مجلة حكمة
الصدمة النفسية الصدمة النفسية

الصدمة النفسية الأساسية

الكاتبهوبير بونوا
المترجمعبد الله عاصم

إنه من الضروري أن يتحرر الإنسان من الحظر الذي تعرض له لكي يكون هو نفسه. وإنه من السهل أن نفهم، كما سبق أن ذكرنا في البداية، بأن وجود هذا الحظر الداخلي يؤدي إلى فقدان الحرية ما دام قائما. وطالما أن الطفل يخضع لهذا الإرغام فإنه يستحيل عليه أن يقوم باختيار حر أمام الخيارات التي تقدمها الحياة. إن الحظر يمنع الإنسان من أن يبدع حياته حسب طبيعته الأصلية. بل إنه يلزمه ألا يفعل شيئا سوى نسخ نموذج محدد سلفا. فقد كان الطفل أصيلا إلى لحظة الصدمة الأساسية. كان عفويا. كان أصيلا لحظة هذه الصدمة في الطريقة التي كان يريد أن يؤكد ذاته بها. ولكن الحظر ثبته بعد ذلك في أسلوب متكرر، في آليات انعكاسية لا تتبدل مهما كانت التغيرات الظاهرة لحوادث حياته. ومنذ ذلك الحين، لم يعد عفويا، بل مقيدا داخليا.

عندما يدرك الطفل ذاته، ويصبح قادرا على التفكير المستقل، أي يشعر بشخصيته أمام الغير.. يحاول حينئذ أن يقدم نفسه بأنه متكامل، وأنه قد أحرز “الكينونة الكلية”، ومن ثم فإن أي شيء لا يمكن ولا يجب أن يقف في طريقه. ذلك لأن الذي له هذه الكينونة المطلقة يستطيع أن يحرز كل شيء وأن يحقق كل شيء.

إن هذا النزوع إلى الكمال يبدأ في الإنسان منذ الطفولة الباكرة، وهو يتفاوت في الناس بتفاوت استعداداتهم النفسية والجسمانية، ومؤهلاتهم التي تجعلهم يطمحون إلى تأليه الذات وتحقيق الكمال”التأليهي”.

وعندما يصل الطفل إلى هذا المستوى من الإدراك لذاته، فإنه يحاول أن يبرهن على ذلك عمليا، وأن يراهن على كماله بتحقيق غرض زمني معين.

إن هذا الغرض في الواقع، ليس هو الهدف الحقيقي للطفل، بل الهدف هو الاستدلال على كمال الذات، وهذا الغرض إنما هو مجرد وسيلة يبرهن بها على ادعاءاته.

إن الطفل في سعيه إلى هذا الغرض، يمكن أن ينجح أو أن يفشل على المستوى المحدود. ولكنه على المستوى المطلق لا بد أن يفشل، لأن ادعاء الطفل بكماله غير صحيح، وأنه مجرد ادعاء باطل.

إذا فشل في تحقيق غرضه، فإنه يحس فورا بضآلة ذاته ونقصانها. وإذا نجح في تحقيق الغرض، فإنه يحس أيضا بخيبة الأمل لأن هذا النجاح المؤقت الذي أحرزه ينقضي في لحظة تحقيقه، ولا يدل فعلا على كماله كما كان يدعي، وعليه أن يكرر زعمه من جديد ويجربه في غرض ثان وثالث.. ورابع، وكل هذه التجارب ستثبت له بطلان مزاعمه.

إن هذا الرهان يشكل للطفل مأساة داخلية عميقة، حيث إن تفاهة الأشياء المحدودة قد أدركها في جانب واحد فقط من العلاقة: جانب الذات (الأنا) أو جانب الأشياء (الغير). فقد رأى العدم في جانب واحد فقط من علاقته مع العالم: في نفسه أو في غيره، مع أن كلا الجانبين يتصفان بهذا العدم أمام الله الذي له وحده الكمال.

فإذا كانت النتيجة الفشل، فإنه يرى نفسه عدما أمام العالم، بينما يرى العالم مطلقا لا نهائيا. وإذا كانت النتيجة النجاح، فإنه يرى العالم عدما ويرى نفسه مطلقا ولا نهائيا. وفي كلتا الحالتين، يحس بالإذلال والمرارة العميقة في عدم توفيقه لإقامة علاقة تأليهية لا نهائية مطلقة مع العالم.

إذا فشل في تحقيق الغرض فإنه يكون مضطرا أن يعيش عدما في عالم مطلق لا نهائي. وإذا نجح فيه فإنه يكون مضطرا أن يعيش “إلاها” في عالم معدوم. وفي جميع الحالات، لا يكون هناك تكافؤ وتعادل بين العدم والمطلق، بين التفاهة والكمال… بينما هما في ميزان واحد أمام المطلق، أي أنهما قطبان متعادلان في ذات الإنسان. والإذلال الذي يحس به في حال الفشل، يتعادل مع الإذلال الذي يحس به في حال النجاح… لأن إذلال الذات أو إذلال الغير متعادلان أمام المطلق ويؤديان إلى نفس النتيجة!

إن حدة هذه المأساة ونتائجها تتفاوت من شخص إلى آخر، تبعا لتفاوت استعدادهم نحو المطلق. فهذا الاستعداد يختلف اختلافا بينا من كائن إلى آخر ويرتبط بالبنية النفسية الجسمانية للناس والمحيط العائلي والاجتماعي الذي نشأوا فيه.

وكلما كان الاستعداد نحو المطلق قويا، كانت المرارة التي تنشأ عن الفشل أو النجاح عميقة وشديدة، والعكس أيضا. فالبرهنة على الكمال توجد عند كل طفل ولكن الآثار التي تعقبها والإكراه النفسي الذي يحد من الحركة الداخلية للإنسان… وكذلك الإحساس بالذنب… يختلف اختلافا واضحا.

إن الكائن المطلق الموجود في كل البشر بصورة متسترة ومبدئية، عندما يرى الإنسان المحدود قد زج في المسائل الزمنية المحدودة، وراهن على وجوده في جسده الفاني، فإنه يقوم على الفور بحركة سالبة في ذات هذا الإنسان، هي عقاب على هذا الادعاء، ونفي له وإذلال.. ويترتب على ذلك شعور بالذنب تجاه نفسه. ومن ثم فإن كل التصرفات التي يقوم بها هذا الإنسان بعد ذلك، تتأثر حتما بهذا الذنب وتتقيد به.

إن العقاب الذي يعقب الادعاء بتأليه الذات (= الادعاء بالكمال، أو الادعاء بوجود الكائن المطلق في نطاق الزمن المحدود، في نطاق الحياة الدنيوية الفانية…) يتجلى في الإكراه النفسي، وفي رسم حد معين لا يمكن أن يتجاوزه الإنسان ولا يمكن أن يتصرف وراء هذا الحد. إن العقاب يتجلى في إحاطة المدعي بسجن أو بسياج يتصرف داخله ولا يمكن أن يتجاوزه. إن طاقاته ستبقى منذ هذا الحين محصورة داخل الحدود التي يرسمها الكائن المطلق.

إن هذا الكائن موجود، ولكنه موجود في المطلق، لا في النطاق الزمني، وكل ادعاء بوجود المطلق في النطاق الزمني، يعقب فورا العقاب الذي يناسبه، والحد الذي يلائمه.

إن العقاب الناتج في حالة الفشل هو من نوع العقاب الذي يمنع الإنسان بأن يعيش بطريقة معينة. والعقاب الناتج في حالة النجاح، هو من نوع العقاب الذي يلزم الإنسان بأن يعيش بطريقة معاكسة. وفي جميع الحالات، فإن هناك إكراها ومنعا للطفل سلبا أو إيجابا. وهذا الإكراه هو محو للحرية. فليس في إمكان المرء بعد ذلك أن يعيش في الحرية أو أن يعرف الحرية سواء اصطدم بالحدود المرسومة له أو تصرف داخلها.

إن هذين النوعين من العقاب، ينتج عنهما من ناحية السلوك شخصان مختلفان. ولكن من وجهة نظر الكائن المطلق فإنهما متساويان. إن من بين الصدمات العديدة التي يتعرض لها الطفل، هناك هذه الصدمة الأساسية التي لا تماثلها أي صدمة أخرى، والتي تنتج عن الادعاء بتأليه ما ليس مؤلها… وهي الخطيئة الأولى… الخطيئة أمام الله.

هذه الصدمة تحدث في ظروف خارجية معينة… ولكن الذي يجعل منها فاجعة مؤلمة لا يعود إلى هذه الظروف نفسها، بل إلى الموقف النفسي الذي يقفه المرء في هذه اللحظة، وإلى الطابع الماورائي للصدمة. إن الفاجعة لا تعود إلى الملابسات الخارجية التي يعيشها المرء في هذه اللحظة، بل إلى الحالة النفسية الشاذة التي يوجد عليها.

ولا يوجد أي نظام في العالم كله ولا أي تربية يمكن أن تجنب الطفل هذه الصدمة. فالبيئة الاجتماعية يمكن أن تسلك طريقين فقط: إذا كانت قاسية جدا أمام الطفل، فإن رهانه سينتهي بالفشل، ويقوده إلى سلوك إيثاري غيري. وإذا كانت متساهلة جدا حياله فإنه سينتهي به إلى نجاح زمني، ويقوده إلى سلوك أثري أناني. وكل من الإيثار والأثرة، من الغيرية والأنانية تنتهيان إلى نفس النتيجة. ثم إن الملابسات الخارجية ستؤثر بدورها على سلوك الإنسان. فالصدمة الأساسية ستعقبها دون شك صدمات أخرى. (فليس هناك حياة بشرية خالية تماما من الصدمات) غير أن هذه الصدمات الأخرى لا تستطيع أن تغير مجرى الإكراه النفسي الناتج عن الصدمة الأساسية، ولا أن تغير شكله. كل ما يمكن أن تفعله هذه الملابسات وما ينتج عنها من صدمات، هو أن تعمق هذا الإكراه أو تزيد فيه بطريقة أو بأخرى.

إن العقاب الناتج عن الادعاء بتأليه الذات، يشمل جميع جوانب الحياة التي كانت موضوع المراهنة على هذا التأليه، ويشمل الغرض الزمني الذي كان يرمي إليه الشخص، كما يشمل الوسيلة المستعملة لتحقيقه. فمنذ هذه اللحظة لن يكون في إمكان هذا الشخص أن يكرر ادعاءه، ولن يكون في إمكانه استعمال نفس الوسيلة ولا حتى أن يقف في مجرد الموقف الذي وقفه من قبل.

كل ما يمكن أن يفعله هذا الشخص هو أن يسعى منذ هذه اللحظة، في التعويض عن النقص الذي يشعر به في ذاته، إذ أنه رآها عدما أمام العالم وأمام الغير. وجميع التعويضات الممكنة في هذه الحالة، تنقسم إلى قسمين: هناك أولا التعويضات التي لا تتناقض مع الحكم الذي أصدره الكائن المطلق، ولا تتناقض مع العقاب الذي فرضه على الجاني، بل قد يستلزمها هذا العقاب. وهناك تعويض آخر غريب: هو أن يسعى الشخص إلى إعادة ظروف الصدمة ومحاولة معايشتها بنفس الطريقة إذا أمكن.

فالشخص الذي فشل في إحراز حب والدته لنفسه وحده، سيحاول أن يقف نفس الموقف مع امرأة مماثلة لأمه تمانع بدورها في إعطائه حبها وكلما تمنعت أكثر، ازداد تعلقا بها وازدادت تألها وكمالا في نظره. وسيعمل على إذلال نفسه أمامها ليعيد نفس التجربة التي عاشها مع والدته. وبهذه الطريقة يستطيع أن يقترب من المأساة دون أن يحلها، وإنما يجد نوعا من التعويض ونوعا من تأكيد للذات في معايشتها. إذ أنه يستطيع الآن أن يتحدى العقاب الذي صدر في حقه وأن يقترب من بؤرته ما أمكن فيحس بحلاوة وهمية للحياة.

هذا النوع الثاني من التعويض ذو أهمية كبرى، ذلك لأنه هو الذي يمكن أن يؤدي إلى العصاب. فالمريض يكون أحيانا في أشد الحاجة إليه، ينغمس فيه بكل طاقاته، حتى لا يصطدم بالحصر النفسي الذي فرضه الكائن المطلق عليه، وحتى لا يسقط في عاصفة القلق. إن إعادة هذه الظروف نجدها في السلوك العام للشخص، وهي بمثابة موقف عام يتخذه في جميع الحالات.

إن الحركة السالبة التي يقوم بها الكائن المطلق في لحظة الادعاء بالتأليف والمراهنة عليه، كعقاب على هذا الادعاء نفسه، ينتج عنها اختلال كما رأينا وعدم تكافؤ بين قطبي الميزان… فهل يمكن أن نعتبرها شائنة ورديئة؟

كلا بطبيعة الحال. فكل عمل يقوم به الكائن، مهما كان نوعه وشكله فهو عمل بناء ومفيد. إن الحركة الناتجة عن الكائن قد حكمت على الشخص بأن يرى نفسه عدما. وهذه حقيقة كونية لا مراء فيها.

والاختلال لم ينتج عن هذه الحقيقة نفسها، بل نتج عن كون هذه الرؤية لم تكن شاملة، بحيث اقتصرت على الشخص وحده ولم تشمل الغير. ولكي تعطي فوائدها الجمة، يجب أن تتناول الغير أيضا.

والواقع أن الشخص لم ير نفسه عدما بصورة مباشرة، بل رآها عدما من خلال رؤيته للغير كاملا، ومن خلال إسقاط كماله وتأليهه على غيره، بحيث أصبح هذا الغير لا نهائيا ومطلقا (عن طريق الإسقاط، أي عن طريق منحه للغير ما كان يريد أن يمنحه لنفسه هو)، وأصبح هو نفسه عدما، تافها أي أنه رأى جزءا من الحقيقة فقط، رأى الحقيقة في الوقت الذي لا يزال يرى فيه الكذب.

فلو رأى كلا الطرفين على حقيقتهما (الذات والغير) متساويين في العدمية، لنتج عن ذلك تحرر كامل وتعادل، ونتج خضوع كل ما هو زمني للمطلق، أي السعادة والتوازن الشامل.

إن الحركة السالبة للكائن إذن حركة صحيحة ومفيدة. ولكنها حدثت في وقت الصراع بين الذات والغير، في وقت كانت فيه الذات خاضعة لنوازعها الكلية ولم تكن خاضعة للتفكير الحر المتجرد فنشأ عن ذلك، الاختلال في الرؤية، وعدم التكافؤ، ومن ثم فالحقيقة اقتصرت على جانب واحد فقط، على قطب واحد فقط من العلاقة الزمنية.

إنه لمن الأهمية بمكان من الناحية العملية أن نفهم كل هذا. فإذا لم نفهم ذلك كله، فإننا سننتهي إلى الادعاء بأننا آلهة في عالم معدوم للشعور بالتوازن، أي ننتهي إلى عكس الحقيقة. وهذا بالضبط ما حاول أن يقوم به الطفل الذي رأى نفسه معدوما أمام عالم لا نهائي. فقد حاول أن يعكس هذه الصورة ليشعر بالتعادل والتوازن والإقبال على الحياة، حاول أن ينشئ لنفسه تعويضا يجعله هو المطلق ويجعل الغير هو العدم.

ماذا على الشخص الآن وقد وعى هذا الاختلال الذي يعيش فيه؟ هل سيستمر في التعويض؟ أي هل سيضخم نفسه حتى يتساوى مع الغير؟ كلا! فإن التضخيم هو تشويه آخر وكذب ينضاف إلى الكذب الأول. وتأسيس الحياة كلها على الكذب والوهم يؤدي حتما إلى انهيارها.

هل يسعى إلى تصغير نفسه؟ إن ذلك سيزيد من تعميق المأساة، ولن يؤدي إلى التوازن، بل إلى الزيادة في الاختلال.

إن محاولات الشخص يجب أن تنصب كلها على الجانب الخاطئ من العلاقة، أي الجانب الذي لم تشمله الحقيقة ولم يصدر في حقه أي حكم من جانب الكائن المطلق، لا الجانب الصحيح. فهذا الجانب قد تولاه الكائن نفسه ولم يعد في حاجة إلى المزيد من التصحيحات. هذا الجانب سليم وصائب وقد رآه صاحبه الرؤية الصحيحة ولا يمكن مطلقا القيام بأي عمل تجاهه.

إن العمل الذي يجب أن نقوم به يتعلق بالجانب الثاني فقط، أي الجانب الخاطئ الذي يحتاج إلى التصحيح. وتصحيحه يتمثل في تصغير ما ضخم فيه. إذ أن وجه الخطأ فيه كونه لم ير على حقيقته، وإنما رؤي بصورة مكبرة، من خلال إسقاط التأليه عليه. فعندما قام الطفل بمحاولة تأليه ذاته كان يسعى إلى إقامة علاقة تأليهية مع الغير في النطاق الزمني المحدود، والمؤله لا يمكن أن ينحصر في المحدود. أي أن المحاولة فاشلة من الأساس لأنها باطلة وغير صحيحة. والحركة التي قام بها الكائن أرجعته إلى مكانه وأوقفته على حقيقة أمره. بينما بقي الطرف الثاني من العلاقة (الغير) في الظل ولم تشمله الرؤية. لذلك يحتاج هذا الطرف إلى تصويب نظرتنا إليه وإرجاعه إلى مكانته وحقيقة أمره.

كل العمل إذن ينحصر في تصحيح النظرة إلى الغيرة لمشاهدته على حقيقته، أي ينحصر في استصغاره وإزالة التأليه عنه. يجب أن نكف عن رؤيته إلاها لنرى حجمه على حقيقته، أي يجب أن نراه زمنيا محدودا لا مطلقا مؤلها، وحينئذ نحصل على توازن الرؤية وتعادل كفتي الميزان.

إنه من الضروري أن يتحرر الإنسان من الحظر الذي تعرض له لكي يكون هو نفسه. وإنه من السهل أن نفهم، كما سبق أن ذكرنا في البداية، بأن وجود هذا الحظر الداخلي يؤدي إلى فقدان الحرية ما دام قائما. وطالما أن الطفل يخضع لهذا الإرغام فإنه يستحيل عليه أن يقوم باختيار حر أمام الخيارات التي تقدمها الحياة.

إن الحظر يمنع الإنسان من أن يبدع حياته حسب طبيعته الأصلية. بل إنه يلزمه ألا يفعل شيئا سوى نسخ نموذج محدد سلفا. فقد كان الطفل أصيلا إلى لحظة الصدمة الأساسية. كان عفويا. كان أصيلا لحظة هذه الصدمة في الطريقة التي كان يريد أن يؤكد ذاته بها. ولكن الحظر ثبته بعد ذلك في أسلوب متكرر، في آليات انعكاسية لا تتبدل مهما كانت التغيرات الظاهرة لحوادث حياته. ومنذ ذلك الحين، لم يعد عفويا، بل مقيدا داخليا.

مرة أخرى ليس الموضوع هو هدم ما كان صحيحا في النظرة “الصدامية”، بل يجب استكمالها عن طريق العقل الحر. يجب على الإنسان أن يدرك الظرف الذي هو فيه، برفضه لإكراه داخلي هو نوع من التسلط الأجنبي. وحينئذ فقط يتحرر من كل نموذج مستنسخ، ويشرع في خلق ذاته شيئا فشيئا.

مجلة الجابري – العدد الواحد والعشرين


 

(*)  الفصل الثالث عشر من كتاب: Métaphysique et psychanalyse وهو كتاب قمنا بترجمته وسيصدر قريبا.