مجلة حكمة
الديموقراطية التداولية إجراء أم جوهر؟

الشرعية التداولية: إجرائية أم جوهرية – شارلز جيرارد، أليس لغوف / ترجمة: بلقاسم كريسعان


مقدمة المترجم (الديموقراطية التداولية):

صاحب النقاش الديموقراطية منذ نشأتها وما يزال مستمرا الي ايامنا هذه حيث طرحت التحولات العميقة التي يشهدها العالم منذ تسعينات القرن الماضي اشكاليات جديدة مرتبطة بفكرة الديموقراطية في حد ذاتها ومتصلة بممارسة الفعل الديموقراطي. من الممكن رد النقاش الحالي في الفكر الفلسفي والحقوقي السياسي الي تعطل قدرة الممارسة الديمقراطية في شكلها التمثيلي السائد اليوم على الاستجابة لمقتضيات التمثيل الحقيقي لمن يريدون من خلالها حكم أنفسهم بأنفسهم. من الممكن ايضا اعتبار النقاش الحالي استمرارا لنقاش لم يتوقف منذ بداية الازمنة الحديثة. لكن منذ اخر ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي انبجس توجه جديد واصبح واضح المعالم مع بداية القرن الجديد يعتبر ان الشكل التمثيلي للديموقراطية لم يعد فاعلا بل تحول الي اداة من ادوات الاستبداد ويتعبر من الضروري الانتقال بفكرة الديموقراطية الي ما يمكن ترجمته بـ الديموقراطية التداولية  (La Démocratie Délibérative ) يحتدم النقاش في ايامنا حول هذا الشكل من الديمقراطية في الفكر الفلسفي السياسي الحالي وفي مواقع مختلفة وبحسب زوايا نظر مختلفة بدورها. يهمنا من اجل المشاركة في هذا النقاش الاطلاع على محتواه واطرافه وهو ما قدمه الاستاذان شارل جيرار وأليس لغوف بتبسيط ملفت في المقدمة التي مهدا بها للنصوص المؤسسة لما يمكن تسميته بخصومة الديموقراطية التداولية القائمة الي اليوم. وهي المقدمة التي اقترح ترجمة فصلها الثاني.


النص المترجم:

  • II ـ الشرعية التداولية: إجرائية أم جوهرية

  1. تأثير المناظرة بين راولز وهابرماس

تشكل فلسفات جون راولز (John Rawls) ويورغن هابرماس (Jürgen Habermas) المنابع الأكثر بديهية “للموجة” الأولى من الكتابات التداولية. رغم أن “نظرية العدالة[ii]،  الذي صدر بالإنكليزية في 1971، لا يقدم مباشرة كنظرية في الديموقراطية، إلا أن راولز يطرح فيه الخطوط العريضة للسياسة الديموقراطية الملائمة لمجتمع عادل: ينبغي على المواطنين والمجموعات السياسية ان يواجه بعضهم البعض في الحلبة السياسية، على قدم المساواة، دفاعا عن التصورات المتنافسة للخير المشترك. لكن السمة التداولية للسياسة عند راولز تظل تابعة لمثل أعلى للعدالة: أن السياسة الديموقراطية ينبغي أن تأخذ هذا الشكل من أجل تجسيم الإنصاف[iii]. “نظرية الفعل التواصلي[iv] الصادرة بالألمانية سنة 1981، تعرض أسس إيتيقا النقاش التي يدافع عنها هابرماس. هذه الاخيرة تؤسس القيمة التي تفرضها القواعد الأخلاقية على الشروط التي تميز صلاحية الأفعال اللغوية، وتضع، بنتيجة ذلك، الإجماع الذي يتم التوصل إليه عبر الممارسة الحجاجية (المنطقية) محك الصلاحية الأخلاقية، إذا لم تكن إيتيقا النقاش، كما يوضح ذلك هابرماس، نظرية سياسية وقانونية [v]، فإنها تلهم بوضوح التصورات التداولية الناشئة[vi].

ساهمت الأعمال اللاحقة لراولز وهابرماس وخاصة “الليبرالية السياسية” (1993)[vii] و “القانون والديموقراطية” (1992) [viii]ــ مساهمة كاملة في تطور الديموقراطية التداولية. تحتل هذه وتلك، بالنظر إلى التأثير الكبير الذي مارستاه، موقعا خاصا في الكوكبة التداولية [ix].  إضافة إلى ذلك، ورغم أنه يقدم مفهومه للعقل العمومي بصفته عنصرًا أساسيًا لكل ديمقراطية تداولية[x]، فإن راولز لم يُعتبر دوما كمنتمٍ إلى هذا التيار.

فعلا، يتطلب العقل العمومي أن مواطني المجتمع الديمقراطي لا يقدمون، لتبرير عمومي لخيارات سياسية، إلا مبررات عمومية يعتبرونها مقبولة لدى باقي المواطنين العقلاء. تشير الديموقراطية التداولية أن النقاش العمومي يمكنه تقريب المواطنين إلى إجماع بشأن قرار مطابق للخير المشترك، يبدو أن العقل العمومي يفترض تعيينا لحدود العقلاني الذي هو شرط مسبق للتداول. هذا (التداول) هو إذن وسيلة: انه يصلح لتحقيق تصور للعدالة وليس في الأساس الأولي للشرعية السياسية: هذا بشكل خاص ما تؤاخذه ماييف كوك (Maeve Cooke) على نظرية راولز في مقالها “خمس حجج في صالح الديموقراطية التداولية” (2000)[xi].

على أي حال، أصبح اليوم شائعا تصنيف التصورات التداولية الي “نظريات راولزية” و “نظريات هابرماسية”، لكون النقاش الذي بدأ في السنوات 1990 بين راولز وهابرماس[xii]  أنشأ  انقساما بنيويا بين رؤي جوهرية ورؤي إجرائية للديموقراطية. يلوم هابرماس خاصة على نظرية راولز تقييد المسار الديموقراطي بإعطاء الأولوية للحريات الخاصة على حساب الحريات العامة، أي، حريات “الحداثيين” في مقابل “القدامى”. حقوق الأفراد الأساسية لا ينبغي أن تفهم كقيود، تحد من الخارج، سيادة الشعب بفعل تزامن نشأة الأولى والثانية. ينبغي الحفاظ على استقلال الشعب، الذي ينبغي أن يكون قادرا على  تأكيد وإثبات الحقوق الأساسية من خلال تأسيس دولة القانون الديموقراطية. تأسيس ديمقراطية لا ينبغي أن يفهم كإطار ثابت ومسبق يلزم إرادة الشعب، ولكن كـ “مشروع” يفترض تحقيقه استقلال الشعب. راولز يقدم إذن نموذجا مضمونه الجوهري محددا جدا، حيث ينبغي على الفيلسوف أن يكتفي بتوضيح الأفق الأخلاقي الملائم للإجراء الديموقراطي، دون أن يدعي، بدلا عن المواطنين “، حل كل النقاشات الأساسية التي تستهدف الشرعنة[xiii]. في إجابته على هابرماس، يؤكد راولز على العكس: إذا ما كان دستور ديموقراطية دستورية عادلا، فإن الأفراد يحققون استقلالهم بقبوله وتحقيقه فعلا. “ولا يطلب من كل جيل أن يجري كل المناقشات الأساسية التي تفضي إلى الشرعنة على أساس الاستنتاج المعقول، ولا أن ينجح في إعطاء نفسه دستوراً جديداً عادلاً […] وما المهم بصفة خاصة بالنسبة لنا أن نسعى الى أن يكون لدينا دستور عادل ومعقول ورشيد، بالرغم أن لدينا بالفعل واحداً، نفهمه جيدا ونتصرف وفقاً له[xiv]“؟ 

يقدم هابرماس معارضته لراولز ك “خصومة عائلية” ومن المحتمل أن الفجوة بينهما كان مبالغا فيها في كثير من الأحيان. هابرماس لكونه يعتبر الممارسة التداولية الواقعة في ظروف مثالية ووفق خيارات قيمية قابلة لأن تكون كونية (قرارات أخلاقية عادلة) فإنه يمكنه أن يرفض أن يقيد الإجراء الديموقراطي بمبادئ مسبقة تحمي الحريات الفردية. على العكس من ذلك فإن راولز لكونه يعتبر أن تنفيذ الدستور يتطلب على جميع المستويات بذل جهود في مجال التفسير والتكيف والتنقيح، وهو ما تتطلبه الظروف الاجتماعية، فإنه لا يفهم استقلال المواطنين كشكل كامل من أشكال التشريع الذاتي.

بيد أن تطور الأدبيات التداولية اتسم بالانقسام بين التصورات الإجرائية للديمقراطية، والتي تريد إرساء شرعية القرارات السياسية على أساس طبيعة الإجراء الذي أنتجها، والتصورات الجوهرية التي تؤسس الشرعية على توافق النتائج مع معايير جوهرية مستقلة عن الإجراء. بيد أن هذا التمييز بين التصورات الإجرائية والجوهرية هو تمييز خادع جزئيا. من جهة، كل إجراء، إلا إذا وقع اختياره اعتباطيا، يستوجب تبريرا استنادا على اعتبارات جوهرية. من جهة ثانية، قليلة هي التصورات الجوهرية التي تدعي عدم أخذها بالحسبان بتاتا طبيعة الإجراءات في تقييمها للشرعية. مع ذلك تظل المعضلة قائمة: بحمايتها الحقوق الفردية ضد تجاوزات الأغلبية، فان التصورات المسماة جوهرية تقيد استقلال الشعب، وبرفضها تقييد السلطة السيادية لهذا الأخير، فإن التصورات التي تسمى إجرائية تجازف بتعريض الحريات الأساسية للخطر[xv].

 

  1. التصورات الإجرائية والتصورات الجوهرية

سواء انخرطوا في الخط الهابرماسي، كسايلا بنحبيب (Seyla Benhabib)، أو الراولزي، كأمي قوتمان (Amy Gutmann) ودونيز تومسون (Dennis Thompson)، أو ايضا من يسعون الي الجمع بين هذين التصورين كيوشع كوهين (Joshua Cohen)، فإن «المؤيدين للتداول ” يعودون حتما إلى ضرورة، ولكن أيضا صعوبة، تجاوز الانقسام بين الرؤية الإجرائية والرؤية الجوهرية.

سايلا بنحبيب تنقد مثل جون جاك روسو الأعلى للعقل العمومي والذي يبدو مجال تحققه محدودا جدا بالنسبة لها: العقل العمومي لا يقع تقديمه من طرف راولز كمسار للحجاج بين المواطنين، ولكن كمبدأ منظم يفرض حدوده على الطريقة التي ينبغي على الأفراد التفكير بها، عموميا، حول الأسئلة الدستورية والعدالة الأساسية. مضايف لذلك، فان راولز يعين حدود المجال العام بطريقة تبدو لها صارمة جدا[xvi]، في حين أن نموذجا تداوليا ينبغي أن يسهل نقاشا حرا حول حدود المجال العام والمجال الخاص.

تتصور بنحبيب الديموقراطية التداولية أساسا كإجرائية: لا حد مسبق ينبغي أن يفرض على الإجراءات التداولية التي تمكن من الوصول الى قرارات جماعية، لأن لهذه الإجراءات وظيفة توسيع المعرفة الاجتماعية (وإبرازها لمعلومات جديدة). واقع التنوع القيمي يجعل العقلانية الديموقراطية في مواجهة تحدي: كيف يمكن التوصل إلى اتفاق حول الخير المشترك؟ هكذا اتفاق لا يمكن أن يرتكز على اعتقادات جوهرية ثابتة مسبقة ولكن ينبغي أن ينبجس من المسارات التداولية، التي تسمح أيضا بتعديل أفضل للمصالح المتصارعة. المقاربة الإجرائية لبنحبيب تأخذ بعين الاعتبار واقع أنه لا يمكن لأي مجتمع أن يحسم شؤونه العامة بالاستناد على صورة متخيلة لشعب مجتمع (peuple assemblé). التداول لا يمكن أن يكون في مجاميع كبيرة الحجم جدا، ينبغي التخلي عن الديموقراطية المباشرة، والإقرار بتعدد مواقع التداول، خاصة الجمعياتية، واعتماد مقاربة تعددية للفضاء العمومي.

تمشي نبحبيب المستلهم من هابرماس، يمثل نموذجا للأفق الإجرائي وهو يصطدم باعتراضات معرفية وعملية. ما الذي يسمح، بالفعل، بإقرار أن الإجراءات التداولية المنصفة تنتج قرارات أكثر صدقا أو   أكثر عدالة (بمعنى إقرار أنها أكثر نجاعة من وجهة نظر معرفية)؟ كيف يمكن ضمان أن هذه القرارات تحترم الحقوق الأساسية للأفراد؟  من جهة ثانية أن تستند شرعية القرارات الى الفضائل المعرفية للإجراءات، يؤدي إلى استنادها على معيار جوهري خارجا عنها (مثل الحقيقة الفعلية أو الصلاحية الأخلاقية).  وإذا أمكن الاتفاق على الإجراءات التي تحقق المعيار المعتبر على أفضل وجه، لماذا يكون من غير الممكن استعمال نفس المعيار لتقييم مضمون القرارات الناتجة عنها؟ لماذا، بعبارة أخرى، لا يقع التخلي عن التصور الإجرائي؟ النظريات مثل نظرية بنحبيب تواجه إذن معضلة: ينطوي إثبات قدرة التداول على إنتاج قرارات أفضل، على التدليل على هذه القدرة من خلال تعبئة معيار جوهري يمكن أن ينجر عنه   نفي إجرائية الديموقراطية التداولية، ولكن الحفاظ على طابعها الإجرائي والتخلي عن نسبة هذه القدرة لها، يؤدي إلى القبول بأن الديموقراطية التداولية تضع موضع الخطر الحريات الفردية الأساسية.

تجنب الاعتراض المعرفي يؤدي إلى مواجهة الاعتراض العملي. بعض الكتاب يعتبرون من البديهي و الواضح أن الحقوق الأساسية يتم إنشاؤها وتأسيسها بشكل مستقل عن العملية الديمقراطية[xvii]، التي لها مهمة تنظيمها. وهم يؤكدون بالإضافة إلى ذلك، على شاكلة بروس أكرمان(Bruce Ackerman)[xviii] ، أنه إذا كان الاعتراف بقيمة الحقوق الأساسية يعتمد على العملية الديمقراطية، فسينشأ خطر التشكيك فيها. يقترح ستيفان هولمز (Stephen Holmes) إمكانية إدخال شروط الإبطال أو الصمت (قواعد العقوبات) (gag rules) المفروضة على المحادثة العامة بشأن بعض القضايا الخلافية[xix] ــ يلمحون على سبيل المثال الى فرض شروط تمنع الاحتجاج بأطروحات إنكار المحرقة. إنها مسألة «إقفال» النقاش العام حول بعض القضايا من أجل تجنب تعريض بعض الحقوق والحريات للخطر.

يشير المدافعون عن الاجرائية الصارمة عموما إلى أن الحقوق الأساسية محمية في الديمقراطية باعتبارها من الشروط اللازمة للتداول العام: فعلى سبيل المثال، فإن الحق في حرية التعبير مطلوب كشرط للديمقراطية التداولية، ولذلك فهو محمي منطقيا من إمكانية أن تشكك الأغلبية فيه. المشكلة هي أن كل الحقوق التي تعتبر أساسية لا يمكن أن تكون بهذه الحرمة: فمن غير السهل أن نثبت على سبيل المثال أن الحق في الخصوصية شرط مطلوب من قِبَل التداول.

عدم كفاية هذا الدفاع عن الحقوق والذي كانت قد تبنته في البداية النزعة الإجرائية[xx]، هو ما دفع يوشا كوهن إلى إعادة صياغة تصوره للديموقراطية التداولية بربطها بمفصل فكرة العقل العمومي المأخوذة من راولز. بداية من السنوات 1990 جعل حماية الحقوق والحريات تعتمد على “مبدأ الإدماج التداولي” الذي يقيد التداول: عند التداول، فان المواطنين لا يقدمون إلا “الاعتبارات التي يمتلك الآخرون أسبابا لقبولها، نظرا لواقع التعددية المعقولة وافتراض أن الآخرين عقلاء”[xxi].   

كما هو الشأن عند راولز، القيد الذي يشترط أن المؤسسات والبرامج السياسية لا يمكن الدفاع عنها، في سياق تعددي، إلا عبر مبررات مقبولة من طرف كل المواطنين العقلاء، يضمن أن لا إجراء، ينتهك الحقوق الأساسية للبعض، يمكن الدفاع عنه وبالتالي قبوله. ولكن مثلما هو الشأن عند هابرماس، لا يوجد أي قيمة خارج فكرة الديموقراطية (المتجسدة في الإجراءات التداولية) يمكنها أن تحكم على القرارات الفعلية. فعلا، لا يسند كوهين تعريف “العقلاني” على تصور للعدالة، ولكن على فكرة الديموقراطية التداولية نفسها: العقلاني هو ما هو ملائم مع الالتزام بالمشاركة في مجموعة تحكم نفسها بنفسها عبر التداول العمومي.

يؤكد كوهين أن هذا التصور الذي يقيد الإجراءات التداولية الفعلية بمعيار للعقلاني نابع من فكرة الديموقراطية التداولية (التي تعبر عنها هذه الإجراءات) هو في الوقت نفسه إجرائي وجوهري. لكن هذه المحاولة للمصالحة هي محاولة إشكالية. إذا كان من الممكن مسبقا وبدقة تحديد أي الاسباب او القرارات تلائما مع فكرة الديموقراطية التداولية، وهي بالتالي مقبولة من الجميع، يفقد اللجوء إلى التداول الفعلي أهميته: لماذا لا يقع الاكتفاء بتقييم على المستوى النظري (الفكري مائل) لمدي تطابق المقترحات مع هذا المثل (الأعلى)؟  وإذا كان هذا، على العكس من ذلك، مستحيلا، فإن معيار «معقول» ليس عمليا: فهو لا يسمح بتمييز بعض نتائج التداول الفعلية على أنها غير معقولة. كوهن يؤكد أن مبدأ الإدماج التداولي لا يسمح فقط بإقصاء مقترحات ضد الديموقراطية صراحة (إجراءات لتقنين العبودية مثلا) ولكن أيضا تمكن من حماية الحرية الدينية أو حرية التعبير الفنية والتي ما كان من الممكن حمايتها عند اعتبارها من المتطلبات المسبقة للتداول.

أمر غير مقبول المساس، على سبيل المثال، قدرة المواطنين على الوفاء بالالتزامات الدينية أو الرغبات الفنية التي يعتبرونه ضرورة حتمية لأسباب لا تشكل ضرورة حتمية. ولكن المشكلة هي أن الخلاف بين المدافعين عن هذه الحريات ومنتقدي هذه الحريات يستند على وجه التحديد إلى تقييمات مختلفة لما هو حتمي (على سبيل المثال الحق في استكشاف الطبيعة الجنسية للإنسان من خلال الفن بالنسبة للبعض، والحق في حماية المجتمع من التأثير الضار الذي قد تثيره المواد الإباحية على الآخرين). ليس معيار المعقولية، بل الحكم على قيمة المطالبات المعنية هو الذي يسمح بتسوية النزاع بطريقة أو بأخرى.  الربط المفصلي بين الديموقراطية التداولية والعقل العمومي يبدو انه يؤدي الى تحييد إما الأولي او الثانية[xxii].

شكل أخر من الربط المفصلي بين هذين التصورين، وبالتالي المصالحة بين الرؤية الإجرائية والرؤية الجوهرية يقترحه كل من أمي قوتمان ودنيس تومسن في “الديموقراطية والخلاف”[xxiii]. بملاحظة أن الصراعات الأخلاقية تؤدي إلى خلافات سياسية عميقة، وهما لا يتصوران الديموقراطية التداولية نظرية من الدرجة الأولى (التي قد تطمح إلى حل الصراعات الأخلاقية[xxiv])، بل نظرية من الدرجة الثانية (التي تبحث عن أرضية مشتركة سياسية بين نظريات ومذاهب الصف الأول دون ادعاء حل النزاعات الأخلاقية). عند معالجة مشكل الخلاف الأخلاقي، تميل المقاربات الجوهرية والاجرائية إما إلى   تكرار خلاف الدرجة الأولى أو حلها بطريقة تنتهك بعض مبادئ الدرجة الأولى الهامة. إن النموذج التداولي لغوتمان وتومبسون هو نظرية من الدرجة الثانية (وبالتالي لا ترفض بشكل مباشر النهج الإجرائي والجوهري) ذات مضمون جوهري (تسمح لها بانتقاد النتائج الصحيحة إجرائياً) مقدمة باعتبارها مؤقتة قابلة للتنقيح. وبدلاً من إرساء المبادئ المؤسسة، فإن هذا النموذج الديناميكي يؤسس لتطور المبادئ الثلاثة التي توفر المضمون الجوهري للديمقراطية التداولية بمرور الوقت. وهذه (الحرية الأساسية، والفرصة الأساسية، والفرصة العادلة) مستمدة من المبدأ الأساسي المتمثل في المعاملة بالمثل، وهو ما يعني ضمناً أن المواطنين مدينون لبعضهم البعض بتبرير المؤسسات، القوانين والسياسية التي يلتزمون بها جماعيا. إن مبدأ المعاملة بالمثل يشكل الأساس “لاقتصاد معقول من الاختلاف”. فالخصوم المتعارضين في صراع أخلاقي من الممكن أن يستمروا في السعي إلى الحصول على شروط عادلة للتعاون من خلال الحد من رفضهم للمواقف التي يعارضونها: “لا ينبغي للناشطة المناصرة للحياة أن تحرم المرأة التي لديها إجهاض من الحصول على رعاية طبية أساسية بديلة. ولا ينبغي لأحد الناشطين المؤيدين للاختيار أن يحرم الناشطين الآخرين المناصرين للحياة من الحق في التحدث بصراحة ضد الإجهاض، ولو كان ذلك أمام عيادة الإجهاض[xxv]“.

 

مبدأ المعاملة بالمثل يقتضي أن يأخذ المواطنون على محمل الجد الأسباب التي يقدمها خصومهم، وهذا “يعني أنه، على الأقل بالنسبة لمجموعة معينة من الآراء المتنازع عليها، يجب أن نعترف بإمكانية أن يثبت أحد هذه المواقف صحته في المستقبل”[xxvi].  ولهذا السبب فإن المبادئ الثلاثة مؤقتة أخلاقياً وسياسيا: رغم ضم قتمان وطومسون في نظريتهما فكرة راولز عن المعقولية (والضمانات الجوهرية المصاحبة لها) فإنهما يعرضان هذه الحدود باعتبارها مؤقتة وقابلة للتنقيح. غير أن هذا الحل هو استمرار للصعوبة التي يواجهها  كل من بنحبيب أو كوهين ولكن بشكل آخر. وإذا لم توضع ضمانات للحد من تنقيح المبادئ الثلاثة المستمدة من المعاملة بالمثل، فإن المداولات الفعالة يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى التضحية بالحقوق التي تنتج عليها. وإذا كانت بعض التنقيحات غير مقبولة، فإن التداول لا يستخدم إلا لتفسير أو توضيح المبادئ الجوهرية التي اعتمدت سلفا. التوتر بين الاجراء والجوهر ما يزال قائما في الديموقراطية التداولية.

 

  • 3 ــ المقاربة المعرفية

المقاربات الإجرائية ولكي تدفع عن نفسها وضع الحقوق الفردية موضع الخطر، تجد نفسها مدفوعة الى الاستناد على النجاعة المعرفية للإجراء التداولي.، طرح أن القرارات الفعلية المنتجة شرعية بسبب أن النقاش العام المبرر بشأن مزايا الخيارات السياسية يؤدي إلى إنتاج قرارات جيدة. هذه الأطروحة استنكرها مؤلفون مثل جيرالد قوس( Gerald Gaus)[xxvii]  وتوماس كريستيانو( Thomas Christiano)[xxviii]. في سياق التعددية القيمية، فإن شرعية الإجراءات التداولية لا تعتمد على قدرتها على إصدار أحكام صحيحة، ولكن فقط على الاحترام (المتبادل) المتساوي الذي تبرزه أو الذي تشجع عليه. هؤلاء الكتاب يدافعون عن إجرائية الإنصاف. رغم أن إجراءات التداول قد تؤدي في بعض الأحيان أو في كثير من الأحيان إلى قرارات جيدة، فإن قيمتها الحقيقية هي أنها تعامل كل المواطنين معاملة عادلة.

ولكن ليس من المؤكد أن مثل هذا المنظور كاف لتبين المؤسسات الديمقراطية، سواء كانت هذه المؤسسات تستخدم التداول أو حتى قاعدة تصويت الأغلبية. ولاحظ ديفيد إستلوند (David Estlund) أنه إذا كان الإنصاف هو القيمة الوحيدة التي ينبغي اعتبارها، فمن المقبول أن يتخذ القرار عن طريق قلب العملة، أو عن طريق سحب ورقة اقتراع بين كل من يدلون بها، كما هو الحال من خلال التداول أو التصويت. لا يمكن أن يستند الدفاع عن قاعدة الأغلبية إلى إجراء “منصف” فحسب، بل يفترض أيضاً الأخذ بعين الاعتبار لتفضيلات الناخبين. غير أن هذا اعتبار يحيل إلى معيار جوهري في حده الأدنى لتقييم نتائج الإجراءات. “الإجرائية المعرفية لايسللوند تريد توضيح هذا المعيار، بتفسير لماذا يكون قرارا عموميا مطلعا  informée والذي يفضي إلى تصويت هو أفضل من القرعة. 

 

كان يوشا كوهين[xxix] قد دافع عن فكرة تصور “معرفي” للديموقراطية. ولدحض نقد ريكر للتصورات “الشعبوية” للديموقراطية، المسؤولة بحسبه عن الاعتقاد بأن التصويت يعبر عن إرادة الشعب التي لا وجود لها في الواقع ”[xxx]،  يؤكد كوهن أن هذه النظريات، بعيدة عن النظر إلى التصويت باعتباره تعبيرا عن إرادة موجودة مسبقا، يقع تصوره كجهد جماعي (وقابل للخطأ) للكشف عن الإرادة العامة. هذه التصورات المعرفية للديموقراطية (والتي تمثل فلسفة روسو في نظر كوهين المثل الأكثر اكتمالا لها) يؤولون التصويت كفعل معرفي ويقدمون اتخاذ القرار كمسار لتعديل الاعتقادات. الإرادة العامة هي مثل لمعيار جوهري يسمح لنظرية معرفية لإثبات قيمة النتيجة المتحصل عليها عبر هذا المسار.

النزعة الإجرائية المعرفية لاستلوند تندرج ضمن هذا الأفق. تضل إجرائية حيث إنها تمنح سلطة للقرارات الديموقراطية بموجب نزوع الإجراءات التداولية لإنتاج نتائج جيدة وليس نتيجة «الصحة” الفعلية لهذه القرارات.  هذا التوجه ينبثق بصفة خاصة من الطريقة التي يمكن بها للتداول، بالنسبة لمن يشاركون فيها، من توضيح ذاتي للمنظورات المطروحة. لكن إجرائية استلوند معرفية لكونها تنطلق من فكرة أن التبرير السياسي ينبغي أن يعتمد، أقله جزئيا، على الصلاحية الجوهرية للقرارات الديموقراطية. القوانين الديموقراطية هي إذن، حسب استلوند، شرعية وتمتلك سلطة لكونها نتاج إجراءات ذات نزعة الى بلوغ قرارات جيدة. وبينما يؤكد على الحاجة إلى تقييم القرارات الديمقراطية بالرجوع إلى معايير مستقلة عن الإجراءات الفعلية، فإنه يريد أيضاً تجنب مزالق النظريات التي تماهي بين الشرعية والصلاحية. النظريات التي لا تعترف إلا بشرعية القرارات التي هي جوهريا عادلة (كتلك التي لأفلاطون، روسو، كوندورسيه وج س ميل، ولكن أيضا جزئيا كوهين) قد تؤدي الى شكل من الابستوكراسي (épistocratie) أي حكم الخبراء. نظريات “التصحيح” تواجه بالإضافة إلى ذلك مشكل الإذعان (déférence): وإذا تقبل الناخبون نظرية التصحيح، فيتعين عليهم أن يقبلوا أن حكمهم خاطئ، عندما يكونوا هم أقلية. ولا يمكن فرض هذا الشرط، الذي يتعارض مع احترام آراء الأقليات، بصورة معقولة على الناخبين.

ولكن النزعة الإجرائية المعتدلة التي يسعى استلوند من خلالها إلى إيجاد التوازن بين الإنصاف والصلاحية المعرفية، لا تتوافق مع الاعتراض المستمر من جانب جوس وكريستيانو: كيف يمكن أن نتفق على تحديد معايير مستقلة لتقييم نتائج الإجراءات الديمقراطية في سياق تعددية القيم الأخلاقية والسياسية؟

 

  • 4 ــ المقاربة البراغماتية

في مواجهة “تناقضات العقل العمومي”[xxxi]، اقترح البرجماتيون المعاصرون مثل هنري ريتشاردسون ( Henry Richardson) وجيمس بوهمان (James Bohman ) بديلا يختلف عن كل من الإجرائية الهابرماسية والمثالية البنائية الراولزية. رفضا لاعتماد وجهة نظر معيارية بحتة، يتبنون منظورا مساريا حول التداول: فهم يريدون تنوير المسارات الملموسة بفهمها كعمل جماعي موجه نحو التعاون من أجل حل المشاكل المحددة التي تفرض على الجمهور. يريد ريتشاردون، في مواصلة لـ جون ديوي، استعادة البعد اللا ــ أداتي للتفكير العملي في الغايات. ولهذا السبب، يفكر في التداول الديمقراطي من حيث النوايا الجماعية: فبدلاً من التركيز على التبرير العام فحسب، لابد من توجيه الاهتمام إلى عمليات التكيف والتنسيق الملموسة الفاعلة في إطار التداول. من خلال الربط المفصلي للنظرية التداولية بأفكار الأنطولوجيا الاجتماعية حول الممارسة الجماعية، تهدف هذه المقاربة الى استعادة جانب التوافق الذي يغطي المسار التداولي الجماعي: هذا الأخير ينبغي أن يفكر فيه كتشكل جماعي لتوجه ما، بدلا عن التفكير فيه انطلاقا من مقولات الآراء والتفضيلات فقط.  بهذا يمكن استعادة بعده العملي والديناميكي[xxxii].

إن فهم التداول باعتبارها عمل جماعي وتعاوني يسمح لبوهمان وريتشاردسون بتبني مقاربة سياقية للنقاش العام. انبثاق التداول يقع إرجاعه الى قطيعة أو الى خطر انقطاع التعاون ومعيار نجاحه هو استعادة التعاون. على خلاف المقاربات الإجرائية التي تعتبر عادة الاتفاق كمعيار نجاح، فإن المقاربة البراغماتية تقترح معيارا أكثر “تواضعا” و” واقعي” لنجاح التداول. يقع التركيز على التعاون وهو ما يمكن من تجنب مشكل الحافز الذي تواجهه التصورات الاجرائية، والتي يصعب عليها تفسيره: لماذا ينبغي للمواطنين، كما يؤكدون، أن يشعروا بالالتزام بنتائج التداول.

إذا كان نجاح التداول محددا بالأحرى بنزعات مواصلة التعاون، فيكفي أن المبررات العامة مقنعة بالقدر الكافي لحفز مواصلة التعاون.

وعلى هذا فإن بوهمان يقترح أن يُنظَر إلى الديموقراطية التداولية باعتبارها “وسيلة خاصة لتنظيم ومأسسة البحث متعدد المنظورات”[xxxiii]. يقترح في برنامجه لامركزية الديموقراطية التداولية: ينبغي القطع مع فكرة مفادها أن هدفها يكمن في السماح لكل المواطنين باتخاذ القرار بشأن إدارة الشؤون العامة من خلال العمل بالإرادة الجماعية: ” بدلا عن ذلك، مفهوم الديموس ذاته يصبح لا مركزيا ويعوض بجمهور يتشكل حول “وضعية اشكالية”[xxxiv]. لهذه المقاربة للتداول الديموقراطي كتجريب (expérimentation) ميزة، في نظره، استعادة البعد البنائي للمسار الديموقراطي، ولكن ايضا الاخذ بعين الاعتبار بشكل أفضل للظروف الفعلية للتداول العمومي.

هكذا يقترح بوهمان مقاربة “حوارية” للتداول[xxxv] للرؤية الخطابية لهابرماس، باستهداف عقلانية ضيقة لرؤية ترجع عقلانية تداول العام الى منطق حجاجي مرتبط بمعايير الخطابات القانونية والعلمية.

المقاربة الحوارية تتجنب مأزق العقلانية المفرطة بتوسيع فكرة السياسة التداولية لتشمل نطاقا واسعا من الممارسات، كصياغة أهداف جماعية ومتابعتها، اتخاذ قرارات عامة حول الوسائل والغايات، حل صراع المصالح والمبادئ، حل المشاكل المنبثقة من سير الحياة الاجتماعية. بوهمان يعارض بمقاربته المنظور الراولزي، الذي يأخذ عليه اعتماده استراتيجية تجنب مواجهة الصراعات الثقافية الأكثر جذرية. في مقاله ” العقل العمومي والتعددية الثقافية” 1995[xxxvi] يرى أن الحل العمومي لأعمق الصراعات لا يمكن تصوره إلا إذا نقحت الليبرالية السياسية الراولزية وفقا لمحورين: بتطوير تصور سياسي للعدالة يكون أكثر دينامية وبجعل فكرة العقل العمومي تعددية.

تم نقد هذه التمشي المستلهم من جون دوي من قبل براغماتيين آخرين يفضلون نموذجا متأثرا بشارل سندرس بيرس. إذ أكد شيريل ميزاك ( Cheryl Misak) وروبرت تاليس (Robert Talisse ) أن تصور البحث التداولي الذي وضعه هذا الأخير يؤدي إلى إعادة التفكير في الديموقراطية التداولية. وطبقاً لميساك[xxxvii] فإن فكرة بيرس عن المنهج العلمى يمكن ربطها مفصليا بمثل أعلى سياسي ديموقراطي. ووفقاً لبيرس، فإن الاعتقاد الحقيقي هو الاعتقاد الذي يصمد أمام اختبار التحقيق في أن يتوافق بشكل أفضل مع التجربة والتفكير المعلل.

 يجب أن تضمن المنهجية العلمية أخذ جميع أشكال التجربة في الاعتبار. وإذا أريد التوصل إلى الحقيقة أثناء البحث، يجب تأمين التبادل الحر، ومقارنة التجارب والأفكار. ينبغي أن يضمن التداول أن نحصل على جواب للأسئلة التي نطرحها. من جهته يؤكد تاليس[xxxviii] أن نموذج بيرس يفضي الي نوع من “الإتقان المعرفي”. في نظره يشكل هذا سند حماية جوهرية للديموقراطية، بما انه يحث على الاعتقاد أن الممارسات الديموقراطية تشجع على نكون بعض الاستعدادات المعرفية لدى المواطنين. هذا المنظور الذي يمكن نعته بالإتقانى بما انه يثمن الخير المعرفي الذي يشكله بحث ملائم[xxxix]، يرفض أن يكون هذا موضوع تقييد مسبق (ex ante) كما تقترحه النزعة الحيادية الليبرالية.

لكن تاليس يعتقد أن “الإتقان المعرفي” المستلهم من بيرس قادر بشكل أفضل على الاستجابة لحقيقة التعددية المعقولة من مقاربات جون دوي للديمقراطية[xl]، والتي تأخذ في الاعتبار الافتراضات الأساسية لمفهوم البحث الذي صاغه ديوي[xli]. إنه يؤكد على العكس على خاصية “الحد الأدنى” لفكرة البحث عند بيرس: على خلاف براغماتية ديوي، فإن براغماتية بيرس لا تقترح مثل أعلى أخلاقي للمجتمع، ولكن تحليلا للممارسات المعرفية الأكثر ملاءمة بصرف النظر عن المثل الأعلى الأخلاقي الذي يقع التمسك به. في هذا المعنى، فإن الأول (بيرس) هو تداولي أكثر أصالة من الثاني (ديوي) حسب تاليس: انه (بيرس) يطرح رؤية معيارية للديموقراطية على مستوى معرفي حصريا دون أن يحدد مسبقا نوع الإجابات الملائمة في حال الخلاف الأخلاقي. لم يكن أمله أن يروج لمثل أعلى إيتيقي معين، ولكن شكل من “المسؤولية” المعرفية.

النقاش المتواصل[xlii] بين مناصري مقاربة ديوي ومناصري مقاربة بيرس يكشف عن الصعوبات التي يواجهونها لتجاوز تناقضات العقل العمومي فعليا[xliii]. المقاربة البراغماتية للديموقراطية التداولية تصطدم بنقس الصعوبات التي تواجهها التصورات المستلهمة من هابرماس او راولز.

 

 


الهوامش (الديموقراطية التداولية):

[i] La démocratie délibérative Anthologie de textes fondamentaux Recueil édité par Charles Girard et Alice Le Goff, Paris, Ed Hermann, 2010 p.31 – 52

الديموقراطية التداولية: مختارات من النصوص الأساسية، تحت إشراف شارل جيرار وأليس لغوف، باريس، منشورات هرمان 2010 من الصفحة 31 الى الصفحة 52

[ii] John Rawls, Théorie de la justice, trad. C. Audard, Paris, Seuil, 1987.

[iii] Voir Cohen, « Délibération et légitimité démocratique », ce volume, p. 209-215.

[iv] Jürgen Habermas, Théorie de l’agir communicationnel, trad. Jean-Marc Ferry, Paris, Fayard, 1987.

[v] أنظر Maeve Cooke, « Cinq arguments en faveur de la démo­cratie délibérative », ce volume, p. 344-347.

[vi] يوشع كوهن يفسر التشابه الظاهر بين المقالات الأولى المخصصة للديموقراية التداولية  (خاصة  مقالات ألستر ، مانين  وكوهن) بالتأثر المشترك بنظرية الفعل التواصلي لهابرماس  (انظر هذا المجلد, p. 216).

[vii] John Rawls, « La raison publique », in Libéralisme politique, trad. C. Audard, Paris, PUF, 2001, p. 259-306.

[viii] Jürgen Habermas, Droit et démocratie. Entre faits et normes, trad. R.  Rochlitz et C. Bouhchindhomme, Paris, Gallimard, 1997. أنظر أيضا  Jürgen Habermas, « Trois modèles normatifs de la démocratie », in L’intégration républicaine. Essais de théorie politique, trad. R. Rochlitz, Paris, Fayard, 1998, p. 259-274 ; « Au-delà du libéralisme et du républicanisme, la démocratie délibérative », trad. S. Chavel, Raison publique, 1, 2003, p. 40-57.

[ix] لا تخصص هذه المقدمة الا مجالا محدودا لكتابات لراولز وهابرماس بالنظر الى كونهما قد تم التعليق عليهما بإستفاضة في الفرنسية، أنظر:

Yves Sintomer, La démo­cratie impossible. Politique et modernité chez Weber et Habermas, Paris, La Découverte, 1999 ; Catherine Audard, Qu’est-ce que le libéralisme ? Ethique, politique, société, Paris, Gallimard, 2009, chapitre 10. Découverte, 2006, p. 168.

[x] John Rawls, « L’idée de raison publique reconsidérée »,
in John Rawls, Paix et démocratie, trad. B. Guillarme, Paris, La Découverte, 2006, p. 168

[xi] Cooke, « Cinq arguments en faveur de la démocratie déli­bérative », ce volume, p. 354-376. Voir aussi Charles Girard, « Raison publique rawlsienne et démocratie délibérative. Deux conceptions inconciliables de la légitimité ? », Raisons politiques, 34, mai 2009, p. 73-99.

[xii] Jürgen Habermas et John Rawls, Débat sur la justice politique, trad. R. Rochlitz et C. Audard, Paris, Le Cerf, 1997.

[xiii] Ibid., p. 42.

[xiv] Ibid., p. 94-95.

[xv] لتحليل للنقاش عن  العلاقة بين الإجراء و الحوهر في نظرية الديموقراطية، انظر Corey Brettschneider, Les droits du peuple. Valeurs de la démocratie, trad. Y. Meinard, Paris, Hermann, 2009

[xvi] Seyla Benhabib, « Toward a deliberative model of demo- cratic legitimacy », in S. Benhabib (dir.), Democracy and Difference. Contesting the Boundaries of the Political, Princeton, Princeton University Press, 1996, p. 74-77.

[xvii] Amy Gutmann et Dennis Thompson, Democracy and Disagreement, Cambridge, The Belknap Press of Harvard University Press, 1996, p. 17. Pour un résumé des critiques adressées à l’optique procéduraliste, voir Dominique Leydet, « Introduction », Philosophiques, 29(2), 2002, p. 179.

[xviii] Bruce Ackerman, Social Justice in the Liberal State, New Haven, Yale University Press, 1980.

[xix] Stephen Holmes, « Gag Rules or the Politics of Omission », in J. Elster et R. Slagstad (dir.), Constitutionalism and Democracy, Cambridge, Cambridge University Press, 1988, p. 19-58.

[xx] Cohen, « Délibération et légitimité démocratique », هذا المجلد, p. 232-236.

[xxi] Joshua Cohen, « Procedure and Substance in Deliberative Democracy », in S. Benhabib (dir.), Democracy and Difference, p. 100. Voir aussi une version augmentée de ce texte : Joshua Cohen, « Democracy and Liberty » in J. Elster (dir.), Deliberative Democracy, p. 185-223.

[xxii] Voir Charles Girard, « Raison publique rawlsienne et démo­cratie délibérative. Deux conceptions inconciliables de la légiti­mité ? », p. 93-96.

[xxiii] Gutmann et Thompson, Democracy and Disagreement

[xxiv] في هذا المعني، المقاربات الجوهرية كالنزعة الليبرالية والنزعة المجتمعية و النزعة النفعية هي نظريات من الصف الأول: هذه النظريات عي في تقدير قوتمان وتومسن علامات اختلاف أخلاقي بدل ان تكون حولا حفيفية.

[xxv] Gutmann et Thompson, Democracy and Disagreement, p. 202.

[xxvi] Ibid., p. 205

[xxvii] Gerald F. Gaus, « Reason, justification and consensus. Why democracy can’t have it all ? », in J. Bohman et W. Rehg (dir.), Deliberative Democracy. Essays on Reason and Politics, Cambridge, The MIT Press, 1997, p. 204-242.

[xxviii] Thomas Christiano, « The significance of public deliberation », in J. Bohman et W. Rehg (dir.), Deliberative Democracy, p. 243-277.

[xxix] Joshua Cohen, « An Epistemic Conception of Democracy », Ethics, 97(1), 1986, p. 26-38.

[xxx] أنظر supra, p. 17

[xxxi] Bohman, « The Coming of Age of Deliberative Democracy ».

[xxxii] Henry Richardson, « Democratic Intentions », in J. Bohman et W. Rehg (dir.), Deliberative Democracy, p. 349-382.

[xxxiii] James Bohman, « Réaliser la démocratie délibérative comme mode d’enquête : le pragmatisme, les faits sociaux et la théorie normative », trad. C. Girard, Tracés, 15, 2008, p. n4 [en ligne].

[xxxiv] Ibid., p. n5

[xxxv] James Bohman, Public Deliberation. Pluralism, Complexity and Democracy, Cambridge, MIT Press, 1996.

[xxxvi] James Bohman, « Raison publique et pluralisme culturel. Le libéralisme politique et la question des conflits moraux », ce volume, p. 247

[xxxvii] Cheryl J. Misak, Truth, Politics, Morality. Pragmatism and Deliberation, Londres, Routledge, 2000

[xxxviii] Robert B. Talisse, A Pragmatist Philosophy of Democracy, New York, Routledge, 2007 ; Democracy After Liberalism, New York, Routledge, 2005.

[xxxix] Talisse, A Pragmatist Philosophy of Democracy, p. 66-75

[xl] يؤاخذ تاليس خاصة على  à W. Caspary et D. Savage, كتاب أعمال تأليفية عن دوي, أقصائهم لمسألة التعددية أنظر William R. Caspary, Dewey on Democracy, Ithaca, Cornell University Press, 2000 ; Daniel M. Savage, John Dewey’s Liberalism, Carbondale, Southern Illinois University Press, 2002

. وايضا  شموليتعا وتصورها الداروني للتجربة لتصوره الابستيمولوجي البنائي. Voir Talisse, A Pragmatist Philosophy of Democracy, p. 88.

[xli] صياغة دوي لمفهوم البحث تفترض مسبقا جسب تاليس الطبيعانية التجريبية لدوي في شمولها لتصوره الدارويني للتجربة في ابستيمولوجيته البنائية أنظر Talisse, A Pragmatist Philosophy of Democracy, p. 88

[xlii] لخلاصة، انظر Matthew I. Festenstein, « Deliberative Democracy and Two Models of Pragmatism », European Journal of Social Theory, 7(3), 2004, p. 291-306.

[xliii] حول هذه النقاشات وما تضيفه المقاربة البرغماتية، انظر, voir Alice Le Goff, Démocratie délibérative et démocratie de contestation : Repenser l’engagement civique entre républicanisme et théorie critique, thèse soutenue le 28 avril 2009 à l’Université de Paris Ouest-Nanterre (en particulier la deuxième partie).