مدخل حول طبيعة علم الجمال عند بيردسلي (Monroe Beardsley)، أنطولوجيا الفن، وتعريفه ومقاصده؛ نص مترجم لد. مايكل رين، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.
وُلد مونرو بيردسلي (Beardsley) (1915-1985) ونشأ في بريدجبورت، كونيكتيكت، وتلقى تعليمه في جامعة ييل Yale (بكالوريوس 1936، دكتوراه 1939). وعمل أستاذا في عدد من الكليات والجامعات، بما في ذلك كلية ماونت هوليوك، وجامعة ييل، ولكنه قضى معظم حياته المهنية في كلية سوارثمور Swarthmore (22 عاما)، وجامعة تمبل (16 عاما).
اشتهر بيردسلي Beardsley بعمله في مجال علم الجمال aesthetics- وستتناول هذه المقالة، بشكل حصري، عمله في هذا المجال- لكنه كان رجلا ذا فضول فكري هائل، نشر مقالات في عدد من المجالات، من بينها: فلسفة التاريخ، ونظرية الفعل، وتاريخ الفلسفة الحديثة.
تشكل ثلاثة كتب وعدد من المقالات جوهر عمل بيردسلي Beardsley في علم الجمال. من بين الكتب، يعد الكتاب الأول، علم الجمال: مشكلات في فلسفة النقد Aesthetics: Problems in the Philosophy of Criticism (1958، أعيد إصداره مع حواشي إضافية 1981)، هو الأكثر جوهرية وشمولية وتأثيرا. إضافة إلى ذلك، إنه، أيضا، أول فلسفة في الفن تتصف بالمنهجية، وجودة البرهنة، والتبحر في التراث التحليلي. بالنظر إلى النطاق الواسع للموضوعات التي تم تغطيتها في كتاب علم الجمال، فإن المعالجة الفلسفية المتبحرة، والذكية والمستنيرة، الممنوحة له، والطبيعة التاريخية غير المسبوقة للعمل، وتأثيره على التطورات اللاحقة في هذا المجال، ذهب عدد من الفلاسفة، بما في ذلك بعض نقاد بيردسلي، إلى أن كتابه علم الجمال هو الكتاب الأكثر إثارة للإعجاب، والأكثر أهمية في مجال علم الجمال التحليلي، في القرن العشرين.
يعتبر كتاب “إمكانيات النقد The Possibility of Criticism“، وهو ثاني الكتب الثلاثة، أكثر تواضعا في نطاقه، وأقل ريادة. يحصر اهتمامه في النقد الأدبي، ويقتصر على أربع مشكلات: “الاكتفاء الذاتي” للنص الأدبي، وطبيعة التفسير الأدبي، والحكم على النصوص الأدبية، والشعر السيئ.
آخر الكتب: وجهة النظر الجمالية The Aesthetic Point of View، هو مجموعة من الأوراق، معظمها قديم، وبعضها جديد. أعيد طبع أربعة عشر ورقة، معظمها عن طبيعة النقد الجمالي والفني، وتم إضافة ست أوراق جديدة. تعتبر الأوراق الجديدة ذات أهمية خاصة؛ لأنها تشكل الكلمة الأخيرة لـ بيردسلي، في الموضوعات التي تتناولها، وهي موضوعات مركزية: التجربة الجمالية، وتعريف الفن، وأحكام القيمة، والأسباب في النقد الفني، ومقاصد وتفسير الفنانين، والفن والثقافة.
-
خلفية
-
طبيعة علم الجمال
-
أنطولوجيا الفن
-
تعريف الفن
-
مقاصد الفنان
-
الداخلي والخارجي
-
المراجع
-
أدوات أكاديمية
-
موارد الإنترنت الأخرى
-
مدخلات ذات صلة
-
خلفية
في مجال علم الجمال، يطور بيردسلي Beardsley فلسفة للفن حساسة لثلاثة أشياء: (1) الفن نفسه، والاهتمامات ما قبل الفلسفية بالفن عند الناس، وآرائهم عنه، (2) تصريحات النقاد حول الفن، و(3) التطورات في الفلسفة، خاصة وليس حصريا، تلك الحاصلة في التراث التحليلي. لتوضيح كل من تلك العناصر بشكل أكبر: (1) في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وهو الوقت الذي طور فيه بيردسلي فلسفته في الفن، كانت هناك تطورات في الفنون – أشكال جديدة في الموسيقى، والتصوير، والأدب، ظهر بعضها، وبعضها كان آخذا في الظهور – ولكن كان هناك أيضا مجموعة راسخة وهائلة نسبيا، لآثار أعمال، عالمية تقريبا، يُنظر إليها باعتبارها متفوقة من الناحية الجمالية، وتستحق الاهتمام. (2) أصبح النقد الفني صناعة، مع ازدهار مدارس رئيسية من جميع الأنواع: الماركسية، والشكلية، والتحليلية النفسية، والسيميائية، والتاريخية، والسيرة الذاتية. (3) وتغيرت الفلسفة بطريقة سريعة وغير متوقعة. واكتسبت الفلسفة التحليلية، بتركيزها على اللغة والاتجاهات التجريبية القوية، الصدارة في الجامعات الأمريكية، فيما يزيد قليلا عن 20 عاما، وسيطرت على المشهد الفلسفي.
استجاب بيردسلي إلى كل من العناصر الثلاثة. وربما يكون أفضل وصف لموقفه من التطورات في الفنون هو الاعتدال المنفتح. فقد رحب بالتطورات الجديدة، ونوَّه إلى الأعمال الجديدة، وإلى الأعمال التي تفتقر إلى بريق الشهرة، وسيئة السمعة، أو تفتقر إلى الاعتراف الواضح، وهي تظهر، بشكل متكرر في كتابه علم الجمال، وأعماله الأخرى. ومع ذلك، فإنه لم يكن يسارع بتبني أحدث الصيحات، أو الموضات، أو الحركات، وإنما كان يحاول، كما قال، الحصول على شيء ناتج عن العمل.
أما بالنسبة للنقد الفني، فإن مدرسة النقد التي جذبت بيردسلي Beardsley، والتي تدعمها فلسفته الفنية في النهاية، هي ما يسمى بالنقد الجديد New Criticism. جعل النقد الجديد العمل الأدبي مركز الاهتمام النقدي، ورفض، أو على الأقل قلل من أهمية الحقائق المتعلقة بأصل الأعمال الأدبية، وتأثيراتها على القراء، وتأثيرها الشخصي، والاجتماعي، والسياسي. فالقراءة الفاحصة هي المطلوبة من الناقد، وليس معلومات السيرة الذاتية الخاصة بالمؤلف، أو ملخص لحالة المجتمع في وقت كتابة العمل، أو بيانات حول سيكولوجية الخلق الأدبي، أو تنبؤات حول تأثير العمل في المجتمع، وبالتأكيد فإن النقد ليس قطعة من السيرة الذاتية، توضح بالتفصيل استجابة الناقد الشخصية للعمل. على الرغم من أن النقد الجديد يعتمد على النقد الأدبي تحديدا، إلا أنه يمكن أن يمتد إلى الفنون الأخرى، ويجب عليه ذلك، وكما رأى بيردسلي: يجب أن يبذل مجمل النقد الفني جهدا جادا لتمييز موضوعاته، باعتبارها موضوعات خاصة، ومستقلة، ومهمة في ذاتها، وغير خاضعة لأغراض، أو قيم، خفية، ويجب أن يحاول النقد الفني فهم كيفية عمل العمل الفني، وما هي المعاني والخصائص الجمالية التي يمتلكها، كما يجب أن يسعى النقد الفني من أجل مناهج ومعايير موضوعية، متاحة لفهم الجمهور، ومعايير لاختبار تصريحاته.
أما التطورات في الفلسفة، فكانت قصة أخرى. اعتنق بيردسلي Beardsley شكلا عاما من الفلسفة التحليلية، لم تخضع بشدة لتأثير الوضعية المنطقية، أو لفلسفة اللغة العادية، وكانتا هما الحركتان المهيمنتان في ذلك الوقت. بالنسبة له، فإن النهج التحليلي لفلسفة الفن، لا يعني أكثر من الفحص النقدي للمفاهيم والمعتقدات الأساسية، الكامنة وراء الفن والنقد الفني. والقيام بفلسفة من هذا النوع يتطلب وضوحا، ودقة، وعينا جيدة لتحديد، وكشف، وتقييم الحجج، لكنه ترك علم الجمال، باعتباره دراسة منهجية، كإمكانية حقيقية.
-
طبيعة علم الجمال
لا يمكن تغطية جميع الفنون بالتفصيل، حتى في كتاب ضخم مثل كتاب علم الجمال – فهو يزيد عن 600 صفحة – لذلك كان على بيردسلي أن يكتفي بالتركيز على ثلاثة فنون مختلفة نسبيا: الأدب، والموسيقى، والتصوير. تمشيا مع مفهوم الفلسفة المذكور أعلاه، كان يُنظر إلى علم الجمال باعتباره ما وراء النقد meta-criticism. يقول بيردسلي: “لن تكون هناك مشكلات تتعلق بعلم الجمال، إذا لم يتحدث أحد عن الأعمال الفنية…. لا يمكننا أن ننشئ علم جمال حتى يكون لدينا بعض التعبيرات النقدية للعمل عليها” ( pp. 1,4). يهتم علم الجمال بـ “طبيعة النقد وأسسه … بمثل ما يهتم النقد نفسه بالأعمال الفنية” (p. 6). انعكست النظرة السائدة آنذاك، والتي ما تزال منتشرة على نطاق واسع، بأن الفلسفة في جوهرها هي نشاط لغوي من المرتبة الثانية، ومستوى فوقي، يتخذ كموضوع لبحثه تصريحات الأنشطة من المرتبة الأولى، مثل الكيمياء، أو الدين، أو التاريخ، على وجهة نظر بيردسلي حول طبيعة علم الجمال.
يرى بيردسلي أن العبارات النقدية من ثلاثة أنواع: وصفية، وتأويلية، وتقييمية. تتعلق الأولى بالخصائص غير المعيارية للأعمال الفنية، والموجودة فيه ببساطة، بمعنى ما، والمتاحة، على الأقل من حيث المبدأ، لأي شخص ذي عيون وآذان طبيعية، إذا كان حساسا، ومنتبها، وخبيرا بدرجة كافية. إن عبارة :”هناك رقعة حمراء صغيرة في الزاوية اليمنى العليا من اللوحة” هي عبارة وصفية، ولكن كذلك “سيمفونية هايدن الثالثة والعشرون التي تزخر بالتوتر الديناميكي”. إن المشكلات الفلسفية التي تثيرها العبارات الوصفية تتضمن مفهوم الشكل، كما يعتقد بيردسلي. إن العبارات التأويلية، أيضا، غير معيارية، ولكنها تهتم بـ “معنى” عمل فني، حيث تشير كلمة “المعنى” هنا إلى علاقة دلالية، أو على الأقل علاقة دلالية مزعومة، بين العمل وشيء ما خارجه. “هذه صورة لعيد الميلاد” هي عبارة تأويلية، مثلما هي عبارة: “هذه صورة وحيد القرن”، وعبارة: “يشير المقطع إلى خيانة بروتوس لقيصر”، وعبارة: “أطروحة ماكبث بسيطة للغاية: لا تقتل”. العبارة الأخيرة: التقييمات النقدية، وهي أحكام معيارية، تقول أساسا أن العمل الفني جيد أو سيئ، أو إلى أي مدى هو جيد أو سيئ. “إن المارش التركي لموتسارت، مقطوعة بيانو قصيرة ممتازة” هي عبارة تقييم نقدي، وكذلك عبارة: “إن قصيدة الوجه على أرضية الحانة قصيدة بائسة.” الحكم: “هذا جميل” – مثال لحكم الذوق، وفقا لكانط – يُنظر إليه أحيانا على أنه تقييم نقدي (p. 9)، ولكن في كثير من الأحيان (e.g., pp. 463, 507)، ودائما، في كتابات بيردسلي اللاحقة، يعتبر حكما وصفيا، وكثيرا ما يشكل، أساسا جزئيا، على الأقل، لتقييم نقدي.
-
أنطولوجيا الفن
الفصل الأول من كتاب علم الجمال مُكرَّس جزئيا لأنطولوجيا الفن – أو الموضوعات الجمالية، كما اعتاد بيردسلي Beardsley أن يقول. لقد تجنب، إلى درجة كبيرة، استخدام مصطلح “عمل فني”، في ذلك الوقت، لأنه، كما اعترف لاحقا، “لم [يرغب] أن يكون متورطا … في [مسألة تعريف” العمل الفني”، وهي مسألة] أن … [لم] يقتنع [هو] بأهميتها، أو بكونها واعدة بأي حل مرضٍ ومقبول”(p. xviii).
تبدأ الأنطولوجيا، التي يناقشها، بالتمييز بين الموضوعات المادية والموضوعات الحسية. عند الحديث عن شيء يبلغ حجمه ستة أقدام في ستة أقدام، وفي حالة سكون، فإننا نتحدث عن شيء مادي، وعند الحديث عن شيء ما، حيوي ومخيف، فإننا نتحدث عن موضوع إدراكي. الموضوعات الحسية هي ما ندركها، موضوعات تتسم “بعض صفاتها، على الأقل، بكونها قابلة للإدراك الحسي المباشر” (p. 31). أما الموضوعات الجمالية، فهي مجموعة فرعية من الموضوعات الحسية. هذا لا يعني بالضرورة أن الموضوعات الجمالية ليست مادية. قد تكون الموضوعات الجمالية غير مادية – قد يشير التمييز المفاهيمي إلى فرق حقيقي – أو قد تكون مادية – فإن التمييز المفاهيمي، على الرغم من صياغته بشكل مضلل، إلى حد ما، وفق الأشياء، فقد يشير ببساطة إلى “مظهرين للشيء نفسه” (p. 33). في البداية، يذكر بيردسلي، غير مبالٍ بشأن البديل الذي يتم اختياره – أنه لا “يرى أن هناك فرق كبير، سواء اخترنا مصطلح [الموضوعات objects أو المظاهر aspects]” (p. 33) – ومن ثم، يشرع في تطوير أنطولوجيا تركز على الموضوعات بأكثر مما تركز على المظاهر.
تعتبر الأنطولوجيا ذات نزعة ظاهراتية، على الرغم من أنها منفتحة لتفسير أكثر مادية. يُعرَّف عرض الموضوع الجمالي بأنه الموضوع الذي يخبره شخص معين، في مناسبة معينة. وبشكل أساسي، فإن العروض هي البيانات الحسية للموضوعات الجمالية. إن الموضوعات الجمالية ليست عروضا، على أية حال، لأن ذلك لن يستدعي، فحسب، كثرة عددية لا يمكن السيطرة عليها، للموضوعات الجمالية، بل وفوضى في النقد، كما أن الموضوعات الجمالية ليست، كذلك، فئات classes للعروض، لأنه يجب للموضوعات الجمالية أن تملك، على الأقل، بعض الخصائص الحسية، أما الفئات، باعتبارها كيانات مجرَّدة، فليس لها أي من تلك الخصائص. ومع ذلك، “عندما نريد أن نقول أي شيء عن موضوع جمالي، يمكننا التحدث عن عروضه” (p. 54). يقول بيردسلي وهذا “لا “يختصر” الموضوع الجمالي إلى مجرد عرض؛ إنه يختصر، فقط، العبارات عن الموضوعات الجمالية في عبارات عن العروض” (p. 54). في الواقع، هذا شكل من أشكال الظاهراتية اللغوية، ويُلزم بيردسلي بترجمات تحافظ على معنى العبارات الخاصة بالموضوعات الجمالية، إلى عبارات خاصة بعروض لمثل هذه الموضوعات – في الواقع، عبارات خاصة بالخبرات المتعلقة بمثل هذه الموضوعات.
غير راضٍ عن ذلك، يضغط بيردسلي Beardsley من أجل تمييز (أ) المُنتَج – المسرحية نفسها، على سبيل المثال، كما هي مكتوبة – عن (ب) عملية إنتاج معينة لها – إنتاج مسرح فيكتوريا بالاس للمسرحية، كإنتاج مختلف عما قام به قسم المسرح بجامعة ماركيت لها- وعن (ج) أداء معين لها – أداء الليلة الماضية في مسرح هايلفر – وعن (د) عرض خاص لها – المسرحية كما تبدو في خبرة بيتر أليليوناس بها، عند حضوره عرض الليلة الماضية. تنطبق نفس الفروق على سائر الفنون، وإن بشكل متباين في الفنون المختلفة، وبشكل طبيعي، إلى حد ما، في البعض، أكثر من غيرها. هناك لبيتهوفن سيمفونية من مقام ري صغير (المُنتج)، وإنتاجها (تسجيل أوركسترا فيلادلفيا السيمفونية لها)، وأداء معين (تشغيلي لتسجيلي لها الليلة الماضية، في منزلي)، وعروض معينة لها (خبرتي بها، وخبرة الآخرين بها، ليلة أمس، في منزلي). في العديد من الفنون، على الأقل، يمكن أن يكون للمنتَج الفني العديد من الإنتاجات، يمكن أن يكون للإنتاج الفردي العديد من الأداءات، ويمكن للأداء الفردي أن يؤدي إلى العديد من العروض. وكما يلاحظ بيردسلي، فإن هذه الفروق تضعف، إلى حد ما، في بعض الفنون، وتحتاج إلى توسيعها قليلا، لتناسبها جميعا. فعند قراءة قصيدة في صمت، يقول، إن الإنتاج هنا هو العرض (وأنا أفكر في أنه، أيضا، الأداء)، “في الهندسة المعمارية، تكون مخططات المهندس المعماري هي المُنتَج. والمبنى المكتمل هو الإنتاج” (pp. 57–58) (ويفترض أيضا أن يكون هو الأداء)، وفي التصوير والنحت، “يختفي التمييز بين المُنتَج والإنتاج تقريبا” (p. 58) (بالإضافة إلى الأداء الذي يُفترض أن يكون متطابقا مع كليهما).
لكن ما هو الموضوع الجمالي، موضوع الاهتمام النقدي؟ إنه ليس عرضا، أو فئة من العروض، وليس المُنتَج – السيمفونية التاسعة لبيتهوفن، على سبيل المثال. إذا كان الموضوع الجمالي هو المُنتَج، فسيكون له خصائص متناقضة، لأن التسجيلات المختلفة للسيمفونية التاسعة لها خصائص مختلفة، ومتضاربة: بعضها أقل من 60 دقيقة، وبعضها أطول من ذلك. ما تبقَّى، وما يجب أن يكونه الموضوع الجمالي، هو الإنتاج. وبالتالي فإن الهدف الأساسي للاهتمام النقدي هو إنتاج المُنتج، والوظيفة الأساسية للناقد هي وصف، وتأويل، وتقييم، مثل هذا الإنتاج.
على الرغم من أن وجهات نظر بيردسلي المبكرة، حول الأنطولوجيا، كانت تميل إما إلى الظاهراتية اللغوية، أو التعددية غير المنهجية – بعض أشكال الإنتاج هي موضوعات مادية، وبعضها موضوعات ذهنية، وبعضها أحداث مادية – فقد كانت هناك تلميحات، في ذلك الوقت، لوجهات نظر أبسط وأكثر منطقية. ويمكن رؤية الأنطولوجيا كامنة تحت سطح مسلَّمَاته الخاصة بالنقد الفني:
-
الموضوع الجمالي هو موضوع حسي؛ أي: يمكن أن يكون له عروض.
-
العروض الخاصة بنفس الموضوع الجمالي يمكن أن تحدث في أوقات مختلفة، ولأشخاص مختلفين.
-
قد يختلف عرضان، لنفس الموضوع الجمالي، عن بعضهما البعض.
-
قد لا يحدث الكشف، بشكل شامل، عن خصائص الموضوع الجمالي في أي عرض معين له.
-
قد يكون العرض حقيقيا؛ بمعنى: أن خصائص العرض قد تتطابق مع خصائص الموضوع الجمالي.
-
قد يكون العرض خادعا؛ أي: قد تفشل بعض خصائص العرض في التطابق مع خصائص الموضوع الجمالي.
-
إذا كان لعرضين، لنفس الموضوع الجمالي، خصائص متضاربة، فإن أحدهما، على الأقل، يكون خادعا ( 46, 48).
إذا أخذنا “الموضوع الجمالي” على أنه يعني: “عمل فني”، فإن الأنطولوجيا المتَضمنَة ليست أنطولوجيا معطيات حسية، أو أنطولوجيا فئات مختلطة على الإطلاق. للوهلة الأولى، يبدو عدد من المسلَّمات – 2 و4 و6، وربما 3 و7 – في الواقع، متضاربة مع أنطولوجيا المعطيات الحسية. بدلا من ذلك، فإن ما تقترحه المسلمات 1-7 بقوة، هو أن العمل الفني موضوع مادي: فهو مدرك حسيا، ومتاح بشكل عام، أو بنحو تشاركي بين الذوات، في كل من الزمان والمكان، ويمكن أن يظهر بشكل مختلف، من وجهات نظر مختلفة، وفي أوقات مختلفة، وقد لا يكون مفهوما بنحو شامل، في مناسبة معينة، وله خصائص، قد يتم إدراكها بشكل صحيح، أو غير صحيح، وأن تلك الخصائص التي تُعزا إليه تخضع لقانون الثالث المرفوع.
ليس من المستغرب، بعد عام 1958، أن بيردسلي Beardsley “تحرك بثبات في اتجاه شكل ما من أشكال المادية غير الردِّيَّة non-reductive materialism، لرؤية إلى أي مدى يمكن الذهاب في التعامل مع الأعمال الفنية كموضوعات مادية” (علم الجمال، ص 24). المادية غير ردِّيَّة، لأن تلك الأعمال الفنية تتمتع بخصائص لا تمتلكها الموضوعات المادية بشكل عام. تعمل مثل هذه المادية بشكل جيد مع الأعمال الفنية “الفردية”، مثل اللوحات، كما يرى بيردسلي، أما مع “الأعمال الفنية التعددية” – كالمؤلفات الموسيقية، ذات العروض العديدة، والقصائد الموجودة في طبعات متعددة – فتقدم مشكلات. إن التأليف الموسيقي ليس هو أي مدونة موسيقية، أو أداء أحادي، وليست القصيدة هي أي نص أحادي مطبوع. لهذا السبب، يعود بيردسلي مرة أخرى في اتجاه التعددية الأنطولوجية: ربما تكون الأعمال الفنية إما موضوعات مادية (الأعمال المفردة) أو أنواعا من الموضوعات المادية (الأعمال التعددية)، مع “الموضوع المادي” الذي تم تأويله بتوسع هنا، ليشمل أحداثا (مثل الرقص).
-
تعريف الفن
كما ذكرنا آنفا، “تجنب بيردسلي Beardsley بصرامة” (p. 59) مصطلح “عمل فني”، قدر الإمكان، في كتابه علم الجمال. ثم قام، مع ذلك، لاحقا، بنحو مفاجئ إلى حد ما، بتقديم تعريف رومانسي جديد وقَصدِي intentionalistic. يقول: إن العمل الفني “إما ترتيب شروط، يُقصد بها أن تكون قادرة على توفير تجربة ذات طابع جمالي واضح، أو (عَرَضا) ترتيب ينتمي إلى فئة، أو نمط من الترتيبات التي تهدف عادة إلى أن يكون لديها هذه القدرة” (وجهة النظر الجمالية، ص 299). الجزء الأول من التعريف هو الأكثر أهمية؛ إذ يقول إن شيئا ما هو عمل فني إذا كان مُنتَجا، “ترتيب لشروط”، قصدها صانع العمل، ليكون بها قادرا على توفير تجربة ذات طابع جمالي لا يستهان به. لا يشير هذا التعريف إلى أن العمل الفني قد قُصد به توفير (أو أن يكون قادرا على توفير) تجربة جمالية تامة. فقط “تجربة ذات طابع جمالي واضح” هي المطلوبة. كما أنه لا يقول إن العمل الفني ليس له، أو لا يمكن أن تكون له وظيفة نفعية، بالمعنى اليومي للمصطلح. على سبيل المثال، يمكن أن يكون العمل الفني مقعدا، نجلس عليه، ببساطة، عدة مرات. وأخيرا، فإنه لا يقول إن القصد الأساسي وراء إنشاء المُنتَج هو قصد جمالي. إذ يمكن إن يكون المقصد الأساسي وراء إبداع أيقونة دينية، على سبيل المثال، هو تقريب المصلين من الله.
يلتقط الجزء الثاني من التعريف تلك الموضوعات التي تُعدُّ، بالتأكيد، أعمالا فنية، ولكن تم إنشاؤها بطريقة آلية، أو بواسطة ما هو أقرب إلى خط إنتاج صناعي، أو كنسخة أخرى من نوعها. بعض المزهريات الجميلة قد تأتي في المرتبة الأولى، وتأتي العديد من أيقونات العصور الوسطى في المرتبة الثانية. يرى بيردسلي أنه للتأكد من أن توسيع نطاق المحددات التعريفية definiens يتلاءم مع ذلك الخاص بالمُعرَّف definiendum، يلزم الجزء الثاني من التعريف.
لكن لماذا نقبل التعريف؟ لعدد من الأسباب، بحسب بيردسلي. أولا: إن التعريف “المختار لأجل دور في النظرية الجمالية يجب أن يعين تمييزا … مُهما للنظرية الجمالية” (p. 299)، وهذا ما يفعله بيردسلي. ثانيا: “عند اختيار المصطلحات الأساسية للنظرية الجمالية، يجب أن تكون أقرب ما تكون إلى ملاءمة الاستخدام العادي” (p. 300). ليس هناك حاجة إلى رصد استخدام كل شخص لمصطلح ما لتشكيل تعريف، وهو أمر مستحيل بأي حال من الأحوال، مع مصطلح مرن، ومُستخدم بشكل انحيازي، مثل مصطلح “عمل فني”. يتمتع تعريف بيردسلي بميزة الالتقاط “بشكل معقول، لاستخدام، ظل بارزا لعدة قرون، ولا يزال قائما، على نطاق واسع حتى اليوم، خارج نطاق خطاب وكتابات الطليعة من الروَّاد أو عنهم “(p. 300). ثالثا: يجب أن يكون تعريف “العمل الفني” ذا “أكبر فائدة ممكنة للباحثين في مجالات أخرى، إلى جانب علم الجمال – المجالات التي ينبغي (أحيانا) أن يعتبرها علم الجمال نفسه بمثابة دعم وتعزيز له” (p. 304). والمجالات التي يفكر فيها بيردسلي، أكثر من غيرها، هي: تاريخ الفن، والأنثروبولوجيا. رابعا، وأخيرا: يجب أن يربط تعريف “العمل الفني” من الناحية المفاهيمية … بين الفن والجمالي” (p. 312). وهذا ما يحققه تعريف بيردسلي بدرجة كبيرة، ويعرِّف الفن بشكل مباشر من الناحية الجمالية، بمثل ما يفعل.
-
مقاصد الفنان
برغم وفرة كتبه ومقالاته، اشتهر بيردسلي بمقاله الأول في مجال علم الجمال؛ “مغالطة الرجل المقنَّع The Intentional Fallacy”، وهي ورقة شاركه في كتابتها ويليام ك. ويمسات William K. Wimsatt، ونُشرت عام 1946 (وأعيد طباعتها على نطاق واسع، على سبيل المثال، في الكتاب الذي حرره جوزيف مارجوليس Joseph Margolis، الفلسفة تنظر إلى الفنون Philosophy Looks at the Arts، الطبعة الثالثة، 1987) وفيها يجادل ضد وجهة النظر الرومانسية الجديدة التي تذهب إلى أن العمل الفني يعني ما يقول الفنان أنه يعنيه، أو ما يقصد هو أن يعنيه. بتعبير أدق، يمكن أن توضع المسألة من حيث العلاقة بين
-
الفنان يقصد x أن يعني p في العمل w.
و
-
x تعني p في العمل w.
وفقا لـهيرش E.D. Hirsch، (1) تستلزم (2)، على الأقل إذا كان w عملا أدبيا، لأن معنى “x” هو ببساطة ما عناه الكاتب، أو قصده بـ”x” . ومن ثم، فإن معرفة قصد الفنان هو معرفة بمعنى العمل. هذا هو أحد طرفي الطيف في العلاقة بين (1) و (2 .(
يجلس بيردسلي Beardsley عند الطرف الآخر. إذ يرى أن مقاصد الفنان لا علاقة لها بتأويل العمل الفني على الإطلاق. إن (1) ليس فقط لا يستلزم (2)، بل إنه، في حد ذاته، لا يقدم أي دعم مباشر بالأدلة لـ (2). لا علاقة لمقاصد الفنان بما يعنيه العمل.
كان بيردسلي، في الواقع، متسقا، بشكل كبير، في قضية مغالطة الرجل المقنَّع. فقد ذهب أيضا إلى
-
أن الفنان الذي قصد للعمل w أن يكون له خاصية وصفية p لا يقدم أي دعم مباشر بسبب أن
-
W لديه الخاصية الوصفية p،
وأن
-
الفنان الذي يقصد للعملw أن تكون له الخاصية التقييمية eـ
لا يقدم أي دعم مباشر بالأدلة بسبب أن
-
W له خاصية تقييمية e .
إن مقاصد الفنان لا علاقة لها، على الإطلاق، بالخصائص الوصفية، والتأويلية، والتقييمية لعمله. بالإضافة إلى “مغالطة الرجل المقنَّع”، هناك أيضا “المغالطة العاطفية The Affective Fallacy”. في ورقة تحمل الاسم نفسه، وشارك أيضا في كتابتها مع ويليام ويمسات، وفيها يرى بيردسلي أن استجابات المرء العاطفية لعمل فني، لا علاقة لها بخصائصه الوصفية، والتأويلية، والتقييمية.
تتنوع حجج بيردسلي ضد المذهب القصدي Intentionalism في التأويل. في ورقة “مغالطة الرجل المقنَّع”، يقول إن مقاصد الفنان ليست “متاحة أو مرغوب فيها” (p. 367)، وهذا يعني أن مثل هذه المقاصد ليست متاحة دائما، وغير مرغوب فيها على الإطلاق. ونظرا لأننا، في كثير من الأحيان، يمكننا، ونقوم بالفعل، بتأويل عمل فني بشكل صحيح، مع قليل معرفة، أو بدون معرفة بالفنان، فإن حقيقة أن مقاصد الفنان ليست متاحة دائما، كافية لبيان أن موقف هيرش خاطئ.
“إن الحكم على قصيدة يشبه الحكم على حلوى البودينج، أو أية آلة” حسب بيردسلي Beardsley: “ما يطلبه المرء أنها تعمل. فإننا نستنتج مقصد الصانع، فقط، لأن المُنتَج يعمل. … ومقصد القصيدة، يمكن استنتاجه، فقط، من خلال معناها … ومع ذلك، فإنها، ببساطة، قصيدة، بمعنى أنه ليس لنا مبرر للتحقق عن أي جزء هو المقصود أو المعنيّ”(p. 368). بعبارة أخرى، فإن القصيدة، أو أي عمل فني آخر، مستقلة عن صانعها، تماما مثل أي مُنتَج آخر – حلوى البودينج أو الغسَّالة. حيث يتكون البودينج من الحليب والبيض ومكونات أخرى، والغسالة من أسطوانة معدنية، وحشيات مطاطية، وأجزاء أخرى، وتتكون القصيدة من كلمات. في جميع الحالات الثلاث، هناك ما هو موضع للحكم، ومستقل عن الصنَّاع، ويجب الحكم عليه – وتأويله – على أساس من خصائصه. وليس هناك حاجة لإحضار الصانع.
في كتابه علم الجمال يتخذ الهجوم شكلا مختلفا قليلا. يقول بيردسلي: “يجب أن نميز بين الموضوع الجمالي والمقصد في ذهن صانعه”، ويمكن إظهار عدم ارتباط هذا الأخير بالتأويل، إذا نظرنا إلى منحوتة معينة، “جسم كبير، ملتوي، كعكي الشكل، من خشب الساج المصقول، مثبت بزاوية مائلة على الأرض”. يقصد صانع التمثال أن “يرمز إلى … المصير البشري”. ونحاول، مع ذلك، بقدر المستطاع، أن “لا نرى فيه مثل هذا المعنى الرمزي”. السؤال الفلسفي، إذن، هو: “هل يجب أن نقول إننا، ببساطة، قد فاتنا المعنى الرمزي، ولكنه موجود بلا ريب، لأن ما يرمز إليه التمثال، هو بالضبط ما يجعله صانعه يرمز إليه؟ أم ينبغي أن نقول، وفقا لروح أليس Alice، التي تواجه التقاليدية الدلالية semantic conventionalism المتطرفة [النظرية القصدية intentionalism] لهامبتي دمبتي Humpty Dumpty، إن كان السؤال هو ما إذا كان هذا الشيء قد تم صنعه ليحمل معنى المصير البشري؟” من الواضح أن الأخير، كما يعتقد بيردسلي، يستلزم أن “يمكن لأي شخص، أن يصنع أي شيء، يرمز إلى أي شيء، لمجرد أنه يقول إنه يرمز إلى ذلك، حيث يمكن لنحات آخر أن ينسخ العمل نفسه، ويطلق عليه اسم:” روح بالم بيتش”( Aesthetics, pp. 18–19, 21).
بالإضافة إلى النحت، ناقش بيردسلي Beardsley أيضا نفي العلاقة بين المؤلف ومعنى نصه، وإن كان ذلك جزئيا فقط، من خلال مثال عكسي. يقول: “لنفترض أن أحدهم نطق بجملة، يمكننا [حينئذ] طرح سؤالين: (1) ماذا يعني المتحدث؟ (2) ماذا تعني الجملة؟” على الرغم من أن الإجابة على السؤالين، عادة، ما تكون متطابقة، إلا أنه يمكن أن تكون مختلفة، يمكن للناس أن يقصدوا شيئا، ويقولون شيئا آخر. والسبب في إمكانية ذلك، هو أن “ما تعنيه الجملة لا يعتمد على هوى الفرد، وتقلباته الذهنية، ولكن على أعراف العامة لاستخدامها، والتي ترتبط بأنماط العادة في المجتمع المتحدث بأكمله”. إن معنى الجملة – أي المعنى النصي – بالتالي، هو شيء واحد، وهو راسخ في “المجتمع المتحدث بأكمله”، في حين أن المعنى الذي يقصده المتحدث – ما قصده المؤلف – هو معنى آخر تماما، يرسخ في مقاصده الخاصة، والتي من المحتمل تماما أن تكون ذات طابع شخصي. وبالتالي، يمكن أن يكون المؤلف مخطئا بشأن ما يعنيه عمله. ربما كان هوسمان ، A.E. Housman، على سبيل المثال، مخطئا في الادعاء بأن قصيدته “1887” ليست قصيدة تهكمية (pp. 25–26).
في كتاب إمكانية النقد The Possibility of Criticism، يتم طرح ثلاث حجج ضد القصدية، والتي تعتبر، مرة أخرى، وجهة النظر التي ترى أن معنى العمل الفني هو ما قصد الفنان له أن يحمله. الحجة الأولى: أن “بعض النصوص تم تشكيلها بدون فعل مؤلف، وبالتالي بدون معنى خاص بالمؤلف، ومع ذلك نجد لها معنى، ويمكن تأويلها” (p. 18). ما يدور في ذهن بيردسلي هو نوع الخطأ اللفظي، الذي يقع من جانب دار النشر، أو من جانب جهاز كمبيوتر أثناء مسح مستند ما ضوئيا. يستشهد بجملة: “جادل جنسن كرجل مليء بعسر الهضم indigestion المحق” كمثال على نص يمكن قراءته وتأويله، ومع ذلك لا يوجد فعل، ومن باب أولى، قصد لمؤلف هنا. إذ تغيرت كلمة “السخط Indignation” إلى “عسر هضم indigestion ” عند الطباعة، بسبب خطأ ميكانيكي.
الحجة الثانية: هي أنه “يمكن لمعنى النص أن يتغير بعد وفاة مؤلفه. لكن المؤلف لا يستطيع تغيير المعنى الذي يقصده بعد وفاته. وبناء عليه، فإن المعنى النصي لا يتطابق مع المعنى المقصود من المؤلف”. تعزز هذه الحجة حقيقة أن “قاموس أكسفورد الإنجليزي OED يقدم أدلة وفيرة على أن الكلمات والتعابير المفردة تكتسب معاني جديدة، كما تفقد معاني قديمة، مع مرور الوقت، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات بدورها إلى تغييرات في المعنى، في الجمل التي تظهر فيها تلك الكلمات “. كمثال على ذلك، يستشهد بيردسلي بسطر من قصيدة كتبت عام 1744، “رفع ذراعه البلاستيكية”، وأشار إلى أن “الذراع البلاستيكية” قد “اكتسبت معنى جديدا في القرن العشرين”. وبالتالي فإن البيت الشعري “الذي ظهر فيه ذلك التعبير، قد اكتسب، هو أيضا، معنى جديدا” (p. 19).
الحجة الثالثة، وهي الحجة المألوفة، التي تقول إنه “يمكن للنص أن يتضمن معانٍ لا يعرفها كاتبه. وبالتالي، يمكن أن يتضمن معان لم يقصدها كاتبه. وبناء على ذلك، فإن المعنى النصي لا يتطابق مع المعنى المقصود من المؤلف”( p. 20).
إضافة إلى ذلك، ما نحتاجه فعلا لتقرير ما إذا كانت مغالطة الرجل المقنَّع موجودة هو نظرية في المعنى theory of meaning. إن نظرية المعنى هي نظرية لما هو عليه w (موضوع ما، بالمعنى الواسع للمصطلح) ليعني p. كان بيردسلي Beardsley دائما مدركا للحاجة إلى نظرية للمعنى، وفي كتابه علم الجمال يقترح نظرية معقدة، رفضها لاحقا. ومع ذلك، تبنى، بعد عدة سنوات، نظرية في الأفعال الكلامية speech-act theory تقوم على أساس من عمل ويليام ألستون William Alston، واستخدمها للدفاع عن فكرته عن مغالطة الرجل المقنَّع، في ورقته النهائية، حول هذا الموضوع.
يعتقد ألستون أن معنى الجملة هو قوة أفعال الكلامية في الجملة، وقدرتها على أداء مختلف الأفعال الكلامية التي يمكن استخدامها. في الحقيقة، هذا اتخاذ لشعار: “المعنى هو الاستخدام”، على محمل الجد، والاستفادة من “استخدام” من حيث أداء الأفعال الكلامية. معنى الجملة أمر أساسي في هذه النظرية، ويقع معنى الكلمة ثانويا ومشتقا، حيث يتم تعريفها، من ناحية مساهمة الكلمة في قوة الفعل الكلامي، للجمل التي يمكن أن تتجسد فيها. اعتقد بيردسلي صحة هذه النظرية، واستخدمها للبرهنة على أن مغالطة الرجل المقنَّع هي في الواقع مغالطة.
في مقال “المقاصد والتأويلات” (في كتاب وجهة النظر الجمالية The Aethetic Point of View)، يدعي أن الشاعر، حين تأليف قصيدة، لا يؤدي فعلا كلاميا، بل بالأحرى، يمثل أداء الفعل أو الأفعال الكلامية. عندما كتب وردزورث Wordsworth
ميلتون! يجب أن تعيش ألف في هذه الساعة:
إنكلترا بحاجة إليك –
إن كلماته موجهة، ظاهريا، إلى شاعر مات منذ زمن طويل، ولكن من أجل أداء فعل إنجازي illocutionary، يجب على المرء أن يعتقد أن أي فعل إنجازي، يستطيع، أو سوف “يؤمِّن استيعاباً”، أي: يؤمِّن فهما لجملته، وللفعل الكلامي المُنجَز. لكن وردزورث، على أي حال، يعرف أن ميلتون قد مات منذ زمن طويل، ولم يكن لديه مثل هذا الاعتقاد. وبالتالي، فإنه لم ينفذ الفعل الإنجازي المتمثل في مخاطبة ميلتون، أو القول إن إنجلترا بحاجة إليه. ومع ذلك، فهو يصور أداء تلك الأفعال الإنجازية. يرى بيردسلي Beardsley أن ما يفعله الشعراء، وغيرهم من مؤلفي الأعمال الأدبية، هو تصوير أداء الأفعال الإنجازية، وليس أداء الأفعال الإنجازية ذاتها.
حجة بيردسلي الكاملة، هي في الأساس:
-
معنى الجملة “S” هو إمكاناتها الكاملة لفعلها الإنجازي، أي: قدرتها على أداء الأفعال الكلامية I و J و K.
-
أداء الأفعال الكلامية I و J و K في استخدام “S” لا يتطلب المقاصد المناظرة لأداء الأفعال الكلامية I و J و K في استخدام “S“.
-
وبالتالي، فإن معنى “S” مستقل عن مقاصد المتحدث لأداء الأفعال الكلامية التي تشكل، كأفعال محتملة قابلة للتنفيذ، معنى “S“.
-
بطريقة أخرى، إن معنى “S” مستقل منطقيا عن قصد المتحدث أن يعني ما تعنيه “S” بالفعل.
-
بناء عليه، فإن قصد المتحدث بأن الجملة “S” تعني p لا علاقة له، منطقيا، بما إذا كانت تعني p.
-
ولكن حتى لو كانت (4) خاطئة، وكان المعنى M، لجملة غير أدبية – جملة ليست داخل عمل أدبي – دالة جزئيا على قصد المتحدث بأنها تعني M، فلن يكون الأمر نفسه صحيحا، لجملة أدبية.
والدليل على (6) أن
-
المؤلف لا يؤدي الأفعال الإنجازية، I و J و K عند نطق (كتابة، إملاء، توقيع، إلخ) “S“.
-
بل الأحرى، أنه يمثل أداء الأفعال الإنجازية I و J و K عند نطق”S” .
-
ينطوي تصوير فعل إنجازي على تخلي، أو حجب، أو تعليق، هذا الفعل.
-
وبالتالي، فإن تمثيل أداء I و J و K لا يتطلب قصد أداء I و J وK .
-
بناء على ذلك، حتى لو كانت (4) خطأ، بقدر ما تكون الجملة غير الأدبية معنية، فسيكون صحيحا بقدر ما تكون الجمل الأدبية هي المعنية، حيث أن معنى “S” مستقل منطقيا عن قصد المتحدث بأن يعني ما تعنيه “S” في الواقع.
-
الداخلي والخارجي
يُعدُّ التمييز بين الأدلة الخارجية والداخلية أكثر اتساعا من الاهتمامات بشأن وثاقة صلة قصد الفنان واشتماله لها. يقول بيردسلي Beardsley: “الدليل الداخلي، هو دليل ينشا من الفحص المباشر للموضوع” (علم الجمال، ص 20). ما هو داخلي متاح للجمهور؛ “يتم اكتشافه [في حالة الشعر] من خلال دلالات ونحو القصيدة، على الرغم من معرفتنا المعتادة باللغة، من خلال القواعد النحوية، والقواميس، وكل المواد الأدبية، التي تشكل مصدر القواميس، بشكل عام، ومن خلال كل ما يعمل على إنشاء اللغة والثقافة”(“مغالطة الرجل المقنَّع“، ص 373). أما “الدليل الخارجي”، من ناحية أخرى، فهو “دليل ينشأ من الخلفية النفسية، والاجتماعية، للموضوع، والذي يمكننا أن نستنتج منه شيئا عن الموضوع نفسه” (علم الجمال، ص 20). ما هو خارجي ليس في متناول العامة؛ إنه “شخصي أو خاص، ليس [مرة أخرى، في حالة الشعر] جزءا من العمل كحقيقة لغوية: إنه يتكون من إيحاءات (في الجرائد، على سبيل المثال، أو الرسائل، أو المحادثات المسجلة) حول كيف، أو لماذا، كتب الشاعر القصيدة – لأي سيدة، أثناء الجلوس في أي حديقة، أو عند وفاة صديق، أو أخ” (“مغالطة الرجل المقنَّع”، ص 373). بالإضافة إلى الدليل الداخلي والخارجي، هناك “نوع وسيط من الأدلة، حول شخصية المؤلف، أو حول المعاني الخاصة، أو شبه الخاصة، المرتبطة بالكلمات، أو الموضوعات من جانب المؤلف، أو من جانب زمرة ينتمي إليها” (“مغالطة الرجل المقنَّع” ص 373). يعتقد بيردسلي أن الدليل الخارجي ممنوع في النقد، ولكن، على الأقل، في زمن كتابة “مغالطة الرجل المقنَّع”، كان الدليل الوسيط مقبولا، والسبب هو أن “معنى الكلمات هو تاريخ الكلمات، وكانت سيرة حياة المؤلف، واستخدامه للكلمة، والارتباطات التي تضمنتها الكلمة به، جزء من تاريخ الكلمة ومعناها “(“مغالطة الرجل المقنَّع”، ص 373). ومع ذلك، يجب توخي الحذر؛ لأن الخط الفاصل بين الأدلة الوسيطة، والأدلة الخارجية، ليس دقيقا، و”الناقد المهتم بالدليل [الداخلي] … وبشكل معتدل بالدليل [الوسيط]، سينتج، على المدى الطويل، نوعا مختلفا من التعليق، عن ذلك الذي للناقد الذي يهتم بالدليل [الخارجي] وبالدليل [الوسيط]”(“مغالطة الرجل المقنَّع”، ص 373). لم يتم ذكر الدليل الوسيط مطلقا في علم الجمال، أو في أي من كتابات بيردسلي اللاحقة، ومع ذلك، يبدو أنه قد تم تصنيفه كفئة ضمن “الدليل الخارجي”. والنتيجة هي خط أكثر دقة بين ما هو مقبول وما هو غير مقبول من الأدلة في النقد.
المراجع
مطبوعات أولية
- Beardsley, Monroe. Aesthetics: Problems in the Philosophy of Criticism, 2nd ed. Indianapolis: Hackett Publishing Company, Inc., 1981.
- Beardsley, Monroe. The Possibility of Criticism. Detroit: Wayne State University Press, 1970.
- Beardsley, Monroe. The Aesthetic Point of View. Ithaca, New York: Cornell University Press, 1982.
- Beardsley, Monroe and William K. Wimsatt. “The Intentional Fallacy.” Reprinted in Joseph Margolis, ed., Philosophy Looks at the Arts, 3rd ed. Philadelphia: Temple University Press, 1987.
- Beardsley, Monroe and William K. Wimsatt. “The Affective Fallacy.” Reprinted in Hazard Adams, ed., Critical Theory since Plato. New York: Harcourt Brace Jovanovich, 1971.
مطبوعات ثانوية
- Davies, Stephen, 2005, “Beardsley and the Autonomy of the Work of Art,” Journal of Aesthetics and Art Criticism, 63: 179–83.
- Dickie, George, 1965, “Beardsley’s Phantom Aesthetic Experience,” Journal of Philosophy, 62: 129–36.
- –––, 1987, “Beardsley, Sibley, and Critical Principles,” Journal of Aesthetics and Art Criticism, 46: 229–37.
- –––, 2005, “The Origins of Beardsley’s Aesthetics,” Journal of Aesthetics and Art Criticism, 63: 175–8.
- Dickie, George and W. Kent Wilson, 1995, “The Intentional Fallacy: Defending Beardsley’” Journal of Aesthetics and Art Criticism, 53: 233–50.
- Feagin, Susan L., 2010, “Beardsley for the Twenty-First Century,” Journal of Aesthetic Education, 44 (1): 11–18.
- Fisher, John (ed.), 1983, Essays on Aesthetics: Perspectives on the Work of Monroe C. Beardsley, Philadelphia: Temple University Press.
- Goldman, Alan, 2005, “Beardsley’s Legacy: The Theory of Aesthetic Value,” Journal of Aesthetics and Art Criticism, 63: 185–9.
- Hirsch, E.D. Validity in Interpretation. New Haven, CT: Yale University Press, 1967.
- Iseminger, Gary, 2004, The Aesthetic Function of Art, Ithaca: Cornell University Press.
- Wolterstorff, Nicholas, 2005, “Beardsley’s Approach,” Journal of Aesthetics and Art Criticism, 63: 191–5.
- Zangwill, Nick, 2001, The Metaphysics of Beauty, Ithaca: Cornell University Press.
أدوات أكاديمية
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society. |
|
Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO). |
|
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database. |
موارد الإنترنت الأخرى
- Aesthetics On-Line, maintained by the American Society for Aesthetics.
مدخلات ذات صلة
art, definition of | culture | intention | meaning, theories of | music, philosophy of | ontological commitment | speech acts | types and tokens
[1] Wreen, Michael, “Beardsley’s Aesthetics”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2014 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2014/entries/beardsley-aesthetics/>.