّيسين الذي قد تكون عليه بعضُ هذه الروايات، إلا أنه من الواضح أن ابن سينا قد استبطن المنهجَ الفلسفي بصورة بنيوية (لا نقول «حفظ») وتمكَّن من إعادة إنتاجه، واستيعابه بشكل صحيح وإعادة بنائه تحليليًّا، حسب الرغبة.

هذا واضح أيضًا في تجاهله (بالأحرى: إهماله؟) الاحتفاظَ بنُسَخٍ من أعماله، كما يجب أن يكون قد حدث بشكل متكرر، عند تكليفه أو طلب الكتابة منه عن موضوعٍ كان قد عالجه في وقت سابق، حيث كان من السهل عليه على ما يبدو تأليف مصنَّفٍ من جديد عن أن ينسخ نسخةً جديدة من أخرى أقدم منها. كان بإمكان ابن سينا ​​أن يكتب بسرعة وبدقة كبيرة دون أن يضحي بأي شيء من العُمق التحليلي. ولكن في الوقت نفسه، ونظراً لشُهرته بلا منازع وسلطته الفكرية الهائلة التي مارسها بعد وفاته بفترة وجيزة، أصبحت الكتابات المنحولةُ عاملًا رئيسيًا في مضاعفة الأعمال المنسوبة إليه (Reisman 2004 and 2010).

بناءً على ذلك تدرج بعض المصادر في العصور الوسطى قائمةً بأعماله (وبعضها حديثة، مستندة إلى المصادر القديمة) فيها ما يقرُب من ثلاثمئة عنوان، على الرغم من أن العدد المتزن لمؤلفاته الأصيلة يصل إلى أقل من مئة كتاب، تتراوح بين مقالات قليلة صفحات إلى كتب متعددة المجلدات، وتحتاج الكتب المنحولة المسجّلة إلى تقييم وتوثيق (Gutas 2014a، الملحق، 387-540). ما زال هناك الكثير من العمل الذي يتعيَّن القيام به في هذا الصدد.

كتب ابنُ سينا في مجالاتٍ مختلفة، ولكن إبداعه الرئيس كان وضع الخلاصة الفلسفية، وهي عملٌ شاملٌ يشتمل على جميع أجزاء الفلسفة كما صنِّفَت في أواخر العصور القديمة السكندرية والتقاليد الإسلامية المبكرة (المذكورة أعلاه). لقد كان هذا بسبب طريقة تعليمه الفلسفي، والتي اتبعت هذا المنهج، حيث كانت أولى المهام التي اضطلع بها حيث كان لا يزال في بخارى هي الأعمال التي تشمل جميع الفلسفة، إلا أنه بعد ذلك تعكس هذه الأعمال الثقافةَ الفلسفية الواسعة للفترة التي نظِر فيها إلى العلم والفلسفة ككلٍّ متكامل.

وبالفعل قدَّم ابنُ سينا في أطروحته الفلسفية الأولى: كتاب في النَّفس، التي خصصها ​​للحاكم الساماني، كما ذكر أعلاه؛ المعرفةَ النظرية (الأشكال الواضحة) على أنها تُكْتَسَب عن طريق النفس العاقلة بحسب تصنيف المناهج الفلسفية (Gutas 2014a, 6–8)، وفي عمله الثاني: الحكمة العروضية، جسَّد هذا المخطط في أول خلاصة أو ملخّصٍ فلسفيٍّ دِراسي. ومضى في كتابة سبعةٍ من مِثْلِ هذه الخلاصات في مسيرته، تتراوح في طولها من كتيِّبٍ من ستّين صفحة (عين الحكمة، GS 3)، إلى كتابه الهائل الذي كتبه في وقت سابق من حياته العلمية: الشفاء في فترته المتوسطة. وقد صدر في اثنين وعشرين مجلدًا كبيرًا في طبعة القاهرة (1952–1983)، وتعرض محتوياتُه جميعَ أجزاء الفلسفة في التقاليد الأرسطية التي يعيدون إنتاجها وتنقيحها وضبطها وتوسيعها وإعادة عرضها، على النحو التالي:

كتب ابن سينا في المنطق

  1. إيساغوجي (إيساجوغي Eisagoge لفورفوريوس)
  2. المقولات (المقولات Categories لأرسطو)
  3. العبارة (في التأويل De interpretation لأرسطو)
  4. القياس (التحليلات الأولى Prior Analytics لأرسطو)
  5. البرهان (التحليلات الثانية Posterior Analytics لأرسطو)
  6. الجدل (Topics لأرسطو)
  7. السفسطة (Sophistical Refutations لأرسطو)
  8. الخطابة (Rhetoric لأرسطو)
  9. الشعر (Poetics لأرسطو)

كتـب ابن سينا في الفلسفة النظرية

كتب ابن سينا في الطبيعيات

  1. السَّماع الطبيعي (Physics لأرسطو)
  2. السَّماء [والعالم] (De caelo لأرسطو)
  3. الكون والفساد (De generatione et corruption لأرسطو)
  4. المعادن (Meteorology IV لأرسطو)
  5. الآثار العلوية (Meteorology I–III Gh لأرسطو)
  6. النفس (De anima لأرسطو)
  7. النبات (De plantis لنقولا الدمشقي)
  8. الحيوان (History of Animals تاريخ الحيوان، Parts of Animals أعضاء الحيوان، Generation of Animals كَوْن الحيوان، ثلاثتهم لأرسطو)

كتـب ابن سينا الرياضيات

  1. [أصول] الهندسة (Elements العناصر [الأصول] لإقليدس)
  2. الحساب (نيقوماخس الجرشي، وديفانتوس السكندري، وإقليدس، وثابت بن قرَّة، وآخرون)
  3. الموسيقى (معظمها من Harmonics لبطليموس، مع موادّ أخرى)
  4. الهيئة [الفلك] (المجسطي Almagest لبطليموس)

كتب ابن سينا في الإلهيات [الميتافيزيقا]

  1. العلم الكلي [الأمور العامة]: البحث في الموجود بما هو موجود، الفلسفة الأولى، اللاهوت الطبيعي (الميتافيزيقا لأرسطو).
  2. ميتافيزيقا النفس الناطقة [العاقلة] (بحثُ ظواهر الحياة الدينية والخوارق باعتبارها وظائفَ للنفس الناطقة).

كتب ابن سينا في الفلسفة العملية

  1. التشريع النبوي كأساس لثلاثة أجزاء من الفلسفة العملية.
  2. السياسة (وصايا المشرِّع النبوي للإدارة العامة والحاكم السياسي الذي يخلفه [الخليفة]: كتب أفلاطون وأرسطو في السياسة).
  3. تدبير المنزل (وصايا المشرِّع النبوي لقانون الأسرة: تدبير المنزل Oikonomikos لبروسن Bryson، والكتب الأخرى ذات الصلة).
  4. الأخلاق (كما شرَّعها الخليفة: الأخلاق النيقوماخية لأرسطو)(4).

لم يعُالج ابن سينا جميعَ هذه الموضوعات في كلِّ مختصرٍ من مختصراته، لكنّه وزّع محتوياتها والتأكيد عليها بحسب الغرض المحدد الذي يؤلِّف لأجله تلك الكتب. لقد وضع نمطًا من الكتابة المرنة المستعرِضة للموضوعات الفلسفية، مع استكمال المصطلحات الفلسفية الفنية، التي ظلَّت معتمدةً وقياسيةً منذ ذلك الحين. وعقب تأليفه الشِّفاء، طُلب منه أن يكتبَ عرضًا موجزًا للموضوعات الفلسفية، وهو ما صنعه بالجمع والتأليف – وأحيانًا حتى بالربط معًا – بين موادَّ من كتاباته السابقة، ليُخرِج كتابه: النجاة. وفعل الشيء نفسَه، ولكن بالفارسية هذه المرة، لأجل راعيه الكاكوي علاء الدولة، ليكتبَ له: الفلسفة إلى علاء الدولة (دانشنامه علائي، GS 7). استبعد ابنُ سينا الرياضياتِ ومباحث الفلسفة العمَلِية من كلا الكتابين، والتي استُكمِلت لاحقًا على يد الجوزجاني، بالعربية أولًا ثم بالفارسية، وذلك بالرجوع إلى الكتابات السابقة لابن سينا.

وقربَ نهاية حياته، كتب ابن سينا مختصريْن آخريْن باتجاهاتٍ متباينة قليلًا. ففي الأول منها، والذي سمَّاه: الحكمة المشرقِيَّة (GS 8)، ليعبِّر عن مكانه في شرق العالم الإسلام، حيث خراسان الكبرى (المشرِق)؛ ركَّز ابنُ سينا على المسائل التي «اختلف أهل البحث» فيها، في المنطق والفيزياء [الطبيعيات] والميتافيزيقيا [الإلهيات]، دون الرياضيات أو موضوعات الفلسفة العملية (باستثناء التشريعات النبوية التي قدَّمها؛ انظر أدناه) حيث لم يكن فيها سوى خلاف يسير.

لقد كانت مقاربته مذهبيةً، وليست تاريخيّة، فهو يكتبُ كتابًا، كما يقول:

«يحتوي على أمهات العلم الحق الذي استنبطه مَنْ نظر كثيرًا وفكّر مليًّا ولم يكن من جودة الحسِّ بعيدًا»، أي نفسه (GS 8, p. 2 and 4; transl. and analysis Gutas 2014a, 35–40; Gutas 2000).

وفي مختصره الثاني، وهو أيضًا متأخِّرٌ جدًّا، تباعد ابن سينا بشكل كبير عن الأنماط التقليدية في العرض، وطوَّر أسلوبًا موحيًا وإشاريًّا أطلق عليه: الإشارات والتنبيهات (GS 9). لقد كان الغرض من هذا الأسلوب، الذي استعاره من تقليد الشروح الأرسطية المتأخرة التي توضح سبب وضع أرسطو أسلوبًا مشفّرًا في الكتاب؛ هو تدريب الطلاب من خلال عدم تقديم حجج كاملة ونظريات مفصَّلة تمامًا، ولكن فقط بتقديم إشارات وتنبيهات، بحيث يكملها الطالب نفسُه. يعالج الكتاب في جزأيه: المنطق والطبيعيات في الأول، والإلهيات وميتافيزيقا النفس الناطقة في الثانية.

لقد لقي الكتابُ شعبيةً كبيرة باعتباره بيانًا موجزًا، على الرغم من إبهامه كثيرًا في التعبير عن فلسفة تامّة، فكان مفتوحًا على التفسير، وأصبح موضوعًا للشروح المتكررة على مر القرون، المهمة التي كان يبدو أنها تجب على ابن سينا. إنه كتابٌ صعب، ويجب فهمه دائمًا من خلال الرجوع المستمر إلى البيان الأكثر وضوحًا لنظريات ابن سينا في الشفاء. وتقليديًّا فإنه من النادر أن يُقرأ إلا مع شرحٍ، ولاسيما شرح فخر الدين الرازي، وبخاصة شرح نصير الدين الطوسي(5).

بخلاف ما في المختصرات، فقد كتب ابنُ سينا بشكلٍ شاملٍ يتناول جميع مباحث الفلسفة في عملين كبيرين وواسعي الانتشار، وكلاهما في حوالي عشرين مجلدان، وقد فُقِد كلاهما الآن. الأول كان شرحه المبكر على أعمال أرسطو الذي كتبه بناء على تكليف جاره البركي، المذكور أعلاه، وهو: الحاصل والمحصول [في الفلسفة]. والكتاب الثاني هو: الإنصاف (GS 11)، ألَّفه عام (1029م)، وكان شرحًا مفصَّلًا على «الفقرات الصعبة» لجميع مدوَّنات أرسطو، بما في ذلك كتاب الثيولوجي لأرسطو المشكوك فيه (هو في الواقع التاسوعات [من الرابع إلى السادس] لأفلوطين). ويشير العنوان إلى حُكم ابن سينا بين التفسيرات التقليدية الأرسطية، وآرائه الخاصة، من خلال تقديم الحجج لدعم آرائه. وبحسب ما أوضح ابنُ سينا عنوان كتابه،

 «قسمتُ العلماءَ [في هذا الكتاب] قسميْن، مغربيين [تقليد الشروح اليونانية، والأرسطيين البغداديين]، ومشرقيين [آراء ابن سينا]، وجعلت المشرقيين يعارضون المغربيين، حتى إذا حقّ اللداد تقدمتُ بالإنصاف فأرود حجج المشرقيين على المغربيين، وأحكم بينهما بإنصاف إذا كان ثَمَّ خلافٌ حقيقيٌّ بينهما» (GS 14, 375; transl. Gutas 2014a, 145). 

تتعامل الأطروحات المستقلّة حول الموضوعات الفردية التي كتبها ابنُ سينا مع معظم الموضوعات، ولكن بشكلٍ خاصّ مع تلك التي كان عليها طلبٌ أكبرُ من رُعاته، وتلك التي كان مهتمًّا بها بشكل خاص، ولاسيما المنطق، والنفس، وميتافيزيقا النفس الناطقة. وفي محاولةٍ للوصول إلى جمهور أوسع، فقد شرح نظريته حول النفس الناطقة في حكايتين رمزيتين، حي بن يقظان (GM 7; Goichon 1959)، والطير (GM 8; Heath 1990)، ونظَم أخرى شِعْرًا: الجُمانة الإلهية في (334) بيتًا عن وحدانية الله وفيض الخلق عنه (GM 9)، وأُرجوزة علم المنطق في (290) بيتًا (GL 4)، وعددًا من القصائد حول الموضوعات الطبية، وبخاصة: أُرجوزة في الطب، التي شرحها ابن رُشد.

وبالإضافة إلى ذلك فقد شارك في مراسلاتٍ مطوَّلة مع علماء سألوه أو ناقشوه في مشكلات محددة، وتجدر هنا الإشارة إلى إجاباته على الأسئلة حول الفيزياء الأرسطية وعلم الكونيات التي طرحها العبقريُّ العلميُّ الآخر في عصره: البيروني [GP 8]، وبخاصة المجموعتين اللتين جمعتا بعد وفاته لإجاباته ومناقشاته المتداولة تحت عنوان: التعليقات (GS 12a)، والمباحثات (GS 14). كما كتب عددًا من الرسائل المفتوحة يصف فيها الخلافات التي خاضها ويطلب فيها المحاكمةَ بينه وبين خصمه، أو يُنكر فيها تهمًا موجهّةً إليه (GPW 1–3).

لقد عاش ابنُ سينا فلسفتَه، وتتجلّى رغبته في إيصالها إلى أبعد مما تتيحه ظروفُه الشخصية، كمثقفٍ في عين الجمهور؛ في الأساليب التأليفية المتنوعة وقوائم المفردات اللغوية التي استعملها. وكتبَ بهدف الوصول إلى جميع طبقات المجتمع (المتعلِّمة)، ولكن أيضًا بعين الأجيال القادمة. لقد كان امتدادهُ عالميًّا في طموحاته، مثل نظامه الذي كان محيطًا في شموليته، وهو الأمر الذي أثبته التاريخ.

2. الأهداف الفلسفية

تتناول السيرةُ الذاتية، التي كُتِبت في وقتٍ وصل فيه ابنُ سينا ​​إلى مرحلة النضج الفلسفي؛ عددًا من القضايا التي شعر أنها كانت ذات أهمية كبيرة في تشكيله كمفكِّرٍ، ومن ثَمَّ فإنها تُشير إلى طريقته في الفلسفة وأهدافه الفلسفية وتوجُّهِه. وهي:

  1. أوّلًا، فهمُه لهيكل المعرفة الفلسفية (أي المعرفة الفكرية) ككلٍّ مُوحَّدٍ، وهو ما ينعكس في تصنيف العلوم التي درسها.
  2. ثانيًا، تقييمه النقدي لجميع العلوم والفلسفة السابقة، كما هو موضَّحٌ في تقييمه للإنجازات وأوجه القصور التي واجهها الفلاسفة السابقون بعد أن قرأ كُتُبَهم في مكتبة السامانيين، مما أدى إلى إدراك أنه يجب تطوير الفلسفة.
  3. ثالثًا، يُشير تركيزُه على امتلاك القدرة البشرية إمكانية التعلُّم الذاتي لاكتساب أعلى معرفة عقلية، ويؤدِّي إلى دراسة شاملة لجميع وظائف النفس الناطقة [أي العاقلة] وكيف تكتسب المعرفة (نظرية المعرفة [الإبستمولوجيا])، وكذلك إلى التحقيق في أصولها، وغاياتها، وأنشطتها، وعاقبتها (الإسخاتولوجي).

وفقًا لذلك، حدد ابنُ سينا لنفسه مهمة التقديم والكتابة عن الفلسفة ككلٍّ متكامل وليس بصورة مُجزَّأةٍ أو عَرَضية، وكذلك مهمة تطوير الفلسفة، ودراسة كيف تَعرف النّفسُ البشرية (العقل) كأساسٍ لنظرية المعرفة، والمنهجية المنطقية، والعلاقة بين العوالم السماوية والأرضية، أو بين الإلهي والإنساني.

لقد جرى تنفيذُ المهمة الأولى، وهي معالجة جميعِ الفلسفة ككلٍّ موحَّدٍ، وعلى الرغم من أنه لم يكن ممكنًا تحقيقُه تاريخيًّا، فقد أنجزه ابنُ سينا دون جهد تقريبًا. لقد كان أرسطو نفسُه في بداية هذه العملية.

من الواضح أنه كان لديه تصوُّرٌ لوحدة جميعِ الفلسفة، والتي يمكن تقديمها بشكل منهجي على أساس الهيكل المنطقي المنصوص عليه في التحليلات الأولى (Barnes 1994, p. xii)، في حين أظهر تصنيفُه للعلوم في الميتافيزيقا (Metaphysics E1 and K7) ما سيكون الخطوطَ العريضة لهذا العرض المنهجي. ومع تعدُّد الأصوات والأنظمة الفلسفية التي أعقبت وفاته عام (322 ق.م)، وطوال الحقبة الهللينستية (336-31 ق.م)؛ ذهبت مقترحاته في الغالب أدراجَ الرياح على يد المشَّائين، ولم يتبعها إلا أندرونيقوس الرودسي في نهاية تلك الحقبة، إن لم يكن ذلك فقط لأغراض الترتيب الذي وضع به مصنَّفات مدرسة أرسطو (مدوَّناته الموجودة) في إصداره الأول لها.

في القرون اللاحقة، عندما خضع تعدُّدُ الأصوات لصوتيْن فقط، هما الأفلاطونيون والأرسطيون، الذين كان لابد من تقديمهم في نهاية المطاف كسبب من ضمن أسباب سياسية (لمواجهة الصوت “الإلهي” للتنصير السريع للإمبراطورية الرومانية، شرقًا وغربًا)؛ اشتدّ الميلُ إلى العودة إلى نصوص الفيلسوفيْن (ad fontes) [أي: العودة إلى المصادر] للدفاع عنهما، وهي العملية التي كانت قد بدأت بصورة مكثفة حتى قبل سيطرة المسيحية.

تبعًا لذلك، في حين استمر تصنيف أجزاء مختلفة من الفلسفة كمخطَّطٍ افتراضي لمختصر فلسفيٍّ محتمل؛ كان الشكل الرئيس للخطاب الفلسفي هو الأطروحة الفردية حول واحدٍ أو أكثر من الموضوعات ذات الصلة، وفي الغالب، كتابة الشروح على الأعمال “الإلهية” لأفلاطون، وأيضًا بحلول القرن السادس على الأعمال “الإلهية” لأرسطو. عندما جرى إحياءُ الفلسفة بعد توقُّفٍ دام حوالي قرنين من الزمان (حوالي 600 – 800م) مع ترجمةٍ وإعادةِ صياغةٍ هذه المرة لنصوص المصادر الأساسية (Gutas 2004a)، عادت هذه الممارسات التركيبية إلى الظهور.

لكنَّ السياقَ الاجتماعي الذي وجدت فيه الفلسفة نفسها الآن قد تغيَّر. كان السُّكَّان المتعلِّمون في الشرق الإسلامي القريب والبعيد خلال الفترة العباسية المبكرة يميلون بشكل إيجابي نحو الفلسفة كنظامٍ علمي عقلاني، وكان من الممكن مع الأجزاء المختلفة من هذا النظام – المنهج الفلسفي – المعروف على نطاق واسع في نطاقه إن لم يكن بالتفصيل، ومن المتوقع بالفعل؛ أن يكون الشخصُ العادي المتعلِّمُ مثل جار ابنِ سينا في بخارى، أبي الحسن أحمد بن عبد الله العروضي (أضَعُ اسمَه الكامل لأنه يستحق أن يُشار إليه في تاريخ الفلسفة)؛ أن يكون لديه اهتمام أن يحصل على ويقرأ عرضًا شاملًا للتخصُّص المعرفي [الفلسفة] بالكامل، وأن يكلِّف بهذا العمل الشابَّ ابنَ سينا.

امتثل ابنُ سينا، ومن ثَمَّ وُلد أولُ ملخّصٍ فلسفي يعالج بطريقة منهجية ومتسقة ضمن غلافي كتابٍ واحدٍ جميعَ فُروع المنطق والفلسفة النظرية كما تم تصنيفها في التقاليد الأرسطية. إن قدرة ابن سينا ​​على إنتاج مثل هذا العمل (وتكراره سبع مرات من الآن فصاعدًا) هو بالطبع تكريمٌ لع بقريته (المعترف بها عالمياً آنذاك والآن)، ولكنّ طلبَ الحصول عليه من مجتمعه هو دليلٌ دامغ على من موقفه الثقافي فيما يتعلق بالعلم.

لقد كان لتأليف الخلاصات الفلسفية الشاملة – ليس فقط كتابه الأول الحكمة العروضية، ولكن أيضًا على وجه الخصوص كتابه الرئيس: الشفاء، وكذلك كتابه البارز الجذاب: الإشارات والتنبيهات -؛ عواقب مهمة. وقدّمت هذه الكتاب لأول مرة رؤيةً شاملةً وموحَّدة ومتّسقة داخليًّا للواقع، جنبًا إلى جنب مع الأدوات المنهجية التي تثبت صحةَ هذه الرؤية (المنطق).

لقد قدَّمت نظامًا علميًّا باعتباره رؤية للعالم، يصعب مقاومتها أو حتى دحضها، نظرً لخصائص التحقق الذاتي التي تملكها. وكان هذا جيدًا لدراسة الفلسفة ونشرها. وعلى المنوال نفسه وبالطبيعة نفسها، فإنّ هذه الرؤية للعالم بوضوحها وتوثيقها وقدرتها على التحقق الذاتي من صحتها قد وضعت نفسَها ضد الأيديولوجيات الأخرى في المجتمع برؤياتٍ متنافسِة للعالم. وحتى ذلك الوقت كانت المصنّفات الفلسفية حول الموضوعات المنفصلة، والشروح العويصة هما الشكلان الغالبان للخطاب الفلسفي، وكما أشرنا للتو فقد كانت هذه الأطروحات أمرًا يخص المتخصصين، الذين لم يستطيعوا ولم يطلبوا التأييد أو الولاء من المجتمع ككلٍّ، وهو الأمر الذي فعلته الخلاصات الفلسفية.

لقد قصد ابن سينا الذي كتب في أنماط وأنواع مختلفة، بوضوحٍ؛ الوصولَ إلى أكبر عدد ممكن من الناس. ونتيجة لذلك فقط سيطر نظامُه الفلسفي على التاريخ الفكري في كلٍّ من الإسلام الشيعي ومعظم الإسلام السُّني (Gutas 2002)، ومن خلال ردود الفعل المتنوعة التي أثارها فقد حدد، كما يمكن أن نشرح الآن؛ التطورات، ليس فقط في الفلسفة، ولكن أيضًا في اللاهوت والتصوف، وأوجد العديدَ من المجالات لما يمكن أن يسمَّى شبهَ فلسفة(6): فقد استعمل اللاهوتُ الخطابَ الفلسفيَّ للتعبير عن (أو إخفاء) المضمون الإسلامي (تقليد الغزالي وأتباعه ومقلديه)، وكذلك التصوُّف «الفلسفي» (تقليد ابن عربي الذي يُطلق عليه “الشيخ الأكبر” في منافسة لابن سينا “الشيخ الرئيس”)، وكذلك التنجيم، وعلم الأعداد، والحروف.

يستلزم أداءُ المهمة الأولى بالضرورةِ المهمةَ الثانية، وبذلك يجري تحديثُ الفلسفة. لم تكن المعرفة الفلسفية التي تلقَّاها ابن سينا ​​كاملةً ولا متجانسة. ولم يكن لديه إمكانية الوصول إلى إكمال المعلومات المليئة بالفجوات، التي نملكها الآن، عن الحركات الفلسفية خلال الـ(1330) عام التي تفصله عن أرسطو (يعطي ابنُ سينا نفسُه هذا الرقم الدقيق تمامًا)، ولكن كان بإمكانه أن ينظر إلى التقاليد بأكملها على أنها أرسطية بشكل أساسي.

لم يكن أفلاطون متاحًا باللغة العربية بخلاف شذرات مختصرة، في خلاصات جالينوس، وفي تراجم الفلاسفة، وفي روايات ثانوية لدى أرسطو وجالينوس (Gutas 2012a)، وبناءً على ذلك كان بإمكان ابن سينا صرف النظر عنه. المدارس الفلسفية الأصغر في العصور القديمة – الرواقيون، والأبيقوريون، والريبيون، والفيثاغوريون، الذين لم يعد لهم وجود قبل وقت طويل من العصور القديمة المتأخرة – كان ابن سينا يعرف معظمَهم كأسماءٍ مع وجهات نظر أو مقولاتٍ أساسية معيّنة مرتبطة بهم.

أما أولئك الذين نسمِّيهم الأفلاطونيين المحدثين الذين عرفهم كشارحين لأرسطو جنبًا إلى جنب مع البقية، وحتى أفلوطين وبروكلس؛ فقد كانا متاحيْن له في شذراتٍ مترجمة تحت اسم أرسطو، كما في كتاب: الثيولوجيا لأرسطو، و: الخير المحض، لهما على التوالي. ومع ذلك، فإن كلًّا من التنوع الجوهري والزمني لهذه المصادر في التقليد قدَّم تناقضاتٍ خطيرة واتجاهات متباينة، إذا لم نقل شيئًا عن المفارقات التاريخية، في حين احتوت الأعمالُ الباقية حتى لأرسطو نفسِه على تناقضات ومعالجات غير مكتملة. علاوةً على ذلك، لم يكن التقليدُ الإسلامي قبل ابن سينا ​​أقلَّ تجانسًا، حيث كان يمثله الكنديُّ الانتقائيُّ وتلاميذه، والأرسطيون في بغداد، وأتباع أبي بكر الرازي الفريد (الذي كان ابنُ سينا يفكر فيه قليلًا، وباعتباره

طبيبًا). ينبغي أن يُضاف إلى هؤلاءِ الفلاسفةِ المتكلِّمون المتمرسين فلسفيًّا في مختلف فروع المعتزلة (قد يكون ابن سينا قد التقى أحدَ أبرز ممثِّليهم، القاضي عبد الجبار، في الرّيّ بين عامي 1013 و 1015م). في مواجهة هذا الموقف، عيَّن ابنُ سينا نفسَه لمهمة مراجعة وتحديث الفلسفة، كنظامٍ كامل ومتناسق داخليًّا يمثِّلُ الواقعَ كلَّه ويمكن التحقُّقُ منه منطقيًّا، من خلال تصحيح الأخطاء الموجودة في التقليد، وحذف الحجج والأطروحات التي لا يمكن دعمُها، وتركيز الاهتمام على غيرها، والتوسيع والإضافة إلى الموضوعات التي تتطلب مناقشة. كان المجال الذي يجب إضافته على وجه الاستعجال في كلٍّ من الأجزاء النظرية والعملية للفلسفة، إذا كان يجب تغطيةُ الواقعِ كلِّه من خلال نظام الفلسفة؛ هو جميع مظاهر الحياة الدينية والخوارق. وعلى حد تعبيره:

«ويحقُّ على مَن بعده [أرسطو] أن يلمُّوا شعثَه، ويرمُّوا ثلمًا يجدونه فيما بناه، ويفرِّعوا أصولًا أعطاها» (GS 8, 2–3; transl. Gutas 2014a, 36).

استلزم أداء هذه المهمة الثانية بدوره مهمةً ثالثةً، وهي الدقة وقابلية التحقُّق التي ستشكِّل محتوياتِ فلسفته المحدثة. تعتمد إمكانية التحقُّق على عامليْن مترابطيْن بالنسبة للشخص الذي يقوم بعملية التحقُّق: اتباع أسلوبٍ مُنتِجٍ وامتلاك جهازٍ عقليٍّ لاستخدام هذا الأسلوب وفهم نتائجه. كان الأسلوب الذي اتبعه ابنُ سينا بالفعل في بداية حياته العلمية هو المنطق، وكان الجهازُ العقليُّ الذي بواسطته نعرِف أننا ننخرط في فهم ودراسة الإنسان هو النفس الناطقة [العاقلة]. ومن ثَمَّ فإن المنطقَ ونظرية النَّفس كأساسٍ لنظرية المعرفة هما المحرِّكان اللذان يقودان فلسفة ابن سينا. لقد كتب وبشكل متكررٍ عن هذيْن الموضوعيْن أكثر من أي شيء آخر.

3. المنطق والتجريبية عند ابن سينا

إنّ نقطة الانطلاق لمنطق ابن سينا هي أن العلم كله يتكوَّن إما من (التصوُّر) عن طريق (التعريف) – أي بأسلوب أرسطيٍّ جيّد: إدراك الجنس والفَصْل لشيءٍ ما -، أو (التصديق) لجملة حَمْلية عن طريق الأقيسة المنطقية. والاستمداد هاهنا بوضوح هو من بداية كتاب: التحليلات الثانية لأرسطو (راجع: Lameer 2006). أخذ ابنُ سينا هذا الكتابَ على محمل الجد، باتباعِ كلٍّ من المنهج الذي جعله هذا الكتابُ مركزًا للممارسة المنطقية، واتباع سلفيْه المشّائيين البغداديين أبي بشر بن متّى والفارابي خصوصًا، اللذيْن جعلا منه حجرَ الزاوية في فلسفتهما وأذاعا فضائلَه (راجع. Marmura 1990).

يعني التصديقُ بجملة حمليّةٍ [لمقولة ما] التحقُّقُ من صحتها، وهذا لا يمكِن فعلُه القيام به إلا من خلال اتخاذ هذه الجملة باعتبارها نتيجةً لقياس، ومن ثَمَّ بناء هذا القياس الذي سينتهي إلى هذه النتيجة. توجد ثلاثة حدود في القياس المنطقي، يوجد حدّان منها هما الأكبر والأصغر في النتيجة، لا يمكن بناء القياس الذي ينتج هذه النتيجة إلا إذا اكتشف المرء أو خمَّن بشكلٍ صحيح ما الحد الأوسط ​الذي يظهر الرابطة بين الحدّين. بمعنى آخر، إذا سعينا إلى التحقُّق من الجملة: «A=C»، فإنه يجب أن نبحث عن «B» مناسبٍ لبناء قياسٍ على هذا الشكل:

«A=B» + «B=C» \ «A=C»

نوقِشت أهمية الحدّ الأوسط في كتاب: التحليلات الثانية (I.34)، حيث يحدد أرسطو،

«إنّ الفطنة والموهبة في الضرب على الحد الأوسط في وقت ضئيل» (Barnes 1994 trans). 

التقط ابنُ سينا مفهومَ (موهبة الضرب) على الحد الأوسط​​، وترجمه حرفيًّا في النسخة العربية على أنها: الحدْس (أي: التخمين بشكل صحيح، والضرب على الإجابة بشكل صحيح)، وجعله حجرَ الزاوية في نظرية المعرفة (Gutas 2001). جعلت هذه النظريةُ جوهرَ التحقق المنطقي من خلال العثور على العنصر الوحيد الذي لا غنى عنه لجميع المعارف الفكرية، وهو الحد الأوسط، وشرحت سبب اختلاف الناس على أنه يرجع إلى مدى قدرتهم على تطبيق هذه الطريقة المنطقية بافتراض أنهم يتمتعون بمواهب مختلفة لفعل ذلك، كما هو الحال مع جميع الملكَات والقدرات الإنسانية.

لقد كان اتباع هذا الأسلوب في التحقُّق المنطقي يعني لدى ابن سينا أن يقوم بفحص نصوص أرسطو، وأن يقرأها بالترتيب الذي وُضع في المنهج الخاص بها، واختبار صِحَّة كل فقرة. أما كيفيةُ فِعْلِ ذلك في الواقع العملي، واستخلاص أضرب القياس وأشكاله من المقاطع اللغوية المتضمنة في نصوص أرسطو؛ فيمكن رؤيتها في مقاطع عديدة في أعماله. وبحلول عامه الثامن عشر، استوعب المنهجَ الفلسفي وتحقق منه بما يرضي نفسَه كنظامٍ مترابط ببناءٍ منطقي يفسر كلَّ الواقع.

وفقًا للتصوُّر العلمي للكون في أيامه التي درس فيها المنهج الفلسفي – حيث: عالم أرسطو تحت القمر، مع علم الكونيات البطلمي، ونظرية الفيض الأفلوطينية المحدثة في عالمِ فوق القمر – فقد كانت جميع العقول (أي: جميع المفاهيم الكلية، ومبادئُ جميعِ الجزئيات، أو كما يقول ابن سينا: “صُور الأشياء في حد ذاتها”): هي الموضوع الأبدي لتعقُّل المبدأ الأول، وبعد ذلك، وفي ترتيبٍ هرميٍّ تنازُلي، انبثقت بواسطة عقول الأجرام السماوية المنبثقة من العقل الأول نهايةً بـ العقل الفعّال، وهو عقلُ عالمِ الأرض.

أثبت تعريفُ ابن سينا ​​للضرب على الحد الأوسط كعنصرٍ أساسٍ في التحليل المنطقي، من جهةٍ، أن البنية القياسية لجميع المعرفة هي أيضًا طريقةُ تعقُّلِ العقول السماوية، ومن جهةٍ أخرى، فقد مكَّن ابنَ سينا ​​من توحيد وإدماج المستويات الأخرى من اكتسابها [أي المعرفة] مِن قِبَل العقل البشري داخل نموذجٍ توضيحي واحد. ونتيجة لذلك، فقد نجَحَ في إزالة الغموض عن مفاهيم، مثل الإلهام والعشق والرؤية الصوفية والوحي النبوي، وشرح جميعَ ذلك كوظائف طبيعية للنفس الناطقة.

على المستوى الأساسي، هناك تفكيرٌ خطابي [أي خطِّي أو منطقي]ٌّ يمضي فيه العقلُ في بناء الأقيسة خطوةً بخطوة بمساعدة الحواس الداخلية والخارجية، ويكتسب المعقولاتِ بالضرب على [بحدس/بالعثور على] الحدود الوسطى (وهو شيءٌ ما يوصَف بواسطة مصطلحات الفيض – وأيضًا وفق المصطلح الأرسطي وإن كان ذلك أقلَّ وضوحًا – على أنه “اتصالبالعقل الفعّال، لمزيد من المناقشة انظر الهامش 6 الآتي). وعلى مستوًى أعلى، حلَّل ابنُ سينا التفكيرَ غير الخطابي non-discursive thinking [المقصود غير المنطقي الصوري القياسي]، والذي لا يأخذ وقتًا ويُدرِك موضوعَه بفِعْلٍ تعقُّلي مفردٍ، على الرغم من أن المعرفة المكتسبة من خلاله لا تزال مبنيةً بشكل قياسيٍّ، مع استكمالها للحدود الوسطى (لأن العقل الفعَّال في مركزِه، وهو مُنظَّم للغاية) (Adamson 2004).

وناقش ابنُ سينا أيضًا الموهبة أو الاعتياد الذي يحدث مع التعقُّل، وهو ما أسماه الرؤية المباشرة أو التجربة (المشاهدة) للمعقولات. إنه يحدث بعد الاتصال المطوّل مع التقنيات العقلية من خلال الوسائل القياسية حتى يصلَ العقلُ الإنساني إلى درجةٍ لا ينحبسُ معها وراء الحواس الداخلية أو الخارجية ويكتسبَ بعضَ الاعتياد أو «الإِلْفِ» مع موضوعاته، «من دون أن ينعدم الحد الأوسط عن الحضور» [عبارة المباحثات التي عدلتُ عن نقلها حرفيًّا لصعوبتها: «أما المشاهدة فإلفٌ من القوة العقليّة للمعقول، لا يبرح الوسط [أي الحد الأوسط] عن التمثُّل»]. هذا النوعُ من التفكير يرافقه حالةٌ عاطفية من اللذة [العقلية] والمتعة (Gutas 2006a,b).

أما أعلى مستوًى من التعقُّل فهو مستوى النبي، حيث إنّه نظرًا لقدرته المتطورة على حدس الحدود الوسطى؛ فإنه يكتسب المعقولات [عبارة النجاة: «فترتسم فيه الصور التي في العقل الفعّال إمّا دفعةً أو قريبًا من الدفعة، ارتسامًا لا تقليديًّا»]، «بل بترتيبٍ يشتمل على الحدود الوسطى» (GS 6, 273–274; transl. Gutas 2014a, 184).

وكما يؤكّد ابنُ سينا، يتوافقُ هذا العلمُ، الذي يمثِّل الواقعَ ويفسِّر الأشياءَ فيه وطريقة وجودها؛ مع ما يوجد في الكتبِ أيضًا، أي مع الفلسفة، أو بشكلٍ أكثر تحديدًا مع العلوم الفلسفية المصنَّفة والمدروسة في التقاليد الأرسطية. ومع ذلك، فإن الهوية بين العلم المطلق، في حالةِ المعقولات الواردة في عقول الأجرام السماوية، والفلسفةِ بحسبِ ما هي مسجّلةٌ في التقليد الأرسطي؛ ليست كاملةً.

على الرغم من أن الأرسطية هي التقاليد الفلسفية الأكثر جدارة بالالتزام بها، كما يقول ابن سينا؛ إلا أنها مع ذلك ليست مثاليةً، ومهمة الفلاسفة هي تصحيحُها وتوسيعُها من خلال اكتساب المزيد من المعقولات عبر عمليات القياس. إنّ هذا الفهمَ هو الذي مكّن ابنَ سينا من الحصول على رؤيةٍ تقدُّميةٍ لتاريخ الفلسفة ووضْعِ إطارٍ لمشروعه الفلسفي. فعلى الرغم من أن العلْمَ الذي الذي يجري اكتسابُه، هو في حدِّ ذاته وعلى المستوى المتعالي للعقول السماوية الأبدية؛ هو نظامٌ مغلقٌ ومن ثَمَّ ثابتٌ؛ فإنه متطوِّرٌ على المستوى الإنساني وفي التاريخ.

إنّ كلَّ فيلسوفٍ، من خلال تفكيره المنطقي وقدرته على حدْس الحدودِ الوسطى بشكل صحيحٍ، فإنه يُعدِّل ويُكْمِل عملَ أسلافه، ويصل إلى مستوًى من العلم هو أكثر اقترابًا من ذي قَبْل إلى العالم المعقول، كما يتحصَّل للعقول السماوية، ومن ثَمَّ إلى الحقيقة نفسِها. كان ابن سينا ​​مُدركًا أنه وصل إلى مستوًى جديدٍ في السعي وراء الحقيقة الفلسفية والتحقق منها، لكنه لم يزعم أنه استنفدها جميعًا، ففي أعماله اللاحقة أعرب عن أسفه بسبب قيود المعرفة الإنسانية، وحَثَّ قُرَّاءَه على مواصلة مهمة تحسين الفلسفة والإضافة إلى خزَّان المعرفة.

يمكن للعقل الإنساني أن ينخرط في عملية قياسيّةٍ بالترتيب الذي يتضمن الحدودَ الوسطى والذي يتطابق مع العقول السماوية للسبب البسيط [«الأول» في مصطلح ابن سينا]، كما أصرَّ ابنُ سينا مرارًا وتكرارًا على أنَّ كلًّا من العقل الإنساني والسماوي «مجانِسان»، فكلاهما جوهرٌ غير مادّي. ومع ذلك، فإنّ اكتساب كلٍّ منهم للعلم يختلف بسبب ملابساتهما المختلفة: فالعقل الإنساني يأتي إلى حيز الوجود في حالة القوَّة المطلقة، ويحتاج إلى الاتصال بالجسم القابل للفساد من أجل تحقيق ذاته، في حين أن العقول السماوية تتصل بالأجسام الأبدية، وهي فِعْليّةٌ بشكل دائم.

ومن ثَمَّ، وبتحرُّره من القيود، فإن علمَ العقول السماوية يمكن أن يكون عقليًّا تمامًا لأنها تتصوّر وتعلَّمُ المعقولاتِ من خلال ما يُسَبِّبُها، في حين أن العقول الإنسانية في حاجةٍ إلى الحواس الجسدية، الخارجية والداخلية، من أجل إدراك أثرٍ للمعقول [أي: أثر حسّي للشيء المعقول] يمكن أن يرجِعَ الاستدلال القياسي إلى سببه [عبارة التعليقات: «النفس الإنسانية تدرك المعقولَ بتوسُّط محسوسِه. والأوّل والعقول المفارقة تدرك المعقولَ من عِلَله وأسبابه»].

هذا يجعل من الضروري أن يكون لدى ابن سينا ​​نظريةٌ تجريبية للمعرفة، والتي تنص على أن «الحواس هي الطرق التي تستفيد منها النفس الإنسانية المعارف»، ويتحقَّقُ مدى استعداد الإنسان لتعلُّم المفاهيم الأولية ومبادئ المعرفة، التي تأتي إليه من غير سبيل الحسِّ؛ يتحقق ذلك نفسه عبر إدراك الجزئيات (GS 12a, 23; Gutas 2014b-VII, esp. pp. 25–27). بالنسبة للمعرفة الإنسانية، يعمل العقلُ كمعالِجٍ للمعلومات التي توفِّرها الحواسُّ الخارجية والداخلية.

من المهم أن ندرك أن هذا ليس لأن العقلَ ليس لديه تكوين يتمتع بمعرفةٍ عقليّة محضة، مثل الأجرام السماوية، ولكن لأنَّ وجودَه في عالم الزمن تحت فلك القمر والمادّة القابلة للفساد؛ يحولُ دون فهمه للمعقولات من خلال أسبابِها. حيث إنّه بدلاً من ذلك لابد أن يصل إلى تلك المعقولات من خلال آثارها المحسوسة. ومع ذلك، بمجرد أن تتحرَّر النفسُ من الجسد بعد الموت – وحتى إذا ظلَّت في الجسد ولكن إذا اكتسبت الاستعدادَ لتصوُّر المعقولات من خلال التدريب الفلسفي – ؛ فإنه يمكنها أن تدرك المعقولاتِ من خلال أسبابها، وتُصبح مثلَ العقول السماوية، وهي حالة وصفها ابن سينا بالمصطلحات الفلسفية على أنها: السعادة، وبالمصطلحات الدينية على أنها: الجَنَّة.

4. ميتافيزيقا النفس الناطقة، والفلسفة العملية

إنّ التجريبية العقلية لابن سينا هي السبب الرئيس وراء سعيه في فلسفته إلى الكمالِ والضبط الدقيق في المنهجية المنطقية من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى لدراسة، على مستوًى غيرِ مسبوق من التطوُّر والدِّقة؛ النفسِ الإنسانية (الناطقة [العاقلة]) والعمليات المعرفية التي تقدِّم المعرفةَ من خلال تطبيق الأساليب التجريبية العقلانية. ففي قسمٍ يلي الآخرَ وفصل إِثْر آخرَ، في العديد من الأعمال؛ لا يقتصر ابنُ سينا على تحليل مسائل المنطق الصوري فحسبُ، ولكن أيضًا الميكانيزمات [التقنيات] التي تَكْتسب من خلالها النفس الناطقةُ المعرفةَ، ولا سيما الظروف المؤثِّرة في عملية الوصول إلى [حدْس] الحدِّ الأوسط: كيف يمكن للمرء أن يصل إلى حدْسِه، وأين يبحث عنه، وما أدواتُ النفسِ الناطقة وعملياتها التي تجلِبُه؟ (Gutas 2001).

استتبع هذا دراسةً مُفصَّلةً لعمليات النفسِ في عمومها، وفي جميع وظائفها، سواء أكانت ناطقة أم حيوانية أم نباتية. إنه يرسُمُ بتفصيلٍ كبير عملِيَّات جميعِ الحواسّ: الحواس الظاهرة الخمسة، وبخاصةٍ الحواس الباطنة الخمسة الموجودة في الدماغ – الحس المشترك، والخيال (حيث تُحفَظُ صُورُ المحسوسات)، والمتصرِّفة، والوَهْمُ (الذي يدرك المعاني والدلالات غير المحسوسة بالنسبة إلينا من الأشياء المحسوسة، مثل الصداقة والعداوة، ويشمل ذلك أيضًا الاستشعار الغريزي)، والحافظة – وكيف يمكن أن تساعدَ العقلَ أو تُعيقَه عن حدْس الحد الأوسط، وتصوُّر المعقولات بصورةٍ أعمّ.

وفي نهاية كل هذه العمليات الموصوفة للتوّ، عندما يحدِسُ [يَصِلُ] العقلُ الحدَّ الأوسط ​​أو يتصورُ معقولًا لم يكن يتعقَّلُه من قبل؛ فإنه يكتسب المعقولَ المرادَ في هذه المسألة (ومن هنا جاءت تسميةُ هذه المرحلة من التعقُّل بـ «العقل المستفاد»)، أو، بطريقةٍ أخرى، يكتسبه بواسطة العقل الفَعَّال الذي يتعقّلُه أبديًّا وزمنيًّا؛ لأن العقل الفعَّال هو، في الواقع، مركز جميع المعقولات، حيث لا يوجَد مكانٌ آخر للمعقولات لتكون فيه موجوداتٍ متحقِّقةً دائمًا.

يمكن للعقل الإنساني أن يفكر في بعض المعقولات لبعض الوقت، ولكنها تختفي، حيث يتعذَّر على العقل غير المادي «حِفظها [تخزينها]»، أو لا يملك الذاكرة [الحافظةَ] اللازمة لذلك، وبدلًا من ذلك توجد الحاسّتان الباطنتان، الخيال والحافظة، اللتان لها وظيفة التخزين للأشياء الجزئية (الصُّور والصِفات المعنوية) لأنها تحتوي على قاعدة مادية في الدماغ. أطلق ابنُ سينا ​​على هذه العملية لاكتساب أو إدراك المعقولات: «الاتصال» بين العقل الإنساني والعقل الفعَّال(7). لقد أشار ابنُ سينا بلغة الفيض [الانبثاق] التي ورثها عن التقليد الأفلاطوني المحدَث، والتي دمَجها في فهمِه الخاص لعلم الكونيات المتعلقة بأفلاك الكون متّحدة المركز بعقولها وأنفسها المتصلة فيما بينها؛ أشار إلى تدفُّقِ المعرفة من العالَم الأعلى على العقل الإنساني باعتباره «الفيض الإلهي».

إنّ السبب في جوازِ ذلك كلِّه مرةً أخرى هو الطبيعة الجوهرية المتساوية والتجانسية لجميع العقول، الإنسانية والسماوية على حدٍّ سواء. فقط، كما ذَكرنا سابقًا، فإن هذه العقولَ نظرًا لملابساتها المختلفة؛ فإن العقول السماوية منها تتعقل المعقولاتِ بشكلٍ مباشرٍ ودائمٍ وزمنيٍّ، في حين يتعيَّن على العقل الإنساني أن ينتقل من الإمكانية إلى التحقُّق في الوقت المناسب من خلال الوسائل التقنية المؤدية إلى اكتشاف الحدّ الأوسط، ​​بمساعدة جميع ملكات النفس والجسد الأخرى.

إن الصياغةَ نفسَها لاكتساب العقلِ الإنساني للمعرفة – «الاتصال بالعقل الفعَّال»، أو تلقِّي «الفيض الإلهي» – قد أغرى بتلاميذ ابن سينا إلى التفكير في أن هذا «الفيض» للمعرفة من الله إلى العقل الإنساني؛ تلقائيٌّ وبفَضْلِ نِعمة الله، أو أنه أقدَسُ من أن يوصَف أو باطنيّ [صوفي]. لكنّ هذا لا أساس له. فليس لذلك «الفيض» شيء باطنيٌّ. فهو يعني فقط أن المعقولات مٌتاحةٌ بشكلٍ دائمٍ للعقول الإنسانية التي تبحث عن الحد الأوسط ​​أو غيرها من المعقولات في نهاية عملية التفكير عن طريق التجريد والأقيسة المنطقية. إن ابنَ سينا ​​صريحٌ تمامًا بشأن الحاجة إلى أن يكون العقل الإنسانيّ مستَعِدًّا وأن يتطلَّب حدْسَ الحدِّ الأوسط​​، أو أن يسعى بنشاطٍ لاكتسابِ معقولٍ، من أجل حدْسِه. يقول على وجه التحديد:

«المبدأ الفعال [أي العقل الفعال] يفيض على النفس صورةً بعد صورة بحسب طلَب النفس، وأن يكون إذا أعرضت عنه [عن العقل الفعال] انقطع الفيض» (GS 5 ، De anima ، 245–246 ؛ ترجمة. Gutas 2014a ، 377 ؛ راجع Hasse 2013 ، 118).

الأمر نفسُه ينطبق على أشكال الاتصال الأخرى بالعالم الفَوقي. في حالة النبيّ، فإنه يكتسب جميع المعقولات المتضمِّنة للعلم، ويستكمل الحدود الوسطى كما ذكرنا سابقًا، لأن القدرةَ العقلية لنفسه الناطقة على حدْس الحدود الوسطى واكتساب المعقولات عاليةٌ جدًّا، وهذه القدرة مصحوبة بحاسّةٍ باطنةٍ متطورة بدرجة عالية من الحاسة المتصرِّفة [قوةٌ محلها مُقَدَّم التجويف الأوسط من الدماغ من شأنها التصرُّف في الصور والمعاني بالتركيب والتفصيل، تركب الصور بعضها ببعض، مثل أن يتصور إنسانًا ذا رأسين أو جناحين، وهذه القوة يستعملها العقل تارةً والوخم أخرى، فباعتبار الأول تسمى: مفكرة؛ لتصرفها في المواد الفكرية، وباعتبار الثاني تسمى: متخيلة؛ لتصرفها منها في الصور الخيالية – تعريفات]، يمكن أن تترجم هذه المعرفة العقلية إلى لغة وصور (في شكل كتابٍ أوحيَ به) يمكن أن تفهمها الغالبية العُظْمى من البشر بسهولة.

لكن بالإضافة إلى المعرفة العقلية، فإن الفيضَ الإلهي من عقولِ ونفوسِ الأجرام السماوية تتضمَّن أيضًا معلوماتٍ حول الحوادث على الأرض والماضي والحاضر والمستقبل — ما يسميه ابنُ سينا «الغيب»​​ -، بسبب أنّ جميعَ عقولِ ونفوسِ الأجرام السماوية مسؤولةٌ عنها مباشرة. يمكن أيضًا استلام هذه المعلومات من قِبل البشر بأشكالٍ مختلفة – كأحلام النوم أو أحلام اليقظة، والمشاهدات، وأخبار المتنبئين -، وذلك على حسب مستوى توازن الأَخْلاط التي لدى المستلم، والأداء الصحيح لحواسِّه الظاهرة والباطنة، وقابلية عقله واستعداده.

على سبيل المثال، قد يكون لدى شخصٍ إفراطٌ في حاسته الباطنة المتصرّفة أو الوهمية مما يعيقُ الاستقبالَ الواضح لصُوَر الأحلام بحيث تتطلَّب أحلامُه التأويلَ، في حين أن شخصًا آخر غير مصابٍ بذلك الإفراط قد يحصل على رسائل أوضح. فعلى مَن يرغب في الحصول على معلوماتٍ حول المستقبل أن يشتَغِلَ طويلًا وبصعوبة من أجل تحقيق هذا التوازن في أخلاطه من خلال الجهد المبذول، ومن ثَمَّ إعداد عقْلِه لتلقِّي الرسالة.

تختلف اللغة الرمزية لاستقبال المعلومات من العالم الفوقي وفقًا لما يجري إبلاغُه ومَن الذي يتلقّاه، إلا أنّه في جميع الحالات يجب أن يكون المستَلِمُ جاهزًا ومستعِدًّا لاستلامه. لدى جميعِ البشر كلٌّ من الجهاز البدني والعقلي اللازم لاكتساب المعقولات والمعرفة السماوية والوسائل اللازمة للقيام بذلك، ولكن عليهم العمل من أجل تحقيق ذلك، تمامًا كما يجب عليهم التحضير لنعيمهم في الآخرة في حين لا تزالُ نفوسهم الناطقة الخالدة [غير القابلة للفساد] متَّصِلةً بالجسم. لا يوجد فيضٌ مجّانًا للمعقولات على بشرٍ «متَّكِئين على الأريكة»، ولا تفكُّرٌ أخرويٌّ في الحقائق الأبدية التي في شَرِكة مع الأجرام السماوية (جَنَّة ابن سينا). إن التفكير في ذلك من شأنه أن يٌلغي المشروع الفلسفي بأكمله الذي شيَّده ابن سينا بشقِّ الأنفس.

هذا التحليل والفهم للنفس الناطقة، الذي جرى وَضْعُه بدقّةٍ على أساس النظرية الأرسطية، مع تجاوزها أيضًا؛ يمكّن ابنَ سينا من المشاركة بشكل منهجيٍ في المقام الأول مع جميع جوانب الدين، والمعرفة والاجتماع على حدٍّ سواء، وثانيًا يمكّنه مع ما يمكن أن نسمِّيه الظواهر الخارقة (التنبؤ بالمستقبل، التحريك الذهني عن بُعد، العين الشريرة، إلخ). لقد أضاف جميعَ المسائل المتعلِّقة بالجانب المعرفي للدين إلى المحتويات التقليدية للميتافيزيقا، وأضاف تلك المتعلقةَ بالجانب الاجتماعي إلى العلوم العملية. وفي الحالة الأولى، ابتكر ابنُ سينا ميتافيزيقا حقيقيّةً للنفس الناطقة (Gutas 2012b)، والتي أضافها إلى المعالجة التقليدية للميتافيزيقا (على هذا النحو باعتبارها: الفلسفة الأولى، اللاهوت الطبيعي) كموضوعٍ إضافي، يُسمَّى «الثيولوجي» [الإلهي] (العِلم الإلهي، أو الصناعة الإلهية). يمكن رؤية محتوياته في معالجته الواسعة لكل المباحث في نهاية الجزء الميتافيزيقي من كتاب الشفاء، على النحو التالي:

  • المقالة التاسعة: الفصل السابع: [فصلٌ في المعاد]: وفيه غاية النفس الناطقة في الآخرة وسعادتها وشقاوتها، وأن السعادة الحقيقية هي استكمال النفس الناطقة بواسطة العلم.
  • المقال العاشرة: الفصل الأول: فصل في المبدأ والمعاد، بقول مجملٍ، وفي الإلهامات، والمنامات، والدعوات المستجابات، والعقوبات السماوية، وفي أحوال النبوة، وفي حال أحكام النجوم.

على الجانب الاجتماعي للدين، أضاف قِسمًا رابعًا إلى الفلسفة العملية (بالإضافة إلى: الأخلاق، وإدارة المنزل، والسياسة) والتي سمَّاها «الصِّناعة الشرعيّة» (Kaya 2012; Kaya 2014; Gutas 2014a, 470–471, 497). وكما تقدَّم ذِكْره، فإنّ النبيَّ، من خلال قدرته المتطورة للغاية على حدْس الحدود الوسطى للأقيسة؛ فإنه يكتسب كل المعرفة (جميع المعقولات الفعليّة من خلال العقل الفعَّال) «إمَّا دَفعةً أو قريبًا من دفعة»، ويكون ذلك «ارتساما لا تقليديًّا، بل بترتيبٍ يشتمل على الحدود الوسطى. فإن التقليدياتّ في الأمور التي إنما تعرف بأسبابها ليست يقينيّةً عقليةً» (GS 5, De anima, 249–250; transl. Gutas 2014a, 183–184). من خلال هذه المعرفة الحاصِلة، والتي يجري التحقُّقُ منها بصورةٍ قياسيّة؛ يكون النبيُّ في وَضْعٍ يسمح له بتشريع وتنظيم الحياة الاجتماعية بالإضافة إلى أن يكون لديه سببٌ مشروع للحصول على القَبول. غطِّيت موضوعاتُ جميع أجزاء الفلسفة العملية في مساحة وجيزةٍ أيضًا في نهاية كتابه: الشفاء، على النحو التالي:

الفلسفة العلمية في كتاب الشفاء لابن سينا

  • المقالة العاشرة: الفصل الثاني: في إثبات النبوة وكيفية دعوة النبي إلى الله تعالى والمعاد إليه.
  • الفصل الثالث: فصلٌ في العبادات ومنفعتها في الدنيا والآخرة.
  • الفـصل الرابع: فصلٌ في عقد المدينة وعقد البيت، وهو النكاح، والسنن الكلية في ذلك.
  • الفصل الخامس: فصلٌ في الخليفة والإمام ووجوب طاعتهما، والإشارة إلى السياسات والمعاملات والأخلاق.

لمزيد من القراءة، راجع المداخل الآتية: ميتافيزيقا ابن سينا Ibn Sina’s metaphysics، وفلسفة ابن سينا الطبيعية Ibn Sina’s natural philosophy.

5. الخلاصة

جمع ابنُ سينا خيوطَ الفِكر الفلسفي المختلفة التي ورثها – التقاليد الهيللينية الباقية إلى جانب التطورات الفلسفية واللاهوتية في الإسلام – إلى نظامٍ علمي متَّسق ذاتيًّا يفسِّر الواقعَ كلَّه. استند صرحه العلمي على الفيزياء الأرسطية والميتافيزيقية المغطّاة بالفيض الأفلاطوني المحدَث في سياق علم الكونيات البطلمي، وكلها قد روجِعت وأعيدَ النظرُ فيها وأُعيد تقييمها بشكل نقدي من قِبَله. تمثَّل إنجازه في تنسيقه للأجزاء المتباينة في كِيان عقلاني، ولا سيما في تكوينه لعلاقةٍ واضحة جادل عنها منطقيًّا بين العالمين الأرضي والسماوي. ومن ثَمَّ كان النظام برنامجًا بحثيًا ورؤيةً للعالم.

قدَّمت الأخلاقُ الأرسطية أساسَ الصرح. إنّ وجوبَ العلم، وأن يكون العلمُ عقليًّا، الذي كان الدافع وراء تصوُّر ابنِ سينا ومِن ثَمَّ تحقيقه لنظامه العلمي؛ يستند إلى مفهوم أرسطو للسعادة باعتبارها النشاطَ الذي يميِّز البشر عن جميع الحيوات العضوية الأخرى والذي يأتي من العقل  (Nicomachean Ethics X.7, 1177b19–25): [تلك ترجمة: حنين بن إسحاق]

 «وكان يُظَنُّ بفِعل العقل أنه ينفعل بالاجتهاد، إذ كان يستعمل الرأيَ ولا يشتهي أن يكون له تمامٌ آخر البتة غير ذاتِه، وأن له لذةً خاصّية، ...، فإنه تكون السعادة التامّة»(8). 

قال ابن سينا بهذه النظرية حول السعادة الإنسانية في هذا العالم بصورةٍ كاملة، ووسّعَها لجَعْلِها أيضًا أساسًا للسعادة في المستقبل – لقد جعلها فِعليًّا شرطًا أساسيًّا لتحقيقِ السعادة في اليوم الآخر. فقط الحياة التأمُّلية التي أثناء وجودِها في الجِسْم تهيِّئُ العقلَ؛ يجب أن تَستخدم الحواسَّ الظاهرة والباطنة لاكتساب المعرفة واكتساب الاستعداد للتفكير في المعقولات، من أجل الحياة التأمّلية بعد الموت. ومن خلال فهم هدف الحياة الإنسانية بهذه الطريقة، كان ابنُ سينا ​​مرة أخرى وفيا للرؤية الأرسطية للسعادة الإلهية باعتبارها هويةً للعقل والعاقل والمعقول (Metaphysics XII.7, 1072b18–26). (Metaphysics XII.7، 1072b18–26). باستخدام كلمات أرسطو، يعيد ابنُ سينا صياغة هذا المقطع على النحو الآتي:

«أما الفهم فإنما يَلَذُّ لذاته؛ ثم نقول: وأما الفهم المتقدِّمُ بذاته فلِلَّذى هو أفضل بذاته. أما الذي يَفْهَم ذاتَه: فهو جوهر العقل إذا اكتسب المعقول، فإنه يصير معقولًا في الحال كما يلامِسُه مثلًا. وإنما يكون العقلُ والعاقلُ والمعقول واحدًا بقياس ذات الشيء إلى نفسِه، ....، فإن كان الإلهُ أبدًا كحالِنَا في وقتٍ ما؛ فذلك عجيبٌ، وإن كان أكبر؛ فأكثرَ عجبًا، فله ذلك [يعني يجوز له ذلك لأنه إله]» [من شرح كتاب اللام من كتابه الإنصاف] (Geoffroy et al. 2014, 59)(9).

ومن ثَمَّ فهناك جانبٌ أخلاقيٌّ عميق في نظام ابن سينا الفلسفي. كان المفهوم الأساس في هذا النظام الفلسفي هو حياة النفس الناطقة: نظرًا لأن عقولنا النظرية – أنْفُسِنا – تتوافقُ مع العقول السماوية؛ فمن واجبنا الكوني تمكينُ عقولِنا من الوصول إلى إمكاناتها الكاملة والتصرُّف مثل العقول السماوية، أي أن تفكِّر في المعقولات (راجع Lizzini 2009). ولأننا (أي جوهرنا الأساس الذي يعرِّفنا ويبقِينا: أي: نفوسنا الناطقة) أعْطِينا جسمًا وتعرقِلُ مادَّتُنا تعقُّلَنا غيرَ المقيّد، كمثل التعقُّل الذي يستمتع به [المبدأ] الأول والكائنات السماوية الأخرى؛ فإنّه علينا أن نتَّجِه إلى الجسد بواسطة جميع الوسائل، السلوكية (مثل الممارسات الدينية، والسلوك الأخلاقي) والدوائية، للارتقاء بمِزَاجه الأخلاطي إلى مستوًى من التوازن من شأنه أن يساعد وظيفةَ التعقُّل في هذه الحياة وتهيئتها للتعقل المستمر والمباشر من دون عوائق، مثل الإله، في المستقبل. هذه هي الأخلاق الإنسانية التي تمليها النظرةُ العلمية للعالم.


معلومات عن ابن سينا في الهوامش:

(1) يعتمد هذا المدخلُ، ويتوافق القسم الثالث والرابع منه بوضوحٍ مع: Gutas 2014a, “Coda,” pp. 359–386، حيث أحيل القارئَ عليه للوقوف على العرض الأكمل والتوثيق للأطروحات المذكورة هنا. تشير الرموز الموجودة بين قوسين () بعد الإشارة الأولى لأعمال ابن سينا؛ إلى الرقم التسلسلي له في قائمة كتاباته الملحقة بهذا المدخل، والتي هي مأخوذة – [أي الاقتباسات] – أيضًا في غالبها من ترجمات المقاطع المذكورة.

(2) يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنه في الفترة الإسلامية المبكرة، وكذلك في العصور القديمة (في معظمها)، والعصور القديمة المتأخرة: كانت الفلسفة والعلوم مترادفين. كانت الفلسفة مصطلحًا عامًّا يُشير إلى ما نسمّيه العِلم وأيضًا إلى العُلوم الإنسانية، كما يتّضِح من عمل أرسطو نفسه (الميتافيزيقيا والأحياء والطبيعيات، وكذلك السياسة والشعر) ومِن تصنيف الأجزاء المختلفة أو مواضيع الفلسفة الواردة أدناه في القسم 1-1. لتجنُّب استخدام المصطلح الثقيل [في الكتابة]: «الفلسفة/العلم» في كلّ مرة، سنستخدم الكلمتيْن بالتبادل، ونطلب من القارئ أن يتذكر أن المقصود بهما جميع الموضوعات التي نعالجها في تصنيفنا الثلاثي للعلوم: العلوم الإنسانية (ما نسميها: الفلسفة، والأخلاق، والخطابة، والأدب/ الشعر) والعلوم الاجتماعية (السياسة، والاقتصاد)، والعلوم الصلبة (البيولوجيا والرياضيات وغيرها).

(3) يرجِع تاريخ (980م/ 370ه) الذي يُقدَّم تقليديًّا في بعض المصادر إلى سوء تقدير (Gutas 1987–1988/2014b-II).

(4) عالج ابن سينا موضوعاتِ الفلسفة العملية التقليدية على عُجالة في نهاية: الشفاء، وبشكل أساسيٍّ من حيث كونها تشريعًا من قِبَل نبيٍّ. وفي موضِعٍ آخر، أعطى مؤشراتٍ كثيرةً على أنه عالج الموضوعَ بالطريقة التقليدية واستخدم الكتبَ التي وضعناها بين قوسين أعلاه. للاطِّلاع على التقليد اليوناني العربي للتدبير المنزلي (الاقتصاد) انظر الآن النصوص التي جَمَعها Swain 2013. للاطلاع على آراء ابن سينا حول الفلسفة العَمَلِية انظر القسم 4 أدناه.

(5) عن الترجمتين الأوروبيتين الحديثتين: تتبع الأولى الفرنسيةُ Goichon 1951 توجيهاتِ شرحِ الطوسي عن كَثَبٍ، في حين أن الثانية بالإنجليزية Inati 1984, 1996, and 2014، وإن كانت جديرةً بالثناء على الجهد المبذولِ، إلا أنها تحتاج إلى عملِ.

(6) وذلك في عينِ ابن سينا هو ما فكّر فيه باعتبار أنّ

«التقليديّات في الأمور التي إنما تُعرف بأسبابها ليست يقينية عقلية» (GS 5, De anima, 250; transl. Gutas 2014a, 184)

ومن ثَمَّ فلا تشكِّل علمًا، بصرف النظر عن الكيفية التي تُطرَح بها. ومنذُ العصور القديمة وحتى يومنا هذا، اتفق المفكِّرون مع ابنِ سينا على أن العلم هو – فحسب – البحث العقلاني والمفتوح في الواقع، وليس مبررًا أو مسوِّغًا لأطروحات محدَّدة سلفًا وثابتة وغير قابلة للمناقشة ومقبولة على أساس سُلطة الوحي. بعض العلماء لديهم تصوُّرٌ أوسع للفلسفة، بحيث يُضَمَّن بعضُ اللاهوت داخِلَها على أساس الفرق الدلالي الذي نتمسَّك به اليوم بين مصطلحي «العلم» و«الفلسفة»، بحيث يكون «اللاهوت الفلسفي» مصطلحًا ذا معنى (أو على الأقل مقبولًا)، في حين أن مصطلح «اللاهوت العِلمي»، إذا كان مُرادًا وليس مجرد تعبيرٍ عن موقف هامشي؛ سيكون أكثر إشكالية ويحتاج إلى تفصيل.

ولكن بالنسبة للعصور القديمة والوسطى، وبالتأكيد حتى عصر ابن سينا، عندما كان العلمُ فلسفةً والعكس صحيحًا، كما هو مذكور أعلاه في الهامش 1، لا يمكن الحفاظ على مثل هذا المفهوم الأوسع للعلم/الفلسفة. بالنسبة للفلاسفة مثل الفارابي وابن سينا، كان من الضروري أن يكونَ نصُّ الوحي متكيّفًا مع العلم (أو مختَزلًا فيه)، وليس العكس تمامًا كما كان الحال بشكل متزايد مع التطورات المفصلية في التاريخ الفكري الإسلامي بعد ابن سينا.

(7) يُترجَم المصطلح العربي «اتصال» الذي يستعمله ابن سينا عن طريق الخطأ على أنه «junction» [تقاطع أو التقاء] (أحدثها Geoffroy et al. 2014, p. 96، بالفرنسية «jonction»). تعني «junction» الالتقاء أو الالتحاق joining، والالتحاق joining يعني: «جمع الأشياء معًا بشكل مستمر أو لتشكيل وحدة» (تعريف القاموس).

وليس هناك أي نص أو إشارة لابن سينا يقول فيها إن النفس الإنسانية تصبح واحدة [أو متحدة] مع العقل الفعّال، أو كما في حالة: شرح كتاب اللام (Geoffroy et al. 2014, 58 and 96, note 44) مع المبدأ الأول، فإن هذا يعني أولًا أن النفس الناطقة الإنسانية تفقد هويتَها لأنها تتحد مع العقل الفعّال (أو بصورة تجديفيّة: مع المبدأ الأول)، وثانيًا: أنها تدرك جميعَ المعقولات، مثل العقل الفعّال، بمجرد أن تتحد معه (فكيف يمكن إذن أن تكون النفس الناطقة، غير المتمايزة الآن عن العقل الفعّال؛ قادرةً على اكتساب ولو معقول واحد فقط ممّا لا يُحصَى من المعقولات التي تعقلها لاحقًا؟)، وثالثًا: أن كَوْنَ ذلك كلِّه يحدث – أي أن تصبح النفس الناطقة إلهيةً بمجرد أن تتحد مع العقل الفعَّال أو المبدأ الأول – في حين أنها [النفس الناطقة] لا زالت في الجسد؛ فإن هذا تحريفٌ لأفكار ابن سينا!

إن «الاتصال» « Contact» عبارةٌ مجازية لوصفِ (وهذا الوصف ممكنٌ فقط بصورة مجازية، لأن كلًّا من النفس الإنسانية الناطقة والعقل الفعّال جواهر غير مادية، وليست هناك عبارةٌ [حقيقيّة] لوصف «الاتصال» بين جوهريْن غيرِ مادِّيَّيْن) كيف ترتبط النفس الناطقة بالعقل الفعّال عندما تُدرك الأولى معقولًا من طبيعته جدًّا أن يتحقّق بصورة غير زمانية في العقل الفعّال، أو – إذا استخدمنا مجازًا آخر – من طبيعتِه أن يتم «تخزينه [حفظه]» فيه [العقل الفعّال]؛ لأن العقل الفعال هو الموقع الوحيد الذي يمكن للمعقولات أن توجدَ فيه واقعيًّا إلى الأبد (عندما لا نفكّر فيها).

يشرح ابنُ سينا بالفعل، في المقطع نفسِه الذي استشهد به للتوّ من شرح كتاب اللام، إذ يقول وهو يُعيد صياغة عبارة أرسطو: «أما الذي يفهم ذاته فهو جوهر العقل إذا اكتسب المعقول، فإنه يصير معقولًا في الحال كما يلامسه مثلًا» (Geoffroy et al. 2014, 59، وهو مقتبس أيضًا أدناه في: الخلاصة). فهاهنا تشرحُ كلمةُ «اللمس» معنى «الاتصال». الآن هذا هو الأمرُ. عندما ذكر أرسطو في المقطع نفسِه في كتاب اللام Lambda, 1072b21 أنّ التعقُّل في المعقولات بواسطة العقل يحدث حينما «يلمس» أحدهما الآخر؛ فقد تُرجمت الكلمة اليونانية « thigganōn» بشكلٍ مناسبٍ إلى «يلمس»، وهذا ما نقله ابن سينا. ومن المحتمل جدًّا أن هذه الاستعارة المؤثّرة التي استعملها أرسطو (والتي استعملها أيضًا في موضعٍ آخر) قد أوحت إلى ابن سينا أولًا باستعمال كلمة «اتصال» لوصف العلاقة بين العاقل والمعقول في لحظة التعقّل أو التفكير.

لقد وضَّح روسّ W.D. Ross ما يعنيه ذلك المجاز عند أرسطو، إذ يقول: «استُعمل المجاز «يلامس» في وصف الفهم البسيط … في  1072b21. وتضمّن ذلك ما يلي: (1) غياب أيِّ احتمالية للخطأ … (2) أن الظاهر هو … غياب أي وسيط في حالة الملامسة. إن كلمة «يلامس» تعني الإدراك المباشر والذي ليس عُرضة الخطأ» (W.D. Ross, Aristotle’s Metaphysics. A Revised Text with Introduction and Commentary, Oxford: Clarendon Press, 1958, II.277).

هذا هو بوضوحٍ ما فهِمه ابن سينا– الذي كان تلميذًا ممتازًا لأرسطو، ولا يقلُّ عن ابن رشد، ولكنه فقط أكثر إبداعًا -، وهذه هي كيفية استخدامه، وهذا هو السبب في أن العلم بالمعقولات المكتَسب في النهاية بواسطة العمليات القياسية عندما يتم حدْس الحد الأوسط بشكل صحيح – يُعبَّر عنه بشكلٍ مجازيّ أنه عندما يتصل العقل الإنساني بالعقل الفعّال -؛ يكون معصومًا ومباشرًا. إن قراءة «تقاطع junction» أو «اتحاد union» لدى ابن سينا بصورة صوفية أو غير ذلك؛ لا تدعمها لغة ابن سينا ولا تفكيره.

(8) هذه هي ترجمة المؤلف للترجمة العربية، حيث إن هذا هو ما قرأه ابن سينا، انظر: Akasoy and Fidora, 2005, pp. 560–561. وهي تتبع – مع تعديلات طفيفة – ترجمة دانلوب D.M. Dunlop الواردة هناك.

(9) جاء النصُّ العربيُّ لدى ابن سينا، كما ورد في ترجمة [الراهب] اسطاث لميتافيزيقا أرسطو [نقل كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطو]، التي يُقرأ فيها النصّ على النحو الآتي: «فإن كان الإلهُ أبدًا كحالِنا في وقتٍ ما»، والتي ينبغي أن تُستكَمل بما يلي كي يكونَ النصُّ مقبولًا من ناحية اللغة العربية: «فإن كان «حالُ» الإله أبدًا كحالِنا في وقتٍ ما» (فبدون هذه الإضافة يكون معنى العبارة باللغة العربية: «إذا كان الإله دائمًا يُشبه حالتَنا أحيانًا»، وحرفيًّا ليس لهذا معنًى) [قلت: من جهة العربية تصح العبارةُ على كل حال].

إنّ إضافة كلمة «حال» على النص اليوناني οὕτως ἔχει  لكي تكونَ الجملةُ حينَها مطابقةً تمامًا لليونانية الأصلية: εἰ οὖν οὕτως [εὖ] ἔχει ὡς ἡμεῖς ποτὲ ὁ θεὸς ἀεί، ولإعادة صياغة ثامسطيوس Themistius التي يتّبعُها ابنُ سينا بدقّة والتي تقول: «فإن كان ما هو الإلهي دائمًا بمنزلة ما هو لنا في بعض الأوقات» (بدوي 1947، صص 17-18)، حيث تتوافق كلمة «ما» المتكررة مع كلمة «حال» التي في ترجمة اسطاث. وحيث إن كلمة «حال» مفقودةٌ في جميع الشواهد المتاحة على ترجمة اسطاث (وذلك على فرض أن النسخ المتاحة دقيقة)؛ فإنه يجب أن تكون قد سقطت في وقتٍ مبكرٍ جدّا من تاريخ نقلِها (كخطأ أوَّليّ).

وبالمقارنة فإن كلمة εὖ اليونانية لا تُترجم إلى العربية (ومن ثَمَّ فهي مُقحَمَةٌ في النص العربي فوق)، ولكن هذا يرجِعُ إلى غيابها في المخطوطة اليونانية المستَخدَمة من اسطاث، كما أنها مفقودةٌ أيضًا في المخطوطة اليونانية الباقية (وكذلك في إعادة صياغة ثامسطيوس أيضًا)، والتي هي التقليدُ النموذجي بالنسبة لترجمة اسطاث، والتي ينبغي أن تكون مخطوطات ثامسطيوس راجعةً إليها.


[1] Gutas, Dimitri, “Ibn Sina [Avicenna]”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2016 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives /fall2016/ entries/ibn-sina/>.


ببليوغرافيا

بصرف النظر عن المراجع الموجودة في النص، تسرد هذه الببليوغرافيا أيضًا العديدَ من الدراسات الحديثة عن ابن سينا، إلى جانب بعض الأعمال المرجعية. للحصول على قائمةٍ كاملةٍ لأعمال ابن سينا باللغتين العربية والفارسية، وإصداراتها، وترجماتها، والدراسات حولها، انظر قائمة Gutas 2014a، وأيضًا لمزيدٍ من المراجع.


المراجع

كتب ابن سينا

ملحق: تجد قائمة الكتب علىهذا الرابط

المصادر الثانوية

  • Adamson, P., 2004, “Non-Discursive Thought in Avicenna’s Commentary on the Theology of Aristotle,” in Interpreting Avicenna: Science and Philosophy in Medieval Islam, J. McGinnis (ed.), Leiden: Brill, pp. 87–111.
  • –––, (ed.), 2013, Interpreting Avicenna. Critical Essays, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Akasoy, A., and A. Fidora, 2005, The Arabic Version of theNicomachean Ethics, Leiden: Brill.
  • بدوي، عبد الرحمن، أرسطو عند العرب، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية.
  • Barnes, J., 1994,  Posterior Analytics, Oxford: Clarendon Press.
  • Bertolacci, A., 2006, The Reception of Aristotle’sMetaphysics in Avicenna’s Kitāb al-Šifāʾ, Leiden: Brill.
  • Biesterfeldt, H.H., 2000. “Medieval Arabic Encyclopedias of Science and Philosophy,” in The Medieval Hebrew Encyclopedias of Science and Philosophy, S. Harvey (ed.), Boston: Kluwer, pp. 77–98.
  • –––, 2002, “Arabisch-islamische Enzyklopädien: Formen und Funktionen,” in Die Enzyklopädie im Mittelalter vom Hochmittelalter bis zur frühen Neuzeit, Ch. Meier (ed.), München: Wilhelm Fink, pp. 43–83.
  • Black, D., 2008, “Avicenna on Self-Awareness and Knowing that One Knows,” in The Unity of Science in the Arabic Tradition, S. Rahman, T. Street, and H. Tahiri (eds.), N.p.: Springer, pp. 63–87.
  • Davidson, H.A., 1987, Proofs for Eternity, Creation and the Existence of God in Medieval Islamic and Jewish Philosophy. Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 1992, Alfarabi, Avicenna, and Averroes, on Intellect, Oxford / New York: Oxford University Press, 1992.
  • Eichner, H., 2009, The Post-Avicennian Philosophical Tradition and Islamic Orthodoxy: Philosophical and Theological Summae in Context, unpublished professorial dissertation (Habilitationsschrift), Halle.
  • Geoffroy et al., 2014, Commentaire sur le Livre Lambda de laMétaphysique d’Aristote (Chapitres 6–10) par Ibn Sīnā (Avicenne), M. Geoffroy, J. Janssens, and M. Sebti (eds.), Paris: Vrin.
  • Gohlman, W.E., 1974, The Life of Ibn Sina, Albany, NY: SUNY Press.
  • Goichon, A.-M., 1938, Lexique de la langue philosophique d’Ibn Sīnā, Paris: Desclée de Brouwer.
  • –––, 1939, Vocabulaires comparés d’Aristote et d’Ibn Sīnā, Paris: Desclée de Brouwer.
  • –––, 1951, Ibn Sīnā (Avicenne). Livre des directives et remarques, Paris: Vrin
  • –––, 1959, Le récit de Ḥayy ibn Yaqẓān commenté par des textes d’Avicenne. Paris: Desclée de Brouwer.
  • Gutas, D., 1987–88, “Avicenna’s Maḏhab, With an Appendix on the Question of His Date of Birth,” Quaderni di Studi Arabi, 5–6: 323–36; repr. in Gutas 2014b-II.
  • –––, 1998, Greek Thought, Arabic Culture, London and New York: Routledge.
  • –––, 2000, “Avicenna’s Eastern (“Oriental”) Philosophy: Nature, Contents, Transmission,” Arabic Sciences and Philosophy,10: 159‑180.
  • –––, 2001, “Intuition and Thinking: The Evolving Structure of Avicenna’s Epistemology,” Princeton Papers. Interdisciplinary Journal of Middle Eastern Studies9: 1‑38; repr. in Aspects of Avicenna, Wisnovsky (ed.), Princeton: Markus Wiener, 2001, pp. 1‑38.
  • –––, 2002, “The Heritage of Avicenna: The Golden Age of Arabic Philosophy, 1000 ‑ ca. 1350,” in Janssens and De Smet 2002: 81–97.
  • –––, 2004a. “Geometry and the Rebirth of Philosophy in Arabic with al‑Kindī,” in Words, Texts and Concepts Cruising the Mediterranean Sea, Studies … Dedicated to Gerhard Endress on his Sixty‑fifth Birthday, ed. R. Arnzen and J. Thielmann, 195–209. Leuven: Peeters.
  • –––, 2004b, “Avicenna’s Marginal Glosses on De animaand the Greek Commentatorial Tradition,” in Philosophy Science & Exegesis in Greek, Arabic & Latin Commentaries, ed. P. Adamson, H. Baltussen, and M.W.F. Stone, II,77–88, London: Bulletin of the Institute of Classical Studies Supplement 83.2.
  • –––, 2006a, “Intellect Without Limits: The Absence of Mysticism in Avicenna,” in Intellect et imagination dans la Philosophie Médiévale(Actes du XIe Congrès International de Philosophie Médiévale de la S.I.E.P.M., Porto, du 26 au 31 août 2002), C. Pacheco and J.F. Meirinhos (eds.), Turnhout: Brepols, pp. 351–372; repr. in Gutas 2014b, article XII.
  • –––, 2006b, “Imagination and Transcendental Knowledge in Avicenna,” in Arabic Theology, Arabic Philosophy. From the Many to the One: Essays in Celebration of Richard M. Frank, J.E. Montgomery (ed.,), Leuven: Peters, pp. 337–354; repr. in Gutas 2014b, article XI.
  • –––, 2010, “Origins in Baghdad,” in The Cambridge History of Medieval Philosophy, R. Pasnau (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 11–25
  • –––, 2012a, “Platon. Tradition Arabe,” in Dictionnaire des Philosophes Antiques, R. Goulet (ed.), Paris: CNRS.
  • –––, 2012b, “Avicenna: The Metaphysics of the Rational Soul,” Muslim World, 102: 417–425.
  • –––, 2014a, Avicenna and the Aristotelian Tradition. Inroduction to Reading Avicenna’s Philosophical Works. Second, Revised and Enlarged Edition, Leiden: E.J. Brill.
  • –––, 2014b, Orientations of Avicenna’s Philosophy, Ashgate/Variorum: Surrey/Burlington.
  • –––, 2014b-I, “Avicenna: Biography,” in Gutas 2014b, article I.
  • –––, 2014b-VII, “The Empiricism of Avicenna,” in Gutas 2014b, article VII.
  • –––, 2015, “The Author as Pioneer[ing Genius]: Graeco-Arabic Philosophical Autobiographies and the Paradigmatic Ego,” in Concepts of Authorship in Pre-Modern Arabic Texts, L. Behzadi and J. Hameen-Anttila (eds.), Bamberg: University of Bamberg Press, pp. 47–62
  • Hasse, D.N., 2013, “Avicenna’s Epistemological Optimism,” in Adamson 2013, pp. 109–119.
  • Hasse, D.N., and A. Bertolacci (eds.), 2012, The Arabic, Hebrew and Latin Reception of Avicenna’s Metaphysics[Scientia Graeco-Arabica 7], Berlin: De Gruyter.
  • Heath, P., 1990, “Disorientation and Reorientation in Ibn Sina’s Epistle of the Bird: A Reading,” in Intellectual Studies on Islam. Essays written in honor of Martin B. Dickson, Michel M. Mazzaoui and Vera B. Moreen, eds., Salt Lake City, Utah: University of Utah Press, pp. 163–183.
  • Inati, S.C., 1984, Ibn SīnāRemarks and Admonitions. Part One: Logic,Toronto: Pontifical Institute of Mediaeval Studies.
  • –––, 1996, Ibn Sīnā and Mysticism. Remarks and Admonitions: Part Four, London and New York: Kegan Paul International.
  • –––, 2014, Ibn Sina’sRemarks and Admonitions: Physics and Metaphysics, New York: Columbia University Press.
  • Janssens, J., 1991, An Annotated Bibliography on Ibn Sînâ (1970–1989), Leuven: Leuven University Press.
  • –––, 1999, An Annotated Bibliography on Ibn Sīnā: First Supplement (1990–1994), Louvain-la-Neuve: Fédération Internationale des Instituts d’Études Médiévales.
  • –––, 2006, Ibn Sīnā and His Influence on the Arabic and Latin World[Variorum Collected Studies 843], Aldershot, Hampshire: Ashgate.
  • Janssens, J., and D. De Smet (eds.), 2002, Avicenna and His Heritage, Leuven: Leuven University Press.
  • Kaya, M.C., 2012, “Prophetic Legislation: Avicenna’s View of Practical Philosophy Revisited,” in Philosophy and the Abrahamic Religions: Scriptural Hermeneutics and Epistemology, T. Kirby, R. Acar, and B. Baş, eds., Newcastle upon Tyne: Cambridge Scholars Publishing, pp. 205–223.
  • –––, 2014, “In the Shadow of “Prophetic Legislation”: The Venture of Practical Philosophy after Avicenna,” Arabic Sciences and Philosophy24: 269–296.
  • Lameer, J., 2006, Conception and Belief in Ṣadr al-Dīn Shīrāzī (ca 1571–1635), Tehran: Iranian Institute of Philosophy.
  • Langermann, T., 2009, Avicenna and His Legacy. A Golden Age of Science and Philosophy, Turnhout: Brepols.
  • Lizzini, O., 2009, “Vie active, vie contemplative et philosophie chez Avicenne,” in Vie active et vie contemplative au Moyen Âge et au seuil de la Renaissance, Ch. Trottmann (ed.), Rome: École Française de Rome, pp. 207–239.
  • مهدوى، يحيى، فهرستنسخه هاى مصنفات ابن سينا، طهران: دانشگاه 1333ش.
  • Marmura, M.E., 1990, “The Fortuna of the Posterior Analyticsin the Arabic Middle Ages,” in Knowledge and the Sciences in Medieval Philosophy, M. Asztalos, J.E. Murdoch, I. Niiniluoto (eds.), Helsinki: Acta Philosophica Fennica, v. I, pp. 85–103; repr. in Marmura 2005: 355–373.
  • –––, 2005, Probing in Islamic Philosophy, Binghamton, N.Y.: Global Academic Publishing.
  • McGinnis, J., with the assistance of D.C. Reisman, 2004, Interpreting AvicennaScience and Philosophy in Medieval Islam, Leiden: Brill.
  • McGinnis, J., 2010, Avicenna, Oxford: Oxford University Press.
  • Michot, Yahya (Jean R.), 1986, La destinée de l’homme selon Avicenne. Le retour à Dieu (ma‘ād) et l’imagination, Leuven: Peeters.
  • –––, 2000, Ibn Sînâ. Lettre au vizir Abû Sa‘d. Editio princeps d’après le manuscrit de Bursa, traduction de l’arabe, introduction, notes et lexique [Sagesses musulmanes 4], Beirut/Paris: Al-Bouraq.
  • Rahman, F., 1958, Prophecy in Islam, London: George Allen & Unwin; repr. Chicago: The University of Chicago Press, 2011.
  • Reisman, D.C., 2002, The Making of the Avicennan Tradition: The Transmission, Contents, and Structure of Ibn Sīnā’sal-Mubāḥaṯāt (The Discussions), Leiden: Brill.
  • –––, 2004, “The Pseudo-Avicennan Corpus, I: Methodological Considerations,” in McGinnis with Reisman 2004, pp. 3–21.
  • –––, 2010, “The Ps.-Avicenna Corpus II: The Ṣūfistic Turn,” in Documenti e Studi sulla Tradizione Filosofica Medievale,” 21: 243–258.
  • –––, 2013, “The Life and Times of Avicenna. Patronage and Learning in Medieval Islam,” in Adamson 2013, pp. 7–27.
  • Swain, S., 2013, Economy, Family, and Society from Rome to Islam, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Treiger, A. 2011. Inspired Knowledge in Islamic Thought. Al-Ghazālī’s Theory of Mystical Cognition and Its Avicennian Foundation. London: Routledge.
  • Vajda, G., 1951, “Les notes d’Avicenne sur la «Théologie d’Aristote»,” Revue Thomiste51: 346–406.
  • Wisnovsky, R, 2003, Avicenna’s Metaphysics in Context, Ithaca, N.Y.: Cornell University Press.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

[Please contact the author with suggestions.]


مداخل ذات صلة

Arabic and Islamic Philosophy, historical and methodological topics in: Greek sources | Ibn Sina [Avicenna]: logic | Ibn Sina [Avicenna]: metaphysics | Ibn Sina [Avicenna]: natural philosophy


الفلسفة العربية والإسلامية: الموضوعات المنهجية والتاريخية في المصادر اليونانية Arabic and Islamic Philosophy, historical and methodological topics in: Greek sources / ابن سينا: المنطق Ibn Sina [Avicenna]: logic / ابن سينا: الميتافيزيقا Ibn Sina [Avicenna]: metaphysics / ابن سينا: الفلسفة الطبيعية Ibn Sina [Avicenna]: natural philosophy.