مجلة حكمة
فلسفة الجماليات الفرنسية ستانفورد

الجماليات عند الفرنسيين في القرن الثامن عشر – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: حسن السلمي


مدخل فلسفي شامل حول الإرث الكلاسيكي وثقافة الصالون لـ فلسفة الجماليات الفرنسية في القرن الثامن عشر، وفلسفة الجماليات الفرنسية الديكارتية، وفلسفة الجماليات الفرنسية عند فلاسفة عصر الانوار؛ نص مترجم لد. جينيفر تسين، وجاك موريزوت ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


 كتب فلاسفة ما قبل الثورة الفرنسية (Ancien Régime) مقالاتٍ وبحوثاً عن الجمــال، لكن مصطلح “الجماليات” -الذي سكّه الفيسلوف الألماني ألكساندر باومقارتن كما في اللاتينية (aesthetica)- لم يكن ذائعَ الصيت في فرنسا، ولم يظهر إلّا في مواضع قليلة جدًا في نهاية القرن الثامن عشر. عرّف الفلاسفة الذوق (goút، أو goust) بأنّه عاطفةٌ تسمح لكلّ من المبدع ومستهلك الإبداع أن يتبيّنا جمالَ شكلٍ ما. ويلحّ المؤلفون في بعض الأحيان على الشكل كما هو الحال في التصوير <أو الرسم التصويري>[2]  painting، وفي أحايين أخرى يختبرون ما يحدث في عقل المرء الذي أبدع هذا العمل، أو في عقل المرء الذي ينظر فيه.

 

وفي القرن الثامن عشر، جاءت نظريات الجمال نتيجةً للنقاشات واسعةِ النطاق التي حدثت في القرن الذي سلف. ومن التغيّراتِ التي برزت أثناء عصر التنوير العنايةُ المتزايدة بأعمال الذهن الجوانية حينَ تصورِها الجمالَ، ومحاولاتُ الوصول إلى معيار عالمي قابل للتطبيق على كلّ الأشياء. وقد نعت أحد فلاسفة القرن العشرين: وهو إرنست كاسيرر هاتين الخصيصتين بالاتجاهات “الإمبيريقية/التجريبية“، و”الديكارتية” في فلسفة الجماليات الفرنسية في القرن الثامن عشر. وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ادّعى بعض فلاسفة التنوير كـ ڤولتير وديدرو أنّ سلطة الحكم <على أيّ عمل جمالي> لم تعد في أيدي الهواة ولا الأكاديميين المجهولين؛ بل في أيدي المحترفين من النقاد ممّن هم على شاكلتهم.

 

كانت الميادين الجديدة وأدواتُ التواصل التي ظهرت في القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر ذاتَ تأثيرٍ كبير في النقاشات المعنية بالفن، وعبّر النقاد عن أحكامهم النقدية في البحوث المنشورة، وفي المجلات كمجلة (Le Mercure galant)، وتطوّرت كذلك الأفكار الفلسفية بالحوار الشفهي بين أعضاء الأكاديمية الملكية حديثةِ النشأة، وبين النخبِ في الصالونات الخاصة، وبين الرجال في المقاهي العامة، وفي بعض الأحيان تكون هذه النقاشات صاخبةً في الميادين المتنوعة كصالات الأوبرا التي أصبحت متاحة لعامة الناس من طبقات مختلفة. كان هذا التصاعد المستمر للطبقة الشعبية المتعلمة سبباً في مطالبتهم بحقهم في مشاركة الحكمِ على العمل الفني، في حين ابتدأ المثقفون بتمييز أنفسهم من حيث كونُهم محترفين ومنطلقين من مؤهلاتٍ مؤسسية؛ ولذا فمن الصعب أن تُناقش الفلسفةُ بمنأى عن بيئتها، أو عن أدوات التواصل التي كانت موجودة في القرن الثامن عشر.

 

وتميّزت هذه النقاشات الفنية -التي دُوِّنت للأجيال القادمة، والتي جاءت من أثَرِ هذه النزاعات- بأنّها جدلية الطابع، وربما انحدرت إلى مستوى المراء والهجاء. من أشهر هذه النقاشات ما دار عن مسرحية السيِّد Le Cid، وما دار عن قضية القدماء والمُحدَثِين <أو أنصار القديم وأنصار الحديث>the Quarrel of Ancients and Moderns ، ومع أنّ هاتين القضيتين ظهرتا في القرن السابع عشر؛ إلا أنّ تبعاتهما امتدت إلى القرن التالي. وفي فن التصوير يمكن للمرء أن يستشهد بالنزاع بين محبي [نيكولاس] بوسين الذين كانوا يفضلون الخط، ومحبي [بيتر بول] روبينز الذين كانوا يفضلون اللون. وفي فن الأوبرا، حرّض صراعُ الفنانين الهزليين Querelle des Bouffons معظمَ فلاسفة التنوير الذين كانوا يفضلون النغم والنمط الإيطالي الشعبي، على محبي الموسيقي [جان فيليب] راميو والذين كانوا يمثلون توجهاً بصيراً نحو الهارمونيا الفرنسية.

 

وتناولت النقاشات عن الجمال والذوق في القرنين السابع عشر والثامن عشر موضوعاتٍ مختلفةً كالفن البصري، والأدب، والموسيقى، وجسد الإنسان، والأكل، والسلوك، والآداب العامة. وسيتطرق هذا البحث إلى موضوعاتٍ اعتنى بها الكتّاب، وهي: الأدب والفنون البصرية، وسيتناول أهم الأسئلة نحو السؤال: كيف يمكن للمرء أن يعرّف الجمال؛ بالحواس، أم بالعقل، أم بالمعايير التقليدية؟ وكيف يمكن للذهن البشري أن يتصور الشيء الجميل؟ ومن يحق له أن يحكم بذلك؟ لم تحظَ هذه الأسئلة بإجاباتٍ قاطعةٍ، إلا أنّ أفكارَ عصر التنوير التي تناولت الجمال شكّلت إرثاً للثقافة الفرنسية الكلاسيكية لم يكن مقصوراً على فرنسا حتى يومنا فحسب، بل تجاوزها إلى العالم الغربي كلّه؛ إذ كانت له هيمنة خلال القرن الثامن عشر.

 

  1. الإرث الكلاسيكي

  2. ثقافة الصالون ووعيه/حساسيته

  3. فلسفة الجمال الديكارتي

  4. فلسفة الجماليات الفرنسية عند فلاسفة التنوير

  5. التصوير لدى الهواة والمحترفين

  • المراجع

  • أدوات أكاديمية

  • مصادر أخرى على الإنترنت

  • مداخل ذات صلة


 

 

١. الإرث الكلاسيكي

عدّ المفكرون الفرنسيون بلدهم وريثةَ الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية، ورأوا في عملهم استمراراً لهذا الإرث الكلاسيكي، بغض النظر عمّا إذا كانوا اتبعوه اتباعاً صارماً أم لا. وعلى سبيل المثال فإنّ أرسطو وبوتارك (Plutrach) كانا من الفلاسفة ذوي الأثر الكبير في الأدب الفرنسي في القرنين السابع عشر والثامن عشر. إنّ هذا التصور الذاتي لا يصف عدم ارتياحهم تجاه التجديد الفني فحسب، بل ازدراءَهم للدول الأخرى الأوروبية، وقلقَهم إزاء ما يمكن إدراجه في تقليدهم الأدبيِّ الوطنيِّ، وجهودَهم لفرض رؤية جمالية فحولية ووطنية على فن التصوير حينذاك.

 

تصادم هذا الولاء للتراث اليوناني والروماني مع الأفكار الجديدة في منتصف القرن السابع عشر، وذلك إبّان الصراع الذي دار بين مناصري القدماء ومناصري المحدثين. كانت لهذا الصراع مراحلُ عدة امتدت إلى عقود سبعة نوقشت فيها قضايا مختلفة، بدأ أولها في خمسينيات القرن السابع عشر عندما حاول بضعٌ من المؤلفين تجديد جنس الملحمة الشعرية؛ لاعتراف جميع <المشتغلين بالأدب>ل بأنّ الفرنسيين لم يتسنّ لهم قطّ أن يبدعوا عملاً يعادل (الإنيادة) <لڤرجيلوس> كما فعل الإيطاليون في (تحرير أورشليم) <لتوركواتو تاسو> ( Tasso’s Jerusalem Delivered, 1581)، وكما سيفعله الإنجليز بعد ذلك بمدة مع (الفردوس المفقود) لميلتون في عام ١٦٦٧م. ولنذكر مثالين اثنين: كتب  كلٌ من  دي ماريه دي ساينت سورلين، وجيان تشيبلين قصائدَ تتوخى التقليد الملحمي، ولكن بموضوعات مسيحية، هي بالتتابع: حوار مع الملك الفرنسي الأول كلوفي ( the conversation of the first French king Clovis)، وقصة جوان القوس (the story of Joan of Arc)، لكن تعرضت هذه المحاولات لتهكمٍ شنّه أنصار معسكر القدماء، وعلى وجه التحديد نيكولاس بويلّو، الشاعر المدعوم من البلاط دعماً قوياً، وكان أن فشلت هذه الملاحم ودخلت في طور النسيان؛ إمّا لضعف جودتها، وإمّا بسبب هجاء بويلّو الذي نجح في استمالة الرأي العام.

 

وبعد هذه المحاولات لتجديد الملحمة عُنيت المرحلة الثانية بنواحٍ مختلفة من الحياة الحديثة؛ فقد واجه بويلّو في هذه الحقبة خصماً جديداً هو تشارلس بيرّر، وهو ما يعرف اليوم بجامع الحكايات الخيالية fairy tale.  والحق أنّ لهذه القصص الخيالية أهميةً كبيرة؛ إذ احتفت بالتراث الشفهي الأوروبي الذي لم يكن له جذورٌ عائدةٌ إلى الرومان واليونان، خلافاً للحكايات التي تُقال على لسان الحيوان fables عند جان لا فونتين أحدِ مناصري القدماء. وناصر بيرّرو المحدثين في كتابه (الموازنة بين القدماء والمحدثين Parallel of the Ancients and the Moderns) والذي ضمّنه سلسلةً من الحوارات بين ثلاثة من المناصرين هم: مناصرو المحدثين ويمثلهم سيدُ دير abbot، ومناصرو القدماء ويمثلهم رئيسٌ ما أو شخص ذو منصب حكومي عالٍ، والمناصرون ممّن يقفون موقفاً وسطاً للتوفيق بين الرأيين ويمثلهم فارس موالٍ للملكية cavalier. ومن الأفكار الرئيسية في هذا النزاع النظر للتاريخ بوصفه نتيجةً لانحطاط أو لتقدمٍ؛ وذلك أنّ مناصري القدماء يرون أنّ العصرَ القديم  Antiquityهو العصرُ الذهبي، وما أعقبه من العصور تمثّل –فقط- الانحدار في الفن والأخلاق أوفي نواحٍ حياتية متعددة. ورأى أنصار الحديث في الأفكار التحديثية والاكتشافات العلمية ميلاً نحو النهوض للأعلى، وطال ذلك الآداب والسلوك؛ إذ رأى أنصار الحديث في التطور الجديد الذي طرأ على آداب البلاط الفرنسي وسلوكياته تقدماً فاق السلوك الجلف -وإن كان بطولياً- الذي كان معمولاً به عند اليونانيين والرومانيين، ومثال ذلك ما ذكره بيرّرو في حواراته من أنّ نصير المحدثين اعترض على ذكر الإلياذةِ قدرةَ زيوسَ على ضرب زوجته؛ إذ يعد هذا السلوك محرماً في الطبقات العليا منذ ما قبل الثورة الفرنسية، بل إنّ رئيس الدير <نصيرَ المحدثين> قارن هذا بسلوك الفلاحين الفرنسيين. وسيعاود التضادُ الظهورَ بين مجموعة قواعد السلوك بين اليونانيين والفرنسيين في بدايات عصرهم الحديث في المرحلة التالية من هذا الصراع.

 

أما المرحلة الأخيرة من هذا الصراع -وذلك في العشر الأُوَل من بدايات القرن الثامن عشر (١٧١٠م)- فقد تمحورت حول الإلياذة وكيفية ترجمتها، وأهم من انخرط في هذا الصراع اسمان: آن ديسير، ورئيس الدير هودور دي لي مات. أخرجت ديسير-وهي متخصصة ذات مكانة في الدراسات الهيلينستية- ترجمتَها النثريةَ للإلياذة سنةَ ١٧١١م، ثم بنى هودور ذو المعرفة الضئيلة باليونانية ترجمته عليها في النسخة الشعرية شديدة الاختصار التي أخرجها سنةَ ١٧١٤م. وقد مثّل الأخيرُ معسكرَ أنصارِ الحديث؛ وذلك أنّه تجرأ على انتقاد الإلياذة ونعتها بأنّها مليئة بالتكرار وبالإسهاب الممل كما في وصف درع إسخيلوس، بل تجاوز ذلك إلى حذف الفصول التي عدّها منافية لذوقه، وفي المقابل فإنّ ديسير تبنّت ترجمةً أكثر وفاءً للأصل، ولم تبالِ إن خالفت الترجمة الذوقَ الفرنسي في زمنها، بل إنّها هاجمت أنصار الحديث في كتابها الجدلي  (في فساد الذوق  On the (Corruption of Taste مستهجنةً أدبَ معاصريها وتخنّثَ أخلاقهم مقارنةً بالأخلاق البطولية في زمن العصور القديمة .

 

وفي كلّ هذه المراحل لم يكن ثمة خلاف عن نظرة الإجلال للعصور القديمة، كما لم يكن هناك شك حول تأليف التقليدِ الأدبي literary canon المأخوذِ من <تراث> اليونان والرومان؛ إذ شكّل الأدب القديم أصلاً من أصول تعليم الذكور في زمن ما قبل الثورة الفرنسية، وظل معياراً للمثقفين الفرنسيين حتى نهاية القرن الثامن عشر، حتى مع وجود نزعات تحديثية واسعةِ الانتشار في الرواية والمسرح. وتلا الصراعَ بين أنصار القديم والحديث الكتّابُ التنويريون الذين وفّقوا بين الرأيين معترفين بالاختراعات العلمية، وبالتطور في نمط الحياة دون أن يفقدوا رغبتهم في توخي الأشكال الأدبية للقدماء، وتقدير عظمة الأبطال القدماء.

 

وقد عُني هذا النزاع الطويل عناية خاصة بقدرة الكتّاب على تطبيق المبادئ الأدبية. وتهدف هذه الطريقة القديمة للحكم على الأدب -والتي يمكن أن نجدها منذ كتاب الشعر لأرسطو- إلى تحديد ما إذا كانت الأعمال الأدبية قد اتبعت معايير الجنس الأدبي، والأسلوب، أو اللياقة الشخصية المبنية على التنصيف المجتمعي للأشخاص. وفي حين كان بعض المفكرين الفرنسيين يقاربون الأدب بهذه الطريقة فنياً أو غير ذلك؛ كان مفكرون آخرون يطورون طرقاً جديدةً للحكم على الجمال على المستوى الإدراكي، ولقد أفصح التوجه الذي تبناه كلّ واحد منهم عن طريقة تفكيره، ليس ذلك فحسب بل أفصح عن بيئته الاجتماعية، ومكانته المؤسسية.

 

٢. ثقافة الصالون الأدبي ووعيه

في بدايات نظام ما قبل الثورة الفرنسية أسست حكومةُ لويس الثالث عشر-والتي كانت تحت سيطرة كاردينال دي غيشوليو- الأكاديميةَ الفرنسية بهدف تقعيد اللغة الفرنسية، وقبل أن تخرُج هذه المؤسسة إلى الوجود كانت هناك حِلَقٌ أدبية -والتي أطلق عليها لاحقا بالصالونات الأدبية- أدارها نساء ورجال من الطبقة الراقية، وانتخبوا لها ضيوفاً محددين، لقد شجعت <هذه الصالونات الأدبية> إنتاجَ الكتابة الجديدة، واحتضنت نقاشاتٍ عن تهذيب اللغة الفرنسية، ثم جلبت الأكاديمية الفرنسية بعض هذه الأنشطة ووضعتها تحت السلطة الوطنية، وأوجدت داعمين من المَلَكيّة، وتحكّمت بالعضوية؛ إذ قصرتها على ٤٠ رجلاً تحديداً، ومع هذا فلقد واصلت الصالونات الأدبية عملها في القرن التالي، واستمرت في دعم الموهوبين الشباب، كما كان لها أثر قوي في تلقي الرأي العام للفن.

 

ولقد طورت ثقافة الصالونات الأدبية في القرن السابع عشر مفاهيمَ عن الذوق كانت على صلة وثيقة بالرؤية الأرستقراطية <أو رؤية الخاصة> للسلوك المؤدب والوعي، سمّى كاسيرر هذه الطريقة بالتجريبية . وبالفعل فقد بُنيت تلك الأفكار على الحواس والتحفيز الذي تتلقاه أكثر من بنائها على العقل، أو على تقاليد جنس أدبي ما.

 

من أوائل المفكرين المؤثرين القسُّ اليسوعي دومينيك بوهاورس؛ إذ كان كثير الاختلاف إلى الصالونات الأدبية، وكتب هذا المفكر كتابه ((Entretiens d’Ariste et d’Eugène فضمّنهُ محاوراتٍ عن الذوق الجيد، وتناول فيه الفنونَ عامة لا سيما الفصاحة، كما تناول أيضاً السلوكيات الحسنة. اشتُهر بوهاورس بوضعه مصطلحَ “je ne sais quoi” أو “<لا أعرف شيئاً/أو لا أعرف ماذا> I don’t know what”، وهي خاصية مستعصية عن التعريف، ومتعاليةٌ عن أية قواعد. استحضر المحاورون احتمالية أن يتوخى العملُ الفني كلَّ القواعد، ولكنّه سيفشل إن فَقد هذا الشيءَ الخاص <أي هذه الخاصية>، بل إنهم قارنوها بما تضيق عنه العبارة <أو ما يصعب التعبير عنه> في تأملات الإنسان في الطبيعة أو في تأملات اللاهوت الكاثوليكي. وفي موضع آخر من كتابه (Entretiens استهجن بوهاورس المبالغة في التعبير، والإكثار من زخرفة اللغة، وكان هذا الأسلوب شائعاً في الأعمال المعنية بالبلاغة منذ العصور القديمة. ولقد طبّق محاوروه هذه الفكرة على أوروبا القرنِ السابعَ عشرَ؛ إذ تواضعوا على أنّ اللغةَ الفرنسية بتواضعها وبساطتها متفوقةٌ على اللغة الإسبانية الطنانة، والإيطالية المتخنثة.

 

إنّ هذه التحاملاتِ اللغويةَ دالةٌ على أنّ بوهاورس كان يحاول تأسيس مكانةٍ لفرنسا بصفتها الوريثة الشرعية للإمبراطورية الرومانية في مقابل ثقافتين كانتا أكثر سيطرة في تلك الحقبة.

 

في نص بوهاورس <نجد> أنّ التأدب politeness على اتصال وثيق بالذوق الفني؛ وذلك لأنّ إدراك الجمال الأدبي وما يجب قوله في المحيط الاجتماعي لا يتحققان إلا بالإحساس الخاص <بمَلَكة> التبيّن <أو الإدراك> discernment، ولعل الأمرين نابعان من الحساسية الحادة للشخص المهذب الذي تعود أن يُحاط بالجمال والسلوك الجيد. إنّ الإلماحات الطبقية النابعة من أفكاره عن الذوق واضحة للعيان؛ <وهي أنّ>: الخاصة وحدهم هم من يمتلكون الغريزة <لفهم> التأدب والذوق الفني الرائع. إنّ هذه الفكرة ترفض احتمالية أنّ امرَأً ما قادرٌ على تلقي التدريبات الكافية ليصل لهذا المستوى من التهذيب <أو الحذق>، ولقد تشارك المنظّرون المتأخرون ممن نبعت ثقافتهم عن ثقافة الصالون <الفكرةَ ذاتَها>.

 

في نهاية القرن الثامن عشر واصل هذا النمطَ من التفكير القديسُ جان بابتيست ديبو، ومدام دي لامبيغ، ومونتيسكو، وغيرُهم ممن انتمى إلى مجموعة الأشخاص المتعارفين <المعارف> acquaintances ممن كان يختلف إلى الحِلَقِ الاجتماعية بما في ذلك صالون دي لامبيغ. اشترك هؤلاء في التقليل من شأن النقاد المحترفين، وشأنِ أي تظاهر بالحذلقة، وكان ذلك مبنياً على تأملاتهم عن الجمال التي كانت وثيقة الصلة إحساسهم بالتأدب إحساسا دنيوياً worldly.  لم يكن هؤلاء مهتمين بتعريف الجمال، بل إنّ أكثرَ ما ركزوا عليه اختبارُ ما يحدث في ذهن الناظر وجسده حين تأمل الشيء الجميل، لقد كانت عنايتهم بالمتعة والعاطفة شهوانية مستندةً على ما ينتج عن الحواس، وبحسب مونتيسكو فإنّ الشهوانيةَ هنا تصبح -صراحةً- بحثاً حثيثاً عن اللذة hedonistic. 

 

عرضَ جون بابتيست ديبو كلياتِ الذوق بصفتها عاطفةً، وأطلق عليها الحاسةَ السادسة، ضارباً الصفح عن دور العقل أو الأخلاق التي تعد عند مجايله جون بييه كروساز جوانبَ مهمة في الذوق، وذلك في كتابه الذي كتبه عامَ ١٧١٩م (تأملات نقدية عن الشعر وفن التصوير والموسيقى)، ولقد سبق هذا العملَ بحثٌ في الذوق كتبه الفيلسوف الاسكتلندي فرانسيس هوتشسون Francis Hutcheson سنةَ ١٧٢٥م تعرض فيه للحاسة السادسة المُدرِكةِ للجمال. يرى ديبو أنّ تلقّي الأعمال الفنية يحدث في أجسادنا؛ فعندما نشاهد مسرحية ما على سبيل المثال فإنّنا نرتعش ونبكي، أو نشعر بهِزّة المفاجأة، وشرح ديبو التأثير الإيجابي للفنون في عواطفنا، هذا مع اعترافه -مثلاً- أنّ مشاهدة الموت مجسداً في لوحة فنية أو في المسرح مختلفٌ عمّا إذا شاهده المرء في الواقع، وشرح أيضاً شرحاً مسهباً أثرَ المناخ في الشعوب، ودعمهِ أو عرقلتهِ الفنانين في أماكن متفرقة من العالم. ويُعزى هذا النوع من التفكير إلى تأملات أبقراط عن آثار البيئة في الشخص المنتمي إلى موطن ما national character، مروراً بأفكار خوان هوارتيه عن تأثير درجة حرارة الجسم في الفصاحة، وانتهاءً بما زعمه مونتيسكو من أنّ المناخ يؤثر في تحديد السلوك البشري وانعكاسه على النظام السياسي لأي شعب.[3] وتعد نظرية المناخ هذه جزءاً من فكرة ديبو التي ترى أن تلقي الفنَ يحدث في جسد كلٍّ من الناظر والمبدع، بل يرى ديبو أنّ الفن في نهاية الأمر أداةٌ من أدوات التواصل بين جسد وآخر.  

 

ومن المفاهيم المغلوطة الناشئة عن فهم ما قاله ديبو القولُ بأنّه جعل الذوق مشاعا بين عامة الناس؛ ذلك لأنه ذهب في بعض ما قال في كتابه السالف الذكر أنّ العامةَ وكلَّ امرئ tout le monde قابلون لأن يتلقوا العمل الفني تلقياً مناسبا. على أنّه بيّن في مواضع أخرى أنّ ما يعنيه بالتعبير السالف ليس الناسَ كلَّهم –كما يُترجَم غالبا—بل إنّه يستعمل عبارة “le monde” قاصداً بها المجتمع الراقي high society، ويُعبَّر في القرن الثامن عشر عنها <بالفرنسية> “le beau monde”. وبخصوص عامة الناس فإنه يُخرِجُ صراحةً من “العامة القادرة على تمرير الحكم على قصيدة أو صورة ما” “الطبقة َالدنيا من الناس”.

 

وكما فعل ديبو فقد كتبت مدام دي لا مبير في كتابها (تأملات في الذوق) عن الذوق بوصفه عاطفةَ لذةٍ، أو <بالتعبير الفرنسي> “agrément”. إنّ حكم الشخص الصحيح معتمدٌ على ما تظنه إدراكا وحساسيةً، وهو كما تزعم غيرُ قابل لأن يُتعلم، ذلك لأنّ:

 

الطبيعة تعطينا ما لنا عندها، ولا يمكن لنا اكتسابه. ولا يطّلع على ذلك بأي درجة من درجات الكمال إلا العالمُ الأكثر تهذيباً.

 

لقد تجاهلت تعريف الجمال المستند على قواعد معينة؛ ربما لأنّ القواعد مَظِنّة الاكتساب والتعلم، بل إنّها أعرضت عن مفهوم الجمال في أفكارها عن الذوق، وأعلت من شأن مفهوم agréable وما يمكن ترجمته بالمقبول أو الممتع pleasant. تقول مدام دي لا مبير:

 

إذا كان للجمال قواعدُ معينة؛ فإنّ صفة القبول لا قواعد لها، إنّ الجميل بدون صفة القبول لا يمكن له أن يعطينا هذه المتعة المرهفة؛ ذلك لأنّه عنصر أصيل في الذوق، ومن ثَمَّ يمنحنا لذةً غيرَ محدودةٍ، ومُجاوِزَةً للجميل، وهي <-أي صفةُ القبول-> اعتباطيةٌ ومتغيرةٌ كالذوق نفسه.

 

إنّ استحالة الحصول على عامل معين ومحدد للذوق هو امتدادٌ لعبارة بورهاورس “لا أعرف شيئا”، والتي تستند على القدرة الغريزية الحساسة للمرء لإدراك الشيء الممتع إدراكاً مناسباً.

 

وجدت آراء ماركيز دي لا مبير صداها في أعمال من كان يرتاد صالونها من الكتّاب من أمثال القسيس تروبليت، وكارتود دي لا ڤيلا (ودعت لامبير أيضا كلّا من آن ديسير و هودور دي لاموت). يلح كارتود دي لا ڤيلا إلحاحاً شديداً على الرهافة (delicacy) وهي عنده:

 

ملكة التبيّن الرائعة التي أوجدتها الطبيعة في بعض أعضاء الجسم حتى تستوعب الفضائل المختلفة للأشياء الخاصة بالعاطفة.

 

 إنّ هذه الأفكار التي تقول بأنّ المرء يولد بحساسية فطرية تجاه الأشياء الفنية الممتعة تعارض إمكانية أنّ الذوق يمكن تعلمه.

 

وقد اختبر مونتيسكو الذوق بوصفه وظيفةً لذهن الناظر تدخل في طور التنقية <أو التصفية> وذلك بالتهذيب الدنيوي worldly refinement لنفس البيئة الثقافية. على أنّ الأمثلة التي طبقها على أفكاره المتعلقة بالجمال لم تكن مقصورة على الفني بل تجاوزته إلى نشاطات أخرى كالتغزل، والمقامرة، والرقص الاجتماعي، هذا إلى جانب موضوعات تقليدية كالمعمار؛ وذلك ليشرحَ كيف يمكن للذهن أن يتصور المتعة. ولقد شرح هذه الأفكار في (مقالة في الذوق) والذي نشرت في موسوعة ديدرو و أليمبيرت في مدخل “<الذوق> Goût” الذي تضمن أيضاً أبحاث ڤولتير وأليمبيرت عن الموضوعات نفسها. ولكي يشرح مونتيسكو ماهية الأشياء التي تُشعر أذهاننا بالجمال والمتعة عدّد خصائص ست، <هي>: التنظيم، والتنوع، والتناسق، والتضاد، والقدرة على استثارة الفضول، والقدرة على استثارة المفاجأة. ويزعم مونتيسكو أنّ المغالاةَ إن طالت أيًّا من هذه الخصائص فسوف تحدث أثراً سيئاً كما هو الحال في الكاتدرائيات القوطية التي تعرِضُ تنوعاً زائداً عن الحد إلى درجة التشويش، وفي المقابل فإن كان هناك تناسق وتنظيم مبالغ فيه كما هو في صف الأعمدة، أو في وجه امرأة حسناء، فسيشعر الناظر بنوع من الملل. ويُعنَى مونتيسكو كما هو الحال مع لامبارت بالمتعة أكثر من عنايته بالجمال، ومثال ذلك عند مونتيسكو أنّه يزعم تفضيل المرأة ذات المواصفات غير المتناسبة على المرأة الجميلة جمالاً مثالياً. وأضاف إلى الخصائص الست في الأشياء الممتعة ثلاثةَ طرق تُجرِّبُ بها أذهانُنا هذه الأشياءَ وهي: الحساسية، والرهافة، <وعبارة ديبو> “لا أعرف شيئاً”. إنّ هذه المصطلحات تذكرنا بانتمائه إلى طريقة صالون بورهاورس ودوبوس في التفكير عن الذوق باعتباره خاصيةً يرثها نوع مخصوص من الناس الدنيويين المهذبين.

 

٣. فلسفة الجمال الديكارتية

ومع أن الانعطاف نحو الذاتية والشهوانية مثّلت تحديثاً كبيراً لـ فلسفة الجمال؛ إلا أنّ أثر ديكارت ظلّ مسيطراً على الفكر الفرنسي في القرن الثامن عشر، ولقد طُبِّقت فلسفتُه على نظريات الجمال مع أنّه لم يكتب في هذه الموضوعات إلا نزراً يسيراً. واقترح كلٌّ من كروساز وأندريه مقياساً موضوعياً للجمال يمكن تطبيقه على أيّ شكل من أشكال الجمال، كما فعل ذلك ديكارت مع الحقيقة، ويمكن لهذا المعيار-من الناحية المثالية- أن يتجاوز كلّ تقلبات الأزياء، والتحيّزات الشخصية، وحتى الاختلافات الثقافية.

 

في العام ١٧١٥م نشر أستاذ المنطق والرياضيات في مدينة لوزان Lausanne في سويسرا جان بيير جي كروساز بحثه (مقالة في الجمال)، لكنّه لم يأتِ بجديد بخصوص طبيعة الجميل، والذي فعله أنّه أخذ بعض الأقوال المأثورة؛ والتي تعد خليطاً بين الوحدة والتعدد؛ لكي يحافظ على التنظيم والتناسب من الوقع في التقلب المفاجئ والرتابة، على أنّه قارب هذه الأفكار بوعي جديد بحدود التحيّزات الثقافية التي تقف عقبة في الطريق؛ <إذ يقول>:

 

يمتلك كلّ واحد من الناس فكرة عن الجميل، ولأنّها غالباً لا تظهر وحدها فإنّا لا نتأملها جيداً، بل إننا نفشل في التمييز بينها وبين الأفكار المتشابكة التي تظهر معها.

 

وتكمن جذور هذه الصعوبة في الثنائية التي تتسم بها القدرات الإنسانية، <ذلك أنّ>:

 

الأفكار والأحاسيس قد تتوافق، وأنّ الشيء قد يستحق صفة “الجميل” على المستويين، وعلى العكس من ذلك؛ ففي أحايين أخرى نجد أنّ العقل والأحاسيس في صراع، وحينئذٍ فإنّ الشيء قد يبعث اللذة ويفقدها في نفس الوقت، وأنّه جميل في وجهة نظر ما، وفاقد للجمال في وجهة النظر الأخرى.

 

لا يعتمد كروساز على هذا الطّلاق <بين الأفكار والأحاسيس> بل على العكس من ذلك؛ إذ يؤمن بأنّ لدنيا مسؤوليةً لاكتشافِ:

 

أيٍّ من المبادئ التي تضبط استحساننا حين نحكم على شيء ما معتمدين على الأفكار فقط، ثم نجده جميلاً بمنأى عن الشعور والإحساس، أو كما يحب أن يعبر عنه بـ coolly <أي: ببرودة أو بدون عاطفة>. 

 

والذوقُ سابقٌ لما يمكن للعقل أن يقبله لو كان له وقت كافٍ يزن فيه كلّ شيء متعلق بالحكم. يحاول كروساز في نهاية الأمر التوفيقَ بين المعرفة والأحاسيس، وهو واقعٌ يُظهر أنّه يشهد لصالح حكمة الله في الأرض. وثمة أفكار مشابهة عن مؤلفين أقل أهمية كما هو الحال عند فراين دو تريمبلي، وبروموي، وتروبليت.

 

يعالج إيڤ ماري أندريه في (مقالة في الذوق) نفس الموضوع لكنّه متأثر جداً بنيكولا مالبرانش، ويقترح بضعاً من الأفكار عن الجمال المتوافقة مع التفريق الديكارتي بين الأفكار (فطرية، وعرضية، وخيالية)[4]، <وهي: أولاً:> الجمال الضروري <أو الجوهري>؛ وهو “المستقل عن أيّ مؤسسة حتى المؤسسة الإلهية”، ولذلك فهو متماهٍ مع ما هو عالمي، وثابت، ولا يُدرك إلا بالعقل الإلهي divine Reason. <ثم يأتي بعد ذلك> الجمال الطبيعي الذي له صلة وثيقة بمجموعة من الأشياء المخلوقة، وهو “مستقل عن أيّ رأي إنساني”، لكنّه يتبع الإرادة الإلهية، وهو موجود في تناغم الطبيعة وغائيتها finality .  أمّا أقل درجة من درجات الجمال فهي ما تنتج عن النشاط الإنساني، وهي اعتباطية جزئياً لأنّها تمزج بين المكونات العقلية والشهوانية، وينتظم هذا الجمال الاعتباطي الذي يتحدث إلى العين في ثلاثة مستويات هي: العبقرية، فالذوق، فالنزوة؛ أمّا العبقرية فهي وحدها ما يمكن إدراكها بعقلنا، في حين أنّ المستويين الآخرين مدعومان دعماً ملائماً بالمَلَكات (faculties). ويختم أندريه <قائلاً>:

 

لا أسمي الشيء الذي يبعث المتعة من أول نظرة للتخيّل جميلاً، بل الشيء الذي يمتلك الحق في إمتاع العقل والتأمل؛ وذلك بتميّزه الخاص. 

 

وفي نظره أن ليس ثمة تميّزاً بين الجمال والحق، وهذا تحديداً هو تعريف جماليات الكمال. بيد أنّ الإحساس بالجمال هو الأثر الطبيعي المصاحب لأيّ فعلٍ للإبداع أو لتلقيه، وهو أيضا الخاصية التي تميّز صنف البشر عن غيرهم. 

أمّا تشارلس باتو Charles Batteux فقد كانت له مآرب أخرى؛ وذلك أنّه عندما أصدر كتابه (الفنون الجميلة مختزلةً في مبدأ واحد) سنة ١٧٤٦م تجاسر على تأسيس الأفكار الأرسطية تأسيساً صارماً باعتبارها البناء العام لأيّ نظام موحد لأيّ نوع فني، وكان المفهوم الرئيس الذي اعتنى به هو المحاكاة mimesis لكنّه عمّمه على كلّ نوع من أنواع الفنون (متجاوزاً أرسطو وهوراس)، ولكي يحقق هذا التعميم فقد فرّق بين الفنون الحرة التي تهدف إلى المتعة (على سبيل المثال: الموسيقى، والشعر، والرسم، والنحت، والرقص)، وبين الفنون المكيانيكية. واقترح باتو تأويلَ ما يمكن تقديره بـ “محاكاة الطبيعة الجميلة”، وأكّد أنّ المحاكاة ليست نسخاً مستسلماً للمُعَيّن given، بل معالجةً تنويرية وحسيّةً تجاهد للوصول إلى أفضل النتائج. وختم باتو <كلامه> بأنّ على الفنان مسؤوليةَ أن يحاكي ما يقرره العقل جوهرَ الطبيعة مستحضراً القصة المشهورة لزيوكس الذي حاكى في أجزاء من لوحته هيلين أجملَ امرأةٍ في مدينة كوروتوني. ولهذا السبب نجد أنّ باتو يمتدح كثيراً الحيلة الفنية؛ “لأنّ الفن خُلقَ ليخاتل”، وليس ذلك لأنّ الفن بطبيعته مخاتل؛ بل لأنّ الحقيقةَ تركيبٌ معقّد يُخفي بِنيَتَه وتَطوّرَه. على أنّه واجه في بعض الأحيان نقداً بسبب دفاعه العنيد عن المعايير الجامدة جموداً تجاوز الحد (كما هو الحال في كتابه (مبادئ الأدب) الذي نشر سنة ١٧٣٥م)، أو لكونه داعماً متعصباً لمبدأ  ut pictura poesis <أنّ الشعر والتصوير متشابهان>[5]، وفي أحايين أُخر لكونه معروفاً بفهمه أنّ المثالي لا يمكن أن يوجد في أيّ مكان خارج التخيّل.

 

ولعل من المهم الإشارةَ إلى أنّ المُؤلِّف الموسيقي جان فيليب راميو الذي التزم بالفكر الديكارتي التزاماً صارماً حاول في كتابه (مقالة في الهارموني) <-وتعني تعدد/تآلف الأصوات-> أن يضع الأسس العلمية للموسيقى، وأن يقنّن كثيراً من الأفكار التي تعد أساسًا لتحليل الموسيقى حتى يومنا هذا (على سبيل المثال: <النغمية> tonality، <مفتاح السلم الكبير مقابلَ مفتاح السلم الصغير>major vs. minor keys ، <مبادئ التأليف والمصاحبات النغمية> principles of composition and accompaniment)، ويرى راميو أنّ تآلف الأصوات أكثر جوهرية في الموسيقى منه في النغم، مع أنّه تراجع منذ كتابه (البرهنة لمبدأ الهارموني) الذي نشر عام ١٧٥٠م فصاعداً عن يقينه بأنّ الموسيقى مفتاحٌ عالمي لأيّ موضوع بما في ذلك علم الهندسة، وخصوصاً بعد أن انتقده روسو انتقاداً لاذعاً ( في كتابه (رسالة في الموسيقا الفرنسية) الذي نشره عام ١٧٥٣م، وهو نقد لاذع للموسيقى الفرنسية، وإعلاء من شأن الأوپرا الإيطالية).

 

٤. فلسفة الجماليات الفرنسية عند فلاسفة التنوير

جاء بعد مونتيسكو فلاسفة آخرون من فلاسفة التنوير فاستعاروا من النظريات المذكورة أعلاه ليخرجوا بأوصافهم للذوق على أنّه مزيج من ثلاثة عناصر، هي: العاطفة، والعقل، ومعرفة القواعد. وتزامن هذا مع ابتعادهم عن العالم المهذب للصالونات الأدبية الذي دعم مهنتهم، وعن الأكاديميين الذين طوّروا نظرياتٍ عن الجمال. حتى إنّ مونتيسكو انتقد الصالونات الأدبية بأنّها متأثرة بأثر أنثوي حال دون المعرفة الجادة. وفي نفس الوقت وصف ڤولتير في قصيدته (معبد/هيكل الذوق) العلماء بنفاد خيالهم وجدبه، وبعلو الغبارِ إيّاهم. ولقد عدَّ معظمُ فلاسفة التنوير أنفسَهم متنوعي المعارف، ومفكرين جادين عاشوا أيضاً بين ظهراني مجتمعهم، وبخصوص الذوق فإنّهم جعلوا أنفسهم طبقةً من النقاد المحترفين الذين زعموا الحقَ في إطلاق الأحكام الفنية، وأنّها ذات سلطة واعتبار أكثر من آراء عامة الناس المتقلبة، كما حدث بعد ذلك. 

 

يصف ڤولتير الذوق الجيد بأنّه مزيج من العاطفة والمعرفة المتنوعة، وفي مقالته “الذوق” في Encyclopédie استشهد بفتى يبكي متأثراً بأداء على المسرح، وأكّد أنّ هذا التجاوب العفوي مدعوم في نهاية الأمر بفهم العوامل المسببة للأثر الذي أحدثته المسرحية فيه، ويعني بذلك القوانين كالوحدات الأرسطية. تشبه هذه التجربة تلك التي وصفها كروساز، إلا أنّ الأخير وصف أنّ التلقي المثاليَّ للفن نتيجةٌ مباشرة للعاطفة التي يؤكدها لاحقا العقل لا القواعد. ويثبت العلماء المتخصصون في ڤولتير في كتبهم التي كسروها على دوره ناقداً بأنّه ليس لديه نظرية جمالية شاملة، وأن قصارى ما فعله تصريحاتٌ عن الذوق في الفنون بنى كلّ واحد منها على حدة، مع تفضيله الظاهر للتقاليد اليونانية الرومانية دون غيرها، على أنّه لم يجد إشكالاً في استثناء أحد من تلك التقاليد كما فعل مع بعض القطع التي كتبها عدد من كبار الكتّاب ممّن حطموا تلك القوانين نحو شكسبير.

 

لم يكتب جان جاك روسو إلا نزراً يسيراً عن الذوق والجمال خصّصه للنيل من التأثير الفاسد للفن عامة، بالإضافة إلى بضعة مباحث كسرها على التأليف الموسيقيّ. لكنّ مارومونتالَ -صنوَه في الفلسفة- هو الذي اجترح نظريةً في الجمال استنبطها من فلسفة روسو، في كتابه Élément de littérature <(عناصر الأدب)> وبالتحديد في توطئته (تجربة في الذوق/ أو التذوق) أكّد مارومونتال أنّ الذوق الجيد مستندٌ على الطبيعة، وشاركه فلاسفةٌ كثر آخرون كباتو، ثم سرد بعد ذلك مجموعة من المراحل التي ينتقل فيها الرجل من الذوق الجيد إلى الذوق الرديء، ثم يعود مرة أخرى إلى الذوق الجيد. فهناك أولاً الرجال المتوحشون الذين “يعبرون عن أنفسهم تعبيراً فصيحاً إلا أنّه خالٍ من “المبالغة الزائدة عن الحد”، أو “الكُنى السطحية”. أمّا المرحلة الثانية فهي في نظام مارومونتال معنية بالرجل “غير المثقف”، أو “البربري” الذي يميل نحو اللغة الملتوية والمتصنعة، ولأنّه ابتعد عن الطبيعة فقد أفسدته الرفاهية والغرور ونزوة الموضة، ويمكن مقارنة هذا الذوق الرديء بما نعته أندريه بالدرجة الأقل من درجات الذوق، التي أسماها بالاعتباطية لتقلبها وتغيّرها المستمر. وأخيراً فهناك في نموذج مارومونتال “الرجل المتحضر” الذي يبرز في المرحلة الثالثة أثناء عودته إلى الطبيعة. إنّ هذا المسار متكئ على نموذج روسو في كلامه في كتبه السياسية عن الرجل النبيل المتوحش الذي يفسده المجتمع، ولكنه في نهاية الأمر وفي وقت ما في المستقبل سيعود إلى المرحلة الأصلية. وبعيداً عن هذه الأفكار فقد كانت جماليات مارومونتال تنحو نحو العودة إلى نظام التصنيف التقليدي للأسلوب المجازي، متنافسةً مع قائمة التعبيرات المجازية التي ذكرها مجايلُه دومارسايس.

 

تضم المقالة المتميزة لديدرو “Beau <الجميل>” في  Encyclopédie  ملخصاتٍ متميزةً عن فلسفة الجماليات الفرنسية في القرن الثامن عشر، كما تضم بعض الأفكار الحديثة المعنية بالحكم الفني. كشف ديدرو في بداية هذه المقالة عن التعقل الدائري المتأصل في نظريات الجمال.  وتعد الوحدة خاصيةً تحد الجمال وفق ما ذكره القديس أوغسطين ومثال ذلك البناء المتناسق. ثم يتساءل ديدرو: “لماذا يعد التناسق ضروياً؟”، فيجيب على نفسه قائلاً: “لأنّه يمتع”، ويستمر ديدرو متسائلاً: ” لماذا يُمتع؟”، ثم يجاوب: ” لأنّه جميل”. وبعد أن وصل إلى طريق مسدودة في حلّ هذه المشكلة، راح ديدرو يلخص نظريات الجمال عند أندريه، وكروساز، وهوتشستون، والفيلسوف الفرنسي كريستيان وولف. ومع أنّ ديدرو يزعم بأنّ أطروحة أندريه أكثر عمقاً ومنطقية، إلا أنّه يعارض ضرورية الأفكار الفطرية عن ماهية الجميل. وبعد ذلك راح يناقش بأنّ <خاصية> الرصد <أو الملاحظة> هي التي أوجدت مفاهيم نحو التناسق والتناسب والجمال.

 

ويتكئ تعريفه للذوق على ما أطلق عليه “<الصلات/أو التوائم rapports <“، أو بمعنى آخر العلاقة بين نواحٍ عدة للعمل الفني. يبدع الفنان هذه الصلات التي لا يتبين معظمها إلا الناظر الأكثرُ حذقاً، والأوسعُ معرفةً، والأكثرُ حساسيةً، ومثّل على ذلك بسطر من عمل تراجيدي يُدعى (هوراس Horace) كتبه كورنيللي، والسطر هو: ” qu’il mourût””)كان قد مات([6]. يصف ديدرو هذه الكلمات معزولةً عن سياقها أنّها ليست بالجميلة ولا بالقبيحة، وحين يعرف المرء السياقَ داخل حبكة المسرحية، وأنّ الأب قال هذا الجواب عندما سُئِل عن ابنه، وما الذي سيفعله في المعركة؛ فسيجد الناظر في هذا السطر مواضعَ خليقةً بالتدبر، ويضيف ديدرو ظروفاً أخرى في هذه المسرحية كالابن الناجي الوحيد، وأنّه وحده بإزاء ثلاثة أعداء، وأنّه يقاتل من أجل وطنه، وأنّ كلّ هذه الظروف ساهمت في صنع هذه الصلات في ذهن الناظر حتى يأتي هذا السطر المقتضب جداً فيصبح شيئاً لجمال جلالي. وتتضمن الصلات الموصوفة فهماً أكثر فأكثر عن الحبكة، وعن العلاقات الإنسانية المجسدة <في العمل الفني>، وهذا بدوره يساهم في إضافة مستويات من المعنى في سطر ما. يصف بعد ذلك ديدرو في كتابه (رسالة إلى الصم والبكم) (نشر في ١٧٥١م) شيئاً مشابهاً مستخدماً مصطلح “الهيروغليفي” بدلا من “الصلات”، ويمثل لذلك بقصيدة يستطيع الرجال المتذوقون أن يتبيّنوا عدداً كبيراً من “الهيروغليفيات”، أو عناصر العَروض أكثر من الناس العاديين، وبمعنى آخر فإنّهم قادرون على ما يسميه نقاد الأدب بالقراءة المتأنية close reading، لكنّ الذي لا يبدو واضحاً هو كيفية وصول الناس إلى مرحلة من الحذق تجعلهم قادرين على تجلية الصلات أو “الهيروغليفات”.

 

 

5. التصوير لدى الهواة والمحترفين

بينما كانت النقاشات الدائرة عن الذوق في حقلي الأدب والموسيقى تأخذ طورها في التشكّل إذ خرجت نقاشات أخرى عن عالم الفنون البصرية؛ وذلك أنّ الفنانين شعروا بسلطة جديدة هي تنظيرهم العلني لأعمالهم الفنية، مع أنّ دوبو في عام ١٧١٩م كان ما يزال ينعتهم بالحِرفيين مسترجعاً الحقبة التي لم يكن للفنانين فيها من مكانة خلا كونهم عمالاً يدويين بارعين. وعندما أسس لويس الرابع عشر الأكاديمية الملكية للرسم والنحت وذلك عام ١٦٤٨م تغيّر الأمر؛ وذلك أنّه منحَ هؤلاء السابقين من الحرفيين مكانةً خاصة، وهو الذي عيّن تشارلس لي برون القائدَ المؤسس لهذه الأكاديمية والذي كان يشغل منصب أول رسام للملك، فما كان من قائدها إلا أن أوجد مجموعة من التدريبات المهنية، والاختبارات التي يجب على كلّ طامح أن يتجاوزها حتى ينضم للأكاديمية رسمياً، وبخصوص الرسامين فيمكن لهم أن يقدموا لوحة فنية متميزة في ” <أسلوب أو نوع جليل> grand genre”، ويعني ذلك أن تكون القطعة تاريخية أو أسطورية أو تحكي مشهداً دينياً، وما عدا ذلك فيمكن لهم أن يقدمواً قطعهم في أسلوبٍ أقل مكانة minor genre  كتصوير الأشخاص، أو المناظر الطبيعية، أو الرسم النوعي لمشاهد الحياة اليومية، وأخيراً تصوير الجمادات.

 

من النزاعات التي حدثت في القرن السابع عشر النزاعُ بين مناصري الخط ومناصري اللون، وبعبارة أخرى بين البوسينتستيين والروبينيين. ظل اللون مهملاً لمدة طويلة لأسباب ثلاثة على الأقل، هي: أنّه <-أي اللون-> لا شيء سوى “عرَضٍ من انعكاس الضوء الذي يتباين بحسب الظروف” على حدّ تعبير تشارلز لي برون، وأنّه جاذب للحسّية مع أنّه “لا يجب علينا أن نحكم مستندين على حواسنا وحدها، بل على العقل” كما ذكر بوسسين في رسالة له إلى كانتيليو وذلك بتاريخ ٢٤ نوڤمبر من عام ١٦٤٧م، <والسبب الثالث هو أنّ اللون> يثبت أنّه ليس بقادر على أن يكون أساساً للتصوير painting، خلافاً للرسم التخطيطي/التفصيلي drawing المتصل بالذهن ( بالمعنى الأساسي لكلمة disegno  = الرسم التصويري أو التصميم).

 

أصدر الرسام جبريل بلانشارد إقرار استخدامَ اللون في الأكاديمية بتحفظ، وذلك في سنة ١٦٧١م، ومع أنّه لم يرغب في “التقليل من أهمية التصميم” إلا أنّه:

 

في دفاعه عن اللون أسس ثلاث نقاط: أولها: أنّ اللون من حيث ضروريتُه لفن التصوير هو كالتصميم، وثانيها: أننا إن قلّلنا من قيمة اللون فإننا نقلّل من قيمة الرسامين أيضا، وثالثها: أنّ اللون استحق مدح القدماء ثم استحقه كرةً أخرى في زماننا هذا.

 

لا جرمَ أنّ التصميم أساسٌ ضروري، ولكن إن كان هدف الرسام أن “يخاتل العين، ويحاكيَ الطبيعة” فمعقولٌ أن ننتهي إلى نتيجة مفادها أنّ اللون يخدم هذا الهدف أفضل خدمة؛ إذ “هنا يكمن الاختلاف الذي يميّز التصوير painting عن الفنون الأخرى، و يمنحه غايته المحددة” . إنّ هذه محاولة صريحة لجعل مقولة بوسين لصالحه، <وهي المقولة> التي تقول بأنّ هدف التصوير هو المتعة، على أنّها بالتأكيد ليست كافية لإقناع لي برون.

 

ثمة رجلان سيلعبان دوراً خاصاً في هذه المعركة ضد اللون؛ وقد يكون غريبا أن نبدأ بالمؤرخ الملكي أندريه فيلبين André Félibien لأنّه يعد عامة مؤيداً مخلصاً لبوسين، على أنّه كان ذا عقلية ليبرالية، ومحترِماً للآراء المختلفة (والتي أفقدته وظيفته!)، ومنشغلا بالوصول إلى توازن عادل بين هِبات الذهن ومواهِب اليد. وفي نظره فإنّ “الجمال نتيجة للتناسب والتناسق بين الأجزاء الجسدية والمادية”؛ ولذلك لا يمكن للون أن يُغفل لأنّ:

 

أيَّ شيء يجب أن يظهر ظهوراً متصلاً اتصالاً متفنناً، لدرجة أنّ الرسم كلّه كأنّه رُسم مرةً واحدة في مكان واحد وفي زمن واحد، وكأنّه مأخوذ من نفس لوح الألوان.

 

وعندما ترجم الناقد روجر دي بيليس كتاب دو فريزوني (فن التصوير) سنةَ ١٦٦٨م، ثم نشره في كتابه (حوار عن التلوين) سنة ١٦٧٣م كان ربما يظهر أنّه يحمل آراء أكثر قوة، لكنّه عندما حوّل الأهمية من اللون إلى التلوينcoloring  عُنِي أيضاً بأهمية التآلف harmony، والطريقةِ التي بها يفترضُ –سلفاً- إتقانُ اللون الموضعي local color، و”Chiaroscuro” <أي تقنية الجلاء والقُتْمَة>. ثم لما دخل دي بيبلس الأكاديمية بعد ثلاثة عقود أنتج مؤلفاً تحت عنوان (مبادئ الرسم التصويري) أكّد فيه أنّ:

 

التصوير الحقيقي ليس ما يفاجئنا فحسب، بل ما يستدعينا إن جاز التعبير، وأنّ له تأثيراً قوياً لدرجة أنا لا نقدر إلا على الاقتراب منه، كأنّه يريد أن يخبرنا بشيء ما.

 

وباختصار:

 

فإنّه ليس من واجب الناظر أن يبحث عن الحقيقة في التصوير، لكن التصوير من حيث أثرُهُ واجبٌ عليه أن يستدعي الناظر، وأن يفرض انتباهَه عليه.

 

وهذا يشير إلى ما أًطلق عليه بـ”الكل معاً the whole together” أي: “التبعية العامة للأشياء بعضها بعضاً كجعلها كلها تتفق على تشكيل شيء ما”، للوصول إلى أقصى درجات السعادة للعين. ويمكن لنا أن نستشف هذا الدرس من كتابات أنتوني كوي پيل؛ وذلك “أنّ الإجادة في التصوير” لم تعد منبتة الصلةِ عن “جماليات الرسام/المصور”، وكان في تعيينه مديراً وقائداً للأكاديمية إشارةٌ إلى أنّ هذه الصفحة كانت قد طويت.

 

أصبح دعم الفنون بعد لويس الرابع عشر شديدَ التأثر بالأساليب التي كانت تفضلها عشيقته الرسمية ماركيز دي پومپادور؛ إذ كانت تنتخب الفنانين والمعماريين الذين سوف يتحصلون على معاشاتٍ، وتنتدبهم لإبداع أعمال فنية أصبحت علامة على إرث هذه الحقبة، كما أنّها أنشأت أعمال السيڤر الخزفية porcelain works of Sèvres، وقدمت أيضاً أخاها إلى البلاط -ولقد سُمّي فيما بعد بماركيز دي مارينجي-، ورتبت مع الرسام التصويري أنتوني كوي پيل والمعماري جاكيز جيرماين ليقوما بتعليمه، ولقد عينت -مستغلة أثرها السياسي- أخاها قائداً عاماً لمباني الملك؛ ممّا جعله صانع قرار مهماً في منح الانتداباتِ الملكية للفنانين.

 

وبجانب هذا الدعم الملكي كانت هناك أدوار “للهواة” أو “الخبراء” ممّن لعب دوراً مهماً تصاعدياً في تشكيل الفنون خلال حقبة ما قبل الثورة. وكما يعبر مؤرخ الفنون تشارلوت غيشار:

 

بأنّ الهاوي شكّل وسيطاً بين داعم الفنون الذي تميّز به مجتمع البلاط في بدايات العصر الحديث، وبين جامع الفنون الذي برز إبان تطور سوق الفن. 

 

كان المستثمر بييريه كروزات و كومت دي كايلوس من أشهر هؤلاء الخبراء. لم يكن ليكفي هؤلاء الخبراء أن يجمعوا آلاف الأعمال، بل شاركوا في فهرستها وإنتاجها بالطباعة الفنية، ويعد كتاب <(مختارات كروزات)> Recueil Crozat السلفَ الحقيقي لكتب الفنون والقواميس المعنية بالفنون الجميلة التي ابتدأت في التضاعف ( انظر على سبيل المثال (القاموس المتنقل) لپيرنيتي الذي نُشِرَ عامَ ١٧٥٧م، و(قاموس الفنون) الذي نشره عامَ ١٧٩٢م كلٌّ من ووتليت وليڤسكي، وخصوصا كتاب (الترتيب الهجائي لمارييت) والذي نُشر بعد وفاته من عام ١٨٥١م حتى ١٨٦٠م). وبدأت الكتالوجات في الانتشار وخرجت أوائلها إلى النور، ومن أهمها: (مختارات جوليين)، و(مجموعة جان دي جوليين) التي تحوي ٢٧١ نقشاً جاءت بعد رسومات واتو .Watteau وكتب كل من كايوليس وديزاليير دجونڤيليه عن الفنانين، ورسموا رسماً تخطيطيا لتراجمهم، كما أسسوا قواعد لتبيّن دقة الأسلوب ورشاقة التنفيذ. حدث كلّ هذا ضمن سياق أوسع كان فيه الهاوي الكوزمبوليتاني <العالمي> من بلدان مختلفة قادراً على السفر للخارج، (وتطورت هذه الأسفار فيما بعد إلى طقس الجولة الكبيرة ritual of Grand Tour).

 

في الزمن الذي سبق وجود المتاحف الرسمية كان تواصل العامة مع الفن ضئيلاً، حتى ابتدأت الأكاديمية الملكية بعرض رسومات تصويرية فيما كان يعرف بالصالون الأدبي، وكان ذلك عام ١٧٣٧م. بدأ الصالون الأدبي حدثاً سياسياً واجتماعياً، كانت بدايته في صالون ميدان اللوڤر Louvre’s Salon Carré ، وذلك في ٢٥ من شهر أغسطس -والذي يصادف يوم القديس لويس- لتشريف الملك، وكان يستمر مدة شهر كامل. ومع مرور السنين أصبح دليلاً قيماً في تتبع الاتجاهات في الأسلوب <الفني>، وفي تتبع الأفكار الجمالية، ذلك أنّ قوائم الأعمال الفنية كانت مأخوذة في الاعتبار بالإضافة إلى التوجهات الثورية  للأنواع التصويرية pictorial. على أنّ أخطر نتيجة سبّبها صعود الصالون هي ولادة جنس أدبي جديد هو: Salon review  <مدارسات/ مراجعات الصالون> الذي ازدهر حتى القرن العشرين، وكان يشكّل مرآة لا مثيل لها للفكر الجمالي.  كانت هذه المراجعات في بداية الأمر مجرد خليط بين تقارير وصفية، وجوانب نظرية كانت مثار جدل في معظم الأوقات. جاء الصالون الأدبي في مصلحة الدائرة الكبرى لعامة الناس، أولئك الذين لم يكونوا بالضرورة مرتبطين ببعض المؤسسات الفنية. وكما كتب لا فونت دي ساينت ييني في ١٧٤٧م:

 

إنّ أي صورة متاحة للعرض تشبه الكتاب يومَ نشره، أو المسرحيةَ يومَ عرضها في المسرح؛ لأنّ لأي أحد الأحقيةُ في إطلاق حكمه <الفني> الخاص. ونحن إذ نجمع هنا أحكام عامة الناس التي أعربت عن أقصى درجات من التوافق والإنصاف، نعرضها على الفنانين -وليست هي أحكامنا إطلاقا- مؤمنين بأنّ هذا الرأي العام تحديداً الذي قد يكون حكمه في بعض الأحيان غريباً، أو مزدرياً ظالماً أو متسرعاً، <أقول: إنّ هذا الرأي> يندر أن يخطئ عندما تتحد أصواته عن جودة عمل فني معين أو ضعفه.

 

وازدادت الأهميةُ الجمالية للتصوير أكثر فأكثر مع كايليوس، وبايليت دي ساينت جوليين، وقبلهم كلهم ديدرو؛ ففتحت المجال لتراث ممتد من الكتاب المتحمسين للتصوير.

 

لقد بنيت جهود ديدرو بصفته كاتباً عن الفن على اعتقادين يكمل أحدهما الآخر، هما: <أولا:> أنّ التقنيات التي يستخدمها الرسام التصويري في إنتاجه تأثيراتٍ متنوعة هي في ذاتها صعبة على فهم الناظر وتعبيره عنها.  و<ثانياً:> أنّ اقتناص الأبعاد الدلالية لعمل تصويري ما عن طريق اللغة الأدبية يعدّ تحدياً صعباً، لكنّه في غاية الأهمية. إنّ تفلّت كيمياء الرسام التصويري من فهم المشاهد شيءٌ يردده ديدرو دائما لا سيما فيما له علاقة بجان بابتيست تشاردين <عندما يقول>:

 

إنّه سحر! وإنّه ليصعب على المرء أن يفهم كيف حدث ذلك: مستوياتٌ عريضة من اللون كلّ واحدة منها فوق الأخرى، وكلّ واحدة تتصفى من أسفلَ حتى تحدث هذا التأثير. وفي أوقات ما كأنّ <العمل الفني> لوح ضبابي من أثر تنفسِ شخص فيه، وفي أوقات أخرى كأنّ خيطاً رفيعاً من الماء هبط عليه…. أقفِل عينيك، كلّ شيء ضبابي الرؤية، يصبح مسطحاً ثم يختفي، وكلّ شيء يرجع إلى الحياة من بعيد، ثم يظهر من جديد.

 

وفي نفس الوقت يدرك ديدرو أنّ هذه القوة للرسام تصعّب من قدرة الكاتب على أن يمنح قارئه فهماً عميقاً لرسمة ما. وحتى لو كانت هذه الصعوبة فيجب على الكاتب أن يعبّر بطريقة ما عن جوهر العمل الفني حتى يحققَ نوعا من “ekphrasis <الوصف>”؛ وهو محاولة فنِّ القولِ أن يقتنصَ -مستخدماً الألفاظ- جوهرَ الفن البصري للتصوير و إطارَه. ولا ينبغي أن يكتفي الناقد بأن يقدم للقارئ وصفاً مختصراً للعمل الفني الذي يناقشه؛ بل لا بد لكلماته أن تعادل العاطفة التي عُبِّرَ عنها في ذات الرسمة التصويرية.

 

بالإضافة إلى الرسامين الاستثنائيين الذين أعجب بهم ديدرو نحو جريوز Greuze وتشاردين ،Chardin فلقد شهد القرن الثامن عشر تنافساً بين أسلوبين مهيمنين هما: الروكوكو، والكلاسيكية الجديدة <أو مدرسة الإحياء>. مال فنانو الروكوكو مثل فرانسوس بوشير إلى تصوير مشاهد التغزل في الداخل الغنيّ، أو في البيئة الريفية، وبالمناسبة فقد كانت تنعت مشاهد التغزل بالتخنث عمّن يزدريها. ويستخدم فنانو الروكوكو غالباً موضوعات أسطورية، وكذلك فعل فنانو المدرسة الإحيائية، على أنّ الأخيرين ضمنوها رسائلَهم التعليمية علانيةً. وامتدح بعضُ الفلاسفة كديدرو هذا الأسلوبَ الأخير؛ إذ هو لديهم مُرسّخٌ لإحساس الانتماء الوطني الرجولي بين عامة الناس. وقد يرى امرؤ في أعمال جاك لويس ديڤيد إبانَ الثورة أنّها المحاولة القصوى لمزج الموضوعات الكلاسيكية، وأنّها <-أي الأعمال-> صورٌ جامعة لفضائل تقليدية، ورسائلٌ للفخر الوطني. كان الاهتمام الفرنسي بالعصور القديمة ثابتاً طوال مدة النظام القديم، ثم كثَّفَ هذا الاهتمامَ انتشارُ الصور المطبوعة للمواقع الأركيلوجية في أثينا، وپمپپي، ومدنٍ أخرى حدثت فيها اكتشافات جديدة. 

 

ثم شهدت نهاية القرن الثامن عشر ولادة المتحف، وما كان للناس من قبلُ أن يشاهدوا الأعمالَ الفنية إلا في البيوت الخاصة أو في المؤسسات الدينية فقط، مع أنّ هذه الحقبة شهدت إتاحة جامعي اللوحات “كبائنَ/أو غرفَ الفضول Cabinets of curiosities”. فتح المتحف البريطاني أبوابه عام ١٧٥٩م، وافتتح معرض أوفيزي عام ١٧٦٥م، لكن تخلّف الفرنسيون عن جيرانهم، وإن كانت المقتنيات الملكية قد أصبحت متاحة أكثر من ذي قبل. وإلى عام ١٧٤٧م يعود أول اقتراح لإنشاء معرِض في محلّ اللوڤر-الذي كان شاغراً-، ثم تكرر الاقتراح عام ١٧٦٥م في المدخل المسمى بنفس الاسم في Encyclopédie ( جاوكورت، ١٧٦٥م). وفي عام ١٧٩٣م افتتح المتحف أخيراً.

 

لقد أحدثت سهولةُ وصول الفن إلى عامة الناس والتصاعدُ للأعمال المطبوعة وانتشارُها تغييراً كبيراً في المجتمع في القرن الثامن عشر؛ إذ تنازل محكمو الذوق المحنكون <الدنيويون> في القرن السابع عشر عن مكانتهم لنقاد التنوير المحترفين. ثم حدث أن وسّع -بل عقد- العالمُ الجديد الذي أحدثته الثورة الفرنسية الصلةَ بين إنتاج الفن وبين تلقيه عند النقاد وعامة الناس. 

 

 

 


المراجع (فلسفة الجماليات الفرنسية):

Many of the quotes in the text can be found in the following anthology:

  • Harrison, Charles, Paul Wood, and Jason Gaiger (eds.), 2000,Art in Theory, 16481815: An Anthology of Changing Ideas, Oxford: Blackwell Publishers

This is cited as [AT] in the text. In Section 3, the translations of the quotes from J.-P. de Crousaz 1715 (Traité du beau) are by Katerina Deligiorgi.

Other useful anthologies include:

  • Elledge, Scott and Donald Schier (eds.), 1970,The Continental Model: Selected French Essays of the Seventeenth Century, revised edition, Ithaca and London: Cornell University Press; original edition 1960.
  • Fumaroli, Marc, 2001,La Querelle des Anciens et des Modernes, Paris: Gallimard Folio.
  • Saint-Girons, Baldine, 1990,Esthétiques du XVIIIe siècle: le modèle français, Paris: Sers.

مصادر رئيسية حول (فلسفة الجماليات الفرنسية)

  • André, Yves Marie, 1741,Essai sur le beau, où lon examine en quoi consiste précisément le beau dans le physique, dans le moral, dans les ouvrages desprit et dans la musique, Paris: Gué
  • Batteux, Charles, 1746 [2015],Les Beaux-arts réduits à un même principe, Paris: Durand. Translated as, The Fine Arts Reduced to a Single Principle, James O. Young (trans.), Oxford: Oxford University Press, 2015. doi:10.1093/actrade/9780198747116.book.1
  • –––, 1753,Cours de belles-lettres, ou Principes de la littérature (Principles of Literature), Paris: Durand.
  • Baumgarten, Alexander Gottlieb, 1735,Meditationes philosophicae de Nonnullis ad poema pertinentibus, [Baumgarten 1735 available online]
  • Blanchard, Louis-Gabriel, 1671, “Sur le mérite de la couleur”, in A. Fontaine,Conférences inédites de lAcadémie royale de Peinture et de Sculpture, Paris: Minerva, 1903; translation in [AT] by Katerina Deligiorgi.
  • Bouhours, Dominque, 1671 [1705],Entretiens dAriste et Eugène, Paris: Mabre-Cramois. Translated as The Art of Criticism, 1705; reprinted Delmar, NY: Scholar’s Facsimiles & Reprints, 1981.
  • Cartaud de la Vilate, François, 1726,Essai historique et philosophique sur le goût, Paris: Chez Maudouyt.
  • Cochin, Charles Nicolas and Jérôme Charles Bellicard, 1753,Observations upon the Antiquities of the Town of Herculaneum, London: D. Wilson and T. Durham. [Cochin and Bellicard 1753 available online]
  • Crousaz, Jean-Pierre de, 1715,Traité du beau, Où lon montre en quoi consiste ce que lon nomme ainsi, par des exemples tirez de la plûpart des arts & des sciences, Amsterdam: Chez François L’Honoré. Part translated as “Treatise on Beauty” in AT: ch. 70.
  • Dacier, Anne Le Fèvre, 1711,LIliade dHomère Traduite en François, Paris.
  • –––, 1714,Des Causes de la Corruption du Goust (On the Causes of the Corruption of Taste), Paris: Rigaud.
  • De Piles, Roger (trans.), 1668,Lart de peinture, de Charles-Alphonse Du Fresnoy, Paris. [De Piles 1668 available online]
  • –––, 1673,Dialoque sur le coloris (Dialogue upon Coloring), Paris: N. Langlois. [De Piles 1673 available online]
  • –––, 1708,Cours de peinture par principes avec un balance de peintres, Paris: J. Estienne; translated as The Principles of Painting, anonymous translator, London: J. Osborn, 1743. [De Piles 1708 available online]
  • Diderot, Denis, 1751a, “Beau”, inEncyclopédie, ou dictionnaire raisonné des sciences, des arts et des métiers, Diderot and d’Alembert (eds), 1751–1765, Paris: Briasson, vol. 1: 169– [Diderot 1751a available online]
  • –––, 1751b,Lettre sur les sourds et muets a lusage de ceux qui entendent et qui parlent (Letter on the Deaf and Dumb, for the use of those who hear and speak), published anonymously. [Diderot 1751b available online]
  • –––,Diderot on Art I: The Salon of 1765 and Notes on Painting (“Essais sur la peinture”, 1766), John Goodman (trans.), New Haven, CT: Yale University Press, 1995.
  • –––,Diderot on Art II: The Salon of 1767, John Goodman (trans.), New Haven, CT: Yale University Press, 1995.
  • –––, 1763,Œuvres, Laurent Versini (ed.), volume 4 of 5, Paris: Laffont, 1996; translation in [AT] by Kate Tunstall.
  • DuBos, Jean-Baptiste, 1719,Réflexions critiques sur la poésie et sur la peinture, Paris: Mariette, 1733. Translated as Critical Reflections on Poetry, Painting and Music, Thomas Nugent (trans.), London: John Nourse, 1748.
  • Félibien, André, 1667,Conferences de lAcademie royale de peinture et de sculpture, pendant lannée 1667, Paris: Frederic Leonard. Translated as Seven Conferences Held in the King of Frances Cabinet of Paintings, Henri Testelin (trans.). London: T. Cooper, 1740.
  • –––, 1725,Entretiens sur les vies et les ouvrages des plus excellents peintres anciens et modernes, Trévoux: Imprimerie de S. A. S.; translation in [AT] by Jonathan Murphy. [Félibien died in 1695 and this work was published posthumously.]
  • Hutcheson, Francis, 1725,Inquiry into the Original of our Ideas of Beauty and Virtue in Two Treatises, London.
  • Jaucourt, Louis de, 1765, “Louvre, Le”, inEncyclopédie, ou dictionnaire raisonné des sciences, des arts et des métiers, Diderot and d’Alembert (eds), 1751–1765, Paris: Briasson,vol. 9: 706–
  • La Font de Saint-Yenne, Étienne, 1747,Réflexions sur quelques causes de l’état présent de la peinture en France, The Hague: Jean Neaulme.
  • La Motte, Houdar de, 1714,LIliade, avec Discours sur Homère, Paris: Dupuis. [La Motte 1714 available online]
  • Lambert, Anne-Thérèse, Marquise de, 1748, “Reflexions sur le Goût”, inŒuvres, Paris: Ganeau, 214– Translated as “Some Thoughts on Taste”, in The Works of the Marchioness de Lambert, Dublin: J. Potts, 1770, 181–184.
  • Le Brun, Charles, 1672, “Sentiments sur le discours du mérite de la couleur par M. Blanchard”, in André Fontaine,Conférences inédites de lAcadémie royale de Peinture et de Sculpture, Paris: Minerva, 1903, pp. 35–43; translation in AT by Katerina Deligiorgi.
  • Mariette, Pierre-Jean, 1851–60,Abecedario de P.J. Mariette, 6 volumes, Paris.
  • Marmontel, Jean François, 1787,Eléments de littérature, Paris: Desjonquères, 2005.
  • Montesquieu, C., Voltaire, and Jean Le Rond d’Alembert, 1757, “Goût”, inEncyclopédie, ou dictionnaire raisonné des sciences, des arts et des métiers, Diderot and d’Alembert (eds), 1751–1765, Paris: Briasson, vol. 7: 758– Translated as an annex to Alexander Gerard, 1759, Essay on Taste, with Three Dissertations on the Same Subject by Mr de Voltaire, Mr dAlembert, Mr de Montesquieu, London: A. Millar. [Goût 1759 available online]
  • Pernéty, Antoine-Joseph, 1757,Dictionnaire portatif de peinture, sculpture et gravure, Paris: Bauche. [Pernéty 1757 available online]
  • Perrault, Charles, 1688–1697,Parallèle des Anciens et des Modernes, Paris: Coignard.
  • Poussin, Nicolas, 1647, “Letter to Chantelou”, in Anthony Blunt,Nicolas Poussin, London: Phaidon, 1967, pp. 367, A. Blunt (trans.).
  • Rameau, Jean-Philippe, 1722,Traité de LHarmonie: Reduite à ses Principes naturels (Treatise on Harmony), Paris: Ballard.
  • –––, 1750,Démonstration du principe de lharmonie, Paris: Durand.
  • Rousseau, Jean-Jacques, 1753,Lettre sur la musique français, (Letter on French Music). [Rousseau 1753 available online]
  • Voltaire, 1733,Le Temple du goût (The Temple of Taste), Amsterdam: Jaques Desbordes. [Voltaire 1733 available online]
  • Watelet, Claude-Henri and Pierre-Charles Lévesque, 1792,Dictionnaire des arts de peinture, sculpture et gravure, 5 volumes, Paris: Prault.

مصادر ثانوية عن (فلسفة الجماليات الفرنسية)

  • Becq, Annie, 1994,Genèse de lesthétique française moderne, 16801814, Paris: Albin Michel.
  • Cassirer, Ernst, 1932,Die Philosophie der Aufkärung, Tübingen: J.C.B. Mohr. Translated as The Philosophy of the Enlightenment, Fritz C.A. Koelln and James P. Pettegrove (trans.), Princeton: Princeton University Press, 1951.
  • Chambers, Frank Pentland, 1932,The History of Taste: An Account of the Revolution of Art Criticism and Theory in Europe, New York: Columbia University Press.
  • Chantalat, Claude, 1992,A la recherche du goût classique, Paris: Klincksieck.
  • Chouillet, Jacques, 1974,Lesthétique des Lumières, Paris: PUF.
  • Crow, Thomas E., 1985,Painters and Public Life in Eighteenth-Century Paris, New Haven, CT: Yale University Press.
  • Ehrard, Jean, 1970,Lidée de nature en France à laube des Lumières, Paris: Flammarion.
  • Ferry, Luc, 1990,Homo aestheticus: Linvention du goût à l’âge classique, Paris: Grasset.
  • Folkierski, Władysław, 1925,Entre le Classicisme et le romantisme, étude sur lesthétique et les esthéticiens du XVIIIe siècle, Paris: Honoré Champion, 1969.
  • Fontaine, André, 1909,Les doctrines dart en France: Peintres, amateurs, critiques, de Poussin à Diderot, Paris: Laurens. [Fontaine 1909 available online]
  • Guichard, Charlotte, 2012, “Taste Communities: The Rise of the ‘Amateur’ in Eighteenth-Century Paris”,Eighteenth-Century Studies, 45(4): 519– doi:10.1353/ecs.2012.0055
  • Harpe, Jacqueline E. de la, 1955,Jean-Pierre de Crousaz et le conflit des idées au siècle des Lumières, Berkeley: University of California Press.
  • Hobson, Marian, 1982,The Object of Art, The Theory of Illusion in Eighteenth Century France, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Kintzler, Catherine, 1991,Poétique de lopéra français de Corneille à Rousseau, Paris: Minerve.
  • Lichtenstein, Jacqueline, 2003,La couleur éloquente: rhétorique et peinture à l’âge classique, Paris: Flammarion.
  • Lombart, A., 1913,LAbbé du Bos, un initiateur de la pensée moderne, 16701742, Paris: Hachette. [Lombart 1913 available online]
  • Puttfarken, Thomas, 1986,Roger de Piles Theory of Art, New Haven, CT: Yale University Press.
  • Saisselin, Rémy Gilbert, 1965,Taste in Eighteenth Century France: Critical reflections of the origins of aesthetics; or, An apology for amateurs, Syracuse, NY: Syracuse University Press.
  • Scholar, Richard, 2005,The Je-Ne-Sais-Quoi in Early Modern Europe, Encounters with a Certain Something, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780199274406.001.0001
  • Tsien, Jennifer, 2011,The Bad Taste of Others: Judging Literary Value in Eighteenth-Century France, Philadelphia: University Press.

أدوات أكاديمية لـ(فلسفة الجماليات الفرنسية)

 

How to cite this entry.

 

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

 

Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).

 

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

 

 


مصادر أخرى على الإنترنت عن (فلسفة الجماليات الفرنسية)


مداخل ذات صلة حول (فلسفة الجماليات الفرنسية)

aesthetics: British, in the 18th century | aesthetics: German, in the 18th century | Diderot, Denis | Enlightenment | Hume, David: aesthetics | فولتير


هوامش (فلسفة الجماليات الفرنسية):

[1] Tsien, Jennifer and Jacques Morizot, “18th Century French Aesthetics”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2019 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2019/entries/ aesthetics-18th-french/>.

[2] < > تعني ما أضافه المترجم ولم يكن في النص الأصلي

[3] للعرب كلام أيضاً حول أثر المناخ في شعرية الشاعر، كما فعل الثعالبي في يتيمة الدهر؛ إذ علل فحولة أدباء بلاد أصفهان قائلا أن “حسن آثار طيب هوائها، وصحة تربتها، وعذوبة مائها، في طباع أهلها، وعقول أنشائها”.  يتيمة الدهر، ج. ١، ص. ٢٤، ٣٨ كما هو في محمد أشبهار “ملامح نقدية في يتيمة الدهر لأبي منصور الثعالبي: القسم الأول”، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ص. ٣٦. (المترجم)

[4] Innate, adventitious, and fictitious

[5]  هذا مفهوم قديم يقضي بأن هذين الفنين متساويان، أو كما نقل عن بعض المتأخرين من الفلاسفة أن ” التصوير شعر صامت، والشعر صورة تتكلم”. انظر https://www.writing.upenn.edu/~afilreis/88/utpict.html  (المترجم)

[6] That he died. انظر النص بالفرنسية، وانظر ترجمة بالإنجليزية ولكنها قديمة ترجع إلى القرن السابع عشر (المترجم).