الكاتب | ديفيد هيلدبراند |
ترجمة | ناصر الحلواني |
مراجعة | سيرين الحاج حسين |
تحميل | نسخة PDF |
حول الفيلسوف الأمريكي جون ديوي وفلسفته في الأفعال والعادات، والإحساس والعقل والوعي، والخبرة الميتافيزيقية؛ نص مترجم للـد. ديفيد هيلدبراند، والمنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التعديل منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.
يُعدّ جون ديوي (1859- 1952) من أوائل مؤسسي الفكر البراجماتي الأميركي، إلى جانب تشارلز ساندرز بيرس، وويليام جيمس، ويمكن القول بأنه أبرز المفكرين الأميركيين في النصف الأول من القرن العشرين. انتشرت نظريات وتجارب ديوي التربوية على نطاق عالمي، وكان لنظرياته النفسية تأثيرها الكبير في علم النفس الناشئ، وكان لكتاباته حول النظرية الديمقراطية والممارسة الديمقراطية تأثير بالغ في المناقشات الدائرة في الأوساط الأكاديمية والعملية لعقود من الزمان. بالإضافة إلى ذلك، طوّر جون ديوي وجهات نظر واسعة النطاق ومنهجية، في كثير من الأحيان، في الأخلاق، والمعرفة، والمنطق، والميتافيزيقا، وعلم الجمال، وفلسفة الدين. لأن ديوي عادة ما يتخذ نهج الترابط السلالي genealogical الذي وضع وجهة نظره الخاصة ضمن التاريخ الأكبر للفلسفة، يمكن للمرء أيضا أن يجد تطويرا كاملا للميتافلسفة في عمله.
قد يُفهَم المذهب البراجماتي لـ جون ديوي ـ أو “المذهب الثقافي الطبيعي “، وهو الاصطلاح الذي فضله على “البراجماتية” و”الأداتىة (أو) الذرائعية” ـ باعتباره انتقاداً، وإعادة بناء للفلسفة، في إطار النطاق الأكبر للنظرة الداروينية للعالم (Lamont 1961; MW4: 3). باتباعه خطى ويليام جيمس، زعم جون ديوي أن الفلسفة تحولت إلى نظام فني وفكري مغالَى فيه، وأنها ابتعدت عن تقدير الظروف الاجتماعية، والقيم التي تهيمن على الحياة اليومية (FAE, LW5: 157-58). وسعى إلى إعادة ربط الفلسفة بمهمة التعليم من أجل الحياة (الفلسفة باعتبارها “النظرية العامة للتربية”)، في شكل من أشكال النقد الاجتماعي، أو “نقد النقد”، بأعمِّ مستوياته، (EN,LW1: 298; see also DE,MW9:338).
في إطار الصورة الأكبر لنظرية دارون التطورية، يجب النظر إلى الفلسفة على أنها نشاط تطّلع به الكائنات الحية المترابطة داخل بيئاتها. أدت وجهة النظر هذه حول التكيف النشط، لانتقاد جون ديوي نزوع الفلسفات التقليدية إلى الاصطلاحات المجردة والتجسيدية المستمدة من السياقات الحية. وكما فعل براجماتيون كلاسيكيون آخرون، ركز جون ديوي نقده على الثنائيات التقليدية للميتافيزيقا ونظرية المعرفة (مثل: العقل/الجسد، والطبيعة/الثقافة، والذات/المجتمع، والعقل/العاطفة) ثم أعاد بناء عناصرها كأجزاء من استمرارية أكبر. على سبيل المثال: لا يشكل التفكير البشري ظاهرة خارجية عن العالم الذي يسعى إلى معرفته؛ فالمعرفة ليست محاولة عقلانية بحتة للخلاص من الوهم لأجل اكتشاف ما هو “واقعي” أو “حقيقي” في نهاية الأمر. بل تعتبر المعرفة البشرية من الوسائل التي تتعامل بها الكائنات الحية متطورة القدرات في التفكير واللغة مع المشكلات. فالعقول إذن لا ترصد العالم بنحو سلبي، بل تعمل بشكل فعال على التكيف، والتجريب، والابتكار، إذ ليست الأفكار والنظريات مرتكزات تتجاوز بنا إلى ما وراء الثقافة، بل تعمل بشكل تجريبي داخل الثقافة، ويتم تقييمها استناداً إلى أسس عملية واقعية. ليست المعرفة ممارسة البشري الفاني “للشرارة الإلهية”، فبينما تتضمن عملية المعرفة (أو البحث، باستخدام مصطلح ديوي) عناصر تقديرية أو عقلانية، فإنما تتم معرفتها، في نهاية الأمر بواسطة جسد وعواطف الحيوان الذي يستخدمهما لإحداث التواؤم.
بالإضافة إلى الحياة الأكاديمية، ارتدى جون ديوي بأريحية عباءة المثقف العام، ليطعِّم القضايا العامة بأمثولات أنشأتها الفلسفة. فتحدث عن مواضيع ذات أهمية أخلاقية كبيرة، مثل: حرية الإنسان، والتغريب الاقتصادي، والعلاقات العرقية، وحق المرأة في التصويت، والحرب والسلام، والأهداف والنظم التعليمية. عادة، ما تكون الاكتشافات التي يتم التوصل إليها عن طريق البحث العام متصلة بنظرياته الأكاديمية، ودعمت تنقيحاتها. وقد دعم إيقاع: ممارسة ـ نظرية ـ ممارسة، كل مجال من مجالات مشروع ديوي الفكري، وربما يفسر السبب في أن نظرياته الفلسفية ما تزال تُناقش، وتُنتقد، ويعاد تعديلها، وتنتشر في العديد من الميادين الأكاديمية والعملية. وما يزال استخدام أفكار ديوي مستمراً في مجالات علم الجمال، والنقد الفني، والتربية، والسياسة البيئية، ونظرية المعلومات، والصحافة، والطب، والنظرية السياسية، والطب النفسي، والإدارة العامة، وعلم الاجتماع، وبالطبع، في المجالات الفلسفية التي أسهم فيها ديوي.
-
السيرة الذاتية
-
تسلسل زمني موجز لحياة وعمل جون ديوي
-
علم النفس
-
المؤسساتية، ومذهب الاستبطان، وعلم النفس الفسيولوجي
-
“القوس الانعكاسي” وإعادة بناء ديوي لعلم النفس
-
الغرائز/الدوافع
-
الإدراك/الإحساس
-
الأفعال والعادات
-
العاطفة
-
الإحساس، والعقل، والوعي
-
-
إحساس
-
عقل
-
وعي
-
الخبرة والميتافيزيقيا
-
تطوير “الخبرة”
-
وجهات النظر التقليدية للخبرة ونقد ديوي
-
حساب ديوي الإيجابي للخبرة
-
الميتافيزيقيا
-
تطور الميتافيزيقيا
-
مشروع الخبرة والطبيعة
-
الميتافيزيقا التجريبية والحكمة
-
نقد ميتافيزيقا ديوي
-
-
البحث والمعرفة
-
الجذور العضوية للذرائعية / الأداتية
-
وراء التجريبية، والعقلانية، وكانط
-
البحث، والمعرفة، والحقيقة
-
-
فلسفة التربية
-
التعلم والتعليم التجريبيين
-
التقليديين، والرومانسيين، وديوي
-
الديمقراطية من خلال التعليم
-
-
الأخلاق
-
الفلسفة السياسية
-
الفن والخبرة الجمالية
-
الدين، والخبرة الدينية والإيمان المشترك
-
خلفية ديوي الدينية
-
تراصف المذهب الطبيعي والدين
-
“الدين” مقابل “الديني”
-
الإيمان والإله
-
الدين كذكاء الاجتماعي ـ إيمان مشترك
-
-
قائمة المراجع
-
ديوي
-
مجموعات
-
اختصارات أعمال ديوي التي يكثر الاقتباس منها
-
أعمال فردية
-
مصادر أخرى
-
الأدوات الأكاديمية
-
موارد الإنترنت الأخرى
-
مدخلات ذات الصلة
-
السيرة الذاتية
عاش جون ديوي حياة نشطة وثريّة بالأحداث. وهو موضوع العديد من السير الذاتية، والتفسيرات، والتقديرات الأدبية الهائلة، لمجمل أعماله الاستثنائية: أربعون كتابا، وحوالي سبعمائة مقال، في أكثر من مائة وأربعون دورية.
ولد جون ديوي في برلينجتون، فيرمونت، في 20 أكتوبر 1859 لأرشيبالد ديوي، التاجر، ولوسينا ريتش ديوي. كان ترتيب ديوي الثالث من بين أربعة أبناء، مات أولهم، وكان يحمل اسم ديوي، وهو بعد رضيع. نشأ جون ديوي في برلينجتون، وترعرع في الكنيسة الأبرشانية، وتعلم في المدارس العامة. بعدما درس اللاتينية واليونانية في مدرسة ثانويّة، التحق ديوي بجامعة فيرمونت، في عمر الخامسة عشر، وتخرج عام 1879 وهو في التاسعة عشر من عمره. بعد الكلية، قام جون ديوي بالتدريس في مدرسة ثانويّة في أويل سيتي في بنسلفانيا لمدة عامين. ثم بقي في فيرمونت لدراسة الفلسفة على يد أستاذه السابق هـ. أ. ب. توري، وبتشجيع من محرر مجلة الفلسفة النظرية، وقد ساعد هاريس ديوي للالتحاق بالمدرسة العليا في الفلسفة في جامعة جون هوبكينز عام 1882. وكان من بين ما درسه هناك: المنطق، مع تشارلز س. بيرس (الذي وجده ديوي “رياضيا” للغاية، ولم يكمل معه)، وتاريخ الفلسفة (وبخاصة مع جورج سيلفستر موريس، وعلم النفس الفسيولوجي والتجريبي مع جرانفيل ستانلي هول (الذي تدرب مع فيلهلم فندت في معامل ليبنيز، وويليام جيمس، في جامعة هارفارد).[1]
على الرغم من أن جون ديوي عزا كبير الفضل لبراجماتية بيرس في آرائه الناضجة بعد عدة سنوات، لكن لم يكن لبيرس تأثير مهم على ديوي أثناء دراسته في الدراسات العليا. أحدثت المؤثرات الأساسية على جون ديوي في المدرسة العليا ـ المثالية الجديدة عند هيجل، ونظرية التطور البيولوجي لداروين، وعلم نفس فنديت التجريبي ـ توترا هائلا سعى معه جون ديوي إلى الوصول إلى حل. هل العالم بيولوجي في جوهره؟ ووظيفي، ومادي، أم هو على خلاف ذلك؛ خلَّاق بأصله، وروحي؟ انطلقت مسيرة جون ديوي بنحو كبير عبر محاولته التوفيق والملاءمة بين ذلكما الرأيين. وفيما تشاركا في فكرة “الكائن الحي”، كذلك رأى ديوي فيهما ـ وقد أنكر ذلك ـ أي جانب مفرط في تجريده، أو يؤدي للتشظي، أو اختزالي. ونتج عن محاولاته الأولى “علم نفس جديد” (هدف إلى الدمج بين علم النفس التجريبي والمثالية)، ونشد تحقيق منهج يمكن أن تُفهم الخبرة من خلاله كأمر متكامل ومندمج. محصلة ذلك، كان بحث ديوي المبكر نسخة معدلة للمثالية المطلقة الإنجليزية. تخرج ديوي من المدرسة العليا عام 1884 بعد عامين من التحاقه بها، وكانت أطروحته تتعلق بنقد كانط من وجهة مثالية (“علم النفس الكانطي”)، وهي مفقودة.
في حين لا يزال الباحثون في نقاش حول درجة احتفاظ فلسفة جون ديوي بمرحلة نضجه بالتأثيرات الهيجلية المبكرة؛ يظل من الواضح أن التأثير كان عميقا في شخصية جون ديوي. يتذكر ديوي أن الثقافة الدينية في نيو إنجلند قد أفضت به إلى “عزلة الذات عن العالم، والروح عن الجسد، [و] الطبيعة عن الإله”، وتفاعله مع “التمزق الداخلي” و”الضيق المؤلم”. وقد عملت دراسته (مع جورج سيلفستر موريس) عن المثالي البريطاني ت. هـ. جرين، و ج. و. ف. هيجل، على تعافي جون ديوي الشخصي والفكري:
لم تكن توليفة هيجل بين الذات والموضوع، والمادة والروح، والإلهي والبشري مجرد تركيبة عقلية، بل عملت كإطلاق هائل، كتحرر. تضمنت معالجة هيجل للثقافة الإنسانية، وللمؤسسات والفنون، التذويب نفسه للحدود الفاصلة والصلبة والثابتة، وكان لها جاذبية خاصة عندي (FAE, LW5: 153).
من الناحية الفلسفية، فإن اللقاء المبكر لـ جون ديوي مع الهيجلية عمل على تشكيل بحثه طوال مسيرته من أجل دمج الأبعاد المختلفة، ككل دينامي، للخبرة التي حددتها الفلسفة وعلم النفس كأمور منفصلة (عمليا، وخياليا، وجسديا، ونفسيا).
نمت عائلة وشهرة جون ديوي كفيلسوف وعالم نفس في جامعات عديدة من بينها جامعة مشيجان (1886- 88، 1889- 1894) وجامعة مينيسوتا (1888- 89). طوّر ديوي في جامعة مشيجان علاقات مهنية طويلة الأمد مع جيمس هايدن تفت، وجورج هربرت مييد.
عام 1886، تزوج جون ديوي من هارييت أليس شيبمان، وأنجبا ستة أطفال، وتبنيا طفلا. مات طفلان منهما على نحو تراجيدي، وهما بعد صغيرين (أحدهما في الثانية، والأخرى في الثامنة من عمرهما). كان لهارييت تأثيرا واضحا على موقف جون ديوي الداعم للنساء، وتحولهُ عن الأرثوذكسية. كتب جون ديوي أثناء هذه المرحلة مقالات نقدية للمثاليين البريطانيين، من وجهة نظر هيجلية، وقرأ وقام بتدريس مبادئ جيمس لعلم النفس (1890)، وأطلق على وجهة نظره اسم “المثالية التجريبية” (1894a, The Study of Ethics, EW4: 264).
عام 1894، بإلحاح من تافت، عرض رئيس الجامعة: ويليام ريني هاربر، على جون جون ديوي، منصب رئيس قسم الفلسفة، في جامعة شيكاجو، واندرج تحته حينذاك علم النفس وعلم التربية. قبل ديوي العرض، منجذبا إلى احتمالية وضع تلك المجالات المتخصصة في تعاون فعَّال، وبدأ في تأسيس القسم باستقدام ج. هـ. مييد، على سبيل الإعارة، من جامعة مشيجان، وجى. ر. انجل، تلميذ سابق له في جامعة مشيجان (والذي درس على يد جيمس أيضا في جامعة هارفارد). أطلق جيمس على القسم اسم “مدرسة شيكاجو”، وقام ديوي بمعاونة تافت، وإنجل، ومييد، وآخرين، بتطوير “علم النفس الوظيفي”. كما نشر بذرة “مفهوم القوس الانعكاسي في علم النفس” (1896, EW5; hereafter RAC)، وانفصل عن المثالية المتعالية وعن كنيسته.
أسس جون ديوي في جامعة شيكاجو مدرسة المختبر، حيث وفر موضعا لاختبار نظرياته النفسية والتربوية. كانت زوجته أليس مديرة تلك المدرسة بين عامي 1896 ـ 1904. في شيكاجو، أصبح ديوي من ناشطي القضايا السياسية والاجتماعية، ومن بينها نُزُل جين آدامز الاجتماعي: المسمى بمنزل هال Hull، وأصبحت جين آدامز صديقة شخصية مقربة لعائلة ديوي. نسب جون ديوي وابنته كاتبة سيرته الفضل إلى جين آدامز في مساعدته على تطوير نظرته للديموقراطية، والتعليم، والفلسفة، رغم ذلك، فإن الدَين الفكري، الذي يدين به ديوي لجين آدامز، لم يُكشف بعد (“ترجمة جون ديوي الذاتية”، ديوي a1939، انظر أيضا: سيجفريد 1999، فيشر 2013).
عام 1904، أدت النزاعات حول مدرسة المختبر بـ جون ديوي إلى الاستقالة من مناصبه في جامعة شيكاجو، وانتقل إلى قسم الفلسفة، جامعة كولومبيا، في مدينة نيويورك، هناك، قام أيضا بتأسيس ارتباط مع كلية المعلمين بجامعة كولومبيا. كان من بين أصحاب التأثيرات المهمة على ديوي، في جامعة كولومبيا: ف. جى. إ. وودبريدج، وِندل ت. بوش، و. ب. مونتاجي، شارلز ا. بيرد (النظرية السياسية)، وفرانز بواس (أنثروبولوجي). بقي جون ديوي في جامعة كولومبيا حتى تقاعد عام 1930، حيث أصدر خلال تلك الفترة أحد عشرة كتابا إضافيا.
بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المنشورات الأكاديمية، كتب جون ديوي العديد منها لغير الأكاديميين، أغلبها في دورية New Republic، كان زعيما نشطا، وداعما، ومؤسسا للعديد من المنظمات المهمة، من بينها: اتحاد الحريات المدنية الأمريكية، والرابطة الأمريكية لأساتذة الجامعات، والجمعية الفلسفية الأمريكية، والجمعية الأمريكية لعلم النفس، والمدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية. أفصح جون ديوي عن دعمه لكلا من السياسات التقدمية، والتغير الاجتماعي خلال القسم الأول من القرن العشرين. أدت شهرته كفيلسوف ومربي إلى استقباله للكثير من الدعوات، فافتتح محاضرات بول كاروس (روجعت ونُشرت تحت اسم “الخبرة والطبيعة”، 1925)، ألقى محاضرات جيفور لعام 1928 (روجعت ونُشرت تحت عنوان “البحث عن اليقين”، 1929)، وحاضَرَ عامي 1933 ـ 34 محاضرات فيري، في جامعة ييل (نُشرت تحت عنوان “الإيمان المشترك”، 1934a ). قضى ديوي عامين بين الصين واليابان، كما قام برحلات مهمة إلى تركيا، والمكسيك، والاتحاد السوفييتي، وجنوب أفريقيا.
عام 1964، بعد وفاة أليس شيبمان جون ديوي (1927) بعقدين من الزمان تقريبا، تزوج ديوي روبرتا لويتز جرانت. وتوفيَ ديوي بتأثير الالتهاب الرئوي، في منزله في مدينة نيو يورك، في الأول من يونيو عام 1952.
سرد زماني مختصر لحياة وأعمال جون جون ديوي
- 1859 20 أكتوبر. ولد في بيرلنجتون، فيرمونت
- 1879 حصل على بكالوريوس الفنون من جامعة فيرمونت
- 1879–81 مدرس في المدرسة الثانوية في أويل سيتي، بنسلفانيا
- 1881–82 مدرس في معهد ليك فيو، شارلوت، فيرمونت
- 1882–84 التحق بالمدرسة العليا في جامعة جون هوبكنز
- 1884 حصل على درجة الدكتوراه من جامعة جون هوبكنز
- 1884 موجه في قسم الفلسفة، جامعة ميتشجان
- 1886 تزوج أليس شيبمان
- 1888–89 أستاذ للفلسفة في جامعة مينيسوتا
- 1889 كرسي الأستاذية في قسم الفلسفة، جامعة ميتشجان
- 1894 أستاذ، وأستاذ كرسي قسم الفلسفة (المتضمن لعلم النفس وعلم التربية)، جامعة شيكاجو
- 1897 انتخابه عضوا في مجلس الأمناء، مؤسسة هل هاوس
- 1899 المدرسة والمجتمع
- 1889–1900 رئيس الجمعية الأمريكية لعلم النفس، دراسات في نظرية المنطق
- 1904 أستاذ الفلسفة، جامعة كولمبيا
- 1905–06 رئيس الجمعية الفلسفية الأمريكية
- 1908 الأخلاق
- 1910 كيف نفكر
- 1916 تأثير داروين على الفلسفة، الديموقراطية والتعليم، مقالات حول المنطق التجريبي
- 1919 محاضرات في اليابان
- 1919–21 محاضرات في الصين
- 1920 إعادة إنشاء الفلسفة
- 1922 الطبيعة الإنسانية والسلوك
- 1924 زيارة المدارس في تركيا
- 1925 الخبرة والطبيعة
- 1926 زيارة مدارس في المكسيك
- 1927 الجمهور ومشكلاته
- 1927 وفاة أليس شيبمان ديوي
- 1928 زيارة مدارس في الاتحاد السوفييتي
- 1929 البحث عن اليقين
- 1930 الفردية، قديما وحديثا
- 1930 الاستقالة من منصبه في جامعة كولومبيا، وتعيينه أستاذ فخريا
- 1932 الأخلاق
- 1934 الإيمان المشترك، الفن خبرة
- 1935 التحررية و الحركة الاجتماعية
- 1937 عضوية لجنة تروتسكي، مكسيكو سيتي
- 1938 المنطق، نظرية البحث، الخبرة والتربية
- 1939 الحرية والثقافة، نظرية القيمة
- 1946 زواجه من روبرتا (لويتز) جرانت، المعرفة والمعروف
- 1952 الأول من يونيو، وفاته في مدينة نيو يورك
-
علم النفس
بدأ انشغال جون ديوي بعلم النفس مبكرا، على أمل أن يقدم هذا العلم الناشئ إجابات لأعمق المسائل الفلسفية. في البداية، كان نهجه أقرب إلى المثالية الهيجلية، وبالرغم من ذلك، فهو لم يدمج في نهجه المنطق الجدلي لهيجل، وسعى بدلا من ذلك إلى إدراج أساليب جديدة في علم النفس (Alexender forthcoming). أمل جون ديوي أن يتغلب على الانقسامات التي طال وجودها (بين الذات والموضوع، وبين المادة والروح، الخ) وبيان أن الخبرة الإنسانية ـ الجسدية، والنفسية، والعملية، والخيالية ـ مندمجة جميعها في شخص حيوي واحد (FAE, LW5: 153). كان لدى جون ديوي طموح كبير لعلم النفس كعلم جديد للوعي الذاتي، وأطلق عليه: “النهج الكامل للفلسفة” (“علم النفس كمنهج فلسفي”، EW1: 157 ) ورغم كونه صغير الحجم، فإن كتاب علم النفس (1887 EW2) كان مدخلا للدراسة السيكولوجية للذات باعتبارها الطبيعة الحق.
سرعان ما طوَّر جون ديوي نظرياته السيكولوجية الخاصة، وزعم أن نظريات السلوك القائمة قد تصدعت؛ بسبب أنها تأسست على افتراضات فلسفية زائفة أو عفى عليها الزمن. (في نهاية الأمر، ذهب إلى أن الأسئلة الأكبر حول معنى الوجود الإنساني، تتغلغل عميقا في الخبرات الثقافية، وتتجاوز مصادر علم النفس، ومثل هذه الأسئلة تتطلب تحقيقات فلسفية للخبرة في مجال الفن، والسياسة، والأخلاق، والدين… إلى آخره). أعادت أعمال جون ديوي السيكولوجية بناء مكونات السلوك الإنساني (الغرائز، والإدراكات الحسية، والعادات، والأفعال، والعواطف، والتفكير الواعي) وبهذا برهنت على تكامل ونضج ما ذهب إليه لاحقا بخصوص الخبرة. كما أنها أخبرت عن رأيه الذي يزعمه طوال حياته، مخالفا في ذلك تراثا قديما: أن العقل ليس ذاتيا ومنعزلا في أساسه، بل اجتماعي ومتفاعل تطور خلال البيئات الطبيعية والثقافية.
2.1 المنهج الارتباطي، والمنهج الاستبطاني، وعلم النفس الفسيولوجي
دخل جون ديوي مجال علم النفس الذي كان يهيمن عليه المنهج الاستبطاني (الناشئ عن المنهج الارتباطي، ويعرف أيضا باسم: “المذهب العقلي Mentalism”) وعلم النفس الفسيولوجي كتخصص حديث (قادم من ألمانيا). اعتبر التجريبيون البريطانيون الأوائل، مثل جون لوك ودافيد هيوم، أن السلوك الذكي: (1) كيانات تُدرك داخليا (“مُستبطنة”)، ومن بينها خبرات الإدراك الحسي (مثل: “العواطف”)، و(2) عمليات التفكير والأفكار (مثل: “الصور”). تتآزر جميعها لحصول الذكاء عبر عملية دقيقة من التعلم الترابطي. كان الاكتشاف الاستبطاني أمر لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة للعديد من التجريبيين، وللعديد من علماء النفس الفيسيولوجيين والتجريبيين (مثل: وندت).
تأثر جون ديوي تأثرا عميقا بدراسته لعلم النفس الفسيولوجي في المدرسة العليا، مع ج. ستانلي هول، حيث تضمن ذلك دروسا في علم النفس التجريبي، والفسيولوجي، والنظري، التي أجرى عليها التجارب المعملية. بخلاف مذهب الاستبطان، فقد حددت مناهج هول ضوابط تجريبية دقيقة، وقد منح هذا البحث ذو الأساس البيولوجي الأمل لديوي في نموذج عضوي وكلي للخبرة، قادر على التغلب على نماذج الثنائيات الذاتية[2]. على أية حال، ظل ديوي على رأيه بأن علم النفس الفسيولوجي يمتلك نظرة متعددة وآلية للخبرة، تقوم على “معلومات حسية”. لا يمكن لهذا النمط من علم النفس، من وجهة نظر جون ديوي الهيجلية، أن يفسر ذلك العالم الشاسع من المعاني الحية، البيئة الاجتماعية ـ الثقافية. بتعبير آخر؛ “الكائن الحي” يستلزم “البيئة”، و”البيئة” تستلزم “الثقافة”. إن علم النفس التجريبي الدقيق لا يمكن أن يكتفي بدراسة العقل، وإنما ينبغي له صياغة روابط بالعلوم الأخرى[3].
2.2 “القوس الانعكاسي” وإعادة بناء ديوي لعلم النفس
هكذا، سعى جون ديوي إلى خبرة سيكولوجية تراعي كلا من الحدود التجريبية والتأثيرات الثقافية الشائعة. وقد صاغ كتاب ويليام جيمس الرائع مبادئ علم النفس (1980) الكيفية التي يمكن بها تفسير الذات الواعية والمدرِكة، دون اللجوء إلى المطلق المتعالي. وكما يذكر ديوي، فإن المفهوم البيولوجي للعقل في كتاب المبادئ منح تفكيره “توجها وإجادة جديدين” (FAE, LW5: 157). بدلا من معايرة الظواهر النفسية بحسب كيانات مجردة سابقة في الوجود، بيَّن جيمس كيف يمكن للمرء توظيف “تجريبية فطرية” تبدأ من مظاهر وعناصر الخبرة الحياتية الفعلية. وتكون الغاية هي فهم الأصول الوظيفية للخبرة، من منظور كان في العادة متّسق وكلي.
كان أحد الأمور الداعمة لبدايات علم النفس عند جون ديوي (ونقطة التحول عند جيمس) نقده الأولي لمفهوم القوس الانعكاسي (1896) الذي كتبه في شيكاجو. كان نموذج “القوس الانعكاسي” للسلوك وسيلة ذات تأثير متنامي في تفسير السلوك الإنساني، عمليا وتجريبيا، باستخدام ثنائيات: المثير ـ الاستجابة (الدافع ـ التأثير)، وقد سعى إلى إزاحة المناهج الأخرى الأقل اهتماما بالملاحظة وإمكانية خضوعها للتجربة، والتي يقتصر اعتمادها على “الكيانات النفسية”، أو “مادة عقلية”. يواجه الكائن المنفعل، في نموذج القوس الانعكاسي مثيرا خارجيا يسبب استجابة حسية باعثة على الحركة. على سبيل المثال: يرى طفل شمعة (مثير)، يمسك بها (استجابة)، تحرق يده (مثير)، يُبعد بيده (استجابة). ويزعم أن هذا يوضح المثيرات الأساسية للحدث والاستجابة، مفعمة بالروابط التي يمكن وصفها بحسب المفاهيم الحركية والنفسية ـ دون اللجوء إلى كيانات غامضة لا يمكن ملاحظتها.
انتقد جون ديوي نموذج القوس الانعكاسي انطلاقا من قواعد عديدة. أولا: الأحداث (المثير الحسي، الاستجابة المركزية، إلى آخره) منفصلة بنحو مضلل عن الغاية من التحليل. كتب جون ديوي: إن “القوس الانعكاسي، غير متكامل الأجزاء، أو غير متحد عضويا، بل ترقيع لأجزاء منفصلة، ودمج ميكانيكي لعمليات غير مترابطة” (RAC, EW5: 97). ثانيا: إن النموذج يزيف طبيعة التفاعل الأصيل؛ فالكائنات لا تستقبل مثيرات بنحو انفعالي، ومن ثم تستجيب لها بنحو فاعل، وإنما يتواصل تفاعل الكائنات مع البيئات بطرق تراكمية وتواؤمية. إن الطفل الذي أمسك بلهب الشمعة يقوم فعلا بالاكتشاف بفاعلية، يرى غرفة، وعلى سبيل المثال: ملاحظته للهب تغير الأفعال الجارية بالفعل. “البداية الحقيقية جاءت مع فعل الرؤية، إنها رؤية الضوء، وليس الإحساس به” (RAC, EW5: 97). ثالثا: مما له صلة، أن النموذج صارم جدا في تعيين أحداث معينة باعتبارها مثير، وأخرى باعتبارها استجابة ـ ببساطة، إنه “يجسمها”. نظرا إلى أن الأحداث موضع الدراسة قد علقت في شبكة فاعلية مستمرة، فإن تعيينات أخرى (من “السبب” أو “الحدث”) يمكن أن تكون معقولة بشأن أهداف بعض الأبحاث التجريبية الأخرى. أشار جون ديوي، بنحو فعال، كيف أن القوس الانعكاسي، الذي قُصد به حذف الافتراضات الميتافيزيقية، قد صدَّر، من دون قصد، افتراضات ميتافيزيقية جديدة أخرى. كتب جون ديوي: نحن نسعى إلى اكتشاف “ما معنى المثير أو الإحساس، والحركة والاستجابة” ووجدنا أنهم “تمايزات فعل مرن فحسب، وليست وجودا ثابت” ( RAC, EW5: 102 emphasis mine). يتصف هذا الاقتراح بكونه عمليا؛ فهو يقتضي أن نبحث عن المعاني بدلا من البحث عن الحقيقة الكامنة (المثير المحض، الاستجابة المحضة). عند القيام بذلك، فمن الواضح أن مفاهيم مثل المثير، والاستجابة، والإحساس، والحركة “تعني تمايزات للفعل المرن فحسب، وليس لوجود ثابت” (RAC, EW5: 102). يتم الإلمام بمعاني المفاهيم من خلال إدراك وظائفها كأفعال، إذ تحصل في سياق واسع وديناميكي يتضمن أهدافا واهتمامات.[4]
تنبأ نقد جون ديوي وإعادة بنائه لنموذج القوس الانعكاسي بتطورات مهمة في براجماتيته. تم تطبيق حجته القائلة بأنه يتوجب على علم النفس أن يولي مزيد اهتمام بالسياق والمهمة، وفي الوقت نفسه، تم تطبيقها على جميع العلوم الأخرى، وكذلك المنطق والرياضيات. كان الدرس المنهجي في الواقع تحذيرا بألا يحدث الخطأ في النتيجة النهائية للتحليل، بالنسبة للموجودات القائمة بالفعل.[5] تعتمد الفروق النظرية، الذاخرة بالمعاني، في ظروف معينة، على سياق رحيب، يتصف بأنه في الآن ذاته استرجاعي للأحداث الماضية، ومستشرف للأحداث المستقبلية.
في حين أنه لا يوجد مجال لعرض إعادة البناء الشامل، الذي قام به جون ديوي، للظاهرة، أخذ علم النفس في اعتباره أجزاء الموجود الإنساني، ويمكن لمراجعة سريعة أن تبين لنا منهجه الفلسفي الذي استخدمه. دعونا ننظر إلى: الغرائز/الدوافع، والتصورات، والأحاسيس، والعادات، والانفعالات العاطفية، والحس، والوعي، والعقل.
2.3 الغرائز/الدوافع
بالرجوع إلى الدوافع والغرائز السابقة، هوجمت محاولات تفسير السلوك المعقد والمتطور من جانب وليم جيمس (مثال ذلك: في كتاب “العادة”، وليم جيمس 1890، الفصل الرابع)، وواصل جون ديوي الهجوم. فشلت مثل تلك التفسيرات في ملاحظة خاصيتي المرونة وقبول التأثيرات، التي تتصف بهما الغريزة. بين مجموعة متنوعة من الأفراد، كانت الغرائز التي اعتُبرت بسيطة أو أساسية، هي أي شيء غير ذلك ـ إنها تزهر في قلب العديد من العادات و التقاليد المختلفة[6]. كما أخفقوا أيضا في رؤية أن الغرائز لا تحرك كائنا سلبيا بطبيعته، وإنما اعتُبرت بنحو فعال في ظروف متنوعة، لأغراض متنوعة. كما هو الحال مع مفهوم “مثير”، فإن معنى أي غريزة يعتمد على العناصر السياقية، التي قد تشمل كلا من الاستجابات البيولوجية واللغوية الاجتماعية. لكن لا يوجد علم نفس بدون علم نفس اجتماعي، لا يمكن إجراء بحث في الغرائز البيولوجية الخالصة (أو في أي قوة “طبيعية” أخرى) والتي لا تأخذ في اعتبارها أيضا كلا من السياقين الاجتماعي والبيئي للظاهرة موضع الدراسة، والسياق الخاص بالبحث ذاته. يعد ثنائي الغرائز / الدوافع ظاهرة تفاعلية تحدث في بيئة، ويجب تقديرها كمعاملات (HNC, MW14:66).
2.4 التصور/الإحساس
كان درس جون ديوي المنهجي بشأن الغرائز ذو شقين: الأول: لا يمكن إقامة علم تجريبي على أسس ميتافيزيقية وغير قابلة للنقاش، فحتى المفاهيم الأساسية يجب أن تكون مفتوحة للمراجعة والإلغاء. الثاني: أن مناهج التحليل النفسي الصارمة، التي تستخدم عناصر بسيطة من أجل بناء سلوك معقد، لا تكون، عادة، مؤهلة لتفسير معنى الظاهرة النفسية. ينطبق هذا الدرس كذلك على الإدراك والإحساس. هاجم جون ديوي الرأي الشائع في عصره، والذي يذهب إلى أن الإدراك (1) يحدث ببساطة بفعل سبب خارجي (2) يشغل حالة عقلية بالكلية (3) يتم استقباله بنحو سلبي في فراغ عقلي.
يزعم جون ديوي أن تلك العناصر الثلاثة تنبثق من “الازدواجية النفس جسدية”، ذلك الفصل الجذري والخاطئ بين المدرِك والعالم. باعتبار العنصر (1): علة خارجية. يتعارض الإدراك باعتباره مسبّب بسيط وخارجي مع النموذج البيئي الدارويني، حيث تتضمن التفاعلات المتواصلة بين الكائن الحي والبيئة ـ وإن لن تنحصر وجوديا في “العقول” و”الأجسام” وتصادماتهما ـ ما يسمّى: “الانطباعات” و”الأفكار” في الفلسفة الحديثة. يخضع وجود أحداث غير مطلوبة ومفاجئة أو عدمه لسيطرتنا، لا يبرر القول بميتافيزيقية العالم “هناك في الخارج”، والعقل “هنا”. وعلى الرغم من أن الخبرة تقوم في جوهرها على خصائص نوعية، فإن ما يتم ليس مجرد تلقي تلك الخصائص (مثل طرد بريدي)، كما أنها ليست بسيطة وخالصة من السياق. تلك في الواقع نظرة جديدة إلى الخصائص، تنبذ الازدواجية القائمة بين “الموضوعي” و”الذاتي”. إن “صفرة” الليمون أو “حموضته” ليستا في المدرِك ولا في الليمون، وإنما تتجلى تلكما الخصيصتين نتيجة تفاعلات معقدة، وتصبح لاحقا متصفة (بكونها “حامض”) لأسباب وثيقة الصلة بالبحث الذي يضع تلك التسمية. كتب جون ديوي:
لم تكن الخصائص أبدا في الكائن الحي، وإنما هي دوما خصائص تفاعلات، تتشارك فيها الكائنات العضوية وغير العضوية. (EN, LW1: 198–199)
بالتالي، فإن الإدراكات الحسية والخصائص هي تمايزات يصنعها البحث واللغة، إنها ليست تقارير عن كيانات وجودية، تتصف بالبساطة، والإطلاق، أو الانفصال. إن العوامل البراجماتية حاسمة دائما. (يطرح جون ديوي الفكرة نفسها حول الأسماء والمفاهيم؛ راجع: مثال ويلارد فان أورمان كوين لترجمة كلمة “gavagai”) “الإدراك”، إذن، هو اختصار لعملية أكثر تعقيدا للأحداث التفاعلية. “الأحمر” تجريد ينشأ عن خبرات أكثر تعقيدا (مثل: سيارة حمراء تندمج في مساري) ويصبح السؤال البراجماتي: ما هي وظيفة هذا التجريد؟ كيف يجعل العقل أو الفعل وسيطا في الخبرات المستقبلية؟ (“A Naturalistic Theory of Sense-Perception”, LW2: 51; EN, LW1: 198–199)
فيما يتعلق بالعنصر (2)، الإدراكات الحسية تعم الحالات العقلية، يردد جون ديوي فكرة مهمة قال بها وليام جيمس في كتابه “تيار التفكير” (جيمس 1890: فصل 9). وهي: رغم أن الإدراك الحسي قد يشغل مركز الوعي، فإن لكل منهما “حواشي” حاضرة تشارك بالنسبة للموقف الأعم في “سمات نوعية ضمنية” نقيضة (“Qualitative Thought”, LW5: 238 fn. 1). في مثال الليمون المذكور آنفا؛ “الحموضة” لها سمتها بين عدد كبير من الظروف “الهامشية”؛ مثل النكهات السابقة الفورية، التوقعات، إلى آخره.
أخيرا، بالنسبة إلى العنصر (3)، كما ذكرنا آنفا، فإن الإدراك هو فعل “تناول” من جانب الكائنات الحية، يجري في المواقف، وليس مجرد إدراك فوري وسلبي للدوافع. وعلى هذا النحو، فهناك دوما تعديلات انتقائية، فورية أو مؤجلة، دائما ما تستغرق بعض الوقت. ليس الإدراك الحسي ساذجا على الإطلاق، ولم يكن بمواجهة مع بعض المضامين “المعطاة” والمتشربة بمعنى كامن. قبل وقت طويل من نبذ ويلفرِد سيلرز (انظر مدخل سيلرز) للمواجهة السلبية للإدراك باعتبارها “أسطورة المعطى” في التجريبية الحديثة، كان جون ديوي قد انتقد مثل هذا المزاعم بشدة. كل المرئيات المشاهَدة تُرى كتعديلات ضمن أفعال أكبر، وبمرور الزمن، تتغير عادات التعديل تلك، ونتيجة لذلك، يمكن لما يتم إدراكه أن يتحول، وبالتالي فإن النتائج الحاصلة والتفسيرات اللاحقة يتم تعديلها (DE, MW9: 346).
2.5 الأفعال والعادات
تُطوِر الكتابات اللاحقة برهان “القوس الانعكاسي”، أي: عدم إمكانية تفسير السلوك المعقد ببناء مقومات أبسط. توفر “الأفعال” نقطة بدء أفضل للكائنات الحية في بيئاتها (HNC, MW14: 105). الأفعال أمور تعاملية: نحن نتعامل مع الأشياء وبها في سياقات، ووسط ظروف. الأفعال أساسية في فهم السلوك لكونها انتقائية، تُظهر اهتمامها من خلال توجيه الحركة وتنظيم المواقف. يجعل هذا المركَّب ـ من الانتقائية والاهتمام ـ الأنشطة السلوكية ذات معنى. على سبيل المثال: تصرف أسلافنا بانتقائية فيما يتعلق بالكيفية التي يشبعون بها الجوع الغريزي، خلقت مثل هذه الانتقائية الظروف الملائمة لاهتمام أكثر تفصيل حيال تذوق الطعام، ولاحقا، بتقاليد الطعام والطبخ.
مستندا إلى استخدام جيمس وبيرس لمصطلح “العادة”، يدمج جون ديوي العادة عميقا بفلسفته. ساعد مفهوم العادة في توضيح أبعاد كثيرة للخبرة الإنسانية (البيولوجية، والأخلاقية، والسياسية، والجمالية) كما تتجلى في السلوكيات الاجتماعية المعقدة ـ المشي، والتكلم، والطبخ، والتحدث[7]. لا تتصف العادات بالبساطة، إذ إنها تتألف من أفعال. تتجلى الأفعال بمرو الوقت، بدءًا من الغريزة التي تولدت عن الحاجة، مرورًا بإعادة الدمج والإرضاء. لكي تتكون عادة؛ لابد من سلسلة من الأفعال ذات تغير تدريجي وتراكمي، تتضافر تلك التغيرات كفعل واحد يؤدي إلى الفعل الذي يليه. وحينما يكون بين الأفعال تراكم ترابطي يبني الخبرة؛ تصبح هناك “عادة”. يكتب ديوي عن العادات” إنها استعداد مكتسب لأساليب أو أنماط الاستجابة، لا لأفعال معينة” (HNC, MW14: 32). تتشكل تلك الأساليب عادة بواسطة الخبرة السابقة للفرد، ثم وبشكل خاص خلال التفاعلات الاجتماعية واللغوية، فنطلق على العادات المشتركة بين مجموعة من الناس: “تقاليد”.
بما أن العادات تصبح روتينية، يتخذ جون ديوي موقفا ضد الافتراض بأنها آلية أو منعزلة عن تدخلات الوعي. فلا يمكن أن تكون آلية، لأن المواقف الجديدة تتباين، ولا تتكرر الأفعال نفسها أبدا. هكذا، وعلى خلاف الآلة الروتينية، تظل العادات الحيوية مرنة، قابلة للتغير. إن تناولي المعتاد للحلوى، يخضع للظروف الطارئة (ألم حاد في الأسنان)، وللتعديل (الامتناع، أو الاستبدال)، وكثيرا ما يكون رد الفعل الواعي تجاه عادة قائمة هو المرحلة الأولى في تنقيح العادة.
نُظر إلى العادات أيضا كقوى هاجعة، تنتظر ما يثير حضورها. يزعم جون ديوي أن العادات “أساليب حيوية ومهيمنة على الفعل” تحدد ما نفعله، وأن “كل العادات في حاجة إلى أنواع محددة من النشاط، وأنها تشكل الذات” (HNC, MW14: 22, 21). ندد ديوي بالفكرة التي تذهب إلى أن العادات تشبه الممتلكات الشخصية. على خلاف ذلك، فإن العادات توجد كتعاملات بين الكائنات الحية وبيئاتها، وهي ليست “قوى باطنية” وإنما وظائف تجعل التكييف وإعادة التركيب ممكنين.
تدخل العادات في بنية الموقف، فهي داخله وخارجه معا، وبقدر ما هي معنية، فهي ليست شيئا خارجا عنه. (“Brief Studies in Realism”, MW6: 120)
حيث أن الموقف يكون ثقافيا بمثل ما هو حيوي مادي، تكون العادات اجتماعية بنحو مبدئي. إن ما يُطلق عليه عادات “فردية” يندرج في العالم الاجتماعي للأصدقاء، والأسرة، والمنزل، والعمل، والإعلام، إلى آخره. يعني ذلك أن إحداث تغيير في العادات لا يتطلب فعلا سحريا من جانب قوى الإرادة المحضة، بل، بالحرى، إلى تحقيق ذكي في الظروف المصاحبة (السيكولوجية، والاجتماعية، والاقتصادية، إلخ).
2.6 العاطفة
مثلما فعل مع مفهوم “العادة”، أعاد جون ديوي وصف “العاطفة” كشكل أساسي من المشاركة يتواجد في “دوائر متناسقة” من الأنشطة. بينما تكون العادات استجابات محكومة للمواقف الإشكالية، فبالمقابل، يغلب في العاطفة عدم التحكم فيها أو تنظيمها، وعوضا عن ذلك، تصبح صدى الموقف لدى الكائن الحي، “اضطراب ينتج عن صدام أو فشل العادة” (HNC, MW14: 54). ومثلما هو الأمر مع المظاهر الأخرى للحياة النفسية، أعاد عمل ديوي بناء مفهوم العاطفة باعتباره معاملات أساسية مع الخبرات الأخرى، يتم تحليلها عادة كفعل منفصل (الأبعاد “العقلية” أو “النفسية” على سبيل المثال).
ارتبط عمل جون ديوي بأعمال شارلز داروين وويليام جيمس. زعم داروين بأن الحالات العاطفية الداخلية تؤدي إلى تعبيرات عضوية قد تكون موضوعا للاختيار الطبيعي، استنادا إلى قيم بقائها. مثال: قد تكسب مشاعري وتعبيراتي تعاطفا يساعد على بقاء نواتج شبيهة بالشعور. سعى ويليام جيمس في المقابل لتقليل المساحة بين العاطفة والتعبير الجسدي المصاحب. في حالات الانفعال العاطفي الواقعية، يثير إدراك حسي آلية نفسية سابقة التنظيم، وإدراكنا لمثل هذه التغيرات هو ذاته التعبير العاطفي: “نشعر بالأسف لأننا نبكي، ونشعر بالغضب لأننا نضرب” (جيمس 1890 [1981: 450]. دفع كتاب جون ديوي “نظرية الانفعال” (1894b & 1895, EW4) بأفكار جيمس أكثر تجاه الدمج الكلي بين الشعور والتعبير. كوني حزينا ليس مجرد شعور بالحزن، أو التصرف بنحو حزين، إنما هو التصرف بحسب الخبرة الشاملة للكائن الحي. كانت تلك محاولة ديوي للتصحيح، بلطف، لتكرار جيمس لازدواجية العقل والجسد. يرى جون ديوي أنه يجب علينا، لكي نفهم العاطفة، أن نعتبر أن “نمط السلوك هو الأمر الأوَّلي” (“The Theory of Emotion”, EW4: 174). وكما هو الأمر بالنسبة للعادة، ليست العاطفة امتلاك خاص للموضوع، بل تنبثق من الحدود المائعة التي تربط بين الحدث والكائن الحي، إن العاطفة “تُستدعى بواسطة الموضوعات، المادية والذاتية”، “استجابة موضوعية للموقف” بنحو مقصود (EN, LW1: 292). إذا واجهتُ كلبا غريبا، وكنت متحيرا بخصوص الكيفية التي أتصرف بها، يكون هناك تثبيط للعادة، وهذا بدوره يثير الانفعال. وبينما انشغل بمجموعة من الاستجابات المتناقضة (أركض؟ أصرخ؟ أتسلل هاربا؟)، يُخلَق توتر يؤدي إلى منع وتثبيط للعادات، وينشأ في الخبرة كانفعال (The Theory of Emotion”, EW4: 182″). هكذا، تكون الانفعالات العاطفية متعمدة بقدر ما “تتجه نحو، أو تصدر عن، أو تدور حول أمر موضوعي، سواء في الواقع أو في الفكر” وليست مجرد ردود أفعال “تجري في الرأس” (AE, LW10: 72).
من الناحية الفلسفية، فإن العاطفة سمة مركزية في نقد جون ديوي لعلم المعرفة والميتافيزيقا التقليديين. فقد قسا في انتقاده للنظم التقليدية التي خلقت تمييزا مجحفا بوضع العاطفة كفكر مضطرب، أو ارتباك، أو تدخل جسدي يتطلب كبحه، والتحكم فيه، أو تحديده في سعيها للتعامل العقلاني مع الحق والحقيقة. العاطفة متشابكة نفسيا، في كل من الفرد (في التفكير والفعل)، وفي الثقافة العامة (مع الأنماط الاجتماعية لخلق المعنى). ويرى ديوي أن محاولات تقسيم العاطفة قد تم حثها جزئيا، بواسطة الرغبة في عزل الراحة عن العمل، والرجال عن النساء، بحسب هذه القراءة، فإن النزعة العقلانية التقليدية تكون، في الواقع، لعبة قوة، تستحق نقدا فكريا وأخلاقيا.
2.7 الإحساس، العقل، الوعي
تستند أعمال جون ديوي المتعلقة بالإحساس، والعقل، والوعي إلى تلك المتعلقة بالدافع، والإدراك، والفعل، والعادة، والعاطفة. تلك موضوعات معقدة، لكن تلك النظرة الخاطفة يمكنها أن تكمل الصورة العامة لعلم النفس عند جون ديوي.
الإحساس
مثلما هو الحال مع الظواهر الأخرى، ينبثق الإحساس خلال التعاملات التي يقوم بها الكائن الحي في البيئة الطبيعية. تسعى المخلوقات، بشكل عام، إلى إشباع حاجاتها والفرار من المخاطر، عندما يتعرض الاستقرار للخطر، فإن كفاحا من أجل استعادة التوازن يبدأ، فيحصل تكييف للذات، ولبيئة المرء، أو لكليهما. المناهج التي نجحت في الماضي، استجابات مسبقة التنظيم، فشلت في بعض الأحيان. في تلك الأحوال، نصبح مترددين ـ منقسمين بإزاء أنفسنا حول ما علينا فعله بعد ذلك. إنه يثبت فائدته في كبح الاستجابات الممارَسة (أن تنظر قبل القفز)، وهذا الإيقاف، أو الكبح لتيار الفعل، أوجد فراغا، أدى إلى ما يصفه جون ديوي: “تشوُّش عقلي لكنه أيضا أوجد الفرصة للملاحظة، والتذكر، والتوقع، من أجل الحاجة لإعادة التوجيه” (EN, LW1: 237). في عبارة أخرى، يولِّد الكبح ازدواجية، وتؤدي الازدواجية إلى طرق جديدة محتملة من البدائل المعتبرة، مواقف جسدية فظة تتخذ تعقيدات جديدة من المعنى بشكل نوعي. وهكذا، كتب جون ديوي: الإحساس أو الشعور،
بشكل عام، هو اسم لخاصية تحققت بالفعل مؤخرا، اكتسبتها الأحداث التي حدثت سابقا، على المستوى المادي، عندما تتغلغل في علاقات تفاعل أكثر شمولا ودقة (EN, LW1: 204).
في هذه المرحلة، لا تكون العلاقات الجديدة قد تم التعرف عليها بعد، لكنها مع ذلك توفر الظروف للمعرفة. إن التعبير بالرموز واللغة هو المرحلة التالية في إطلاق تلك العلاقات الملحوظة، باللجوء إلى الأدوات الفكرية، ومن ضمنها التجريد (EN, LW1: 199).
العقل
رفض جون ديوي الرأي التقليدي الذي يرى العقل كجوهر (أو حاوية)، وكذلك المشروع الأكثر حداثة الذي يختزل العقل في حالات الدماغ (EN, LW1: 224-225). الأحرى أن العقل نشاط، نطاق من العمليات الدينامية للتفاعل بين الكائنات الحية في العالم. اعتبار النطاق الذي يتضمنه العقل: ذاكرة (أتذكر س)، انتباه (أحفظها في عقلي، أتدبر تصرفاتي)، غاية (لدي هدف في عقلي)، عناية أو اهتمام (انتبه للتوقف المروري). “العقل” بالتالي يراوح بين العديد من الأنشطة: فكرية، ووجدانية، واختيارية، وهادفة. إن العقل،
في المقام الأول فعل verb… يدل على أنساق أو أنواع من الاهتمام، والانشغال بالأشياء: عمليا، وفكريا، وعاطفيا. ولا يدل أبدا على أي شيء مستقل، أو منعزل عن عالم الأشخاص والأشياء، لكنه يُستخدم دائما بخصوص المواقف، والأحداث، والأشياء، والأشخاص، والجماعات (AE, LW10: 267-68).
كما أشار فتجنشتاين (مدخل: فتجنشتاين، القسم المتعلق باتباع القاعدة واللغة الخاصة) بعد 30 عام، فلا توجد لغة خاصة ممكنة (انظر مدخل: اللغة الخاصة) بالنظر إلى هذا القدر من المعنى. وبينما يمكن استقبال المعاني بشكل شخصي، فإنه لا يتم ابتكارها بشكل شخصي، فالمعاني اجتماعية وتنبثق من النظم الرمزية التي تنشأ خلال التواصل والفعل الجمعي (EN, LW1: 147).
إن الحيوانات النشطة والمعقدة التركيب واعية بفضل تنوع من الروابط المميزة مع بيئاتهم. لكن “العقلية” (الفطنة) تنشأ بفضل القدرة الناتجة على إدراك واستخدام العلامات. بواسطة اللغة، يمكن للمخلوقات تحديد وتمييز المشاعر كمشاعر، والأشياء كأشياء، إلخ.
بدون اللغة، فإن صفات الفعل العضوي؛ وهي إحساسات: آلام، متع، روائح، ألوان، ضوضاء، ونغمات، محتملة فقط، وسابقة لأوانها. مع اللغة تصبح تلك الصفات مميزَة ومحددَة. حينئذ تكون “متموضعة”، وسمات مباشرة للأشياء. (EN, LW1: 198)
يتم تحفيز الثور للهجوم بواسطة علم أحمر، لكن بخلاف السائق الذي يتجاهل إشارة توقف حمراء معطلة، لا يمكن للثور أن يجرد اللون “الأحمر” كعلامة، بل يظل، بالنسبة له، مثيرا خاما.
قام ديوي بالتالي بتقليل وتعزيز أهمية العقل. لم يعد له ذلك الألق الإلهي، كما ذهب بعض القدماء، كما أنقذه من كونه مجرد شبح يسكن آلة. أصبح العقل يتسم بالحيوية، يعين المشكلات ويتفحصها، ويستدعي أدوات، وأهداف، ومُثُلا جديدة. ويصِل العقل بين الماضي والمستقبل، “قوة إعادة بناء مبتكرة للنظام القائم” (EN, LW1: 168).
الوعي
يعد الوعي فعلا، مثل العقل ـ الانتقال النشط للأحداث النوعية التي يتم الشعور بها. تأثر جون ديوي تأثرا عميقا بالتعبير المجازي الذي طرحه ويليام جيمس للوعي “كتيار فكر” دائم الحركة (FAE, LW5: 157). ومع ذلك، ففي نهاية الأمر، لم يعتقد جون ديوي باستطاعة الوصول إلى وصف وافي تماما للوعي، يمكن صياغته في كلمات. الحديث عن الوعي تقديري ـ إنه “زاه” أو “جَلي” أو “خامل” ـ ومثل تلك السمات لا تعد وافية أبدا؛ إذ أن خبرتنا بالوعي سريعة الزوال، ولا يمكننا إصلاحها بمثل ما نفعل مع الأشياء موضع اهتمامنا ـ على سبيل المثال: “القُوَى”، و”الأشياء” أو “الأسباب”. لهذا، لم يقدم ديوي تعريفا للوعي، وإنما أثاره مستخدما الأضداد والأمثلة. معتبرا تلك الأضداد في كتابه الخبرة والطبيعة، (EN, LW1: 230)
العقل هو | الوعي هو |
نظام تام من المعاني تموضع في حياة عضوية | فهم أو إدراك للمعاني (للأحداث الواقعية في معانيها) |
سياقي ومستمر: خلفية ثابتة | مركزي وانتقالي |
بنيوي وجوهري: مقدمة أمامية ثابتة | سلسلة متقطعة من الهُنا والآن |
تألق متواصل | تألقات متباعدة متفاوتة الشدة |
نقل متواصل للرسائل | اعتراضات عرضية وانتقاء فردي للرسائل يجعلها قابلة للسماع |
نظرا للطبيعة الإجرائية والفاعلة لعلم النفس، اضطر ديوي إلى تصوير الوعي على نحو دينامي، وعضوي، ولفظي. الوعي هو التفكير أثناء الحركة، وإعادة تكوين دائمة لسلسلة أحداث، يتم الشعور بها نوعيا أثناء نقل الخبرة لها. وفي حين أن العقل “مخزون” من المعاني، فالوعي إدراك وإعادة بناء للمعاني، يجعل الأنشطة قابلة لإعادة التنظيم ولإعادة التوجيه (EN, LW1: 233). فالوعي هو الدراما، أما العقل فهو القصة التي لا يمكن الاستغناء عنها. تلك القصة ليست ذاتية بنحو جذري، فهي اجتماعية، تأسست بواسطة ماضي المجتمعات وحاضرها.
حاول ديوي كذلك الوصول إلى صياغة تصويرية للوعي، بحسب تعبيره، حث القارئ على الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الوعي أثناء القراءة. فيستخدم مجدّدًا مفاهيم “التركيز” و”الحدود”، مشددا على أن المفهوم الأخير لا يمكن الاستغناء عنه للتوجه العقلي (EN, LW!: 231). كما يتحكم التوازن الجسدي في حركة المشي، كذلك معاني العقل؛ تقوم على الدوام بتعديل وتوجيه التأويل المركزي الحاضر. يتم تمكين التقدم التدريجي للوعي النشط بواسطة النظام الشائع والمتواصل للمعاني.
بالانتهاء من هذه المراجعة لعلم النفس عند ديوي، ننتقل الآن إلى مذهبه في الخبرة.
- الخبرة والميتافيزيقا
3.1 تطور “الخبرة”
تطور مفهوم “الخبرة” عند ديوي على مدار حياته العملية. في البداية، كان عنصرا من عنصر علم النفس ومذهبه المثالي، وبعدما طور مذهب الذرائعية في شيكاجو خلال تسعينيات القرن التاسع عشر، انتقل ديوي إلى كولومبيا، وقام بتنقيح وتوسيع المفهوم عام 1905 في مقال تاريخي مهم: “مسَلَّمة التجريبية المباشرة” (PIE, MW3). وتظهر تطورات أخرى في مقاله “موضوع البحث الميتافيزيقي” (1915, MW8) وكتاب “المدخل” لمقالات في المنطق التجريبي (1916, MW10) الذي بلور وعزز رؤيته عن “الخبرة” باعتبارها أكثر من مجرد وسيلة لدحض المذهب الذاتي في علم النفس، ولكن أيضا كعامل في النظرة الميتافيزيقية للوجود والطبيعة (Dykhuizen 1973: 175-76). عرض ديوي ذلك في محاضرات كاروس عام 1923، بعدما نقحها وتوسع فيها في كتابه العظيم:” الخبرة والطبيعة” (1925, revised edition, 1929; EN,LW1)، تلى ذلك العديد من التوضيحات المهمة حول الخبرة، في كتابه “الفن خبرة” (1934b, AE, LW10)[8]. وبسبب محورية الخبرة في مجمل أعماله الفلسفية، فعلى القارئ المهتم أن يقتفي وظائفها في أقسام أخرى من هذا المُدخل، تم هنا تناول الخبرة بإيجاز، مع التركيز على منهج وميتافيزيقا ديوي.
نبدأ بالسؤال: لماذا كان لمفهوم الخبرة هذه الأهمية، بحيث أنه تغلغل في قلب البحث الفلسفي عند ديوي؟ ضع في الاعتبار ثلاثة تأثيرات: أولا: لنتذكر أن ديوي قد ورث عن داروين فكرة أن الطبيعة مجموعة معقدة من عمليات التغير والتعامل، ولا نهاية محددة لها، في هذا السياق، تعني الخبرة خضوع الكائنات للبيئة وأفعالهم فيها، “مسألة وظائف وعادات، من التعديلات وإعادة التعديلات الفعالة للروابط والأنشطة، وليس لحالات الوعي” (, MW6:5″A Short Catechism Concerning Truth”)، ثانيا: نتذكر أن ديوي أخذ من ويليام جيمس نهجا تجريبيا جذريا في الفلسفة ـ الإصرار على أن منظور الخبرة، متضمنا ما يسمى: شخصيا، عاطفيا، مزاجيا، ذو صلة، من الوجهة الفلسفية، ويستحق أن يكون عاملا في النظريات المنطقية والمجردة. أخيرا: نتذكر أن ديوي قد تلقى الخبرة عن هيجل بتجليها في أنماط اجتماعية، وتاريخية، وثقافية معينة. ليست فقط الذات التي تشكلت خلال المعاملات التجريبية مع المجتمع، لكن هذا الإدراك أيضا، هو ما أفسد النموذج الديكارتي للذات الذرية البسيطة، والمناهج القائمة على هذا الافتراض. قد تبدأ الفلسفة من حيث نبدأ، بنحو شخصي ـ بأشكال معقدة، رمزية، وثقافية ـ ومن ثم، تتدفق عنها انبثاقات أخرى.
تلك المؤثرات الثلاثة الأساسية، إضافة إلى اكتشافات ديوي الخاصة، هو ما أقنعه بأن “الخبرة” هي حجر الزاوية لنظرية أوسع للطبيعة، ومكانة المنظومة القيمية للإنسان داخلها. أكثر من مجرد عقدة إضافية في النظام، ارتقت الخبرة إلى مرتبة منهج ميتافلسفي، وسيلة للقيام بالتفلسف. ضمن هذه الرؤية للعالم، لم تكن الفلسفة جسرا عقليا لتجاوز الحياة، وإنما أداة للعيش. هكذا، يفترض أن توضيح معنى الخبرة هو الأعظم أهمية، بقدر ما هو حيوي بالنسبة للفلسفة أن تستعيد وضعها كحكمة تساعد على البقاء، والنمو، والازدهار.
تجدر الإشارة إلى أن “الخبرة”، سواء كمجرد اصطلاح، أو المفهوم الذي نشره ديوي، قد أثارت الكثير من الحيرة والجدل. أدرك جون ديوي ذلك، وعلَّق عليه في نهاية حياته[9]. بعد عقود لاحقة، قام ريتشارد رورتي، وهو أحد أبرز المحتفين بفلسفة ديوي، بتوجيه نقد شديد إلى ديوي فيما يتعلق بالمصطلح، وبما اعتبره رورتي نوايا ديوي[10]. (Rorty 1977, 1995, 2006) مع ذلك، حظي كل من أعمال جون ديوي ومحاضراته اليومية، بتحليل متواصل منه.
3.2 وجهات النظر التقليدية في الخبرة ونقد ديوي لها
يتطلب فهم وجهة نظر ديوي في الخبرة أولا: فكرة ما عما رفضه. كان المعتاد بالنسبة للعديد من الفلاسفة تفسير الخبرة باعتبارها المحتويات الخاصة للوعي. قد تكون إدراكات حسية (إحساس)، أو تأملات (تدبُّر، تشارك، تخيل) قام بها العقل الذاتي. شوه البعض مثل أفلاطون وديكارت الخبرة باعتبارها تدفق يؤدي إلى إرباك وانحراف البحث العقلي. ورأى آخرون مثل هيوم ولوك أن الخبرة (كإحساسات ذرية) زودت العقل ببعض مصادر المعرفة على الأقل، وإن كانت ذات طموحات محدودة. اتفق النهجان الفلسفيان العامان على أن التصورات والمفاهيم مختلفة ومتوترة، واتفقا على أن الإحساس يخضع لوجهة النظر، ووثيق الصلة بالسياق، كما اتفقا على أن تلك النسبية خلقت إشكالية حول المهمة المفترضة للفلسفة ـ أن تعرف بشكل يقيني ـ واختلفا فقط حول درجة تلك الإشكالية.
أنكر ديوي صحة القناعة التجريبية الشائعة التي تذهب إلى أن الإحساسات محتوى قابل للانفصال بشكل قاطع عن الوعي. وزعم أن هذا الاعتقاد أثمر “صناعة معرفية متكاملة” تم تكريسها للوصول إلى حل المشكلة العامة “للمراسلات”، والاشتمال على ألغاز محددة (حول وجود العالم الخارجي، والعقول الأخرى، وحرية الإرادة، إلخ) (Propositions, Warranted Assertibility, and Truth”, LW14: 179). قامت تلك “الصناعة” بعزل الفلسفة عن وجهات النظر التجريبية المستنيرة في الخبرة، وعن المشكلات العملية الملحة. فيما يخص ظاهرة خصوصية العقل، زعم ديوي أنه على الرغم من أن لدينا وقائع لما ندعوه الخصوصية العقلية، إلا أنها تطور إنساني لاحق. “الشخصية، الذات، والذاتية، جميعها وظائف نهائية تنبثق من التفاعلات المنظمة والمعقدة، العضوية والاجتماعية” (EN, LW1: 162; see also 178-79). فيما يخص الذرية الحسية، تم عرضها آنفا في القسم الخاص بعلم النفس، وقد أوضح ديوي أن الإحساس يرسخ في قلب دائرة حسية حركية أوسع، معاملة لا ينبغي حجرها على أي طور مفرد ـ أو على الوعي. ينبثق الوعي بنحو ديناميكي، من ارتباطات العقول، والأجساد، وبيئاتها، حيث تتضمن “البيئة” اللغة والثقافة الإنسانيتين. (ضع في اعتبارك مدى ضبابية الحدود بين “الإحساس” و “الثقافة”، ومدى الاختلاف في مذاقات الطعام في ظروف وثقافات متباينة).
وجه ديوي نقدا شديدا كذلك إلى الرؤى التقليدية للفكر التأملي. فالعقل ليس جامدا، ولا جوهرا قائما بنحو منفصل عن الجسد ـ أو عن التاريخ، والثقافة. الاستدلال العقلي هو أحد وظائف العقل، وليس نتاج “قوة” منفصلة، كما أنه ليس “خلاصة” الشعور. وإنما تتغلغل فيه من المشاعر والضرورات العملية. وفي حين يمكن “حصر” الشعور أو الضرورة التي تزاحم التفكير الجاري؛ من الحقيقي بالرغم من ذلك أن الاستدلال العقلي يقوم على “عالم كيفي” أوسع، عالم “يشكل مجال أنماط التفكير المميزة، والتميز في هذا التفكير يكون منضبطا بنحو تام بالاعتبارات النوعية” (“Psychology and Work”, LW5: 243).
3.3 الجانب الإيجابي في مذهب ديوي في الخبرة
بالإضافة إلى القسم الخاص بعلم النفس، ترسم تلك التفاصيل حتى الآن إطار رؤية جون ديوي: حيث تم التعامل مع الخبرة إجرائيا، واجتماعيا، ولم تحدد سلفا باعتبارها “عقلانية” أو “عاطفية”، بنحو قاطع. وفيما يلي، ثلاث سمات إيجابية إضافية: الأولى: الخبرة بوصفها تجريبية. الثانية: الخبرة بوصفها أمر أوَّلي (“كان”) مقابل أمر ثانوي (“معروف”). الثالثة: الخبرة بوصفها منهجية للفلسفة.
أولا: الخبرة صفة تجريبية في الأساس. وقد أثر ذلك على ديوي في أدواره التربوية العديدة. تتضمن خبرات الأطفال أطوار متناوبة: التصرف والتصرف معهم. تصبح مثل تلك الأطوار “تجريبية” عندما يربط العامل على نحو واع بين ما يحاوله وبين ما يسفر عنه، مدركا في النهاية أي هذه الأفعال هو المهم للتحكم في الأحداث المستقبلية. “التعلم” هو اسم ما ينتج عن الخبرة بوصفها تجريبية[11].
ثانيا: كما أوضحنا، لم يرى جون ديوي أن الخبرة معروفة أو تصورية بنحو أولي، فالكثير قد ” تم الشعور به” أو “had”. يدعو ديوي مثل هذه الخبرة: مباشرة، أو أولية had. الخبرة الأولية لا تكاد تكون منضبطة، أو تم التفكير فيها، بينما تتسم الخبرة الأخرى بـأنها “معرفة” أو وساطة التفكير، فإن ديوي يعنون مثل هذه الخبرات بأنها “غير مباشرة”، “ثانوية”، أو “معروفة”. تصدر الخبرة المعروفة عن الخبرة الأولية أو المباشرة بطرق هادفة وانتقائية، يعزل فعل المعرفة علاقات أو روابط بعينها. يقدم كتاب “البحث عن اليقين” وصفا وافيا:
تحصل المواقف التي نجربها من طريقين، وتكون على ضربين متميزين. بعضها يحدث بقدر بسيط من التنظيم، التبصر، الإعداد، والقصد، والآخر لأنه جزء من حدث سابق للفعل العاقل. كلاهما يحدث، ونمر به، فنستمتع أو نقاسي. واحدة غير معروفة، وغير مفهومة، فهي من فعل الحظ، أو تدبير القدر. والأخرى لها معان تقدم الناتج المجمَّع للعمليات التي تستبدل الاستمرار المحدد بالانفصال المجرَّب، والصفات المجزأة الراجعة إلى العزلة عند مرورنا بها (QC, LW4: 194)[12] .
إن التمييز: الأولي/المعروف had/known، طريقة لوصف الوجود دون الافتراض المسبق لثنائية بين الظاهر/الواقع. الكثير من الخبرة غير معروف لنا لعدم كونها متوهمة أو بالكاد واضحة، فلسنا محصورين في كهف يمتلئ بالأوهام، وليس غير جدل عقلي يدفعنا قِدما. إنما ننخرط ونتماشى مع عالم غير كامل المعاني. نحن نجاهد من أجل عالم ذي مغزى، لكن في حين أن بعض المعاني التي تم ابتكارها، تساعد في التنبؤ بالظروف والتحكم بها، وبعض المعاني الأخرى نستمتع بها ببساطة ـ لكن ذلك لا يجعلها أقل واقعية.
ثالثا: اعتُبرت الخبرة أيضا “منهجا”. يحتاج هذا بعض التفاصيل.
كان تمييز جون ديوي الخبرة “الأولية” و”المكتسبة” أكثر من مجرد ملاحظة ظاهراتية، بل كان توجيها ميتافلسفيا يتعلق بالكيفية التي يجب أن تُمارس بها الفلسفة. حيث أن الخبرة ليست مجرد “مادة” تبدت أو شُهدت من جانب الوعي، بل هي فاعلية، وتشابك مع الحياة. والفلسفة أيضا فاعلية ـ مما يعني أننا بحاجة إلى أن نمارس الفلسفة بنحو مختلف، ونحتاج إلى الاهتمام بأين وكيف نبدأ، بهذا المعنى تكون الخبرة منهجا[13].
قد يكون من المنطقي أن يتساءل المرء:
إذا كان ديوي يقول إن الخبرة تحدث بنحو أولي (يتم الشعور بها، يتم امتلاكها) وثانوي (انعكاسية، معرفة) معا، فلماذا لم تبدأ بالنظرية؟ أليست هي أيضا خبرة؟
قد يكون رد جون ديوي أنه إذا كانت النظرية أحد أنواع الخبرة، فليست هي نقطة البدء المناسبة، فالنظرية مرحلة وسيطة في البحث. مثلما أننا نعيش حياتنا، فنواجه مشكلات تستدعي الحاجة للبحث، وغالبا تكون هناك حاجة إلى إيجاد أداة تفسيرية وتحسينية. النظرية هي تلك الأداة، تولدت عن تلك العقبات، ولم تأتِ أولا. يقول ديوي: “إن كَرمَة النظرية الوسيطة يرتبط طرفاها بأعمدة الموضوع المُلاحَظ ” (EN, LW1: 11; see also 386).
لم يتحدّ جون ديوي نظريات الفلاسفة السابقين فقط كما فعل جيمس وبيرس من قبله، بل أيضا الافتراضات التي غذَّت مناهجهم. لعقود، كان الفلاسفة يستهلون بحثهم الفلسفي بمفاهيم نظرية مختلفة ـ “الجوهر”، “العقل مقابل الجسد”، “اللذة والغاية الطبيعية”، وهكذا. انتقد ديوي، في أعماله الفلسفية عدد من تلك المسلمات، لكن فكرته هنا ميتافلسفية ـ كيف تدخل هذه المفاهيم في ممارسة الفلسفة كمسلمات. غالبا ما تقوم الفلسفة بتقديم العربة (النظري) على الحصان (العملي). ونحن ببساطة، لا يمكننا أن نعلم ـ ولا يجب أن نفترض ـ أي هذه المصطلحات والنظريات ضروري لتحليل موقف جديد. مع ذلك، فإن كثيرا من الفلسفات افترضت تلك الضرورات. يمكننا أن نطلق على ذلك: افتراض “نقطة البدء النظرية”. قد نتج عنها ما لا يحصى من النقاشات، لقد تم تشويه وتفريغ الكثير من الموضوعات المعقدة والمتغيرة. بشكل عام، لقد عزلت الفلسفة عن المذهب التجريبي الأكثر كمالا، والذي يمكنه من التعامل مع أكثر المشكلات الإنسانية أهمية.
إن اقتراح جون ديوي منهج “الخبرة كمنهج” هو: تنبيه وتوصية إيجابية. إنه ينبه الفلاسفة إلى أن يدركوا أنه بينما تبدو المصطلحات العقلية “أصلية، وأولية، وبسيطة”، فيجب أن تُفهم بأنها “نتاج التمييز والتصنيف” للوضع التاريخي والمعياري (EN, LW1: 386; see also 371-372, 375). ليست “المعرفة” نشاطا قائما بشكل ما فيما وراء الخبرة أو الطبيعة، إنها فاعلية لها وجهة نظر خاصة بها وسمات نوعية. تصدُر المنتجات العقلية إذن عن التحقيقات السابقة، بمحدداتها وغاياتها الخاصة. حتى إن كانت النظرية قد صيغت لأجل موقف جديد ـ وحتى يكون الأمر واضحا، فإن ديوي ليس ضد النظرية ـ يجب أن يتم اختبارها مقابل الخبرة العادية (EN, LW1: 26).
ليس المنهج الذي اقترحه جون ديوي ـ الخبرة كنقطة بدء ـ مجرد “نقلة” فلسفية أخرى، وإنما محاولة ثورية للتفلسف، انطلاقا مما أسماه أورتيجا إي جاسيت: “الحدود المهتزة لحياتنا الخاصة”، وما أطلق عليه دوجلاس براونينج “حجر الأساس” (Ortiga y Gasset 1957: 40; Browning 1998: 74)[14] كتب ديوي:
إن المنهج التجريبي أو الدلالي يخبرنا بأنه يجب علينا أن نتخطى تحسين وتفصيل الخبرة الإنعكاسية إلى الأشياء الكلية والإلزامية في أفعالنا، ومتعنا، ومعاناتنا ـ إلى الأشياء التي تجبرنا على العمل، وتشبع حاجاتنا، وتدهشنا بالجمال، والتي تفرض الطاعة المحكومة بالجزاءات (EN, LW1: 375-76).
مثل هذا المنهج يكون حاسما، إذ يفرض على البحث أن يختبر التأويلات والأحكام السابقة، في مقابل ما يلقوه في حياتهم في مواقف جديدة (EN, LW1: 364). يستلزم من ذلك أن تفرض الفلسفة، باعتبارها ممارسة، على نفسها نموذجا أكثر راديكالية وحيوية للتنظير، يركز على المعاملات الأكثر قربا بالخبرات والمشكلات القائمة. يجبر هذا الفرض بدوره الفلسفة على التعامل مع موضوعات جديدة (ونظريات)، تتجاوز “مشكلات الفلسفة” التقليدية، وأن تتبنى فكرة أن “نقطة البدء هي الإشكاليات الواقعة” (EN, LW1: 61).
3.4 الميتافيزيقا
لقد تمت مناقشة معظم الأمور المركزية لميتافيزيقا ديوي ـ ضوابط تعاملات الكائن والبيئة، العقل، الوعي، والخبرة. وفقا لذلك، سيركز هذا القسم على تطور مفهوم “الميتافيزيقا” عند ديوي، والمشروع الأساسي في كتابه الخبرة والطبيعة، هو كيف قُصد لما يُسمى الميتافيزيقا التجريبية أن يعاد ربطها بالفكرة القديمة عن الفلسفة كحكمة، وأخيرا، سنذكر باختصار بعض الانتقادات التي وجِّهت إلى ميتافيزيقا ديوي.
3.5 تطور مفهوم “الميتافيزيقا”
كان الجدل حول معنى محدد لمصطلح “الميتافيزيقيا” ما زال قائما في عصر ديوي كما هو الآن في عصرنا الحالي. منذ البداية، سعى ديوي إلى نقد وإعادة بناء المفاهيم الميتافيزيقية (مثل: الواقع، الذات، الوعي، الزمن، الضرورة، والفردية) والمذاهب (مثل: سبينوزا، ليبنتز، كانط، وهيجل). سعى ديوي، مثل زملائه البراجماتيين: بيرس، جيمس، وميد، إلى تحويل الميتافيزيقيا لا إلى استئصالها. كما هو موضح آنفا، كانت وجهات النظر الميتافيزيقية المبكرة لديوي أقرب إلى المثالية، لكن الارتباطات بالعلوم التجريبية، والمذهب الذرائعي، أقنعه بالتخلي عن المشروع الميتافيزيقي التقليدي، لتقديم عمل نهائي وكامل للواقع überhaupt.
نشط اهتمامه الكامن بالميتافيزيقيا في كولومبيا، بتأثير زميله ف. ج. وودبريدج، الذي أوضح كيف يمكن للميتافيزيقيا أن تتم بطريقة “وصفية”، بدلاً من الطريقة الماوراء طبيعية (“Biography of John Dewey”, in Schilpp 1939: 36). ورغم أن العديد من أهم كتابات ديوي تهتم بالميتافيزيقيا، فقد اهتمت أيضًا بالخبرة (تمت مناقشتها أعلاه)، ويجب إيلاء اهتمام خاص بـ “مسلمة التجريبية المباشرة” (1905, PIE, MW3) و”موضوع البحث الميتافيزيقي” (1915, MW8)، و”المقدمة” التي أنجزها لمقالات في المنطق التجريبي (1916c, MW10) ـ وكل الخطوات الحيوية نحو عمله الأصيل: التجربة والطبيعة[15]. تطورت الفصول الأخيرة من الخبرة والطبيعة، التي تتناول الفن والخبرة التكاملية في كتابه الفن خبرة (1934b, LW10) وهو مصدر إضافي للمناقشات الميتافيزيقية المهمة.
بينما تميل العناوين إلى حجب ابتكارات ديوي، فمن الأسلم القول بأن ديوي كان لديه نهج ميتافيزيقي واقعي، وطبيعي، ناشئ، وغير مختزل [16]. لقد سعى إلى وصف أكثر الملامح عمومية (“السمات العامة”) للطبيعة، بطريقة حققت الإنصاف التجريبي للعالم كما هو في تعاملنا معه، والتي يمكن أن تكون مفيدة بالنسبة للمحاولات المستقبلية لوصف العالم وتغييره للأفضل. على العكس من المذاهب الميتافيزيقية الأخرى، قال ديوي صراحةً بأن الميتافيزيقيا تقدم شيئًا إضافيا: هو النقد. في النهاية، انتهى ديوي في وصف جهوده إلى أنها “ميتافيزيقيا” و”منهج” معا، أي: “التكاتف بين المشكلات والفرضيات المختلفة في منظور واحد” (“Nature in Experience”, LW14: 141-142). ووصف مشروعه بأنه مستوحى من “وجهة نظر محددة” ومن العالم الإنساني المعاصر (“Half-hearted Naturalism”, LW3: 75-76).
3.6 مشروع الخبرة والطبيعة
يشتمل كتاب الخبرة والطبيعة على توسع نقدي للمقاربات الميتافيزيقية القديمة، خاصة فيما يتعلق ببحثها عن اليقين، وافتراض إطار الظاهر/الواقع، وعلى نظرية عامة إيجابية، تُعنى بكيفية تموضع الوجود الإنساني في الطبيعة. وقد تم تقديمها كنظرية تجريبية، ووصفية، وافتراضية، تتجنب ادعاء الوصول إلى ما وراء “الخبرة في أشكالها البسيطة”، والتي يرى ديوي أنها تمنحنا “دليلا لعالم مختلف، وتدل على ميتافيزيقا مختلفة” (EN, LW1: 47). ينظر كتاب الخبرة والطبيعة إلى الخصائص القائمة للثقافة الإنسانية، بنحو أنثروبولوجي، لرؤية ما الذي تكشف عنه، وبشكل أعم، عن الطبيعة. إن فصل وتحليل ووصف “السمات العامة للوجود” وعلاقاتها ببعضها البعض، هو إحدى نتائجها المهمة.
بينما يفتقر هذا المُدخَل إلى مساحة ولو حتى لمختصر صغير، يجدر الإشارة إلى أن كتاب الخبرة والطبيعة يبدأ بنقاش موسع للمنهج والخبرة كنقطة بدء جديدة للفلسفة. يتبعه عرض شامل للسمات العامة التي تستحضر في الوقت المناسب، وتخبر عن نقاشات تُعنى بالعلم، التكنولوجيا، الجسد، العقل، اللغة، الفن، والقيمة. وبينما لم يتم تقديم السمات بنحو منهجي (عند ميتافيزيقيين آخرين مثل: سبينوزا أو وايتهد) فإن هناك تقدم يتجه من الأكثر جذرية إلى الأكثر تعقيدا[17].
3.7 الميتافيزيقا التجريبية والحكمة
بما أن ديوي براجماتي، ومؤمن بصيرورة الإنسان إلى الصلاح، فمن الجدير أن نسأل: كيف يمكن للميتافيزيقيا أن تساهم في العالم، متجاوزةً الفلسفة الأكاديمية؟ كان طموح ديوي الأكبر إعادة الفلسفة إلى مهمة تقليدية وقديمة ـ السعي إلى الحكمة. وبينما يصف ديوي الفلسفة بأنها نقدية بنحو أصيل، وأنها “نقد للنقد”، كيف يؤدي ذلك إلى ميتافيزيقيا تجريبية، افتراضية، وطبيعية؟ (EN, LW1: 298)، يطرح ديوي القضية بشكل وقائي:
كبيان للسمات العامة التي تتجلى بفعل أساليب الحياة بجميع أنواعها، بغض النظر عن تمايزها إلى جسدية وعقلية، يبدو أن [الميتافيزيقيا] لا علاقة لها بالنقد والاختيار، مع حب حقيقي للحكمة. (En, LW1: 308).
يجيب ديوي على سؤاله من خلال سرده للسمات العامة، والتي من المفترض أنها توفر “خريطة أساسية لمجال النقد، وتنشئ خطوطًا أساسية ليتم توظيفها في تقسيمات ثلاثية أكثر تعقيدًا” (EN, LW1: 308)[18]. يمكن للخرائط الجديدة، والطرق الجديدة في النظر إلى الوجود، أن تبطل الحقائق البديهية القديمة ـ على سبيل المثال: الرجال عقلانيون والنساء عاطفيات، والبشر أذكياء والحيوانات أعجمية، وغير ذلك ـ وتيسر إنشاء معاني جديدة. لقد رسخت العديد من الأدوات المفاهيمية للفلسفة (الأنواع، الفئات، الثنائيات، الأهداف، والقيم)، وكانت إعادة النظر في “ماذا” و “كيف”، بالنسبة للوجود؛ أساسًا لبداية جديدة.
يتناسب نشاط إنشاء خرائط ميتافيزيقية مع الدور الأكثر تفاعلًا الذي تصوره ديوي للفلاسفة. كان الفيلسوف يقوم بما أسماه ديوي: “ضابط الاتصال”، ما يشبه الوسيط الدلالي القادر على مساعدة أولئك الذين يتحدثون في أغراض متضادة (أو بلغات مختلفة) على التواصل بفاعلية أكبر (EN, LW1: 306). تُستمد الخرائط الميتافيزيقية من الظروف والأغراض المعاصرة، لذلك فإنها لا تعد باليقين أو الدوام. الحقيقة، أن السمات العامة “متداخلة بشكل وثيق بالفعل، حتى أن جميع القضايا المهمة تهتم بدرجاتها والنسب التي تحفظها فيما بينها” (EN, LW1: 309). ومثلما يجب إعادة رسم الخرائط المادية، بناءً على الاحتياجات والأغراض المتغيرة، كذلك الأمر بالنسبة للخرائط الميتافيزيقية؛ في هذه الأثناء، نأمل أن النقد بات أكثر دقة، وحُفظت القيمة بشكل أكثر فعالية.
3.8 أوجه النقد إلى ميتافيزيقا ديوي
تلقى ديوي العديد من الانتقادات لوجهات نظره الميتافيزيقية ورد عليها، منذ عام 1905 “مسلمة التجريبية المباشرة” وما بعدها. غالبًا ما أغفل النقاد أن موقفه كان يهدف إلى بتر الضروب الميتافيزيقية السائدة، وفي كثير من الأحيان، كانت وجهة نظره تتوافق مع موقف قائم أو آخر (تم النظر إليه بشكل مختلف، كما هو الحال مع الواقعية، المثالية، النسبية، الذاتية، وما إلى ذلك. انظر: Hildebrand 2003). كان أحد الانتقادات المتكررة أن وجهة النظر التي قدمها في كتابه التجريبية الفورية: (“الأشياء هي على ما تكون خبرتنا بها”) لا يحتمل إمكانية إنتاجها لميتافيزيقيا؛ لأنها تقوم فقط على نوع خبرة ذاتية وفورية لا تلائم أعماله الأكثر اتصافا بالوساطة والموضوعية. كانت هناك ردود أفعال مشابهة، بعد عشرين عامًا من نشر الخبرة والطبيعة، من نقاد هاجموا التناقض بين “التجربة” و”الطبيعة”[19].
انتقادات لاحقة تم شحذها حول التوتر المفترض بين بؤرتين مركزيتين عند ديوي: “الصفات” مقابل “العلاقات”. الصفات فورية بينما العلاقات توسطية، كيف يمكن لهما التعايش في نفس المادة من الخبرة؟ يبدو أن هناك تناقضًا في وجهة نظر ديوي[20]. أمسك ريتشارد برنشتاين (1961) بهذه القضية، وادعى أن ديوي كان يؤوي سلالتين لا يمكن التوفيق بينهما ؛ “سلالة ميتافيزيقية” و “سلالة ظاهراتية”، لكنه فشل في تفسيرها بنحو كاف بواسطة “مبدأ الاستمرارية” الخاص به. في أحد الردود على ذلك ذهب إلى أن مثل هذه الانتقادات تبطُل باستنساخها بغير علم لوجهة نظر متفائلة، كانت نقطة بدء ديوي مصممة لتجنبها[21].
ناقش بعض المتخصصين في البراجماتية والفلسفة الأمريكية في السنوات الأخيرة، ما إذا كان على ديوي الانخراط في الميتافيزيقيا أصلا. زعم البعض، مثل ريتشارد رورتي وتشارلين هادوك سيجفريد أن نقد ديوي للميتافيزيقيا التقليدية كان فقط ما كان عليه فعله. وأن مواصلته ذلك انحرفت به عن العمل الأخلاقي الأكثر أهمية (Seigried 2001a, 2004) أو غاصت به في مشاريع تأسيسية كان قد سبق له التخلي عنها (“Dewey’s Metaphysics” in Rorty 1977). وزعم آخرون أن ديوي اخترع نهجًا جديدًا أصيلا للميتافيزيقيا، يتجنب المشاكل القديمة، بينما كان يساهم بشيء مفيد للثقافة بشكل عام (Myers forthcoming, Garrison 2005, Boisvert 1998a, Alexander forthcoming).
- البحث والمعرفة
4.1 الجذور العضوية للذرائعية
أفاد النموذج التفاعلي العضوي الذي طوره ديوي في علم النفس، بشكل معرفي في نظرياته في التعلم والمعرفة. بالنظر إلى هذا الإطار البيئي الجديد، فإن مجموعة من الاقتراحات والألغاز المعرفية التقليدية (القائمة على التقسيمات الميتافيزيقية، مثل: المظهر/الواقع، والعقل/العالم) فقدت مصداقيتها. وكتب ديوي: “بقدر ما يكون الاهتمام بمسألة علاقة الذات بالأشياء المعروفة… فإن المعرفة لا تزيد عن مجرد حالة خاصة للعميل المريض، لموقف المتصرف ـ المستمتع ـ المُعاني” (“Brief Studies in Realism”, MW6: 120).كما رأينا سابقا في علم النفس، فإن رفض ديوي بالجملة للإطار الميتافيزيقي الأساسي للتراث الفلسفي، يتطلب إعادة بناء شاملة في كل مجال آخر. وأحد الأسماء الشائعة لعمل ديوي في إعادة بناء الإبستمولوجيا (أو “نظرية البحث”، كما فضل ديوي تسميتها) كان: “الذرائعية (أو الأداتية)”[22].
وكما فعل المذهب الوظيفي النفسي سابقا، استندت النزعة الأداتية إلى نقطة بدء داروينية، من أجل انتقاد وحَل التقسيمات الراسخة، على سبيل المثال: بين الواقعية/المثالية، العلم/الدين، التجريبية/العقلانية. من وجهة النظر هذه، يُعتبر التغير والتحول من الملامح الطبيعية للعالم الواقعي، والمعرفة والمنطق هما وسيلتان للتأقلم، البقاء، والازدهار. إن حيوية العالم الذي نفكر فيه، وأسسه الديناميكية والبيولوجية، أكثر إفادة بالمعرفة والحقيقة من صيغ الفيزياء أو الرياضيات، التي احتفت بهما الفلسفة على مدار تاريخها. وبينما تعترف الذرائعية بالإسهامات الحسية، فإنها تصر أيضًا على القوة الاستدلالية للتفكير المنطقي[23].
يمكن رؤية البيانات الأولى للذرائعية (والانفصامات النهائية التي قام بها ديوي مع المنطق الهيجلي) في مقال: “بعض مراحل التفكير المنطقي (Dewey 1900 [1916], MW1)؛ يتتبع هذا المقال عمل بييرس (مدخل بييرس عن البرجماتية، البرجماتية والمنهج العلمي)[24] وخاصة مقالات 1877-1878 الشهيرة، التي تناصر توسيع إطار التفكير العلمي، أي: “عملية البحث الشاك (MW1: 173, see also Peirce 1877, 1878)، تم تطوير هذا العمل في دراسات عن النظرية المنطقية (Dewey1903b, MW2)، بواسطة ديوي ومعاونيه في شيكاجو. في هذا العمل، يقر ديوي “بالالتزام البارز” لجيمس(Perry 1935: 308-309)[25].
ازدادت الدراسات التي تنتقد المنطق المتعالي، وانتهت إلى أنه لا ينبغي للمنطق أن يفترض وجود الفكر أو الواقع بشكل عام، ولكن يجب أن يستند المحتوى إلى وظيفة أو استخدام الأفكار في التجربة:
يتم اختبار صحة فكرة باستخدامها الوظيفي أو الأداتي، في إحداث انتقال من خبرة متضاربة نسبيًا، إلى خبرة متكاملة نسبيًا. (Studies, MW2: 359)
وهكذا، تتخلى النزعة الأداتية عن كل الثنائيات النفس جسدية، وجميع نظريات المعرفة ذات الطبيعة التناظرية. كتب ديوي:
في العملية المنطقية، ليست المعطيات مجرد وجود خارجي، ولا الفكرة مجرد وجود نفسي. كلاهما أنماط للوجود ـ أحدهما للوجود القائم، والآخر للوجود المحتمل… بعبارة أخرى؛ المعطى والمفهوم datum and ideatum قسما العمل، وأدوات متعاونة، للتعامل الاقتصادي مع مشكلة الحفاظ على اكتمال الخبرة (Studies, MW2: 339-340) .
4.2 ما وراء المذهب التجريبي، والمذهب العقلاني، وكانط
حتى الآن، رأينا أن النزعة الأداتية عند ديوي تشكل جزء متوافقا مع مكونات منهجه الأخرى. لكنها كانت تستجيب كذلك للجدل القائم في المواقف المعرفية للفلسفة، وبشكل خاص؛ التوتر الحاصل بين التجريبية والعقلانية البريطانية (انظر مدخل حول العقلانية مقابل التجريبية)، وبين التوليف الكانطي. سيكفي عرض مختصر لتقديم استجابة ديوي.
أصر التجريبيون الكلاسيكيون على أن أصول المعرفة تكمن في التجربة الحسية. وقد حفزهم جزئياً القلق من أن المذهب العقلاني، الساعي لإرجاع المعرفة إلى الفكر وحده (بدلاً من المثيرات الحسية المستقلة المحددة)، لم يتم التحقق منه أيضا. بدون الحدود التي تفرضها تجربة الحس، ستستمر الفلسفة في إنتاج العقائد الجامدة التي تتصف بالجموح والانحراف. كان هناك اهتمام حقيقي بالتقدم العلمي في التجريبية الكلاسيكية، كما عند ديوي؛ كان على العلم أن يبتعد عن النظريات التي لا تقوم على دليل ثابت حتى يتقدم. تطور المذهب، ثم ادّعى بواسطة شخصيات مثل لوك، بيركلي، وهيوم، (في نسخة لوك) أن العالَم يكتب على لوح فارغ مستقبِل؛ هو العقل، بلغة الأفكار. تتولد المعرفة بواسطة قدرات الذاكرة، الترابط، والخيال، وفي مذهب التجريبيين؛ على التفاصيل الإضافية لما هو معروف أن تكون قابلة للتحقق مع أصولها في الخبرة الحسية.
في المقابل، زعم العقلانيون بأن المعرفة يقين مجرد واستنتاجي بطبيعتها. ضع في اعتبارك خبراتك الحسية للحظة: فهي متدفقة، وفردية، وتتغلغل فيها النسبية الناشئة عن ما لا حصر له من الظروف الخارجية. كيف يمكن اشتقاق رواية فلسفية للمعرفة الأصيلة ـ يقينية، وبديهية، وغير متغيرة ـ بالضرورة باستخدام منهج مأخوذ بتدفق حسي؟ يجب أن تُستمد المعرفة بدلاً من ذلك من المفاهيم الداخلية التي يمكن أن تكون يقينية. يتم إنتاج المعرفة إذن من قبل كيان لا مادي؛ هو العقل، مع قوة تعمل على إدراك ما هو فطري، وتبقى مستقلة منطقيا عن الغايات العملية، والأحداث الطارئة للجسد المادي للمرء.
استجاب كانط لهذا التوتر التجريبي ـ العقلاني، بالسيطرة على تطرفهما. وذهب إلى وجوب أن تتوقف الفلسفة عن محاولة تجاوز حدود الفكر والخبرة. وأن الطموح الملائم للفلسفة هو أكثر تواضعا ـ وهو اكتشاف ما يمكن معرفته في عالم الظواهر. رفض كانط، بعد ذلك، أي دور أساسي للتصورات أو للمفاهيم، زاعما بدلاً من ذلك بأن الحس والعقل يتشاركان في المعرفة. الأهم من ذلك، قول كانط بأن ما تتطلبه نظرية المعرفة هو مذهب للعقل، ينظر إليه كقوة منهجية وبناءة. سبق لديوي طرح هذا الصراع المعرفي ثلاثي المنهج في مناقشة سابقة لورقة “القوس الانعكاسي”، مع عمله في المكون الطبيعي للدائرة الحسية. إن أي اقتراح يقوم على الفصل بين العقل والجسد ـ أو على افتراض أن المثيرات (سواء كانت عللا أو انطباعات أو أيا كان) ذرية وبحاجة إلى التوليف ـ لم تكن صالحة كبداية بالنسبة لديوي[26].
قبل ديوي بعض انتقادات كانط للعقلانية والتجريبية، لكنه استنكر نشر كانط لعدة افتراضات مهمة ولكنها غير مبرهنة. وكان الأهم من بين هذه الافتراضات: الفكرة القائلة بأن المعرفة يجب أن تكون يقينية، وأن الطبيعة والفكر متمايزان بشكل قاطع، وأن عالم الأشياء في ذاتها (Things – in – themselves) طرحٌ مبرهن. بالإضافة إلى ذلك، شكك ديوي في ادعاء كانط بأن الأحاسيس التي تدعم المعرفة غير دقيقة، ومبدئيا ـ فإن هذا الادعاء هو مجرد طرح آخر أدى إليه معمار فلسفة كانط. من الناحية المنهجية، وربما كان الأمر الأكثر أهمية، أن ديوي تبع جيمس في انتقاد مجمل وجهة نظر كانط، باعتبارها تشارك بالمراقبة من بعيد يمكن للمرء، من وجهة النظر البراجماتية، وليم جيمسية، و”التجريبية الجذرية”، أن يتقبل كواقع (وإن ليس بالضرورة أن يكون معروفا)، تنوعا من الظواهر، سواء كانت واضحة، غامضة، محسوسة، متذكرة، أو متوقعة… إلخ.
فبالنسبة إلى ديوي إذن، لا يستطيع كانط تحقيق المنظور الفلسفي الضروري للتوليف الديناميكي للإدراك والتصور، والطبيعة والعقل، والممارسة والنظرية. في حين كان نموذج كانط للعقل النشط والهيكلي، يمثل تقدمًا واضحًا على الأنظمة الأكثر سلبية، إلا أنه حافظ على التصوير العكسي للمعرفة؛ كمرآة أمينة للواقع. كانت البصيرة المفقودة هي المعرفة كأداة ديناميكية تتكون من إدارة الخبرة المستقبلية (التنبؤ، التحكم، والتوجيه). في هذا الإطار، فإن تحديد “المعرفة” يماثل الحكم على قيمة العين أو اليد، لشخص يسأل عن كيفية تأثيرهما على قدرة الكائن الحي على التأقلم:
ما يقيس قيمة [المعرفة] وصحتها وحقيقتها، هو درجة توافرها لمباشرة ناجحة لفاعليات الكائنات الحية (The Bearings of Pragmatism Upon Education:, in MW4: 180 “).
وهكذا، استبدل جون ديوي منهج كانط في مركزية العقل، بمنهج يركز على معاملات الطبيعة ـ الخبرة؛ “وهو انقلاب”، كتب ديوي، “مشابه للثورة الكوبرنيكية” (QC, LW4: 232).
4.3 البحث، والمعرفة، والحقيقة
في سياق النزعة الأداتية، ما الذي يرقى إليه “المنطق” و”نظرية المعرفة”؟ لا يزال جون ديوي يركز على هذه المواضيع، لكنه أصر على نهج أكثر تجريبية. فتساءل: كيف يحدث التفكير والتعلم بالفعل؟[27] يعالج ديوي طبيعة المنطق في دراسته الرئيسية عام 1938، المنطق: نظرية البحث (LTI, LW12)؛ والمصطلح الذي استخدمه هو “البحث في البحث”. وأخذ كتاب المنطق على عاتقه القيام بعملية منهجية لجمع، تنظيم، وتفسير الظروف الفعلية لمختلف أشكال البحث، وكان الهدف من هذا المنطق المعاد بناؤه، كما ذكر في عام 1917 في مقاله “الحاجة إلى استعادة الفلسفة” براجماتي وتحسيني يهتم بتوفير “مساعدة مهمة في التوجيه السليم لمحاولات أخرى في المعرفة” (MW10: 23).
وصف جون ديوي عمليات وأنماط واضحة في حل المشكلات النشطة طوال حياته المهنية. نعرض هنا ثلاثة منها: البحث، المعرفة، والحقيقة. يرى ديوي أن هناك “نمط بحث” يسود في حل المشكلات. وهو يتكون كما في “تحليل التفكير الانعكاسي” (1933, LW8) وفي “المنطق، أو نظرية البحث“، من خمس مراحل. ويتنصل بشكل صريح من التقسيمات القاطعة بين العاطفة والعقل، تبدأ المرحلة الأولى من البحث (1) مع الشعور بشيء خاطئ، شكٌ فريد ومحدد، يدوم هذا الشعور ككيفية راسخة، يتشربها البحث، ويعمل كنوع من “الدليل” للمراحل اللاحقة. المرحلة التالية؛ بسبب أن ما هو موجود في البداية غير محدد، (2) يجب صياغة المشكلة بنحو محدد؛ فالمشاكل ليست بحثا موجودا بنحو مسبق كما يفترض عادةً.[28] بعد ذلك، (3) يتم وضع فرضية، تستخدم بشكل تصوري كلا من الأفكار النظرية والوقائع الإدراكية، للتنبؤ بالعواقب المحتملة للعمليات المختلفة. بعد ذلك، يتدبر المرء في المرحلة (4) المعاني المشاركة في الفرضية لتقدير المقتضيات أو التناقضات المحتملة، وكثيرًا فإن ما يتم اكتشافه هنا، يتطلب الرجوع إلى مرحلة سابقة (لإعادة صياغة الفرضية، أو حتى المشكلة)[29]. وأخيرًا، يصل البحث إلى نهايته مع المرحلة (5) التي تعمل على تقييم واختبار الفرضية، هنا، يتم الكشف عما إذا كان الحل المقترح يحل المشكلة، أو بحسب اصطلاحات كتاب “المنطق”، ما إذا قام البحث بتحويل “موقف غير محدد” إلى “موقف محدد”.
كان نمط البحث الذي رسمه جون ديوي تخطيطيا، ولاحظ ديوي أن حالات الاستدلال الفعلية لا تُظهر مثل هذا التمايز أو الخطية في الغالب. وبالتالي، ليس النمط ملخصًا للكيفية التي يفكر بها الناس دائمًا، بل بالأحرى لكيفية استكشاف الحالات النموذجية للتفكير الاستقصائي (على سبيل المثال: في العلوم التجريبية).
المعرفة كما يراها جون ديوي نموذج لاستقصاء معاملات، تحيد عن التراث المعرفي في الواقع، قد تم إنزالها إلى الأرض. “المعرفة، كمصطلح مجرد”، كتب ديوي:
هي اسم لما ينتج عن الاستقصاءات القديرة. وبعيدا عن هذه العلاقة، فإن معناه يكون فارغا تماما، بحيث يمكن لأي محتوى أن يُصب فيه بشكل اعتباطي (LTI,LW12: 16) .
لفهم منتج ما، يجب على المرء أن يفهم العملية التي أنتجته، هذا ما يفعله جون ديوي. إنكار أهمية المعرفة بكونها منتج قابل للعزل، ينكر بشكل فعال نهجا ميتافيزيقيًا للواقع، يجعل العقل الجوهري منفصلا عن كل شيء آخر. إنه لا يقلل من أهمية المعرفة كنشاط، وقد أكد ديوي بشدة أن “الذكاء” هو الوسيط الحاسم في الصراع الفردي والمجتمعي[30].
تم أيضا إعادة تقييم الحقيقة بشكل جذري. لفترة طويلة، كانت الحقيقة تتضمن مثالا ـ استقرارا معرفيا (تماثل، تماسك) يمكنه أن يقضي على أي بحث آخر. وحيث أن هذا ليس هو الوضع الفعلي الذي يعيشه البشر (أو الفلسفة)، فيجب وضع المثال جانباً. كان جون ديوي دوما مجدد البنائية التعليمية، قدم في كتابه “الخبرة، المعرفة، والقيمة” (c1939) وجهة نظر للحقيقة، بحيث لم تعد تشير إلى شيء ما متعالٍي، بل نحو عملية البحث (“Experince, Knowledge, and Value”, LW14:56-57). إن وصف افتراض ما بأنه “صحيح”، يعني القول بأنه يقدم بعض الموثوقية كمصدر لبحث تالي:
في البحث العلمي، يكون المعيار الذي يتم إقراره أو معرفته مستقرا بحيث يصبح متاحًا كمصدر لبحث آخر، وعدم إقراره بهذه الطريقة مثل ألا يصبح موضوعا للمراجعة في بحث آخر. (LTI, LW12:16)
الحقيقة لا تقف خارج الخبرة، لكنها علاقة معاشة، وبشكل خاص تلك التي يتم مشاركتها اجتماعيا. في كتابه كيف نفكر، كتب جون ديوي:
الحقيقة في التحليل النهائي هي حالة الأشياء “كما هي”، وليست كما هي في عزلة من خواء فارغ ومقفر، بعيدا عن الاهتمام الإنساني، ولكن كما هي في الخبرة المشتركة والمتطورة… الحقيقة، الصدق، الشفافية، والذيوع الجريء للعلاقات، هي مصدر ومكافأة الصداقة. الحقيقة هي المشاركة في امتلاك الأشياء (HWT, MW6: 67; see also “The Experimental Theory of Knowledge”, 1910b, MW3: 118).
إذن، المعرفة والحقيقة صفات لا أسماء في فلسفة ديوي الذرائعية، وهي تصف عملية يمكن لها أن تستمر مع استمرار وجودنا كما يخبرنا بيرس. “لا يوجد اعتقاد مستقر بحيث لا يتعرض لمزيد من البحث” (LTI, LW12: 16). لفهم السبب في استحقاق كلمات مثل “المعرفة” و”الحقيقة” للتكريم، يجب على المرء أن يفهم قيمتهما التاريخية كأدوات عاونت في الأبحاث السابقة، وساعدت في تأمين خبرات ذات قيمة.
- فلسفة التربية
ربما يكون من الإنصاف القول بأن جون ديوي لا يزال معروفًا في أرجاء العالم بشكل جيد بنظرياته التعليمية (انظر المدخل الخاص بفلسفة التعليم، روسو، ديوي، والحركة التطورية) بمثل ما هو معروف بنظرياته الفلسفية. ومع ذلك، فإن نظرة فاحصة إلى مجمل أعمال ديوي تبين أن هذه النظريات غالبا ما تتراصف معا. أدرك جون ديوي ذلك، ذاكرا أن كتابه العظيم حول التربية الصادر عام 1916 الديموقراطية والتربية (DE, MW9) “كان لسنوات عديدة [العمل] الذي تم فيه شرح فلسفتي كما هي، بشكل كامل” (FAE, LW5: 156) يزعم كتاب الديموقراطية والتربية إمكانية فهم الفلسفة نفسها باعتبارها “النظرية العامة للتربية”. وعوضا عن الميول المتزايدة للفلسفة لأن تصبح شديدة التخصص وذات أساليب فنية خاصة، حث على زيادة الاستثمار في المشاكل التي تؤثر في الحياة اليومية. في الواقع، كانت هذه دعوة لرؤية الفلسفة من وجهة نظر التعليم. كتب ديوي:
يوفر التعليم أرضية مواتية يمكن من خلالها النفاذ إلى المغزى الإنساني باعتباره مختلفا عن المغزى الفني للمناقشات الفلسفية…. إن وجهة النظر التعليمية تمكن المرء من تصور المشكلات الفلسفية حينما تنشأ وتزدهر، وهي في مهدها، وحيث يؤدي القبول أو الرفض إلى إحداث فرق في الممارسة. إذا كنا على استعداد لتصور التعليم على أنه عملية تشكيل الميول الأساسية؛ الفكرية والعاطفية، تجاه الطبيعة وسائر البشر، فقد يتم تعريف الفلسفة على أنها النظرية العامة للتربية. (De, MW9:338)
كان جون ديوي نشيطًا في مجال التعليم طوال حياته. إلى جانب التدريس في المدارس الثانوية والكلية، ابتكر مناهجا تعليمية، وأنشأ، وراجع، وأدار مدارسا، وأقسام التربية، وشارك في التنظيم الجماعي بالمشورة، وألقى محاضرات على مستوى العالم، وكتب، بتوسع، في العديد من جوانب التعليم. وأسس مدرسة مختبر جامعة شيكاجو، كموقع تجريبي لنظريات المنطق الذرائعي، وعِلم النفس الوظيفي. كما أصبحت هذه المدرسة أيضًا موقعًا لممارسة التعبير الديمقراطي من جانب المجتمع المحلي.
5.1 التعلم والتدريس التجريبيين
طبقت ورقة جون ديوي البحثية: “القوس الانعكاسي”، المنهج الوظيفي على التعليم. وزعم فيها أن الخبرة الإنسانية ليست سلسلة مفككة من النوبات المتقطعة، بل دائرة متطورة من الأنشطة. يستحق التعلم أن يؤطر بهذه الطريقة: كعملية تراكمية وتطورية، حيث ينتقل الباحثون من مرحلة الشك غير المُرضية، إلى مرحلة أخرى تتميز بالحل المُرضي للمشكلة. يوضح “الانعكاس” أيضا، أن محل التحفيز (على سبيل المثال: التلميذ) ليس متلقيًا سلبيًا لإحساس، بل يستقبله بين أنشطة جارية أخرى في مجال بيئي أكبر.
يرى جون ديوي أن معرفة هذه الحقائق الأساسية يؤدي إلى أن ينبذ المعلمون أساليب التعليم القائمة على نموذج “الصفحة البيضاء” للمناهج الدراسية. عوضا عن ذلك، يكتب ديوي: في المدرسة والمجتمع: “إن مسألة التعليم هي مسألة السيطرة على أنشطة [الأطفال] وتوجيهها. (MW1: 25) . كان قصد ديوي في كتابه كيف نفكر (1910c, MW6) في المقام الأول إرشاد المعلمين إلى كيفية تطبيق المنهج الذرائعي العملي وإمكانية تطوير غايات التعليم الفكرية، من خلال تعريف الأطفال بالعادات الفكرية العامة للبحث العلمي.
إن السلوك الفطري غير الملوث للطفولة، الذي يتميز بالفضول المتوهج والخيال الخصب وحب البحث التجريبي، قريب جدًا من سلوك العقل العلمي (HWT, MW6: 179) .
بالنظر إلى نهج جون ديوي المختلف في علم النفس، ستكون وظائف التدريس في حاجة إلى المراجعة. بينما لا يزال يتعين على المعلمين معرفة موضوعهم، كما أنهم بحاجة، أيضًا، إلى فهم الخلفيات الثقافية والشخصية للطالب. يتطلب التعلم كنشاط متحد بالمشاكل الحقيقية، تكاملا دقيقا بين الدروس ومتعلمين محددين. كما يجب للاستراتيجيات التحفيزية التقليدية أن تتغير أيضا؛ فبدلاً من الاعتماد على المكافآت أو العقوبات، يكون المطلوب من المعلمين الذين يتبعون منهج ديوي، أن يعيدوا تصور بيئة التعلم بأكملها؛ يجب عليهم دمج أهداف المناهج الدراسية الموجودة مسبقًا مع اهتمامات تلاميذهم الحالية. إحدى طرق القيام بذلك هي تحديد المشكلات المحددة القادرة على الربط بين المناهج الدراسية والطالب، ومن ثم خلق مواقف يتوجب على الطلاب العمل عليها]31]. يتطلب النهج القائم على التركيز على المشكلة، الكثير من المعلمين، بحيث يتطلب التدريب على الموضوعات، وعلم نفس الطفولة، وقدرات تعليمية مختلفة، و دمج كل ذلك معا[32].
5.2 التقليديون، والرومانتيكيون، وديوي
ظهرت فلسفة جون ديوي التعليمية وسط جدال حاد عام 1890 بين “الرومانسيين” و “التقليديين” من التربويين. قال الرومانسيون (المعروفون أيضًا باسم التعليم “الجديد” أو “التطوري” من قِبَل ديوي) بنهج “محوره الطفل”، وزعموا أن دوافع الطفل الطبيعية وفرت نقطة البداية المناسبة للتعليم. ككائنات نشطة ومبدعة، فلا يجب أن يعوق التعليم النمو ـ حتى التعليمات يجب أن يكون خاضعة للمحتوى إذا لزم الأمر. ضغط التقليديون (الذين أطلق عليهم ديوي: التعليم “القديم”) من أجل نهج “محوره المناهج الدراسية”. فالأطفال خزائن فارغة يملأها المنهج الدراسي بدروس الحضارة. كان المحتوى هو الأهم، وعلى نظام التعليم أن يدرب الأطفال للتأكد من جاهزيتهم للتلقي.
طوَّر جون ديوي في العديد من المقالات والكتب (“My Pedagogic Creed”, 1897b, EW5; The School and Society, 1899, MW1; Democracy and Education, 1916b, MW9; Experience and Education, 1938b, LW13, etc.) نموذجًا تفاعليًا تجاوز هذا الجدال. رفض منح امتياز للطفل أو للمجتمع. بينما قام الرومانسيون، بشكل صحيح، بجعل الطفل (مفعم بالقدرات الطبيعية، القوة، العادات، والتاريخ) نقطة انطلاق لا غنى عنها في التربية، ناقش ديوي بأن الطفل لا يمكن أن يكون نقطة البداية الوحيدة. وأن المجموعات الاجتماعية الأكبر (الأسرة، المجتمع، والأمة) لها أيضا حق مشروع في تمرير مصالحها القائمة، والاحتياجات، والقيم، كجزء من التركيبة التعليمية.
ومع ذلك، من بين هذين النهجين، كان موقف ديوي الأكبر ضد القيمة الأساسية التي وضعها التقليديون للانضباط والحفظ. مع الاعتراف بشرعية نقل المحتوى (الحقائق، والقيم)؛ اعتقد ديوي أنه من المهم بالنسبة للمدارس أن تتجنب التلقين. يعني التعليم دمج الأفراد المتفردين، مع وجود مساحة كافية للحرية الشخصية في مجتمع متغير، سيصبح تحت سيطرتهم لاحقا ـ ويجب أن يبقى هذا واضحًا ـ. هذا هو السبب في كون الطفل الطرف الأكثر أهمية. ذهب زميل ديوي وصديق عمره ج. ميد، إلى أن “ذات” أي طفل هي عبارة عن بنية ناشئة من الخبرات الاجتماعية والشخصية، لذلك لا يمكن عزل أفعال الطفل، أو كلماته، أو اهتماماته، عن سياقه الاجتماعي. بقدر ما كانت هذه حقائق علم النفس الاجتماعي، كان على المدارس أن تصبح مجتمعات صغيرة؛ لتعكس، بشكل أفضل، اهتمامات واحتياجات الأطفال المتنامية. “لا يمكن للمدرسة أن تكون تحضيرًا للحياة الاجتماعية، إلا إذا كانت تعيد داخلها الظروف النموذجية للحياة الاجتماعية” (“Ethical Principles Underlying Education”, 1897a, MW5: 61-62)(33).
5.3 الديموقراطية خلال التعليم
كانت جهود جون ديوي للربط بين الطفل، المدرسة، والمجتمع، مدفوعة بأكثر من مجرد الرغبة في أساليب تعليمية أفضل. نظرًا لأن الشخصية، الحقوق، والواجبات، تصدر عن المجال الاجتماعي الذي تشارك فيه، كانت المدارس مواقع مهمة للتعلم، ومعايشة تجربة الديمقراطية. لا تتكون الحياة الديمقراطية من السلوك المدني والاقتصادي فقط، ولكن الأهم من ذلك عادات حل المشكلات، الخيال المتعاطف، التعبير الإبداعي، والحكم الذاتي المدني. النطاق الكامل للأدوار التي قد يلعبها الطفل في الحياة واسع، وبمجرد إدراك ذلك يتوجب على المجتمع أن يجعل التعليم أولويته السياسية والاقتصادية العليا. خلال الحرب العالمية الثانية، كتب جون ديوي:
ستكون هناك ثورة في التعليم المدرسي؛ إذا تم التعامل مع الدراسة والتعلم لا على أنهما اكتساب لما يعرفه الآخرون، ولكن كتطور لرأس مال سيتم استثماره في اليقظة الحريصة على ملاحظة وتقدير الظروف التي يعيش فيها المرء. ولكن، حتى يحدث ذلك، سنكون غير مستعدين للتعامل مع عالم تعد صفته البارزة هي التغير. (“Between Two Worlds”, 1944, LW17:463)
كانت الديمقراطية من وجهة نظر جون ديوي أكثر شمولية من مجرد شكل من أشكال الحكم. كتب ديوي: “الديمقراطية ليست بديلاً عن المبادئ الأخرى للحياة المترابطة [ولكن] هي فكرة الحياة المجتمعية نفسها” (PP, LW2: 328) يتواجد الأفراد في مجتمعات، ومع التغيرات التي تنتاب حياتهم، تظهر الاحتياجات والصراعات التي تتطلب إدارة ذكية، يجب علينا أن نستخلص المعاني من التجارب الجديدة. إن التعليم:
هو إعادة بناء، أو إعادة تنظيم الخبرة، بما يضيف إلى معنى الخبرة، ويرفع القدرة على توجيه مسار الخبرات اللاحقة. (DE, MW9:82)
بعبارة أخرى، كان محرك الهوية السياسية الأمريكية هو التجريب العلمي الإبداعي. من أجل إتمام أدوارهم النهائية كمواطنين مشاركين بشكل كامل؛ احتاج الطلاب إلى تعليم متعلق بالعادات (الخيالية، والتجريبية) التي جعلت العلوم التجريبية ناجحة للغاية. أطلق ديوي على مثل هذه المواقف والعادات: “ذكاء”[34].
إن بيان جميع المجالات التي تمت مناقشتها للتو ـ العلم، والتعليم، والحياة الديمقراطية ـ هو النزعة الطبيعية لـ جون ديوي، والتي تضع الأمل، ليس في ما هو ثابت أو مطلق (الإله، الطبيعة، العقل، الغايات) بل في القدرة البشرية على التعلم من الحياة. في كتابه “الديمقراطية الإبداعية ـ المهمة التي أمامنا” (1939b) كتب ديوي:
إن الديمقراطية إيمان بأن الخبرة أكثر أهمية من أي نتيجة يتم تحقيقها, لذلك، لذلك فإن النتائج الخاصة التي يتم تحقيقها، تكون ذات قيمة مطلقة، فقط، بقدر ما يتم استخدامها من أجل إثراء وترتيب العملية الجارية. وحيث أن عملية الخبرة قابلة لأن تكون تعليمية، فإن الإيمان بالديمقراطية لا يفترق عن الإيمان بالخبرة والتعليم. جميع الغايات والقيم المعزولة عن العملية الجارية، تصبح أسباب إعاقة وترسيخ. إنها تسعى جاهدة من أجل ترسيخ ما تم اكتسابه، بدلاً من استخدامه لفتح الطريق، وتوجيه الطريق إلى خبرات جديدة وأفضل. (“Creative Democracy”, LW14:229)
يتوقف نجاح الديمقراطية أو فشلها على التعليم. التعليم هو العامل الأكثر حسما فيما إذا كان المواطنون يطوروا العادات اللازمة للتحقيق في المعتقدات والمواقف الإشكالية، والتواصل بشكل منفتح في كل زمان ومكان. في حين تهدف كل ثقافة إلى نقل القيم والمعتقدات إلى الجيل القادم؛ فمن الأهمية بحسب جون ديوي التمييز بين التعليم الذي يغرس في الذهن إنشاء الافتراضات التعاونية والإبداعية، وبين التعليم الذي يحرض على الخضوع لمحدودية التفكير والجمود الفكري. ويجب على الفلسفة أن تطبق هذا المعيار ذاته على نفسها.
- الأخلاق
كتب جون ديوي عن الأخلاق كثيرا وبتوسع، طوال حياته المهنية. كانت بعض الكتابات حول الأخلاق بشكل مباشر، أما التحليلات الأخلاقية فنجدها في أعمال ذات محاور أخرى [35]. كما هو الحال في أي مكان آخر، فإن ديوي يبدأ بالنقد، ثم يشرع في إعادة بناء الآراء التقليدية، وزعم أن هذا هو المعتاد بالنسبة للأنظمة التقليدية (كالأنظمة الغائية، الأخلاقية، أو القائمة على الفضيلة)، من أجل الوصول إلى آراء شاملة وأحادية السبب كالأهداف، الواجبات، أو القيم المطلقة. مثل هذه النظرية المثالية تكون ملزمة بشرح المتطلبات الأخلاقية لأفعال الأفراد جميعهم، أو الشخصية.
في المقابل، دافع جون ديوي عن نهج أكثر تجريبية. بدلاً من عمل تفسيري كبير ونهائي للحياة الأخلاقية، تصف الأخلاق مناهجا ذكية للتعامل مع المواقف الجديدة والمربكة أخلاقياً. ليس هناك قيم نهائية منصوص عليها، ولا ينبغي البحث عن أي منها[36]. في أحسن الأحوال، فإن القيمة الوحيدة التي كان يشير إليها هي “النمو”[37]. الأخلاق تعني البحث في ظروف واقعية وإشكالية، قد يستخدم هذا البحث بعض النظريات للإخبار بفرضيات تم اختبارها من خلال الخبرة. قد تُطلق على الفرضيات الموثوقة اسم “المعرفة”، ولكن يجب في النهاية اعتبارها قابلة للخطأ وللمراجعة. عادة ما تشير ملاحظات ديوي إلى العناصر الجمعية (الأهداف، الواجبات، والفضائل)، بدلاً من الإشارة إلى عنصر واحد فقط (TIF, LW5).إضافة إلى ذلك، فإن السلوك الفعلي (بما في ذلك البحث) لا يتم من قبل جهات عقلانية منعزلة، ولكن بنحو أساسي بواسطة كائنات اجتماعية[38]. كتب ديوي عن “السلوك”:
مشترك دائمًا، وهذا هو الفرق بينه وبين العمليات الفسيولوجية. ليس من “اللازم” أخلاقيا وجوب أن يكون السلوك اجتماعيًا. فهو اجتماعي سواء كان سيئًا أو جيدا. (HNC, MW14:16)
تستخدم نظرية جون ديوي الأخلاقية، مثل نظرياته في التعليم والسياسة، وجهات نظره الإجرائية الخاصة بالخبرة، العادات، البحث، والذات التواصلية والاجتماعية. كما أنها تشكل مثلا لميتافيزيقيا ديوي الخاصة بعالم عارض ومستقر معا، حيث يكون الصراع طبيعيًا، ومحاولة إنكاره أو محوه نهائيًا، يعتبر أمرا خياليا[39]. الصراع سمة عامة للحياة وليس عيبًا، تميل النظريات التي تنكر ذلك إلى أن تكون مختزلة واستبدادية، لدرجة أنها تفصل البحث عن التفاصيل الأساسية للحالات، والثقافات، والأشخاص الواقعيين. مثل هذه الاستراتيجيات تجنح إلى الفشل[40].
التقدم في النظرية الأخلاقية إذن، يعني التحسينات التي تمنح البحث تمييزًا أكبر، وإيحاء أكبر بالبدائل والنتائج[41]. أن التشاور المتطور أمر حاسم لمزيد من البحث الفعال، يرى جون ديوي أن هذا يتطلب الانفتاح على المساهمات التي ترد من مصادر عديدة: جميع العلوم، العادات الاجتماعية، التشريع، السير الذاتية، وحتى الأنظمة الأخلاقية القديمة[42]. تستفيد المداولات بشكل خاص مما أسماه ديوي “بروفة درامية”، حيث يضيف التشريع الإبداعي والدرامي إلى الأدوات المنطقية، ويساعد على إلقاء الضوء على الوزن العاطفي، ولون الخيارات الأخلاقية المحتملة.
لمزيد من التفاصيل حول فلسفة الأخلاق عند جون ديوي، راجع مُدخَل فلسفة ديوي الأخلاقية، بواسطة E. Anderson (2018).
- الفلسفة السياسية
تفترض فلسفة ديوي السياسية، مثل المجالات الأخرى، أن الأفراد يعيشون على تعاملات مع بيئتهم الاجتماعية، ويمكنهم استخدام البحث لحل المشكلات بطرق افتراضية وتجريبية[44]. كما هو الحال في أي موضع آخر، فإن النظرية أداتية؛ فالمفاهيم والنظم أدوات تم ابتكارها بشكل أولي للعمل في ظروف عملية معينة. وبينما يمكن الاحتفاظ بتلك التي تثبت قيمتها لإعادة استخدامها، فإنها تعتبر جميعها عُرضة للخطأ وقابلة لإعادة البناء. رفض جون ديوي مناهج البحث التي تعتمد على افتراضات أولية وغير تجريبية، ومسبقة (على سبيل المثال: حول الطبيعة البشرية، التقدم التاريخي، وما إلى ذلك)،. أو تلك التي تقترح تفسيرات نهائية، وغالبًا ما تكون أحادية السبب. انتقد ديوي، وأعاد بناء مفاهيم سياسية جوهرية (الفردية، الحرية، الحق، المجتمع، الجمهور، الدولة، والديمقراطية) على أسس طبيعية وتجريبية، وإلى جانب العديد من المقالات (الأكاديمية وللجمهور العادي)، يمكن العثور على فكر ديوي السياسي في كتب مثل الجمهور ومشكلاته (1927b, LW2)، والفردية، قديما وحديثا (1930f, LW5)، والليبرالية والعمل الاجتماعي (1935, LW11)، والحرية والثقافة (1939d, LW13). ولما كان كتاب الديمقراطية والتعليم (1916b, DE, MW9) يؤكد على الروابط العميقة بين التعليم، والمجتمع، والعادات الديمقراطية، فهو أيضا دراسة متميزة كعمل “سياسي”.
كان هناك قدر هائل من التغيرات التي حدثت خلال حياة جون ديوي، بما في ذلك النمو السكاني الهائل في الولايات المتحدة، وصعود المؤسسات الصناعية، العلمية، التكنولوجية، التعليمية، الحرب الأهلية الأمريكية، حربين عالميتين، والكساد الاقتصادي العالمي. أثارت هذه الأحداث التوتر في النظريات الليبرالية السائدة، وعمل ديوي على مراجعة كلا من الديمقراطية والليبرالية. وقال ديوي: “إن الجبهة أخلاقية وليست مادية”، مقترحا أن الديمقراطية تعادل “طريقة في الحياة”، وتتطلب تجديدا مستمرا لأجل أن تبقى[45]. بعيدا عن الآلية الحكومية (حق الاقتراع العام، الانتخابات المتكررة، الأحزاب السياسية، المحاكمة بواسطة الأقران، وما إلى ذلك)، كانت الديمقراطية “في المقام الأول طريقة للحياة المشتركة، ولخبرة التواصل المشتركة (DE, MW9; see also, PP, LW2: 325). إن مثل هذه الخبرة التي تم التعبير عنها كبحث تعاوني، تتطلب الكفاءات الفكرية والعاطفية اللازمة لمعالجة المشكلات المشتركة، والتفاوض حول الاختلافات بين القيمة. في نهاية الأمر، تتطلب الديمقراطية الإيمان بالخبرة كمورد كافٍ للحلول المستقبلية، وأنه لم يعد من الضروري وضع الإيمان في قواعد أو غايات متعالية[46].
نبت تحليل جون ديوي للفردية من الإسهامات الأكاديمية السابقة، ومن حساسيته تجاه الضغوط الاقتصادية والتكنولوجية المعاصرة[47]. إن مذهب الفردية “الذري” القديم – حيث يحيا الأنانيون لزيادة مكانتهم ـ مضطرٌّ الآن، بعدم حماية الأفراد من مثل هذه النزعة الفردية التي تم نشرها كستار بلاغي، حيث كانت تمكّن الأغنياء والأقوياء من تقويض الحماية التي سوغت ظهور الليبرالية في البداية (إلى أقصى درجة) [48]
كان اقتراح جون ديوي المضاد هو “الليبرالية الوليدة”[49]. من خلال إعادة بناء مفهومها الجوهري (يصبح مذهب الأفراد “الذريون” “الاجتماعيين”)، قام ديوي أيضًا بمراجعة بعض الأفكار السياسية الرئيسية الأخرى ـ على سبيل المثال: “الحرية الفردية”، “التحرر”، “الحقوق” ـ ووضعها في إطار أداتي (LSA, LW11: 35; E, MW5: 394) [50].كما قام بمراجعة المفاهيم المصاحبة لـمفهوم “المجتمع” و”الجمهور”. يتشكل “جمهور” ديوي حول المشكلات، والهدف من ذلك هو إجراء بحث تجريبي والعمل على الإصلاح (PP, LW2: 314).كما عبر جون ديوي عن قلقه العميق، الذي يلازمنا حتى اليوم بخصوص الجماهير “غير المكتملة”. تتكون تلك الجماهير من أعضاء يفتقرون إلى التعليم النقدي والوقت، والاهتمام اللازمين للبحث. إنهم يقدمون الديموقراطية في أكثر حالاتها خطورة وانهيارا (PP, LW2: 321, 317).
لمزيد من التفاصيل حول النظرية السياسية لديوي، انظر المدخل عن الفلسفة السياسية لجون ديوي،M. Festenstein (2014).
- الفن والخبرة الجمالية
في كتابه الأصيل عن علم الجمال، الفن خبرة (AE, LW10: 31) أعلن جون ديوي أن الفن كفكرة واعية هو “أعظم إنجاز فكري في تاريخ البشرية” (31)[51]. مثل هذا التمجيد، خاصة من فيلسوف ذي خبرة في (ما تبقى) من موضوعات الفلسفة “الرئيسية” (على سبيل المثال: المعرفة، الأخلاق، والعلم) يستحق الانتباه. بدأ ديوي الكتابة في علم الجمال في وقت مبكر من حياته المهنية ـ حول صلة الفن بعلم النفس (1887, EW2) وبالتعليم (1897c, EW5)، وحول السبب في وجوب رفض التمييز بين الفن “الجمالي” والفن “العملي” (1891, EW3: 310-311)، وعن برنارد بوزانكيت (1893, EW4). وقد ظهرت نظريته الخاصة في كتابه التجربة والطبيعة (1952a, EN, LW1) وازدهرت في كتابه الفن خبرة (1934b)، مما يوحي بأن فلسفة الجمال أمر أساسي للمهمة الصحيحة للفلسفة: لتصير التجربة اليومية أكثر إشباعًا وذات مغزى.
يمكن القول أن فلسفة جون ديوي الجمالية لديها أربعة أهداف رئيسية. أولاً: هي تفسر طبيعة الوجود الفني، والعمليات المترابطة من صُنعه، وتقييمه، وتحديد وظائف تأويله ونقده[52]. ثانيًا: أنها تختبر الدور الاجتماعي للفنون في عرض، وإعادة تصوير، وإبراز الهوية الإنسانية. ثالثًا: تحلل الوظائف التواصلية للفن، خاصة في التعليم والحياة السياسية. وأخيرًا: وصف وتحليل مضامين تعبير الفن باعتباره خبرة، وهي خبرة متكاملة مفعمة بالحيوية، بحيث تكون متميزة من الناحية النوعية ـ الخبرة كعامل “استكمالي”[53]. تحدث الخبرة الاستكمالية بين الفينة والفينة، وتظهر أحيانا في سياق غير “إبداعي” (حفلة موسيقية، متحف، إلخ)؛ بل في ظروف حياتية يومية غير متوقعة. ومع ذلك، فهي أيضًا الحياة في أكمل وجه. إن تقرير كم من خبرات الحياة يمكن أن يكون استكماليا، هو الهدف الرئيسي لفلسفة الجمال عند ديوي.
وبالتالي، فإن السؤال الرئيسي الذي يطرحه كتاب الفن خبرة، هو: كيف نشأت الفجوة بين الفنون والفنانين، والناس العاديين؟ كيف عملت الظروف الثقافية والنظريات الجمالية (التي عززتها المؤسسات) على عزل “الفن وتقديره، بوضعهما في عالم خاص بهما، منفصلين عن أنماط الخبرة الأخرى؟”(AE, LW10: 16) قدم كتاب الفن خبرة للاستمرارية الطبيعية الواضحة للفن في الحياة اليومية، بينما سعى إلى منع اختزاله إلى مجرد تسلية أو “إثارة ممتعة عابرة” [54] (AE, LW10: 16). ينتقد ديوي نقطة بدء المنظور الجمالي التقليدي (أو النظري)، ويواصل بتقديم وجهات نظر تجريبية جذرية في صناعة الفن، وتقديره، والتعبير، والشكل، والنقد. ولأن التجربة الجمالية ذات جذور عضوية، يمكن التعرف عليها، حتى في الأشياء والأحداث اليومية[55]. مرة أخرى، الهدف هو حل الثنائيات بين الأشياء “الجميلة” و “النافعة”، والمساعدة في إنشاء “استمرارية أكبر للتجربة الجمالية مع العمليات الطبيعية للحياة (AE, LW10: 16).
لمزيد من التفاصيل حول فلسفة الجمال عند جون ديوي، انظر مدخل by T. Leddy Dewey’s aesthetics (2016).
- الدين، والخبرة الدينية، والإيمان المشترك
تبين قصة الإنسان الكاملة عدم وجود أشياء قد لا تثير مشاعر عميقة. واحدة من الخبرات القليلة في ارتباط العاطفة بالغايات التي لم تجربها البشرية هي الحب الشديد، والمكثف، كما لو كان اعتقادا دينيا، للذكاء كقوة في العمل الاجتماعي.
(A Common Faith, 1934a, LW9: 52-53)
9.1 الخلفية الدينية لـ ديوي
نشأ جون ديوي في عائلة متدينة؛ كانت والدته ذات ورع ديني، وضغطت على أبنائها للعيش في ورع مماثل. كانت كنيسة أسرته أبرشانية، وبعد فترة وجيزة، في فترة التحاقه بالكلية، أثبتت الإنجيلية الليبرالية أنها شكل أكثر قبولا للمسيحية. وفي الحادية والعشرين من عمره، عايش ديوي “تجربة صوفية”، بينما كان يعيش في أويل سيتي بولاية بنسلفانيا، وقد أخبر بها صديقه ماكس إيستمان:
لم تكن هناك رؤى أو حتى مشاعر محددة، مجرد شعور هادئ للغاية بأن مخاوفه [حول ما إذا كان يصلي بإخلاص كاف] قد تلاشت. (Dykhuizen 1973: 22)
دام انتماء ديوي إلى طوائف دينية لما يقرب من خمسة وثلاثين عامًا، ثم ابتعد عنها حوالي عام 1894، حين غادر من أجل الالتحاق بوظيفة في شيكاجو. منذ ذلك الحين، كمنت ولاءات ديوي العميقة خارج الدين، كان كما قال جون ماكديرموت:
فيلسوف طبيعي غير مهتد، الشخص الذي تُشكل المسيرة الإنسانية بالنسبة له أساس معناها الخاص، لا تنقذها أي تفسيرات متعالية، أو مبادئ المسؤولية، أو خلاص ما بعد الموت (McDermott 2006, 50-51) .
عاد جون ديوي إلى قضايا الدين الفلسفية في الثلاثينيات، “ما أؤمن به” (1930, LW5) مدافعا عن نوع جديد من “الإيمان”، هو “الميل نحو الفعل”. مثل هذا الإيمان لن يتم توجيهه بشكل متعالٍ، ولكنه سيشير إلى أن “الخبرة نفسها هي السلطة المطلقة والوحيدة” (“What I Believe”, LW5: 267). هذه ليست خبرة منغلقة على ذاتها، بالطبع، ولكنها تنشأ عن “المشاركة الكاملة لجميع قوانا في مسعانا إلى انتزاع المعنى الكامل والفريد من كل حالة متغيرة من الخبرة” (“What I Believe”, LW5: 272)). في 1933-1934، ألقى ديوي محاضرات تيري في جامعة ييل، والتي نُشرت لاحقًا باسم الإيمان المشترك (1934c, ACF, LW9)، وهو عمل جون ديوي الرئيسي حول الدين والخبرة الدينية.
9.2 اصطفاف المذهب الطبيعي والدين
إذا ما عدنا بالذاكرة إلى الوراء، فإن التحدي الذي انبرى له كتاب الإيمان المشتركلا يمكن التغلب عليه. كان يرغب في إعادة بناء الدين بطريقة تلائم بينه وبين مذهبيه: التجريبي والطبيعي، ويُظهر كيف يمكن لقوة الخبرة الدينية والاعتقاد أن تتحولا بطرق تدعم التصور العلماني للديمقراطية. تتعدد الأديان، بالطبع، لكنها تفترض، إلى حد كبير، وجود كيانات متعالية وأبدية، لا يمكن ملاحظتها، وتكشف عن نفسها بطرق غير قابلة للتحقق. يُنظر إلى الخبرة التجريبية (بغض النظر عن تأويلها المحدد) باعتبارها أقل شأنا ـ سواء تم انتقادها بشدة على أنها تدفق، أو وهم، أو شك، أو تشوش، ويجب التخلي عنها. باختصار، وضع جون ديوي نفسه في مواجهة الميتافيزيقيا وعلم المعرفة، وأيضا أخلاقيات الديانات الكبرى، على ما يبدو.
من الجدير بالملاحظة من هو جمهور كتاب الإيمان المشترك المستهدف. لم يكن جون ديوي يخاطب المؤمنين المقتنعين بالدين الخارق للطبيعة، ولا الليبراليين المتدينين، الذين يبحثون، عبر وسائل الإعلام التي تفترض عوالم منفصلة لكل من الحقائق العلمية والروحية. أيضا، لم يكن يخاطب الملحدين المتطرفين الذين رفض ديوي عقائدهم المتشددة[56]. وإنما خاطب كتاب الإيمان المشترك أولئك الذين يرون أنهم متدينون بالرغم من تخليهم عن الاعتقاد في الطبيعة الخارقة (“Experience, Knowledge, and Value”, LW14: 79-80). كان الهدف من الإيمان المشترك هو استخلاص كل ما يجعل للسلوك الديني قيمة تجريبية، مع التخلص من كل من الأطر الدينية التقليدية، والمعتقدات الغيبية الخارقة للطبيعة.
9.3 “الدين” في مواجهة “الديني”
كانت استراتيجية جون ديوي إذن التنقيب عن الخبرة “الدينية” في الدين لبيان إمكانية تأطير الخبرة الدينية في سياق طبيعي واجتماعي[57]. ولأن ديوي لم يمكنه العثور على معنى واضح لا لبس فيه لـ “الدين”، كان البديل هو النظر إلى التجربة الدينية عن كثب (ACF, LW9: 7). نذكر استنتاجين فقط: وجد ديوي أنه بغض النظر عن الصفات التي أظهرتها الخبرة الدينية (مشاعر السلام، الكمال، والأمن… إلى آخره)، فلم يقدم أي منها دليلاً على الوجود الخارق المتجاوز للطبيعة. بعبارة أخرى، لا يمكن اعتبار ما تخبر به الخبرة دينية حُكما بوجود علاقة سببية، بأكثر مما يمكن اعتبار أن وصفا يعرضه كتاب يثبت قانونًا ماديًا (ACF, LW9ff.).
الاستنتاج الثاني هو أن الخبرة الدينية ليست مُحكمة، أو غير قادرة على صبغ الخبرات الأخرى والتأثير فيها. قد يتضمن غروب الشمس في حد ذاته عنصرا “جماليا”، أو يمكن لملاحظة لغوية أن تتضمن صبغة “أخلاقية”، قد يكون هناك صبغة دينية لمجموعة متنوعة من الخبرات (ACF, LW9: 9). المفهوم من هذا المعنى، أن الطابع “الديني” للخبرة هو موقف يقدم “دعمًا عميقًا ودائمًا لعمليات الحياة” (ACF, LW9: 15). حلل جون ديوي التقوى الدينية بهذا المعنى من خلال مقارنتها بنوع معين من التأقلم. آخذا في الاعتبار ثلاثة خيارات: (1) يمكن للمرء أن يتكيف مع العائق بمجرد الاستسلام لتحمل الشروط التي يفرضها؛ (2) يمكن للمرء تكييف أو تعديل شروط العائق بحسب رغبته. وأخيرًا، (3) يمكن للمرء أن يتأقلم مع العائق بطريقة تجعل المرء يغير موقفه ويعدّل الظروف. (ضع في اعتبارك كتسوية، حالة أن تكون أحد الوالدين الذي يتطلب منه تغييرات كبيرة تشمل كلا من الذات والبيئة). هذا الخيار الأخير (3) للتعديل هو سمة من سمات الخبرة الدينية؛ لأنه “شامل وراسخ” وقادر على تحويل المواقف بطرق “عامة ودائمة” (ACF, LW9: 12, 13). في هذا التعديل، يتم تصور الاحتمالات الخيالية، ومن ثم يتم وضعها موضع التنفيذ ـ في كلا من الذات (الرغبات، والأهداف، والمُثل) والظروف المحيطة ـ والأثر التراكمي لذلك هو تطور الهوية (ACF, LW9: 13)[58].
9.4 الإيمان والإله
تطلبت جهود جون ديوي لإكساب السمة الطبيعية للدين (من خلال تغيير الانتباه نحو الفهم غير المتعالي “للخبرة الدينية”) أيضًا، إعادة تأويل للمفاهيم التقليدية الأخرى ـ مثل “الإيمان” و”الله”. والإيمان يقترن عادة بالعقل. ولا يتطلب الإيمان بحثا تجريبيًا ولا تأكيد صدق، فالمرء يؤمن بدلائل الأشياء (المتعالية والمطلقة) التي لا تُرى. أيضا، عادة ما يشير الإيمان ضمنا إلى القبول الفكري، للافتراضات الدينية (مثل “الله موجود، ويحب البشر”) بدون دليل.
قدم جون ديوي انتقادين مهمين على الأقل للإيمان التقليدي. الأول: الإيمان محدد بدرجة كبيرة بالقبول العقلي الذي يفوق جانبه النفعي، إن الإيمان بقضية ما على سبيل المثال، يشير إلى الرغبة العملية في التصرف بقوة كافية من أجل تعديل الرغبات، والغايات، والسلوك الحالي. من خلال الإفراط في تحديد معنى الإيمان؛ يؤدي الإيمان التقليدي إلى إضعاف البحث والعمل البنَّاء بالاعتراف العقلي. الثاني: يميل الإيمان التقليدي إلى تجسيد موضوعاته (على سبيل المثال: “الخطيئة”، و”الشر”، إلخ.) بتحويلها في الواقع إلى جدر صماء محصنة ضد التحقيق وإعادة الوصف. تُنشر العقيدة الناتجة عن ذلك من أجل “حل” المشكلات بصيغ تحتكم إلى المطلق. من وجهة نظر ديوي، فإن النهج الأفضل هو النهج التجريبي ـ التعامل مع المشكلات الحية والمعقدة يكون أكثر فعالية من خلال البحث التجريبي. بقدر ما يثبط الإيمان التقليدي البحث، الذي يمكن أن يكون فيه إصلاح، فإنه يتعارض مع أهداف الأخلاق.
الإيمان الذي يمكن لديوي أن يقبله، هو “التقوى الطبيعية”. لا تعني التقوى الطبيعية الإيمان بقوى غير مرئية، وخارقة للطبيعة، ولكن، كتب ديوي: “بمعنى الشعور بالطبيعة ككل وأننا أجزاء منها” وإدراك أننا كأجزاء منها،
فلأننا نتميز بالذكاء والعزم، لدينا القدرة على المجاهدة بمساعدتهما لجعل الظروف أكثر انسجاما مع ما هو مرغوب فيه إنسانيًا (ACF, LW9: 18)
يقبل الإيمان المؤسس على التقوى الطبيعية (مرة أخرى) فكرة أن “التجربة نفسها هي السلطة المطلقة الوحيدة” (“What I Believe”, LW5: 267).
بطبيعة الحال، لا تسمح النزعة الطبيعية عند جون ديوي بإله تقليدي ـ موجود واحد مسؤول عن الكون المادي والأخلاقي، وسكانه. الإيمان بإله ليس له ما يبرره ولا يُنصح به. بدلاً من ذلك، يعرض ديوي إعادة بناء فكرة “الإله”. باختصار شديد، يطلب ألا نفكر في شيء واحد، وإنما في الصفات التي يُشبَّه بها الإله ـ الخير، والحكمة، والحب. حيث تُظهر هذه الصفات أن الإله يمثل أعلى مُثلنا. احذف فكرة مالك للمُثُل، وأضف الوسيلة التي تستخرج بها المُثُل الوسائل منا (الخيال، والتدبر، والفعل) لجعل الأفكار الناتجة واقعية ـ وحينها يبدأ المرء في فهم فكرة ديوي.
ترتبط فكرة الإله، أو الألوهية، أيضًا، بجميع القوى والظروف الطبيعية ـ بما في ذلك الإنسان والروابط الإنسانية ـ التي تعضد نمو المثال وبالتالي إدراكه … إنها تلك العلاقة النشطة بين المثالي والواقعي التي سأمنحها اسم “إله”. (ACF, LW9: 34, see also 29-30)
9.5 الدين كذكاء اجتماعي ـ الإيمان المشترك
بصفته براجماتيًا ومؤمنا بحصول صلاح الإنسان، وديمقراطيًا إنسانيًا، حاول جون ديوي الوصول إلى طريقة للتحكم في قوة الدين والتجربة الدينية التي لا يمكن إنكارها، نحو نهاية مفيدة للجميع. أن الدين، كما فهمه، يزود الناس بقصة عن الكون الأكبر، وكيف يتوافقون معه. كان يعلم أنه لا يكفي انتقاد الدين، لأن هذا يترك الاحتياجات البشرية القوية دون تلبية. لم يقترح ديوي استبدال المؤسسات الدينية القديمة بأخرى جديدة. كان يأمل بدلاً من ذلك أن يؤدي تحرير الخبرة الدينية من القيود المؤسسية والقيود الأيديولوجية إلى توجيه طاقاتها نحو شيء مثل “الإيمان المشترك“، وهو شغف إلى الذكاء الخيالي الذي يلاحق الخيرات الأخلاقية. إن مناهج البحث والنقد ليست أسرارا؛ هي مألوفة للغاية بالفعل. سيأتي الدور الضروري عندما يدرك المتدينون أنه يمكن للبحث أن يمتد لتعزيز الخبرة والقيم الدينية (ACF, LW9: 23). إذا كان من الممكن تقدير الإنجازات المشهورة، التي لا ترجع إلى إله، وإنما إلى تعاون إنساني ذكي، فربما تكون فكرة المجتمع مصدر إلهام لإيمان مشترك غير طائفي[59].
كانت دعوة ديوي للإيمان المشترك عميقة الديمقراطية- هكذا ظنَّ،. لماذا ا؟ لأن فكرة الموجود الفائق للطبيعة كانت بحكم تعريفها، مشكوك فيها بالتجربة (كدليل مناسب)، وبالتالي، مشكوك في أساليب البحث التجريبية. وبدون فحص من جانب الخبرة أو التجربة، يمكن أن ينشأ عن النزعة إلى الإيمان بموجود فائق للطبيعة انقسامات عميقة. على النقيض من ذلك، فإن نهج الإيمان المشترك لـ ديوي متشابك مع البحث التجريبي ـ معتمدا على الخبرة الواقعية، والتجدد المستمر، من خلال التواصل المفتوح. هذا هو السبب في أن حض ديوي مقايضة العقيدة الدينية التقليدية بالإيمان المشترك في الذكاء التجريبي، كان جزء من مثاله التجريبي للديمقراطية.
- حول موقف جون ديوي من دروس بيرس، انظر Dykhuizen 1973: 30ـ31.
- “يعود مفهوم الكائن الحي إلى البيولوجي”، كتب ديوي. من وجهة نظره، أنه أدى بعلم النفس إلى إدراك الحياة العقلية كعملية عضوية وحدوية تتطور وفقا لقوانين الحياة، وليست مسرحا لعرض القدرات الفردية المستقلة … [أو] أحاسيس وأفكار ذرية ومعزولة. (“The New Psychology”, 1884, EW1: 56)
- كتب ديوي في كتابه“The idea of environment”:
من الضروري لفكرة الكائن الحي، ومع مفهوم البيئة تكون الاستحالة في اعتبار الحياة النفسية كحالة فردية، كشيء معزول يتطور في فراغ [وإنما يلزم أيضا الاستفادة من الناشئ] من العلوم الخاصة بأصل وتطور المجالات المتنوعة للنشاط الإنساني. (The New Psychology”, 1884, EW1: 56–57″)
- هكذا، اقترح ديوي إهمال عملية اللصق في نموذج القوس الانعكاسي، بين المثير والاستجابة، من أجل فكرة الدوائر الأكثر مرونة، إعادة البناء والتنظيم، المتواصلين، للكائن في البيئة. والبدء، كما يقول، لا بال “المثير” المضلل (مثل “الرؤية”)، وإنما بالأفعال أو “التناسق الحسي الحركي” مثل: النظر من أجل القراءة (The Reflex Arc”, 1896, EW5: 100″). “الاستجابة” التابعة تتكثف، فلا يقتصر الأمر على مجرد “إدراكها” إذ أنها إدراك أرشده النظر. تتحقق الأفعال في، وخلال بيئة، تقدم كلا من المفاجآت والمشكلات المنتجة للنمو.
- أطلق وايتهيد على هذا الخطأ اسم “مغالطة التماسك الخاطئ” [انظر مدخل حول ألفرد نورث وايتهيد]
- “يمكن لأي دافع أن ينتظم في أي استعداد بحسب الطريقة التي يتعامل بها مع الظروف المحيطة، فيمكن للخوف أن يصبح جبنا متذللا، وإلى حذر متعقل، وإلى احترام الرؤساء، وإلى تقدير القرناء” (HNC, MW14: 69)
- استخدمت شخصيات سابقة مثل هيوم العادة لتفسير كيف أنها تؤدي في النهاية إلى أمور وأحداث معقدة، لكن وبينما يتخلى هيوم عن وصف العادة بأنها “رابط غامض”، أشار جون ديوي إلى أشكال التقدم العلمي للتأكيد على أن “التطور البيولوجي للمعرفة قد أبطل صفة “غموض” الرابطة” (LTI, LW12: 244).
- On experience, post-EN, see “The Inclusive Philosophic Idea” (1928, LW3), “Qualitative Thought” (1930c, LW5), “Context and Thought” (1931, LW6), “Time and Individuality” (1940b, LW14), Logic: The Theory of Inquiry(1938c, LW12), “Experience, Knowledge and Value: A Rejoinder” (1939c, LW14), “Experience and Existence: A Comment” (1949, LW16).
- كان الإبقاء على “الخبرة” كمصطلح جوهري بالنسبة لفلسفته، محفوفا بالمخاطر بالنسبة لديوي، إذ كان للمفهوم العديد من المعاني الكامنة في الفلسفة الغربية. وقد اختار هذا السبيل بدلا من السير على خطى (وايتهيد أو هيدجر) في صياغة لفظة جديدة. كان التحدي بالنسبة لقراء ديوي هو تجنب الوقوع في المفاهيم الدلالية القديمة والمعتادة، والحقيقة، فقد قصد ديوي في كثير من الأحيان شيئا مختلف جوهريا، بل حتى مناقض لتلك المعاني القديمة. للأسف، لم ينتهي التشوش بالنسبة لديوي، ففي عام 1951 في مسودة أولية لمدخل جديد لكتابه الخبرة والطبيعة، عبَّر عن رغبة في استبدال “الخبرة” بمفهوم “الثقافة”، كما يقول هو: بسبب
إدراكي المتزايد بأن العقبات التاريخية التي حالت دون فهم استخدامي لمفهوم “الخبرة” لا يمكن لجميع الأغراض العملية التغلب عليها
على أية حال، يضيف قائلا:
ما زلت أعتقد على أسس نظرية، تختلف عن الأسس التاريخية، أن هناك الكثير مما يمكن قوله لصالح استخدام “الخبرة” لتعيين الموضوع الشامل والذي يعد بامتياز فلسفة “حديثة” تنقسم إلى ثنائية الذات والموضوع، العقل والعالم، النفسي والجسدي. إذا كان على مفهوم الخبرة أن يعين الموضوع الشامل فعليه أن يعين كلا من موضوع الخبرة وأساليب تحقق الخبرة به. (EN, LW1: 361-62)
ناقش ديوي أيضا استبدال عبارات “سلوك الحياة” أو “أنشطة الحياة” بدلا من “الخبرة”. انظر: “الخبرة والوجود: تعليق” (1949, LW16: 386-87).
- ظل رورتي، لعقود، ينتقد ديوي بسبب فكرته عن “الخبرة”، زاعما أنها غامضة، وغير مجدية في نقده لنظرية المعرفة الذرائعية التقليدية. من وجهة نظر رورتي، اخترع ديوي وسيطا بين الكائن الحي والبيئة، وآل إلى العادات الأصولية التي انتقدها، فكانت الخبرة كما يقول رورتي العجلة الخامسة، شيء في ذاته تم صنعه لمواجهة الثنائيات (see Rorty 1995: 219 n. 10; 1977 [1982: 79-80]). في آخر عمره، بلغ نفور رورتي ذروته: “إني أعتبر [ نظرية ديوي في الخبرة] كأسوأ جزء في أعمال جون ديوي. كان سيسعدني لو أنه لم يكتب الخبرة والطبيعة” (Rorty 2006: 20). وقد قام روبرت براندوم، أحد تلاميذ رورتي وزعيم البرجماتية الجديدة بانتقاد المصطلح.
- انظر الديموقراطية والتعليم
إن مجرد النشاط لا يشكل خبرة … الخبرة كمحاولة تتضمن تغيرا، ولكن التغير هو تحول لا معنى له إلا إذا تم ربطه بنحو واع بالموجة المرتدة من النتائج المتدفقة عنه. فعندما يواصل نشاط ما في الخضوع لحالات الوعي، وعندما ينعكس التغير الذي صنعه الفعل على تغير فينا، ويكون التدفق الخالص محمَّلا بالدلالة، فإننا نتعلم شيئا. (DE, MW9: 146).
- من النصوص الأخرى التي تفسر هذا التمييز المهم: “فرضية التجريبية الفورية” (1905, MW3)، “الخبرة والطبيعة” (LW1 خاصة 26-27) “الفكر النوعي” (1930, LW5خاصة 211-12)، والمنطق: نظرية التحقيق، LW12 خاصة 74 ـ 75). لا ينكر جون ديوي وجود الأشياء كما هي، وإنما ينكر أن كل ما هو موجود منها يجب أن يوجد كما هو معروف:
الأشياء التي كانت أولية في الخبرة توجد بنحو سابق على التفكير، ونتيجتها في الموضوع المعرفي، غير أن الأخير هكذا يؤثر بالتدريج في إعادة تنظيم/ترتيب في مثل هذه الخبرة السالفة بواسطة العمليات الصريحة. (1930, “In Reply to Some Criticisms”, LW5: 212)
- تتعدد الأسماء التي يطلقها ديوي على هذا المنهج، فيسميه، بالتناوب: “التجريبي”، “الإمبريقي”، وكذلك: المنهج “الدلالي”، من بين الأسماء الأخرى.
- كما يقول براوننينج، “حجر الأساس” قُصد بها:
أن تؤكد على حقيقة أن ليس هناك شيء أساسي أو جذري أكثر، في أي مذهب فلسفي [لأي فيلسوف] من ذلك، فلا شيء في ميتافيزيقاهم، أو فلسفاتهم السياسية، أو نظرياتهم المعرفية، أو منهجياتهم، وما إلى ذلك. (Browning 1998: 74)
- رفض كتاب” مسلمة التجريبية الفورية” (1905, MW3) كلا من فكرة الواقع في حد ذاته، وفعل المعرفة باعتبار أنه يوفر اقترابا خاصًا من الواقع. ورفض “موضوع التحقيق الميتافيزيقي” (1915, MW8) أي ميتافيزيقيا تتعلق بالأسباب المتجاوزة للطبيعة أو المطلقة، ولكنه خلق مكان لمقال يصف “السمات غير القابلة للاختزال الموجودة في أي موضوع من موضوعات البحث العلمي” (1915, MW8: 4)، وتفصل المقالات في “مقدمة” المنطق التجريبي (1916, MW8) “الطابع الأساسي للتجربة غير الانعكاسية”، وكيف “يتم تعيين العنصر العقلي في سياق غير إدراكي”. وهذا السياق الذي يُسمى: “الموقف”، يتوسع كمصطلح ميتافيزيقي مركزي في العمل اللاحق. للمواقف بنية و”مشبعة بخاصية منتشرة” (1916, MW10: 322, 323).
- في بعض الأساليب الواضحة جدًا، تعد أعمال جون ديوي ميتافيزيقا عملية. الأحداث، النمو، التحول، والتغير، أمور مركزية عنده، ومن الواضح أن ديوي يرفض البحث الموجه نحو الجوهر. ولكن لأنه يصر أيضًا على أسلوب التجربة، فإن أي “تخمين” للواقع سيتم من وجهة نظر معينة، تتسم بكونها شخصية، وثقافية، وتاريخية. بالتالي، من الخطأ القول، ببساطة، أن ديوي “يحول” الميتافيزيقيا التقليدية باستبدال “الأحداث” بـ “الأشياء”، لأن “الخطيئة” الأولية للميتافيزيقيا هي افتراض “نظرة عين الرب” للواقع، و يتحتم عن هذا، نهج اختزالي لكل شيء أدرج للتفسير.
- يقترح توماس ألكسندر أن كتاب الخبرة والطبيعة يغطي السمات، مثل:
الموقف، والعارضة/المستقرة، والفورية النوعية، والوساطة العلائقية، والتفاعل أو المعاملة (متمثل في التواصل)، الانتقائية أو الفردية، والاستمرارية والظهور الآني، مجال (هامش التركيز، تم التمثيل له في الوعي)، والإدراك أو الاستيفائي (متمثل في الفن)، والقيمة (السلوك الذكي). (Alexender forthcoming; see also Myers forthcoming)
- انظر أيضا: السياق والفكر، حيث يكتب ديوي:
الفلسفة نقد؛ نقد للاعتقادات المؤثرة التي تكمن في الثقافة، نقد يقتفي المعتقدات إلى أصولها التي تولدت عنها، بقدر المستطاع، ويتتبع نتائجها، والذي يأخذ في اعتباره التوافق المتبادل لعناصر البنية الكلية للمعتقدات. مثل هذا الاختبار يضع حدا، سواء كان ذلك متعمدا أم لا، لظهورها في منظور جديد، يؤدي إلى فحص جديد للإمكانيات. (1931, LW6: 19)
انظر في ميتافيزيقا ديوي باعتبارها “خارطة طريق”: سليبر 1986 و1992، بويسفرت 1988 و1998a، فيسماير 2015، وجاريسون 2005، انظر أيضا: أورتيجا إي جاسيت 1966 [1969]:
الميتافيزيقا ليست علما، إنها بنية العالم، وهذا ما يجعل العالم الناشئ مما يحيط بك حياة إنسانية. العالم، الكون، لم يُعطيا للإنسان، إن ما أُعطي له هو الظروف، ما يحيط به، بمحتواها اللامحدود. (1969: 121)
- جاء رد الفعل على كتاب الخبرة والطبيعة من مجموعة متنوعة من النقاد (جورج سانتايانا، موريس كوهين، ويليام إي هوكينج)، الذين هاجموا العلاقة بين “الخبرة” و “الطبيعة”؛ لأنهم رأوا في كتاب الخبرة والطبيعة صياغة لكل ما غير الطبيعة البشرية من خلال عدسة الخبرة الإنسانية، فقد اتُهم ديوي بخلط فورية الخبرة الإنسانية مع ما عليه الأمور في العالم الطبيعي، بعيدا عن الملاحظات والمشكلات الإنسانية. كانت ميتافيزيقاه طبيعية، مركزها الإنسان، وتعتبر بالمغالاة في القول: “هيمنة المقدمة” التي تفتقر إلى “التقوى الطبيعية”، والتي فشلت في الانتباه للطبيعة في حد ذاتها (see Santayana 1928, LW3: 367-384).
- بدا الأمر كأن ديوي يتخذ نهجين متعارضين للواقع: من ناحية: تُفهم الطبيعة، والطبيعة البشرية من خلال العلوم التجريبية. حيث تكون العلاقات، وليس الصفات المباشرة، هي ما تؤدي إلى نشوء المعرفة. من ناحية أخرى: إن فهم العالم الطبيعي يكون من خلال “الخبرة”. لقد كانت الصفات التي تتبدى مباشر أمام الوعي الذاتي للعقل، والنظام العقلاني، هي المسؤولة عن بناء المفاهيم العلمية، بل والعلوم ذاتها. اعتبر النقاد أن السؤال عما إذا كان جون ديوي عالمًا ماديًا طبيعيًا، أم مثاليًا موضوعيًا هراء. بالإضافة على ذلك، تساءلوا كيف يمكن أن يدعي ديوي أن حدثًا واحدًا في الخبرة يمكن أن يتألف من كلا من الصفات (الفورية والفريدة) والعلاقات (الوسيطة، والقابلة للتكرار)؟
- ادعى برنشتاين أن نظرية ديوي تشتمل على عنصرين لا يمكن التوفيق بينهما، “عنصر ميتافيزيقي”، والذي تحدث عن كل الموجودات، و”عنصر الظواهر” التي تحدث عن الخبرة. يرى برنشتاين أن ديوي فشل في وضع نقاش قوي وكاف لمبدأ الاستمرارية، الذي اقترحه ديوي كجامع بين التجريبي والطبيعي. وهكذا، بالنسبة لبيرنشتاين، هناك “صدع عميق، وانقطاع أساسي يشق مذهبه الطبيعي” . (Bernstein 1916: 6) في رأيي، يرد توماس ألكسندر بنجاح على نقد برنشتاين (والآخرين) في مناقشته حول “السمات العامة للوجود” عند ديوي. كتب ألكسندر:
إن البحث … عن السمات العامة للوجود لا معنى له إلا في سياق ثقافة طورت بالفعل عادات البحث، والتفكير، والتصور المستقبلي، وواجهت المسائل الإشكالية التي تثيرها مثل هذه المساعي… لا يمكن، حتى لأكثر المغامرات التأملية المجردة، أن تتجاوز العالم، أو تلك الكائنات المفكرة … يطلب جون ديوي هنا ما يمكن أن يُسمى الاستكشاف المتعالي، أو التأويلي، للخبرة التأملية. ما يتم الكشف عنه في غايات كل خبرة تأملية (“نظريات”) ليس أقل مما كان لديهم في كل لحظة من افتراضهم للعالم الأكبر الذي يقوم بدور أرضهم، وأصلهم، وماديتهم، ونهايتهم الحقيقية. (Alexander 1987: 89-90)
يكرر هذا الرد بشكل أساسي، اقتراح جون ديوي لنقطة بداية جديدة للفلسفة، والفكر التأملي بشكل عام. وبعبارة أخرى، فإن حل انتقادات برنشتاين موجود بالفعل في “النهج الدلالي” لـ ديوي.
- يحمل مصطلح “الأداتية (الذرائعية)” بعض الحقائب التاريخية. اشتكى بعض النقاد من أن “النزعة الأداتية” عند ديوي تنطوي على إنقاص من قدر التفكير العقلي ـ بنبذ فاعلية التأمل، أو اختزال التفكير إلى وسائله الحسابية الأولية، عادةً لأغراض اقتصادية. من المؤمل أن يساعد العمل هنا على وضع تلك الانطباعات جانبا، مرة أخرى.
- انظر: ديوي 1912 “مساهمات في موسوعة التربية”
توافق [النزعة الأداتية] مع التأثير المتنامي لنظرية التطور، مؤكدة أن الواقع نفسه يمر بعملية انتقال وتحول مستمرة، بنحو أصيل وليس على نحو عارض وخارجي، كما أنه يربط نظرية المعرفة، والمنطق، بهذه الحقيقة الأساسية. إنه يرتبط بالفلسفات الروحية التاريخية في تركيزه على الحياة، وعلى التصورات البيولوجية والديناميكية، باعتبارها جوهرية بأكثر من الأفكار الفيزيائية والرياضية البحتة. في حين تدعي أنها تجريبية بحتة في المنهج، فإنها تمنح الفكر والعلاقات الفكرية (المفاهيم الكلية) وظيفة أولية وبناءة أنكرها المذهب التجريبي الحسي، وبالتالي ادعي أنها تضمنت وفسرت العامل الذي رمزت إليه العقلانية التاريخية. وبطريقة مشابهة إلى حد ما، ادعت أنها تتوسط بين النظريات الواقعية والمثالية للمعرفة. إنها تتمسك بالواقع كسابق على العمليات المعرفية، ولا تبنيه هذه العمليات التي يجب أن تتكيف المعرفة معها لكي تكون ناجحة. (1912, MW7: 328)
- في كتابه “ترسيخ الاعتقاد” بحث شارلز بيرس في طبيعة المعرفة كجزء من إطار بيولوجي، زاعما أن الاستقصاء الانعكاسي ينشأ عندما تواجه الكائنات العوائق، سواء كانت هذه اضطرابات في العادات، أو إحباط الاحتياجات غير المشبَعة. تسمى المرحلة الأولية، السابقة للاستقصاء، “الشك، وتسمى مرحلة الحل المرضي: “الاعتقاد”.
- أسعد الاعتزاز بجيمس في مدرسة شيكاجو جون ديوي بشكل كبير. يقول ديوي في مراسلته الشخصية لجيمس عام 1903: “لقد كنت ببساطة أستعيد بمفردات منطقية ما هو لك بالفعل” (Perry 1935: 308-309).
- كتب ديوي:
عندما تتماشى الخبرة مع عملية الحياة، ويُنظر إلى الأحاسيس باعتبارها نقاط إعادة تأقلم، فإن القول المزعوم بذرية الأحاسيس يختفي تمامًا. مع هذا الاختفاء يتم إبطال الحاجة إلى قدرة تركيبية ذات سبب تجريبي فائق للربط بينهما. (RIP, MW12: 131-2)
- حول دراسة المعرفة، كتب ديوي:
نحن نحاول معرفة المعرفة … إن الإجراء الذي حاولت اتباعه… هو البدء بحالات معرفية، وتحليلها لاكتشاف لماذا هي معارف، وكيف أصبحت كذلك. لماذا لا نأخذ أفضل الحالات الموثقة للتقارير الدقيقة المتوفرة، ونقوم بمقارنتها بما يكفي من حالات التقارير، التي تم التأكد من أنها غير صحيحة وموضع شك، ونرى ما الذي سنجده؟ (“Realism without Monism or Dualism”, MW13: 60)
- يولي جون ديوي اهتماما خاصا إلى صياغة المشكلة، زاعما أنه كثيرا ما يتم التقليل من أهميتها.
إن الطريقة التي يتم بها تصور المشكلة تقرر الاقتراحات المحددة التي يتم قبولها، وتلك التي يتم رفضه استبعادها، وكذلك المعطيات التي يتم اختيارها، وتلك التي يتم رفضها، إنه معيار الملاءمة وعدم ملاءمة الفرضيات والبنى المفاهيمية. (LTI, LW12: 112)
- مرة أخرى، هذه مرحلة حاسمة لقدرتها على إعادتنا إلى المشكلات، كتب ديوي:
كفلاسفة، فإن خلافاتنا بشأن الاستنتاجات بسيطة مقارنة بخلافاتنا بشأن المشكلات. لرؤية المشكلة التي يراها الآخر من نفس المنظور وفي نفس الزاوية ـ فهذا يرقى إلى شيء ما. إن الاتفاق على الحلول بالمقارنة أمر روتيني. لتجربة نفس المشكلة التي يشعر بها آخر ـ ربما يكون ذلك اتفاقًا. (“Beliefs and Existences”, 1905 Presidential Address American Philosophical Association, in MW3: 99)
- في كتابه “الفلسفة والحضارة” كتب جون ديوي:
إن حياة كل فكر هي إحداث تقاطع عند نقطة ما بين الجديد والقديم من العادات الراسخة في الذات، والتصرفات اللاواعية، والتي صارت موضع الانتباه بواسطة بعض الصراعات مع اتجاهات النشاط الناشئة حديثا. (LW3: 6)
- “فقط عن طريق معاركته لظروف المشكلة أولا والسعي وإيجاد مخرجه الخاص، يفكر [الطالب]. عندما يوفر الوالد أو المعلم الشروط التي تحفز التفكير، ويتخذ موقفا متعاطفا تجاه فعاليات المتعلم، بالدخول في تجربة مشتركة، فكل ما تم مما يمكن للطرف الثاني من أجل التشجيع على التعلم”(DE, MW9: 167).
- حول قيامهما بالتدريس في مدرسة المختبر، كتب زميلان:
مثل أليس، يجب على [المعلمة] أن تخطو مع أطفالها لما وراء المرآة، وفي هذه الأرض الخيالية يجب أن ترى كل الأشياء بأعينهم وفي حدود خبراتهم، ولكن، عند الحاجة، يجب أن تكون قادرة على استعادة رؤيتها المدربة، ومن وجهة نظر البالغين الواقعية؛ تزود بالعلامات الإرشادية للمعرفة، ومهارات ممارسة المنهج (Katherine Camp Mayhew and Anna Camp Edwards, 1936, The Dewey School, p. 312; cited in Westbrook 1991: 101) .
- أحد اقتراحات جون ديوي لدمج المدرسة وعلم التربية المنظم للمجتمع، حول “المخططات المهنية” المجتمعية (مثل إنتاج وجبة جديدة، والبدء في زراعة المكونات الأساسية، والسفر إلى الأسواق لشراء الأدوات، وما إلى ذلك) مثل هذه “المخططات المهنية”، لا يجب الخلط بينها وبين التعليم المهني، تشرك الطلاب بشكل مباشر في البحث التجريبي وتولد لديهم الحاجة إلى “المشاركة الفعالة في البناء الشخصي لمشكلاته، والمشاركة في طرق حلها” (“Democracy and Education”, MW3: 237).
- فضل جون ديوي التحدث عن “الذكاء” بدلاً من “العقل”، لأسباب ليس أقلها ميل الفلسفة إلى وضع العقل مقابل الرغبة، العاطفة، والرغبة. يعلق ريتشارد برنشتاين قائلا:
فضل [جون ديوي] الحديث عن الذكاء والفعل الذكي. الذكاء ليس اسم خاصية معينة. بل هو يعين مجموعة من العادات والميول التي تتضمن الانتباه للتفاصيل، الخيال، والالتزام العاطفي. ما هو أكثر أهمية لديوي هو تضمين الذكاء في الممارسات اليومية. (Bernstein 2010: 85)
- إن قائمة أولية معقولة لكتابات جون ديوي الرئيسية في الأخلاق، ستتضمن كتابه: الأخلاق(1908, MW5, revised 1932, LW7, co-authored with James H. Tufts)، وكذلك الطبيعة البشرية والسلوك (1922,HNC, MW14) ونظرية التقييم (1939, LW13)، ويعتبر مقال “ثلاثة عوامل مستقلة في الأخلاق” (1930, TIF, LW5: 279-88) مهم أيضًا في هذا المجال. تغطي كتابات ديوي مجموعة من المقاربات الأخلاقية التي تغطي الأخلاق الوصفية، وما وراء الأخلاق، الأخلاق المعيارية، والأخلاق التطبيقية. ولعل الأكثر تميزا بين جهوده هو: نظريته في الخبرة الأخلاقية.
- لم يقدم ديوي أي نظرية شاملة ومستقلة عن القيم الدائمة أو الأعمال الخيرة. كان يرى أن توقع حلول دائمة للارتباكات الأخلاقية المتواصلة والجديدة، كان أمرا ارتداديا وغير علمي. في حالة القيم، كما في حالة الأفعال، فإن الاستجابة الصحيحة للارتباك هي البحث، الذي يمكنه إعادة النظر في الأعمال الخيرة، والغايات، وإعادة بنائه (E-rev, LW7: 164). لقد ميز جون ديوي الخبرة الفورية عن القيمة، والأحكام الانعكاسية حول القيمة ـ لكنه سارع إلى الإصرار على أنه يجب على المرء ألا يخلط بين الأول (الاستمتاع بالقيمة) والثاني (الإقرار الانعكاسي بها) (Qc, LW4: 207-08). باختصار، لا توجد طريقة حدسية لتحديد دائم لها باعتبارها: “كائنة is” من “وجوب ought” لأن كل حالة تظهر دائمًا في موقف إشكالي محدد. أفضل مسار في مثل هذه المواقف هو البحث الذكي الذي يجمع بين الاهتمام التجريبي الجذري بالحاضر، وبين أفضل فهم سابق لما تم اكتشافه بالفعل ليكون ذا قيمة. كتب ديوي:
بإيجاز، الفعل الأخلاقي (أو الصحيح) هو فعل ذكي بمعنى مؤكد وفريد. إنه عمل معقول. فهو ليس مجرد فعل يُعتقد أنه جيد، في لحظة الفعل، لكنه فعل سيستمر الاعتقاد أنه “جيد” في التفكير الأكثر انتباها واستمرارية. (E, MW5: 278-79)
- في الأخلاق، كتب جون ديوي:
إن الغاية هي . . . العملية النشطة لتحويل الموقف القائم. ليس الكمال هو الهدف النهائي، ولكن العملية الدائمة للكمال، النضج، والتنقية، هي الهدف في الحياة. إن الصدق، الصناعة، الاعتدال، والعدالة، مثل الصحة، والثروة، والتعلم، ليست سلعًا يتم امتلاكها، كما ستكون لو أنها أعلنت عن غايات محددة لتحقيقها. إنها اتجاهات للتغيير في نوعية الخبرة. النمو ذاته هو “الغاية” الأخلاقية الوحيدة (RIP, MW12: 181) .
- طوَّر ديوي، مع زميله ج. هـ. ميد، مفهوم الذات باعتبارها اجتماعية. عملية تراكمية من التنشئة الاجتماعية، تنطوي على العديد من الأنشطة، ولكن بحث استثنائي يساهم ويشكل ما نكون عليه نحن كأفراد. كتب ديوي:
إن التعاون في جميع أنواع المشروعات، وتبادل الخدمات والسلع، والمشاركة في الفنون الاجتماعية، والجمعيات ذات الأغراض المختلفة، ونظم قرابة الدم، والأسرة، والحكومة، والدين، كلها أمور تضيف بقدر هائل إلى قوة الفرد. من ناحية أخرى وبدخوله في هذه العلاقات، يصبح “عضوًا” في جميع هذه الكيانات، ويخضع حتمًا لتحول في مصالحه. من الناحية النفسية، فتلك العملية تُعد أحد عمليات بناء الذات “الاجتماعية”. إن التقليد، والتلميح، والتعاطف، والمودة، والغايات المشترك والمصلحة المشتركة، هي الوسائل المساعدة في بناء هذه الذات (E, MW5: 16; see also 388).
- كان أسلوب التقاليد الأخلاقية للصراع بالنسبة لديوي مشاركا بشكل حاسم (ومهلك) بينهما.
مهما كانت الاختلافات التي تفصل بين النظريات الأخلاقية، فجميعها تفترض مبدأ واحدًا كتفسير للحياة الأخلاقية. تحت هذه الظروف، لا يمكن أن يكون هناك عدم يقين أو نزاع: من الناحية الأخلاقية، فإن الصراع ظاهري وزائف فحسب. يدور الصراع في الواقع بين الخير والشر، العدل والظلم، الواجب والهوى، الفضيلة والرذيلة، وليس جزءًا متأصلاً من الخير، أو الفرض، أو الفاضل. (TIF, LW5: 280)
- تذكَّر أن جون ديوي استهدف هذا الانحياز الميتافيزيقي الأساسي (معادلة ما هو حقيقي بما هو يقيني) في كتابه الخبرة والطبيعة، تقر نزعته الطبيعية أن الوجود (لا الإدراك الذاتي فحسب)، في الحقيقة، خليط من “العارض” و “المستقر”. بقدر ما نحن فاعلون طبيعيون في عالم طبيعي، فهذا هو أيضا حيث يجب أن تبدأ النظرية الأخلاقية، بدلاً من محاولة تنقية قيمة أو غاية رئيسية واحدة. كتب ديوي في الطبيعة الإنسانية والسلوك:
السلوك المحتمل هو مائة في المائة من أفعالنا. ومن ثم يجب علينا أن نرفض قبول النظريات التي تحدد الأخلاق بتطهير الدوافع، وتهذيب الشخصية، والسعي لتحقيق الكمال المراوغ، بعيد المنال، وطاعة أوامر الكيان الفائق للطبيعة، والاعتراف بسلطة الواجب. فلمثل هذه الأفكار تأثير سيئ مزدوج. أولاً: أنها تقف عثرة في طريق مراقبة الظروف والعواقب. وتحوِّل الفكر إلى قضايا جانبية. ثانياً: في حين أنها تمنح صفة رهيبة، بشكل مبالغ فيه، للأشياء التي ينظر إليها في إطار الجانب الأخلاقي، فإنها تطلق الجزء الأكبر من أعمال الحياة من الفحص الجاد والأخلاقي. ترافق الاهتمام القلق بالأفعال القليلة التي تعتبر أخلاقية مع مراسيم الإعفاء، وشلالات الحصانة لمعظم الأفعال. يسود تعليق أخلاقي الأمور اليومية. (HNC, MW14: 194)
- كتب جون ديوي أن تحسين الأخلاق كعملية يعني تحسين
القدرة على القيام بتمييز دقيق، لإدراك جوانب الخير والشر، التي لم يلاحظها أحد من قبل، لمراعاة حقيقة أن الشك والحاجة إلى الاختيار تتصادمان في كل منعطف (TIF, LW5: 280).
أشار جون ديوي إلى أنه بالتقدم في هذه الطرق التجريبية تتجاوز النظرية مجرد القيام بالتحليل المفاهيمي أو العظة، وتكشف عن البدائل وعواقبها. تقوم النظرية بدور “أداة تجعل التداول أكثر فعالية، وبالتالي تجعل الاختيار أكثر ذكاء”. (E-rev, LW7: 316).
- حول المصادر الألمانية المتعلقة بالنظرية الأخلاقية، انظر :”الأخلاق” (MW3: 41)، والأخلاق ـ النسخة المعدلة (LW7: 179-180). نادرًا ما يخفق ديوي في الاحتفاظ ببعض عناصر الفلسفات السابقة. فلاسفة مثل أفلاطون، وهيوم، وكانط (على سبيل المثال لا الحصر) يكافئون البحث بقدرتهم على:
الكشف عن تعقد المواقف الأخلاقية … [حيث] أن تسليط الضوء على مرحلة ما من حياتنا الأخلاقية يتطلب اهتمامًا تأمليًا، والتي، باستثناء ذلك، قد تظل مختفية. (E-rev, LW7: 180)
- في سرد درامي، كتب جون ديوي:
نحن نفسح الطريق في أذهاننا لدافع ما. نجرب، في أذهاننا، خطة ما … نجد أنفسنا نسبح في خيالات تحضر فيها العواقب التي تلي ذلك، وحسبما يكون موقفنا، من تلك العواقب، سواء بحبها والموافقة عليها، أو كرهها ورفضها، فإننا نجد الدافع أو الخطة الأصليين، سواء جيدين أو سيئين. يتصف التداول بأنه درامي ونشط، وليس رياضيا وغير شخصي (E, MW5: 292, 293) .
- كما هو موضح في عمله في علم النفس، والتعليم، وفي الكتابات الأخلاقية، فإن الأفراد السياسيين (والاقتصاديين) ليسوا سابقين وجوديًا على الجماعات الاجتماعية، ولكنهم موجودون خلال، وفي المعاملات معهم. “إن الشخصية الفردية الثابتة والمندمجة هي نتاج علاقات اجتماعية محددة ووظائف معترف بها جماهيريا” (ION, LW5: 67). في حين أن لدى كل شخص أفكارا وخبرات خاصة، فإنها ليست دليلا ينفي الاجتماعية المتأصلة في الخبرة الفردية؛ لأنه: “فقط في الجماعات الاجتماعية يجد الشخص الفرصة لتطوير فرديته” (“Individuality in Education”, MW15: 176). ومع ذلك، فإن ديوي يحذَر من استغراق الفرد في المجموعة الاجتماعية الأكبر، التي يرى أنها مدمرة للأفراد على هذا النحو. وضد الأنظمة الاجتماعية المسيطرة، كتب ديوي:
الفردية منيعة لأنها نمط من الحساسية المميزة، والانتقاء، والاختيار، والاستجابة، والاستفادة من الظروف. لهذا السبب، إذا لم يكن لأي سبب آخر، فمن المستحيل تطوير الشخصية الفردية المندمجة من خلال أي نظام أو برنامج شامل. (ION, LW5: 121)
- كتب جون ديوي:
يجب على كل جيل أن يحقق الديمقراطية مرة أخرى لنفسه. فمن طبيعتها وجوهرها أنها شيء لا يمكن تسليمه من شخص أو جيل إلى آخر، وإنما يجب تحقيقها من حيث الاحتياجات، والمشكلات، وظروف الحياة الاجتماعية، التي نعتبر منعزلين مع مرور السنين عنها، حياة اجتماعية تتغير بسرعة فائقة من سنة إلى أخرى (“Democracy and Education in the World of Today”, 1938a, LW13: 299).
- كتب ديوي:
إن الديمقراطية هي الإيمان بأن عملية الخبرة أكثر أهمية من أي نتيجة خاصة يتم تحقيقها، وهكذا تكون النتائج الخاصة المحققة ذات قيمة قصوى فقط بقدر استخدامها في إثراء العملية الجارية وتنظيمها. بما أن عملية الخبرة قابلة لأن تكون تعليمية، فإن الإيمان بالديمقراطية يتوحد مع الإيمان بالخبرة والتعليم. تصبح جميع الغايات والقيم المعزولة عن العملية الجارية إيقافات، وتعليقات. إنهم يسعون جاهدين تعليق ما تم اكتسابه، بدلاً من استخدامه لفتح الطريق، وتوجيه الطريق إلى خبرات جديدة وأفضل . (“Creative Democracy”, 1939b, LW14: 229)
كانت ثقة ديوي في خبرة الشخص العادي هي النقطة التي ناقشها بقوة، وخاصة، مع والتر ليبمان (see PP and Lippmann 1922, 1925).
- في عام 1930، يكتب ديوي عن أزمة عميقة تجتاح الأشخاص المعاصرين، “الفرد الضائع” من فصله الشهير في كتابه الفردية (ION, LW5: 66-76). عدد من الخبطات ـ الإنتاج الوفير، والاستهلاك، وهيمنة مؤسسات الأعمال، والنمو المتسارع للمعلومات التي تنتجها الصحافة على سبيل المثال ـ كانوا يسرِّعون من وتيرة الحياة، ويثيرون الشعور بانعدام الأمن الاقتصادي، ويقوضون “الولاءات التي حُملت على نحو فردي من قبل، والتي أعطتهم الدعم، والتوجيه، ووحدة النظرة إلى الحياة. (ION, LW5: 66) ” بعد فترة وجيزة من الكساد الكبير، قام جون ديوي بتشخيص هذه الظروف المسببة للتآكل على أنها “عدم توافق حاد بين الأفراد وظروفهم الاجتماعية”. وكتب “حيثما تكثر المخاوف، يتم تقويض الفردية الشجاعة والقوية.” (ION, LW5: 68, 66-67)
- يرى ديوي أن مقاومة المستعمرين الأوائل لسلطة الحكومة أدت إلى نتائج عكسية، لأن مجرد الدعوة إلى الاعتقال (“سلب الحرية”) رفعت “رغبات ومساعي الشخصيات الفردية التى تسعى لتحقيق مكاسب شخصية، وإلى السلطة العليا في الحياة الاجتماعية” (“Authority and Social Change”, LW11: 136). وهكذا، فإن الليبرالية،
في سياق تأكيدها على أنها وقفت بكل قوتها وولائها لمبدأ الحرية الفردية، كانت منخرطة، بالفعل، في تبرير أنشطة شكل جديد من [القوة الاقتصادية] المركزة، التي … أنكرت دوما وبإصرار الحرية الحقيقية للضعفاء اقتصاديًا، والمحرومين . (“Authority”, LW11: 136)
انظر أيضا كتاب “Freedom” (Lw11: 247, 248).
- قد تكون الليبرالية الوليدة مرنة وافتراضية وموجهة باستمرار نحو الاستقصاءات التجريبية حول المشكلات الحالية (“A liberal Speaks Out for Liberalism”, LW11: 287). سوف توفر الليبرالية “وظيفة توسط” لمساعدة الإجراءات الاجتماعية في إحداث “علاقة عمل بين العادات، التقاليد، المؤسسات، المعتقدات القديمة، وبين الظروف الجديدة” (LSA, LW11: 37).
- كتب جون ديوي:
ليس الحق أبدا مطالبة بنشاط مجمل وغير محدد، بل بنشاط محدد يتم القيام به تحت ظروف معينة … الفرد حر، نعم، هذا حقه. ولكن حر فقط في الفعل وفق شروط منتظمة ومحددة وتم إقرارها. هذا هو الواجب المفروض عليه. له الحق في استخدام الطرق العامة، لكنه ملزم بالدوران بطريقة معينة. له الحق في استخدام ممتلكاته، لكنه ملزم بدفع الضرائب، وسداد الديون، وألا يسبب إيذاء للآخرين باستخدامه لهذه الحقوق، وما إلى ذلك. (E, MW5: 394)
- المقطع كله يستحق اقتباسه. كتب ديوي:
الفن هو الدليل الملموس على أن الإنسان قادر، بنحو واع، وبالتالي على مستوى المعنى، على استعادة أسباب الوحدة بين الحس، والحاجة، والدافع، والفعل، وهو الاتحاد الذي يميز المخلوق الحي. وإذا تدخل الوعي فإنه يضيف إليه التنظيم، والقدرة على الاختيار، وإعادة الترتيب. وبالتالي تتنوع الفنون بأشكال لا نهاية لها. لكن تدخل الوعي يؤدي، في الوقت المناسب، إلى فكرة الفن كفكرة شعورية ـ وتلك أعظم إنجاز فكري في تاريخ البشرية. (AE, LW10: 31)
- فيما يتعلق بالأنطولوجيا (علم الوجود)، فإن رد جون ديوي المناهض للأصولية على سؤال: “ما هو الفن؟” إن الفن كخبرة، غير قابل للتموضع ببساطة في شيء أو حدث، أو موضوع. وإنما يشير “الفن” إلى تفاعل بين (أ) صنع (نشاط فنان)، (ب) حدث أو شيء (أغنية، لوحة، إلخ) و (ج) متلقي (مستمع، عارض، إلخ). وهو يميز العامل (ب) بأنه “منتجات فنية” (الموضوع المادي، على سبيل المثال) لكنه يقول إن “العمل الفني الحقيقي يتكون من (أ) + (ب) + (ج): “إنشاء خبرة متكاملة من تفاعل الظروف والطاقات العضوية والبيئية (AE, LW10: 70; see also 167, 218, 223). فيما يتعلق بتأويل الفن ونقده، فإن وظيفتهما تُكمل التعريف التجريبي للفن، إذ يتصفان بالظرفية والقابلية للخطأ، ولا يسعيان أبدًا إلى إصدار أحكام نهائية وباتة حول معنى أو قيمة العمل الفني. بل إن هدفهما هو توسيع وتعميق الخبرة الجمالية. حول “وظيفة النقد” كتب ديوي:
هو إعادة تربية إدراك الأعمال الفنية، فهو عامل مساعد في تلك العملية الصعبة، عملية تعلم الرؤية والاستماع … والطريقة التي يمكن بها تقديم المساعدة [لشخص يسعى إلى فهم الفن] تكون بتوسيع تجربته الخاصة بالعمل الفني الذي يعد النقد عامل مساعد له. (AE, LW10: 328)
- في مصطلحات ديوي، فإن مصطلح “خبرة” أو “الخبرة المتممة” يعبر عن خبرة واعية، وذات معنى عميق، ومندمجة ككل. إن خصائصها فريدة بما فيه الكفاية، بحيث ندركها كخبرة محددة ومميزة. أما النوع المقابل من الخبرة، الذي سماه ديوي: “مخدِرة”، وتتميز بأنها مشتتة، وناقصة، أو حتى رتيبة (AE, LW10: 42, 47).
- كما هو الحال مع علم النفس، التعليم، الأخلاق، ومسائل أخرى، نظر ديوي إلى المصادر العضوية لفهم وظائف وتأثيرات الفن. تتشارك مع الفن قدراتنا الجسدية، الحسية، النفسية، وما نسميه “الخبرة الجمالية” هو نتيجة التعامل بين الكائنات الحية والبيئة. عن “الحياة المتنامية”، كتب ديوي:
إن التعافي [من الانسجام مع البيئة] لا يعد أبداً مجرد عودة إلى حالة سابقة، لأنه قد تم إثراءه بحالة التفاوت الهائل والمقاومة التي اجتازها بنجاح. (AE, LW10: 19)
هذه الحقائق كما يقول جون ديوي، “تصل إلى جذور الجمالي في الخبرة”، إذ حين تكون الحياة قادرة على البقاء والنمو،
يكون هناك نوع من التغلب على عوامل المعارضة والصراع، التي يتم تحولهم إلى جوانب متباينة لحياة أعلى قوة وأكثر أهمية. (AE, LW10: 20)
إن المفاهيم الجمالية والمعاني الدقيقة تتجذر حينذاك في تعديلات الحس المتناغمة والمستمرة. يمد هذا الجماليات بأساس طبيعي، ويحدد مهمة نظرية الفن: شرح الكيفية التي تكون بها الظواهر الجمالية (بما في ذلك الأعمال الفنية) كامنة في الخبرة اليومية، وكيف يمكن توسيع مجالها.
- تحشد أمثلة جون ديوي تلك الروابط. يمكن للمرء أن يجد نفس النوع من الخبرة الجمالية في لوحة في المتحف، من خلال النظر إلى الخبرة، كما يقول ديوي:
في شكلها الخام … في الأحداث، والمشاهد التي تجذب العين والأذن المنتبهة للإنسان، وتثير اهتمامه، وتمنحه الإحساس بالمتعة، مع دوام نظره واستماعه: المشاهد التي تشد انتباه الحشد ـ سيارة إطفاء مسرعة، الآلات التي تحفر ثقوبًا هائلة في الأرض، الذبابة البشرية التي تتسلق قمة البرج. الرجال الجالسون عاليا في الهواء، على العوارض، يرمون ويلتقطون المسامير الحمراء الساخنة. (AE, LW10: 11)
- رفض ديوي “الإلحاد المتطرف” لما في عقائده من أن البشر كانوا وحدهم في عالم غريب ومعادٍ. يفتقر مثل هذا الرأي إلى “التقوى الطبيعية”، وهي حساسية يشعر بها المرء تجاه مكانه في البيئة الأكبر. قال ديوي بأنه يمكن للجميع أن يرعى هذا النوع من التقوى، وهو ضروري للنمو الأخلاقي . (ACF, LW9: 18)
- تعكس وجهات نظر ديوي حول الخبرة الدينية صدى وجهات النظر الأخرى حول الخبرة الجمالية، حيث تتشابك الخبرات ذات السمات النوعية الفريدة، مع البنى والمؤسسات الخيالية التي عفا عليها الزمن (المتحف، الكنيسة، إلخ). يرى ديوي أن تحرير هذه الخبرات يمكن أن يسمح لها بإبلاغ (وتحويل) المزيد من الحياة اليومية (see ACF, LW9: 8 ff.).
- كتب ديوي عن هذه التغيرات أنها:
لا تتعلق بهذه أو تلك الحاجة، المرتبطة بهذا أو ذاك الظرف من محيطنا، وإنما تتعلق بكينونتنا في مجملها. بسبب مجالها، يكون هذا التعديل لأنفسنا دائما. إنه يستمر عبر أي قدر من التقلبات في الظروف الداخلية والخارجية. هناك تأليف وتوافق بين العناصر المختلفة لكياننا بحيث، رغم ما يعتري الظروف الخاصة التي تحيط بنا من تغيرات، تظل هذه الشروط في حال ترتيب واستقرار فيما يتعلق بنا. (ACF, LW9: 12-13)
- كتب جون ديوي:
إن أكثر ما نغنمه في الحضارة من أشياء ليس من أنفسنا. إنها أشياء موجودة بفضل أفعال ومعاناة المجتمع البشري المستمر، الذي نعتبر نحن رابطا فيه. أما نحن فعلينا مسؤولية الحفاظ على تراث القيم التي تلقيناها، ونقلها، وتنقيحها، وتوسيعها بحيث تصل إلى من يأتون بعدنا وهي أكثر رسوخا وأمانًا، يتسع مجال الوصول إليها، وتصبح مشاركتها أكثر سخاء مما تلقيناه. تلك هي جميع عناصر الإيمان الديني الذي لا يقتصر على طائفة، أو طبقة، أو عرق. (ACF, LW9: 57-58)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قائمة المراجع
جون ديوي
أعمال كاملة
Citations to John Dewey’s works are to the thirty-seven-volume critical edition The Collected Works of John Dewey, 1882–1953, edited by Jo Ann Boydston (Southern Illinois University Press, 1969–1991). The series includes:
- [EW] 1967, The Early Works, 1882–1898, 5 volumes.
- [MW] 1976, The Middle Works, 1899–1924, 15 volumes.
- [LW] 1981, The Later Works, 1925–1953, 17 volumes.
This critical edition was also published in electronic form as:
- The Collected Works of John Dewey, 1882–1953: The Electronic Edition, Larry A. Hickman (ed.), Charlottesville, Va.: InteLex Corporation, 1996, available online. To insure uniformity of citation, the electronic edition preserves the line and page breaks of the print edition.
In-text citations give the original publication date, series abbreviation, followed by volume and page number. For example LW10: 12 refers to page 12 of Art as Experience, which is published as volume 10 of The Later Works.
Abbreviations of Dewey works frequently cited
- [ACF] 1934a, A Common Faith
- [AE] 1934b, Art as Experience
- [DE] 1916b, Democracy and Education
- [E] 1908, Ethics, with James H. Tufts,
- [E-rev] 1932, Ethics, revised edition, with James H. Tufts,
- [EEL] 1916c, “Introduction” to Essays in Experimental Logic
- [EN] 1925a, Experience and Nature
- [FAE] 1930a, “From Absolutism to Experimentalism”
- [H&A] 1998, The Essential Dewey
- [HNC] 1922a, Human Nature and Conduct
- [HWT] 1910c, How We Think
- [ION] 1930f, Individualism, Old and New
- [LSA] 1935, Liberalism and Social Action
- [LTI] 1938c, Logic: The Theory of Inquiry
- [PIE] 1905, “The Postulate of Immediate Empiricism”
- [PP] 1927b, The Public and Its Problems
- [QC] 1929, The Quest for Certainty: A Study of the Relation of Knowledge and Action
- [RAC] 1896, “The Reflex Arc Concept in Psychology”
- [RIP] 1920, Reconstruction in Philosophy
- [TIF] 1930d, “Three Independent Factors in Morals”
- [TV] 1939e, Theory of Valuation
أعمال فردية
- 1884, “The New Psychology”, Andover Review, 2(Sept.): 278–289. Reprinted in EW1: 48–60.
- 1886, “Psychology as Philosophic Method”, Mind, old series, 11(42), 153–173. Reprinted in EW1: 144–67. doi:10.1093/mind/os-XI.42.153
- 1887, Psychology, New York: Harper and Brothers. Reprinted in EW2.
- 1891, Outlines of a Critical Theory of Ethics, Ann Arbor, Michigan: Register Publishing Company. Reprinted in EW3: 239–388.
- 1893, Dewey, review of Bosanquet, “A History of Aesthetic, by Bernard Bosanquet, formerly Fellow of University College, Oxford”, Philosophical Review, 2 (Jan. 1893):63–69. Reprinted in EW4: 189–197.
- 1894a, The Study of Ethics: A Syllabus, Ann Arbor, MI: The Inland Press. Reprinted in EW4: 220–362.
- 1894b, “The Theory of Emotion I: Emotional Attitudes”, Psychological Review, 1(6): 553–569. Reprinted in EW4: 152–169. doi:10.1037/h0069054
- 1895, “The Theory of Emotion II: The Significance of Emotions”, Psychological Review, 2(1): 13–32. Reprinted in EW4: 169–188. doi:10.1037/h0070927
- [RAC] 1896, “The Reflex Arc Concept in Psychology”, Psychological Review, 3(4): 357–370. Reprinted in EW5: 96–109. doi:10.1037/h0070405
- 1897a, “Ethical Principles Underlying Education”, in Third Yearbook of the National Herbart Society, Chicago: The National Herbart Society, pp. 7–33. Reprinted in EW5: 54–83.
- 1897b, “My Pedagogic Creed”, School Journal, 54(Jan.): 77–80. Reprinted in EW5: 84–95.
- 1897c, “The Aesthetic Element in Education”, Addresses and Proceedings of the National Educational Association, pp. 329–30. Reprinted in EW5: 202–204.
- 1899, The School and Society, Chicago: The University of Chicago Press. Reprinted in MW1.
- 1900 [1916], “Some Stages of Logical Thought”, The Philosophical Review, 9(5): 465–489. Revised and reprinted in 1916d: 183–219. Reprinted in MW1: 152–175. doi:10.2307/2176692
- 1903a, “Democracy in Education”, Elementary School Teacher, 4 (1903): 193–204. Reprinted in MW3: 229–239.
- 1903b, Studies in Logical Theory, Chicago: The University of Chicago Press. Reprinted in MW2: 293–378.
- [PIE] 1905, “The Postulate of Immediate Empiricism”, The Journal of Philosophy, Psychology and Scientific Methods, 2(15): 393–399. Reprinted in MW3: 158–167. doi:10.2307/2011400
- 1906, “Beliefs and Realities” (later retitled “Beliefs and Existences”), Philosophical Review, 15(2): 113–119; originally read as the Presidential Address at the fifth annual meeting of the American Philosophical Association, at Cambridge, December 28, 1905. Reprinted in MW3: 83–100. doi:10.2307/2177731
- [E] 1908, with James H. Tufts, Ethics, New York: Henry Holt and Co. Reprinted in MW5.
- 1908–1909, “The Bearings of Pragmatism Upon Education”, Progressive Journal of Education, originally three papers, 1(Dec. 1908): 1–3; 1(Jan. 1909): 5–8; 1–(Feb. 1909): 6–7. Reprinted in MW4: 178–191
- 1910a, “A Short Catechism Concerning Truth”, in The Influence of Darwin on Philosophy, New York: Henry Holt and Co., pp. 154–168. Reprinted in MW6: 3–11.
- 1910b, “The Experimental Theory of Knowledge”, The Influence of Darwin on Philosophy, New York: Henry Holt and Co., pp. 77–111. Reprinted in MW3: 107–127.
- [HWT] 1910c, How We Think, Boston: D. C. Heath and Co. Reprinted in MW6.
- 1912, “Contributions to A Cyclopedia of Education”, in MW7: 207–366.
- 1915, “The Subject-Matter of Metaphysical Inquiry”, The Journal of Philosophy, Psychology and Scientific Methods, 12(13): 337. Reprinted in MW8: 3–13. doi:10.2307/2013770
- 1916a, “Brief Studies in Realism”, in 1916d: 250–280. Reprinted in MW6: 103–122. Revised version of an article in two parts in 1911, Journal of Philosophy, Psychology and Scientific Methods, 8(15): 393–400, 8(20): 546–454.
- 1916b, Democracy and Education: An Introduction to the Philosophy of Education, New York: Macmillan. Reprinted in MW9.
- [EEL] 1916c, “Introduction” to 1916d: v–vi. Reprinted in MW10: 320–365.
- 1916d, Essays in Experimental Logic, Chicago: University of Chicago Press.
- 1917, “The Need for a Recovery of Philosophy”, in his Creative Intelligence: Essays in the Pragmatic Attitude, New York: Henry Holt and Co., pp. 3–69. Reprinted in MW10: 3–49
- [RIP] 1920, Reconstruction in Philosophy, New York: Henry Holt and Co. Reprinted in MW12.
- [HNC] 1922a, Human Nature and Conduct, New York: Henry Holt and Co. Reprinted in MW14.
- 1922b, “Realism without Monism or Dualism”, Journal of Philosophy, 19(12): 309–317, 19(13): 351–361 Reprinted in MW13: 40–60. doi:10.2307/2939872 doi:10.2307/2939610
- 1923, “Individuality in Education”, General Science Quarterly, 7(3): 157–166. Reprinted in MW15: 170–179. doi:10.1002/sce.3730070301
- [EN] 1925a, Experience and Nature, Chicago: Open Court Publishing.
- 1925, “The Naturalistic Theory of Perception by the Senses”, The Journal of Philosophy, 22(22): 596–606. Reprinted in LW2: 44–54 as “A Naturalistic Theory of Sense-Perception”. doi:10.2307/2015056
- 1927a, “Half-Hearted Naturalism”, The Journal of Philosophy, 24(3): 57–64. Reprinted in LW3: 73–81. doi:10.2307/2014856
- [PP] 1927b, The Public and Its Problems, New York: Henry Holt and Co. Reprinted in LW2.
- 1927c, “The Rôle of Philosophy in the History of Civilization”, The Philosophical Review, 36(1): 1–9. Reprinted in LW3: 3–11 as “Philosophy and Civilization”. doi:10.2307/2179154
- 1928, “Social as a Category”, Monist, 38(2): 161–177. Reprinted in LW3: 41–54 as “The Inclusive Philosophical Idea”,. doi:10.5840/monist192838218
- [QC] 1929, The Quest for Certainty: A Study of the Relation of Knowledge and Action, New York: Minton, Balch and Co. Reprinted in LW4.
- [FAE] 1930a, “From Absolutism to Experimentalism”, in Contemporary American Philosophy: Personal Statements, George Plimpton Adams and William Pepperell Montague (eds), London: George Allen and Unwin; New York: Macmillan Co., volume 2: 13–27. Reprinted in LW5: 147–60.
- 1930b, “Psychology and Work”, Personnel Journal, 8(February): 337–341. Reprinted in LW5: 236–242
- 1930c, “Qualitative Thought”, Symposium, 1(January): 5–32. Reprinted in his Philosophy and Civilization, New York: Minton, Balch & Company, 1931, pp. 93–116. Reprinted in LW5: 243–262.
- [TIF] 1930d, “Trois facteurs indépendants en matière de morale”, Charles Cestre (trans.), Bulletin de la société française de philosophie, 30(4): 118–127. First publication in English, 1966, “Three Independent Factors in Morals”, Educational Theory, 16(3): 198–209, Jo Ann Boydston (trans.). Reprinted in LW5: 279–288. doi:10.1111/j.1741-5446.1966.tb00259.x
- 1930e, “What I Believe”, Forum, 83(March): 176–182. Reprinted in LW5: 267–278.
- [ION] 1930f, Individualism, Old and New, New York: Minton, Balch and Co. Reprinted in LW5: 41–124.
- 1931, “Context and Thought”, University of California Publications in Philosophy, (Berkeley: University of California Press), 12(3): 203–224. Reprinted in LW6: 3–21.
- [E-rev] 1932, with James H. Tufts, Ethics, Revised Edition, New York: Henry Holt and Co. Reprinted in LW7.
- 1933, “Analysis of Reflective Thinking”, in How We Think. a Restatement of the Relation of Reflective Thinking to the Educative Process, new edition, Boston: D. C. Heath and Co., ch. 7. Reprinted in LW8: 196–209.
- [ACF] 1934a, A Common Faith, New Haven, CT: Yale University Press. Reprinted in LW9.
- [AE] 1934b, Art as Experience, New York: Minton, Balch and Co. Reprinted in LW10.
- [LSA] 1935, Liberalism and Social Action, New York: G. P. Putnam’s Sons. Reprinted in LW11: 1–66.
- 1936a, “A Liberal Speaks Out for Liberalism”, New York Times Magazine, 23 February 1936, pp. 3, 24. Reprinted in LW11: 282–288.
- 1936b, “Authority and Social Change”, School and Society, 44(10 October 1936): 457–466. Reprinted in LW11: 130–145.
- 1937, “Freedom”, chapter 9 in National Education Association, Implications of Social-Economic Goals for Education: A Report of the Committee on Social- Economic Goals of America, Washington, DC: National Education Association, pp. 99–105. Reprinted in LW11: 247–255.
- 1938a, “Democracy and Education in the World of Today”, pamphlet by the Society for Ethical Culture, New York. Reprinted in LW13: 294–303.
- 1938b, Experience and Education, New York: Macmillan. Reprinted in LW13.
- [LTI] 1938c, Logic: The Theory of Inquiry, New York: Henry Holt and Co. Reprinted in LW12.
- 1939a, “Biography of John Dewey”, Jane M. Dewey (ed.), in Schilpp 1939: 3–45.
- 1939b, “Creative Democracy: The Task Before Us”, in John Dewey and the Promise of America, Progressive, (Education Booklet No. 14), Columbus, OH: American Education Press. Reprinted in LW14: 224–230.
- 1939c, “Experience, Knowledge, and Value: A Rejoinder”, in Schilpp 1939: 515–608, in LW14: 3–90.
- 1939d, Freedom and Culture, New York: G. P. Putnam’s Sons. Reprinted in LW13: 65–188.
- [TV] 1939e, Theory of Valuation, Chicago: University of Chicago Press. Reprinted in LW13.
- 1940a, “Nature in Experience”, The Philosophical Review, 49(2): 244–258. Reprinted in LW14: 141–154. doi:10.2307/2180802
- 1940b, “Time and Individuality”, in Time and Its Mysteries, series 2, New York: New York University Press, pp. 85–109. Reprinted in LW14: 98–114.
- 1941, “Propositions, Warranted Assertibility, and Truth”, The Journal of Philosophy, 38(7): 169–186. Reprinted in LW14: 168–188. doi:10.2307/2017978
- 1944, “Between Two Worlds”, Address delivered at the Winter Institute of Arts and Sciences, University of Miami, Coral Gables, Fla., 20 March 1944. Printed in LW17: 451–465.
- 1949, “Experience and Existence: A Comment”, Philosophy and Phenomenological Research, 9(4): 709–713. Reprinted in LW16: 383–390. doi:10.2307/2103300
- [H&A] 1998, The Essential Dewey, L. Hickman and T. M. Alexander (eds.), Bloomington: Indiana University Press.
مصادر أخرى
- Adajian, Thomas, 2012, “The Definition of Art”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy(Fall 2012 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2018/entries/art-definition/>.
- Alexander, Thomas M., 1987, John Dewey’s Theory of Art, Experience, and Nature: The Horizons of Feeling, Albany, NY: State University of New York Press.
- –––, 2013, The Human Eros: Eco-Ontology and the Aesthetics of Existence, New York: Fordham University Press.
- –––, forthcoming, “Dewey’s Naturalistic Metaphysics”, in Fesmire forthcoming, Online Publication Date: September 2018.
- Anderson, Elizabeth, 2018, “Dewey’s Moral Philosophy”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy(Fall 2018 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2018/entries/dewey-moral/>
- Bernstein, Richard J., 1961, “John Dewey’s Metaphysics of Experience”, The Journal of Philosophy, 58(1): 5–14. doi:10.2307/2023564
- –––, 1966, John Dewey, New York, NY: Washington Square Press.
- –––, 2010, The Pragmatic Turn, Cambridge: Polity Press.
- Biletzki, Anat and Anat Matar, 2018, “Ludwig Wittgenstein”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy(Summer 2018), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2018/entries/wittgenstein/>
- Boisvert, Raymond D., 1988, Dewey’s Metaphysics, New York: Fordham University Press.
- –––, 1998a, “Dewey’s Metaphysics: Ground-Map of the Prototypically Real”, in Larry Hickman (ed.), Reading Dewey: Interpretations for a Postmodern Generation, Indianapolis: Indiana University Press, pp. 149–165.
- –––, 1998b, John Dewey: Rethinking Our Time, Albany, NY: State University of New York Press.
- Browning, Douglas, 1998, “Dewey and Ortega on the Starting Point”, The Transactions of the Charles S. Peirce Society, 34(1): 69–92.
- Burch, Robert, 2014, “Charles Sanders Peirce”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy(Winter 2014), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2014/entries/peirce/>
- Burke, F. Thomas, D. Micah Hester, and Robert B. Talisse (eds.), 2002, Dewey’s Logical Theory: New Studies and Interpretations, Nashville, TN: Vanderbilt University Press.
- Burke, Tom, 1994, Dewey’s New Logic: A Reply to Russell, Chicago: University of Chicago Press.
- Campbell, James, 1995, Understanding John Dewey: Nature and Cooperative Intelligence, Chicago and La Salle, Ill.: Open Court.
- Candlish, Stewart and George Wrisley, 2014, “Private Language”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy(Fall 2014 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2014/entries/private-language/>
- Caspary, William R., 2000, Dewey on Democracy, Ithaca: Cornell University Press.
- deVries, Willem, 2016, “Wilfred Sellars”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy(Winter 2016 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2016/entries/sellars/>
- Dykhuizen, George, 1973, The Life and Mind of John Dewey, Carbondale and Edwardsville, IL: Southern Illinois University Press.
- Eldridge, Michael, 1998, Transforming Experience: John Dewey’s Cultural Instrumentalism, Nashville: Vanderbilt University Press.
- Fesmire, Steven, 2003, John Dewey and Moral Imagination, Bloomington: Indiana University Press.
- –––, 2015, Dewey, London/New York: Routledge.
- ––– (ed.), forthcoming, The Oxford Handbook of Dewey, Oxford: Oxford University Press. Some parts are available online.
- Festenstein, Matthew, 2014, “Dewey’s Political Philosophy”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy(Spring 2014 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/spr2014/entries/dewey-political/>
- Fischer, Marilyn, 2013, “Reading Dewey’s Political Philosophy through Addams’s Political Compromises”, American Catholic Philosophical Quarterly, 87(2): 227–243. doi:10.5840/acpq201387219
- Garrison, James, 2005, “Dewey on Metaphysics, Meaning Making, and Maps”, Transactions of the Charles S. Peirce Society, 41(4): 818–844.
- Garrison, Jim, 1997, Dewey and Eros: Wisdom and Desire in the Art of Teaching, New York: Teachers College Press.
- Good, James A., 2005, A Search for Unity in Diversity: The “Permanent Hegelian Deposit” in the Philosophy of John Dewey, Lanham, Md.: Lexington Books.
- Gouinlock, James, 1972, John Dewey’s Philosophy of Value, Atlantic Highlands, N.J.: Humanities Press.
- Hickman, Larry A., 1990, John Dewey’s Pragmatic Technology, Indianapolis: Indiana University Press.
- Hildebrand, David L., 2003, Beyond Realism and Antirealism: John Dewey and the Neopragmatists, Nashville, TN: Vanderbilt University Press.
- –––, 2008, Dewey: A Beginner’s Guide, Oxford: Oneworld.
- Hook, Sidney, 1927, The Metaphysics of Pragmatism, Chicago: Open Court Publishing Co.
- Irvine, Andrew David Irvine, 2015, “Alfred North Whitehead”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy(Winter 2015 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2015/entries/whitehead/>
- Jackson, Philip W., 2000, John Dewey and the Lessons of Art, New Haven, CT: Yale University Press.
- James, William, 1890 [1981], The Principles of Psychology, Cambridge, MA: Harvard University Press.
- Johnson, Mark, 2007, The Meaning of the Body, Chicago: University of Chicago Press.
- Lamont, Corliss, 1961, “New Light on Dewey’s Common Faith”, The Journal of Philosophy, 58(1): 21–28. doi:10.2307/2023566
- Leddy, Tom, 2016, “Dewey’s Aesthetics”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy(Winter 2016 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.ed/>
- Lippmann, Walter, 1922, Public Opinion, New York: Harcourt, Brace and Company.
- –––, 1925, The Phantom Public, New York: Harcourt, Brace.
- Markie, Peter, 2017, “Rationalism vs. Empiricism”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy(Fall 2017 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2017/entries/rationalism-empiricism/>
- Martin, Jay, 2003, The Education of John Dewey: A Biography, New York: Columbia University Press.
- McDermott, John J. (ed.), 1981, The Philosophy of John Dewey: Volume 1. The Structure of Experience, Volume 2: The Lived Experience, Chicago: University of Chicago Press.
- –––, 2006, “Dewey, John [addendum]” in Donald M. Borchert (ed.), Encyclopedia of Philosophy, Second Edition, Detroit: Thomson Gale, volume 3, pp. 50–51
- Morgenbesser, Sidney (ed.), 1977, Dewey and His Critics: Essays from The Journal of Philosophy, Indianapolis: Hackett Publishing.
- Myers, William T., 2004, “Pragmatist Metaphysics: A Defense”, The Transactions of the Charles S. Peirce Society, 40(1): 39–52.
- –––, forthcoming, “Dewey, Whitehead, and Process Metaphysics”, in Fesmire forthcoming, Online Publication Date: November 2017.
- Ortega y Gasset, José, 1957, Man and People(El hombre y la gente), Willard R. Trask (trans.), New York: W. W. Norton and Co.
- –––, 1966 [1969], Unas lecciones de metafísica, Compiled by the authorʹs students from a manuscript of his lectures which were delivered at the University of Madrid, 1932–1933. Madrid: Madrid, Alianza Editorial. Translated as Some Lessons in Metaphysics, Mildred Adams (trans.), New York: W. W. Norton, 1969.
- Pappas, Gregory, 2008, John Dewey’s Ethics: Democracy as Experience, Indianapolis: Indiana University Press.
- Peirce, Charles S., 1877 [1992], “The Fixation of Belief”, in Popular Science Monthly, 12(November): 1–15. Reprinted in Peirce 1992: 109–123. [Peirce 1877 available online]
- –––, 1878 [1992], “How to Make our Ideas Clear”, Popular Science Monthly, 12(January): 286–302. Reprinted in Peirce 1992: 124–141. [Peirce 1878 available online]
- –––, 1992, The Essential Peirce, Volume 1, Selected Philosophical Writings‚ (1867–1893), Nathan Houser and Christian J.W. Kloesel (eds.), Bloomington, IN: Indiana University Press.
- Perry, Ralph Barton, 1935 [1996], The Thought and Character of William James, Nashville, TN: The Vanderbilt Library of American Philosophy.
- Phillips, D.C. and Harvey Siegel, 2013, “Philosophy of Education”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy(Fall 2013 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2013/entries/education-philosophy/>
- Rogers, Melvin L., 2012, The Undiscovered Dewey: Religion, Morality, and the Ethos of Democracy, New York: Columbia University Press.
- Rorty, Richard, 1977 [1982], “Dewey’s Metaphysics”, New Studies in the Philosophy of John Dewey, Steven M. Cahn (ed.), Hanover, NH: University Press of New England, pp. 45–74. Reprinted with some minor changes in Consequences of Pragmatism: Essays 1972–1980, Minneapolis: University of Minnesota Press, pp. 72–89.
- Rorty, Richard, 1995, “Dewey between Hegel and Darwin”, in Herman J. Saatkamp (ed.), Rorty and Pragmatism: The Philosopher Responds to His Critics, Nashville, TN: Vanderbilt University Press, pp. 1–15.
- Rorty, Richard, 2006, “From Philosophy to Postphilosophy: Interview with Richard Rorty”, interview with Wayne Hudson and Wim van Reijen, in Eduardo Mendieta (ed.), Take Care of Freedom and Truth Will Take Care of Itself: Interviews with Richard Rorty, Stanford, CA: Stanford University Press, pp. 18–27.
- Ryan, Alan, 1995, John Dewey and the High Tide of American Liberalism, New York: W.W. Norton.
- Santayana, George, 1925 [1984], “Dewey’s Naturalistic Metaphysics”, in LW3: 367–384 (print edition).
- Schilpp, Paul Arthur (ed.), 1939, The Philosophy of John Dewey, New York: Tudor Publishing Co.
- Seigfried, Charlene Haddock, 1996, Pragmatism and Feminism: Reweaving the Social Fabric, Chicago: University of Chicago.
- –––, 1998, “John Dewey’s Pragmatist Feminism”, in Larry Hickman (ed.), Reading Dewey: Interpretations for a Postmodern Generation, Bloomington: Indiana University Press, pp. 187–216.
- –––, 1999, “Socializing Democracy: Jane Addams and John Dewey”, Philosophy of the Social Sciences, 29(2): 207–230. doi:10.1177/004839319902900203
- –––, 2001a, “Pragmatist Metaphysics? Why Terminology Matters”, The Transactions of the Charles S. Peirce Society, 37(1): 13–21.
- ––– (ed.), 2001b, Feminist Interpretations of John Dewey, University Park, PA: Pennsylvania State University Press.
- –––, 2004, “Ghosts Walking Underground: Dewey’s Vanishing Metaphysics”, The Transactions of the Charles S. Peirce Society, 40(1): 53–81.
- Shook, John R., 2000, Dewey’s Empirical Theory of Knowledge and Reality, Nashville, TN: Vanderbilt University Press.
- Shusterman, Richard, 1992, Pragmatist Aesthetics: Living Beauty, Rethinking Art, Cambridge, MA: Blackwell Publishers.
- Sleeper, Ralph W., 1986, The Necessity of Pragmatism: John Dewey’s Conception of Philosophy, New Haven, CT: Yale University Press.
- –––, 1992, “‘What is Metaphysics?’”, The Transactions of the Charles S. Peirce Society, 26(2): 177–187.
- Talisse, Robert B., 2000, On Dewey: The Reconstruction of Philosophy, Belmont, CA: Wadsworth.
- Tiles, J. E., 1988, Dewey, London and New York: Routledge.
- Welchman, Jennifer, 1995, Dewey’s Ethical Thought, Ithaca, NY: Cornell University Press.
- Westbrook, Robert B., 1991, John Dewey and American Democracy, Ithaca, NY: Cornell University Press.
أدوات أكاديمية
How to cite this entry. | |
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society. | |
Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO). | |
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database. |
مصادر أخرى على شبكة الإنترنت
- A Brief Account: John Dewey’s Ethics, Political Theory, and Philosophy of Art and Aesthetics, by David L. Hildebrand
- John Dewey, American Pragmatist, at pragmatism.org
- Gouinlock, James S., “John Dewey”, Encyclopedia Britannica, revision: 27 September 2018. URL = <https://www.britannica.com/biography/John-Dewey>
- John Dewey, entry by Jim Garrison in Encyclopedia of the Philosophy of Education (internet Archive)
- Field, Richard, “John Dewey (1859–1952)”, Internet Encyclopedia of Philosophy. URL = <http://www.iep.utm.edu/dewey/>
- Society for the Advancement of American Philosophy, resources (research and teaching) on John Dewey and other American Philosophers
- The Center for Dewey Studie
- The John Dewey Society
مدخلات ذات صلة
Addams, Jane | aesthetics of the everyday | associationist theories of thought | Berkeley, George | civic education | critical theory | critical thinking | Dewey, John: aesthetics | Dewey, John: moral philosophy | Dewey, John: political philosophy | education, philosophy of | faith | feminist philosophy, approaches: pragmatism | globalization | God: concepts of | Green, Thomas Hill | Hook, Sidney | hope | Hume, David | information technology: and moral values | introspection | James, William | Kant, Immanuel | liberalism | Locke, John | Mead, George Herbert | metaphysics | ontology of art, history of | Peirce, Charles Sanders | pragmatism | process philosophy | rationality: historicist theories of | religion: and morality | religious experience | Rorty, Richard | Sellars, Wilfrid | Wundt, Wilhelm Maximilian
[1] Hildebrand, David, “John Dewey”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2018 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2018/entries/dewey/>.