مجلة حكمة
مفهوم الجمالي

مفهوم الجمالي – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: ناصر الحلواني


مدخل حول مفهوم الجمالي (concept of aesthetics)، يبحث في مفاهيم الجمال كالذوق، والحكم الجمالي، والموقف الجمالي، والخبرة الجمالية؛ نص مترجم للـد. جيمس شللي، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


تم إدخال مصطلح “الجمالي” في المعجم الفلسفي خلال القرن الثامن عشر، وتم استخدامه لتعيين، من بين أمور أخرى، نوع من الموضوعات، ونوع من الحكم، ونوع من المواقف، ونوع من الخبرة، ونوع من القيمة. في معظم الأحيان، انقسمت النظريات الجمالية حول أسئلة خاصة بواحد أو آخر من هذه التعيينات: ما إذا كانت الأعمال الفنية موضوعات جمالية بالضرورة، كيف نواءم الأساس الإدراكي المزعوم للأحكام الجمالية، مع حقيقة أننا نقدم أسبابا لدعمها، ما هي أفضل طريقة لالتقاط التباين المراوغ، بين الموقف الجمالي والموقف العملي، ما إذا كان سيتم تعريف الخبرة الجمالية وفقا لمحتواها الظاهراتي phenomenological  أو التمثيلي representational ، ما أفضل السبل لفهم العلاقة بين القيمة الجمالية والخبرة الجمالية. ولكن مؤخرا، ظهرت أسئلة ذات طبيعة أكثر عمومية، وتميل إلى أن تكون ذات صياغة متشككة: ما إذا كان يمكن تفسير أي استخدام لمفهوم “الجمالي” دون اللجوء إلى مفهوم آخر، ما إذا كان الاتفاق الذي يحترم أي استخدام للمفهوم كافي لتأسيس اتفاق أو خلاف نظري جاد، ما إذا كان المصطلح يستجيب بنحو جوهري لأي غرض فلسفي مشروع، يبرر إدراجه في المعجم. لم يبدأ مذهب الشكية، الذي عبرت عنه مثل هذه الأسئلة العامة، في الترسخ حتى أواخر القرن العشرين، وهذه الحقيقة تثير التساؤل عما إذا كان (أ) مفهوم الجمالي إشكاليا بطبيعته، ولم نتمكن من رؤية ذلك إلا مؤخرا، أو (ب) أن المفهوم على ما يرام، ولم نشعر بالتشوش إلا مؤخرا، بما يكفي لنتخيل غير ذلك. يتطلب الفصل بين هذه الاحتمالات فرصة مواتية، يمكن الاستفادة منها في فهم كلا من التنظير المبكر والمتأخر حول الأمور الجمالية.

 

  1. مفهوم الذوق

1.1 الفورية

1.2 التجرد

  1. مفهوم الجمالي

2.1 الموضوعات الجمالية

2.2 الحكم الجمالي

2.3 الموقف الجمالي

2.4 الخبرة الجمالية

  • قائمة المراجع

  • أدوات أكاديمية

  • مصادر أخرى على الإنترنت

  • مدخلات ذات صلة


 

  1. مفهوم الذوق

ينحدر مفهوم الجمالي من مفهوم الذوق. أما سبب هيمنة مفهوم الذوق على الكثير من الاهتمام الفلسفي، خلال القرن الثامن عشر، فأمر معقد، لكن هذا واضح جدا: ظهرت نظرية الذوق في القرن الثامن عشر، في جزء منها، كسبيل تصحيحي لظهور الفلسفة العقلانية، لا سيما مع تطبيقها على الجمال، ولظهور فلسفة الأنانية، لا سيما مع تطبيقها على الفضيلة. ذهبت نظرية الذوق في القرن الثامن عشر، في موقفها ضد الفلسفة العقلية في الجمال، إلى جعل الحكم على الجمال فوريا immediate، وفي موقفها ضد الأنانية في مجال الفضيلة، جعلت متعة الجمال متجردة من المصالح الذاتية disinterested.

 

1.1 الفورية

النظرة العقلانية إلى الجمال هي وجهة نظر ترى أن أحكام الجمال هي أحكام العقل، أي: أن نحكم على الأشياء بأنها جميلة من خلال عملية تدبُّر عقلي، حيث تتضمن تلك العملية، عادة، عملية استدلال من المبادئ، أو تطبيقا للمفاهيم. في بداية القرن الثامن عشر، كانت التوجه العقلاني المتعلق بالجمال قد هيمن على القارة، وتم دفعه إلى حدود متطرفة جديدة، من قبل “les géomètres”، وهي مجموعة من المنظرين الأدبيين، الذين كانوا يهدفون إلى إضفاء الدقة الرياضية على النقد الأدبي، بمثل ما فعل ديكارت بتطبيقه للرياضيات على العلوم الطبيعية. كما قال أحد هؤلاء المنظرين:

إن طريقة التفكير في مشكلة أدبية يكون بتلك الطريقة التي أشار إليها ديكارت، للتفكير في مشاكل العلوم الطبيعية. الناقد الذي يحاول تطبيق أي طريقة أخرى لا يستحق أن يعيش في القرن الحالي. ليس هناك ما هو أفضل من الرياضيات كتمهيد للنقد الأدبي. (Terrasson 1715, Preface, 65; quoted in Wimsatt and Brooks 1957, 258).

ضد ذلك، وضد أشكال أكثر اعتدالا من المذهب العقلاني في نظرته إلى الجمال، بدأ الفلاسفة البريطانيون بشكل خاص، الذين يعملون تحديدا في إطار تجريبي، في تطوير نظريات في الذوق. الفكرة الأساسية وراء أي نظرية من هذا القبيل ـ والتي يمكن أن نسميها الفرضية الفورية ـ هي أن أحكام الجمال لا تتم (أو على الأقل ليس من قوانينها) إيجاد وسيط إليها، من خلال استدلالات من مبادئ، أو تطبيقات للمفاهيم، بل تتمتع بكل الفورية التي للأحكام الحسية المباشرة. إنها فكرة، بعبارة أخرى، أننا لا نفكر وصولا إلى استنتاج أن الأشياء جميلة، بل، بالأحرى، إننا “نتذوق” جمالها. فيما يلي تعبير قديم عن هذه الفرضية، من كتاب جان بابتيست ديبو Jean-Baptiste Dubos’ تأملات نقدية حول الشعر، والتصوير، والموسيقى، والذي صدر لأول مرة في عام 1719:

هل نفكر أبدا من أجل أن نعرف ما إذا كانت اليخنة الفرنسية ragoo جيدة أم سيئة، وهل علمها أي إنسان، بعد أن اقرَّ المبادئ الهندسية للتذوق، وحدد صفات كل مكون، يدخل في تركيب تلك اليخنة، لفحصه بحسب النسب الملحوظة في خلطتها، من أجل تقرير ما إذا كانت جيدة أم سيئة؟ لا، هذا لا يحدث أبدا. لدينا شعور، منحتنا إياه الطبيعة، لتمييز ما إذا كان الطاهي قام بعمله وفق قواعد فنه. الناس يتذوقون اليخنة، ومع أنهم ليسوا على دراية بهذه القواعد، فبإمكانهم الإخبار بما إذا كانت جيدة أم لا. ويمكن قول الشيء نفسه، بخصوص بعض نتاجات العقل، والصور المصنوعة لإرضائنا وإثارتنا. (Dubos 1748, vol. II, 238–239)

وإليكم تعبير متأخر، من كتاب كانط “نقد ملكة الحكم”، في عام 1790:

إذا قرأ عليَّ أحدَهم قصيدته، أو أخذني إلى مسرحية لم تتمكن، في نهاية الأمر، من إرضاء ذوقي، فيمكنه أن يستشهد بآراء باتو Batteux  أو لسينج Lessing، أو حتى بآراء الأكبر والأكثر شهرة من نقاد الذوق، ويورد كل القواعد التي وضعوها كدليل على أن قصيدته جميلة … . سأصم أذنيّ، ولن أستمع إلى أي أسباب وحجج، وأفضّل الاعتقاد بأن قواعد أولئك النقاد خاطئة … بدلا من السماح بأن يتحدد حكمي بواسطة قواعد مسبقة، حيث أنه من المفترض أن يكون حكما ينشأ عن الذوق، وليس عن فهم العقل. (كانط 1790، 165(.

لكن نظرية الذوق ما كانت لتتمتع بجولتها في القرن الثامن عشر، كما لن تستمر  إلى الآن في ممارسة تأثيرها، إن كانت تفتقر إلى موارد لمواجهة الاعتراض العقلاني الواضح. هناك فرق كبير – كما يذهب الاعتراض – بين الحكم على امتياز اليخنة، وبين الحكم على امتياز قصيدة أو مسرحية. في معظم الأحيان، تكون القصائد والمسرحيات موضوعات معقدة للغاية. لكن فهم كل هذه التعقيدات يتطلب الكثير من العمل المعرفي، بما في ذلك تطبيق المفاهيم، واستخراج النتائج. من الواضح إذن أن الحكم على جمال القصائد والمسرحيات ليس فوريا، ومن الواضح كذلك أنه ليس مسألة ذوق.

كانت الطريقة الرئيسية للتعامل مع هذا الاعتراض، هي: أولا: التمييز بين فعل استيعاب الشيء، تمهيدا للحكم عليه، وبين فعل الحكم على الشيء بمجرد استيعابه، ثم السماح للفعل الأول، وليس الثاني، أن يتمثل كمفهوم، ووسيط استدلالي، كما قد يرغب أي عقلاني. ها هو هيوم، يقول بوضوح بائن:

من أجل تمهيد الطريق لـ [حكم للذوق]، ومنح موضوعه تمييزا مناسبا، غالبا ما يكون من الضروري، كما نجد، أن يسبقه الكثير من التفكير، وأن يتم القيام بتمييزات دقيقة، واستخلاص استنتاجات مضبوطة، وتشكيل مقارنات وافية، وبحث العلاقات المعقدة، وتثبيت الحقائق العامة والتحقق منها. تقود بعض أصناف الجمال، وخاصة الأنواع الطبيعية، عند ظهورها لأول مرة، وجداننا واستحساننا، وحينما تفشل في أحداث هذا التأثير، يستحيل على أي تفكير تعديل تأثيرها، أو تكييفها، لتكون أنسب لذوقنا ومشاعرنا. ولكن في العديد من أنظمة الجمال، ولا سيما تلك الخاصة بالفنون الجميلة، من الضروري استخدام الكثير من التفكير، من أجل الوصول إلى المشاعر المناسبة. (Hume, 1751, Section I).

اعتبر هيوم – مثل شافتسبري Shaftesbury  وهتشسون Hutcheson قبله، وريد Reid  من بعده (Cooper 1711, 17, 231; Hutcheson 1725, 16–24; Reid 1785, 760–761) – ملكة الذوق نوعا من “الحس الداخلي”. بخلاف الحواس الخمس “الخارجية” أو “المباشرة”، فإن الإحساس “الداخلي” (أو “المنعكس” أو “الثانوي”) هو الذي يعتمد في أغراضه على العمل السابق لملكة أو ملكات عقلية أخرى. يميزها ريد على النحو التالي:

ينتج الجمال أو التشوه في الموضوع عن طبيعته أو بنيته. لذلك، فلإدراك الجمال، علينا أن ندرك الطبيعة أو البنية التي ينتج عنها. في هذا، يختلف المعنى الداخلي عن الخارجي. قد تكتشف حواسنا الخارجية صفات لا تعتمد على أي تصور سابق … . لكن من المستحيل إدراك جمال موضوع ما، دون إدراك الموضوع نفسه، أو على الأقل تصوره. (Reid 1785, 760–761)

بسبب الطبيعة أو البُنَى شديدة التعقيد، للعديد من الموضوعات الجميلة، فلابد وأن يكون هناك دور للعقل في إدراكها. لكن إدراك طبيعة أو بنية موضوع شيء. وإدراك جماله شيء آخر.

 

1.2 التجرُّد

الأنانية في مجال الفضيلة، هي وجهة النظر القائلة بأن الحكم على فعل أو صفة بأنه فاضل، يعني الاستمتاع به، لاعتقادك أنه يخدم بعضا من مصالحك. مثالها الرئيسي هو وجهة نظر هوبز – التي ما تزال قائمة بقوة في عقول أوائل القرن الثامن عشر – وهي: أن الحكم على فعل أو سمة بأنه فاضل، يعني الاستمتاع به؛ لأنك تعتقد أنه يعزز سلامتك. وفي مقابل أنانية هوبز، جادل عدد من الأخلاقيين البريطانيين – أبرزهم شافتسبري، وهتشسون، وهيوم – بأنه ما دام الحكم على الفضيلة هو مسألة الاستمتاع، استجابة لفعل أو صفة، فإن المتعة متجردة، مما يعني أنها ليست ذات مصلحة ذاتية  (Cooper 1711, 220–223; Hutcheson 1725, 9, 25–26; Hume 1751, 218–232, 295–302) . جاءت إحدى الحجج، على النحو التالي تقريبا: إذا كنَّا نحكم على الفضيلة بواسطة الإحساس الفوري بالمتعة، فهذا يعني أن أحكام الفضيلة هي أحكام للذوق، وكذلك أحكام للجمال. لكن المتعة في الجميل ليست مصلحة ذاتية: نحن نحكم على الموضوعات بأنها جميلة، سواء كنا نعتقد أنها تخدم مصالحنا أم لا. ولكن إذا كانت المتعة في الجميل متجردة، فلا يوجد سبب للاعتقاد بأن المتعة في الموضوعات الفاضلة لا يمكن أن تكون كذلك (Hutcheson 1725, 9–10).

إن وجهة نظر القرن الثامن عشر ،التي تذهب إلى أن الأحكام المتعلقة بالفضيلة هي أحكام للذوق، تسلط الضوء على اختلاف بين مفهوم الذوق في القرن الثامن عشر، ومفهومنا للجمالي، إذ بالنسبة لنا يميل مفهومي الجمالي والأخلاقي إلى التعارض مع بعضهما البعض، حتى أن الحكم الواقع تحت أحدهما، عادة ما يُستبعد وقوعه تحت الآخر. يعتبر كانط المسؤول الرئيسي عن طرح هذا الاختلاف. لقد وضع الأخلاقي والجمالي في موقف تعارض، من خلال إعادة تفسير ما يمكن أن نسميه فرضية التجرُّد – الفرضية التي تذهب إلى أن المتعة في الجمال متجردة (though see Cooper 1711, 222 and Home 2005, 36–38 for anticipations of Kant’s re-interpretation).

ووفقا لـ كانط، فإن القول بأن المتعة غرضية لا يعني أنها ذات مصلحة ذاتية بمعناها عند هوبز، بل تعني أنها تقف في علاقة معينة بملَكة التشوّق. إن المتعة التي ينطوي عليها الحكم، على عمل ما، بأنه صالح أخلاقيا، غرضية؛ لأن مثل هذا الحكم صدر عن رغبة في إحداث الفعل، أي القيام به. إن الحكم على عمل ما على أنه صالح أخلاقيا، هو إدراك أن على المرء واجب أداء هذا الفعل، وأن يصبح مدركا للغاية باكتساب الرغبة في القيام به. على النقيض من ذلك، فإن المتعة التي ينطوي عليها الحكم على موضوع ما بأنه جميل هي متعة متجردة؛ لأن مثل هذا الحكم لا يصدر عن رغبة في فعل أي شيء على وجه الخصوص. إذا كان من الممكن القول بأن لدينا واجبا بالنسبة للأشياء الجميلة، فيبدو أنه سيكون مضنيا في حكمنا عليها، من الناحية الجمالية، بأنها جميلة. هذا ما يعنيه كانط عندما يقول إن حكم الذوق ليس حكما عمليا، ولكنه “مجرد فعل تأملي” (Kant 1790, 95).

ومن ثم، فمع إعادة توجيه فكرة التجرُّد، وضع كانط مفهوم الذوق في تعارض مع مفهوم الأخلاق، وكذلك، إذا أخذنا الأمر على امتداده، إلى حد ما، مع مفهوم الجمالي المعاصر. ولكن إذا كان المفهوم الكانطي عن الذوق مستمرا، إلى حد ما، مع مفهوم الجمالي المعاصر، فما سبب الانقطاع الاصطلاحي؟ لماذا صرنا نفضل مصطلح “الجمالي” على مصطلح “الذوق”؟ يبدو أن الإجابة، غير المشوقة، هي أننا فضلنا الصفة على الاسم. فمصطلح “الجمالي” مشتق من المصطلح اليوناني للإدراك الحسي، وبالتالي يحافظ على تضمن معنى الفورية، التي يحملها مصطلح “الذوق”. وقد وظَّف كانط المصطلحين، ولكن ليس بشكل متكافئ: وفقا لاستخدامه، فإن “الجمالي” أكثر اتساعا، ينتقي فئة من الأحكام التي تشمل كلا من الحكم المعياري للذوق، والحكم غير المعياري بالقبول، وإن كان فوريا بنفس القدر. على الرغم من أن كانط لم يكن أول من استخدم مفهوم “الجمالي” (استخدمه بومجارتن من قبل عام 1735)، إلا أن المصطلح انتشر على نطاق واسع، وإن بسرعة، فقط بعد توظيفه له في كتابه “نقد ملكة الحكم”. ومع ذلك، فإن توظيف المصطلح، والذي انتشر على نطاق واسع، لم يكن خاصا بمفهوم كانط، وإنما كان لمفهوم أضيق من ذلك، حيث يعمل مفهوم “الجمالي”، ببساطة، كصفة متوافقة مع الاسم “الذوق”. وبذلك، على سبيل المثال، وجدنا كوليردج، في عام 1821، يعبر عن رغبته في “إمكانية عثوره على كلمة مألوفة أكثر من الجمالي لأعمال الذوق والنقد”، قبل المضي في المناقشة:

بما أن لغتنا … لا تتضمن صفة أخرى قابلة للاستخدام، للتعبير عن تطابق الشكل، والشعور، والفكر، فإن هذا الشيء، الذي يعزز الحواس الداخلية والخارجية، يصبح حاسة جديدة في حد ذاته … هناك داعي للأمل، أن مصطلح الجمالي، سيكون شائع الاستخدام. (Coleridge 1821, 254).

أتاح توفر الصفة، المتوافقة مع مفهوم “الذوق”، تواري سلسلة من التعبيرات غير الملائمة: لقد أفسحت التعبيرات: “حكم الذوق”، و “عاطفة الذوق”، و “جودة الذوق”، الطريق لتعبيرات أقل إزعاجا: ” الحكم الجمالي”، و “العاطفة الجمالية”، و “الطبيعة الجمالية”. ومع ذلك، مع التخلص التدريجي من الاسم: “الذوق”، أصبحنا مثقلين بتعبيرات أخرى، ربما تكون مربكة بنفس القدر، بما في ذلك تلك التي وضعت عنوانا لهذا المدخل.

 

  1. مفهوم الجمالي

يمكن اعتبار معظم تاريخ التفكير المعاصر في مفهوم الجمالي، على أنه تاريخ تطور فرضيتي الفورية والتجرُّد.

 

2.1 الموضوعات الجمالية

الشكلية الفنية هي وجهة النظر  التي ترى أن الخصائص الفنية ذات الصلة بالعمل الفني – الخصائص التي بفضلها يكون العمل فنيا، والتي بحسبها يكون جيدا أو سيئا – شكلية فقط، حيث تعتبر الخصائص الشكلية، عادة، خصائص يمكن فهمها بالنظر، أو بالسمع فقط. اعتُبر مذهب الشكلية الفنية متابَعا من جانب فرضيتي الفورية والتجرُّد (Binkley 1970, 266–267; Carroll 2001, 20–40). إذا أخذت بفرضية الفورية للإيحاء بعدم الاعتداد الفني بجميع الخصائص التي يتطلب استيعابها استخدام العقل، وقمت بتضمين الخصائص التمثيلية في تلك الفئة، فأنت عرضة للاعتقاد بأن فرضية الفورية تنطوي على شكلية فنية. إذا أخذت بفرضية التجرُّد للإيحاء بعدم الاعتداد الفني بجميع الخصائص القابلة للمغزى العملي، وقمت بتضمين الخصائص التمثيلية في تلك الفئة، فأنت عرضة للاعتقاد بأن فرضية التجرُّد تنطوي على شكلية فنية.

لا يعني هذا أن الشعبية التي تمتعت بها الشكلية الفنية، خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تُعزى بنحو أساسي إلى استنباطها من فرضيتي الفورية أو التجرُّد. كان أكثر الدعاة إلى الشكلية تأثيرا، خلال هذه الفترة، هم نقاد متخصصون، واستُمدَّ مذهبهم الشكلي، جزئيا على الأقل، من التطورات الفنية التي كانوا يهتمون بها. وبصفته ناقدا، أيَّد إدوارد هانسليك Eduard Hanslick الموسيقى النقية لـ موزارت، وبيتهوفن، وشومان، ولاحقا برامز، واتخذ موقفا ضد موسيقى فاجنر غير النقية إلى درجة كبيرة. وباعتباره مُنظّرا، حث على أن تكون الموسيقى غير ذات محتوى، وأن تكون “صيغ نغمية مؤثرة” (Hanslick 1986, 29). وبصفته ناقدا، كان كلايف بيل Clive Bell من أوائل المناصرين لما بعد الانطباعية، وخاصة سيزان. وباعتباره مُنظّرا، أكد على أن الخصائص الشكلية لفن التصوير – “العلاقات، ومجموعات الخطوط، والألوان” – وحدها، ذات أهمية فنية (Bell 1958, 17–18). وبصفته ناقدا، كان كليمان جرينبرج Clement Greenberg، مدافعا بارعا عن التعبيرية التجريدية، وباعتباره مُنظّرا، ذهب إلى أن “نطاق الاختصاص الأنسب” للتصوير، يتعين استنفاده بالسطح، والألوان، والشكل (Greenberg 1986, 86–87).

لم يكن كل دعم المذهب الشكلي بنحو مؤثر  ناقدا محترفا أيضا. إن مونرو بيردسلي Monroe Beardsley، الذي يمكن القول إنه منح المذهب الشكلي أكثر صياغاته دقة، لم يكن ناقدا متخصصا (Beardsley 1958). كذلك لم يكن نيك زانجويل Nick Zangwill، الذي أطلق مؤخرا دفاعا حاذقا ومفعما بالحيوية عن نسخة معتدلة للمذهب الشكلي (Zangwill 2001). لكن الشكلية كانت دائما مدفوعة، بنحو كافٍ، بمعطيات النقد الفني، التي ما إن صرَّح آرثر دانتو  Arthur Danto أن تلك المعطيات لم تعد تدعمها، وربما لم تكن تدعمها قط، حتى شارف عصر الشكلية على نهايته، وبدأ في الأفول. استلهاما، بشكل خاص من عمل وارهول Warhol الفني: صناديق بريللو Brillo Boxes، والتي لا يمكن (إلى حد ما) تمييزها بشكل بصري عن الكراتين المطبوع عليها العلامة التجارية، التي تم فيها تسليم علب بريللو Brillo إلى محلات السوبر ماركت، لاحظ دانتو أنه بالنسبة لمعظم الأعمال الفنية، من الممكن تخيل الآتي (أ) أن هناك موضوعا آخر لا يمكن تمييزه بصريا عن العمل الفني، ولكنه ليس عملا فنيا، و (ب) أن هناك عملا فنيا آخر، لا يمكن تمييزه بصريا عن هذا العمل، ولكنه يختلف عنه في قيمته الفنية. ومن هذه الملاحظات استنتج أن الشكل وحده لا يصنع عملا فنيا، وليس هو من يمنحه القيمة التي يحوزها (Danto 1981, 94–95; Danto 1986, 30–31; Danto 1997, 91).

لكن دانتو ذهب إلى احتمال وجود عدم التمييز الإدراكي هذا؛ لإظهار أن ثمة حدود، ليس فقط للشكل، ولكن أيضا للجماليات، وقد قام بذلك، على ما يبدو،  على أساس أن الشكلي والجمالي متداخلان. فيما يتعلق بمبولة دوشامب Duchamp، التي تم عرضها ذات مرة مع مبولة عادية غير متمايزة بصريا، يؤكد دانتو أن:

الجماليات لم تستطع أن تفسر سبب كون أحدهما عملا من أعمال الفنون الجميلة، والآخر لا، نظرا لأنه، من جهة الأغراض العملية، لم يكن بالإمكان تمييزهما جماليا: إذا كانت أحداهما جميلة، فيجب أن تكون الأخرى جميلة، حيث أنهما متشابهتان تماما. (Danto 2003, 7)

لكن من المفترض أن يكون ما يُستدل عليه من حدود الشكلي الفني، إلى حدود الجمالي الفني، على نحو محتمل فقط، بنفس قوة ما يُستدل عليه من فرضيتي الفورية والتجرُّد، بالنسبة إلى الشكلية الفنية، وهذا موضع تساؤل. يبدو أن الاستدلال من فرضية التجرُّد لا يمر إلا إذا استخدمت فكرة تخص التجرُّد أقوى من تلك التي رأى كانط أن يستخدمها: أن كانط، وهذا أمر جدير بالذكر، ينظر إلى الشِّعر باعتباره الأعلى في مراتب الفنون الجميلة؛ بسبب قدرته على توظيف المحتوى التمثيلي في التعبير عما يسميه “الأفكار الجمالية” (Kant 1790, 191–194;  راجع  Costello 2008 and 2013 للمعالجة الموسعة لقدرة الجماليات الكانطية على استيعاب الفن التصوري). يبدو أن ما يُستدل عليه من فرضية الفورية لا يمر إلا إذا استخدمت مفهوما للفورية أقوى من الذي دافع عنه هيوم، على سبيل المثال، حينما يزعم (في مقطع مقتبس، في القسم 1.1) أنه “من الضروري، في العديد من النظم الجمالية، ولا سيما في الفنون الجميلة، استخدام الكثير من التفكير، من أجل تحقيق الشعور المناسب” (Hume 1751, 173). ربما تنشأ الشكلية الفنية إذا دفعت بأيٍ من الاتجاهين المتجسدين في الفورية والتجرُّد إلى أقصاهما. ربما كان تاريخ علم الجمال، من القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن العشرين، إلى حد كبير، هو تاريخ دفع هذين الاتجاهين إلى أقصى الحدود. لا يترتب على ذلك أنه يجب دفع هذه الاتجاهات إلى هذا الحد.

خذ بعين الاعتبار صناديق بريللو التي صنعها وارهول. فإن دانتو محق عندما أكد على أن مُنظِّر الذوق الفني، في القرن الثامن عشر، لن يعرف كيف ينظر إليها كعمل فني. ولكن هذا يرجع إلى أن مُنظِّر الذوق الفني، في القرن الثامن عشر، يعيش في القرن الثامن عشر، وبالتالي لن يكون قادرا على وضع هذا العمل في سياقه التاريخي الفني للقرن العشرين، وليس بسبب أن نمط النظرية التي يتبناها تمنعه ​​من وضع عمل ما في سياقه الفني التاريخي. عندما يلاحظ هيوم، على سبيل المثال، أن الفنانين يوجهون أعمالهم إلى جماهير ذات موقع تاريخي معين، وأن الناقد، بالتالي، “عليه أن يضع نفسه في نفس موقف الجمهور” الذي يتوجه إليه العمل. (Hume 1757, 239)، فإنه يذهب إلى أن الأعمال الفنية منتجات ثقافية، وأن الخصائص التي تملكها الأعمال الفنية، مثل المنتجات الثقافية، هي من بين “مكونات التركيب” الذي يجب أن يفهمه الناقد، إذا أراد الإحساس بالشعور المناسب. كما لا يبدو أن هناك أي شيء في الاتجاه المفاهيمي المحتفى به لصناديق بريللو، ولا في أي عمل مفاهيمي آخر، عليه أن يمنح مُنظِّري القرن الثامن عشر لحظة للتأمل. يؤكد فرانسيس هتشسون Francis Hutcheson أن النظريات الرياضية والعلمية هي موضوعات للذوق (Hutcheson 1725, 36–41). ويؤكد ألكسندر جيرارد Alexander Gerard أن الاكتشافات العلمية، والنظريات الفلسفية، هي مواضيع للذوق (Gerard 1757, 6). لم  يبرهن أي منهما على ما يؤكده. كلاهما اعتبر أنه من المألوف أن تكون موضوعات العقل موضوعات للذوق، بنفس البساطة التي تكون بها موضوعات البصر والسمع. لماذا يجب أن يفكر المنظر الجمالي المعاصر بطريقة أخرى؟ إذا كان الموضوع تصوريا conceptual بطبيعته، فإن استيعاب طبيعته سيتطلب عملا فكريا. إذا كان فهم الطبيعة التصورية لموضوع ما يتطلب تحديد موضعه بنحو فني تاريخي، إذن، فإن الجهد العقلي المطلوب من أجل فهم طبيعته، يتطلب تحديد موضعه بنحو  تاريخي فني. لكن ـ كما ذهب هيوم وريد (انظر القسم 1.1) ـ فإن فهم طبيعة الموضوع، تمهيدا لإصدار حكم جمالي عليه، شيء، والحكم الجمالي على الموضوع بتحقق فهمه، شيء آخر.

على الرغم من أن دانتو كان أكثر منتقدي الشكلية تأثيرا ومثابرة، إلا أن انتقاداته لم تكن أكثر حسما من تلك التي قدمها كيندال والتون Kendall Walton في مقالته “فئات الفن”. تعتمد حجة والتون المناهضة للشكلية على أطروحتين رئيسيتين، إحداهما سيكولوجية، والأخرى فلسفية. وفقا للأطروحة السيكولوجية، فإن الخصائص الجمالية التي ندركها لعمل ما، تتوقف على الفئة التي نعتبر أن العمل ينتمي إليها. فباعتبارها تنتمي إلى فئة التصوير الزيتي، سيُنظر إلى لوحة بيكاسو “جيرنيكا” بأنها “شديدة الانفعال، وديناميكية، وحيوية، ومقلقة” (Walton 1970, 347). أما إذا نُظر إليها على أنها تنتمي إلى فئة “الأعمال الجيرنيكية” – التي تتصف بأنها ذات “أسطح وألوان وأشكال تماثل تلك التي للوحة جيرنيكا لبيكاسو، ولكنها أسطح مصبوبة لتبرز من الجدار، مثل الخرائط المجسمة الموضحة لأنواع مختلفة من التضاريس”– فإن لوحة جيرنيكا لبيكاسو لن يُنظر إليها لا على أنها شديدة الانفعال وديناميكية، بل بأنها تتصف “بالبرود، والقسوة، والموات، أو الهدوء والاسترخاء، أو ربما تتصف بأنها سائغة، وخاملة، ومملة (Walton 1970, 347). إن إمكانية النظر إلى لوحة جيرنيكا لبيكاسو على أنها قوية الانفعال وديناميكية، وكذلك على أنها ليست قوية الانفعال أو ديناميكية، على حد سواء، قد يُعتقد أنه يتضمن عدم وجود حقيقة، حول ما إذا كانت قوية الانفعال وديناميكية. لكن هذا التضمين يتوقف فقط على افتراض أنه لا توجد حقيقة تتعلق بمسألة الفئة التي تنتمي إليها لوحة جيرنيكا لبيكاسو بالفعل، ويبدو أن هذا افتراض خاطئ؛ نظرا لأن بيكاسو قصد أن تكون جيرنيكا لوحة، ولم يقصد أن تكون جيرنيكية، وأن فئة اللوحات كانت راسخة في المجتمع الذي رسمها بيكاسو  فيه، بينما لم تكن هناك فئة تسمى جيرنيكا. ومن هنا جاءت الأطروحة الفلسفية، التي تنص على أن الخصائص الجمالية التي يمتلكها العمل بالفعل، هي تلك التي يُنظر إليها باعتبارها موجودة، عندما يُنظر إلى العمل على أنه ينتمي إلى الفئة (أو الفئات) التي ينتمي إليها بالفعل. حيث أن الخصائص التي قُصد لها أن تكون لوحة، وتم تصويرها في مجتمع يُعتبر فيه التصوير فئة راسخة، هي خصائص ذات صلة من الوجهة الفنية، حتى وإن لم يمكن فهمها بمجرد رؤية (أو سماع) العمل الفني، وعلى ذلك، يبدو أن الشكلية الفنية لا يمكن أن تكون صحيحة. ويخلص والتون إلى القول: “أنا لا أنكر أنه يجب الحكم على اللوحات والسونيتات الموسيقية، فقط، بحسب ما يمكن رؤيته أو سماعه فيها – عندما يُنظر إليها بشكل صحيح. لكن تفحص العمل بالحواس لا يكشف، في حد ذاته، عن كيفية النظر الصحيح إليه، ولا كيفية النظر إليه بهذه الطريقة المعينة (Walton 1970, 367).

لكن إذا لم نكن نستطيع الحكم على الخصائص الجمالية التي تمتلكها اللوحات والسونيتات الموسيقية دون الرجوع إلى مقاصد الفنانين، الذي قاموا بتصويرها وتأليفها، ومجتمعاتهم، فماذا عن الخصائص الجمالية للعناصر الطبيعية؟ فيما يتعلق بها، قد يبدو كما لو أنه لا يوجد شيء يمكن الرجوع إليه سوى ما لها من شكل وصوت، لذلك يلزم أن تكون الشكلية الجمالية حول الطبيعة صحيحة. يعارض ألين كارلسون Allen Carlson، وهو شخصية محورية في المجال المزدهر لعلم جمال الطبيعة، هذا المظهر. يلاحظ كارلسون أن فرضية والتون السيكولوجية تنتقل بسهولة من الأعمال الفنية إلى الموضوعات الطبيعية: إذ إن نظرتنا إلى مهور شتلاند باعتبارها جذابة ولطيفة، وإلى خيول كلاديزداليس باعتبارها متثاقلة، ترجع بالتأكيد إلى نظرتنا إليهم باعتبار أنها تنتمي إلى فئة الخيول (Carlson 1981, 19). ويؤكد كذلك أن الفرضية الفلسفية تنتقل إلى المجال الطبيعي: إذ تمتلك الحيتان، بالفعل، الخصائص الجمالية التي نرى أنها تتمتع بها، عندما ننظر إليها كثدييات، وأنها لا تتمتع، بالفعل، بأي خصائص جمالية متباينة قد نرى أنها تتمتع بها، عندما ننظر إليها باعتبارها أسماك. إذا تساءلنا عما يحدد الفئة، أو الفئات، التي تنتمي إليها الموضوعات الطبيعية بالفعل، فإن الإجابة، وفقا لكارلسون، هي: تاريخها الطبيعي، على النحو الذي اكتشفها به العلم الطبيعي (Carlson 1981, 21–22). بقدر ما يكون التاريخ الطبيعي للموضوع الطبيعي غير قابل للفهم بمجرد رؤيته أو سماعه، فلن تكون الشكلية أكثر صحة بالنسبة للموضوعات الطبيعية منها بالنسبة للأعمال الفنية.

تحقق القبول، بشكل واسع، للادعاء بأن فرضية والتون السيكولوجية تنتقل إلى الموضوعات الطبيعية (وكان ذلك، في الحقيقة، متوقعا، كما يقر كارلسون، من جانب رونالد هيبورن (Hepburn 1966 and 1968)). لقد برهن الادعاء بأن فرضية والتون الفلسفية يمكن تطبيقها على الموضوعات الطبيعية، أنه أكثر إثارة للجدل. كان كارلسون محق بالتأكيد في أن الأحكام الجمالية حول الموضوعات الطبيعية عُرضة لأن تكون خاطئة، بقدر ما تنتج عن تصورات لتلك الموضوعات، باعتبار أنها تنتمي إلى فئات لا تنتمي إليها، وبقدر ما يتطلب تحديد الفئات التي تنتمي الموضوعات الطبيعية إليها بحثا علميا، تبدو هذه المسألة كافية لتقويض معقولية أي اتجاه شكلي قوي حول الطبيعة (انظر: Carlson 1979 للاعتراضات المستقلة ضد هذه الاتجاهات الشكلية). مع ذلك، يرغب كارلسون أيضا في إثبات أن الأحكام الجمالية الخاصة بالموضوعات الطبيعية تتسم بموضوعية ما، بمثل ما للأحكام الجمالية الخاصة بالأعمال الفنية، ومن المثير للجدل ما إذا كان زعم والتون الفلسفي ينتقل بشكل كافٍ لدعم مثل هذا الزعم. إحدى الصعوبات التي أثارها مالكولم بض Malcolm Budd (Budd 2002 and 2003) وروبرت ستكر Robert Stecker (Stecker1997c)، هي أنه نظرا لوجود العديد من الفئات التي يمكن بحسبها النظر إلى موضوع طبيعي معين بشكل صحيح، فمن غير الواضح، ما الفئة الصحيحة التي يتم النظر إلى الموضوع على أنه يمتلك خصائصها الجمالية بالفعل. فقد يُرى حصان الشتلاند الضخم، بالنظر إلى أنه ينتمي إلى فئة مُهور شتلاند، متثاقلا، وأنه ينتمي إلى فئة الخيول، ونفس المُهر قد يُنظر إليه على أنه جذاب ولطيف، ولكن، بالتأكيد، ليس متثاقلا. إذا كان مُهر شتلاند عملا فنيا، فقد نلجأ إلى المقاصد (أو مجتمع) خالقه، لتحديد الفئة الصحيحة التي تحدد خصائصه الجمالية. ولكن نظرا لأن الموضوعات الطبيعية ليست إبداعات بشرية، فلا يمكن أن تعطينا أي أساس للاختيار بين التصنيفات المتساوية في الصحة، والمتناقضة من الناحية الجمالية. يترتب على ذلك، وفقا لبض Budd، أن “التقدير الجمالي للطبيعة يتمتع بحرية يفتقدها التقدير الجمالي للفن” (Budd 2003, 34)، على الرغم من أن هذه ربما تكون مجرد طريقة أخرى للقول بأن التقدير الجمالي للفن يتمتع بموضوعية يفتقدها التقدير الجمالي للطبيعة.

 

2.2 الحكم الجمالي

كان الجدل القائم في القرن الثامن عشر، بين العقلانيين ومنظري الذوق (أو العاطفيين)، في الأساس جدل حول فرضية الفورية، أي: حول ما إذا كنا نحكم على الموضوعات بأنها جميلة من خلال تطبيق مبادئ الجمال عليها. لم يكن النقاش، في المقام الأول، حول وجود مبادئ الجمال، وهي مسألة قد يختلف بشأنها منظرو الذوق. نفى كانط وجود أي من مثل تلك المبادئ (كانط 1790، 101)، لكن كلا من هتشسون وهيوم أكدا وجودها: لقد أكدا أنه برغم أن أحكام الجمال هي أحكام الذوق وليس العقل، فإن الذوق، مع ذلك، يعمل وفق مبادئ عامة، والتي قد يمكن اكتشافها من خلال البحث التجريبي (Hutcheson 1725, 28–35; Hume 1757, 231–233).

من المغري التفكير في الجدل الدائر حاليا، في مجال علم الجمال، بين التخصصين particularists  والشموليين generalists ، باعتباره إحياء لنقاش القرن الثامن عشر بين العقلانيين ومنظري الذوق. لكن من الصعب قياس دقة هذا الفكرة. أحد الأسباب هو أنه غالبا ما يكون من غير الواضح ما إذا كان التخصصيون والشموليون، قد قرروا مجرد مناقشة وجود مبادئ جمالية، أو مناقشة توظيف تلك المبادئ في الحكم الجمالي. والأمر الآخر، هو الدرجة التي قرر التخصصيون والشموليون مناقشة توظيف المبادئ الجمالية في الحكم الجمالي إليها، فمن الصعب معرفة المعنى الذي قصدوه “بالحكم الجمالي”. إذا كان مفهوم “الجمالي” لا يزال يحمل تضمين القرن الثامن عشر بالفورية، إذن، سيكون السؤال، قيد المناقشة، هو ما إذا كان الحكم الفوري فوريا. إذا لم يعد مفهوم “الجمالي” يحمل هذا المعنى، فسيكون من الصعب، إذن، معرفة ما هو السؤال الذي يدور حوله النقاش؛ لأنه من الصعب معرفة ماذا يمكن للحكم الجمالي أن يكون. قد يكون من المغري التفكير في أنه يمكننا ببساطة إعادة تعريف “الحكم الجمالي”، بحيث يشير إلى أي حكم تكون فيه إحدى الخصائص الجمالية مسندة إلى موضوع ما. لكن هذا يتطلب القدرة على تحديد ما هي الخاصية الجمالية، دون الإشارة إلى إمكانية كونها قابلة للإدراك على الفور، وهو أمر، يبدو أن أحدا لم يفعله قط. قد يبدو أنه يمكننا ببساطة إعادة تعريف “الحكم الجمالي” بحيث يرجع إلى أي حكم، تكون أي خاصية من الفئة التي يمثلها الجمال، مسندة إلى موضوع ما، فيه. لكن أي فئة تكون هذه؟ إن الفئات التي يمثلها الجمال لا نهاية لها، وتكمن الصعوبة في تحديد الفئة ذات الصلة، دون الإشارة إلى إمكانية الإدراك الفوري، وهذا ما يبدو أن أحدا لم يفعله قط.

ومع ذلك، يتعين علينا فرز نقاش التخصصين/ الشموليين، ومن بين المساهمات المهمة فيه: في جانب الاتجاه التخصصي particularism: ورقة “التواصل النقدي” لأرنولد إيزنبرج (1949)، وورقة “المفاهيم الجمالية” لفرانك سيبلي (in Sibley 2001)، وورقة الجمال المستعاد لماري مازرسيل (1984)، وفي جانب الاتجاه الشمولي: ورقة علم الجمال (1958)، وورقة “عمومية الأسباب النقدية” (1962) لمونرو بيردسلي، وورقة “الأسباب العامة والمعايير في علم الجمال” لسيبلي (in Sibley 2001)، وورقة تقييم الفن لجورج ديكي (1987) )، وورقة “الردود على الحجج القائلة بأن تقييمات النقاد القوية لا يمكن استنتاجها بكفاءة” (1995) لستيفن ديفيز، وورقة “الأسباب العامة غير القابلة للتنفيذ في التقييم الجمالي: نقاش التخصصين/ الشموليين” (1995) لجون بيندر. ومن بين تلك الأبحاث، يمكن القول إن أوراق إيزنبرج وسيبيلي تمتعت بالتأثير الأكبر.

يقر إيزنبرج بأننا غالبا ما نلجأ إلى السمات الوصفية للأعمال لدعم أحكامنا على قيمتها، ويقر بأن هذا قد يجعل الأمر يبدو كما لو كان يجب علينا أن نلجأ إلى تلك المبادئ لإصدار تلك الأحكام. إذا كان الناقد، دعما لإصدار حكم ملائم على لوحة ما، يلجأ إلى الخطوط المتماوجة، التي توجدها الأشكال المتجمعة في مقدمة اللوحة، فقد يبدو الأمر كما لو كان على حكمه أن ينطوي على احتكام ضمني لمبدأ أن أي لوحة، لها مثل هذا الخطوط المتماوجة، هي الأفضل. لكن إيزنبرج يجادل بأن هذا لا يمكن أن يكون، إذ لا يوافق أحد على مثل هذا المبدأ:

لا يوجد في النقد في العالم عبارة وصفية خالصة واحدة، بشأن استعداد المرء لأن يقول سلفا: “إذا كان هذا صحيحا، فسيعجبني هذا العمل كأفضل ما يكون (Isenberg 1949, 338).

ولكن إذا كنا في مناشدتنا للسمات الوصفية للعمل، لا نعترف بالاحتكام الضمني للمبادئ التي تربط تلك السمات بالقيمة الجمالية، فماذا نفعل؟ يعتقد إيزنبرج أننا نقدم “توجيهات لإدراك” العمل، أي: من خلال تمييز سماته المفردة، وبذلك “نقلص مجال التوجهات البصرية المحتملة”، وبالتالي نوجه الآخرين في “تمييز التفاصيل، وتآلف الأجزاء، وتجميع الموضوعات المنفصلة في أنماط” (Isenberg 1949, 336). بهذه الطريقة نجعل الآخرين يرون ما رأيناه، بدلا من أن نجعلهم يستنتجون ما استنتجناه من المبدأ.

أن يطرح سيبلي تنوعا للاتجاه التخصصي في ورقة بحثية، وتنوعا للاتجاه الشمولي في ورقة أخرى، سيبدو كمظهر للتناقض، بينما لا يوجد مثل هذا التناقض بين الاتجاهين: إن سيبلي تخصصي من نوع ما، بالنسبة إلى أحد التمييزات، وهو شمولي من نوع آخر، بالنسبة لتمييز آخر. ويعتبر إيزنبرج تخصصيا، كما لوحظ، بالنسبة للتمييز بين الأوصاف والأحكام، أي: إنه يؤكد أنه لا توجد مبادئ يمكننا بواسطتها أن نستدل من أوصاف ذات قيمة محايدة للأعمال، على الأحكام المتعلقة بقيمتها الإجمالية. على النقيض من ذلك، فإن تخصصية سيبلي وشموليته، لهما علاقة بالأحكام التي تقع بين الأوصاف والأحكام. فيما يتعلق بالتمييز بين الأوصاف ومجموعة من الأحكام التي تتوسط بين الأوصاف والأحكام، فإن سيبلي تخصصي، قولا واحد. أما فيما يتعلق بالتمييز بين مجموعة من الأحكام الوسيطة بين الأوصاف والأحكام، والأحكام، فإن سيبلي هو نوع من الشموليين، ويصف نفسه على هذا النحو.

تبدأ شمولية سيبلي، على النحو المنصوص عليه في “الأسباب والمعايير العامة في علم الجمال”، بملاحظة أن الخصائص التي نلجأ إليها في تبرير الأحكام الملائمة، ليست كلها وصفية أو محايدة القيمة. نحن ننشد أيضا الخصائص الإيجابية بطبيعتها، مثل الجمال، والتوازن، والكثافة الدرامية، أو الكوميدية. إن القول بأن الخاصية إيجابية بطبيعتها، لا يعني القول إن أي عمل يتضمنها يكون هو الأفضل، بل يعني، بالأحرى، أن مجرد عزوها ينطوي على قيمة. لهذا، فعلى الرغم من أن العمل قد يكون سيئا بسبب عناصره الكوميدية، فلا يكون كذلك مجرد الادعاء بأن العمل جيد؛ لأن الجانب الكوميدي ​​مفهوم، كبساطة الادعاء بأن العمل جيد بسبب اللون الأصفر، أو بسبب أنه يدوم لاثني عشر دقيقة، أو لأنه يتضمن على العديد من التوريات. ولكن إذا كان مجرد الادعاء بأن العمل جيد لأن الكوميديا ​​مفهومة، فإن السمة الكوميدية ​​هي معيار عام للقيمة الجمالية، وهي المبدأ الذي يوضح أن الشمولية صحيحة. لكن لا شيء من هذا يلقي بظلال من الشك على فرضية الفورية، كما لاحظ سيبلي نفسه:

لقد ذهبت، في موضع آخر، إلى أنه لا توجد قواعد ثابتة يمكن بواسطتها، بالإشارة إلى الصفات المحايدة وغير الجمالية للأشياء، أن يستنتج المرء أن شيئا ما متوازن، أو مأساوي، أو هزلي، أو مبهج وما إلى ذلك. على المرء أن ينظر ويرى. هنا، على حد سواء، عند مستوى مختلف، أقول إنه لا توجد قواعد أو إجراءات آلية ثابتة لتحديد أي الصفات هي العيوب الفعلية في العمل، على المرء أن يحكم بنفسه (Sibley 2001, 107–108).

تشير عبارة “موضع آخر” في الجملة الأولى إلى ورقة سيبلي السابقة، “المفاهيم الجمالية”، والتي يرى فيها أن تطبيق مفاهيم مثل: “متوازن”، أو “مأساوي”، أو “كوميدي”، أو “مبهج”، ليس تحديدا ما إذا كانت الشروط الوصفية (بمعنى آخر: غير الجمالية) لتطبيقاتها مستوفاة، ولكنها بالأحرى مسألة ذوق. من ثم، فإن الأحكام الجمالية فورية مثلما هو الأمر مع الأحكام على اللون أو النكهة:

نرى أن الكتاب أحمر بالنظر، تماما مثلما نقول أن الشاي حلو عند تذوقه. كذلك أيضا، يمكن أن يقال، نحن نرى (أو: نخفق في رؤية) أن الأشياء لطيفة، ومتوازنة، ومثل ذلك. هذا النوع من المقارنة بين ممارسة الذوق، واستخدام الحواس الخمس، أمر مألوف بالفعل. ويظهر استخدامنا لكلمة “ذوق” نفسها أن المقارنة قديمة وطبيعية جدا (Sibley 2001, 13–14).

لكن سيبلي يدرك – كأسلافه في القرن الثامن عشر، وبخلاف معاصريه من أنصار المذهب الشكلي – أن هناك اختلافات مهمة ما تزال قائمة بين ممارسة الذوق واستخدام الحواس الخمس. الأمر الرئيسي في ذلك أننا نقدم أسبابا، أو ما يقارب ذلك، لدعم أحكامنا الجمالية: فنبرر، من خلال التحدث – على وجه الخصوص، باللجوء إلى السمات الوصفية التي تعتمد عليها الخصائص الجمالية – الأحكام الجمالية بإحضار الآخرين ليروا ما رأينا (Sibley 2001, 14–19).

من غير الواضح إلى أي درجة يقوم سيبلي، بجانب سعيه إلى إثبات أن تطبيق المفاهيم الجمالية ليس خاضعا لشروط، بالسعي،  أيضا، إلى تعريف مصطلح “الجمالي”، من حيث عدم كونها كذلك. والأوضح من ذلك، ربما، أنه لم ينجح في تعريف المصطلح بهذه الطريقة، أيا كانت مقاصده. فليست المفاهيم الجمالية وحدها هي غير الخاضعة للشرط، كما يدرك سيبلي نفسه في مقارنتها بمفاهيم الألوان. ولكن ليس هناك أيضا سبب للاعتقاد بأنها وحدها غير الخاضعة للشروط، مع كونها قابلة للدعم العقلي، نظرا لأن المفاهيم الأخلاقية، لإعطاء مثال واحد، على الأقل، يمكن القول إن لها كلا الميزتين. يتطلب عزل الجمالي شيئا أكثر من الفورية، كما رأى كانط. إنه يتطلب شيئا مثل المفهوم الكانطي عن التجرُّد، أو على الأقل، شيئا ما يقوم بالدور الذي لعبته هذه الفكرة في نظرية كانط.

بالنظر إلى درجة استمرار كانط وهيوم في التأثير على الفكر المتعلق بالحكم الجمالي (أو الحكم النقدي، بنحو أوسع)، وبالنظر إلى الدرجة التي يواصل بها سيبلي وإيزنبرج في الحث على هذا التأثير، فليس من المستغرب أن يتم قبول فرضية الفورية على نطاق واسع الآن. ومع ذلك، تعرضت الفرضية للهجوم، ولا سيما من قبل ديفيز Davies (1990) وبندر Bender (1995). (انظر أيضا: Carroll (2009)، الذي يتابع  دافيز (1990) عن كثب، و Dorsch (2013) من أجل مزيد بحث).

إن إيزنبرج، سوف يُذكر، يؤكد أنه إذا كان الناقد يدافع عن حُكمه، فيجب أن تمضي حجته على النحو التالي:

  1. الأعمال الفنية التي تحوز الصفة p هي أفضل لاتصافها بالسمة p.

  2. W هو عمل فني يحوز p.

  3. بالتالي، W هو الأفضل لحيازته p.

وحيث أن المبدأ النقدي المعبر عنه في المقدمة 1 منفتح للمثال العكسي counter-example، بغض النظر عن الخاصية التي نستبدلها بـ p، يستنتج إيزنبرج أنه لا يمكننا تفسير موقف الناقد بشكل ملائم، في دفاعه عن حكمه. بدلا من الدفاع عن المبدأ المحدد في المقدمة 1، يطرح كلا من ديفيس وبندر مبادئ بديلة، بما يتوافق مع حقيقة أنه لا توجد خاصية هي الأصلح في جميع الأعمال الفنية، والتي يعزونها إلى الناقد. يقترح ديفيز أن نفسر الناقد بأنه يحاجج بنحو استدلالي من المبادئ المنسوبة إلى النوع الفني، أي، من المبادئ التي تنص على أن الأعمال الفنية من أنواع، أو فئات معينة – لوحات عصر النهضة الإيطالية، والسيمفونيات الرومانسية، وأفلام الغرب الهوليوودية، وما إلى ذلك – التي تحوز الخاصية p هي الأفضل لحيازتها تلك الخاصية (Davies 1990, 174). يقترح بندر أن نفسر الناقد بأنه يجادل بشكل استقرائي، من مبادئ تعبر عن مجرد ميول تقف بين خصائص محددة ومبادئ الأعمال الفنية، بعبارة أخرى، يعتبر أن الأعمال الفنية التي تحوز الخاصية p تميل إلى أن تكون أفضل لحيازتها لتلك الخاصية ()Bender 1995, 386.

كل اقتراح له نقاط الضعف والقوة الخاصة به. المشكلة في نهج بندر أنه لا يبدو أن النقاد يصيغون أحكامهم من منظور احتمالي. إذا كان الناقد يقول إنه يحتمل أن يكون العمل جيدا، أو من المؤكد أنه جيد، أو حتى أنه لديه أعلى درجات الثقة في أنه يجب أن يكون جيدا، فإن لغته تشير إلى أنه لم يختبر العمل بنفسه، وربما عرض حكمه على العمل بناء على شهادة شخص آخر، وبالتالي لا يُعد ناقدا على الإطلاق. سيتوفر لدينا، بالتالي، سبب وجيه لتفضيل نهج ديفيز الاستنتاجي، إذا كان لدينا، فقط، سبب وجيه للاعتقاد بأن نسبية المبادئ النقدية، المرتبطة بالنوع الفني، تستبعد التهديد الأصلي للمثال العكسي. رغم وضوح أن مثل هذه النسبية تقلل من العدد النسبي للأمثلة العكسية، إلا أننا نحتاج إلى سبب وجيه للاعتقاد بأنها تقلل هذا العدد إلى الصفر، ولم يقدم ديفيز مثل هذا السبب. على النقيض من ذلك، لا يمكن دحض نهج بندر الاستقرائي من خلال المثال العكسي، ولكن فقط من خلال الاتجاه المضاد.

إذا جادل الناقد بداية من حقيقة المبدأ إلى حقيقة الحكم – كما يجادل كلا من ديفيز وبندر – فيلزم أن يكون ممكنا له أن يعين حقيقة المبدأ، قبل تعيين حقيقة الحكم. كيف يمكنه فعل ذلك؟ يبدو بعيد الاحتمال أن مجرد التفكير في طبيعة الفن، أو في طبيعة أنواع الفن، يمكن أن يثمر القوائم ذات الصلة بالخصائص التي تجعل العمل جيدا أو سيئا. على الأقل، لم ينتج الأدب بعد تقريرا واعدا للكيفية التي يمكن بها فعل ذلك. لذلك، تبدو الملاحظة هي أكثر الإجابات الواعدة. إن القول بأن الناقد يعين حقيقة المبادئ النقدية على أساس الملاحظة، يعني القول إنه يعين علاقة ارتباط متبادل بين أعمال فنية محددة، التي عينها بالفعل كأعمال جيدة، وبين خصائص محددة، التي حدد بالفعل أن تلك الأعمال تحوزها. ولكن بعد ذلك، فإن أي أهلية لتقرير أن الأعمال جيدة، بالاستدلال من المبادئ، تعتمد، بوضوح، على أهلية ما، لإثبات أن الأعمال جيدة دون أي استدلال من هذا القبيل، والسؤال الذي يطرح نفسه، هو: لماذا يجب على الناقد أن يفضل أن يعمل، بواسطة الاستدلال، ما يمكن أن يعمله، بشكل جيد تماما، بدونه. لا يمكن أن تكون الإجابة هي أن الحكم بواسطة الاستدلال من المبدأ يؤدي إلى نتائج أفضل من الناحية المعرفية، حيث لا يمكن للمبدأ القائم على الملاحظات أن يكون أكثر صحة، من الناحية المعرفية، من الملاحظات التي يرتكز عليها.

لا يُظهر أي من هذا أن الحكم الجمالي أو النقدي لا يمكن أبدا الاستدلال عليه من المبادئ. لكنه يشير، مع ذلك، إلى أن مثل هذا الحكم، هو أولا وقبل كل شيء، غير استدلالي، وهو ما تقول به فرضية الفورية.

 

2.3 الموقف الجمالي

إن للمفهوم الكانطي للتجرُّد disinterest سلالته المباشرة المعاصرة في نظريات الموقف الجمالي، التي ازدهرت في الفترة من أوائل القرن العشرين إلى منتصفه. رغم اتباع كانط للبريطانيين في تطبيق مصطلح “التجرَّد” بشكل صارم على اللذات، فإن هجرته إلى المواقف الجمالية لا يصعب تفسيرها. بالنسبة إلى كانط، فإن اللذة التي ينطوي عليها حكم الذوق متجردة؛ لأن مثل هذا الحكم لا يصدر بدافع فعل أي شيء على وجه الخصوص. لهذا السبب يشير كانط إلى حكم الذوق باعتباره تأمليا، وليس عمليا (Kant 1790, 95). ولكن إذا كان حكم الذوق غير عملي، فمن المفترض أن يكون الموقف الذي نتخذه تجاه موضوعه غير عملي أيضا: عندما نحكم على موضوع من الناحية الجمالية، فإننا لا نهتم بما إذا كان بإمكانه، أو كيف يمكنه تعزيز أهدافنا العملية. من ثم، فمن الطبيعي أن نتحدث عن موقفنا تجاه الموضوع باعتباره موقفا متجردا من المصلحة.

ومع ذلك، فإن القول بأن انتقال التجرد من المصلحة، من الملذات إلى المواقف أمر طبيعي، لا يعني القول إنه غير مهم. ضع في اعتبارك الفرق بين نظرية كانط الجمالية، ونظرية الذوق العظيمة الأخيرة، وبين نظرية شوبنهاور الجمالية، أول نظرية عظيمة للموقف الجمالي. في حين أن اللذة، المتجردة من المصلحة، بالنسبة لكانط هي الوسيلة التي نكتشف بها الأشياء التي تحمل قيمة جمالية، وبالنسبة لشوبنهاور فإن الاهتمام المتجرد من المصلحة (أو: “التأمل المتحرر من الإرادة”) هو في حد ذاته موضع القيمة الجمالية. وفقا لشوبنهاور، نحن نعيش حياتنا العادية والعملية في نوع من العبودية لرغباتنا الخاصة (Schopenhauer 1819, 196). هذه العبودية ليست مصدرا للألم فحسب، وإنما أيضا مصدر للتشوه المعرفي؛ حيث أنها تقصر انتباهنا إلى تلك الجوانب من الأشياء ذات الصلة بإشباع رغباتنا، أو إحباطها. لذلك، فإن التأمل الجمالي، كونه متحررا من إرادة، ذا قيمة من الوجهتين المعرفية والاستمتاعية، إذ  يسمح لنا بنظرة متحررة من الرغبة، في جوهر الأشياء، بالإضافة إلى راحة مؤقتة من الألم الناشئ عن الرغبة:

عندما ينتشلنا، بأية طريقة، سبب خارجي، أو ميل داخلي، فجأة من تيار الرغبة اللانهائي، وينتزع المعرفة من عبودية الإرادة، لا يعود الانتباه موجها إلى دوافع الرغبة، بل إلى فهم الأشياء الخالصة من تعلقها بالإرادة … ثم يحل السلام الذي نسعى إليه دائما، والذي طالما هرب منا … يأتي إلينا من تلقاء نفسه، ويصبح كل شيء على ما يرام لنا (Schopenhauer 1819, 196).

نظريتا الموقف الجمالي الأكثر تأثيرا في القرن العشرين، هما نظريتا إدوارد بولوج Edward Bullough وجيروم ستولنيتز Jerome Stolnitz. وفقا لنظرية ستولنيتز، وهي الأكثر دقة، فإن اتخاذ موقف جمالي تجاه موضوع ما، هو مسألة الاهتمام به بشكل متجرد من المصلحة والتعاطف، حيث يكون حضورنا المتجرد هو حضور دون أي غرض يتجاوز محض الحضور إلى الموضوع، والمقصود بحضورنا العاطفي، هو “قبول الموضوع بشروطه الخاصة”، والسماح له، وليس لتصورات المرء المسبقة، بإرشاد انتباه المرء إليه (Stolnitz 1960, 32–36). ينتج عن مثل هذا الانتباه خبرة أكثر ثراء نسبيا بالموضوع، أي: خبرة تستوعب نسبيا العديد من خصائص الموضوع. في حين أن الموقف العملي يحد ويشتت موضوع خبرتنا، ولا يسمح لنا إلا “برؤية خصائصه المرتبطة بمصالحنا فقط، …. على النقيض من ذلك، فإن الموقف الجمالي “يعزل” الموضوع، ويركز عليه – “منظر” الصخور، وصوت المحيط، والألوان في اللوحة” (Stolnitz 1960, 33, 35).

يصف إدوارد بولوج Bullough، الذي يفضل التحدث عن “المسافة النفسية” بدلا من التجرد من الغاية، التقدير الجمالي بأنه شيء تحقق

بوضع هذه الظاهرة، إذا جاز التعبير، خارج نطاق ذواتنا العملية الفعلية، بالسماح لها بالوقوف خارج سياق احتياجاتنا وغاياتنا الشخصية – باختصار، من خلال النظر إليها “بموضوعية” … من خلال السماح، فقط، بردود فعل، من جانبنا، تؤكد على “السمات الموضوعية للخبرة، ومن خلال تفسيرنا حتى مشاعرنا “الشخصية” ليس كأنماط لوجودنا، بل كخصائص للظاهرة (Bullough 1995, 298–299; التأكيد على الكلمة في النص الأصلي).

تم انتقاد بولوج لادعائه أن التقدير الجمالي يتطلب انفصالا نزيها:

توصيف بولوج لطبيعة الموقف الجمالي هو الأسهل للهجوم. عندما نبكي عند مشاهدة التراجيديا، أو نقفز فزعين عند مشاهدة فيلم رعب، أو نندمج تماما في حبكة رواية معقدة، فلا يمكن القول أننا منفصلون، على الرغم من أننا قد نقوم بتقدير الخصائص الجمالية لهذه الأعمال على أكمل وجه… . كما يمكننا تقدير الخصائص الجمالية للضباب، أو العاصفة، مع شعورنا بالخوف من المخاطر التي تمثلها (Goldman 2005, 264).

لكن يبدو أن مثل هذا النقد يغفل دقة وجهة نظر بولوج. بينما يرى بولوج أن التقدير الجمالي يتطلب مسافة “بين ذواتنا وعواطفها” (Bullough 1995, 298)، فإنه لا يذهب إلى أن هذا الأمر يطالبنا بعدم الخضوع للعواطف، بل على العكس تماما: فقط، إذا خضعنا للعواطف، فثم عواطف علينا الابتعاد عنها. لذلك، على سبيل المثال، فإن المشاهد الذي يبتعد بشكل مناسب عن تراجيديا محكمة البناء، ليس هو المشاهد “البعيد بنحو زائد”؛ الذي لا يشعر بأي شفقة أو خوف، وليس هو المتفرج “الذي يعاني من نقص في المسافة”، الذي يشعر بالشفقة والخوف، بمثل ما يفعل عند حضور كارثة واقعية، وإنما هو المتفرج الذي يفسر الشفقة والخوف اللذان يشعر بهما “لا كحالات لوجوده بل كخصائص للظاهرة (Bullough 1995, 299). يمكننا القول إن المشاهد البعيد بنحو مناسب، عن المأساة، يتفهم خوفه وشفقته باعتبارهما جزءا مما تدور حوله المأساة.

لقد تعرضت فكرة الموقف الجمالي للهجوم من جميع الزوايا، ولم يتبقى من المتعاطفين معها سوى عدد قليل جدا. يُنظر إلى جورج ديكي George Dickie، على نطاق واسع، على أنه من وجه إليها الضربة الحاسمة، في مقالته “أسطورة الموقف الجمالي” (Dickie 1964) بقوله إن جميع الأمثلة المزعومة للاهتمام، أو الانتباه من بعد، هي أمثلة فعلية على عدم الانتباه. لذا، انظر إلى حالة المشاهد لأداء عطيل، الذي أصبح يشك، بشكل متزايد، في زوجته، مع تقدم العرض المسرحي، أو حالة رئيس الفرقة المسرحية الذي يجلس لإحصاء الجمهور، أو حالة الأب الذي يجلس مفتخرا بأداء ابنته، أو  حالة الأخلاقي الذي يحضر لقياس التأثيرات الأخلاقية التي يمكن أن تغرسها المسرحية في جمهورها. سينظر مُنظِّر الموقف الجمالي إلى هذه الحالات وما يماثلها، على أنها حالات اهتمام، أو انتباه بعيد، بالعرض المسرحي، في حين أنها، في الواقع، ليست سوى حالات عدم انتباه إلى العرض: فالزوج الغيور يهتم بزوجته، ويهتم مدير الفرقة بربح العرض، والأب بابنته، والأخلاقي بتأثيرات المسرحية. لكن إذا لم يكن أي منهم منتبها للعرض، إذن، فليس أي منهم منتبها به بنحو متجرد، أو عن بعد (Dickie 1964, 57–59).

ومع ذلك، يمكن لمنظِّر الموقف الجمالي أن يقاوم، بشكل منطقي، تفسير ديكي لهذه الأمثلة. من الواضح أن مدير الفرقة لا ينتبه للعرض، لكن لا يوجد سبب لاعتبار منظِّر الموقف الجمالي ملتزما بالتفكير بخلاف ذلك. أما بالنسبة للآخرين، فيمكن القول بأنهم منتبهون جميعا. يجب أن ينتبه الزوج الغيور للعرض، لأن أحداث المسرحية، كما يقدمها العرض، هو ما يجعله مرتابا. يجب أن يكون الأب الفخور منتبها للعرض؛ طالما هو مهتم بأداء ابنته، وهو أحد عناصر العرض المسرحي. كما يجب أن ينتبه الأخلاقي للعرض، وإلا فلن يكون لديه أساس يمكنه بموجبه قياس آثاره الأخلاقية على الجمهور. ربما لا يولي أي من هؤلاء المشاهدين العرض المسرحي ما يتطلبه من اهتمام، ولكن هذه بالضبط هي قضية مُنظِّري الموقف الجمالي.

لكن، ربما يشكل نقد آخر لديكي، أقل شهرة من السابق، تهديدا أكبر لطموحات منظري الموقف الجمالي. وتجدر الإشارة إلى أن ستولنيتز Stolnitz يميز بين الانتباه المجرَّد والانتباه وفقا للغرض الذي يحكم الانتباه: الاهتمام المجرد هو اهتمام لا يوجهه غرض يتجاوز الغاية من الحضور، والاهتمام الذي توجهه غاية، هو اهتمام لغرض ما وراء مجرد الحضور. لكن ديكي يعترض بأن الاختلاف في الغرض لا يعني وجود اختلاف في الانتباه:

لنفترض أن جونز يستمع إلى مقطوعة موسيقية بغرض التمكن من تحليلها، ووصفها في اختبار في اليوم التالي، وأن سميث يستمع إلى نفس الموسيقى دون أي غرض أبعد من مجرد الاستماع. من المؤكد أن هناك اختلافا في دوافع ونوايا الرجلين: لدى جونز غاية مضمرة، وسميث ليس كذلك، ولكن هذا لا يعني أن استماع جونز يختلف عن استماع سميث … توجد طريقة واحدة فقط للاستماع (للانتباه) إلى الموسيقى، على الرغم من وجود مجموعة متنوعة من الدوافع، والنوايا، والأسباب، للقيام بذلك، ومجموعة متنوعة من الطرق لتشتيت الانتباه عن الموسيقى (Dickie 1964, 58).

مرة أخرى، هناك الكثير مما يمكن لمنظِّر الموقف الجمالي أن يقاومه. يمكن مقاومة فكرة أن الاستماع نوع من الانتباه: السؤال المطروح، بالمعنى الدقيق للكلمة، ليس ما إذا كان جونز وسميث يستمعان إلى الموسيقى بنفس الطريقة، ولكن ما إذا كانا ينتبهان بنفس الطريقة للموسيقى التي يستمعان إليها. يبدو أن النزاع بأن جونز وسميث ينتبهان بالطريقة نفسها، هو مصادرة على المطلوب، لأنه يعتمد، بشكل واضح، على مبدأ التفرد الذي يرفضه منظّر الموقف الجمالي: إذا كان انتباه جونز محكوما ببعض الغايات المضمرة، ولم يكن انتباه سميث كذلك، ونقوم نحن بتمييز الانتباه الفردي، وفقا للغرض الذي يحكمه، فإن اهتمامهما ليس هو نفسه. أخيرا، حتى إذا رفضنا مبدأ منظِّر الموقف الجمالي الخاص بالتفرد، فإن الزعم بأن هناك طريقة واحدة فقط للانتباه للموسيقى، أمر مشكوك فيه: يمكن للمرء أن ينشغل بالموسيقى، على ما يبدو، بطرق لا تعد ولا تحصى – باعتبارها وثيقة تاريخية، أو قطعة أثرية ثقافية، أو خلفية صوتية، كإزعاج صوتي – استنادا إلى أي ميزات الموسيقى هو ما ينشغل به المرء، عند الاستماع إليها. لكن ديكي، مع ذلك، مهتم بأمر حاسم، لدرجة أنه يزعم أن الاختلاف في الغاية لا يعني بالضرورة افتراض اختلاف في الانتباه. يبرز التجرَّد، بشكل معقول، في تعريف الموقف الجمالي، فقط، إلى الدرجة التي يركز فيها، هو وحده، الانتباه على سمات الموضوع محل الاهتمام جماليا. تشير احتمالية وجود اهتمامات تعمل على تركيز الانتباه إلى تلك الخصائص فحسب، إلى أن التجرُّد ليس له مكان في مثل هذا التعريف، والذي، بدوره، يعني أنه ليس له، ولا لمفهوم الموقف الجمالي، أي فائدة في تحديد معنى مصطلح “الجمالي”. إذا كان اتخاذ الموقف الجمالي تجاه موضوع ما، يعني ببساطة الاهتمام بخصائصه الجمالية، سواء كان الانتباه لغاية أو مجرَّدا، فإن تحديد ما إذا كان الموقف جماليا، يتطلب، أولا: تحديد الخصائص الجمالية المتعلقة بالموضوع. ويبدو أن هذه المهمة تسفر دائما عن ادعاءات حول القدرة على الإدراك الفوري للخصائص الجمالية، والتي يمكن القول إنها غير كافية للمهمة، أو عن مزاعم حول الطبيعة الشكلية الأساسية للخصائص الجمالية، والتي يمكن القول إنها لا أساس لها.

لكن الذهاب إلى أن مفهومي التجرُّد والمسافة النفسية يثبتان عدم فائدتهما في تحديد معنى مصطلح “الجمالي”، لا يعني أنهما أسطوريتان. إذ يبدو، في بعض الأحيان، أننا غير قادرين على المضي دونهما. لنتأمل حالة سقوط ميليتوس – وهي مأساة كتبها الكاتب المسرحي اليوناني فرينيكوس Phrynicus ، وتم عرضها في أثينا، بعد عامين فقط من الاحتلال الفارسي العنيف لمدينة ميليتوس اليونانية، عام 494 قبل الميلاد. يسجل هيرودوت:

وجد [الأثينيون] طرقا عديدة للتعبير عن حزنهم لسقوط ميليتوس، وبنحو خاص، عندما ألف فرينيكوس وأنتج مسرحية تسمى سقوط ميليتوس، حيث انفجر الجمهور في البكاء، وتم تغريمه ألف دراخما، بسبب تذكيره لهم بـكارثة كانت قريبة جدا من الوطن، كما تم حظر العرض المستقبلي للمسرحية (Herodotus, The Histories, 359).

كيف لنا أن نفسر رد الفعل الأثينيين تجاه هذه المسرحية، دون اللجوء إلى شيء مثل الاهتمام، أو الافتقار إلى المسافة النفسية؟ كيف، على وجه الخصوص، يمكننا أن نفسر الفرق بين الحزن الذي تم إثارته بواسطة مأساة ناجحة، وبين الحزن المثار في هذه الحالة؟ لا فائدة هنا من التمييز بين الانتباه وعدم الانتباه. لا يرجع الاختلاف إلى أن الأثينيين لم يتمكنوا من الانتباه للمسرحية، بينما كان بإمكانهم الانتباه لمسرحيات أخرى. الاختلاف هو أنهم لم يتمكنوا من الانتباه لمسرحية سقوط ميليتوس بمثل ما يمكنهم الانتباه لمسرحيات أخرى، وهذا بسبب ارتباطهم الحميم جدا بما يتطلبه حضورهم مسرحية سقوط ميليتوس من انتباههم.

 

2.4 الخبرة الجمالية

يمكن تقسيم نظريات الخبرة الجمالية إلى نوعين، وفقا لنوع الخاصية التي تم الاحتكام إليها، عندما تم بيان ما الذي يجعل الخبرة جمالية. تلتمس النظريات الداخليانية  Internalist السمات الداخلية للخبرة، وعادة السمات الظاهراتية، في حين أن النظريات الخارجانية externalist تلتمس سمات خارجية للخبرة، عادة خصائص الموضوع محل الخبرة. (إن التمييز بين النظريات الداخليانية والخارجانية للخبرة الجمالية مشابه، وإن لم يكن متطابقا، مع التمييز بين المفاهيم الظاهراتية والمفاهيم المعرفية للخبرة الجمالية، التي استخلصها جاري إيزمينجر (Iseminger 2003, 100, and Iseminger 2004, 27, 36)). على الرغم من أن النظريات الداخليانية – لا سيما نظريات جون ديوي (1934) ومونرو بيردسلي (1958) – قد سادت خلال الفترات المبكرة والمتوسطة من القرن العشرين، إلا أن النظريات الخارجانية – بما في ذلك بيردسلي (1982) وجورج ديكي (1988) – كانت آخذة في الصعود منذ ذلك الحين. تطرح آراء بيردسلي حول الخبرة الجمالية ادعاء قويا بشأن انتباهنا، نظرا إلى أنه يمكن القول إن بيردسلي قد وضع النسخة النهائية للنظرية الداخليانية، بالإضافة إلى تأسيس النظرية الخارجانية. وتقدم انتقادات ديكي لنزعة بيردسلي الداخليانية ادعاء قويا بنفس القدر، حيث إنها نقلت بيردسلي – ومعه أي شخص آخر – من الداخليانية إلى الخارجانية.

وفقا للنسخة الداخليانية، التي يقدمها بيردسلي في كتابه علم الجمال (1958)، فإن جميع الخبرات الجمالية تشترك في ثلاثة أو أربعة ملامح (اعتمادا على طريقة إحصائك لها)، والتي “اكتشفها بعض الكتاب من خلال الاستبطان الدقيق، والذي يمكن لأي منا أن يجربه في خبرته الخاصة” (Beardsley 1958, 527). تلك الملامح هي: التركيز (“الخبرة الجمالية هي خبرة يتم فيها تركيز الانتباه على [موضوعها]”)، والشدة، والوحدة، حيث الوحدة هي مسألة تماسك واكتمال (Beardsley 1958, 527). التماسك، بدوره، هو مسألة وجود عناصر مترابطة، بشكل ملائم، ببعضها البعض، بحيث

أن الشيء [الواحد] يؤدي إلى آخر، في تطور مستمر، دون فجوات، أو فراغات معماة، إحساس بنمط إلهي شامل للعناية، وتراكم منظم للطاقة يتجه نحو الذروة، وحاضر بدرجة غير عادية (Beardsley 1958, 528).

إن الاكتمال، على النقيض من ذلك، مسألة تنطوي على عناصر “توازن” أو عناصر “تفصل” بعضها البعض، بحيث يكون يبقى الكل بمعزل عن العناصر التي لا تتضمنه:

يتم الشعور بأن الدوافع والتوقعات، التي تثيرها العناصر داخل الخبرة، يتم موازنتها، أو إقرارها، بواسطة عناصر أخرى داخل الخبرة، بحيث يتم تحقيق درجة معينة من التوازن، أو الحسم النهائي، والاستمتاع به. تفصل الخبرة نفسها، بل وتعزل نفسها، عن تدخل العناصر الغريبة (Beardsley 1958, 528).

كانت أكثر انتقادات ديكي أهمية لنظرية بيردسلي، هي: أن بيردسلي، في وصفه لظاهراتية الخبرة الجمالية، فشل في التمييز بين السمات التي نخبر الموضوعات الجمالية كحائزة لها، وبين السمات التي تتمتع بها الخبرات الجمالية نفسها. لذا، في حين أن كل سمة مذكورة في وصف بيردسلي لتماسك الخبرة الجمالية – استمرارية التطور، وغياب الفجوات، وتزايد الطاقة نحو الذروة – هي بالتأكيد سمة نخبر بها الموضوعات الجمالية كحائزة لها، فلا يوجد سبب للتفكير في الخبرة الجمالية نفسها كمتضمنة لأي من هذه السمات:

لاحظ أن كل ما يُشار إليه [في وصف بيردسلي للترابط] هو خاصية إدراكية … وليس تأثيرا للخصائص الإدراكية. وبالتالي، لا يوجد أساس لاستنتاج أن الخبرة يمكن أن تكون موحدة، بمعنى: كونها مترابطة. ما يتم النقاش حوله في الواقع هو أن الموضوعات الجمالية مترابطة، وهي نتيجة يجب إقرارها، لكنها ليست النتيجة ذات صلة بالموضوع (Dickie 1965, 131).

يثير ديكي قلقا مماثلا بشأن وصف بيردسلي لاكتمال الخبرة الجمالية:

يمكن للمرء أن يتحدث عن عناصر متوازنة في اللوحة، ويقول إن اللوحة مستقرة، ومتوازنة، وما إلى ذلك، ولكن ما معني أن نقول إن خبرة المشاهد للوحة مستقرة، أو متوازنة؟ … إن النظر إلى لوحة، في بعض الحالات، قد يساعد بعض الأشخاص على الشعور بالاستقرار؛ لأنها قد تصرف انتباههم عن كل ما يزعجهم، ولكن هذه تعتبر حالات غير نمطية للتقدير الجمالي، ولا صلة لها بالنظرية الجمالية. ألم تُعزى الخصائص المتعلقة باللوحة، ببساطة، وعلى نحو خاطئ، إلى المشاهد؟ (Dickie 1965, 132)

على الرغم من أن هذه الاعتراضات تعتبر مجرد بداية للجدل بين ديكي وبيردسلي، حول طبيعة الخبرة الجمالية (See Beardsley 1969, Dickie 1974, Beardsley 1982, and Dickie 1987; see also Iseminger 2003 for a helpful overview of the Beardsley-Dickie debate)، ومع ذلك فقد قطعوا شوطا طويلا نحو تشكيل هذا النقاش، والذي قد يُنظر على أنه نتج عن إجابة السؤال: “ما الذي يمكن أن تكون عليه نظرية الخبرة الجمالية، التي تأخذ على محمل الجد، التمييز بين الخبرة بالخصائص الجمالية وخصائص الخبرة؟” تبين أن الإجابة كانت نظرية خارجانية، من النوع الذي قدمه بيردسلي في مقال عام 1982 بعنوان: “وجهة النظر الجمالية”، وهو ما قدمه العديد من الآخرين، منذ ذلك الحين: نظرية تعتبر الخبرة الجمالية، بحسبها، مجرد خبرة ذات محتوى جمالي، على سبيل المثال، الخبرة بموضوع على أنه يحوز الخصائص الجمالية التي يمتلكها.

لم يكن التحول من النزعة الداخليانية إلى الخارجانية بدون ثمن. كان لابد من التخلي عن أحد الطموحات المركزية للداخليانية – وهو تحديد معنى “الجمالي”، من خلال ربطها بسمات خاصة بالخبرة الجمالية. غير أن طموحا آخر، له نفس القدر من المركزية، – وهو تفسير القيمة الجمالية، من خلال ربطها بقيمة الخبرة الجمالية، تم الإبقاء عليه. الحقيقة، أن جل ما كُتب عن الخبرة الجمالية منذ مناظرة بيردسلي وديكي، قد كُتب لخدمة وجهة النظر التي ترى أن الموضوع يتميع بقيمة جمالية، بقدر ما يوفر خبرة ذات قيمة، عندما يتم إدراكه بشكل صحيح. اجتذبت هذه الوجهة من النظر – التي أصبحت تسمى بالنهج التجريبي للقيمة الجمالية، نظرا لأنها تختصر القيمة الجمالية إلى قيمة الخبرة الجمالية – العديد ممن دعوا إليها خلال السنوات العديدة الماضية (Beardsley 1982, Budd 1985 and 1995, Goldman 1995 and 2006, Walton 1993, Levinson 1996 and 2006, Miller 1998, Railton 1998, and Iseminger 2004). بينما أثيرت انتقادات قليلة نسبيا من جانب البعض (Zangwill 1999, Sharpe 2000, D. Davies 2004, and Kieran 2005). ومع ذلك، يمكن التساؤل عما إذا كان النهج التجريبي للقيمة الجمالية عرضة للتأثر بالنقد الذي أدى إلى النزعة الداخليانية.

لأن هناك شيئا غريبا في الموقف الذي يجمع بين النهج الخارجاني حول الخبرة الجمالية، وبين النهج التجريبي حول القيمة الجمالية. تحدد النزعة الخارجانية السمات التي تحدد الطابع الجمالي في الموضوع، بينما يحدد النهج التجريبي السمات التي تحدد القيمة الجمالية في الخبرة، حيث يظن المرء أن السمات التي تحدد الخاصية الجمالية هي فقط السمات التي تحدد القيمة الجمالية. إذا كانت كل من الخارجانية والتجريبية صحيح، فليس هناك ما يمنع من أن يكون لموضوعين، لهما صفات جمالية مختلفة، بل وحتى متباينة تماما، القيمة الجمالية نفسها ـ ما لم تكن خصائص تحديد قيمة خبرة ما لازمة منطقيا لخصائص تحديد الصفة للموضوع الذي يقدمها، ووحده، الموضوع الذي يتمتع بتلك الخصائص، هو ما يمكنه إنتاج خبرة لها تلك القيمة. لكن في هذه الحالة، فمن الواضح أن الخصائص المحددة لقيمة الخبرة ليست مجرد الخصائص الظاهراتية، التي ربما بدا من الأنسب لها تحديد قيمة الخبرة، بل ربما، بالأحرى، الخصائص التمثيلية، أو المعرفية، للخبرة، التي تحوزها فقط في  علاقتها بموضوعها. وهذا ما حث عليه بعض التجريبيين مؤخرا:

الخبرة الجمالية … تهدف أولا إلى الفهم والتقدير، في استيعاب الخصائص الجمالية للموضوع. الموضوع نفسه ذو قيمة في توفير الخبرة التي يمكن أن تكون فقط خبرة بهذا الموضوع …. يكمن جزء من قيمة الخبرة الجمالية في الخبرة بالموضوع، بالطريقة الصحيحة، بطريقة تتوافق مع خصائصه غير الجمالية، بحيث يتحقق هدفا الفهم والتقدير (Goldman 2006, 339–341; see also Iseminger 2004, 36).

لكن هناك صعوبة لم تتم معالجتها في هذا الخط الفكري. ففي حين أن الخصائص التمثيلية، أو المعرفية، للخبرة الجمالية، قد تساهم بشكل معقول في قيمة تلك الخبرة، فإن هذه الخصائص تساهم بشكل غير معقول في قيمة الموضوع الذي ينتج مثل هذه الخبرة. إذا كانت قيمة الخبرة بقصيدة جيدة تتكون، جزئيا، من كونها خبرة يتم بحسبها فهم القصيدة، بشكل صحيح، أو تمثلها بدقة، فإن قيمة القصيدة الجيدة لا يمكن أن تتكون، حتى ولو جزئيا، من قدرتها على إنتاج خبرة يتم بحسبها فهم القصيدة، بشكل صحيح، أو تمثلها بدقة، لأنه، مع تساوي كل الأشياء، من المفترض أن تمتلك القصيدة السيئة هذه الإمكانيات بنفس القدر. الصحيح، بالطبع، أن القصيدة الجيدة هي التي تمنح فهمها. لكن من الواضح حينئذ، أن قدرة القصيدة الجيدة على منح الفهم يمكن تفسيره بأن القصيدة جيدة بالفعل، فمن الواضح أنه بفضل كونها جيدة بالفعل، تكافئنا القصيدة بشرط أن نفهمها.

اتخذ التجريبيون الآخرون مسارا مختلفا. فبدلا من محاولة عزل الخصائص العامة للخبرة الجمالية، بفضل أنها وموضوعاتها ذات قيمة، فإنهم، ببساطة، يلاحظون استحالة قول الكثير، في أي حالة معينة،  عن قيمة الخبرة الجمالية، دون قول الكثير أيضا عن الطابع الجمالي للموضوع. لذلك، على سبيل المثال، بالإشارة إلى قيم الخبرات التي توفرها الأعمال الفنية، يؤكد جيرولد ليفينسون Jerrold Levinson أننا

إذا فحصنا هذه الأشياء عن كثب … فإننا نرى أن وصفها الأكثر ملاءمة يكشف دائما عن أنها تشمل الأعمال الفنية التي تقدم هذه القيم …. وأن التوسع المعرفي الذي أتاحته لنا الرباعية الوترية الرابعة لبارتوك Bartok ، ليس تأثيرا عاما من هذا النوع، بقدر ما هو حالة معينة من التحفيز، لا يمكن فصلها عن التقلبات والانعطافات الخاصة بمقطوعة بارتوك المصممة بعناية … حتى المتعة التي نشعرها في السيمفونية رقم 29 لموتسارت Mozart ، هي، إن جاز التعبير، متعة اكتشاف الطبيعة الفردية، وإمكانيات مادتها المواضيعية، والأسلوب الدقيق الذي ينبثق به طابعها الجمالي من دعائمها الموسيقية…. هناك شعور بأن متعة السيمفونية التاسعة والعشرين، لا يمكن أن تتحقق إلا من هذا العمل (Levinson 1996, 22–23; see also Budd 1985, 123–124).

ليس هناك من ينكر أنه عندما نحاول القيام، بأي قدر من التفصيل، بوصف قيم الخبرات، التي توفرها أعمال معينة، سرعان ما نكتشف أننا نصف الأعمال نفسها. السؤال هو: ماذا نفعل بهذه الحقيقة. إذا كان المرء ملتزما مسبقا بالنهج التجريبي، فقد يبدو ذلك مظهرا من مظاهر الارتباط الحميم والمناسب بين الطابع الجمالي للعمل وقيمة الخبرة التي يوفرها العمل. ولكن إذا لم يكن المرء ملتزما بذلك، فقد يبدو أنه يظهر شيئا آخر. إذا حدث، عند محاولة تفسير القيمة الجمالية للرباعية الوترية الرابعة لبارتوك، من حيث قيمة الخبرة التي توفرها، أن وجدنا أنفسنا غير قادرين على قول الكثير عن قيمة تلك الخبرة، دون أن نقول شيئا عن “التقلبات والانعطافات الخاصة” بالرباعية”، فقد يكون ذلك بسبب أن القيمة تكمن في تلك التقلبات والانعطافات، وليس في الخبرة بها. إن إثبات مثل هذا الاحتمال، بالطبع، لا يعني إنكار أن القيمة التي تتمتع بها الرباعية الوترية، بفضل تقلباتها وانعطافاتها الخاصة، هي قيمة نخبرها كحائزة لها. بل الأحرى الإصرار على التمييز الواضح بين قيمة الخبرة وخبرة القيمة، بطريقة مشابهة للتي أصر بها ديكي على التمييز الشديد بين وحدة الخبرة وخبرة الوحدة. عندما يؤكد التجريبي أن قيمة الرباعية الوترية الرابعة لبارتوك، والتقلبات والانعطافات الخاصة بها، تتمثل في قيمة الخبرة التي توفرها، أي إن الخبرة ذات قيمة، على الأقل جزئيا، لأنها خبرة برباعية وترية لها هذه التقلبات والانعطافات، فقد يتساءل المرء عما إذا كانت هي قيمة تنتمي في الأصل إلى الرباعية الوترية، وتم نقلها إلى الخبرة، قبل أن تنعكس مرة أخرى على الرباعية الوترية.

 

 

 

 


قائمة المراجع

  • Acocella, J., 2007 , “Mozart Moves,” The New Yorker, August 20, 84–85.
  • Beardsley, M.C., 1958, Aesthetics, Indianapolis: Hackett.
  • –––, 1962, “On the Generality of Critical Reasons,” The Journal of Philosophy, 59: 477–486.
  • –––, 1982, The Aesthetic Point of View, Ithaca, NY: Cornell University Press
  • Bell, C., 1958, Art, New York: Capricorn Books.
  • Bender, J., 1995, “General but Defeasible Reasons in Aesthetic Evaluation: The Generalist/Particularist Dispute,” The Journal of Aesthetics and Art Criticism, 53: 379–392.
  • Binkley, T., 1970, “Piece: Contra Aesthetics,” The Journal of Aesthetics and Art Criticism, 35: 265–277.
  • Budd, M., 1985, Music and the Emotions: The Philosophical Theories, London: Routledge.
  • –––, 1995, Values of Art: Painting, Poetry, and Music, London: Penguin.
  • –––, 2002, The Aesthetic Appreciation of Nature, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2003, “Aesthetics of Nature,” in The Oxford Handbook of Aesthetics, J. Levinson (ed.), Oxford: Oxford University Press, 117–135.
  • –––, 2008, Aesthetic Essays, Oxford: Oxford University Press.
  • Bullough, E., 1995, “‘Psychical Distance’ as a Factor in Art and as an Aesthetic Principle,” in The Philosophy of Art: Readings Ancient and Modern, A. Neill and A. Ridley (eds.), New York: McGraw-Hill.
  • Carlson, A., 1979, “Formal Qualities in the Natural Environment,” Journal of Aesthetic Education, 13: 99–114.
  • –––, 1981, “Nature, Aesthetic Judgment, and Objectivity,” The Journal of Aesthetics and Art Criticism, 40: 15–27.
  • Carroll, N., 2000, “Art and the Domain of the Aesthetic,” The British Journal of Aesthetics, 40: 191–208.
  • –––, 2001, Beyond Aesthetics, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2009, On Criticism, New York: Routledge Press.
  • Cohen, T., 1973, “Aesthetics/Non-Aesthetics and the Concept of Taste,” Theoria, 39: 113–52.
  • Coleridge, S., 1821, “Letter to Mr. Blackwood,” in Blackwood’s Edinburgh Magazine, 10: 253–255.
  • Cooper, A., (Third Earl of Shaftesbury), 1711, Characteristics of Men, Manners, Opinions, Times, Indianapolis: Liberty Fund, 2001.
  • Costello, D., 2008, “Kant and Danto, Together at Last?,” in K. Stock and K. Thomson-Jones (eds.), New Waves in Aesthetics, Houndmills, Basingstoke, Hampshire: Palgrave MacMillan, 244–266.
  • –––, 2013, “Kant and the Problem of StrongNon-Perceptual Art,” The British Journal of Aesthetics, 53: 277–298.
  • Danto, A.C., 1981, The Transfiguration of the Commonplace, Cambridge, Mass.: Harvard University Press.
  • –––, 1986, The Philosophical Disenfranchisement of Art, New York: Columbia University Press.
  • –––, 1997, After the End of Art: Contemporary Art and the Pale of History, Princeton: Princeton University Press.
  • –––, 2003, The Abuse of Beauty, Peru, IL: Open Court.
  • Davies, D., 2004, Art as Performance, Oxford: Blackwell.
  • Davies, S., 1990, “Replies to Arguments Suggesting that Critics’ Strong Evaluations Could Not Be Soundly Deduced,” Grazer Philosophische Studien, 38: 157–175.
  • –––, 2006, “Aesthetic Judgments, Artworks, and Functional Beauty,” Philosophical Quarterly, 56: 224–241.
  • Dewey, J., 1934, Art and Experience, New York: Putnam.
  • Dickie, G., 1964, “The Myth of the Aesthetic Attitude,” American Philosophical Quarterly, 1: 56–65.
  • –––, 1965, “Beardsley’s Phantom Aesthetic Experience,” Journal of Philosophy, 62: 129–136.
  • –––, 1974, Art and the Aesthetic: An Institutional Analysis, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • –––, 1988, Evaluating Art, Philadelphia: Temple University Press.
  • –––, 1996, The Century of Taste, Oxford: Oxford University Press.
  • Dorsch, F., 2013, “Non-Inferentialism about Justification—The Case of Aesthetic Judgments,” The Philosophical Quarterly, 63: 660–682.
  • Dubos, J.-B. 1748, Critical Reflections on Poetry, Painting, and Music, T. Nugent (trans.), London.
  • Gerard, A., 1759, An Essay on Taste, London: Millar.
  • Goldman, A.H., 1990, “Aesthetic Qualities and Aesthetic Value,” Journal of Philosophy, 87: 23–37.
  • –––, 1995, Aesthetic Value, Boulder, CO: Westview.
  • –––, 2004, “Evaluating Art,” in P. Kivy (ed.), The Blackwell Guide to Aesthetics, Malden, MA: Blackwell, 93–108.
  • –––, 2005, “The Aesthetic,” in The Routledge Companion to Aesthetics, B. Gaut and D. Lopes (eds.), London: Routledge, 255–266.
  • –––, 2006, “The Experiential Account of Aesthetic Value,” The Journal of Aesthetics and Art Criticism, 64: 333–342.
  • Greenberg, C., 1986, The Collected Essays and Criticism, Chicago: University of Chicago Press.
  • Guyer, P., 1993, “The dialectic of disinterestedness: I. Eighteenth-century aesthetics”, in Kant and the Experience of Freedom: Essays on Aesthetics and Morality, New York: Cambridge University Press.
  • –––, 2004, “The Origins of Modern Aesthetics: 1711–1735” in The Blackwell Guide to Aesthetics, P. Kivy (ed.), Malden, MA: Blackwell Publishing.
  • Hanslick, E., 1986, On the Musically Beautiful, G. Payzant (trans.), Indianapolis: Hackett.
  • Hepburn, R.W., 1966, “Contemporary Aesthetics and the Neglect of Natural Beauty,” in British Analytical Philosophy, B. Williams and A. Montefiori (eds.), London: Routledge and Kegan Paul, 285–310.
  • –––, 1968, “Aesthetic Appreciation of Nature” in Aesthetics in the Modern World, H. Osborne (ed.), London: Thames and Hudson.
  • Herodotus, The Histories, R. Waterfield (trans.), Oxford: Oxford University Press, 1998.
  • Home, H. (Lord Kames), 2005, Elements of Criticism(Volume 1), Indianapolis: Liberty Fund.
  • Hopkins, R., 2000, “Beauty and Testimony” in Philosophy, the Good, the True and the Beautiful, A. O’Hear (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, 209–236.
  • –––, 2004, “Critical Reasoning and Critical Perception,” in Knowing Art, M. Kieran and D. Lopes (eds.), Dordrecht: Springer, 137–154.
  • –––, 2011, “How to Be a Pessimist about Aesthetic Testimony,” The Journal of Philosophy, 108: 138–157.
  • Hume, D., 1751, Enquiry Concerning the Principles of Morals, in L.A. Selby-Bigge and P. Nidditch (eds.), Enquiries Concerning Human Understanding and Concerning the Principles of Morals, Oxford: Oxford University Press, 1986.
  • –––, 1757, “Of the Standard of Taste,” in E. Miller (ed.), Essays Moral, Political, and Literary, Indianapolis: Liberty Fund, 1985.
  • Hutcheson, F., 1725, An Inquiry into the Origin of Our Ideas of Beauty and Virtue, W. Leidhold (ed.), Indianapolis: Liberty Fund, 2004.
  • Iseminger, G., 2003, “Aesthetic Experience,” in The Oxford Handbook of Aesthetics, J. Levinson (ed.), Oxford: Oxford University Press, 99–116.
  • –––, 2004, The Aesthetic Function of Art, Ithaca, N.Y.: Cornell University Press.
  • Isenberg, A., 1949, “Critical Communication,” Philosophical Review, 58(4): 330–344.
  • Kant, I., 1790, Critique of the Power of Judgment, trans. P. Guyer, and E. Matthews, Cambridge: Cambridge University Press, 2000.
  • Kemp, G., 1999, “The Aesthetic Attitude,” The British Journal of Aesthetics, 39: 392–399.
  • Kieran, M., 2005, Revealing Art, London: Routledge.
  • Kivy, P., 1973, Speaking of Art, The Hague: Martinus Nijhoff.
  • –––, 2003, The Seventh Sense: Francis Hutcheson and Eighteenth-Century British-Aesthetics, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2015, De Gustibus: Arguing About Taste and Why We Do It, Oxford: Oxford University Press.
  • Levinson, J., 1996, The Pleasures of Aesthetics, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • –––, 2006, Contemplating Art: Essays in Aesthetics, Oxford: Oxford University Press.
  • Lopes, D., 2011, “The Myth of (Non-Aesthetic) Artistic Value,” The Philosophical Quarterly, 61: 518–536.
  • –––, 2014, Beyond Art, Oxford: Oxford University Press.
  • Miller, R., 1998, “Three Versions of Objectivity: Aesthetic, Moral, and Scientific,” in J. Levinson (ed.), Aesthetics and Ethics, Cambridge: Cambridge University Press, 26–58.
  • Mothersill, M., 1984, Beauty Restored, Oxford: Oxford Clarendon Press.
  • Prettejohn, E., 2005, Beauty and Art: 1750–2000, Oxford: Oxford University Press.
  • Railton, P., 1998, “Aesthetic Value, Moral Value, and the Ambitions of Naturalism,” in J. Levinson (ed.), Aesthetics and Ethics, Cambridge: Cambridge University Press, 59–105.
  • Reid, T., 1785, Essays on the Intellectual Powers of Man, Cambridge, MA: The M.I.T. Press, 1969.
  • Riggle, N., 2015, “On the Aesthetic Ideal,” The British Journal of Aesthetics, 55: 433–447.
  • –––, 2016, “On the Interest in Beauty and Disinterest,” Philosophers’ Imprint, 16: 1–14.
  • Rind, M., 2002, “The Concept of Disinterestedness in Eighteenth-Century British Aesthetics,” The Journal of the History of Philosophy, 40: 67–87.
  • Schopenhauer, A., 1819, The World as Will and Representation, vol. 1, trans. E. Payne, New York: Dover, 1969.
  • Sharpe, R.A., 2000, “The Empiricist Theory of Artistic Value,” Journal of Aesthetics and Art Criticism, 58: 312–332.
  • Shelley, J., 2003, “The Problem of Non-Perceptual Art,” The British Journal of Aesthetics, 43: 363–378.
  • –––, 2004, “Critical Compatibilism,” in Knowing Art, D. Lopes and M. Kieran (eds.), Dordrecht: Springer, 125–136.
  • –––, 2007, “Aesthetics and the World at Large,” The British Journal of Aesthetics, 47: 169–183.
  • –––, 2010, “Against Value Empiricism in Aesthetics,” Australasian Journal of Philosophy, 88: 707–720.
  • Sibley, F., 2001, Approach to Aesthetics: Collected Papers on Philosophical Aesthetics, J. Benson, B. Redfern, and J. Cox (eds.), Oxford: Clarendon Press.
  • Stecker, R., 1997a, Artworks: Definition, Meaning, ValueUniversity Park: Pennsylvania State University Press.
  • –––, 1997b, “Two Conceptions of Artistic Value,” Iyyun, 46: 51–62.
  • –––, 1997c, “The Correct and the Appropriate in the Appreciation of Nature,” The British Journal of Aesthetics, 37: 393–402.
  • –––, 2004, “Value in Art,” in J. Levinson (ed.), The Oxford Handbook of Aesthetics, Oxford: Oxford University Press, 307–324.
  • Stolnitz, J., 1960, Aesthetics and Philosophy of Art Criticism, New York: Houghton Mifflin.
  • Terrasson, J., 1715, Dissertation Critique sur L’lliade d’Homère, Paris: Fournier and Coustelier.
  • Walton, K.L., 1970, “Categories of Art,” The Philosophical Review, 79 (3): 334–367.
  • –––, 1993, “How Marvelous!: Towards a Theory of Aesthetic Value,” Journal of Aesthetics and Art Criticism, 51: 499–510.
  • Wimsatt, W. and Brooks, C., 1957, Literary Criticism: A Short History, New York: Knopf.
  • Zangwill, N., 1999, “Art and Audience,” The Journal of Aesthetics and Art Criticism, 57: 315–332.
  • –––, 2001, The Metaphysics of Beauty, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • –––, 2007, Aesthetic Creation, Oxford: Oxford University Press.

أدوات أكاديمية

 

How to cite this entry.

 

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

 

Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).

 

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

aesthetics: 19th Century Romantic | aesthetics: aesthetic judgment | aesthetics: and the philosophy of art | aesthetics: British, in the 18th century | aesthetics: environmental | aesthetics: French, in the 18th century | aesthetics: German, in the 18th century | aesthetics of the everyday | Beardsley, Monroe C.: aesthetics | Collingwood, Robin George: aesthetics | Croce, Benedetto: aesthetics | Dewey, John: aesthetics | existentialist-aesthetics | feminist philosophy, interventions: aesthetics | Gadamer, Hans-Georg: aesthetics | Goodman, Nelson: aesthetics | Hegel, Georg Wilhelm Friedrich: aesthetics | Heidegger, Martin: aesthetics | Hume, David: aesthetics | Japanese Philosophy: aesthetics | Kant, Immanuel: aesthetics and teleology | Plato: aesthetics | Schopenhauer, Arthur: aesthetics | Wittgenstein, Ludwig: aesthetics


[1] Shelley, James, “The Concept of the Aesthetic”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2020 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2020/entries/aesthetic-concept/>.