مجلة حكمة
جان جاك روسو Rousseau

جان جاك روسو

الكاتبكريستوفر بيرترام
ترجمةهاشم الهلال
مراجعة وتدقيقمحمد الرشودي
تحريرتركي طوهري
تحميلنسخة PDF

حول جان جاك روسو (Rousseau) وفلسفته الأخلاقية والسياسية، وفكرة الإرادة العامة، والدين المدني والتسامح. نص مترجم ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث إنه قد يطرأ على الأخيرة أو التعديل منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا نخصُّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.

يظل جان جاك روسو شخصية مهمة في تاريخ الفلسفة لإسهاماته في الفلسفة السياسية وعلم النفس الأخلاقي وكذلك تأثيره على مفكرين أتوا من بعده. وجهة نظر روسو حول الفلسفة والفلاسفة كانت سلبية، فقد كان ينظر إليهم بصفتهم مُمَنطقين للأنانية، مدافعين عن أوجه متعددة من الاستبداد، ومؤدين دورهم في اغتراب الفرد الحديث عن طبيعته الإنسانية المتعاطفة. يُعنى عمل  روسو بحفظ حرية الإنسان في عالم تزداد اعتمادية البشر بعضهم على بعض لتلبية احتياجاتهم. لهذا الاهتمام بُعدان: مادي ونفسي، وللأخير أهمية كبرى. في العالم الحديث يستخلص البشر معرفتهم وشعورهم بأنفسهم من رأي الآخرين بهم، وهي حقيقة يراها جان جاك روسو مؤدية إلى تآكل وتدمير حرية الفرد وأصالته. في كتاباته يستكشف طريقين للحفاظ على الحرية: الأول سياسي يهدف إلى بناء مؤسسات سياسية تسمح بوجود مواطنين أحرار ومتساوين في مجتمع يكونون هم أسيادَ أنفسهم، الثاني مشروع لبناء وتعليم الطفل يعزز الاستقلالية ويتجنب الأنانية.

على الرغم من أن جان جاك روسو يؤمن بإمكانية تعايش البشر على أسس الحرية والمساوة، إلا أنه متشائم جدًّا وباستمرار من قدرة البشرية على الهرب من الواقع المرير والطغيان واللاحرية. بالإضافة لإسهامات  روسو الفلسفية، فلقد كان كذلك ملحنًا، وكاتبًا موسيقيًّا، ورائدًا في كتابة السير الذاتية، وروائيًّا وعالم نبات. تقدير روسو لعجائب الطبيعة وإلحاحه على أهمية المشاعر والأحاسيس جعل منه شخصية مؤثرة ومتنبئة للحركة الرومانسية فيما بعد. وإلى حد كبير تخبر أعمال جان جاك روسو الفلسفية عن هذه الأنشطة وكذلك إسهامات جان جاك روسو الظاهرية في الحقول غير الفلسفية تخدم في تنوير التزاماته وحججه الفلسفية.

 

  1. حياة جان جاك روسو

  2. التاريخ الفرضي وعلم النفس الأخلاقي

2.1 الأخلاق

  1. الفلسفة السياسية

3.1 فكرة الإرادة العامة

3.2 نشوء الإرادة العامة: الإجراء، والميزة، والمُشرِّع

3.3 دعوى جان جاك روسو لتصالح الحرية والسلطة

3.4 التمثيل والحكومة

3.5 الدين المدني والتسامح

  1. اللغة

  2. التعليم

  3. الإرث

  • قائمة المراجع

  • الأدوات الأكاديمية

  • مواد الانترنت الأخرى

  • المدخلات ذات الصلة

 

 

  1. حياة جان جاك روسو

ولد جان جاك روسو في مدينة الدولة الكالڤينية المستقلة في جنيف عام 1712، ابن إسحاق روسو صانع ساعات وسوزان برنارد. توفيت والدة جان جاك روسو بعد تسعة أيام من ولادته، وعليه تربى وتعلم جان جاك روسو في كَنفِ والده حتى سن العاشرة. إسحاق  روسو كان من القلة القليلة الذين تمتعوا بحق المواطنة في جنيف، مواطنة ورثها جان جاك فيما بعد. بناءً على ما ذكره جان جاك روسو عن نفسه فإن التعليم الذي تلقاه من والده شمل غرس الوطنية الجمهورية وقراءة الكُتاب الكلاسيكيين مثل بلوتارخ الذي تعامل مع الجمهورية الرومانية. في حادثة نفي والده لتجنب الاعتقال وُضع جان جاك روسو في رعاية قسيس بالقرب من مدينة بوسي ولاحقًا تدرب ليصبح حفارًا. ترك  روسو المدينة في السادسة عشر من عمره وتأثر بامرأة كاثوليكية نبيلة تدعى فرانسواز لويز دي لا تور (بارون دي وارينز). ساعدت السيدة وارنز روسو في السفر إلى تورين ومن هناك تحول إلى الكاثوليكية الرومانية في أبريل عام 1728. أمضى جان جاك روسو بعض الوقت كخادم منزلي عند أسرة نبيلة في تورين، وفي هذه الأثناء حدثت حادثة مخزية حيث اتهم زميل له بسرقة شريط زينة، أثرت هذه الحادثة فيه بشكل كبير جدًّا وعاد لها فيما بعد بكتابة سيرته الذاتية.

أمضى جان جاك روسو فيما بعد وقتًا قصيرًا يتدرب فيه ليصبح قسيسًا قبل أن يشرع في مهنة مختلفة وهي مقلد ومدرس موسيقي. في عام 1731 عاد الى السيدة دي وارنز في شامبيري حيث وقع في حبها ثم أصبح سيد المنزل لديها، بقي روسو مع السيدة دي وارنز إلى نهاية ثلاثينيات القرن الثامن عشر ثم انتقل إلى ليون في عام 1740 ليصبح مدرسًا. قرَّبه هذا المنصب من فضاء كونديلاك (Condillac) ودالمبرت (d’Alembert) وكان اتصاله الأول برموز الحركة التنويرية الفرنسية. في عام 1742 سافر إلى باريس مبتكرًا نظامًا عدديًّا للتدوين الموسيقي قدمه إلى أكاديمية العلوم، رفضت الأكاديمية النظام لكن في ذلك الوقت جان جاك روسو التقى بـ دينيس ديدرو ( Denis diderot). فترة قصيرة قضاها روسو كسكرتير للسفير الفرنسي في البندقية قبل أن ينتقل في عام 1744 إلى باريس بصورة دائمة حيث استمر بالعمل على الموسيقى بشكل رئيسي، وبدأ في كتابة بعض المساهمات في موسوعة ديدرو ودالمبرت.

في عام 1749 بينما كان يمشي إلى فيسينز لزيارة ديدرو المسجون وقتها، مرَّ جان جاك روسو بإعلان في جريدة عن مسابقة مقال منظمة من قبل أكاديمية ديجون، كانت الأكاديمية تسعى إلى استقطاب مقالات بثيمة ما إذا كان تطور الفنون والعلوم قد حسَّن أو أفسد الأخلاق العامة. ادعى روسو حينها استيعاب فكرة أن البشر بطبيعتهم خَيِّرين ولكن المجتمع يفسدهم. شرع جان جاك روسو في أول خطاب له حول العلوم والفنون وفاز بالجائزة الأولى في أطروحته التي تنص على أن التنمية الاجتماعية -بما فيها الفنون والعلوم- قد أدت إلى تآكل وانحسار الفضائل المدنية والصفات الأخلاقية. نُشر الخطاب في عام 1750 وتكمن أهميته في أن جان جاك روسو استخدمه في أعماله لاحقًا ليقدم موضوعات كان قد طورها بنفسه، خصوصًا في الفضيلة الطبيعية للشخص العامي والفساد الأخلاقي المعزَّز بدافع الاختلاف والتفوق. جعل الخطاب الأول جان جاك روسو مشهورًا واستفز سلسلة من الاعتراضات التي رد عليها روسو .

بقيت الموسيقى اهتمام جان جاك روسو الرئيسي في هذه الفترة، وشهد عاما 1752 و1753 أهم إسهاماته في هذا الحقل، كانت أولى إسهامته أوبرا (Le Devin du Village) (كاهن القرية) ولقت نجاحًا باهرًا، وكانت ثاني إسهاماته مشاركته في ( querelle des bouffons)، وتبعَ أداء مقطوعة بيرغوليزيLa Serva Padrona) في باريس خلافٌ حرَّض أنصار الموسيقى الإيطالية ضد أنصار النمط الفرنسي. انضم روسو -وهو من طور ذائقة للموسيقى الإيطالية أثناء بقائه في البندقية- للخلاف من خلال رسالته حول الموسيقى الفرنسية، والتي حرض فيها على الاطلاع على مقالته غير المنشورة حول أصل اللغات (Essay on the Origin of Languages). شدد جان جاك روسو على أهمية اللحن وتواصل المشاعر كمركز لعمل الموسيقى مخالفًا بذلك نظرة رامو الذي شدد على أهمية الانسجام بين الموسيقى والرياضيات والفيزياء. ذهب جان جاك روسو إلى أبعد من ذلك بالقول بأن اللغة الفرنسية غير موسيقية أصلًا، نظرة كما يبدو تتعارض مع أدائه في لو ديڤين (Le Devin).

تحوُّل جان جاك روسو إلى الكاثوليكية جعله غير مؤهل للمواطنة الجينيفية (نسبةً إلى جينيف). في عام 1754 استعاد جنسيته بالعودة إلى المذهب الكالفيني. نشر في السنوات اللاحقة “أطروحة حول أصل اللامساواة” (Discourse on the Origins of Inequality) كرد على المسابقة المقالية لأكاديمية ديجون، إلا أنه لم يفز بالجائزة للمرة الثانية؛ فقد كانت “الأطروحة الثانية” (Second Discourse) عملًا أكثر إتقانًا، ومن خلالها بدأ روسو تطوير نظرياته حول التنمية البشرية الاجتماعية وعلم النفس الأخلاقي. مع “الأطروحة الثانية” بدت المسافة بين جان جاك روسو والتيار السائد للتنويريين الفرنسيين (Encyclopédiste) أكثر وضوحًا، تماسك هذا الصدع في عام 1758 حين نشر رسالة إلى دالمبرت حول المسرح (Letter to d’Alembert on the Theater)، والتي استنكر فيها ادعاء أن مدينته الأصلية ستنتفع من إنشاء مسرح. عند جان جاك روسو فإن المسرح بعيد كل البعد عن تحسين المجتمع، فهو يميل إلى إضعاف تعلق المجتمع بحياة المدينة (polis).

كانت السنوات اللاحقة لنشر أطروحة جان جاك روسو الثانية في عام 1755 الأكثر ثراءً وأهمية لعمل جان جاك روسو. انسحب من باريس وتحت رعاية السيدة ديبيناي ودوك ودوكة لوكسمبورغ عمل على رواية “جولي” أو (La Nouvelle Héloïse)، وفيما بعد “إميل” (أو مقالة في التعليم) و”العقد الاجتماعي” (The Social Contract). ظهرت “جولي” في عام 1761 وكانت نجاحًا فوريًّا، تدور الرواية حول مثلث حب مكون من جولي وأستاذها القديس بريوكس وزوجها والمار. خرج العمل على شكل رسائل، ويعتبر مصدرًا مهمًّا لتفسير فلسفة روسو الاجتماعية، تحتوي على عناصر مثل: رؤية للمجتمع القروي، وحضور العبقري المتلاعب الذي يحقق مظهر الانسجام الطبيعي عبر حِيَله الماكرة، والذي بالتالي يتنبأ بكلٍّ من المدرس في “إميل” والمشرِّع في “العقد الاجتماعي”. ظهر كل من العملين في عام 1762، وهما مؤشران على إنجازات جان جاك روسو الفكرية العالية.

للأسف بالنسبة لـ جان جاك روسو نشر هذه الأعمال أدى إلى كارثة شخصية. كان عمل “إميل” مُدانًا في باريس، وكان كلا العملين “إميل” و”العقد الاجتماعي” مُدانين في جنيف بدعوى الهرطقة الدينية.  كرد على ذلك تخلى روسو عن جنسيته الجينيفية في مايو 1763 وأُجبِر على الفرار للهروب من الاعتقال، باحثًا عن اللجوء  في سويسرا، ثمَّ سافر إلى إنجلترا في يناير 1766 بدعوة من ديڤيد هيوم.

اتصف بقاء جان جاك روسو في إنجلترا بعدم استقراره العقلي وكذلك باقتناعه بأن هيوم يحيك له مكيدة ما. بقي أربعة عشر شهرًا في ستافوردشاير حيث عمل على سيرته الذاتية “الاعترافات” (The Confessions) والتي تحتوي على أدلة حول نزعة الارتياب لديه، خصوصًا في معالجته لشخصيات مثل ديدرو، والكاتب الألماني فريدريك ميلكور، والبارون فون جريم. عاد روسو إلى فرنسا عام 1767 وأكمل ماتبقى من حياته في إكمال سيرته الذاتية و”الاعترافات”، وكذلك تأليف “حوارات: جان جاك روسو قاضيًا في جان جاك” (Dialogues: Rousseau Judge of Jean-Jacques)، و”استغراق الماشي المنعزل” ( The Reveries of the solitary Walker)، وأكمل كذلك بحث “تأملات حول حكومة بولندا” (Considerations on the Government of Poland) في هذه الفترة. لاحقًا في حياته طوَّر اهتماما في علم النبات (حيث عمله كان مؤثرًا في إنجلترا من خلال رسائله حول الموضوع إلى دوقة بورتلاند)، وفي الموسيقى حيث التقى وتبادل الرسائل مع ملحن الأوبرا كريستوف غلوك. توفي روسو في عام 1778، وفي عام 1794 نقل الثوار الفرنسيون رُفاته إلى البانتيون في باريس.

                                    

  1. التاريخ الفرضي وعلم النفس الأخلاقي

يدعي جان جاك روسو مرارًا وتكرارًا أن فكرة واحدة تقع في مركز رؤيته للعالم، أي أن البشر صالحون بطبيعتهم ولكن المجتمع يفسدهم. لسوء الحظ على الرغم من المركزية المزعومة لهذا الادعاء، من الصعب تقديم تفسير واضح ومعقول له. هناك مشكلة واضحة واحدة موجودة منذ البداية: بما أن “المجتمع” العامل المزعوم للفساد، يتكون بالكامل من بشر بطبيعتهم، فكيف يمكن للشر أن يحصل على موطئ قدم؟! من الصعب أيضًا رؤية ما يمكن أن يكون عليه الخير الطبيعي. يذكر روسو بوضوح في أماكن مختلفة أن الأخلاق ليست سمة طبيعية للحياة البشرية، لذا مهما كان معنى أن البشر طيبون بطبيعتهم، فإن هذا ليس المعنى الأخلاقي الذي يفترضه القارئ العادي عادةً. من أجل معالجة هذا الادعاء المركزي المحير، من الأفضل أن ننظر أولاً إلى تفاصيل علم النفس الأخلاقي لجان جاك روسو، لا سيما كما تم تطويره في الخطاب حول “أصول اللامساواة” وفي “إميل”.

يزعم جان جاك روسو أن لكل مخلوق دافعًا غريزيًّا نحو الحفاظ على الذات، لذلك يمتلك البشر مثل هذا الدافع والذي يسميه (amour de soi) “حب الذات”، يوجهنا (Amour de soi) أولاً إلى تلبية احتياجاتنا البيولوجية الأساسية لأشياء مثل الطعام والمأوى والدفء، نظرًا لأن البشر بالنسبة لـ  روسو مثلهم مثل الكائنات الأخرى، جزء من تصميم خالق خير، فهم مجهزون جيدًا بشكل فردي بالوسائل اللازمة لتلبية احتياجاتهم الطبيعية. إلى جانب هذا الدافع الأساسي للحفاظ على الذات يفترض جان جاك روسو شغفًا آخر يسميه (pitié) “التعاطف”، يوجهنا (Pitié) إلى الاهتمام بالآخرين والتخفيف من معاناتهم بما في ذلك الحيوانات، حيث يمكننا القيام بذلك دون المخاطرة بحفاظنا على أنفسنا. في بعض كتاباته مثل “الخطاب الثاني” يعتبر التعاطف محركًا أصليًّا يجلس جنبًا إلى جنب مع حب الذات، بينما في كتابات أخرى مثل “إيميل” و”مقالة أصل اللغات” يعد تطورًا لـ حب الذات أصل كل المشاعر.

في الخطاب حول أصول اللامساواة يتخيل جان جاك روسو تطورًا متعدد المراحل للإنسانية من الحالة الأكثر بدائية إلى ما يشبه المجتمع المعقد الحديث. ينكر روسو أن في هذا إعادة بناء للتاريخ كما كان بالفعل، وقد جادل فريدريك نيوهاوزر (2014) بأن القصة التطورية هي مجرد أداة فلسفية مصممة لفصل العناصر الطبيعية والاصطناعية لعلم النفس لدينا. في كل خطوة من هذا التطور المتخيل، يغير البشر علاقاتهم المادية والنفسية مع بعضهم البعض، وبالتالي فهمهم عن أنفسهم أو ما يسميه جان جاك روسو الشعور بوجودهم. وفقًا لهذه الرواية يعيش البشر بشكل أساسي حياة منعزلة في الحالة الأصلية للجنس البشري، لأنهم لا يحتاجون إلى بعضهم البعض لتوفير احتياجاتهم المادية. لا يكاد الجنس البشري يعيش في هذه الحالة، والاجتماعات المصادفة بين البشر البدائيين هي مناسبات للتزاوج والتكاثر ورعاية الأطفال ضئيلة وقصيرة المدة. إذا كان البشر طيبين بطبيعتهم في هذه المرحلة من التطور البشري، فإن صلاحهم هو مجرد سلبي ويصل إلى حد غياب الشر. في هذه القصة يتميز البشر عن غيرهم من المخلوقات التي يتشاركون معها العالم البدائي بخاصيتين فقط: الحرية والكمال؛ الحرية في هذا السياق هي ببساطة القدرة على عدم الخضوع للغريزة وحدها، الكمال هو القدرة على التعلم وبالتالي العثور على وسائل جديدة وأفضل لتلبية الاحتياجات. تمنح هذه الخصائص معًا البشر القدرة على تحقيق الوعي الذاتي والعقلانية والأخلاق، ومع ذلك سيتضح أن مثل هذه الخصائص من المرجح أن تحكم عليهم بعالمٍ اجتماعي من الخداع والرياء والتبعية والقمع والسيطرة.

مع نمو السكان تتطور أشكال بسيطة ولكن غير مستقرة من التعاون حول أنشطة مثل الصيد. وفقًا لـ جان جاك روسو فإن اللحظة الانتقالية المركزية في تاريخ البشرية تحدث في مرحلة من المجتمع تتميز بالمجتمعات الصغيرة المستقرة، في هذه المرحلة يحدث تغيير أو بالأحرى انقسام في الدافع الطبيعي الذي يتعين على البشر الاعتناء به: المنافسة بين البشر لجذب شركاء جنسيين تقودهم إلى التفكير في جاذبيتهم للآخرين، وكيف تقارن هذه الجاذبية بجاذبية المنافسين المحتملين. في “إميل” حيث يهتم روسو بالتطور النفسي للفرد في مجتمع حديث، يربط أيضًا نشأة خاصية الحب مع المنافسة الجنسية ولحظة البلوغ، عندما يبدأ المراهق الذكر في التفكير في نفسه ككائن جنسي مع المنافسين لمصلحة الفتيات والنساء.

مصطلح جان جاك روسو لهذا النوع الجديد من دافع المصلحة الذاتية الذي يهتم بالنجاح المقارن أو الفشل ككائن اجتماعي، هو أمر خاص (حب الذات، غالبًا ما يتم تقديمه على أنه فخر أو غرور في الترجمات الإنجليزية). حب الذات يجعل المصلحة المركزية لكل إنسان هي الحاجة إلى الاعتراف من قبل الآخرين على أنها ذات قيمة وأن يعاملوا باحترام. غالبًا ما يشير تقديم سمة الحب في الخطاب الثاني -وخاصة في ملاحظته الخامسة عشرة لهذا العمل- إلى أن جان جاك روسو يراها شغفًا سلبيًّا بالكامل ومصدرًا لكل الشرور. غالبًا ما تركز تفسيرات مفهوم الحب على الخطاب الثاني (والتي تعد تاريخيًّا الأكثر شيوعًا “على سبيل المثال Charvet 1974”)، على حقيقة أن الحاجة إلى الاعتراف لها دائمًا جانب مقارن، بحيث لا يكون الأفراد راضين فقط أن يعترف الآخرون بقيمتهم، ولكنهم يسعون أيضًا إلى أن يُقدَّروا باعتبارهم متفوقون عليهم. يؤدي هذا الجانب من طبيعتنا بعد ذلك إلى حدوث صراع، حيث يحاول الناس الحصول على هذا الاعتراف من الآخرين أو الرد بالغضب والاستياء عندما يتم رفض ذلك لهم. أشارت القراءات الأكثر حداثة لكل من الخطاب الثاني وخاصة خطاب “إميل”، إلى إمكانية الحصول على رؤية أكثر دقة (Den 1988، Neuhouser 2008)، ووفقًا لهذه التفسيرات فإن الملكية هي سبب سقوط البشرية وكذلك الوعد بفدائها، بسبب الطريقة التي تطورت بها القدرات العقلانية للبشر وشعورهم بأنفسهم كمخلوقات اجتماعية من بين آخرين. على الرغم من اعتقاد جان جاك روسو أن الاتجاه السائد اجتماعيًّا وتاريخيًّا هو أن يتخذ الشخص المناسب أشكالًا سامة ومهزومة للذات (ملتهبة)، فقد أكد أيضًا أن هناك على الأقل من حيث المبدأ طُرقًا لتنظيم الحياة الاجتماعية والفرد، التعليم الذي يسمح لهم باتخاذ شخصية حميدة. يجد هذا المشروع الخاص باحتواء وتسخير خاصية الحب تعبيرًا في كل من “العقد الاجتماعي” و”إميل”. في بعض الأعمال مثل الخطاب الثاني، يقدم روسو طابع الحب على أنه شغف يختلف تمامًا عن حب النفس. في آخرين بما في ذلك “إيميل”، يقدمه كشكل يأخذه حب النفس في بيئة اجتماعية. هذا الأخير يتفق مع وجهة نظره في “إيميل” بأن كل المشاعر هي ثمار أو تطورات حب النفس.

على الرغم من أن أصولها تعود إلى المنافسة الجنسية والمقارنة داخل المجتمعات الصغيرة، إلا أنها لا تحقق سُمِّيتها الكاملة حتى يتم دمجها مع نمو في الترابط المادي بين البشر. في الخطاب حول اللامساواة يتتبع جان جاك روسو نمو الزراعة والتعدين والتأسيس الأول للملكية الخاصة، جنبًا إلى جنب مع ظهور عدم المساواة بين أولئك الذين يمتلكون الأرض والذين لا يمتلكون. في مجتمعٍ غير متكافئ يصبح البشر الذين يحتاجون إلى كل من الخير الاجتماعي للاعتراف والسلع المادية مثل الطعام والدفء وما إلى ذلك متورطين في علاقات اجتماعية معادية لكل من حريتهم وإحساسهم بقيمة الذات. يحتاج المرؤوسون إلى رؤسائهم من أجل الوصول إلى وسائل الحياة، يحتاج الرؤساء إلى مرؤوسين للعمل معهم وأيضًا لمنحهم الاعتراف الذي يتوقون إليه. في مثل هذا الهيكل هناك حافز واضح للناس لتحريف معتقداتهم ورغباتهم الحقيقية من أجل تحقيق غاياتهم. وهكذا حتى أولئك الذين يتلقون الحب الظاهر والتملق من دونهم لا يمكنهم بالتالي أن يجدوا الرضا عن حبهم لذاتهم. يتلقى هذا المجاز من التحريف والإحباط العلاج الأوضح في رواية جان جاك روسو عن شخصية الوزير الأوروبي في نهاية الخطاب حول اللامساواة، وهي شخصية تؤدي حاجتها إلى تملق الآخرين من أجل تأمين رغباته الخاصة إلى ابتعاده عن شخصيته نفسه أو بذاته.

 

2.1 الأخلاق

حب النفس وحب الذات والتعاطف ليست مكملاً  كاملاً للعواطف في تفكير جان جاك روسو. بمجرد أن يحقق الناس وعيهم بأنفسهم ككائنات اجتماعية، تصبح الأخلاق ممكنة أيضًا وهذا يعتمد على قوة الضمير الإضافية. تم العثور على أشمل الروايات لمفهوم جان جاك روسو عن الأخلاق في “رسائل أخلاقية”، وفي أقسام “اعتراف إيمان نائب سافويارد” وهو جزء من “إيميل”. في أكثر أشكال الوجود الإنساني بدائيةً قبل ظهور خاصية الحب يوازن التعاطف أو يقيد المصلحة الذاتية، إنه إلى هذا الحد شبيه بمشاعر أخلاقية مثل التعاطف مع هومان. ولكن نظرًا لكونه شيئًا غريزيًّا، فإنه يفتقر بالنسبة لـ  روسو إلى صفة أخلاقية حقيقية. من ناحية أخرى تتمثل الأخلاق الحقيقية في تطبيق العقل على الشؤون والسلوك البشري، وهذا يتطلب القوة العقلية التي هي مصدر الدافع الأخلاقي الحقيقي “أي الضمير”. يدفعنا الضمير إلى حب العدالة والأخلاق بطريقة شبه جمالية، كتقدير للعدالة والرغبة في العمل على تعزيزها، يرتكز الضمير على التقدير العقلاني لسلامة خطة الله الحميدة للعالم. ومع ذلك في عالم يهيمن عليه حب الذات السام، فإن النمط الطبيعي ليس لأخلاق العقل لتكمل أو تحل محل تعاطفنا الأخلاقي البدائي الطبيعي. بدلاً من ذلك فإن المسار المعتاد للأحداث في المجتمع المدني هو إزاحة العقل والتعاطف بينما يتم وضع قدرة البشر المعززة على التفكير في خدمةٍ ليس للأخلاق ولكن للاندفاع إلى الهيمنة والقمع والاستغلال. “للاطلاع على مناقشة حديثة لـ جان جاك روسو حول الضمير والعقل، انظر Neidleman، 2017، الفصل 7”.

موضوع كل من “الخطاب الثاني” “والرسالة إلى دالمبرت” هو الطريقة التي يمكن للبشر أن يخدعوا بها أنفسهم بشأن صفاتهم الأخلاقية. لذلك على سبيل المثال يستمتع الجمهور المسرحي من إثارة تعاطفهم الطبيعي من خلال مشهد مأساوي على المسرح، مقتنعين بعد ذلك بصلاحهم الطبيعي، فقد تم تحريرهم للتصرف بشراسة خارج المسرح. يمكن أن تكون الفلسفة أيضًا مصدرًا لخداع الذات. يمكن أن يعطي الناس أسبابًا لتجاهل دوافع التعاطف أو كما هو الحال في مقال  روسو مبادئ الحق في الحرب، يمكن أن يدعم الرموز القانونية “مثل قانون الحرب والسلام” التي قد يستخدمها الأقوياء لترخيص العنف القمعي أثناء إبادة مشاعرهم الطبيعية بالرحمة.

 

  1. الفلسفة السياسية

تتناثر مساهمات جان جاك روسو في الفلسفة السياسية بين أعمال مختلفة، أبرزها الخطاب حول “أصول عدم المساواة”، والخطاب حول “الاقتصاد السياسي”، و”العقد الاجتماعي”، و”الاعتبارات المتعلقة بحكومة بولندا”، ومع ذلك فإن العديد من أعماله الأخرى الرئيسية والثانوية تحتوي على فقرات تضخم أو تلقي الضوء على الأفكار السياسية في تلك الأعمال. مذهبه المركزي في السياسة هو أن الدولة لا يمكن أن تكون شرعية إلا إذا استرشدت بـ “الإرادة العامة” لأعضائها، تجد هذه الفكرة المعالجة الأكثر تفصيلاً لها في العقد الاجتماعي.

في كتابه العقد الاجتماعي شرع جان جاك روسو في الإجابة عما يعتبره السؤال الأساسي للسياسة “التوفيق بين حرية الفرد وسلطة الدولة”. هذه المصالحة ضرورية لأن المجتمع البشري قد تطور إلى نقطة حيث لم يعد بإمكان الأفراد توفير احتياجاتهم من خلال جهودهم غير المدعومة، بل يجب أن يعتمدوا على تعاون الآخرين. تم تحديد العملية التي يتم من خلالها توسيع احتياجات الإنسان وتعميق الاعتماد المتبادل في الخطاب حول “أصول عدم المساواة”، في هذا العمل تتضمن اللحظة الأخيرة من تاريخ روسو الفرضي ظهور صراع مستوطن بين الأفراد المترابطين الآن والحجة القائلة بأن انعدام الأمن الهوبيزي “نسبةً إلى الفيلسوف توماس هوبز” لهذا الشرط سيؤدي بالجميع إلى الموافقة على إنشاء سلطة الدولة والقانون. في “الخطاب الثاني” ترقى هذه المؤسسة إلى تعزيز العلاقات الاجتماعية غير المتكافئة والاستغلالية التي يدعمها الآن القانون وسلطة الدولة. في صدى لما قاله لوك وتوقع ماركس يجادل جان جاك روسو بأن هذه الدولة ستكون في الواقع دولة طبقية تسترشد بالمصالح المشتركة للأثرياء والمالكين وتفرض عدم الحرية والتبعية على الفقراء والضعفاء. إن الموافقة غير الملكية على مثل هذه المؤسسة لأن خوفهم المباشر من حالة حرب هوبز يقودهم إلى الفشل في الاهتمام بالطرق التي ستضرهم بها الدولة الجديدة بشكل منهجي.

يهدف “العقد الاجتماعي” إلى تحديد بديل لهذا الواقع المرير وهو بديل يدَّعي جان جاك روسو أن كل شخص يتمتع فيه بحماية القوة المشتركة بينما يظل حرًّا كما كان في حالة الطبيعة. مفتاح هذه المصالحة هو فكرة الإرادة العامة: أي الإرادة الجماعية لجسد المواطن ككل. الإرادة العامة هي مصدر القانون ويريدها كل مواطن. عند طاعة القانون يخضع كل مواطن لإرادته، وبالتالي وفقًا لـ روسو يظل حرًّا.

 

3.1 فكرة الإرادة العامة

يتسم وصف جان جاك روسو للإرادة العامة بعدم الوضوح والغموض الذي جذب اهتمام المعلقين منذ نشره لأول مرة. إن التوتر الأساسي هو بين المفهوم الديمقراطي حيث الإرادة العامة هي ببساطة ما قرره مواطنو الدولة معًا في مجلسهم السيادي، والتفسير البديل حيث الإرادة العامة هي التجسيد المتسامي لمصالح المواطنين المشتركة الموجودة في التجريد مما يريده أي منهم بالفعل (بيرترام 2012). يجد كلا الرأيين بعض الدعم في نصوص روسو ، وكلاهما كان له تأثير. غالبًا ما تشير المفاهيم المعرفية للديمقراطية إلى مناقشة جان جاك روسو في الفصل الثالث من الكتاب الثاني من “العقد الاجتماعي”. تأخذ هذه الحسابات نظرية هيئة المحلفين لكوندورسيه كنقطة انطلاق، حيث يتم تصور الإجراءات الديمقراطية كطريقة لاكتشاف الحقيقة حول المصلحة العامة، ثم يفسرون الإرادة العامة على أنها وسيلة تداولية للبحث عن نتائج ترضي تفضيلات الأفراد وتجعل سلطة الدولة شرعية (انظر على سبيل المثال Grofman and Feld 1988). يمكن تقليل التوتر بين المفهومين “الديمقراطي” و”المتعالي” إذا أخذنا روسو يدافع عن الرأي القائل بأنه في ظل الظروف المناسبة ووفقًا للإجراءات الصحيحة سيتم توجيه المشرعين المواطنين إلى التقارب بشأن القوانين التي تتوافق لمصلحتهم المشتركة، لكن في حالة غياب تلك الشروط والإجراءات تفتقر الدولة بالضرورة إلى الشرعية، في مثل هذه القراءة قد يكون جان جاك روسو ملتزمًا بشيء مثل اللاسلطوية الفلسفية اللاحقة. يرى مثل هذا الرأي أنه من الممكن من حيث المبدأ لدولة أن تمارس سلطة شرعية على مواطنيها، لكن جميع الدول الفعلية -وفي الواقع جميع الدول التي من المحتمل أن نراها في العصر الحديث- ستفشل في تلبية الشروط للشرعية.

يجادل جان جاك روسو بأنه لكي تكون الإرادة العامة عامة حقًّا يجب أن تأتي من الجميع وأن تنطبق على الجميع، هذا الفكر له جوانب جوهرية وشكلية. بشكل رسمي يجادل  روسو بأن القانون يجب أن يكون عامًّا في التطبيق وعالمي النطاق، لا يمكن للقانون تسمية أفراد معينين ويجب أن ينطبق على كل فرد داخل الدولة. يعتقد جان جاك روسو أن هذا الشرط سيقود المواطنين على الرغم من استرشادهم بالنظر في ما هو في مصلحتهم الخاصة إلى تفضيل القوانين التي تضمن المصلحة المشتركة بشكل حيادي والتي ليست مرهقة وتَدَخُّلِية، ولكن لكي يكون هذا صحيحًا يجب أن يكون وضع المواطنين مشابهًا إلى حد كبير لبعضهم البعض. في دولة يتمتع فيها المواطنون بتنوع كبير في أنماط الحياة والمهن، أو حيث يوجد قدر كبير من التنوع الثقافي، أو حيث توجد درجة عالية من عدم المساواة الاقتصادية، لن يكون الأمر عمومًا هو أن تأثير القوانين سوف تكون هي نفسها للجميع. في مثل هذه الحالات لن يكون صحيحًا في كثير من الأحيان أن المواطن يمكن أن يشغل وجهة نظر الإرادة العامة فقط من خلال تخيل تأثير القوانين العامة والعالمية على حالته أو قضيته.

 

3.2 نشوء الإرادة العامة: الإجراء، والميزة، والمشرِّع

في “العقد الاجتماعي” يتصور جان جاك روسو ثلاثة أنواع أو مستويات مختلفة من الإرادة على أنها تلعب دورًا: أولاً، لدى جميع الأفراد وصايا خاصة تتوافق مع مصالحهم الأنانية كأفراد طبيعيين. ثانيًا، كل فرد بقدر ما يتماهى مع الجماعة ككل ويتحمل هوية المواطن، يريد أن تكون الإرادة العامة لتلك المجموعة مِلكًا له أو لها، ويتجاهل المصلحة الأنانية لصالح مجموعة من القوانين التي تسمح أن يتعايش الجميع في ظل ظروف من الحرية المتساوية. ثالثًا، وهو إشكاليٌّ جدًّا، يمكن لأي شخص أن يتماهى مع إرادة مشتركة لمجموعة فرعية من السكان ككل. وبالتالي فإن الإرادة العامة هي ملك للجماعة ونتيجة لمداولاتها، وملكية للفرد بقدر ما يُعَرف الفرد بأنه عضو في الجماعة. في مجتمع منظم جيدًا لا يوجد توتر بين الإرادة الخاصة والعامة، حيث يقبل الأفراد أن العدالة ومصالحهم الشخصية تتطلب خضوعهم لقانون يحمي حريتهم من خلال حمايتهم من العنف الخاص والسيطرة الشخصية التي من شأنها أن تسيطر على خلاف ذلك، من الناحية العملية يعتقد جان جاك روسو أن العديد من المجتمعات ستفشل في امتلاك هذه الشخصية المنظمة جيدًا. إحدى الطرق التي يمكن أن يفشلوا بها هي إذا كان الأفراد غير مستنيرين أو فاضلين بشكل كافٍ وبالتالي يرفضون قبول القيود المفروضة على سلوكهم والتي تتطلبها المصلحة الجماعية. يظهر نمط آخر من الفشل السياسي حيث يتم تمييز المجتمع السياسي إلى فصائل (ربما على أساس التقسيم الطبقي بين الأغنياء والفقراء) وحيث يمكن لفصيل واحد أن يفرض إرادته الجماعية على الدولة ككل.

يحمل “العقد الاجتماعي” مزيدًا من التوتر بين روايتين لكيفية ظهور العام وعلاقته بالإرادات الخاصة للمواطنين. في بعض الأحيان يفضل جان جاك روسو قصة إجرائية والتي بموجبها التفكير الفردي في المصلحة الذاتية (مع مراعاة قيود العمومية والعالمية وفي ظل ظروف الخلفية الاجتماعية الملائمة مثل المساواة التقريبية والتشابه الثقافي) سيؤدي إلى ظهور الإرادة العامة من الجمعية. من المواطنين (انظر Sreenivasan 2000). في هذا التفسير لظهور الإرادة العامة يبدو أنه لا توجد حاجة خاصة للمواطنين لامتلاك أي صفات أخلاقية، على وجه التحديد: يجب أن تكون القيود المفروضة على اختيارهم كافية، ومع ذلك يعتقد روسو بوضوح أيضًا أن مجرد التفكير في المصلحة الذاتية لن يكون كافياً لتوليد إرادة عامة. قد يتعلق هذا جزئيًّا بقضايا الامتثال، لأن المواطنين الأنانيين الذين يستطيعون الإرادة العامة قد لا يتم دفعهم لطاعتها، لكن يبدو أن جان جاك روسو يعتقد أيضًا أن فضيلة المواطن هي شرط ضروري لظهور الإرادة العامة في المقام الأول، وهذا يعرضه لمشكلة تم محاولة حلها من خلال شخصية المشرع. كمؤمن في مرونة الطبيعة البشرية يرى جان جاك روسو أن القوانين الجيدة تصنع مواطنين صالحين، ومع ذلك فهو يعتقد أيضًا أن القوانين الجيدة لا يمكن أن يشرعها إلا المواطنون الصالحون، ولكي تكون شرعية يجب أن يتفق عليها المجلس. يضعه هذا في بعض الصعوبة لأنه من غير المرجح أن يتمتع المواطنون الذين يجتمعون لتشكيل دولة جديدة بالصفات الأخلاقية المطلوبة لقوانين جيدة على النحو الذي سيكون عليه هؤلاء المواطنون من خلال مؤسسات غير عادلة. وبالتالي فإن المشرِّع أو صاحب الشريعة لديه وظيفة إلهام الشعور بالهوية الجماعية لدى المواطنين الجدد، مما يسمح لهم بالتعارف مع الكل وتحريكهم لدعم التشريعات التي ستحولهم وأطفالهم في النهاية إلى مواطنين صالحين. لكن في هذه القصة يفتقر المواطنون الجدد في البداية إلى القدرة على تمييز الأسباب الوجيهة التي تدعم القوانين الجديدة ويتعين على المشرع إقناعهم بوسائل غير عقلانية للتشريع بما يخدم مصلحتهم الخاصة.

شخصية المشرع هي لغز، مثل المعلم في “إميل”، فإن للمشرع دور التلاعب برغبات المتهمين وإعطائهم وهم الاختيار الحر دون مضمونه. لا عجب إذن أن العديد من النقاد قد رأوا هذه الشخصيات في ضوءٍ شرير إلى حد ما. في كلتا الحالتين هناك لغز يتعلق بمصدر شخصية المربي وكيف يمكن أن يكتسب المعرفة والفضيلة اللازمتين لأداء دوره، وهذا بدوره يثير مشكلة التراجع، إذا كان المشرع من مجتمع عادل، فمن قام بدور المشرع لذلك المجتمع، وكيف تم تشكيل ذلك المشرع؟ كيف حصل المعلم على تعليمه إن لم يكن من مدرس تم تعليمه بدوره وفقًا لبرنامج جان جاك روسو بواسطة مدرس سابق؟

 

3.3 دعوى جان جاك روسو لتصالح الحرية والسلطة

فماذا إذن عن ادعاء جان جاك روسو الأساسي بأن الحرية والسلطة يتصالحان في جمهوريته المثالية من خلال طاعة الإرادة العامة؟ يجد هذا الادعاء تعبيرًا سيِّئ السمعة ومتناقضًا عن عمد في الكتاب الأول الفصل السابع من “العقد الاجتماعي”، حيث يكتب جان جاك روسو عن المواطنين الذين “أُجبروا على أن يكونوا أحرارًا” عندما يُجبرون على طاعة الإرادة العامة. تشير الكلمات الافتتاحية للعقد الاجتماعي نفسها إلى الحرية مع القول الشهير “يولد الإنسان حرًّا، لكنه في كل مكان مقيد بالسلاسل”، ومع ذلك فإن هذا الإعلان الخاطف يتبعه على الفور تقريبًا ملاحظة مفارقة حيث يعلن روسو أنه يستطيع جعل هذا الخضوع “مقيدًا بالسلاسل” شرعيًّا. إن الفكرة القائلة بأن التزام جان جاك روسو بالحرية قد لا يكون كل ما يبدو لأول مرة تعززها فقرات أخرى في الكتاب، وأبرزها إعلانه أن أولئك الخاضعين للإرادة العامة “مجبرون على أن يكونوا أحرارًا”. تقع قيمة الحرية أو الحرية في قلب اهتمامات جان جاك روسو طوال فترة عمله، نظرًا لأنه يستخدم المفهوم بعدة طرق متميزة، فمن المهم التمييز بين عدة استخدامات للمصطلح. أولاً، يجب أن نلاحظ أن جان جاك روسو يعتبر القدرة على الاختيار وبالتالي القدرة على التصرف ضد الغريزة والميل، كواحدة من السمات التي تميز الجنس البشري عن الأنواع الحيوانية وتجعل الفعل الأخلاقي ممكنًا. في الخطاب حول “أصول عدم المساواة” على سبيل المثال، يصف أنواع الحيوانات بمصطلحات ديكارتية بشكل أساسي كآليات مبرمجة لنمط ثابت من السلوك. من ناحية أخرى لا يرتبط البشر بأي نمط معين من الحياة ويمكنهم رفض دوافع الغريزة. هذا يجعل من الممكن تطوير الجنس البشري وكذلك سقوطه من النعمة، حيث يمكن للأفراد تجاهل الدوافع الحميدة (مثل التعاطف) إذا رغبوا في ذلك. إن حرية التصرف بعكس “آلية الحواس” وقوة الإرادة والاختيار بالنسبة لـ روسو شيء خارج تمامًا عن قوانين العالم المادي، وبالتالي لا يخضع للتفسير العلمي. يأخذ جان جاك روسو أيضًا هذه الحرية في اختيار التصرف كأساس لكل عمل أخلاقي مميز. في العقد الاجتماعي تعتبر العلاقة بين حرية الاختيار والأخلاق مركزية في حجته ضد الحكومة الاستبدادية، حيث كتب أن التخلي عن الحرية يتعارض مع الطبيعة البشرية وأن التخلي عن الحرية لصالح سلطة شخص آخر هو “حرمان المرء من أفعال كل الأخلاق” (SC 1.4).

في الكتاب الأول الفصل الثامن من “العقد الاجتماعي”، يحاول جان جاك روسو إلقاء الضوء على ادعائه بأن تشكيل الدولة الشرعية لا ينطوي على خسارة صافية للحرية، لكنه في الواقع يقدم ادعاءً مختلفًا قليلاً. يتضمن الادعاء الجديد فكرة تبادل نوع واحد من الحرية (الحرية الطبيعية) بنوع آخر (الحرية المدنية). تتضمن الحرية الطبيعية حقًّا غير محدود في كل الأشياء، وهي فكرة تذكرنا بـ “حق الطبيعة” لهوبز في كتاب “ليفياثان”، نظرًا لأن جميع البشر يتمتعون بحق الحرية في كل الأشياء، فمن الواضح أنه في عالم يشغله العديد من البشر المترابطين قد تكون القيمة العملية لتلك الحرية غير موجودة تقريبًا، وذلك لأن قدرة أي فرد على الحصول على ما يريده ستكون مقيدة بقوته الجسدية والقوة البدنية المتنافسة للآخرين. علاوة على ذلك فإن الصراع الحتمي على الموارد الشحيحة سيثير الأفراد ضد بعضهم البعض، بحيث تؤدي ممارسة الحرية الطبيعية دون عوائق إلى العنف وعدم اليقين. إن تشكيل الدولة وإصدار القوانين بإرادة عامة يغيران هذا الشرط. مع وجود السلطة السيادية في مكانها يضمن للأفراد مجالًا من الحرية المتساوية بموجب القانون مع حماية لأفرادهم وأمن ممتلكاتهم، شريطة أن القانون الذي ينطبق على الجميع بالتساوي ليس تطفلًا أو تدخلًا (ويعتقد جان جاك روسو أنه لن يكون كذلك، حيث لا يوجد لدى أي فرد دافع لتشريع قوانين مرهقة)، ستكون هناك فائدة صافية مقارنة بالدولة ما قبل السياسية.

يقدم جان جاك روسو ادعاءً آخر في نفس الفصل من “العقد الاجتماعي”، أي أنه في ظروف المجتمع المدني يحقق المواطن “الحرية الأخلاقية”، والتي يقصد بها طاعة القانون الذي وضعه المرء لنفسه (للمناقشة انظر بشكل خاص Neuhouser 1993 ). على الرغم من تقديم هذا الادعاء الأخير على أنه فكرة لاحقة تقريبًا، إلا أنه شكل من أشكال الحرية الأكثر استجابة مباشرة للتحدي الذي وضعه  روسو لنفسه في فصلين سابقين، والذي تضمن إيجاد “شكل من أشكال الارتباط” بحيث “يطيع كل مواطن نفسه فقط”. بطبيعة الحال هذا يثير التساؤل عما إذا كان المواطن في الواقع لا يطيع نفسه إلا عندما يطيع الإرادة العامة. في ظاهر الأمر يبدو من الصعب التوفيق بين هذا الادعاء وحقيقة الأغلبية والأقليات داخل دولة ديمقراطية، حيث يبدو أن هؤلاء المواطنين الذين يجدون أنفسهم خارج نطاق التصويت مقيدون بقرار لا يوافقون عليه. تم العثور على حل جان جاك روسو لهذا اللغز لاحقًا في الكتاب الرابع الفصل الثالث من “العقد الاجتماعي”، حيث يجادل بأن أولئك الذين يطيعون القوانين التي لم يصوتوا لها يظلون ملتزمين بإرادة خاصة بهم، لأن العملية الديمقراطية مكَّنتهم لاكتشاف محتوى الوصية العامة التي يشاركون فيها. لم يجد العديد من المعلقين هذه الحجة مقنعة تمامًا.

قد يبدو استحضار جان جاك روسو لثلاثة أنواع من الحرية (الطبيعية والمدنية والأخلاقية) في نص العقد الاجتماعي محيرًا. ومما يزيد الصورة تعقيدًا حقيقة أنه يعتمد أيضًا على المفهوم الرابع للحرية المرتبط بالحرية المدنية ولكنه يختلف عنها، والذي لا يسميه صراحة في أي مكان. هذه “حرية جمهورية” وتتألف ليس من خضوعي لإرادتي الخاصة بل بالأحرى في حقيقة أن القانون يحميني من الخضوع لإرادة أي شخص بعينه على طريقة العبد أو الأقنان. للعثور على تأييد روسو الصريح لهذه الفكرة علينا ألا ننظر إلى “العقد الاجتماعي” بل إلى بعض ملاحظاته غير المنشورة. ومع ذلك يتضح المفهوم ضمنيًّا في مقطع “الإجبار على أن يكون حرًّا” سيئ السمعة في الفصل السابع من الكتاب الأول، حيث إنه يوضح أنه عندما يكون كل مواطن مجبرًا على طاعة الإرادة العامة، فإنه يتم توفير ضمان ضد “كل التبعية الشخصية”.

 

3.4 التمثيل والحكومة

إحدى سمات فلسفة جان جاك روسو السياسية التي أثبتت أنها أقل إقناعًا للمفكرين اللاحقين هي مذهبه في السيادة والتمثيل، مع رفضه الواضح لـ “حكومة تمثيلية”. في قلب وجهة نظر روسو في “العقد الاجتماعي” رفضه لفكرة هوبز القائلة بأن الإرادة التشريعية للشعب يمكن إسنادها إلى مجموعة أو فرد ما يتصرف بعد ذلك بسلطته ولكنه يحكم عليهم. وبدلاً من ذلك يتبنى وجهة النظر القائلة بأن تسليم الحق العام للفرد في حكم نفسه إلى شخص آخر أو هيئة أخرى يشكل شكلاً من أشكال العبودية، وأن الاعتراف بمثل هذه السلطة يرقى إلى التنازل عن الوكالة الأخلاقية. يمتد هذا العداء لتمثيل السيادة أيضًا إلى انتخاب الممثلين في المجالس السيادية، حتى عندما يخضع هؤلاء الممثلون لإعادة انتخابهم بشكل دوري. حتى في هذه الحالة سوف يشرع المجلس في مجموعة من الموضوعات التي لم يناقشها المواطنون، وبالتالي فإن القوانين التي تصدرها هذه الجمعيات تُلزم المواطنين بشروط لم يتفقوا عليها هم أنفسهم. لا يشكل تمثيل السيادة بالنسبة لجان جاك روسو استسلامًا للفاعلية الأخلاقية فحسب، بل إن الرغبة المنتشرة في أن يتم تمثيلها في أعمال الحكم الذاتي هي أحد أعراض التدهور الأخلاقي وفقدان الفضيلة.

إن الصعوبات العملية للحكم الذاتي المباشر من قِبل جسم المواطن بأكمله واضحة، قد تكون هذه الترتيبات مرهقة ويجب أن تحد بشدة من حجم الدول الشرعية. من الجدير بالذكر أن روسو يتخذ وجهة نظر مختلفة في نص يهدف إلى السياسة العملية: “اعتبارات حول حكومة بولندا”، ومع ذلك ليس من الواضح تمامًا ما إذا كان التفسير الواسع الانتشار لجان جاك روسو على أنه يرفض جميع أشكال الحكومة التمثيلية صحيحًا. إحدى الفروق الرئيسية في “العقد الاجتماعي” هو بين السيادة والحكومة. يصدر الحاكم المطلق المكون من الشعب ككل القوانين تعبيراً عن إرادته العامة. الحكومة هي هيئة محدودة تدير الدولة ضمن الحدود التي تحددها القوانين، والتي تصدر المراسيم لتطبيق القوانين في حالات معينة. إذا تم تصور القوانين على أنها تضع للناس إطارًا دستوريًّا للمجتمع مع قرارات الحكومة التي تشتمل على الأعمال الأكثر طبيعية “للتشريع”، فإن المسافة بين جمهورية جان جاك روسو والديمقراطية الدستورية الحديثة قد تكون أصغر مما تبدو للوهلة الأولى. في الواقع قد تكون مؤسسة السيادة غير متوافقة مع النموذج التمثيلي، حيث يمكن فهم السلطة التنفيذية للحكومة على أنها تتطلب ذلك. تكتسب مثل هذه الصورة مصداقية عندما يتم فحص تفاصيل آراء روسو بشأن الحكومة. على الرغم من أن مجموعة متنوعة من أشكال الحكومة تتوافق نظريًّا مع السيادة الشعبية، إلا أن جان جاك روسو متشكك في احتمالات الديمقراطية (حيث يدير الناس الإدارة اليومية للدولة وتطبيق القوانين) والملكية. بدلاً من ذلك يفضل شكلاً من أشكال الأرستقراطية الاختيارية: بمعنى آخر يدعم فكرة أن الإدارة اليومية يجب أن تكون في أيدي مجموعة فرعية من السكان يتم انتخابهم وفقًا للجدارة.

برزت قضيتان مهمتان فيما يتعلق برواية جان جاك روسو للعلاقات بين السيادة والحكومة: أولها يتعلق بتشاؤمه السياسي، حتى في حالة الجمهورية الأفضل تصميمًا والأكثر كمالًا. كما أن أي مجموعة لديها إرادة جماعية على عكس الإرادة الفردية الخاصة لأعضائها، كذلك تفعل الحكومة. عندما تصبح الدولة أكبر وأكثر انتشارًا، وعندما يصبح المواطنون أكثر بعدًا عن بعضهم البعض مكانيًّا وعاطفيًّا، فإن الحكومة الفعالة للجمهورية ستحتاج إلى مجموعة أصغر نسبيًّا وأكثر تماسكًا من القضاة. يعتقد جان جاك روسو أنه من الحتمي تقريبًا أن ينتهي الأمر بهذه المجموعة إلى اغتصاب السلطة السيادية الشرعية للشعب واستبدال إرادة الشركة بإرادة الشعب العامة. تتعلق المسألة الثانية بكيفية تصور جان جاك روسو للديمقراطية أن تكون جمهوريته، يقترح أحيانًا صورة يكون فيها الناس خاضعين لسيطرة النخبة من قبل الحكومة، لأن القضاة سيحتفظون بأعمال وضع جدول أعمال الجمعية لأنفسهم. في حالات أخرى يؤيد مفهوم جمهورية ديمقراطية كاملة. (للاطلاع على وجهات النظر المتضاربة حول هذا السؤال ، انظر Fralin 1978 و Cohen 2010.)

على الرغم من أن جان جاك روسو يرفض وجهة نظر هوبز عن الحاكم المطلق باعتباره يمثل أو يتصرف في شخص الذات، إلا أنه لديه وجهة نظر مماثلة لماهية السيادة وعلاقتها بحقوق الفرد. يرفض فكرة أن الأفراد المرتبطين ببعضهم البعض في مجتمع سياسي يحتفظون ببعض الحقوق الطبيعية على أنفسهم وممتلكاتهم. بدلاً من ذلك فإن الحقوق التي يتمتع بها الأفراد على أنفسهم والأرض والأشياء الخارجية هي مسألة اختصاص وقرار سيادي. يجب تحديد الحقوق الفردية من قبل صاحب السيادة بطرق تتوافق مع مصالح الجميع في نظام حكم عادل، ويرفض جان جاك روسو فكرة أن مثل هذه الحقوق يمكن الإصرار عليها كرقابة على سلطة صاحب السيادة.

 

3.5 الدين المدني والتسامح

يشرح الفصل الكامل الأخير من “العقد الاجتماعي” عقيدة جان جاك روسو عن الدين المدني. لقد أصاب القراء المعاصرين بالذهول، ولا سيما من خلال ادعائه أن المسيحية الحقيقية (الأصلية أو المبكرة) لا فائدة منها في تعزيز روح الوطنية والتضامن الاجتماعي الضروريين لدولة مزدهرة. من نواحٍ عديدة يمثل الفصل خروجًا صارخًا عن الموضوعات الرئيسية للكتاب. أولاً، إنها المناسبة الوحيدة التي يصف فيها  روسو محتوى القانون الذي يجب أن تتمتع به الجمهورية العادلة. ثانيًا، إنه يرقى إلى قبوله بحتمية التعددية في أمور الدين، وبالتالي في التسامح الديني. هذا في بعض التوتر مع تشجيعه في أماكن أخرى من التجانس الثقافي كبيئة مواتية لظهور الإرادة العامة. ثالثًا، إنه يمثل مثالًا ملموسًا جدًّا لحدود السلطة السيادية: بعد لوك يصر جان جاك روسو على عدم قدرة الحاكم على فحص المعتقدات الخاصة للمواطنين. تشمل مبادئ دين  روسو المدني التأكيد على وجود كائن أعلى والحياة الآخرة، ومبدأ أن العادل سينتج عنه وأن الأشرار سيعاقبون، والادعاء بأن العقد الاجتماعي والقوانين مقدسة. بالإضافة إلى ذلك يتطلب الدين المدني شرطًا بأن كل من هم على استعداد لتحمل الآخرين يجب أن يتم التسامح معهم، لكن أولئك الذين يصرون على أنه لا يوجد خلاص خارج كنيستهم الخاصة لا يمكن أن يكونوا مواطنين في الدولة. إن بنية المعتقدات الدينية داخل الدولة العادلة هي عبارة عن إجماع متداخل: عقائد الدين المدني يمكن تأكيدها من قبل أتباع عدد من الديانات المختلفة، المسيحية وغير المسيحية على حد سواء.

على الرغم من اهتمام جان جاك روسو بالتسامح الديني في كل من الفصل وفي أي مكان آخر، غالبًا ما تم إبعاد القراء المعاصرين بملاحظة واحدة لافتة للنظر من عدم التسامح. يجادل جان جاك روسو بأن أولئك الذين لا يستطيعون قبول العقائد يمكن إبعادهم من الدولة، هذا لأنه يعتقد أن الملحدين الذين لا يخافون من العقاب الإلهي لا يمكن أن يثقوا من قبل مواطنيهم في إطاعة القانون. ويذهب إلى أبعد من ذلك ليقترح عقوبة الإعدام لأولئك الذين يؤكدون العقائد ولكنهم يتصرفون فيما بعد كما لو أنهم لا يصدقونها.

 

  1. اللغة

توجد كتابات جان جاك روسو حول اللغة واللغات في مكانين، المقال غير المنشور عن “أصل اللغات”، وفي قسم من الخطاب حول “أصول عدم المساواة”. في المقال يخبرنا روسو أن البشر يريدون التواصل بمجرد أن يدركوا أن هناك كائنات أخرى مثلهم، لكنه يطرح أيضًا السؤال عن سبب الحاجة إلى اللغة على وجه التحديد بدلاً من الإيماءة لهذا الغرض. الجواب الغريب بما فيه الكفاية هو أن اللغة تسمح بنقل المشاعر بطريقة لا تسمح بها الإيماءات، وأن نبرة وضغط التواصل اللغوي أمران حاسمان وليس محتواه، تمكن هذه النقطة جان جاك روسو من إقامة صلة وثيقة بين أغراض الكلام واللحن. هذه المفردات التي كانت موجودة في الأصل وفقًا لـ روسو كانت مجرد كلمات مجازية ولم تكتسب الكلمات سوى معنى حرفيًّا بعد ذلك بكثير. تعتبر النظريات التي تحدد أصل اللغة في الحاجة إلى التفكير معًا حول أمور الواقع وفقًا لجان جاك روسو خاطئة للغاية. بينما يوقظ صراخ الآخر تعاطفنا الطبيعي ويجعلنا نتخيل الحياة الداخلية للآخرين، فإن احتياجاتنا المادية البحتة لها نزعة معادية للمجتمع لأنها تشتت البشر على نطاق أوسع في جميع أنحاء الأرض بحثًا عن العيش. على الرغم من أن اللغة واللحن لهما أصل مشترك في الحاجة إلى توصيل المشاعر، إلا أنه بمرور الوقت ينفصل الاثنان، وهي عملية تتسارع نتيجة لاختراع الكتابة. في الجنوب تظل اللغة أقرب إلى أصولها الطبيعية وتحتفظ اللغات الجنوبية بجودتها اللحنية والعاطفية (وهي حقيقة تناسبها للأغنية والأوبرا)، على النقيض من ذلك تصبح اللغات الشمالية موجهة إلى مهام أكثر عملية وأفضل للتفكير العملي والنظري.

في الجزء الأول من “الخطاب الثاني” كان تركيز جان جاك روسو مختلفًا بعض الشيء ويحدث في سياق جدال ضد الفلاسفة (مثل منظري القانون الطبيعي مثل كونديلاك) الذين ينسبون إلى البشر البدائيين قدرة مطورة على التفكير المجرد. يقترح جان جاك روسو الحاجة كسبب لتطور اللغة، ولكن بما أن اللغة تعتمد على التقاليد لتعيين إشارات تعسفية للأشياء، فإنه يحتار حول كيف يمكن أن تبدأ وكيف يمكن للناس البدائيين أن ينجزوا الإنجاز المتمثل في إعطاء أسماء للمسلمات.

 

  1. التعليم

تم شرح أفكار جان جاك روسو حول التعليم بشكلٍ أساسي في كتاب “إميل”، في هذا العمل قام بتطوير فكرة “التعليم السلبي” وهو شكل من أشكال التعليم “المتمركز حول الطفل”، فكرته الأساسية هي أن التعليم يجب أن يتم بقدر الإمكان في انسجام مع تنمية القدرات الطبيعية للطفل من خلال عملية اكتشاف مستقل على ما يبدو. هذا على النقيض من نموذج التعليم حيث يكون المعلم شخصية ذات سلطة تنقل المعرفة والمهارات وفقًا لمنهج محدد مسبقًا. يعتمد جان جاك روسو هنا على أطروحته عن الخير الطبيعي والتي أكدها في بداية الكتاب، ويتضمن مخططه التعليمي حماية وتنمية الخير الطبيعي للطفل عبر مراحل مختلفة، إلى جانب عزل الطفل عن إرادة استبداد الآخرين. حتى سن المراهقة على الأقل يشتمل البرنامج التعليمي على سلسلة من التلاعب بالبيئة من قبل المعلم، لا يتم إخبار الطفل بما يجب القيام به أو التفكير فيه ولكن يتم دفعه إلى استخلاص استنتاجاته الخاصة نتيجة لاستكشافاته الخاصة، والتي تم ترتيب سياقها بعناية. تبدأ المرحلة الأولى من البرنامج في مرحلة الطفولة حيث ينصب اهتمام جان جاك روسو الأساسي على تجنب نقل فكرة أن العلاقات الإنسانية هي أساسًا علاقات السيطرة والتبعية، وهي فكرة يمكن تعزيزها بسهولة في الرضيع من خلال اقتران اعتمادها على رعاية الوالدين وقدرتها على جذب الانتباه من خلال البكاء. على الرغم من ضرورة حماية الطفل الصغير من الأذى الجسدي، إلا أن جان جاك روسو حريص على أن يعتاد على ممارسة سلطاته الجسدية، ولذلك ينصح بترك الطفل حرًّا قدر الإمكان بدلاً من حبسه أو تقييده. من سن الثانية عشرة أو نحو ذلك ينتقل البرنامج إلى اكتساب المهارات والمفاهيم المجردة، لا يتم ذلك باستخدام الكتب أو الدروس الرسمية بل من خلال الخبرة العملية. تتزامن المرحلة الثالثة من التعليم مع سن البلوغ والبلوغ المبكر، تنتهي فترة العزلة ويبدأ الطفل في الاهتمام بالآخرين (خاصة الجنس الآخر)، وكيف يُنظر إليه في هذه المرحلة، يكمن الخطر الأكبر في أن المغامرة المفرطة ستمتد إلى المطالبة بالاعتراف من الآخرين، وتجاهل قيمتها، والمطالبة بالتبعية. مهمة المعلم هي التأكد من أن علاقات التلميذ مع الآخرين يتم التوسط فيها أولاً من خلال شغف التعاطف (الرحمة) بحيث يجد التلميذ مكانًا آمنًا من خلال فكرة معاناة الآخرين والرعاية والامتنان. الاعتراف بقيمته الأخلاقية الخاصة حيث يتم تأسيس أسلوبه على أساس غير تنافسي. تتضمن الفترة الأخيرة من التعليم تغيير المعلم من متلاعب ببيئة الطفل إلى مستشار بالغ موثوق به. يجد الشخص البالغ الشاب والمستقل زوجًا يمكن أن يكون مصدرًا آخر للاعتراف الآمن وغير التنافسي. تتضمن هذه المرحلة الأخيرة أيضًا تعليمات حول طبيعة العالم الاجتماعي، بما في ذلك مذاهب فلسفة جان جاك روسو السياسية.

 

  1. الإرث

كان لتفكير جان جاك روسو تأثير عميق على الفلاسفة والمنظرين السياسيين اللاحقين، على الرغم من التوترات والغموض في عمله يعني أن أفكاره قد تطورت بطرق متناقضة ومتباينة جذريًّا. في الفلسفة السياسية الحديثة على سبيل المثال من الممكن اكتشاف جان جاك روسو كمصدر إلهام للنظريات الليبرالية، والأفكار المجتمعية، والجمهورية المدنية، وفي نظريات الديمقراطية التشاورية والتشاركية. صَوَّر الكُتَّاب المُعادونَ جان جاك روسو كمصدر إلهام للجوانب الأكثر سلطوية للثورة الفرنسية ثم لجوانب الفاشية والشيوعية.

كان أهم تأثير فلسفي لجان جاك روسو على إيمانويل كانط (Immanuel Kant)، كانت صورة جان جاك روسو هي الصورة الوحيدة المعروضة في منزل كانط، وتقول الأسطورة أن المرة الوحيدة التي نسي فيها كانط السير يوميًّا كانت عند قراءة “إميل”. تشمل أمثلة التأثير المباشر فكرة كانط عن الحتمية الفئوية، والصيغة الثالثة لها في الأساس للميتافيزيقيا للأخلاق (ما يسمى بصيغة مملكة الغايات) تُذَكِّر بمناقشة جان جاك روسو للإرادة العامة في العقد الاجتماعي. ومن المفارقات أن انفصال كانط عن فكرة التشريع العالمي عن سياقها في خصوصية المجتمع الفردي يعكس نهج جان جاك روسو نفسه، حيث رفض جان جاك روسو في العمل التحضيري للعقد الاجتماعي فكرة الإرادة العامة للجنس البشري، كما ظهرت هذه الفكرة في مقال ديدرو “الحق الطبيعي” في الموسوعة. يمكن أيضًا رؤية تأثير جان جاك روسو في علم النفس الأخلاقي لكانط، لا سيما في عمل مثل “الدين ضمن حدود العقل وحده”، وفي تفكير كانط الخاص حول التاريخ الفرضي، وفي كتاباته عن العدالة الدولية التي تعتمد على مشاركة جان جاك روسو في أعمال دير، سانت بيير.

إن حالتي هيجل وماركس أكثر تعقيدًا، غالبًا ما تكون إشارات هيجل Georg Wilhelm) Friedrich Hegel) المباشرة إلى جان جاك روسو غير مجدية. في فلسفة الحق بينما يمتدح جان جاك روسو لفكرة أن الإرادة هي أساس الدولة، يحرف فكرة الإرادة العامة على أنها مجرد فكرة تداخل بين الإرادات العرضية للأفراد، يوضح في موسوعة المنطق وعيًا بأن هذه لم تكن وجهة نظر  روسو . تعتمد مناقشة هيجل حول جدلية السيد والعبد ومشكلة الاعتراف في ظاهرة الروح أيضًا على جان جاك روسو، في هذه الحالة على مفهوم الملكية والطرق التي يمكن من خلالها لمحاولات احترام الآخرين والاعتراف بهم أن تكون هزيمة ذاتية. يُعتقد أيضًا أن مخاوف كارل ماركس (Karl Marx) من الاغتراب والاستغلال تحمل نوعًا من العلاقة مع تفكير روسو في الموضوعات ذات الصلة. هنا يكون الدليل غير مباشر بشكل أكبر، حيث إن الإشارات إلى جان جاك روسو في عمل ماركس قليلة وغير جوهرية.

في الفلسفة السياسية المعاصرة من الواضح أن تفكير جون راولز ( John Rawls) وخاصة في “نظرية العدالة” يعكس تأثير جان جاك روسو ، وخير مثال على ذلك هو الطريقة التي يستخدم بها راولز أداة “الموقف الأصلي” لوضع خيار المصلحة الذاتية في خدمة تحديد مبادئ العدالة. يتوازى هذا تمامًا مع حجة  روسو القائلة بأنه سيتم جذب المواطنين لاختيار قوانين عادلة كما لو كانت من منظور محايد، لأن عالمية القانون وعموميته تعني أنه عند النظر في مصالحهم الخاصة سيختارون الإجراء الذي يعكس مصالحهم الخاصة على أفضل وجه.

 


المراجع

أعمال جان جاك روسو

The standard French edition of Rousseau is Oeuvres complètes (5 volumes), Bernard Gagnebin and Marcel Raymond (eds.), Paris: Gallimard, 1959–1995.

A major work that is not included in the Oeuvres complètes in a satisfactory form is Principes du droit de la guerre published together with Écrits sur la paix perpetuelle, Bruno Bernadi and Gabriella Silvestrini (eds), Paris: Vrin, 2008.

The most comprehensive English edition of Rousseau’s works is Collected Writings (13 volumes), Roger Masters and Christopher Kelly (eds.), Dartmouth: University Press of New England, 1990–2010. The individual works below are included in each of these editions.

Accessible English translations of major works include:

  • The Discourses and Other Early Political Writings, Victor Gourevitch (ed. and trans.), Cambridge: Cambridge University Press, 1997.
  • The Social Contract and Other Later Political Writings, Victor Gourevitch (ed. and trans.), Cambridge: Cambridge University Press, 1997.
  • The Social Contract and Other Political Writings, Quintin Hoare (trans.) and Christopher Bertram (ed.), London: Penguin, 2012.(This volume includes the English translation of the reconstruction by Bernadi et al of Principles of the Right of War.)
  • 1750, Un Discours sur les Sciences et les Arts(Discourse on the Sciences and the Arts; First Discourse).
  • 1755, Un Discours sur l’Origine et les Fondemens de l’Inégalité parmi les Hommes(A Discourse on the Origin of Inequality; Second Discourse).
  • 1753–61, Essai sur l’Origine de Langues(Essay on the Origin of Languages).
  • 1755, De l’économie politique(A Discourse on Political Economy).
  • 1755, Lettre sur la Musique Française(Letter on French Music).
  • 1758, Lettre à M. d’Alembert sur les Spectacles(Letter to d’Alembert on the Theater).
  • 1761, Julie, ou La Nouvelle Héloïse.
  • 1762, Émile, ou de l’Éducation(Emile, or On Education).
  • 1762, Du Contrat Social(The Social Contract).
  • 1764–5, Project de Constitution pour la Corse(Project for a Constitution for Corsica).
  • 1764–6, Les Confessions(The Confessions).
  • 1770–1, Considérations sur le Gouvernement de Pologne(Considerations on the Government of Poland).
  • 1772–6, Rousseau Juge de Jean-Jacques: Dialogues(Rousseau Judge of Jean-Jacques: Dialogues).
  • 1776–8, Les Rêveries du Promeneur Solitaire(The Reveries of the Solitary Walker).

أعمال عن جان جاك روسو

  • Berman, M., 1970, The Politics of Authenticity, New York: Atheneum.
  • Bertram, C., 2004, Rousseau and The Social Contract, London: Routledge.
  • –––, 2012, “Rousseau’s Legacy in Two Conceptions of the General Will: Democratic and Transcendent.”, Review of Politics, 74: 403–420.
  • Cassirer, E, 1954, The Question of Jean-Jacques Rousseau, trans. P. Gay, Bloomington: Indiana.
  • Charvet, J., 1974, The Social Problem in the Philosophy of Jean-Jacques Rousseau, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Cohen, J. 2010, Rousseau: A Free Community of Equals, Oxford: Oxford University Press.
  • Dent, N.J.H, 1988, Rousseau: An Introduction to his Psychological, Social and Political Theory, Oxford: Blackwell.
  • –––, 1992, A Rousseau Dictionary, Oxford: Blackwell.
  • –––, 2005, Rousseau, London: Routledge.
  • Fralin, R., 1978, Rousseau and Representation, New York: Columbia.
  • Gauthier, D., 2006, Rousseau: The Sentiment of Existence, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Grofman, B. and Feld, S.L., 1988, “Rousseau’s General Will: A Condorcetian Perspective”, American Political Science Review, 82: 567–76.
  • Masters, R.D., 1968, The Political Philosophy of Rousseau, Princeton: Princeton University Press.
  • Neidleman, J., 2017, Rousseau’s Ethics of Truth, London: Routledge.
  • Neuhouser, F., 1993, “Freedom, Dependence and the General Will”, Philosophical Review, 102: 363–95.
  • –––, 2008, Rousseau’s Theodicy of Self-Love, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2014, Rousseau’s Critique of Inequality, Cambridge: Cambridge University Press.
  • O’Hagan, T., 1999, Rousseau, London: Routledge.
  • Roosevelt, G.G. 1990, Reading Rousseau in the Nuclear Age, Philadelphia: Temple.
  • Sreenivasan, G., 2000, “What is the General Will?”, Philosophical Review109: 545–81.
  • Starobinski, J., 1988, Transparency and Obstruction, trans A. Goldhammer, Chicago: Chicago University Press.
  • Williams, D.L., 2014, Rousseau’s Social Contract, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Wokler, R., 1995, Rousseau, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2014, Rousseau, the Age of Enlightenment, and Their Legacies, Bryan Garsten (ed.) Princeton: Princeton University Press.

سير ذاتية عن جان جاك روسو

  • Cranston, M., 1982, Jean-Jacques: The Early Life and Work of Jean-Jacques Rousseau, 1712–1754, London: Allen Lane.
  • –––, 1991, The Noble Savage: Jean-Jacques Rousseau, 1754–1762, London: Allen Lane.
  • –––, 1997, The Solitary Self: Jean-Jacques Rousseau in Exile and Adversity, London: Allen Lane.
  • Lester G. Crocker, 1974, Jean-Jacques Rousseau-the Quest 1712–1758, New York: Macmillan.
  • –––, 1974, Jean-Jacques Rousseau The Prophetic Voice 1758–1778, New York: Macmillan.
  • Damrosch, L., 2005, Jean-Jacques Rousseau: Restless Genius, New York: Houghton Mifflin.

الأدوات الأكاديمية

 

How to cite this entry.

 

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

 

Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).

 

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مواد الانترنت الاخرى

المدخلات ذات الصلة

civic education | democracy | education, philosophy of | emotion: 17th and 18th century theories of | Hobbes, Thomas: moral and political philosophy | Kant, Immanuel: social and political philosophy | legitimacy, political | Rawls, John | toleration

 


[1] Bertram, Christopher, “Jean Jacques Rousseau”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2020 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2020/entries/rousseau/>.