الكاتب | جيمس سويندال |
ترجمة | رامي رأفت |
الجدل في العلاقة بين الإيمان والعقل
من التقاليد المعروفة اعتبار كل من الإيمان والعقل مصدرين لشرح المعتقد الديني. حيث أن كليهما يمكنهما خدمة هذه الوظيفة المعرفية نفسها، فقد كانت ومازالت من الأمور التي تهم الفلاسفة واللاهوتيين مدى ارتباط الاثنين ببعضهما البعض، وكيف ينبغي للعامل العقلاني التعامل مع الادعاءات المستمدة من أي من المصدرين. لقد رأى البعض أنه لا يمكن أن يكون هناك تعارض بين الاثنين- هذا العقل الذي تم توظيفه بشكل صحيح، والإيمان الذي تم فهمه بشكل صحيحِ لن ينتجا عنهما مطلقًا مطالبات متناقضة أو متنافسة- في حين أكد آخرون أن الإيمان والعقل يمكن (أو يجب) أن يكونا في خلافٍ حقيقيٍ حول بعض الفرضيات أو القضايا أو المنهجيات. أولئك الذين أخذوا هذا الرأي الأخير يختلفون حول ما إذا كان يجب أن يسود الإيمان أو العقل عندما يتعارض الاثنان.
كيركيغارد [Kierkegaard[1، على سبيل المثال، يُعطى الأولوية للإيمان حتى لدرجة أنه يصبح غير عقلاني بشكل إيجابي، في حين يؤكد لوك [2]Locke على معقولية الإيمان حسب مقدرة العقيدة الدينية الغير منطقية- والتي تتعارض مع نفسها أو مع الحقائق المعروفة- حيث أنها علامة على أنها غير صحيحة وفاسدة.
نَظَرَ مفكرون آخرون أن الإيمان والعقل يحكمان كل منهما ميدانهما المنفصلين، بحيث يتم حل حالات النزاع الظاهر من جانب الإيمان عندما يكون الادعاء معني به، كادعاء ديني أو لاهوتي. ويتم حلها من جانب العقل عندما تكون المطالبة المتنازع عليها تجريبية أو منطقية. وقد نفت بعض الفلسفات الحديثة نسبيًا، وأبرزها الوضعانية المنطقية [Logical Positivists[3، وجود مجال للفكر أو الوجود الإنساني محكومًا على نحو ملائم بالإيمان، مؤكدين بدلاً من ذلك أن جميع البيانات والأفكار ذات المغزى يمكن الوصول إليها من خلال الفحص العقلاني الشامل. وقد شكَّل هذا تحديًا للمفكرين الدينيين واللاهوتيين لشرح كيف يمكن لأي شكل من الأشكال الغير العقلانية أو الفوق عقلانية [Transrational[4 من خلال لغة تحتفظ بمحتوي معرفي ذي معنى.
يتتبع هذا المقال التطور التاريخي للفكر حول العلاقة بين الإيمان والعقل ، بدءًا من المفاهيم اليونانية الكلاسيكية للعقل والأساطير الدينية واستمرار علماء اللاهوت المسيحيين في العصور الوسطى، وصعود العلم في بداية العصر الحديث، وإعادة صياغة القضية بصورة “العلم مقابل الدين” في القرن العشرين.
المحتوى:
الْمُقَدَّمَة.
- الْفَتْرَةُ الْكِلَاَسِيكِيَّةُ.
أ. أَفَلَاطُونَ وَ أرْسطُو:.
ب. الرِّوَاقِيُّونَ والأبيقوريون:.
ج. أَفَلَوْطَيْنِ:.
- صُعُودُ الْمَسِيحِيَّةِ:
أ. الرَّسُولُ بُوُلُس Paul the Apostle:.
ب. الدِّفَاعِيَاتُ الْمَسِيحِيَّةُ الْمُبَكِّرَةُ:.
ج. الْقِدِّيسُ أوغسطينوس:.
د. ديونيسيوس Pseudo-Dionysius:.
- فَتْرَةُ العُصُور الْوُسْطَى:
أ. الْقِدِّيسُ أَنُسَلِّمُ:
ب. بيتر لومبارد Peter Lombard:.
ج. الْفَلَاَسِفَةُ الْإِسْلَامِيُّونَ:.
د. الْفَلْسَفَةُ الْيَهُودِيَّةُ:.
هـ. الْقِدِّيسُ تُومَاسَ الأكويني Thomas Aquinas:.
و. الْفَلَاَسِفَةُ الفرنسيسكان:.
- عَصْرُ النَّهْضَةِ وَالتَّنْوِيرِ:
أ. جَدَلُ غاليليو:
ب. إيراسموس Desiderius Erasmus:.
جـ. الْمُصَلِّحُونَ الإنجيليون (البروتوستانت):.
د. الْعَقْلَانِيَّةُ الْقَارِّيَّةُ( الْأورُوبِّيَّةَ):.
هـ. بلِيز بَاسْكَال Blaise Pascal:.
ف. التَّجْرِيبِيَّةُ Empiricism:.
ز. الْمِثَالِيَّةُ الألّمَانِيَّة German Idealism:.
- الْقَرْنُ التَّاسِعُ عُشُرٌ:.
أ. رُومَانْتِيكِيَّةٌ Romanticism:
ب. اِشْتِرَاكِيَّةٌ Socialism:.
ج. وُجُودِيَّةٌ Existentialism:.
د. الْمُدَافِعُونَ الْكَاثُولِيكَ:.
هـ. الذَّرَائِعِيَّةُ “الْوَاقِعِيَّة Pragmatism”:.
- الْقَرْنُ الْعِشْرُونُ:.
أ. الْوَضْعِيَّةُ الْمَنْطِقِيَّةُ وَنَقَّادُهَا Logical Positivism:
ب. اللَّاَهُوتُ الْفَلْسَفِيُّ:.
ج. النِّيُوُ الْوُجُودِيَّةُ أَوِ الْوُجُودِيَّةُ الْجَدِيدَةُ – Neo-Existentialism:.
د. الداروينية الْجَدِيدَةَ Neo-Darwinism:.
هـ. رُدُودُ الْفِعْلِ الْمُعَاصِرَةِ ضِدَّ الطَّبِيعِيَّةِ والداروينية الْجَدِيدَةَ:.
المراجع ولقراءة أكثر عمقًا
الْمُقَدَّمَة
الإيمان والعقل هما مصدران للسلطة حيث ترتكز المعتقدات عليهما. يُفهم العقل عمومًا على أنه مبادئ الاستقصاء المنهجي Methodological Inquiry، سواء كانت فكرية أو أخلاقية أو جمالية أو دينية. وبالتالي فالعقل ليس مجرد قواعد الاستدلال المنطقي أو الحكمة المتجسدة للتقليد أو للسلطة. عادة ما يتم افتراض وجود نوع من الخوارزمية الإثباتية Algorithmic Demonstrability. يتم فهم القضية أو الادعاء بتعليلها كحقيقة أو كسُلطة. أما الإيمان من ناحية أخرى، ينطوي على موقف تجاه بعض الادعاءات -في الوقت الحاضر على الأقل- لا يمكن إثباته عن طريق العقل. الإيمان هو نوع من المواقف أو اتجاهات الثقة أو الموافقة. لذلك عادةً ما ينطوي على فعل إرادة أو التزام من جانب المؤمن. الإيمان الديني يرتكز على اعتقاد لإشارة ضمنية أو صريحة من مصدر متعالٍ أو فائقٍ. عادة ما يُفهم أساس إيمان الشخص أنه يأتي من سلطة الإعلان (الإعلان الإلهي). كمت أن الإعلان إما مباشر من خلال نوع من الغرس المباشر (حدسي أو بديهي)، أو غير المباشر (عادة ما يكون من شهادة آخر). وبالتالي يمكن تقسيم المعتقدات الدينية التي هي أهداف الإيمان إلى تلك التي هي في الواقع واضحة المعالم (علوم Lat: scienta) وتلك التي تُعلِّم المؤمن ممارسات الفضيلة (الحكمة Lat: sapientia).
الإيمان الديني نوعين: حساس للأدلة وغير حساس للأدلة. يرى الأول الإيمان أنه منسق بشكل وثيق مع الحقائق الواضحة؛ بينما الأخير الأكثر صرامة كفعل إرادي من قِبل المؤمن الديني وحده. الأول يتضمن أدلة تم الحصول عليها من شهادات وأعمال المؤمنين الآخرين. ومع ذلك، من الممكن حفظ الاعتقاد الديني ببساطة على أساس الإيمان وحده أو العقل وحده. علاوة على ذلك، يمكن للمرء أن يفتقر للإيمان بالله أو ينكر وجوده، ولكن لا يزال يجد العزاء والسلوان في ممارسة الدين.
الدافع الأساسي لمشكلة الإيمان والعقل يأتي من حقيقة أن الإعلان Revelation أو مجموعة الإعلانات الذي تقوم عليها معظم الأديان يتم وصفها وتفسيرها عادة في تصريحات مقدسة، إما في تقليد شفهي أو كتابات قانونية Canonical (كتب مقدسة مُعترف بها من قبل أصحاب الأديان أنفسهم كال كتاب المقدس أو القرآن)، مدعومة بنوع من السلطة الإلهية. كما أنه عادة ما يتم تقديم هذه الكتابات أو التقاليد الشفوية في أشكال أدبية من السرد القصصي أو المَثل أو الخِطاب. على هذا النحو، فَهُمْ محصنون من النقد والتقييم العقلانِيَّين. في الواقع، يمكن اعتبار محاولة التحقق من المعتقدات الدينية بعقلانية نوعًا من الأخطاء الفئوية. ومع ذلك، فإن معظم التقاليد الدينية تسمح بل وتشجع نوعًا من الفحص العقلاني لمعتقداتهم.
تتمثل القضية الفلسفية الأساسية المتعلقة بمشكلة الإيمان والعقل في معرفة كيفية ترابط سُلطة الإيمان وسُلطة العقل في العملية التي يُبرّر أو يشرح بها المعتقد الديني أو يُثّبت أنه حقيقي ومُبرر. لذلك توجد أربعة نماذج أساسية ممكنة للتفاعل بينهما:
(أ) نموذج الصراع The conflict model: هنا تبدو الغايات أو الأهداف أو أساليب العقل والإيمان متماثلة إلى حد كبير. وبالتالي عندما يبدو أنهم يقولون أشياء مختلفة، فهناك تنافس حقيقي. يُفترض بهذا النموذج كل من الأصوليين الدينيين Fundamentalists الذين يحسمون التنافس لجانب الإيمان أولاً، والعلماء الطبيعيين Scientific Naturalists الذين يجزمونه لجانب العقل.
(ب) نموذج عدم التوافقية Incompatibilist: من المفهوم هنا أن الأهداف وأساليب العقل وكيفيات الإيمان متميزة. التقسيم الفئوي Compartmentalization لكل منها ممكنة. فالعقل يهدف إلى الحقائق التجريبية، بينما الدين يرمي إلى الحقائق الإلهية. وبالتالي لا يوجد تنافس بينهما. ومنها ينقسم هذا النموذج إلى ثلاثة أقسام فرعية:
أولاً، يمكن للمرء أن يحمل الإيمان فوق العقل، لأنه أسمى من العقل. الاستراتيجية الأخيرة تم توظيفها من قبل بعض الوجوديين المسيحيين Christian Existentialists. حيث يمكن للعقل فقط إعادة بناء ما هو ضمني بالفعل في العقيدة أو الممارسة الدينية.
ثانياً، يمكن القول بأن المعتقد الديني غير عقلاني، وبالتالي لا يخضع للتقييم العقلاني على الإطلاق. هذا هو الموقف الذي يتخذه عادةً أولئك الذين يتبنون اللاهوت السلبي negative theology[1] ، وهي الطريقة التي تفترض أن كل التكهنات حول الله لا يمكن أن تصل إلا إلى ما ليس حول الله (كالغير المحدود، والغير مرئي …).
ثالثًا، يتضمن التقسيم الفرعي الأخير نظريات الاعتقاد التي تدعي أن اللغة الدينية مجازية بطبيعتها فقط. ينتج عن هذا وغيره من أشكال اللاعقلانية ما يُعتبر إيمانيًا [fideism[2 فقط: الاعتقاد بأن الإيمان لا يجب أن يخضع لأي توضيح أو تبرير عقلاني.
(ج) نموذج التوافق الضعيف The weak compatibilist model: هنا يُفهم أن الحوار ممكن بين العقل والإيمان، رغم أن كلاهما يحتفظ بعوالم مميزة للتقييم وقوة الحُجة والإقناع. على سبيل المثال، يمكن رؤية جوهر الإيمان ليشمل المعجزات. هذا العقل يتم إشراكه في الطريقة العلمية لاختبار الفرضيات. يعتمد النموذج المسيحي الإصلاحي على الكثير من هذا النموذج الأساسي.
(د) نموذج التوافق القوي The strong compatibilist model: من المفهوم هنا أن الإيمان والعقل لهما صلة حقيقية، وربما حتى تكافؤية. الشكل النموذجي للتوافق القوي يسمى باللاهوت الطبيعي [Natural Theology[3. نظام الإيمان يمكن برهانه عن طريق العقل، إما استنتاجيًا (من مقدمات لاهوتية مشتركة على نطاق واسع) أو استقرائيًا (من تجارب عامة). يمكن لهذا النموذج أن يتخذ أحد الشكلين التاليين:
- إما أنه يبدأ بادعاءات علمية مبررة ويلحقها بادعاءات لاهوتية صحيحة غير متوفرة للعلم.
- أو يبدأ بادعاءات نموذجية من تقاليد لاهوتية ويصقلها باستخدام التفكير العلمي.
مثال للشكل الأول هو الحجة الكونية لوجود الله؛ مثال للشكل الأخير الحجة القائلة بأن العلم لن يكون ممكنًا ما لم يضمن صلاح الله، وأن العالم مفهوم ومعقول وواضح. كثير من الفلاسفة وعلماء اللاهوت الكاثوليك الرومان، لكن ليس كلهم بالتأكيد، متمسكين بإمكانية اللاهوت الطبيعي. حَاوَل بعض اللاهوتيين الطبيعيين توحيد الإيمان والعقل في نظام ميتافيزيقي شامل مُدرك. ومع ذلك، يجب أن يوضح نموذج التوافق القوي لماذا اختار الله أن يكشف عن نفسه! بما إن لدينا الوصول إليه من خلال العقل وحده.
التفاعل بين العقل والإيمان هو موضوع مهم في فلسفة الدين. يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعديد من القضايا الأخرى في فلسفة الدين ولكنه متميز عنهم أيضًا: وجود الله والصفات الإلهية ومشكلة الشر والعمل الإلهي في العالم، والدين والأخلاق، والتجربة الدينية واللغة الدينية ومشكلة التعددية الدينية. علاوة على ذلك، فإن تحليل التفاعل بين الإيمان والعقل يوفر أيضًا موارد للحجج الفلسفية في مجالات أخرى مثل الميتافيزيقيا Metaphysics وعلم الوجود Ontology ونظرية المعرفة Epistemology.
على الرغم من أن القضايا المتداخل فيها التفاعل بين الإيمان والعقل مُزمنة في العقائد الدينية تقريبًا، فإن هذه المقالة ستركز في المقام الأول على ادعاءات الإيمان الموجودة في الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى: اليهودية والإسلام والمسيحية بشكل خاص.
هذا وسنتتبع في باقي المقال تاريخ تطور التفكير في العلاقة بين الإيمان والعقل في الفلسفة الغربية من الفترة الكلاسيكية اليونانيين وحتى نهاية القرن العشرين.
2. الْفَتْرَةُ الْكِلَاَسِيكِيَّةُ:
المعتقدات اليونانية على النقيض من اليهودية، لم تُفكر في المقام الأول بالعالم الإنساني بل على نشأة الكون ككل. كانت في كثير من الأحيان تُصاغ كأساطير أدبية. ومع ذلك كانت هذه الأشكال من التأملات الدينية عملية بشكل عام في طبيعتها: كانت تهدف إلى زيادة الفضيلة الشخصية والاجتماعية في أولئك الذين يشاركون فيها. تضمنت هذه الديانات ممارسات ثقافية مدنية دينية.
حاول الفلاسفة في أوائل العصر اليوناني استخلاص القضايا الميتافيزيقية من هذه الادعاءات الأسطورية. بمجرد تحديد هذه المبادئ واستئصالها، محصِّ هؤلاء الفلاسفة الادعاءات الأسطورية من تكهنات باطنية وخرافات أصولهم الدينية. كما شجبوا الميول للغنوصية[4] Gnosticism وللنخبوية[5] Elitism الموجودتان في الثقافة الدينية حيث تطورت الأساطير الدينية وقتها. ومع ذلك لم يكن أي من هؤلاء الفلاسفة مهتمًا بشكل خاص بقضية الموافقة التبادلية أو الإيمان بهذه المعتقدات الدينية على هذا النحو.
أ. أَفَلَاطُونَ وَ أرْسطُو:
وجد كل من أفلاطون وأرسطو مبدأ التنظيم العقلاني في التفكير الديني التي يمكن أن تعمل الميتافيزيقيا بمثابة وقفْ أو تعثر لتراجع التفسير. عند أفلاطون يوجد هذا في “نظرية المُثل” خاصةً مُثُل الخير. مُثل الخير هو الذي تكتسب فيه كل الأشياء وضوحها. رفض أرسطو مُثل الخير لأنه غير قادر على تقديم مجموعة متنوعة من الأشياء الجيدة، ناشدًا بدلاً من ذلك المحرك الغير متحرك ككيان كوني غير قابل للتغيير. يحتوي هذ الجوهر الأساسي أيضًا على الفهم والإدراك كالعقل الخالص “Nous“: “التفكير في التفكير نفسه”. من هذا العقل يخرج نماذج لأشياء موجودة.
طور كلا المُفكرَين أيضًا نُسخًا من اللاهوت الطبيعي من خلال إظهار كيف تُبرز المعتقدات الدينية من الأفكار العقلانية حول الواقع الملموس على هذا النحو. يمكن العثور على شكل مبكر من الدفاعيات الدينية- كدليل على وجود الآلهة- في قوانين أفلاطون. قدمت ” فيزياء” أرسطو حُججًا تثبت وجود مُحرك غير مُتحرك كمفكر ذاتي خالد كدليل على الحركة في العالم.
ب. الرِّوَاقِيُّونَ والأبيقوريون
استمدت كلتا مدرستي الفكر هاتين بعض أنواع التفكير اللاهوتي من الفيزياء والكونيات. احتَفَظَ الرواقيون عمومًا بوجهة نظر فلكية لدورة أبدية من ثورات العوالم المتطابقة والعوالم الفانية خلال نار عالمية. حيث أن الضرورة المطلقة تَحْكُم العملية الدورية ويتم تحديدها بالعقل (اللوغوس logos) والعناية الإلهية. هذا الإله المُعتني والخيِّر ملازم للعالم المادي. هذا الإله ينظم الكون، على الرغم من عدم وجود هدف صريح. فالبشر عوالم مصغرة، أرواحهم هي منبثقات من الروح الناري للكون.
كان الأبيقوريون، من ناحية أخرى، متشككين وماديين ومناهضين للعقائد. فمن الواضح أنهم كانوا لا يعتقدون بالإله أو بالآلهة إطلاقًا، رغم أنهم في بعض النقاط يبدو أنهم كذلك. لقد تحدثوا عن الآلهة كأنهم يعيشون في حالة خاملة، دون أي اهتمام بشؤون البشر. كما لا توجد علاقة بين شرور الحياة البشرية والتوجيه الإلهي للكون. فعند الموت يتوقف كل الإدراك الإنساني.
ج. أَفَلَوْطَيْنِ:
رأى أفلوطين في “التاسوعات Enneads“، أن جميع أنماط الوجود والقيمة تنبع من تدفق مفرط من الانبثاق من قوة واحدة اقدس من ذكرها، والتي حددها بالبساطة الجذرية لوحدة بارمنيدس [Parmenides[6 أو الخير في محاورة “الجمهورية Republic” لأفلاطون. يشبه العقل الفياض Nous، الأقنوم الثاني بعد الواحد المطلق، وهو المُحرِك الغير متحرك لأرسطو. تتبع أنظمة روح العالم والطبيعة بعد النووس في انبثاق خطي. كذلك يحتوي البشر على إمكانات هذه المبادئ الإبداعية، ويمكنهم اختيار أن يجعلوا حياتهم نحو اتحاد فائق مع العقل الحدسي. الواحد المطلق ليس كائناً، لكنه غير محدود. هذا هو سبب الكائنات. وهكذا يمكن للفلاسفة المسيحيين واليهود الذين اعتقدوا بالله الخالق أن يؤكدوا هذا المفهوم. ربما كان أفلوطين هو أول عالم لاهوتي سلبي، يجادل أن الله بكل بساطة يُعرف بما ليس ما هو أكثر من ما هو.
3. صُعُودُ الْمَسِيحِيَّةِ:
فرضت المسيحية المنبثقة من اليهودية، مجموعة من الحقائق والممارسات الموحى بها بمشايعيها. اختلفت في الكثير من هذه المعتقدات والممارسات اختلافًا كبيرًا عما كانت عليه الديانات اليونانية واليهودية. على سبيل المثال اعتبر المسيحيون أن الله خلق العالم من لا شيء (Lat: ex nihilo– out of nothing)، وأن الله هو ثلاثة أشخاص، وأن يسوع المسيح كان الإعلان النهائي لله. وبرغم ذلك تمسك المسيحيون بدرجة كبيرة من التوافق بين الإيمان والعقل منذ العصور الأولى.
أ. الرَّسُولُ بُوُلُس[7] Paul the Apostle:
توفِر الكتابات المنسوبة إلى القديس بولس في الكتاب المقدس تفسيرات متنوعة للعلاقة بين الإيمان والعقل كما التالي:
أولاً، في أعمال الرسل، يشارك بولس نفسه في مناقشة مع ” قَوْمٌ مِنَ الْفَلاَسِفَةِ الأَبِيقُورِيِّينَ وَالرِّوَاقِيِّينَ” في أَرِيُوسَ بَاغُوسَ في أثينا (الكتاب المقدس- سفر أعمال الرسل 17: 18). هنا يدافع عن وحدانية الإله المسيحي باعتباره خالق الجميع “الإِلَهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ هَذَا إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ”. الله “مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيداً”. يبدو أن الكثير من خطاب بولس يُلِمح إلى المعتقدات الرواقية. إنه يعكس التعاطف مع العادات الوثنية، ويتعامل مع موضوع عبادة الأوثان بهدوء، ويدعو إلى فحص جديد للألوهية ليس من وجهة نظر الخلق، ولكن من خلال الارتباط العملي مع العالم.
ثانيًا: ومع ذلك يدعو أن هذا الإله نفسه سيأتي يومًا ليحكم على البشرية جمعاء. في مقطعه الشهير في رسالته إلى أهل رومية بالكتاب المقدس 1: 20 “لأَنَّ أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ تُرَى مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بالمصنوعات، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ.”، كان بولس أقل لينًا مع غير المسيحيين. هنا يناصر اللاهوت الطبيعي ضد هؤلاء الوثنيين الذين يدعونه، حتى على أسس مسيحية، فإن افتقارهم السابق إلى الوصول إلى الإله المسيحي سوف يعفيهم من الذنب بسبب عدم إيمانهم. يجادل بولس أنه في الحقيقة يمكن لأي شخص الوصول إلى حقيقة وجود الله من مجرد استخدام عقله للتفكير في العالم الطبيعي. وهكذا فإن هذا التفسير التوافقي القوي يستلزم تقليل التسامح تجاه الملحدين ولا أدريين.
ثالثًا: لكن في الرسالة الأولى لأهل كورنثوس 1: 23 “نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوباً: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً!”، يقترح بولس نوعًا من عدم التوافق، مدعيًا أن الإعلان المسيحي هو جهالة الوثنيون (أي اليونانيين). كما يشير إلى أن العالم لم يعرف الله من خلال الحكمة. لقد اختار الله أن يعلن عن نفسه تمامًا لمن لهم الإيمان البسيط.
كانت التفسيرات البوليسية (نسبة لبولس) المتنوعة للعلاقة بين الإيمان والعقل هي مواصلة إظهار نفسها بطرق مختلفة عبر القرون التي تلت ذلك.
ب. الدِّفَاعِيَاتُ الْمَسِيحِيَّةُ الْمُبَكِّرَةُ:
كان المدافعون الأوائل عبارة عن توافقيين وغير توافقيين للعقل والإيمان على حد سواء:
1- تناول ترتليان[8] Tertullian أفكار بولس في رسالته الأولى لأهل كورنثوس، مُعلنا أن المسيحية لا تتوافق مع العقل الطبيعي فحسب، بل إنه مسيئ لها. لا علاقة للقدس (عاصمة اليهود) بأثينا (عاصمة اليونان). وادعى بجرأة عقيدة “Lat: credo quia absurdum est” ” I believe because it is absurd” (“أؤمن لأنه مناف للعقل”). وهو يدَّعي أن الإيمان الديني ضد العقل ويفوقه. في كتابه “Lat: De Praescriptione Haereticorum،On the Prescription of Heretics“، أعلن “عندما نؤمن، نرغب في ألا نصدق شيئًا أكثر”.
2- من ناحية أخرى، اعتنق يوستينوس[9] Justin المسيحية، لكنه استمر في الحفاظ على الفلسفة اليونانية بتقدير كبير. في الحوار مع تريفون Dialogue with Trypho” يجد المسيحية “الفلسفة الوحيدة المؤكدة والمفيدة”.
3- في سياق مماثل، دعا كليمندس[10] Clement الإسكندري الإنجيل المقدس في كتابه ستروماتا Stromata بالفلسفة الحقيقية. كانت الفلسفة بمثابة “المُعلم” لإحضار الإغريق إلى المسيح، تمامًا كما جاءت التوراة لليهود. لكنه أكد أن الفلسفة اليونانية ليست ضرورية للدفاع عن الإيمان، على الرغم من أنها تساعد في تعطيل السفسطائية. كما عمل على إظهار ما يوجد في الإيمان بطريقة عقلانية. ادعى أن “أنا أؤمن حتى افهمLat: credo ut intelligam” “I believe so that I may understand“. هذه المجموعة المسيحية على أسس فكرية أكثر ثباتًا. عمل كليمندس على توضيح العقائد المبكرة للمسيحية، مستخدمًا مفاهيم فلسفية عن الجوهر والكائن والشخص، وذلك من أجل محاربة البدع.
ظهر أوغسطينوس في أواخر القرن الرابع كمدافع صارم عن الإيمان المسيحي. لقد استجاب بقوة لادعاءات الوثنيين بأن المعتقدات المسيحية لم تكن فقط خرافية بل كانت همجية. لكنه كان في معظم فلسفته توافقيًا قويًا. لقد شعر أن الاستقصاء الفكري في الإيمان يجب أن يُفهم على أنه الإيمان الذي يبحث عن الفهم “Lat: fides quaerens intellectum،faith seeking intelligence or understanding “. لتؤمن يجب أن يكون “التفكير توافقيًا. إنه فعل من الفكر لا يُحدد بالعقل بل بالإرادة. ينطوي الإيمان على التزام
- أومن بإله ما، أعتقد بالإله، أؤمن بالله.
- to believe in a God,” “to believe God,” and “to believe in God
في عقيدة المسيحية، أوضح أوغسطينوس أن المعلمين المسيحيين لا يمكنهم استخدام التفكير الوثني عند تفسير الكتاب المقدس فحسب، بل يجب عليهم ذلك. ويشير إلى أنه إذا كان العلم الوثني يدرس ما هو أبدي ولا يتغير، فإنه يمكن استخدامه لتوضيح وإلقاء الضوء على الإيمان المسيحي. وبالتالي فإن المنطق والتاريخ والعلوم الطبيعية مفيدة للغاية في مسائل تفسير الرموز الغامضة أو غير المعروفة في الكتاب المقدس. ومع ذلك، فإن أوغسطينوس مهتم بنفس القدر لتجنب أي تعلم وثني، مثل تعليم المكر والخرافات التي لا تستهدف المعرفة غير القابلة للتغيير.
اعتقد أوغسطينوس أن الأفلاطونيين كانوا أفضل الفلاسفة، لأنهم لم يركزوا فقط على أسباب الأشياء وطريقة اكتساب المعرفة، ولكن أيضًا على سبب الكون المنظم على هذا النحو. لذلك لا يجب على المرء أن يكون مسيحياً حتى يكون لديه فهم عن لله. وبرغم ذلك يمكن للمسيحي الوصول إلى هذا النوع من المعرفة دون الحاجة إلى اللجوء إلى الفلسفة.
جادل أوغسطينوس كذلك بأن السلطة النهائية لتقرير استخدام العقل في الإيمان لا تكمن في الفرد، بل في الكنيسة نفسها. حثته المعركة مع بدعة المانوية[11] Manichean إلى إدراك أن الكنيسة هي بالفعل الحَكم النهائي لما لا يمكن إثباته- أو يمكن إظهاره، ولكن لا يمكن فهمه من قبل جميع المؤمنين. ومع ذلك، على الرغم من هذا النداء للسلطة الكنسية، فهو يعتقد أنه لا يمكن فهم الله حقًا حتى نحبه.
د. ديونيسيوس[12] Pseudo-Dionysius:
تأثر ديونيسيوس بشدة بالأفلاطونية الجديدة. في الرسالة التاسعة من كتابه Corpus Dionysiacum، ادعى أن لغتنا عن الله لا تقدم أي معلومات عن الله بل وسيلة لحماية غرْبِية الله. أدى تحليله إلى ظهور اللاهوت السلبي الفريد. إنه ينطوي على قيود شديدة في وصولنا إلى طبيعة الله وفهمها. في كتابه “اللاهوت المستيكي Mystical Theology“[13]، يصف ديونيسيوس كيف يمكن أن يتحد مصير الروح تمامًا مع الإله الفائق المتسامي المطلق.
4. فَتْرَةُ العُصُور الْوُسْطَى:
ترجع أهمية هذه الفترة لاسترجاعها للتفكير اليوناني، خاصةً أفكار أرسطو. في بداية الفترة، بدأ المترجمون العرب العمل على ترجمة وتوزيع العديد من أعمال الفلسفة اليونانية، وجعلها متاحة للفلاسفة واللاهوتيين اليهود والمسلمين والمسيحيين على حد سواء.
بالنسبة للجزء الأكبر، تبنى اللاهوتيون في العصور الوسطى تمييزًا معرفيًا قد طوره الإغريق: بين المعرفة Episteme “Lat: scienta“القضايا الموضوعة على أساس المبادئ والآراء، والرأي opinio القضايا التي وضعت على أساس مناشدات السلطة. كانت المطالبة الراسخة في اللاهوت أكدت إما بالعلم أو الرأي، والمطالبة بتوافقية المؤمن. مع ذلك على الرغم من هذه الإمكانية العلمية في مسائل الإيمان، اعتقد الفلاسفة واللاهوتيون من القرون الوسطى أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا بمعنى محدود (التوافقية). لقد كانوا جميعًا على دراية بتحذير القديس بولس من أن الإيمان مسألة “َإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ فِي لُغْزٍ” (الكتاب المقدس- الرسالة الأولي لكورنثوس 13: 12).
أ. الْقِدِّيسُ أَنُسَلِّمُ[14]:
مثل أوغسطينوس، قال أنسلم إنه يجب على المرء أن يحب الله حتى يكون لديه معرفة به. في كتابه Proslogion وترجمته الحرفية هي فقال فيما بعد، يجادل بأن “دخان أخطائنا” سيمنعنا من معرفة الله. أنسلم الذائع الصيت بسبب الحجة الأنطولوجي Ontological Argument الذي قدمه في كتابه. أكد أنه من الممكن للعقل أن يثبت أن الله موجود من خلال الاستدلالات الممكن فهمها داخل حدوده (العقل) الخاصة. على هذا النحو، كان لاهوتيًا طبيعيًا موهوبًا. ومثل أوغسطينوس رأى أنسلم أن اللاهوتي الطبيعي يسعى ليس إلى الفهم من أجل الإيمان، ولكن الإيمان في ضوء الفهم. هذا هو الأساس لمبدأ “ Lat: intellectus fidei” “فهم الإيمان”. بموجب هذا المفهوم، لا يُطلب من العقل إصدار حكم على محتوى الإيمان، ولكن لإيجاد معناه واكتشاف تفسيرات تمكن الآخرين من فهم محتواها. لكن عندما يواجه العقل ما هو غير مفهوم، فإنه يظل ثابتًا غير متزعزع لأنه يُسترشد بتأكيد الإيمان على الحقيقة المزعوم عدم فهمها.
ب. بيتر لومبارد[15] Peter Lombard:
كان لومبارد رائدًا هامًا قبل توما الأكويني. وهو التالي لأوغسطينوس، جادل بأن الوثنيين يمكنهم أن يعرفوا الكثير عن حقائق الإله الواحد ببساطة عن طريق امتلاكهم للعقل (على سبيل المثال، الروح أفضل من الجسد، المتغير يوجد من خلال مبدأ غير قابل للتغيير، كل الجمال يشير إلى جمال يتجاوز المقارنة). لكن بالإضافة إلى ذلك، يمكن الوثنيين تأكيد الحقائق الأساسية حول الثالوث من هذه التأكيدات نفسها، بما أن كل الأشياء تعكس ثلاث سمات مرتبطة بالثالوث: الوحدة (الأب)، المُثل أو الجمال (الابن)، والحالة أو الترتيب ( الروح القدس).
ج. الْفَلَاَسِفَةُ الْإِسْلَامِيُّونَ:
تأثر الفلاسفة الإسلاميون في القرنين العاشر والحادي عشر أيضًا بشدة بإعادة إدخال أرسطو إلى ثقافتهم الفكرية:
-
قال ابن سينا[16] Avicenna أنه طالما أن الدين يتم تفسيره بشكل صحيح فهو يشتمل على مجال للحقيقة لا يختلف عن مجال الفلسفة. بنى هذه النظرية التوافق القوي على أساس دراسته الفلسفية لأرسطو وأفلوطين ودراسته اللاهوتية لإسلامه الأصلي. وقال إن الفلسفة تكشف أن الإسلام هو أعلى أشكال الحياة. لقد دافع عن الاعتقاد الإسلامي بخلود النفوس الفردية على أساس أنه ينجو من الموت، وذلك لأن أرسطو علَّم أن ممثل الفكر كان واحداً في جميع الأشخاص، فالفكر المحتمل الفريد لكل شخص، يستنير من قِبل ممثل الفكر.
-
كان ابن رشد[17] Averroes، على الرغم من كونه باحثًا أيضًا في أعمال أرسطو، لكنه أقل تعاطفًا مع التوافقية (بين العقل والإيمان) من سلفه ابن سينا. ولكن في كتابه “تهافت التهافت Incoherence of the Incoherence“، هاجم انتقادات الغزالي للعقلانية في اللاهوت. على سبيل المثال، طور شكلاً من أشكال اللاهوت الطبيعي تكون فيه مهمة إثبات وجود الله ممكنة. ومع ذلك، فقد أكد أنه لا يمكن إثبات ذلك إلا من خلال الواقع المادي للحركة. ومع ذلك، لم يفكر ابن رشد في أن الفلسفة يمكن أن تثبت كل المعتقدات الإسلامية، مثل الخلود الفردي. أتبعَ اين رشد أرسطو في كتابه “في الروح De Anima“، حيث جادل ابن رشد لفصل بين العقل النشط والسلبي، على الرغم من أنهم يدخلون في اتصال مؤقت مع البشر الفرديين. يستلزم هذا الموقف الاستنتاج بأنه لا يوجد فكر منفرد ينجو من الموت. ومع ذلك تمسك ابن رشد بحزم بالرأي المعاكس بالإيمان وحده.
د. الفلسفة اليهودية
سمح موسى ابن ميمون، الفيلسوف اليهودي، بدور مهم للعقل في تفسير الكتاب المقدس بشكل نقدي. لكنه ربما اشتهر بتطويره اللاهوت السلبي. لاحق تأكيد ابن سينا على التمييز الحقيقي بين الجوهر والوجود، خلًص ابن ميمون إلى أنه لا يمكن استنباط أي سمات أساسية إيجابية عن الله. الله لا يمتلك أي شيء يتم إضافته لجوهره (إضافة خاصة بطريقة تؤلف تأثيرًا معينًا)، ويتضمن جوهره كل كمالاته. السمات التي لدينا هي مستمدة من التوراة والأنبياء. ومع ذلك، فإن هذه الصفات الإيجابية، مثل الحكمة والقوة قد تنطوي على شائبة في الله إذا طبقت عليه بنفس المعنى المطبقة علينا. بما أن الله بسيط، فمن المستحيل أن نعرف جزءًا منه أو توكيدًا له وليس لجزء آخر. كما أنه يجادل عندما يثبت المرء نفي شيء يعتقد أنه موجود في الله، يصبح المرء أكثر كمالا وأقرب إلى معرفة الله. يقتبس موافقة المزمور 4: 4 ” تَكَلَّمُوا فِي قُلُوبِكُمْ … وَاسْكُتُوا” على موقف الصمت تجاه الله. أولئك الذين يقترفون خلاف ذلك يجدفون. ليس من المؤكد مع ذلك، ما إذا كان ابن ميمون يرفض إمكانية معرفة إيجابية للسمات العرضية لعمل الله.
هـ. الْقِدِّيسُ تُومَاسَ الأكويني[18] Thomas Aquinas:
على عكس أوغسطينوس، الذي لم يميز بشكل كبير بين شرح معنى القضية اللاهوتية وإعطاء حُجة لها، صاغ الأكويني نظرية شديدة الوضوح للتفكير اللاهوتي. فقط جادل القديس بونافنتور St. Bonaventure، وهو سابق للإكويني مباشرة، بأنه لا يمكن لأحد أن يصل إلى الحقيقة ما لم يتفلسف في ضوء الإيمان. أكد توماس أن إيماننا بالخلاص الأبدي يدل على أن لدينا حقائق لاهوتية تتجاوز العقل البشري. لكنه ادعى أيضًا أنه يمكن للمرء أن يحصل على حقائق حول الادعاءات الدينية دون إيمان، على الرغم من أن هذه الحقائق غير مكتملة. في كتابه “Summa Contra Gentiles“، وصف هذا بأنه “حقيقة مضاعفة” حول الادعاءات الدينية، “… واحدة يمكن أن يصل إليها تحقيق العقل، والأخرى التي تفوق بشكل كامل قدرة العقل الإنساني…”. لا يمكن أن يقف أي تناقض بين هاتين الحقيقتين. ومع ذلك، يمكن أن يكون هناك شيء صحيح للإيمان وخطأ (أو غير حاسم) في الفلسفة، ولكن ليس العكس. وهذا يستلزم أن يكون غير المؤمن قادرًا على الوصول إلى الحقيقة، ولكن ليس إلى الحقائق العليا للإيمان.
السؤال المحير ينشأ بشكل طبيعي: لماذا هناك حاجة إلى حقيقتين؟ أليست حقيقة واحدة كافية؟ علاوة على ذلك، إذا كان الله بالفعل هدف البحث العقلاني بهذه الطريقة الخارقة، فلماذا يكون الإيمان مطلوبًا على الإطلاق؟ في “De Veritate 14,9“، يجيب توماس على هذا السؤال بادعاء أنه لا يمكن للمرء أن يعتقد بالإيمان، ويعرف من خلال البرهان العقلي لنفس الحقيقة لأن هذا من شأنه أن يجعل واحدة أو النوع آخر من المعرفة لا لزوم لها.
على أساس نظرية الحقيقة المزدوجة هذه، ميز الأكويني بين اللاهوت المُعلن (العقائدي) واللاهوت العقلاني (الفلسفي). الأول علم حقيقي، على الرغم من أنه لا يعتمد على الخبرة الطبيعية والعقل. اللاهوت المُعلن هو العلم الفكري المهتم بمعرفة الله. لما له من ثقة كبيرة وجلال عالي لجوهر الموضوع، فهو أكثر نبلًا من أي علم آخر. بينما اللاهوت الفلسفي العقلاني، يمكن أن تجعل البراهين تستخدم مواد الإيمان ومبادئه. علاوة على ذلك، يمكن أن تدحض دفاعيات الاعتراضات التي أثيرت ضد الإيمان حتى لو لم يتم يقتضي وجود مواد إيمان. ولكن على عكس اللاهوت المُعلن يمكن أن يخطئ.
ادعى الأكويني أن فعل الإيمان يتكون أساسًا في المعرفة. الإيمان هو عمل فكري عقلي هدفه هو الحقيقة. وبالتالي فإنه يحتوي على جانب شخصي وموضوعي.
- من الجانب الشخصي، هو موافقة العقل على ما لا يُرى: “وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى” (الكتاب المقدس- الرسالة إلى العبرانيين 11: 1). علاوة على ذلك، فإن هذه الموافقة المتبادلة، كعمل من أفعال الإرادة، يمكن أن تكون جديرة بالتقدير للمؤمن، على الرغم من أنها تنطوي دائمًا على مساعدة من نعمة الله. علاوة على ذلك، يمكن أن يكون الإيمان فضيلة، لأنه عادة جيدة ومثمرة للأعمال الصالحة. ومع ذلك، عندما نوافق على الحقيقة في الإيمان، فإننا نفعل ذلك بناءً على شهادة أخرى مقبولة.
- من جانب ما يُعتقد، الجانب الموضوعي، ميَّز الأكويني بوضوح بين “مقدمات الإيمان”، التي يمكن تأسيسها من خلال المبادئ الفلسفية، و “مواد الإيمان” التي تعتمد على الشهادة الإلهية وحدها. الدليل على وجود الله هو مثال على مقدمات الإيمان. من ناحية أخرى يمكن للإيمان وحده أن يدرك مواد الإيمان التي خُلقت العالم في الوقت المناسب (الخلاصة اللاهوتية I, q. 46, a. 2).
جادل الأكويني بأن العالم المدرك في حد ذاته لا يقدم أي أساس لإثبات أنه كان جديدًا. إن البراهين دائمًا تتعلق بالتعريفات، والتعريفات باعتبارها كلية، ومجردة من “هنا والآن”. بداية زمنية، وبالتالي أثبتت، خارج “tout court“. بالطبع سيمتد هذا إلى أي جدال حول نشأة الأول من أي نوع في سلسلة من الأسباب الفعالة. هنا يبدو توماس كثيرًا مثل إرادة كَنْت Kant في تناقضاته. لكن بالإيمان نعتقد أن العالم كان له بداية. ومع ذلك أحد الاعتبارات العقلانية المقترحة، وإن لم يكن بشكل قاطع، بداية للعالم هي أن الانتقال من مصطلح إلى آخر لا يشمل سوى عدد محدود من النقاط الوسيطة بينهما.
هكذا يميز الأكويني مواد الإيمان كحقائق أولى تقف في “الوسط بين العلم والرأي”. إنهم مثل الادعاءات العلمية لأن أهدافهم صحيحة. إنهم كمجرد آراء من حيث أنهم لم يتم التحقق منهم من خلال التجربة الطبيعية. على الرغم من أنه يوافق أوغسطينوس على أنه لا يوجد عقل مخلوق يمكنه فهم الله ككائن، إلا أنه يمكن للعقل إدراك وجوده بشكل غير مباشر. كلما زاد فُهم السبب، يمكن رؤية آثاره فيه؛ وبما أن الله هو السبب النهائي لكل الواقع الآخر، فكلما فهم العقل تمامًا الله، كلما زادت معرفته بالأشياء التي يعملها الله أو يستطيع فعلها. لذلك على الرغم من أننا لا نستطيع أن نعرف الجوهر الإلهي ككائن، يمكننا أن نعرف ما إذا كان موجودًا وعلى أساس المعرفة التناظرية ما الذي يجب أن ينتمي إليه بالضرورة. ومع ذلك، يؤكد الأكويني أن بعض أهداف الإيمان، مثل الثالوث المسيحي أو التجسد الإلهي في المسيح، تكمن تمامًا خارج قدرتنا على فهمها في هذه الحياة.
يوضح الأكويني أيضًا العلاقة بين الإيمان والعقل على أساس التمييز بين الأنظمة العليا والدنيا للخلق. كما ينتقد شكل الطبيعة التي تنص على أن الخير لأي حقيقة “هو ما ينتمي إليها بما يتماشى مع طبيعتها” دون الحاجة إلى الإيمان ( II-IIae, q.2, a.3). ومع ذلك من العقل نفسه نعلم أن كل نمط طبيعي من الطبيعة له عاملان يتفقان في تطوره الكامل: أحدهما على أساس عمليته. والآخر على أساس تشغيل ذات طبيعة أعلى. المثال هو الماء: في النمط السفلي يتدفق بشكل طبيعي نحو الوسط، ولكن بحكم نمط أعلى مثل سحب القمر، فإنه يتدفق حول المركز. في عالم معرفتنا الملموسة بالأشياء، لا يستوعب النمط السفلي سوى الجزئيات، بينما يستوعب النمط الأعلى الكليات.
بالنظر إلى هذا التمييز بين الأنظمة، يُظهر الأكويني كيف يمكن للون الأدنى أن يشير إلى الأعلى. تشير حُججه لوجود الله إلى هذا الاحتمال. من هذا الاعتقاد، يطور لاهوتًا طبيعيًا شديد الدقة فيما يتعلق ببراهين وجود الله. أول طرقه الخمس الشهيرة هي حُجة الحركة. من خلال اقتباسه من أرسطو. تمسك الأكويني بدعوى أن كل حركة مادية تكون من المحرك المتحرك، تشير تجربة أي حركة مادية إلى أول حركة غير متأثرة. وإلا يجب على المرء أن يؤكد سلسلة لا حصر لها من المحركات، والتي يظهر أنها عقليًا غير ممكنة. ينتقل الأكويني بعد ذلك إلى الحجج من الرتب الأدنى من السببية Causation الفعالة والصدفية Contingency والناقصة Imperfection وعلم الغائية Teleology لتأكيد وجود كائن موحد قوي. ويخلص إلى أن هذه الاستنتاجات تفرض الإيمان بالله اليهودي المسيحي.
على العكس من ذلك، من الممكن أيضًا الانتقال من الأنظمة العليا إلى الدُنيا. يمكن للكائنات العقلانية أن تعرف “معنى الصالح على هذا النحو” لأن الخير له أمر فوري بالنمط الأعلى للمصدر العالمي للوجود (II-IIae q.2, a.3). يختلف الخير الأخير الذي أدركه اللاهوتي عن ذلك أدركه الفيلسوف: الأول هو bonum ultimum النهايات الجيدة التي تتناسب مع القوى البشرية. أما الأخير هو الرؤية المبهجة. كلا الشكلين للخير المطلق له تداعيات مهمة، لأنها لا تقوم فقط على أساس التمييز الأخلاقي بين الفضائل الطبيعية والخارقة للطبيعة، ولكن أيضًا التمييز السياسي بين القوة الكنسية والعلمانية.
يخلص الأكويني إلى أننا لا نعرف حقيقة الإيمان إلا من خلال فضيلة الحكمة (sapientia). يقول أيضًا أنه “بغض النظر عن مصدره، فإن حقيقة من الروح القدس” (الخلاصة اللاهوتية، I-IIae q. 109, a. 1). الروح “تمكِّن الحكم وفقًا للحقيقة الإلهية” (II-IIae 45, q. 1, ad 2). علاوة على ذلك، فإن الإيمان وعمل الخير شرطان أساسيان لتحقيق هذه الحكمة.
تطورت نظرية توماس الأكويني ذات الحقيقة المزدوجة توافقًا قويًا بين الإيمان والعقل . ولكن يمكن القول أنه بعد وقته، الحكم الذاتي المتبادل سرعان ما أصبح انفصال متوسع.
و. الْفَلَاَسِفَةُ الفرنسيسكان:
كان رد فعل دواز سكوطس[19] Duns Scotus، وخليفته وليم من أوكهام[20] William of Ockham، بطريقة الفرنسيسكان المميزة لآراء توماس الدومينيكاني. في حين أن الدومينيكان كانوا يميلون إلى التأكيد على إمكانية إثبات عقلانية لبعض ديانات الإيمان، إلا أن الفرنسيسكان كانوا يميلون أكثر نحو علم لاهوتي أكثر تقييدًا، يعتمد فقط على التحليل التجريبي والمنطقي للمعتقدات.
يحصر سكوطس أولاً بتقييد نطاق اللاهوت العقلاني لدى الأكويني من خلال دحض قدرته على تقديم حجج توقف عن التراجع اللانهائي. في الواقع، فهو قلق من محاولات اللاهوت الطبيعي لإثبات أي شيء عن الأنظمة العليا من الدنيا. على هذا الأساس، يرفض حُجة الحركة لإثبات وجود الله. يعترف بأن الكائنات الدنيا تتحرك وبالتالي فهي تحتاج إلى المحرك الأول؛ لكنه يصر على أنه لا يمكن للمرء أن يثبت شيئًا محددًا بشأن الكائنات العليا حتى من أكثر الكائنات النبيلة. بدلاً من ذلك، يعتقد سكوت أن العقل يمكن استخدامه فقط لتوضيح المفهوم. في عالم اللاهوت، فإن المفهوم الرئيسي لتوضيح هو أنه لا حصر له. لذلك في مناقشته لوجود الله، يأخذ نظرة ميتافيزيقية للكفاءة، بحجة أنه لا يجب أن يكون هناك المحرك الأول، ولكن في الواقع كائن قائم بذاته يجعل كل الاحتمالات ممكنة. في التحرك نحو هذا الشكل المقيد من التحليل المفاهيمي، وبالتالي فإنه يجدد التركيز على اللاهوت السلبي.
قام أوكهام بتطرَّف أكثر وتقييد سكوطس على معرفتنا بالله. ادعى أن الميتافيزيقيا اليونانية في القرن الثالث عشر، متمسكة بضرورة العلاقات السببية، كما تلوث نقاء الإيمان المسيحي. قال بدلاً من ذلك أننا لا نستطيع أن نعرف الله باعتباره خصمًا من المبادئ الضرورية. في الواقع، رفض إمكانية قيام أي علم بالتحقق من أي ضرورة، لأنه لا يوجد شيء في العالم ضروري: إذا كان A و B متميزين، فقد يتسبب الله في وجود أحدهما دون الآخر. لذلك يمكن للعلم أن يثبت فقط تداعيات المصطلحات والمباني والتعاريف. إنها تحافظ على المجال المفاهيمي البحت. جادل كذلك بأن أي ضرورة في اقتراح تجريبي يأتي من النظام الإلهي. وخلص إلى أننا نعرف وجود الله وصفاته وخلود الروح والحرية بالإيمان فقط. لذلك أدت رغبته في الحفاظ على الحرية الإلهية والقدرة الإلهية في اتجاه شكل تطوعي للإيمان.
5. عصر النهضة والتنوير
إن إنكار أوكهام للضرورة في نطاق النتائج العلمية ربما يبشر بشكل مفاجئ ببدايات حركة مهمة نحو استقلالية ذاتية للعلم التجريبي. لكن مع هذه الاستقلالية المتزايدة، جاء أيضًا عدم توافق متزايد بين مزاعم العلم ومزاعم السلطات الدينية. وهكذا أصبح التوتر بين الإيمان والعقل الآن صارخًا لأول مرة في الصراع بين العلم والدين. هذا التدفق للتفكير العلمي قوض عهد المدرسة التقليدية المتشددة. بحلول القرن السابع عشر، تطور ما بدأ كنقد لسلطة الكنيسة ليصبح شكوكاً كاملاً فيما يتعلق بإمكانية أي دفاع عقلاني عن المعتقدات المسيحية الأساسية.
تحول الإصلاحيون الإنجيليون تركيزهم من مفهوم الإيمان في العصور الوسطى باعتباره الاعتقاد الخيِّر fides إلى الثقة “الإيمان في fiducia“. وهكذا اتخذ موقف والتزام المؤمن أكثر أهمية. جَلَبَ الإصلاح في أعقابه تركيزًا جديدًا ملحوظًا على أهمية دراسة الكتاب المقدس باعتباره أمرًا ضروريًا لمعتقدات الفرد الشخصية.
وشهد عصر النهضة أيضًا تطور التركيز مجددًا على الإنسانية اليونانية. في الجزء الأول من هذه الفترة، اهتم نيكولاس من Cusa وآخرون بتجديد الأفلاطونية.
في القرن السابع عشر، فهم غاليليو “العقل” على أنه الاستدلال العلمي القائم على التجربة والبرهان. علاوة على ذلك، لم يكن التجريب مجرد مسألة مراقبة، وإنما تضمَّن أيضًا قياس خواص الأشياء المرصودة وتقديرها وصياغتها. على الرغم من أنه لم يكن أول من حاول إجراء هذا المنهجية – فقد فعل أرخميدس Archimedes من قرون سابقة- طور غاليليو الأمر لدرجة أنه أطاح بأساسيات الفيزياء الأرسطية. لقد رفض، على سبيل المثال ادعاء أرسطو بأن كل حركة لها محرك وقوة دفع يتم تطبيقها باستمرار. في الواقع كان من الممكن وجود أكثر من قوة تعمل على نفس الجسم في نفس الوقت. بدون مبدأ تحرك المحرك المفرد. كان من المتصور أيضًا أن يكون الله قد “بدأ” العالم، ثم تركه يتحرك من تلقاء نفسه.
كان اكتشافه الذي أثار الجدل الكبير مع الكنيسة الكاثوليكية، هو دفاع غاليليو عن رفض كوبرنيكوس للعالم البطلمي مركز الأرض. استخدم جاليليو تلسكوبًا صممه لتأكيد فرضية نظام الشمس. افترض أيضًا أن الكون قد يكون كبيرًا إلى ما لانهائية. أدرك أن هذه الاستنتاجات كانت متناقضة مع تعاليم الكنيسة، لقد اتبع حكم أوغسطينوس لتنقيح تفسير الكتاب المقدس عندما يواجه المعرفة العلمية بشكل صحيح.
قاوم مسؤولو الكنيسة الكاثوليكية بقوة – مع بعض الاستثناءات – هذه الاستنتاجات واستمروا في تأييد مفهوم ما قبل كوبرنيكس pre-Copernican للكون. أدانت الكنيسة رسميا نتائج غاليليو لعدة أسباب:
أولاً، ميل الكنيسة إلى التمسك بتفسير حرفي إلى حد ما للكتاب المقدس، وخاصةً لقصة خلق سفر التكوين. فلم تتوافق مثل هذه التفسيرات مع وجهات النظر العلمية الجديدة للكون مثل الادعاء بأن الكون كبير إلى ما لا نهاية.
ثانياً، كانت الكنيسة حذرة من جوانب “العلم الجديد” التي يمثله غاليليو والتي مازالت مختلطة بالسحر والتنجيم.
ثالثًا، أزعجت هذه الاكتشافات العلمية الكثير من النظرة التي كانت حتى الآن للكون التي خضعت للنظام الاجتماعي السياسي الذي صادقت عليه الكنيسة. علاوة على ذلك، أيدت الآراء العلمية الجديدة وجهات نظر الحتمية الكالفينية Calvinist ضد المفهوم الكاثوليكي للإرادة الحرة. استغرق الأمر قرون قبل أن تلغي الكنيسة رسمياً إدانتها لجاليليو.
ب. إيراسموس[22] Desiderius Erasmus:
استوحى من الإنسانية اليونانية، ووضع تركيزًا قويًا على استقلالية العقل البشري وأهمية المبادئ الأخلاقية. كونه مسيحي، ميز بين ثلاثة أشكال في القانون: قوانين الطبيعة، محفورة تمامًا في عقول جميع البشر كما جادل القديس بولس. وقوانين الأعمال. وقوانين الإيمان. لقد كان مقتنعا بأن الفلاسفة، الذين يدرسون قوانين الطبيعة، يمكنهم أيضًا إنتاج مبادئ أخلاقية مماثلة لتلك الموجودة في المسيحية. لكن التبرير المسيحي لا يزال يأتي في النهاية من النعمة فقط، التي يمكن أن تكشف وتمنح الشخص القدرة على اتباع قانون الإيمان. على هذا النحو، “الإيمان يشفي العقل، الذي أصيب بجروح بسبب الخطيئة”. لذا، في حين أن قوانين الأعمال هي في معظمها محظورات ضد بعض الذنوب، إلا أن قوانين الإيمان تميل إلى أن تكون أعمال إيجابية، مثل وصايا نحب أعداءنا وحمل الصليب يوميًا.
جـ. الْمُصَلِّحُونَ الإنجيليون (البروتوستانت):
قام مارتن لوثر[23] Martin Luther بتقييد قوة العقل لإلقاء الضوء على الإيمان. مثل العديد من الإصلاحيين، اعتبر أن الإنسان وحده غير قادر على تحرير نفسه من الخطيئة. في “عبودية الإرادة The Bondage of the Will“، يقوم بفصل صارم بين ما يملكه الرجل من سيطرة (تعامله مع المخلوقات الدُنيا) وبين ما لله من سلطة على (شؤون مملكته ومن ثم الخلاص). غالبًا ما يكون العقل تافه: إنه ينتقل فورًا إلى الاستنتاجات عندما يرى حدوث شيء مرة أو مرتين. ولكن من خلال انعكاساتها على طبيعة الكلمات واستخدامنا للغة، يمكن أن تساعدنا على فهم عجزنا الروحي.
هكذا رفض لوثر عقيدة المماثلة Analogy، التي وضعها الأكويني وآخرون، كمثال على قوة العقل الزائفة. في كتابه Heidelberg Disputation ، يدعي لوثر أن اللاهوتي لابد أن ينظر فقط “…إلى الأجزاء الأخيرة المرئية لله كما يظهر في المعاناة والصليب…”. فقط من هذا المنظور، يمكننا أن نحافظ على إيماننا عندما نرى. على سبيل المثال، أنه في العالم يزدهر الظلم أو الشر أما الخير يخضع للألم. هكذا الإيمان هو في الأساس عمل من الثقة في نعمة الله.
لوثر يؤكد على مجانية الخلاص. بالمعنى التقليدي، اعتبر الرومان الكاثوليك عمومًا أن الإيمان ذو أهمية وتقدير، وبالتالي فإن الخلاص ينطوي على أعمال صالحة. الإصلاحيون البروتستانت مثل لوثر، من ناحية أخرى، رأوا أن الإيمان هبة خالصة حقًا. هكذا قال أنه يميل إلى جعل التركيز الكاثوليكي حتى هذه اللحظة على الأعمال تبدو تطوعية.
مثل لوثر، ناشد جون كلفن[24] John Calvin ضرورة النعمة الجوهرية للخلاص. وقد تجسد ذلك في مذهبه الانتخابي Doctrine of Election. ولكن على عكس لوثر، قدم كلفن استجابة أكثر ادراك لقوة العقل البشري لإلقاء الضوء على الإيمان. في مجلده تأسيس الديانة المسيحية Institutes of the Christian Religion، جادل بأن العقل البشري يمتلك، بالغريزة الطبيعية، “وعيًا لاهوتيًا”. هذا الإحساس اللاهوتي Sense of Divinity هو أننا نشكل معتقدات محددة عن الله في مواقف محددة، على سبيل المثال عند التعرض للخطر أو حتى الذنب. حتى عبادة الأصنام يمكن أن تحتوي على جانب من الجوانب هذه. إذن الدين ليس مجرد معتقدات خرافة استبدادية. فقانون الخلق يجعل من الضروري أن نوجِّه كل تفكير وعمل إلى هذا الهدف المتمثل في معرفة الله.
على الرغم من هذا التوجِّه الإلهي الأساسي، أنكر كلفن أن المؤمن يمكنه بناء إيمان راسخ في الكتاب المقدس من خلال البرهان والجدل والخلاف. وناشد بدلاً من ذلك شهادة الروح المتجسدة المكتسبة خلال حياة التقوى الدينية. فقط من خلال هذه الشهادة يكون اليقين حول معتقدات الفرد الحاصل عليها. ندرك على قناعة دون أسباب، ولكن فقط من خلال “…لا شيء غير ما يختبره كل مؤمن داخل نفسه- على الرغم من كلماتي تقع الآن تحت تفسير عادل للمسألة…”. أدرك أن “… المؤمنين لديهم صراع دائم مع افتقارهم إلى الإيمان…”. لكن هذه الصراعات لا تنزعهم من الرحمة الإلهية أبدًا.
كلفن بالتالي يعتبر غير توافقي بين العقل والإيمان: الإيمان ليس ضد، بل هو وراء العقل البشري.
د. الْعَقْلَانِيَّةُ الْقَارِّيَّةُ( الْأورُوبِّيَّةَ):
قام رينيه ديكارت[25] René Descartes، الأكثر عمقًا من كلفن، بنقل العقل بداخل حدود موضوع التفكير. لكنه وسع من قوة العقل لإدراك مقدمات الإيمان بصرامة. في كتابة التأملات Meditations، ادعى أنه قد قدم ما يرقى إلى أن يكون أكثر البراهين المؤكدة الممكنة على الله. يصبح الله مفهوم أو مُفسر من خلال أساس اليقين الذاتي الغير موضوعي. تتوقف براهينه على اقتناعه بأن الله لا يمكن أن يكون مُخادعًا. تبقى مساحة صغيرة للإيمان.
أعد تفكير ديكارت جوتفريد لايبنيز Gottfried Leibniz لتطوير عقيدته العقل كاف. جادل لايبنيز أولاً بأن كل الحقائق قابلة للتحويل إلى هويات متجانسة. ويترتب على ذلك أن المفهوم الكامل أو التام لمادة فردية يتضمن كل فرضياته، سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. ومن هذا المنطلق، بنى مبدأه على العقل الكافي: “…لا يوجد حدث بدون سبب ولا تأثير بدون سبب…”. إنه يستخدم هذا ليس فقط لتوفير دليل فلكي صارم لوجود الله من حقيقة الحركة، ولكن أيضًا للدفاع عن منطقية كل من الحجة الأنطولوجية والحجة التصميم.
في كتابه Theodicy، استجاب لابينز إلى بيير بايل Pierre Bayle، الفيلسوف الفرنسي، الذي قدم نقدًا متشككًا للعقلانية Rationalism ودعم الإيمانية Fideism. أولاً، رأى ليبنيز أن كل الحقائق متكاملة، ولا يمكن أن تكون غير متناسقة. لقد جادل بأن هناك نوعان عامان من الحقيقة: تلك التي هي ضرورية تمامًا، لأن عكسها ينطوي على تناقض. وتلك التي هي نتائج لقوانين الطبيعة. لا يمكن لله الاستغناء عن القوانين الأخيرة، مثل قانون موتنا. عقيدة الإيمان لا يمكن أن تنتهك شيئًا من النوع الأول؛ ولكن يمكن أن يكون في حالة توتر مع حقائق من النوع الثاني. وبالتالي، على الرغم من عدم وجود مادة إيمان متناقضة ذاتياً، فقد لا يكون العقل قادرًا على فهمها تمامًا. كذلك الأسرار، مثل تلك التي في الثالوث، هي ببساطة “فوق العقل”. ولكن كيف نزن الاحتمالات لصالح مذهب الإيمانية ضد تلك المستمدة من التجربة العامة وقوانين الطبيعة؟ يجب علينا أن نزن هذه القرارات من خلال الأخذ في الاعتبار وجود الله وطبيعته والانسجام الكلي الذي خلق به العالم وأمره بطريقة سرية.
أصر لايبنيز على وجوب احترام الاختلافات بين الوظائف الثلاثة المميزة للعقل: لفهم الاعتراضات وإثباتها والإجابة عليها. في جدل الإيمان/ العقل، اعتقد لايبنيز أن الوظيفة الثالثة لها أهمية خاصة. ومع ذلك، يرى المرء آثارًا من الأولين أيضًا، نظرًا لأن التحقيق في حقائق الإيمان يستخدم دليلًا على اللانهائي الذي القوة أو الضعف يمكن للعقل فهمها.
قدم باروخ سبينوزا[26] Baruch Spinoza، الفيلسوف الهولندي، وجهة نظر يهودية مميزة لتحليله العقلاني الصارم للإيمان. ولاحظ أن الأشخاص المتدينين لم يبدوا ميلًا إلى الحياة الفاضلة. فقرر قراءة الكتاب المقدس من جديد دون أي افتراضات مسبقة. لقد وجد أن نبوءات العهد القديم، على سبيل المثال، لا تتعلق بالتأملات بل بالأمور العملية في المقام الأول. كانت طاعة الله الأولي. تولى هذا يستتبع أن كل ما تبقى فعالة في الدين ينطبق فقط على المسائل الأخلاقية. ثم ادعى أن الكتاب المقدس لا يتعارض مع العقل الطبيعي، تاركا إياه حر النفوذ. لا حاجة إلى الإعلان الأخلاقي. علاوة على ذلك، فقد قيل إنه يدعي أنه على الرغم من أن الأديان المختلفة لها مذاهب مختلفة تمامًا، فهي تشبه بعضها بعضًا في تصريحاتها الأخلاقية.
هـ. بلِيز بَاسْكَال[27] Blaise Pascal:
رفض باسكال المزاعم التي قدمها حتى الآن علماء اللاهوت الطبيعي في العصور الوسطى، من خلال الادعاء بأن العقل لا يمكن أن يؤكد ولا ينكر وجود الله. بدلاً من ذلك ركز على الطريقة التي يجب أن نتصرف بها بالنظر إلى هذا الغموض. لقد جادل بأنه نظرًا لأن النتائج السلبية للإيمان قليلة (تضاؤل المشاعر، بعض الأفعال الخادعة) ولكن مكاسب الإيمان هو بلا حدود (الحياة الأبدية)، فمن المنطقي الاعتقاد أكثر من عدم الاعتقاد في وجود الله. هذا يفترض أن الله لن يمنح الحياة الأبدية لغير المؤمنين وأن الإخلاص في إيمان المرء بالله ليس شرطا للخلاص. على هذا النحو، قدم باسكال شكلاً أصيلًا من التطوع العقلاني في تحليل الإيمان.
ف. التَّجْرِيبِيَّةُ Empiricism:
عاش جون لوك John Locke في وقت لم تعد النظرة التقليدية في القرون الوسطى للهيئة الموحدة من الحكمة واضحة معقولة. ومع ذلك لا يزال متمسكًا بفكرة العصور الوسطى الأساسية وهي أن الإيمان يصدق على قضايا محددة على أساس سلطة الله. ولكن على عكس الأكويني، جادل بأن الإيمان ليس حالة بين المعرفة والرأي، بل هو شكل من أشكال الرأي doxa. لكنه طور نوعًا من الدفاعيات للمسيحية: الاحتكام للإعلان، دون الاحتكام للتعصب أو الوحي. كان هدفه إظهار “معقولية المسيحية Reasonableness of Christianity“. على الرغم من أن الإيمان والعقل لهما مقاطعات متميزة “صارمة”، يجب أن يكون الإيمان متفقًا مع العقل. الإيمان لا يمكن أن يقنعنا بما يتناقض أو يضاد معرفتنا. لا يمكننا الموافقة على اقتراح تم الإعلان عنه إذا كان يتناقض مع معرفتنا البديهية الواضحة. لكن افتراضات الإيمان، مع ذلك، تُفهم على أنها “أعلى من العقل”.
يحدد لوك طريقتين يمكن من خلالها الإعلان عن مسائل الإيمان: إما من خلال “الإعلان الأصلي” أو “الإعلان التقليدي”. موسى تلقي الوصايا العشر هو مثال على الإعلان الأصلي. إن نقله للشرائع إلى الإسرائيليين هو مثال على الإعلان التقليدي. لا يمكن أن تكون حقيقة الإعلان الأصلي مخالفة للعقل. لكن الإعلان التقليدي يعتمد بشكل أكبر على العقل، لأنه إذا كان يجب إيصال الإعلان الأصلي، فلا يمكن فهمه ما لم يكن أولئك الذين حصلوا عليه قد تلقوا بالفعل فكرة مرتبطة من خلال الإحساس أو التفكير وفهموا العلامات التجريبية التي يتم من خلالها توصيلها.
بالنسبة إلى لوك، يبرر العقل المُعتقدات، ويعيِّنها بدرجات متفاوتة من الاحتمالات بناءً على قوة الأدلة. ولكن مثل الأكويني، تمسك لوك بالأدلة ليس فقط للادعاءات المنطقية / الرياضية وبعض المطالب الوجودية المؤكدة على الذات، ولكن أيضًا “ما هو واضح للحواس”. كل هذه المعتقدات الحقيقية لا تعتمد على أي معتقدات أخرى لتبريرها. لكن الإيمان يتطلب دليلًا أقل تأكيدًا على شهادة الآخرين. في التحليل النهائي، لا تتم الموافقة على الإيمان عن طريق اقتطاع من العقل، ولكن من خلال “… الاعتماد على راعي الاقتراح، باعتباره قادمًا من الله، بطريقة غير عادية للاتصال…”. هكذا يفهم لوك الإيمان باعتباره موافقة محتملة.
كما طور لوك نسخة من اللاهوت الطبيعي. في مقالة عن الفهم الإنساني An Essay Concerning Human Understanding، يدعي أن الأفكار المعقدة التي لدينا عن الله تتكون من تأملات الأفكار. على سبيل المثال، نأخذ أفكار الوجود والمدة والسعادة والمتعة والمعرفة والقوة و “…توسِّع كل واحد من هذه الأفكار بفكرتنا عن اللانهاية؛ وبتجميعها، نجعل فكرتنا المعقدة عن الله”. ولكن لا يمكننا أن نعرف جوهر الله نفسه.
دافيد هيوم[28] David Hume، مثل لوك، رفض العقلانية، لكنه طور نوعًا أكثر جذرية تجريبية من لوك. وقال إن التجربة الملموسة هي “…دليلنا الوحيد في التفكير فيما يتعلق بمسائل الواقع…”. رفض إمكانية المجادلة بحقائق الإيمان على أساس اللاهوت الطبيعي أو دليل المعجزات. أيد هذا الاستنتاج لسببين. أولاً، يتطلب اللاهوت الطبيعي استنتاجات معينة من التجربة اليومية. إن حُجة التصميم تدل على أنه يمكننا استنتاج مصمم واحد من تجربتنا في العالم. على الرغم من أن هيوم يوافق على أن لدينا تجارب في العالم كصناعة إنسانية، إلا أنه يدعي أننا لا نستطيع أن نستنتج أي استنتاج محتمل من هذه الحقيقة عن الجودة أو القوة أو الحرفيين. ثانياً، يقول هيوم إن المعجزات ليست في كثير من الأحيان مجرد أسباب لا يمكن الاعتماد عليها كدليل على الاعتقاد ، ولكن في الواقع البديهي apriori – في وقت سابق- مستحيل. المعجزة بحكم تعريفها هي انتهاك لقانون الطبيعة، ولكن بطبيعتها لا تُقر بأي استثناءات. وبالتالي لا يمكننا حتى أن نسميها قانون الطبيعة الذي تم انتهاكه. ويخلص إلى أن العقل والخبرة فشلت في تأسيس اللانهاية الإلهية، أو صفات الله الأخلاقية، أو أي وصف للعلاقة المستمرة بين الإله والإنسان. لكن بدلاً من استنتاج أن موقفه من المعتقدات الدينية كان موقفًا للإلحاد أو حتى مجرد إله، جادل هيوم بأنه كان مؤمن بإله Theist حقيقي. كان يعتقد أن لدينا شعور طبيعي حقيقي نتوق به إلى السماء. الشخص الذي يدرك عدم قدرة العقل على تأكيد هذه الحقائق في الواقع هو الشخص الذي يمكن أن يفهم الحقيقة بأقصى قدر من الشغف.
ز. المثالية الألمانية German Idealism:
تأثر إيمانويل كَنْت[29] Immanuel Kant بشدة بتجسيم ديكارت وتقييد سبينوزا وجان جاك روسو Jean Jacques Rousseau بمدى نطاق الدين على المسائل الأخلاقية. علاوة على ذلك، لاءم وجهة نظر تتفق مع اكتشافات نيوتن حول القوانين الطبيعية الصارمة التي تحكم العالم التجريبي. ولتحقيق ذلك، قاد نطاق العقل بعيدًا عن المضاربات الميتافيزيقية والطبيعية والدينية تمامًا.
ادعى كَنْت بأن السبب النظري لم يكن قادرًا على فهم الحقائق عن الله، واصل فعليًا تقلص سلطة العلم في مسائل الإيمان التي حدثت منذ أواخر العصور الوسطى. لقد رفض إله الإعلان الخالد والمميّز لتقاليد أوغسطينوس باعتباره أبعد من الإنسان. هذا واضح للغاية في نقده للإثبات الكوني لوجود الله في نقد العقل الخالص The Critique of Pure Reason. هذه الخطوة تركت كَنْت في مأمن من تهديد المفارقات التي لا يمكن حلها. ومع ذلك، فقد سمح لمفهوم الله (بالإضافة إلى أفكار الخلود والروح) بأن لا يكون تأسيسًا بل مُنظِمًا مثالي للعقل. يبقى وجود الله افتراضًا ضروريًا على وجه التحديد للقانون الأخلاقي. يعمل الله كمصادر لنهاية جيدة bonum summum. الله وحده هو الذي يمكن أن يضمن التوافق المثالي للفضيلة والسعادة، وهو ما هو مطلوب لتحقيق مبدأ “يجب أن يعني ذلك”. وهذا ما أسس كَنْت إيمانًا مختلفًا عن المعرفة أو الفهم، ولكنه مع ذلك عقلاني. الإيمان العقلاني لا يشمل الاعتماد على كلمة الله ولا على شخص المسيح، ولكن فقط على الاعتراف بالله كمصدر لكيفية تحقيقنا لواجباتنا بشكل شخصي. الله هو سبب أهدافنا الأخلاقية ككائنات عقلانية في الطبيعة. ومع ذلك، فإن الإيمان هو “الإيمان الحر”: إنه المبدأ الدائم للعقل أن نفترض أنه صحيح، نظرًا للالتزام بالإشارة إليه، وهو ما هو ضروري للافتراض كشرط لإمكانية تحقيق أعلى غرض أخلاقي. مثل سبينوزا يجعل كَنْت كل اللاهوت لاهوت أخلاقي.
بما أن الإيمان يتجاوز عالم الخبرة، فهو ليس مشكوك فيه ولا محتمل. وهكذا فإن وجهة نظر كَنْت عن الإيمان معقدة: ليس لها أي أساس نظري، ولكن لديها أساسًا منطقيًا يوفر قناعة ثابتة إلى حد ما للمؤمنين. قَدَمَ ديانةً على الأرض دون الإعلان أو النعمة. بَشَرت بجوهرية جديدة بوجهات نظر عقلانية للاعتقاد.
اتخذ هيجل[30] G.W.F. Hegel، ذروة المثالية الألمانية، جوهرية كَنْت ولكنه تحرك في اتجاه أكثر راديكالية. وادعى في فلسفة كَنْت، “جعل منها نفسها خادمة الإيمان مرة أخرى”، على الرغم من أنها ليست مفروضة من الخارج ولكن تم تشكيلها بشكل مستقل. وافق هيجل على الطريقة التي ساعد بها كَنْت في تعديل التأكيد العقائدي للتنوير على العالم التجريبي، خاصة كما يتضح من الطريقة التي حوَّل بها لوك الفلسفة إلى علم نفس تجريبي. ولكن على الرغم من تمسك كَنْت بـ “المثالية المتناهية”، فقد ظن هيجل أن كَنْت لم يمد المثالية إلى أبعد من ذلك. كانت رؤية كَنْت التنظيمية للعقل مصيرها اعتبار الإيمان والمعرفة متعارضين بشكل لا رجعة فيه. بينما جادل هيجل بأن تطويرًا إضافيًا لعروض المثالية لديه الإيمان والمعرفة ترتبط وتُجمع في المطلق.
أعاد هيجل تفسير البراهين التقليدية لوجود الله، التي رفضها كَنْت، باعتبارها تعبيرات موثوقة للحاجة إلى روح متناهية لرفع نفسه إلى الوحدة مع الله. في الدين يتم إنجاز هذه المحاولة للتواصل مع الله من خلال الشعور. فالمشاعر تخضع للصراع والمقاومة. لكنها ليست مجرد ذاتية. يدخل محتوى اللهThe content of God شعورًا بحيث يستمد هذا الشعور تصميمه من هذا المحتوى. وهكذا، يمكن الدفاع عن الإيمان، الراسخ في قلب المرء، بشهادة روح الحق الساكن فيه.
في نهاية المطاف، ينتج عن عقلانية هيجل الشاملة شكلاً من أشكال وحدة الوجود Panentheism، حيث لا تتمتع جميع الكائنات المتناهية، رغم أنها متميزة عن الضرورة الطبيعية، بوجود مستقل عنها. “لا يوجد سوى كائن واحد … والأشياء بطبيعتها تشكل جزءًا منه”. الله هو الكائن الذي تتحد فيه الروح والطبيعة. هكذا الإيمان هو مجرد تعبير عن القدر المفهوم فقط من المنظور العقلاني لللامتناهي. الإيمان مجرد لحظة في انتقالنا إلى المعرفة المطلقة.
6. الْقَرْنُ التَّاسِعُ عُشُرٌ:
كانت الفيزياء وعلم الفلك ضمن الاهتمامات العلمية الأساسية للاهوتيين في القرنين السابع عشر والثامن عشر. لكن في القرنين التاسع عشر والعشرين، أصبحت علوم الجيولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس والبيولوجيا أكثر وضوحًا.
إن فهم كنَْت لله كمسلِّمة لسبب عملي- وفصله من الدعم الميتافيزيقي والتجريبي للدين – سرعان ما أدى إلى فكرة أن الله يمكن أن يكون مجرد إسقاط للمشاعر العملية أو الدافع النفسي. رددت مثل هذه الفكرة ادعاء هوبز Hobbes بأن الدين ينشأ من الخوف والخرافات. كما زعم سيجموند فرويد Sigmund Freud على سبيل المثال، أن المعتقدات الدينية كانت نتيجة لإسقاط شخصية الأب الحامي على مواقف حياتنا. على الرغم من أن مثل هذه الادعاءات حول الإسقاط تبدو محصنة ضد التزوير، إلا أن الفرويدية يمكن أن تعول مثل محاولة لتزييف نفسها ببساطة كعقلنة: إخفاء النشاط الغير واعي العميق.
كذلك كان التطور البيولوجي للقرن التاسع عشر الأكثر أهمية للاهوت نظرية تشارلز داروين Charles Darwin في الانتقاء الطبيعي Natural Selection. وشرح كل التطور البشري على أساس مجرد التكيف التدريجي للكائنات الحية لبيئتهم المادية. لم يكن هناك حاجة إلى الإشارة إلى العقل أو الإرادة العقلانية لشرح أي مسعى بشري. داروين نفسه كان يؤمن بالله وخلود النفس. ولكن في وقت لاحق وجد أن هذه لا يمكن اعتبارها دليلا على وجود الله. انتهى به الأمر كلاأدري. من ناحية شعر بأنه مضطر لتأكيد السبب الأول لهذا الكون الهائل والرائع ورفض الصدفة أو الضرورة العمياء. لكنه من ناحية أخرى ظل متشككًا في قدرات البشر “…التي تطورت من عقل متدنٍ مثل تلك التي تمتلكها أدنى الحيوانات…”. جعلت مثل هذه الآراء الطبيعية من الصعب دعم أي حجة لوجود الله، وخاصة حجة التصميم.
لكن ليس كل التفكير العلمي في القرن التاسع عشر أسفرت عنه استنتاجات متشككة. إميلي دوركايم Emilé Durkheim، في دراسته الاجتماعية الأشكال الأولية للحياة الدينية The Elementary Forms of Religious Life، أخذ النقد العلمي للدين على محمل الجد، لكنه أعطاهم تفسيرًا مختلفًا كثيرًا. وخلُص إلى أن الممارسات الدينية للدين تتمتع بنوعية غير وهمية في إنتاج عواقب جيدة قابلة للقياس في أتباعهم. علاوة على ذلك، نظّرَ أن الفئات الأساسية للفكر، وحتى العلم، لها أصول دينية. ولِدت جميع المؤسسات الاجتماعية الكبرى تقريبا من الدين. لقد كان يقود الادعاء بأن “فكرة المجتمع هي روح الدين”: فالمجتمع هو اشتقاق من القوى الدينية.
في سياق هذه التطورات العلمية المختلفة، تطورت الحُجج الفلسفية حول الإيمان والعقل في عدة اتجاهات ملحوظة في القرن التاسع عشر.
أ. رُومَانْتِيكِيَّةٌ Romanticism:
كان فريدريش شلايرماخر[31] Friedrich Schleiermacher لاهوتيًا ليبراليًا مهتمًا تمامًا بمشكلات التفسير الكتابي. وادعى أن الدين يشكل مجال الخبرة الشخصية الخاصة، ولا علاقة له بالمعرفة العلمية. هكذا المعنى الديني مستقل عن الحقيقة العلمية. سيكون لإيمانيته الرومانسية تأثير عميق على كيركيغارد Kierkegaard.
ب. الاشتراكية Socialism:
كارل ماركس[32] Karl Marx معروف كملحد ولديه انتقادات شديدة لكل الممارسات الدينية. كان الكثير من نقده للدين مستمدًا من لودفيج فيورباخ[33] Ludwig Feuerbach، الذي ادعى أن الله مجرد إسقاط نفسي يهدف إلى تعويض المعاناة التي يشعر بها الناس. رفض ماركس بالجملةً صلاحية هذا التفكير التواقي. كما ادعى ماركس ليس فقط أن جميع المعاناة هي نتيجة الصراع الطبقي الاقتصادي ولكن يمكن تخفيفها عن طريق ثورة شيوعية Communist من شأنها القضاء على الطبقات الاقتصادية تمامًا. علاوة على ذلك، ادعى ماركس أن الدين كان عقبة أساسية أمام مثل هذه الثورة، لأنها كانت “أفيونية Opiate” تُبقي الجماهير هادئة. وهكذا تنشأ المعتقدات الدينية من خلال خلل إدراكي: فهي تنبثق من “الوعي العالمي المنحرف”. مجتمع شيوعي لا طبقي فقط ، هو ما ظنه ماركس أن هذا المجتمع سينشأ عندما تفي الرأسمالية بزوالها الضروري، وهو الذي يلغي الدين ويؤمن بالتحرر الإنساني الحقيقي.
ج. وُجُودِيَّةٌ Existentialism:
كان سورين كيركيغارد Søren Kierkegaard، الذي يُقال عن أنه أبو الوجودية، مفكراً دينياً عميقًا. لقد توصل إلى وجهة نظر لا لبس فيها عن الإيمان والعقل يشبه إلى حد كبير عدم توافقية ترتليان القوي. إذا جادل كَنْت عن الدين ضمن حدود العقل فقط، فقد دعا كيركيغارد إلى العقل ضمن حدود الدين فقط. فالإيمان يتطلب قفزة. ويتطلب مخاطرة. جميع الحُجج التي يستمدها العقل لإثبات الله هي في الواقع دائرية فاسدة: يمكن للمرء أن السبب الوحيد لوجود كائن يفترض المرء وجوده بالفعل. حاول هيجل أن يزعم أن الإيمان يمكن أن يرقى إلى مستوى اليقين الموضوعي. سعيًا وراء هذا بالتأكيد، علاوة على ذلك، اعتبر كيركيغارد كلام هيجل كمصيدة: فالمطلوب هو ثقة جذرية. الثقة الراسخة في الإيمان هي أعلى فضيلة يمكن للمرء الوصول إليها.
ادعى كيركيغارد أن كل المعرفة الأساسية ترتبط جوهريًا بالفرد الحالي. في كتابه “إما / أو Either/Or“، أوضح ثلاثة أشكال عامة للحياة يمكن للأفراد تبنيها: الجمالية والأخلاق والأخلاقية الدينية. الجمالية هي الحياة التي تسعى إلى المتعة. الأخلاق هي التي تؤكد على الوفاء بالواجبات. ليس منهما ما يصل إلى الفردية الحقيقية للوجود الإنساني. ولكن في مجال الأخلاقية الدينية، تبرز الحقيقة في صحة العلاقة بين الشخص والهدف من اهتمامه. مع الموثوقية، تكمن الأهمية في “كيف” وليس “ما” المعرفة. إنها تصل إلى حقيقة ذاتية، يكون فيها صدق وشدة الالتزام أمرًا أساسيًا. هذه الموثوقية تعادل الإيمان الذي يُفهم على أنه “حالة عدم يقين موضوعية تتم صيانتها في عملية تخصيص للداخل الأكثر عاطفية”. إن التعايش بين “عدم اليقين الموضوعي” هذا مع “التوغل الداخلي العاطفي” هو أمر متناقض بشكل لافت للنظر. يقدم كيركيغارد ادعاءات متناقضة بالمثل في القول بأن “…لا شيء تاريخي يمكن أن يصبح غير مؤكد بالنسبة لي باستثناء حقيقة وجودي الخاص (والذي لا يمكن أن يصبح مرة أخرى غير مؤكد لأي فرد آخر، لديه يقين لا نهائي من وجوده فقط) وهذا هو ليس شيئًا تاريخيًا…”. وهكذا لا يمكن أن يكون الإيمان مسألة يقين موضوعي. إنه لا ينطوي على أي حساب للاحتمالات، وهو ليس قبولًا فكريًا للعقيدة على الإطلاق. الإيمان ينطوي على إخضاع العقل. إنه ليس عدائيًا فحسب، بل يتجاوز تمامًا فهم العقل.
فريدريش نيتشه[34] Friedrich Nietzsche على الرغم من أنه لم يقرأ كيركيغارد أبدًا، إلا أنه جاء بتوازي رائع مع فكره. أكد كلاهما على مركزية الفرد، واحتقار معين للحياة العامة، وكراهية للضعف الشخصي وعدم الكشف عن هويته. كما هاجم كلاهما بعض النفاق في المسيحية والمديح المبالغ للعقل عند كَنْت وهيجل. لكن نيتشه لم يكن له أي جزء من الفرد المسيحي الجديد في كيركيغارد ، وبدلاً من ذلك دافع عن الحياة الجمالية التي يحتقرها كيركيغارد ضد كل من الأخلاق والمسيحية. لذا فهو ينتقد الدين ليس من منظور كيركيغارد المعرفي، ولكن من منظور أخلاقي أصيل للغاية.
ادعى نيتشه أن الدين يولِّد العداء للحياة، ويُفهم على نطاق واسع على أنه إرادة السلطة. ينتج الدين نوعين من الشخصيات: شخصية خادعة ضعيفة تتسم في الوقت نفسه بالاستياء الشديد تجاه من هم في السلطة، والإنسان السوبرمان Übermensch، أو الرجل الخارق الذي يخلق قيمه الخاصة. في The Joyful Wisdom، يعلن نيتشه أن الله كحامي للضعيف، وإن كان على قيد الحياة، فقد مات الآن، وأننا قتلناه بحق. والآن يدعي أننا نحتاج بدلاً من ذلك إلى فهم إرادة السلطة التي تشكل جزءًا من كل الأشياء وتوجيههم إلى تطورهم الكامل تمامًا في العالم الطبيعي. بالنسبة للبشر، يلقي نيتشه إرادة السلطة كقوة من الطاقة الفنية والإبداعية.
د. الْمُدَافِعُونَ الْكَاثُولِيكَ:
لقد ادعى الكاثوليك تقليديًا أن مهمة العقل هي جعل الإيمان واضحًا ومعقولًا. في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر، عمل جون نيومان[35] John Henry Cardinal Newman للدفاع عن قوة العقل ضد مثقفي عصره الذين تحدوا فعاليتها في مسائل الإيمان. على الرغم من الحفاظ على أهمية العقل في مسائل الإيمان، إلا أنه يقلل من قدرته على الوصول إلى اليقين المطلق.
في كتابه قواعد الموافقة Grammar of Assent، جادل نيومان بأن المرء يوافق على الله على أساس خبرة الفرد ومبادئه. ويمكن للمرء القيام بذلك عن طريق نوع من البراهين العقلانية. ومع ذلك فإن هذه البراهين ليست قابلة للتكرار من قبل الآخرين. كل واحد منا لديه مجال فريد من الخبرة والتجربة. يتم إعطاء البعض فقط القدرة والفرص لجعل هذه الموافقة على ما برهنه الأخرين ليس كذلك. بالرجوع إلى “الأخلاق النيقوماخية Nicomachean Ethics” لأرسطو، يجادل نيومان بأن “… إعدادًا خاصًا للعقل مطلوبًا لكل قسم منفصل من البحث والمناقشة…”. وأكد على الاستمرارية بين المعتقد الديني وأنواع المعتقدات الأخرى التي تنطوي على مجموعات معقدة من الظواهر. ويدعي أن لوك على سبيل المثال، أغفل كيف تعمل الطبيعة البشرية بالفعل، وفرض بدلاً من ذلك فكرته الخاصة عن كيفية تصرف العقل على أساس الاستدلال من الأدلة. لو كان لوك قد بحث عن كثب على التجربة، لكان قد لاحظ أن الكثير من تفكيرنا ضمني وغير رسمي. لا يمكن عادةً إعادة بنائها لمجموعة من المقدمات. بل هو تراكم الاحتمالات، مستقلة عن بعضها البعض، الناشئة عن ظروف الحالة الخاصة. عادةً لا يوجد اعتبار محدد يكفي لإنشاء النتيجة المطلوبة، ولكن إذا أخذناها معا، فقد تتلاقى عليها. هذا هو عادة ما يسمى دليل أخلاقي للاعتقاد في الفرضية. في الواقع، لدينا ما يبرر حفظ معتقدات حتى بعد أن اهملنا ما كانت مضمونة. استمر هذا النهج الاحتمالي للموافقة الدينية في التفكير اللاحق لباسيل ميتشل Basil Mitchell.
هـ. الذَّرَائِعِيَّةُ “الْوَاقِعِيَّة Pragmatism”:
يتبع ويليام جيمس[36] William James التقليد الذرائعي الذي دشنه تشارلز بيرس[37] Charles Sanders Peirce. اعتبر البراغماتيون أنه يجب اختبار جميع المعتقدات، ويجب التخلص من المعتقدات التي فشلت في الحصول على قيمة عملية كافية.
في “وصية إلى الإيمان Will to Believe“، كان جيمس ناقدًا لكليفورد[38] W.K. Clifford في التجريبية المتعصبة. جادل كليفورد مثل هيوم، بأن التصرف بناءً على المعتقدات أو القناعات وحدها غير المدعومة بالأدلة كان حماقة صافية. وشبه هذا التصرف بمثل مالك السفينة غير المسؤول الذي يسمح للسفينة غير الجديرة بالثقة أن تكون جاهزة للإبحار، مجرد التفكير في أمانها، ثم يعطي “رغبات خيرية” لأولئك الذين سيبحرون فيها. وخلُص كليفورد إلى أنه من واجبنا التصرف وفقًا لمعتقدات راسخة. إذا لم يكن لدينا أي أساسات للاعتقاد، فيجب علينا تعليق الحكم. قدم هذا الأساس لأخلاقيات الاعتقاد مختلفة تماما عن نيومان. لقد ألهمت واقعية[39] Evidentialism كليفورد الفلاسفة اللاحقين مثل برتراند راسل Bertrand Russell ومايكل سكريفن Michael Scriven.
جادل جيمس بأن الحياة ستفقر بشدة إذا تصرفنا فقط على معتقدات راسخة تمامًا. اعتقاد جيمس مثل نيومان بأن هذا الاعتقاد يعترف بطيف واسع من الالتزام: من التجريبي المؤقت إلى الثابت المستمر. المشاعر التي تُعلق على المعتقد لها دلالتها. لقد دافع عن الحاجة التي لدينا، في بعض الأحيان، للسماح لـ “ميولنا العاطفية” للتأثير على أحكامنا. وهكذا، مثل باسكال تبنى حجة تطوعية حول المعتقد الديني، على الرغم من أنها لا تعتمد فقط على المراهنة. هناك أوقات، من المسلم به أنها قليلة، حيث يجب أن نتصرف بناءً على معتقداتنا العاطفية التي نتمسك بها بشغف ولكن دون وجود أدلة داعمة كافية. يجب أن تكون هذه المواقف النادرة بالغة الأهمية، مرة واحدة في فرص العمر، وأن تكون مجبرة، بحيث لا يتيح الموقف للشخص سوى خيارين: التصرف أو عدم التصرف بناءً على الاعتقاد. غالبًا ما تأخذ المعتقدات الدينية هاتين الخاصتين. لقد أدرك باسكال الجانب القسري للإيمان المسيحي، فيما يتعلق بالخلاص: الله لن ينقذ الكافرين. ونتيجة لذلك، ادعى ديانة جيمس أن الاعتقاد الديني يمكن أن يكون فرضية حقيقية لشخص يتبناه.
جيمس، مع ذلك، يقدم بعض الدعم الواضح لهذا الخيار للاعتقاد. نحن نؤمن بأشياء كثيرة في الحياة – في الذرات ومحادثة الطاقة والديمقراطية وما إلى ذلك – التي تستند إلى أدلة على فائدتها بالنسبة لنا. لكن حتى في هذه الحالات “إيماننا هو الإيمان بعضنا البعض”. تضم حياتنا العقلية تفاعلًا مستمرًا بين قوة الإرادة والمعتقدات. مع ذلك، اعتقد جيمس أنه في حين أن الفلاسفة مثل ديكارت وكليفورد، الذين لا يرغبون في أن يكونوا مغفلين، ركزوا في المقام الأول على الحاجة إلى تجنب الخطأ، حتى لدرجة ترك الحقيقة تغتنم فرصتها، يجب عليه كرجل تجريبي أن يدرك أن السعي وراء الحقيقة أمر بالغ الأهمية وتجنب الخطأ هو ثانوي. موقفه يستلزم أن تلك المُخادع في وجه الأمل أفضل من المُخادع في وجه الخوف.
في “شعور العقلانية The Sentiment of Rationality“، يخلص جيمس إلى أن الإيمان هو “…الإيمان بشيء لا يزال الشك ممكنًا من الناحية النظرية؛ وبما أن اختبار الإيمان هو الرغبة في التصرف، فقد يقول المرء أن الإيمان هو الاستعداد للتصرف من أجل قضية مزدهرة، حيث القضية التي ليست مصدقة لنا مقدما…”. إذن، الإيمان لا يتوافق فقط مع الشك، ولكنه يتطلب إمكانية ذلك. الإيمان موجه نحو العمل: إنه نوع من “فرضية العمل” اللازمة للحياة العملية.
استمرت أطروحة داروين العلمية حول الانتقاء الطبيعي ووجهات نظر فرويد الإسقاطية عن الله في التأثير العميق على العديد من جوانب فلسفة الدين في القرن العشرين. في الواقع، بدأ التفاعل بين الإيمان والعقل ، في كثير من الحالات، ببساطة مثل الصراع بين العلم والدين.
ومع ذلك، لم تُستخدم جميع الاكتشافات العلمية لإثارة المزيد من الشكوك حول صحة الادعاءات الدينية. على سبيل المثال، في أواخر القرن العشرين، أيد بعض علماء الفيزياء ما أصبح يسمى مبدأ بداية البشرية Anthropic. يستمد هذا المبدأ من ادعاء بعض علماء الفيزياء أن هناك عددًا من العوامل في الكون المبكر يجب أن تنسق بطريقة غير محتملة للغاية من الناحية الإحصائية لإنتاج كون قادر على الحفاظ على أشكال الحياة المتقدمة. من بين العوامل كتلة الكون ونقاط القوة في القوى الأساسية الأربعة (الكهرومغناطيسية والجاذبية والقوى النووية القوية والضعيفة). من الصعب شرح هذا الضبط الدقيق. يجادل كثير ممن يلتزمون بمبدأ بداية البشرية، مثل هولمز رولستون Holmes Rolston، وجون ليزلي John Leslie، وستيفن هوكينج Stephen Hawking، بأنه يتطلب نوعًا من التفسير غير الطبيعي. يعتقد البعض أنه يشير إلى إمكانيات حجة تصميم جديدة لوجود الله. ومع ذلك، يمكن للمرء أن يحافظ على مبدأ أنثروبيك ولا يزال ينكر أن له آثار دينية. من الممكن المجادلة بأنها لا تشير إلى أن خالقًا واحدًا يخلق كونًا واحدًا، ولكن في الحقيقة العديد من الأكوان، سواء كانت معاصرة مع كوننا أو تعاقبًا عليه.
شهد القرن العشرون محاولات عديدة للتوفيق بين المعتقد الديني وفروع جديدة من التفكير الفلسفي مع نظريات جديدة في العلوم:
أ. الْوَضْعِيَّةُ الْمَنْطِقِيَّةُ وَنَقَّادُهَا Logical Positivism:
أخذ العديد من فلاسفة الدين في القرن العشرين تقديراً جديداً لنطاق اللغة الدينية وقوتها. كان الدافع وراء هذا إلى حد كبير هو التركيز على الوضوح المفاهيمي الذي سيطر على الكثير من الفلسفة الغربية، وخاصة في أوائل القرن.
وقد تجلى هذا التركيز على الوضوح المفاهيمي خاصة في الوضعية المنطقية. آير A.J. Ayer وأنتوني فلو Antony Flew على سبيل المثال، جادل كلا منهما بأن جميع اللغات الميتافيزيقية تفشل في تلبية معيار الاتساق المنطقي وبالتالي فهي بلا معنى. الادعاءات الميتافيزيقية ليست مزيفة من حيث المبدأ.وعلى هذا النحو، ادعاءاتهم ليست صحيحة ولا خاطئة. أنها لا تجعل أي إشارة يمكن التحقق منها في العالم. تشترك اللغة الدينية في هذه الخصائص مع اللغة الميتافيزيقية. أكد أنتوني أن المؤمنين الدينيين عمومًا لا يمكنهم حتى تحديد الشروط التي بموجبها سيتخلون عن ادعاءاتهم الدينية. بما أن ادعاءاتهم لا يمكن تبريرها، فهي ليست أشياء للتصميم العقلاني.
كان أحد ردود أفعال مواطنيها على حجج الوضعية المنطقية هذه هو الادعاء بأن المعتقدات الدينية، على الرغم من أنها لا معنى لها بالمعنى التحقيقي، مهمة في تزويد المؤمن بدوافع أخلاقية وفهم ذاتي. هذا معادٍ لواقعية فهم الإيمان. تم العثور على مثال على هذا النهج في هير R.M. Hare. رداً على أنتوني، أقر بأن العقيدة الدينية تتكون من مجموعة من الافتراضات التي لا يمكن تبريرها والتي أطلق عليها اسم “bliks“. لكن هير جادل بأن تعاملنا العملي مع العالم اليومي ينطوي على العديد من “bliks“. على الرغم من أن بعض هذه المبادئ خاطئة، لا يمكننا إلا أن نحصل على بعض من أجل العيش في العالم.
رد باسل ميتشل Basil Mitchell على ادعاء فلو بأنه لا يمكن تكذيب المعتقدات الدينية. كما جادل ميتشل بأنه على الرغم من أن الاعتبارات المنطقية والعلمية يمكن ويجب في بعض الأحيان أن تحث على مراجعة المعتقد الديني للشخص، لا أحد يستطيع أن يعطي تقرير عام بالضبط ما هي النقطة مجموعة من الأدلة يجب أن نعول بشكل حاسم ضد ادعاء الإيمان. الأمر متروك لكل مؤمن لتقرر متى يحدث هذا. للتأكيد على هذا الادعاء، زعم ميتشل أن عقلانية المعتقدات الدينية لم تكن عقلانية ومُستخرجة من المبادئ العقلانية الأولى، ولكن بشكل جماعي من جمع أنواع مختلفة من الأدلة إلى نمط. ومع ذلك، أدرك أن هذا التراكم للأدلة، كأساس لنوع جديد من اللاهوت الطبيعي، قد لا تكون قوية بما يكفي لمواجهة المتشككين. بروح نيومان ، اختتم ميتشل بالدفاع عن احتمالية تراكمية عالية الدقة في المعتقد الديني.
رد فعل آخر ضد الوضعية المنطقية نابع من لودفيج فتغنشتاين[40] Ludwig Wittgenstein. في كتابه محاضرات عن المعتقد الديني Lectures on Religious Belief، قال إن هناك شيئًا فريدًا حول الإطار اللغوي للمؤمنين المتدينين. لغتهم لا معنى لها بالنسبة للغرباء. وبالتالي يتعين على المرء أن يشارك في شكل حياتهم من أجل فهم الطريقة التي تعمل بها مختلف المفاهيم في ألعاب لغتهم. حيث تشكل الألعاب اللغوية المختلفة نوعًا من “التشابه العائلي”. وخلص فتغنشتاين إلى أن أولئك الذين يطالبون بطريقة محايدة غير متقاربة لتقييم قيمة الحقيقة للمطالبة الدينية يطلبون شيئًا مستحيلًا. من وجهة نظر فتغنشتاين، العلم والدين هما فقط نوعان مختلفان من الألعاب اللغوية. هذا المطلب أن يأخذ منظورًا داخليًا من أجل تقييم المعتقدات الدينية يلزم فتغنشتاين بشكل من عدم التوافق بين الإيمان والعقل . ادعى مفسرو فيتجنشتاين، مثل نورمان مالكولم Norman Malcolm، أنه على الرغم من أن هذا يستلزم أن المعتقدات الدينية لا أساس لها من الصحة، فهناك معتقدات يومية أخرى لا حصر لها ، كما هو الحال في ديمومة كائنات الإدراك لدينا، وفي توحيد الطبيعة، وحتى في معرفتنا بنوايانا الخاصة.
ادعى فتغنشتاين، مثل كيركيغارد، أن الأدلة على وجود الله لا علاقة لها بالإيمان الفعلي بالله. لقد اعتقد أن الحياة نفسها يمكن أن “تهذبنا” بشأن وجود الله. في الثقافة والقيمة Culture and Value، يدعي أن المعاناة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على معتقدات الفرد. “…هذه لا تظهر لنا الله في الطريق الانطباع بالمعنى يظهر لنا كائن، كما أنها لا تؤدي إلى تخمينات بشأنه. خبرات وأفكار- الحياة يمكن أن تفرض هذا المفهوم علينا…”. يرى فيليبس D.Z. Phillips أيضًا أن للدين معايير فريدة خاصة به للاعتقاد المقبول.
جون هيك John Hick، في الإيمان والمعرفة Faith and Knowledge، يعدل فكرة فيتجنشتاينين من أشكال الحياة لتحليل مطالبات الإيمان بطريقة جديدة. ادعى هيك أن هذا قد يلقي الضوء على تحليل fides الإيمان المعرفي. من هذا التحليل يتبع التفكير غير المعرفي fiducia الذي يوجه الممارسة الفعلية.
عند تناول التحليل المعرفي، ينتقد هيك أولاً الطواعية لكل من باسكال وجيمس باعتبارها “بعيدة عن حالة ذهنية هؤلاء الرجال مثل الأنبياء العظماء”. ينتقد جيمس على وجه الخصوص لتقليص الحقيقة إلى المنفعة. يناقش هيك بدلاً من ذلك بأهمية اليقين العقلاني في الإيمان. إنه يفترض أن هناك عدة أنواع من الأسباب لليقين العقلاني كما توجد أنواع من كائنات المعرفة. يدعي أن المعتقدات الدينية تشترك في العديد من الميزات الحاسمة مع أي ادعاء تجريبي: فهي افتراضية. هم كائنات موافقة؛ يمكن للوكيل التصرف في التصرف بناءً عليها؛ ونحن نشعر القناعات لهم عندما يتم الطعن فيها. ومع ذلك، يدرك هيك أن هناك طرقًا مهمة للتمييز بين الإيمانيات والمعتقدات الدينية: إدراك الإحساس قسري، بينما الإدراك الديني ليس كذلك؛ الإدراك الحسي كلي، بينما الديني ليس كذلك؛ والإدراك الحسي متماسك للغاية في المكان والزمان، في حين أن الوعي الديني بين مختلف الأفراد ليس كذلك. في الواقع، قد يكون في الواقع عقلاني للشخص الذي لم يكن لديه تجارب تجبر الإيمان على حجب الإيمان بالله.
من بين أوجه التشابه والاختلاف هذه بين ادعاءات الايمان وادعاءات العقل، يوجز هيك إلى أن الإيمان الديني هو التفسير الأساسي غير الاستنتاجي وغير القابل للإثبات إما لـ “الأهمية المكانية situational significance” الأخلاقية أو الدينية في التجربة الإنسانية. الإيمان ليس نتيجة التفكير المنطقي، بل هو إعلان أن الله “ككائن حي” دخل حيز تجربة المؤمن. فعل الإيمان يضع نفسه في البيئة المادية والاجتماعية للشخص. يفسر الإيمان الديني الواقع من حيث الوجود الإلهي داخل تجربة المؤمن الإنسانية. على الرغم من أن الشخص المؤمن قد لا يكون قادرًا على إثبات أو تفسير هذا الوجود الإلهي، إلا أن معتقده الديني لا يزال يكتسب حالة المعرفة تلك المماثلة للادعاءات العلمية والأخلاقية. وبالتالي، حتى لو استطاع المرء أن يثبت وجود الله، فإن هذه الحقيقة وحدها ستكون شكلاً من أشكال المعرفة ليست بضرورية ولا بكافية لإيمان الفرد. سيكون في أحسن الأحوال فرض موافقة افتراضية فقط. لا يعيش المؤمنون بفرضيات مؤكدة، بل بتجربة إلهية مكثفة وقهرية لا تشوبها شائبة.
تقول سالي ماكفاجو Sallie McFague، في كتابها نماذج الله Models of God، إن التفكير الديني يتطلب إعادة التفكير في الطرق التي تستخدم بها اللغة الدينية الاستعارة. اللغة الدينية هي في معظمها ليست افتراضية ولا حازمة. بدلاً من ذلك، لا تعمل لتقديم تعريفات صارمة، ولكن لإعطاء تقارير. أن نقول على سبيل المثال، “الله الأم God is mother“، لا يعني تعريف الله كأم أو تأكيد الهوية بينهما، بل أن نقترح أن ننظر في ما لا نعرف كيف نتحدث عنه – فيما يتعلق بالله – من خلال استعارة الأم. علاوة على ذلك، لا يمكن لأي استعارة واحدة أن تعمل كطريقة وحيدة للتعبير عن أي جانب من جوانب المعتقد.
ب. اللاهوت الفلسفي
استجاب العديد من علماء اللاهوت البروتستانت والكاثوليك في القرن العشرين لانتقادات المعتقد الديني، التي وجهها الوجوديون الملحدون وعلماء الطبيعة والوضعيون اللغويون من خلال صياغة فهم جديد للإعلان المسيحي.
قدم كارل بارت[41] Karl Barth، البروتستانت الإصلاحي، نموذجًا جديدًا مذهلًا للعلاقة بين الإيمان والعقل . رفض وجهة نظر شلايرماخر القائلة بأن تحقيق الدافع الديني للشخص يؤدي إلى نوع من الاتحاد القائم بين الإنسان والله. جادل بارت بدلاً من ذلك بأن الإعلان يستهدف المؤمن الذي يجب أن يحصل عليه قبل أن يكون إعلان. هذا يعني أنه لا يمكن للمرء أن يفهم الإعلان دون الإيمان به بالفعل. إن الإعلان الذي يلقي به الله عن نفسه، هو ذاته الذي يربط نفسه، لا يختلف عن نفسه. “…في إعلان الله، كلمة الله متطابقة مع الله نفسه..” وذلك في مجلده Church Dogmatics ii, I. علاوة على ذلك، ادعى بارت أن الإعلان الإلهي له واقع وحقيقة كلية وفي كل النواحي، سواء من الناحية الوجودية[42]Ontically أو العقلية[43] Noetically، داخل نفسه. الإعلان لا يمكن أن يكون حقيقة من قبل أي شيء آخر. ملء “…الوجود الذاتي الأصلي لكلمة الله…” يستند وينبض في الإعلان. هذا يجعل الاعتقاد بطريقة مهمة محصنًا مِن كل مِن الفحص العقلاني الناقد ومدى الوصول إلى الحجج من المماثلة والتنظير.
جادل بارت كذلك بالنسبة إلى المؤمن، فإن الله يظل “آخر تمامًا Totally Other” (مختلف تمامًا Lit: totaliter aliter). فرديتنا تقف في تناقض مع الطبيعة الإلهية. الدين هو في الواقع، “…عدم الاعتقاد…”: محاولاتنا لمعرفة الله من وجهة نظرنا هي عديمة الجدوى كليًا تمامًا. كان هذا استنتاجًا ثابتًا لطريقته الجدلية: التأكيد والنفي المتزامنين لنقطة لاهوتية معينة. كان بارت بالتالي غير توافقي (عقل وإيمان) مع من يرون أن أساس الإيمان يكمن وراء العقل. ومع ذلك فقد حث على أن يكون المؤمن مع ذلك دائمًا يبحث عن المعرفة وأن المعتقدات الدينية لها آثارها على الحياة اليومية.
كارل رانر[44] Karl Rahner، يمكن القول إنه اللاهوتي الكاثوليكي الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين، كان تأثريه عميقًا بطريقة بارت الجدلية. لكن رانر جادل بأن الإعلان الذاتي لله نفسه لنا من خلال فعل نعمة ليس فقط لعدد قليل ولكنه يمتد لجميع الأشخاص: أنه يشكل “وجودي فائق” الذي يعتبر أساسات للوضوح والفعل. أنه يكمن وراء إثبات أو الرهان. وهكذا فإن جميع الأشخاص، الذين يعيشون في هذا الوضع مسبق، في كثير من الأحيان يشوه حالة هدية الله، هي “المسيحيين المجهولين”. ويمكن لجميع البشر الرد على التواصل الذاتي الله في التاريخ. عقد رانر بالتالي أن الأديان السابقة تتجسد في أشكال مختلفة من معرفة الله، وبالتالي الأديان مشروعة. أما الآن فقد أعلن الله ملئه إلى البشر عن طريق التجسد المسيحي والكلمة. هذا الإدراك الصريح للذات هو تتويج لتاريخ المسيحية المجهولة سابقًا. المسيحية تفهم نفسها الآن بأنه دين مطلقًا مقصود للجميع. هذا الادعاء في حد ذاته هو الأساسية لفهمها في حد ذاته.
إن ادعاء رانر حول المواهب النبيلة المجانية لكل البشر يتجاوز مجرد اللاهوت الطبيعي. ومع ذلك فإن أحد أشكال الأدلة التي يناشدها لتبريرها العقلاني هو أن البشر، اجتماعيًا بطبيعتهم، لا يمكنهم تحقيق علاقة مع الله “في واقع داخلي خاص تمامًا”. يجب أن يواجه الفرد القانون الإلهي الطبيعي، ليس في دوره “كميتافيزيقي خاص” ولكن وفقًا لإرادة الله في سياق ديني واجتماعي. هكذا شدد رانر على أهمية الثقافة كوسيلة لفهم الإيمان الديني. وهكذا قام بتزييف نوع جديد من التوافق بين الإيمان والعقلانية.
ج. النِّيُوُ الْوُجُودِيَّةُ أَوِ الْوُجُودِيَّةُ الْجَدِيدَةُ – Neo-Existentialism:
قام بول تيليش[45] Paul Tillich، عالم لاهوت بروتستانتي ألماني، بتطوير شكل أصلي للغاية من الدفاعيات المسيحية. في اللاهوت النظامي Systematic Theology، وضع طريقة أصلية، تسمى الارتباط أو علاقة متواصلة، تشرح محتويات الإيمان المسيحي من خلال أسئلة وجودية وإجابات لاهوتية في الترابط المتبادل Mutual Interdependence. تنشأ الأسئلة الوجودية من تجاربنا في النهاية الحتمية Transitoriness والمحدودية والتهديد بعدم الوجود. في هذا السياق، الإيمان هو ما يبرز تفكيرنا حول “اهتمامنا النهائي”. يمكن فقط لأولئك الذين لديهم هذه الأنواع من التجارب طرح الأسئلة التي تفتح عليهم لفهم معنى الرسالة المسيحية. توفر الثقافة العلمانية العديد من وسائل الإعلام، مثل الشعر والدراما والروايات، والتي تولد فيها هذه الأسئلة. في المقابل، تقدم الرسالة المسيحية إجابات فريدة لهذه الأسئلة التي تنبثق من وجودنا الإنساني. أدرك تيليش أن مثل هذه الطريقة الوجودية- مع درجة عالية من الارتباط بين الإيمان والتجربة اليومية، وبالتالي بين الإنسان والإلهي- سوف تثير احتجاجا من قبل مفكرين مثل بارت.
يقترب ستيفن كانْ[46] Steven Cahn من الوجودية المسيحية من زاوية اجتماعية أقل وأكثر من تيليش. يوافق كانْ على ادعاء كيركيغارد بأن معظم المؤمنين في الواقع لا يهتمون كثيرًا بالأدلة على وجود الله. لا تعتمد كل من الديانة الطبيعية ولا الفائقة للطبيعة على البراهين الفلسفية لوجود الله. من المستحيل أن تثبت بالتأكيد شهادة تجربة شخص آخر يفترض أنها تحقق ذاتيًا. هناك مبرر دائمًا عن إما شكوك فلسفية فيما يتعلق بالإمكانية المنطقية لمثل هذه التجربة أو الشكوك العملية فيما إذا كان الشخص قد مر بها. علاوة على ذلك، فإن هذه البراهين، حتى لو كانت صحيحة، فلن تزود المؤمن بقانون أخلاقي. يخلُص كانْ إلى أنه يجب على المرء أن يختبر تجربة شخصية في التحقق من صحة الذات حيث يشعر المرء بحضور الله. جميع الضرورات الأخلاقية مستمدة من معرفة إرادة الله. ومع ذلك، يمكن للمرء أن ينضم إلى الآخرين في محاولة جماعية لصياغة مدونة أخلاقية.
د. الداروينية الجديدة Neo-Darwinism:
استمر التفكير الدارويني في القرن التاسع عشر في التأثير القوي لفلسفة الدين. يستخدم ريتشارد دوكينز[47] Richard Dawkins في كتابه صانعي الساعات الأعمى Blind Watchmaker، نفس نظرية الانتقاء الطبيعي لبناء حجة ضد مبدأ الإيمان الديني. يجادل بأن نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي التدريجي هي النظرية الوحيدة القادرة من حيث المبدأ على شرح وجود التعقيد المنظم في العالم. يعترف بأن هذا التعقيد المنظم أمر غير محتمل إلى حد كبير، ومع ذلك فإن أفضل تفسير لذلك هو النظرة الداروينية للعالم. يدعي دوكينز أن داروين قد حل سر وجودنا بفاعلية ونجاح. نظرًا لأن الأديان تظل ثابتة في اقتناعها بأن الله يوجه كل التطور البيولوجي والإنساني، فإن دوكينز يخلُص إلى أن الدين والعلم هما في الواقع خصمان محكوم عليهما. يجعل الادعاءات غير توافقية. انه يحل الصراع لصالح العلم.
هـ. رُدُودُ الْفِعْلِ الْمُعَاصِرَةِ ضِدَّ الطَّبِيعِيَّةِ والداروينية الْجَدِيدَةَ:
يستجيب فلاسفة الدين المعاصرون لانتقادات علماء الطبيعة، مثل دوكينز، من عدة زوايا:
يعتقد ألفين بلانتينغا[48] Alvin Plantinga أن الانتقاء الطبيعي يوضح فقط وظيفة بقاء الأنواع، وليس إنتاج معتقدات أي أنواع حقيقية في الأفراد. ومع ذلك، فهو يرفض ظاهرية لوكين التقليدية Lockean Evidentialism، وهو الرأي القائل بأن الاعتقاد يحتاج إلى أدلة كافية كمعيار لتبريره. لكنه يرفض تقديم شرط الإيمان أو الوجودية لحقيقة المعتقدات الدينية. بدلاً من ذلك، يدعي أن المعتقدات الدينية لها ما يبررها دون أي سبب وهي “أساسية بشكل صحيح”. هذه هي على النقيض من ادعاءات اللاهوت الطبيعي لتشكيل أساس له نظرية المعرفة الإصلاحية Reformed epistemology. علماء نظرية الإصلاح الآخرون ألستون W.P Alston ونيكولاس وولترستورف Nicholas Wolterstorff.
يبني بلانتينغا نظرية المعرفة الإصلاحية عن طريق العديد من الانتقادات لإثبات الظاهرية Evidentialism:
- أولاً، عادة ما تكون معايير الأدلة في الظاهرية عالية للغاية. معظم معتقداتنا اليومية الموثوقة لا تخضع لمثل هذه المعايير الصارمة.
- ثانياً، مجموعة الحجج التي يهاجمها دعاة الظاهرية هي تقليدية ضيقة للغاية. يقترح بلانتينغا أنهم يميلون إلى إغفال الكثير مما هو متاح داخليًا للمؤمن: معتقدات مهمة تتعلق بالجمال والسمات البدنية للمخلوقات واللعب والتمتع والأخلاق ومعنى الحياة.
- ثالثًا، غالبًا ما يفشل أولئك الذين يستخدمون هذه الانتقادات المعرفية في إدراك أن الانتقادات ذاتها تعتمد على افتراضات مساعدة ليست هي نفسها نظرية معرفية، بل هي لاهوتية أو ميتافيزيقية أو أنطولوجية.
- أخيرًا، والأهم من ذلك، لا تخضع جميع المعتقدات لمثل هذه الأدلة. المعتقدات في الذكريات أو العقول الأخرى، على سبيل المثال، تحتكم عمومًا لشيء أساسي بشكل صحيح بعيد عن متناول الأدلة.
ما هو أساسي لمعتقد ديني يمكن أن يكون، على سبيل المثال، تجربة دينية عميقة شخصية. باختصار، أن تكون بديهيًا أو راسخًا أو ظاهرًا للحواس ليس شرطًا ضروريًا لتحقيق الأساسيات الصحيحة. نناقش ما هو أساسي من الأسفل بدلاً من أعلاه. يتم اختبار هذه المطالبات من قبل مجموعة ذات صلة من “العلامات الداخلية”. لا يعترف بلانتينغا أنه في الواقع لا يمكن افتراض قبول واسع للعلامات. ويخلص مع ذلك إلى أن المؤمنين الدينيين لا يمكن اتهامهم بالتهرب من بعض واجبات المعرفة الأساسية من خلال الاعتماد على هذا الشكل الأساسي من الأدلة.
تتطور الآراء المعرفية بلانتينجا بأن هناك تمييزًا مهمًا بين تحديد ما إذا كان المعتقد الديني صحيحًا أم لا (فعليًا) وما إذا كان يجب على المرء قبوله أم لا (شرعيًا). لأساسيات شرعية على سبيل المثال، يمكن للمرء أن يُلمح بأن المعتقدات غير عقلانية لأنها تنتج إما عن طريق عملية خاطئة أو عن طريق عملية مناسبة تهدف إلى هدف أو غاية خاطئة. وقد اُنتقد الإيمان بالله أو التوحيدية Theism على كل من هذه الأسس. ولكن بما أن المسيحية تدعي أنها صحيحة، يجب أن تتحول الاعتبارات القانونية التشريعية في النهاية إلى اعتبارات فعلية.
ينتقد هالدين[49] J.J. Haldane الانتقادات العلمية للدين على أساس أنهما يفترضان افتراضين غير معترف بهما حول الواقع: وجود أنماط منتظمة من التفاعل، وحقيقة الذكاء المستقر لدى البشر. لا يمكن إثبات هذه الافتراضات نفسها عن طريق البحث العلمي. وهكذا يبدو غريباً أن تعارض المنافسين طرقًا علمية ودينية للتفكير في الواقع. العلم نفسه يشبه الإيمان في الاعتماد على هذه الافتراضات؛ يحمل اللاهوت دفعة علمية في السؤال عن كيفية نشأة العالم. لكن ماذا نصنع بحقيقة أن النماذج العلمية غالباً ما تفسر العالم بشكل أفضل من الادعاءات الدينية؟ ما يزعج هالدين هو التفسير التوضيحي الذي تستخدمه العلوم الفيزيائية، وغالبًا ما يُعتقد أنه يستتبعه التخفيض الأنطولوجي الذي تفترضه. على سبيل المثال، حقيقة أن الشخص يستطيع إعطاء وصف كامل للعمل البشري والتنمية على المستوى البيولوجي وحده، غالبًا ما يُعتقد أنها تعني أنه يمكن شرح كل الإجراءات والتطوير وفقًا للقوانين البيولوجية. يرفض هالدين هذه الأطروحة، بحجة أن بعض الأحداث العقلية قد تكون مختصرة من الناحية النظرية إلى أحداث جسدية، لكن الحديث عن الأحداث البدنية لا يمكن أن يكون بديلاً عن الأحداث العقلية لترتيب التفسير. مثل هذه الحجة تعكس الاتجاه العام للأحادية اللاإنسانية التي اقترحها دونالد ديفيدسون Donald Davidson. يخلص هالدين إلى أن اللغة يمكن أن تكون مصدرًا فريدًا للإمكانات التوضيحية لجميع الأنشطة البشرية.
مثل هالدين، تحمل نانسي ميرفي[50] Nancey Murphy أيضًا شكلاً جديدًا من التوافق بين الدين والعلم. في العلوم واللاهوت، تجادل بأن الاختلافات بين المنهجيات العلمية واللاهوتية هي فقط في المنزلة والترتيب وليست في التصنيف أو النوع. إنها تعترف بأن المنهجية العلمية قد غيرت بشكل جذري الطريقة التي نفكر بها في العالم. نتيجة لذلك، كان اللاهوت في العصر الحديث منشغلاً بمسألة المنهج اللاهوتي. لكنها تعتقد أن الطريقة اللاهوتية يمكن أن تتطور لتلبية نفس معايير المعايير التي تتبعها الطريقة العلمية.
لقد تتطور التفكير العلمي في القرن العشرين بشكل خاص بعيداً عن النزعة التأسيسية Foundationalism: اشتقاق النظريات من المبادئ الأولى التي لا مفر منها. وحث ويلارد فان Willard van Orman Quine وأخرون من علماء المنهجية العلمية على التخلي عن التأسيسية. ادعى أن المعرفة تشبه شبكة أو شبكة من المعتقدات: بعض المعتقدات هي ببساطة أكثر عرضة للاعتماد أو الرفض في مواقف معينة أكثر من غيرها. ترى ميرفي أن اللاهوت يتطور أيضًا بعيدًا عن الأسس التي كانت التفسيرات الحرفية للكتاب المقدس توفرها. الآن تميل إلى التأكيد على أهمية التجربة الدينية والتفسير الفردي للمعتقدات. ولكن هناك مشكلتان تنتظران الانتقال من اللاهوت بعيدًا عن التأسيسية: الذاتية Subjectivism والدائرية Circularity. الذاتية تنبع من عدم قدرة المؤمن على القفز من تجربته الداخلية الخاصة إلى العالم الواقعي. الدائرية تخرج من عدم وجود أي نوع من التدقيق الخارجي على التفسير. السدير ماكنتاير Alasdair MacIntyre اهتم بالمشكلة الأخيرة. يدعي أن الأدلة على الاعتقاد تتطلب تجربة صادقة لكل اعتقاد لاحق ينشأ منها. لكن ميرفي تجد أن هذا النهج لا يزال قريبًا من التأسيسية. وبدلاً من ذلك، قامت بتطوير معيارين غير أساسيين لتفسير المعتقد الديني: أن العديد من التجارب ذات الصلة ولكن المتباينة تؤدي إلى الاعتقاد، وأن المعتقد له عواقب يمكن ملاحظتها علنًا تنبثق عنها.
لتوضيح هذا النهج في تفسير المعتقدات، تعتبر ميرفي ادعاء كاثرين السينية Catherine of Siena بأن “التحقق Verification” الحقيقي من الإعلان من الله يتطلب أن يشارك المؤمن في وقت لاحق في أعمال يمكن ملاحظتها علناً من التواضع وأعمال المحبة. يتطلب التحقق أيضًا ما تسميه ميرفي بالتمييز أو الفطنة. تكشف الفطنة عن تجارب وتفسيرات مماثلة في المؤمنين الآخرين وموثوقية معينة في الأعمال المحررة. إنها تعمل بنفس الطريقة التي تعمل بها نظرية الأجهزة في العلوم. غالبًا ما يحدث التمييز داخل مجتمع من نوع ما.
لكن هل هذه المعتقدات، المدعومة من هذا التحقق غير المباشر والتمييز المجتمعي، ما زالت مزيفة بأي حال من الأحوال؟ تشير ميرفي إلى أن التجربة الدينية تصادمت مع العقيدة اللاهوتية الموثوقة مرات عديدة. لكنها انتهت أيضًا بتصحيح ذلك، على سبيل المثال الطريقة التي غيرت بها كتابات كاترين في النهاية التقاليد الكاثوليكية الرومانية التي كانت تًَكتب بها.
ومع ذلك، تدعي ميرفي أنه إلى أن يأخذ اللاهوت المكانة كنوع من المعرفة بواقع مستقل عن الإنسان، فمن غير المرجح أن يكون لللاهوت والعلوم حوار مثمر. لكنها تعتقد أن التحول من إضفاء الطابع الذاتي Subjectivization على التحول الليبرالي في اللاهوت إلى الخطاب حول التدين الإنساني سيساعد هذا الحوار.
ينتقد الفيلسوف الكندي تشارلز تيلور[51] Charles Taylor، الناقد القوي للتأثير السلبي للعلوم الطبيعية على الإيمان. يجد تيلور في كل الأمور الطبيعية نوعًا من “الإنسانية الحصرية exclusive humanism” التي لا تضع البشر في قلب الكون فحسب، بل تحرمهم من أي تطلعات حقيقية إلى أهداف أو دول خارج العالم الذي يعيشون فيه. في الحداثة، أدت الطبيعية Naturalism إلى العلمانية Secularization. في كتاب “مصادر الذات Sources of the Self“، يجادل تيلور بأن العلمانية، مستوحاة من كل من لوثر وكالفن، نتج أولاً عن إعطاء الأولوية لـ “الحياة العادية” للزواج والأسرة مقارنةً بالحياة التأملية في الحالة المرتقبة أو الدينية. في المراحل اللاحقة، أدى ذلك إلى تحويل الممارسات الثقافية إلى أشكال محايدة فيما يتعلق بالانتماء الديني. لكن العلمنة ليست مشكلة ظاهرة للعيان لأي مؤمن ديني، لأنها لا تمنع إمكانية العقيدة الدينية أو الممارسات بحد ذاتها. علاوة على ذلك، فإن العلمنة قد مكنت من تطوير الهياكل القانونية والحكومية، مثل حقوق الإنسان، بشكل أفضل للمجتمعات التعددية التي تحتوي على أشخاص من عدد من الديانات المختلفة. وبالتالي فقد سهل الأمر على المسيحيين قبول الحقوق الكاملة للملحدين أو منتهكي القانون الأخلاقي المسيحي. ومع ذلك، يرى تيلور مشاكل تطرحها العلمانية على الإيمان المسيحي. يمكن أن تسهل الزواج بين الإيمان المسيحي وشكل معين من الثقافة.
على النقيض من الطبيعية، يحث تيلور على تبني وجهة نظر فائقة فريدة من نوعها. وجهة النظر هذه لا تساوي حياة ذات معنى مع حياة كاملة أو جيدة. بدلاً من ذلك، فإن النظرة الفائقة توجد في المعاناة والموت ليس فقط شيئًا مهمًا يتجاوز الحياة، ولكن شيئًا ما تستمد منه الحياة نفسها في الأساس. هكذا تكون الحياة الطبيعية تابعة “للحياة الوفيرة” التي يدعو إليها يسوع في خطابه “الراعي الصالح” (الكتاب المقدس- إنجيل يوحنا 10: 10). تتطلب دعوة المتسامي، في نهاية المطاف، تحويلًا أو تغييرًا في الهوية. هذا هو الانتقال من التمركز على الذات، وهو نوع من الحالة الطبيعية، إلى محورية الله. غير قادر على إيجاد قيمة في المعاناة والموت، أولئك الذين يركزون على الحياة العادية يحاولون بجد لتجنبهم. إن عواقب هذه المقاومة للمتسامي، والتي توجد في هذا العناق غير الحاسم للحياة العادية، ليست معنوية بقدر ما هي معنوية وروحية. تؤكد فضائل الحياة العادية على الإحسان والتضامن. لكن الأفراد المعاصرين، الذين يحاولون تلبية هذه المطالب، يختبرون بدلاً من ذلك شعورًا متزايدًا بالغضب والعبث، وحتى الاحتقار عندما يواجهون خيبات الأمل في الأداء البشري الفعلي. هذه هي الحياة العادية جدليات الاستقبال Dialectics of Reception. الرؤية الفائقة، من ناحية أخرى، تفتح مستقبلاً للبشر ليست مسألة ضمانة، بل إيمان فقط. مشتق من “الوقوف بين الآخرين في مجرى” حب الله غير المشروط.
المبدأ اللاهوتي الذي يدعم به تيلور هذه الرؤية هو أن “…الخلاص يحدث من خلال التجسد…”. يتطلب “العادي” المتجسد والطبيعي دائمًا دعوة فدائية يتجاوز هدف مساعينا المستوحاة من الإيمان والأمل.
ف. لَاَهُوتُ التَّحْرِيرِ Liberation Theology:
لقد استمد علماء اللاهوت التحرري ، مثل خوان سيجوندو Juan Segundo وليوناردو بوف Leonardo Boff، إلهامهم من محنة الفقر والظلم في شعوب العالم الثالث، وخاصة أمريكا اللاتينية. بالاعتماد على تمييز ماركس بين النظرية والتطبيق، يجادل غوستافو غوتيريز[52] Gustavo Gutiérrez، في كتاب “لاهوت التحرير A Theology of Liberation“، أن اللاهوت هو انعكاس نقدي على الوضع الاجتماعي والثقافي الذي يحدث فيه الاعتقاد. في نهاية المطاف فإن اللاهوت تفاعلي: إنه لا ينتج ممارسة رعوية، ولكنه يجد الروح إما حاضرة أو غائبة في الممارسات الحالية. يبدأ التأمل بفحص إيمان شعب ما عبر أعمالهم الخيرية: حياتهم والوعظ والالتزام التاريخي للكنيسة. يستمد التأمل أيضًا من مجمل تاريخ البشرية. في لحظة واحدة، يوفر التفكير موارد لممارسات جديدة. وبالتالي فإنه يحمي إيمان الناس من الممارسات غير الناقدة للخرافات والوثنية. يلعب اللاهوت بالتالي دورًا نبويًا، من خلال تفسير الأحداث التاريخية بقصد الكشف عن معانيها العميقة وإعلانها.
[1] سورين كيركيغارد Søren Kierkegaard: 1813م- 1855م، فيلسوف ولاهوتي دنماركي. كان لفلسفته تأثير حاسم على الفلسفات اللاحقة، لا سيما في ما سيعرف بالوجودية المؤمنة. تُركز أعماله اللاهوتية على الأخلاقيات المَسيحية والكَنيسة وعلى الاختلافات بين الدلائل الواضحة للمسيحية والعلاقة المباشرة للفرد مع السيد المسيح، الإنسان-الإله الذي يَحِل من خلال الإيمان.
[2] جون لوك John Locke: 1632- 1704 هو فيلسوف تجريبي ومفكر سياسي إنجليزي. تحّول إلى الفلسفة، فأنتج طوال فترة عملية غير قصيرة مؤلفاً قيِّماً في موضوع المشكلات التي يستطيع الفهم البشري التعاطي بها.
[3] الوضعانية المنطقية Logical positivism: هي حركة فلسفية ظهرت في النمسا وألمانيا في العقد الثاني من القرن العشرين. تعنى هذه الحركة الفلسفية بالتحليل المنطقي للمعرفة العلمية، حيث تؤكد أن المقولات الميتافيزيقية أو الدينية فارغة من أي معنى إدراكي. وبالتالي لا تعدو كونها تعبيرًا عن مشاعرَ أو رغبات. المقولات الرياضية والمنطقية والطبيعية فقط ذات معنى محدد.
[4] Going beyond or surpassing human reason or the rational. (MERRIAM-WEBSTER DICTIONARIES.)
يشير إلى تجربة الظواهر الموضوعية غير الشخصية وغير العقلانية التي تحدث في الكون الطبيعي، والمعلومات والخبرات التي لا تتلاءم بسهولة مع الهيكل المنطقي القياسي للتأثير والسبب؛ أنواع الخبرة التي عادةً ما يتم تصنيفها ورفضها على أنها خرافات وغير عقلانية وفي أقصى الحدود غير طبيعية ومجنونة. (Bernstein, Jerome S. Introduction. Living in the Borderland: The Evolution of Consciousness and the Challenge of Healing Trauma. London: Routledge, 2005. xv-xvi.)
المراجع ولقراءة أكثر عمقًا:
- Alston, William. “History of Philosophy of Religion.” The Routledge Encyclopedia of Philosophy. Vol. 8. Ed. E. Craig. New York: Routledge, 1998. Pp. 238-248. “This article provides a good basic outline of the problem of faith and reason”.
- Asimov, Isaac. Asimov’s Biographical Encyclopedia of Science and Technology. Garden City NY: Doubleday, 1964. Much of the above section of Galileo comes from this text.
- Copleston, Frederick. Medieval Philosophy. New York: Harper, 1952.
- Helm, Paul, ed. Faith and Reason. Oxford: Oxford University Press, 1999. This text has an excellent set of readings and good introductions to each section. Some of the above treatment of the introductions to each period are derived from it.
- McInerny, Ralph. St. Thomas Aquinas. Boston: Twayne, 1977.
- McGrath, Alister, ed. The Christian Theology Reader. Oxford: Basil Blackwell, 1995. This text provided some of the above material on early Christian philosophers.
- Meagher, Paul, Thomas O’Brien and Consuelo Aherne, eds. Encyclopedic Dictionary of Religion. 3 Vols. Washington DC: Corpus Publications, 1979.
- Murphy, Nancey. “Religion and Science.” The Routledge Encyclopedia of Philosophy. Vol. 8. Ed. E. Craig.. New York: Routledge, 1998. Pp. 230-236
- Murphy, Nancey. Theology in the Age of Scientific Reasoning. Ithaca NY: Cornell University Press, 1990.
- Peterson, Michael, William Hasker, Bruce Reichenback, David Basinger. Philosophy of Religion: Selected Readings. Oxford: Oxford University Press, 2001. This text was helpful for the above treatments of Richard Dawkins and Nancey Murphy.
- Plantinga, Alvin. “Religion and Epistemology.” The Routledge Encyclopedia of Philosophy. Vol. 8. Ed. E. Craig. London/New York: Routledge, 1998. Pp. 209-218.
- Pojman, Louis, ed. Philosophy of Religion: An Anthology. 2nd ed. Belmont CA.: Wadsworth, 1994. This text provides a good introduction to the philosophy of religion. Some of the above treatments of Kant, Pascal, Plantinga, Cahn, Leibniz, Flew, Hare, Mitchell, Wittgenstein, and Hick are derived from its summaries.
- Pomerleau, Wayne. Western Philosophies of Religion. New York, Ardsley House, 1998. This text serves as the basis for much of the above summaries of Augustine, Aquinas, Descartes, Locke, Leibniz, Hume, Kant, Hegel, Kierkegaard, James, Wittgenstein, and Hick.
- Rolston, Holmes III. Science and Religion: A Critical Survey. New York: Random House, 1987. This has a good section on the anthropic principle.
- Solomon, Robert, ed. Existentialism. New York: The Modern Library, 1974.
- Taylor, Charles. A Catholic Modernity? Oxford: Oxford University Press, 1999.
- Taylor, Charles. Sources of the Self. Cambridge MA.: Harvard University Press, 1989.
- Wolterstoff, Nicholas. “Faith.” The Routledge Encyclopedia of Philosophy. Vol. 3. Ed. E. Craig. London: Routledge, 1998. Pp. 538-544. This text formed the basis for much of the above treatment of “Reformed Epistemology.
[1] اللاهوت السلبي negative theology/ Apophatic theology: هو شكل من أشكال التفكير اللاهوتي والممارسة الدينية التي تحاول التعامل مع الإلهي، بالنفي، للتحدث فقط من حيث ما قد لا يُقال عن الخير التام الذي هو الله.
(Nicholas Bunnin and Jiyuan Yu. “The Blackwell Dictionary of Western Philosophy: negative theology”. Blackwell Reference Online.)
قد حدس ذلك اللاهوتي هنري دو لوباك عندما صرح: “لا يمكن التفكير حقًا بالله، إذا لم نعترف به كإله متسامي، دون أن نرفع قلوبنا وأفكارنا إلى العلاء، فما من برهان يستطيع أن يتجاوز خبرة الله”.
)H. De Lubac, Sur les Chemins de Dieu, 183-4(.
[2] الإيمانية Fideism: هي نظرية إبيستيمولوجية تؤكد أن الإيمان مستقل عن العقل، أو أن العقل والإيمان معادان لبعضهما البعض، والإيمان متفوق في التوصل إلى حقائق معينة. تأتي من الأصل اللاتيني fides، وتعني حرفيًا “الإيمان faith-ism”.
( Amesbury, Richard (2005), “Fideism”, Stanford Encyclopedia of Philosophy.)
[3] اللاهوت الطبيعي Natural Theology: هو برنامج للتحقيق في وجود وسمات الله دون الإشارة أو النداء إلى أي الإعلان الإلهي. في اللاهوت الطبيعي، يسأل المرء عما تعنيه كلمة “الله”، وما إذا كان يمكن تطبيق الأسماء على الله. لذلك هو نوع من اللاهوت الذي يقدم الحجج لوجود الله على أساس العقل والتجربة العادية للطبيعة.
(Internet Encyclopedia of Philosophy).
[4] الغنوصية أو العرفانية أو المعرفية Gnosticism: هي مصطلحات حديثة تطلق على مجموعة من أفكار ومعارف من الديانات القديمة التي انبعثت من المجتمعات اليهودية في القرنين الأول والثاني الميلاديين. وبحسب تفسيرهم للتوراة، اعتبر الغنوصيون (أو العرفانيون) أن الكون المادي هو انبثاق للرب الأعلى الذي وضع الشعلة الإلهية في صلب الجسد البشري. ويمكن تحرير أو إطلاق هذه الشعلة عن طريق معرفتها، أي “أغنصتها”.
[5] النخبوية Elitism: هي الاعتقاد أو تبني فكرة أن الأفراد الذين يشكلون نخبة المجتمع (مجموعة معينة من الناس ذوي أصول معينة ومستوى فكر عالي وثروة ومهارات وخبرات مميزة) هم الأكثر احتمالًا وكفاءةً في بناء المجتمع ككل، ولذلك يستحقون نفوذًا أو سلطة أكبر من سلطة الآخرين.
[6] بارمينيدس Parmenides: كان يرى بارمينيدس أن كل ما هو موجود قد وجد منذ الأبد. فلا يولد شيء من لا شيء، وما ليس موجوداً لا يمكن أن يُصبح شيئاً. ورُغم أن حواسُه تلحظ تحول الأشياء إلا أن عقله لا يُصدقها. وتركز عمله كفيلسوف في تأكيد خيانة الحواس، بكل أشكالها. وكان يؤمن بالعقلانية وهو الإيمان الوطيد بعقل الإنسان، ويؤمن بأن العقل هو مصدر كل معرفة بالعالم.
[7] بولس الطرسوسي: ويعرف عند المسيحيين بأنَّه بولس الرسول أو القديس بولس، هو أحد قادة الجيل المسيحي الأول وينظر إليه البعض على أنه ثاني أهم شخصية في تاريخ المسيحية بعد يسوع نفسه. يعرف من قبل المسيحيين برسول الأمم حيث يعتبرونه من أبرز من بشر بهذه الديانة في آسيا الصغرى وأوروبا، وكان له الكثير من المريدين والخصوم على حد سواء. من خلال الرسائل التي تنسب إليه تتبين ملامح صراع خاضه بولس ليثبت شرعية ومصداقية عمله كرسول للمسيح. ساهم التأثير الذي خلفه بولس في المسيحية بجعله واحداً من أكبر القادة الدينيين في العالم على مر العصور.
[8] ترتليان: يعتبر العلامة كوينتس سبتيموس فلورنس ترتليانوس Quintus Septimius Floren Tertulianus كاهن قرطاجنة أب علم اللاهوت في الكنيسة اللاتينية، من حيث فضله على تقدم المصطلحات اللاهوتية، وأحد المدافعين المسيحيين الأوائل. 160- 220 م.
كتاب “قاموس آباء الكنيسة وقدسييها مع بعض شخصيات كنسية” للقمص تادرس يعقوب ملطي.
[9] الشهيد يوستينوس الفيلسوف المُدافِع: 100-165 م. ويروي بنفسه في كتابه “حوار مع تريفون” كيف انتقل من الفلسفة إلى المسيحية، وكان ذلك في مدينة أفسس في عهد هادريان. ثم طاف العالم على طريقة فلاسفة عصره مبشرًا بإيمانه.
كتاب “قاموس آباء الكنيسة وقدسييها مع بعض شخصيات كنسية” للقمص تادرس يعقوب ملطي.
[10] إكليمندس الإسكندري باللاتينية :Titus Flavius Clemens هو واحد من أبرز معلمي مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، ولد في أثينا في منتصف القرن الثاني الميلادي وتوفي بين عامي 211 و 215. أبرز ما ميز تعاليمه هو ربطه وتوحيده بين الفلسفة اليونانية واللاهوت المسيحي، فكانت كل كتاباته بشكل عام موجهة للعالم الهيليني والثقافة اليونانية.
[11] المانوية أو المنانية Manichean: كما ذكر ابن النديم في الفهرست – ديانة تنسب إلى ماني المولود في عام 216 م في بابل، كان في الأصل مجوسياً عارفاً بمذاهب القوم وكان يقول بنبوة المسيح ولا يقول بنبوة موسى فنحى منحىً بين المجوسية والمسيحية. حاول ماني إقامة صلة بين ديانته والديانة المسيحية وكذلك البوذية والزرادشتية، ولذلك فهو يعتبر كلاً من بوذا وزرادشت ويسوع أسلافاً له، وقد كتب ماني عدة كتب من بينها إنجيله الذي أراده أن يكون نظيراً لإنجيل المسيح. أتباع المانوية هم من تعارف عليهم أولا بإطلاق لقب الزنادقة.
[12] ديونسيوس الأريوباغى Dionysius the Areopagite: حاول التوفيق بين اللاهوت المسيحي والفلسفة الأفلاطونية الحديثة.
[13] يصف كتاب “اللاهوت المستيكي” (الباطني) صعود النفس حتى تبلغ فيضًا من المعرفة والإدراك واتحادًا مع الله أو تألها. التأمل مع الصلاة هو أمر رئيسي وجوهري لتحقيق ذلك، حيث يحملان الإنسان إلى خارجه ليدخلا به إلى رؤية الله في دهشٍ.
[14] انسلم أسقف كانتربري: 1033 – 1109. لاهوتي وفيلسوف من أوائل السكولائيين المدرسيين. كان له تأثيراً بالغاً على اللاهوت الغربي. كان انسلم يعتقد أن الإيمان يجب أن يسبق المعرفة، فيجب أن تؤمن لتعرف، ومع ذلك يمكن للإيمان أن يبنى على المعرفة.
[15] بيتر لومبارد: 1096- 1160. كان لاهوتيًا مدرسيًا، أسقف باريس، ومؤلف كتاب “أربعة كتب جمل” ، والذي أصبح كتابًا قياسيًا في علم اللاهوت. كان مبدأ لومبارد عندما يحب المسيحي الله وجاره، فإن هذا الحب هو الله حرفيًا. يصبح إلهياً ويستغرق في حياة الثالوث. يمكن استنباط هذه الفكرة، في شكلها البدائي، من بعض ملاحظات القديس أغسطينوس. على الرغم من أن هذا لم يعلن أبداً أنه غير تقليدي، إلا أن القليل من اللاهوتيين اتباعوا بيتر لومبارد في هذا الجانب من تعليمه.
[16] علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا: 980-1037، عالم وطبيب بخاري، اشتهر بالطب والفلسفة واشتغل بهما. يعتبر الفكر الفلسفي لأبي علي ابن سينا امتداداً لفكر الفارابي وقد أخذ عن الفارابي فلسفته الطبيعية وفلسفته الإلهية أي تصوره للموجودات وتصوره للوجود وأخذ منه على الأخص نظرية الصدور وطوّر نظرية النفس وهو أكثر ما عني به. كما صاغ برهان الصديقين الشهير في إثبات وجود الله.
[17] أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد: 1126-1198، يسميه الأوروبيون Averroes واشتهر باسم ابن رشد الحفيد. هو فيلسوف وطبيب وفقيه وقاضي وفلكي وفيزيائي عربي مسلم أندلسي. يعد ابن رشد من أهم فلاسفة الإسلام. دافع عن الفلسفة وصحح للعلماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو.
[18] توما الأكويني: (راهب دومينيكاني) 1225-1274. قسيس وقديس كاثوليكي إيطالي من الرهبانية الدومينيكانية، وفيلسوف ولاهوتي مؤثر ضمن تقليد الفلسفة المدرسية. أحد معلمي الكنيسة الثلاثة والثلاثين، ويعرف بالعالِم الملائكي (Doctor Angelicus) والعالم المحيط (Doctor Universalis). عادة ما يُشار إليه باسم توما، والأكويني نسبته إلى محل إقامته في أكوين. كان أحد الشخصيات المؤثرة في مذهب اللاهوت الطبيعي، وهو أبو المدرسة التوماوية في الفلسفة واللاهوت. تأثيره واسع على الفلسفة الغربية، وكثيرٌ من أفكار الفلسفة الغربية الحديثة إما ثورة ضد أفكاره أو اتفاقٌ معها، خصوصاً في مسائل الأخلاق والقانون الطبيعي ونظرية السياسة. ويُعرف بعمليه خلاصة اللاهوت والخلق والخالق. يعتبره العديد من المسيحيين فيلسوف الكنيسة الأعظم لذلك تُسمى باسمه العديد من المؤسسات التعليمية.
[19] جون دانز سكوطس: 1265 – 1308. هو فيلسوف ولاهوتي فرنسيسكاني اسكتلندي. تعرف فلسفته بـالسكوطية. تأثر بالنزعة الأوغسطينية، وبالقديس بونافنتورا، وأفاد كثيراً من أرسطو. انتقد لاهوت توما الأكويني. أكد أن الإيمان، ليس شأنا تأمليا بل عمل من أعمال الإرادة.
[20] وليم الأوكامي: 1288 – 1348. هو راهب ومدرسي إنكليزي من أوكهام. له فكرة فلسفية تسمى شفرة أوكهام والتي توضح أن أبسط السبل لحل المشكلة هو الحل الصحيح لها.
[21] غاليليو غاليلي Galileo Galilei: 1564 – 1642. عالِم فلكي وفيلسوف وفيزيائي إيطالي. نشر نظرية كوبرنيكوس ودافع عنها بقوة على أسس فيزيائية، فقام أولاً بإثبات خطأ نظرية أرسطو حول الحركة، وقام بذلك عن طريق الملاحظة والتجربة.
[22] إيرازموس: 1466 – 1536. هو فيلسوف هولندي، من رواد الحركة الإنسانية في أوروبا، ومن الخدمات التي أسداها للتعليم علاوة على نشره الكتب التربوية اتصاله المباشر بالطلبة والمراسلات الشخصية وقد تناول في مؤلفاته معظم مظاهر التربية وقضاياها الهامة مثل الطريقة والمحتوى وآداب الطفولة وتعليم اللغة. كان يكتب باللغة اللاتينية. قام بالتعليق على نصوص العهد الجديد، وحاول أن يضع مبادئ الحركة الإنسانية حسب التوجهات المسيحية، كما أراد أن يقرب بين أتباع المذهب الكاثوليكي وأتباع الحركات الإصلاحية الجديدة.
[23] مارتن لوثر: 1483 – 1546، راهب ألماني، وقسيس، وأستاذ للاهوت، ومُطلق عصر الإصلاح في أوروبا. نشر في عام 1517 رسالته الشهيرة المؤلفة من خمس وتسعين نقطة تتعلق أغلبها بلاهوت التحرير وسلطة البابا في الحل من “العقاب الزمني للخطيئة”. رفضه التراجع عن نقاطه الخمس والتسعين بناءً على طلب البابا ليون العاشر عام 1520 وطلب الإمبراطورية الرومانية المقدسة ممثلة بالإمبراطور شارل الخامس أدى به للنفي والحرم الكنسي وإدانته مع كتاباته بوصفها مهرطقه كنسيًا وخارجة عن القوانين المرعيّة في الإمبراطوريّة.
أبرز مقومات فكر لوثر اللاهوتي هي أنّ الحصول على الخلاص أو غفران الخطايا هو هديّة مجانيّة ونعمة الله من خلال الإيمان بيسوع المسيح مخلصًا، وبالتالي ليس من شروط نيل الغفران القيام بأي عمل تكفيري أو صالح؛ وثانيًا رفض «السلطة التعليمية» في الكنيسة الكاثوليكية والتي تنيط بالبابا القول الفصل فيما يتعلق بتفسير الكتاب المقدس معتبرًا أنّ لكل إمرئ الحق في التفسير. وثالثًا أنّ الكتاب المقدس هو المصدر الوحيد للمعرفة المختصة بأمور الإيمان؛ وعارض رابعًا سلطة الكهنوت الخاص باعتبار أن جميع المسيحيين يتمتعون بدرجة الكهنوت المقدسة، وخامسًا سمح للقسس والرهبان بالزواج. ورغم أن جميع البروتستانت أو الإنجيليين في العالم يمكن ردهم إلى أفكار لوثر، إلا أن المتحلقين حول تراثه يطلق عليهم اسم الكنيسة اللوثرية.
[24] جون كالفن: 1509 – 1564، مصلح ديني ولاهوتي فرنسي، مؤسس المذهب الكالفيني المنتشر في سويسرا وفرنسا وهو من القلائل من الفلاسفة الذين استطاعوا أن يطبقوا ما انتجه من الفلسفة. كان من أشد أتباع المذهب اللوثري (نسبة إلى مارتن لوثر). من أهم أعماله “تأسيس الديانة المسيحية” (1536 م)، ويتعرض فيه للمعتقدات المسيحية.
[25] رينيه ديكارت: 1596 –1650، فيلسوف، وعالم رياضي وفيزيائي فرنسي، يلقب بـ”أبو الفلسفة الحديثة”، وكثير من الأطروحات الفلسفية الغربية التي جاءت بعده، هي انعكاسات لأطروحاته، والتي ما زالت تدرس حتى اليوم، خصوصًا كتاب (تأملات في الفلسفة الأولى-1641 م) الذي ما زال يشكل النص القياسي لمعظم كليات الفلسفة. كما أن لديكارت تأثير واضح في علم الرياضيات، فقد اخترع نظامًا رياضيًا سمي باسمه وهو (نظام الإحداثيات الديكارتية)، الذي شكل النواة الأولى لـ(الهندسة التحليلية)، فكان بذلك من الشخصيات الرئيسية في تاريخ الثورة العلمية. وديكارت هو الشخصية الرئيسية لمذهب العقلانية في القرن17 م، كما كان ضليعًا في علم الرياضيات، فضلًا عن الفلسفة، وأسهم إسهامًا كبيرًا في هذه العلوم، وديكارت هو صاحب المقولة الشهيرة: “أنا أفكر، إذًا أنا موجود‘”.
[26] باروخ سبينوزا: هو فيلسوف هولندي من أهم فلاسفة القرن 17. في مطلع شبابه كان موافقًا مع فلسفة رينيه ديكارت عن ثنائية الجسد والعقل باعتبارهما شيئين منفصلين، ولكنه عاد وغير وجهة نظره في وقت لاحق وأكد أنهما غير منفصلين، لكونهما كيان واحد. امتاز سبينوزا باستقامة أخلاقه وخطّ لنفسه نهجا فلسفيًا يعتبر أنّ الخير الأسمى يكون في “فرح المعرفة” أي في “اتحاد الروح بالطبيعة الكاملة”.
[27] بليز باسكال: 1623 – 1662، فيزيائي ورياضي وفيلسوف فرنسي اشتهر بتجاربه على السوائل في مجال الفيزياء، وبأعماله الخاصة بنظرية الاحتمالات في الرياضيات هو من اخترع الآلة الحاسبة. استطاع باسكال أن يسهم في إيجاد أسلوب جديد في النثر الفرنسي بمجموعته الرسائل الريفية.
[28] ديفيد هيوم: 1711 -1776، فيلسوف واقتصادي ومؤرخ اسكتلندي وشخصية مهمة في الفلسفة الغربية وتاريخ التنوير الاسكتلندي.
اشتهر كمؤرخ بداية، لكن الأكاديميين في السنوات الأخيرة ركزوا على كتاباته الفلسفية. كان أول فيلسوف كبير في العصر الحديث يطرح فلسفة طبيعية شاملة تألفت جزئيا من رفض الفكرة السائدة تاريخيا بأن العقول البشرية نسخ مصغرة عن “العقل الإلهي”. رفض الديانات والمسيحية وكتبها كدليل على وجود خالق. وبدلا من ذلك رأى أن أفضل ما يمكن القيام به تطبيق أقوى المبادئ التجريبية والمفسرة الموجودة من أجل دراسة ظاهرة العقل البشري، فبدأ بمشروع شبه نيوتني “علم الإنسان”.
[29] إيمانويل كنت أو إيمانويل كانط: فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر (1724 – 1804). كان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة. وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية. أكثر أعماله شهرة كتابه “نقد العقل المجرد” الذي نشره سنة 1781 وهو على مشارف الستين من عمره. يبحث كانت في هذا الكتاب ويستقصي محدودات وبنية العقل البشري ذاته. قام في كتابه هذا بالهجوم على الميتافيزيقا التقليدية ونظرية المعرفة الكلاسيكية. وأجمل وأبدع مساهماته كانت في هذا المجال بالتحديد.
[30] جورج فيلهلم فريدريش هيجل: 1770 —1831. يعتبر هيجل أحد أهم الفلاسفة الألمان، حيث يعتبر أهم مؤسسي المثالية الألمانية في الفلسفة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. طور المنهج الجدلي الذي أثبت من خلاله أن سير التاريخ والأفكار يتم بوجود الأطروحة ثم نقيضها ثم التوليف بينهما. كان لفلسفته أثر عميق على معظم الفلسفات المعاصرة.
[31] فريدريك دانيال إرنست شلايرماخر 1768- 1834. كان لاهوتي وفيلسوف وعالم الكتاب المقدس، عرف عنه محاولته التوفيق بين الانتقادات الموجهة إلى التنوير مع المسيحية البروتستانتية التقليدية. كما أصبح مؤثرا في تطور النقد العالي، ويشكل عمله جزءا أساسي في مجال علم التأويل الحديث. وكان له أثر عميق على الفكر المسيحي في وقت لاحق، وقال انه وغالبا ما يسمى “أب علم اللاهوت الحديث”، ويعتبر زعيم مبكر المسيحية الليبرالية. وحركة الأرثوذكسية الجديدة في القرن العشرين، والتي في العادة ينظر إليها على أنها بقيادة كارل بارت.
[32] كارل هانريك ماركس: 1818 – 1883، كان فيلسوف ألماني واقتصادي وعالم اجتماع ومؤرخ وصحفي واشتراكي ثوري. لعبت أفكاره دورًا هامًا في تأسيس علم الاجتماع وفي تطوير الحركات الاشتراكية. واعتبر ماركس أحد أعظم الاقتصاديين في التاريخ. نشر العديد من الكتب خلال حياته، أهمُها بيان الحزب الشيوعي (1848)، و رأس المال (1867–1894).
[33] لودفيغ فويرباخ: فيلسوفاً أنثروبولوجيّاً ألمانياً مشهوراً بكتابه “جوهر المسيحيّة”، والذي قام بنقد المسيحية، وكان مؤثّراً للغاية بأجيال من المفكرين اللاحقين، بما فيهم كارل ماركس وفريدريك أنجلز وريتشارد فاغنر وفريدريك نيتشه. دعا فويرباخ إلى الليبرالية والإلحاد والمادية. قدّمت العديد من كتاباته الفلسفية تحليلاً نقديّاً للدين. كان فكره مؤثرّاً في تطوّر الماديّة التاريخيّة. حيث غالباً ما يتم الاعتراف به كجسر بين هيجل وماركس.
[34] فريدريش فيلهيلم نيتشه: 1844- 1900. فيلسوف ألماني، ناقد ثقافي، شاعر وملحن ولغوي وباحث في اللاتينية واليونانية. كان لعمله تأثير عميق على الفلسفة الغربية وتاريخ الفكر الحديث. كان من أبرز الممهّدين لعلم النفس وكان عالم لغويات متميز. كتب نصوصاً وكتباً نقدية حول الدين والأخلاق والنفعية والفلسفة المعاصرة المادية والمثالية الألمانية. وكتب عن الرومانسية الألمانية والحداثة أيضاً، بلغة ألمانية بارعة. يُعدّ من بين الفلاسفة الأكثر شيوعاً وتداولاً بين القراء.
[35] جون هنري نيومان: شاعراً ولاهوتيّاً وفيلسوفاً وكاهناً أنجليكانياً تحوّل فيما بعد ليُصبح كاردينال كاثوليكياً.
[36] وليم جيمس: 1842- 1910 فيلسوف أمريكي، ومن رواد علم النفس الحديث وأحد أفراد جمعية الأبحاث النفسية. كتب كتباً مؤثرة في علم النفس الحديث وعلم النفس التربوي، وعلم النفس الديني والتصوف، والفلسفة البراغماتية.
[37] تشارلز بيرس: 1839- 1914 سيميائياتي وفيلسوف أمريكي. يُعدّ مؤسس الفعلانية أو العملانية مع ويليام جيمس. كما يُعتبر، إلى جانب فرديناند دي سوسير، أحد مؤسسي السيميائيات المعاصرة. في العقود الأخيرة، أعيد اكتشاف فكره بحيث صار أحد كبار المُجدِّدين، خصوصا في منهجية البحث وفلسفة العلوم.
[38] وليام كينغدون كليفورد: 1845- 1879. عالم رياضيات وفيلسوفًا.
[39] الواقعية هي أطروحة في نظرية المعرفة التي تنص على أن هناك ما يبرر تصديق شيء ما إذا وفقط إذا كان هذا الشخص لديه دليل يدعم معتقده. فالواقعية هي أطروحة حول أي المعتقدات لها ما يبررها والتي ليست كذلك.
[40] لودفيغ فتغنشتاين: واحد من أكبر فلاسفة القرن العشرين. عمل في المقام الأول في أسس المنطق، والفلسفة والرياضيات، وفلسفة الذهن، وفلسفة اللغة. اعتقد فتغنشتاين أن معظم المشاكل الفلسفية تقع بسبب اعتقاد الفلاسفة أن معظم الكلمات أسماء. كان لأفكاره أثرها الكبير على كل من “الوضعانية المنطقية وفلسفة التحليل”.
[41] كارل بارت: 1886- 1968، عالم لاهوت كالفيني سويسري يعده الكثير من العلماء من أهم مفكري القرن العشرين، وقد وصفه البابا بيوس الثاني عشر بأنه أهم عالم لاهوت ظهر منذ توماس الأكويني.
Houtz, Wyatt (2018-04-18). “The Life of Karl Barth: Early Life from Basel to Geneva 1886-1913 (Part 1)”. The PostBarthian. Retrieved 2019-02-23.
بدأ مسارًا لاهوتيًا جديدًا عُرف في البداية باسم اللاهوت الجدلي، بسبب تركيزه على الطبيعة المتناقضة للحقيقة المقدسة. وقد وصف بأنه أبو الأرثوذكسية الجديدة. ويشدد فكر بارت اللاهوتي على سيادة الإله، خاصةً خلال تفسيره للمذهب الكالفيني القائل بوجود الاصطفاء “الاختيار”. وأشهر أعمال بارت رسالة بولس الرسول إلى الرومان (The Epistle to the Romans)، التي كانت علامة فارقة على تحرره من فكره السابق؛ وعمله الضخم المؤلف من ثلاثة عشر جزءًا العقائد الكنسية (Church Dogmatics) والذي يُعد واحدًا من أكبر الأعمال اللاهوتية المنهجية المكتوبة على الإطلاق.
[42] في الفلسفة ontic من (اليونانية όντος =جزء من الوجود ειναι) الوجود المادي أو الواقعي، على عكس الوجود الوجودي الميتافيزيقي.
[43] في الفلسفة والدين، كلمة noetic، من اليونانية “نووس” عادةً ما يتم ترجمة (nous) كـ “عقل” أو “فهم” أو “عقل” أو “سبب”.
[44] كارل رانر: 1904- 1984، كاهنًا وعالم لاهوتيًا يسوعيًا، تأثر مجلس الفاتيكان الثاني كثيرا من اللاهوت وفهمه للإيمان الكاثوليكي.
[45] بول يوهانس تيليش: فيلسوف وجودي مسيحي ولاهوتي ألماني أمريكي 1886، أصبح واحد من أشهر اللاهوتيين في القرن العشرين. إرتكزت فلسفته على اعادة فهم المسيحية على الأساس الوجودي وإعادة كتابة تاريخ اللاهوت العقائدي والفكر الديني. أشهر مؤلفاته هي اللاهوت النظامي (1951-1953)، والشجاعة لتكون (1952)، و ديناميكيات الإيمان (1957).
[46] ستيفن كانْ: فيلسوف أمريكي، يهتم بفلسفة الدين وفلسفة التربية والأخلاقيات الأكاديمية والفلسفة السياسية.
[47] كلينتون ريتشارد دوكينز: عالمُ سلوك حيوان، وعالم أحياء تطوري، وكاتب. عُرف دوكينز بكونه ملحداً ومنتقداً للخلقية والتصميم الذكيّ. في كتابه صانع الساعات الأعمى (عام1986)، يحاجج دوكينز ضد تشبيه صانع الساعات، بأن تعقيد المتعضيات الحية دليل على وجود خالق خارق. يصف دوكينز العمليات التطورية بأنها “صانع ساعات أعمى” في التكاثر والتحوّر والاختيار، باعتبارها عمليات غير موجهة من أي مُصمّم.
[48] ألڤين كارل بلانتينغا Alvin Plantinga: 1932. هو فيلسوف تحليلي أمريكي، وأستاذ فخري للفلسفة في جامعة نوتردام. بلانتينغا معروف على نطاق واسع لعمله في فلسفة الدين ونظرية المعرفة والميتافيزيقيا واللاهوت الدفاعي. وهو مؤلف للعديد من الكتب بما في ذلك الله والعقول الأخرى (1967)، طبيعة الضرورة (1974)، وثلاث كتب عن نظرية المعرفة، وبلغت ذروتها في الإيمان المسيحي المبرر (2000). ولقد حاضر في محاضرات جيفورد مرتين وتم وصفه من قبل مجلة تايم باسم “فيلسوف الله الأرثوذكسي البروتستانتي القيادي لأميركا”.
[49] هالدين John Joseph Haldane: 1954، هو فيلسوف اسكتلندي ومعلق ومذيع. مستشار بابوي للفاتيكان. يرجع الفضل إليه في صياغة مصطلح “التحليلية لتوماس الأكويني”.
Prof John Haldane reappointed to Pontifical Council, SCMO, 2011 Archived 20 February 2015 at the Wayback Machine.
[50] نانسي ميرفي: هي فيلسوفة ولاهوتية أمريكية، وأستاذ الفلسفة المسيحية في كلية اللاهوت فولر باسادينا كاليفورنيا.
[51] تشارلز مارغريف تيلور: 1931، فيلسوف كندي. يُعدّ أحد أبرز الفلاسفة المعاصرين في مجال الفلسفة السياسية والفلسفة الأخلاقية.
[52] غوستافو غوتيريز: هو الفيلسوف من بيرو ولاهوتي وكاهن دومينيكي، ويعتبر أحد مؤسسي لاهوت التحرير.
Cornell, George W. (6 August 1988). “Founder of liberation theology deals with acclaim and criticism”. Lawrence Journal-World. Retrieved 1 September 2010.
يشغل حاليًا منصب أستاذ كرسي اللاهوت جون كاردينال أوهارا في جامعة نوتردام، وكان سابقًا أستاذًا في الجامعة البابوية الكاثوليكية في بيرو وأستاذًا زائرًا في العديد من الجامعات الكبرى في أمريكا الشمالية وأوروبا.