مجلة حكمة
يحيى النحوي

يحيى النحوي

الكاتبكريستيان قولدبيرغ
ترجمةعلي عبد الله، نور الدين وليد
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول يحيى النحوي؛ نص مترجم، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


من هو يحيى النحوي؟

يوحنا فيلوبونيس، فيلسوف وعالم ولاهوتي مسيحي، عاش تقريبا في الفترة من 490 إلى 570 ميلادية، وأيضا يعرف باسم ” يحيى النحوي” أو ” يحيى السكندري”. واللقب (فيلوبونيس) يعني “المجتهد.  ارتبطت أعمال يحيى النحوي وحياته بمدينة الإسكندرية وبالمدرسة الأفلاطونية الحديثة التي كانت في الإسكندرية ارتباطا وثيقا. وعلى الرغم من أن التقليد الأرسطي والأفلاطوني الحديث هو مصدر اهتماماته وأصوله الفكرية، إلا أنه كان مفكرا خلاقا وإبداعيا، فقد تمكن من تجاوز هذا التقليد في الكثير من القضايا الهامة من الناحية الموضوعية والمنهجية على حدٍ سواء، ومهد جزءا من الطريق إلى أساليب أكثر نقدية وتجريبية في العلوم الطبيعية.

لكن السؤال المثير للاهتمام سيكون عن ماهية تلك الظروف الفكرية أو الدينية أو غيرها من الظروف الثقافية في حياته وزمنه، التي ربما وضعت يحيى النحوي في وضع يسمح له إعلان بدء أفول الأرسطية؟ وفي الآونة الأخيرة، أقرت الدراسات الأكاديمية بالتقدير والعرفان والنبوغ لأعمال هذا الفيلسوف المهم من أواخر العصور القديمة.


 

1. مقدمة

تراث العالم يحيى النحوي مشتملُ على نحو أربعين رسالة في مختلف أنواع العلوم من النحو، والمنطق، والرياضيات، والفيزياء، والفلك، والكونيات، وعلم النفس، وعلم اللاهوت، والسياسات الكنسية؛ وقدت وُجدت بعض الرسائل الطبية المنسوبة إليه. ومع أنه قد وصل إلينا جزء وفير وجوهري من أعماله، ولكن هناك أجزاء أخرى لا نعرفها إلا من خلال الاقتباسات أو الترجمات السريانية والعربية. وبالرغم من أن شهرته وصيته الواسع ارتكز بشكل رئيسي على شروحاته وتعليقاته على أعمال أرسطو، إلا انه استهلًّ طريق تحرير العلوم الطبيعية من سطوة الأرسطية. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت شروحاته لكتب أرسطو ورسائله اللاهوتية، تُدرس على نطاق واسع، وتُترجم إلى لغات عدة، وتُقدر حق قدرها.

بدأت حياة يحيى النحوي العلمية لما كان تلميذا لأمونيوس بن هرمياس -فيلسوف الأفلاطونية الحديثة، ورئيس المدرسة الفلسفية في الإسكندرية، -والذي بدوره تتلمذ على يد برقلس في أثينا. وقد كانت بعض شروحات يحيى النحوي مبنية على محاضرات ودروس أستاذه أمونيوس، وكان يصرح بهذا ويقر بفضله عليه، إلا أنه كانت هناك مساحة دائمة لإبداعات يحيى النحوي وأفكاره الخلَاقة. وفي آخر الآمر، فقد استطاع يحيى النحوي تحويل الصيغة المدرسية الكلاسيكية من الشرح والتعليق المتجانس والمتوافق مع نظرة أرسطو، إلى سجال دائم من النقد.

وفي خضم نقده الخاص؛ فقد أخضع يحيى النحوي مبادئ وعقائد أساسية في المدرسة الأرسطية والأفلاطونية الحديثة تحت الفحص، والنقض والتعقيب، وبالأخص عقيدة “أزلية العالم “. تميزت كتابات يحيى بالازدراء المستمر للرموز الفكرية، بالإضافة الى النتائج التي توصل إليها أثارت عداوة زملائه الوثنيين. وقد أجبرت يحيى النحوي هذه العداوة إلى هجر وترك مسيرته الفلسفية في ثلاثينيات القرن السادس الميلادي 530s.


وفي النصف الثاني من حياته، كرّس طاقاته الكامنة في المناظرات الدينية الشائعة في زمنه. إلا انه من العجب أن الكنيسة الأرثوذكسية قد اعتبرته مهرطقا بعد وفاته في عام 680 م، بسبب تفسير عقيدة الثالوث بطريقة التثليث الإلهي، التي تجعل كلا من الآب والابن والروح القدس ثلاث كائنات إلهية مستقلة، وليسوا كيانا واحدة كما هي العقيدة المتبعة.


 فقد أراد يحيى النحوي فهم التصورات المتنازع حولها بطريقة أرسطية خالصة، تصورات مثل: ” الشخص، الطبيعة، الجوهر، الأقنوم”، فكان ينظر إلى يحيى النحوي على أنه لا يعلن الإيمان بإله واحد في ثلاثة أقانيم مختلفة (الأب والابن والروح القدس)، بل كان يؤمن بوجود ثلاث كيانات إلهية مستقلة عن بعضها البعض.

تعطي قراءة كتب يحيى النحوي جنبا إلى جنب مع خصمه اللدود سمبليقيوس المرء انطباعا أنه في القرن السادس الميلادي صارت التقاليد الوثنية منعزلة بشكل يائس. وأيضا يمكن للمرء ملاحظة أوجه التعارض الشديدة بين الفلسفة اليونانية والعقيدة المسيحية في كافة كتب وأعمال يحيى النحوي، فهو كان يكافح بأن يجعل إيمانه قابلا للعقلنة. وعلى الرغم من أن أسلوبه في التفكير يفشي تأثرا بالغا بأرسطو، إلا أنه يظهر تقاربا عقائديا مع أفلاطون مجردا من تفسيرات الأفلاطونية الحديثة المتراكمة. غالبا ما يكون أسلوب يحيى النحوي في الكتابة ملتويا، ونادرا ما يكون مثيرا للاهتمام، لأنه يركز على النقاط الصغيرة في البراهين والشروحات بطريقة صارمة. ومع ذلك فهو يكمل هذا النوع من الكتابة بروح حرة مستقلة، تسمح له بالتخلص من قيود السلطة الفلسفية أو اللاهوتية، كمعيار للحقيقة.

تُرجمت أعمال يحيى النحوي إلى العربية واللاتينية والسريانية، وأثرت على العديد من المفكرين أمثال: بونافنتورا وجرسونيدس وبوريدان، وأروسمي، وجاليليو.

2. الشروحات الفلسفية الموجودة

كانت الكتابات الأولى ليحيى النحوي تحوي على بعض الكلمات اليونانية التي يختلف معناها باختلاف اللهجة. لذا سنغض الطرف عن هذه الكتابات، إذ أنها ليست بذي قيمة من الناحية الفلسفية، وسنعطي لمحة عامة في هذه الفقرة عن كتاباته الفلسفية الباقية، وفي طليعتها تأتي شروحاته على أرسطو. ولأجل أن نقدر يحيى النحوي كعالم وفيلسوف حق قدره، ينبغي أن نأخذ ولو لمحة صغيرة عن البيئة الثقافية التي ترعرع فيها. ففي هذا الزمان، وحتى يطور الفيلسوف أفكاره الخاصة وينشرها بين الناس كانت هناك طريقة شائعة في أواخر العصور القديمة، ألا وهي وتضمين آراؤه الخاصة في الشروحات والتعليقات على النصوص الفلسفية الكلاسيكية لأرسطو وأفلاطون. ومع تعاقب أجيال من مثل هذه الشروحات منذ العصر الذي صارت كتب أرسطو متاحة لقاعدة جماهيرية أكبر منذ القرن الأول قبل الميلاد وحتى القرن السابع الميلادي وما يليه، مكونا تراثا غنيا ومنسجما بدرجة كبيرة. أغلب الشروحات القديمة التي ظلت باقية لعصرنا الحاضر، قد كتبها الفلاسفة المنتسبين للأفلاطونية الحديثة ككتب دراسية لمناهجهم الفلسفية ومقرراتهم التعليمية. وغالبا ما تشترك هذه الكتب في عدد من الخواص والسمات:

  1. تتكون التعليقات من شروحات وتفسيرات شفهية مفصلة جدا للنص الفلسفي، ومصمم بعناية لمراعاة مصلحة الطلاب
  2. بعض من الطلبة المختارين كانوا مسؤولين عن تدوين ملاحظات معلميهم وشروحاتهم كلمة بكلمة ومن ثم تتحول المحاضرات إلى مجموعة من الكتب
  3. كل مجموعة من المحاضرات والشروحات معا، تشكل خطوة من المنهج الجوهري للتدريب الفلسفي الذي يبدأ من أرسطو ويهدف إلى التقدم ناحية أفلاطون.
  4. ويتوقع من الشارح أيضا أن يظهر أوجه الاتفاق بين أرسطو وأفلاطون، حتى يظهر الانسجام بين كل الفلاسفة القدامى (أي حتى القدامى عند ارسطو (بما فيهم هوميروس.
  5. في النهاية، لم يكن التفلسف من هذه الناحية مجرد عملية تعليمية، بل هي أكثر من ذلك، إنها عبارة شعائر دينية مقدسة، تمكن المفكرين من السمو بشخصيتهم وأفكارهم إلى الحد الذي يتشبهون بالآلهة على قدر الطاقة الإنسانية.

ولد يحيى النحوي في الغالب في عائلة مسيحية، وتتلمذ على يد أمونيوس (440م – 520م تقريبا (، وادعى أنه كان المسؤول عن تدوين المحاضرات في المدرسة. وكان يذكر بوضوح في عناوين شروحاته على بعض كتب أرسطو أنها مستندة إلى محاضرات أمونيوس، وهذا في شرحه لكتب أرسطو مثل: ” في الكون والفساد On Generation and Corruption “، ” وفي النفس On the Soul “، ” والقياس Prior Analytics “، ” والبرهان Posterior Analytics “.
أما شروحاته على كتب أرسطو الأخرى فلا يظهر فيها استنادها إلى أمونيوس مثل: ” المقولات Categories “، ” والسماع الطبيعي Physics “، “والآثار العلوية Meteorology “، وهذا مما يوحي أنه في وقت كتابة هذه الشروحات، كان يدّرس هذه الكتب لوحده. ومن المفترض أنه حل كمحاضر محل أمونيوس في مرحلة ما، على الرغم من أنه لم ينل كرسي الفلسفة، ولكنه ظل محتفظا بلقب ” النحوي” والتي تعني فقيه اللغة. وقد آل رئاسة المدرسة إلى عالم الرياضيات يوتوسيوس، بعد وفاة أمونيوس، ثم انتقلت إلى الفيلسوف أولمبيودروس (495م – 570م)، والذي ظل وثنيا ويدرس في الإسكندرية المسيحية إلى أواخر عام 565م.

ومن نواحٍ عديدة، يمكن أن نعد شرح يحيى النحوي على ” المقولات Categories ” لأرسطو نموذجيا من نوعه، حيث استهل تفسير نص أرسطو بتوضيح الأمور العامة التي تهم الطالب الذي يقرأ في الفلسفة لأول مرة ويمكن العثور على مقدمات عامة مماثلة في ديباجة شراح مقدمة فرفوريوس ” ايساغوجي “. تم ترتيب كتب أرسطو في علم المنطق بحيث تزداد الصعوبة كلما تقدمت بك المستويات، بدءا من “المقولات” حيث تتعامل مع الألفاظ البسيطة والغير معقدة. ثم يتبع بكتاب ” العبارة interpretatione “، ثم كتاب ” القياس “، ثم كتاب ” البرهان“.


وعند مناقشة مشكلة موضوع كتاب ” المقولات “، قال يحيى النحوي – متفقا تقريبا مع يامبلخيوس– بأن كتاب “المقولات “: هو حول الألفاظ البسيطة phônaí ، التي تشير إلى الأشياء البسيطة prágmata ، بواسطة التصورات البسيطة noêmata.


اتبع معظم الفلاسفة المنتسبين للأفلاطونية المحدثة الإسكندر الأفروديسي، في عدم اعتبار المنطق كتخصص مستقل في الفلسفة على ما تقوله الرواقية، وإنما مجرد آلة عقلية فلسفية ” أورغانون“. وقف كلا من يحيى النحوي وأمونيوس بجانب التقليد الفلسفي ورفض رؤية الرواقيين، ولكنهما أضافا اعتبار الجدال (الديالكتيك) جزءا من الفلسفة الأفلاطونية استشهادا بمحاورة “فيدروس ومحاورة “فيدون“، بل هو أيضا يعتبر أداة فلسفية كما في محاورة ” بارمنيدس“.


 سمبلقيوس الفيلسوف الأثيني المنتسب للأفلاطونية الحديثة والمعاصر ليحيى النحوى، والذي أظهر كياسة وفطنة في دحض ونقد أفكار يحيى النحوي الكونية، أنكر كفاءة يحيى النحوي كمنطقيّ، والباحثون المعاصرون يميلون لموافقته في الرأي، بالرغم من أن مؤرخي المنطق يقرون بأن يحيى النحوي هو أول من قدم توصيفا مرضيا للقياس المنطقي عندما أشار إلى أن المحمول من نتيجة القياس مُتضمن في المقدمة الكبرى، والموضوع مُتضمن في المقدمة الصغرى. وأيضا قام يحيى النحوي لأول مرة برسم مخططات ومشجرات لكي يسهل على الطلبة القيام بقياسات منطقية صحيحة.

1.2 نظرية الضوء

نطالع في شرح يحيى النحوي لكتاب ” النفس On the Soul ”، الفقرات الأولى التي تخلى فيها عن التفسير التقليدي المعتاد لأجل نقد فكرة أرسطية بعينها، وهذا الإتجاه النقدي يتزايد بشكل واضح وملفت في شرحه على كتاب ” السماع الطبيعي Physics ” في عام 517م.

 
يمكن للمرء التفريق بين نوعين من النقد: النقد البناء للأفكار الأرسطية من ناحية، والرفض الكلي والتام من ناحية أخرى، ونقد يحيى النحوي لأرسطو في شرحه لكتاب ” النفس ” من النوع البناء.
في كتاب ” النفس“، قال ارسطو بأن الضوء لامادي، ويصف ظهوره بأنه تحول لحظي من الوسط الشفاف بالقوة (dúnamis) إلى وسط شفاف بالفعل (enérgeia). فيقدم يحيى النحوي نقدا هادفا لهذه الفكرة والتي لها تتابعات ضخمة على تصوره النهائي لنظرية الزخم (الدفع).
إذ يدعي يحيى النحوي بأن الرؤية الأرسطية تخالف قوانين البصريات، وأيضا لا تفسر الظاهرة البسيطة المتمثلة في كون المنطقة الواقعة تحت فلك القمر يتم تدفئتها بواسطة الشمس، فيقوم يحيى بتعديل النظرية بروح أرسطية لتوضيح الظاهرة، فيُعيد تفسير مصطلح “ الوجود بالفعل (enérgeia) ” على أنه ليس حالة من الوجود المتحقق الواقعي، بل كنشاط غير مادي، ولهذا تقوم الشمس بتدفئة الأجسام بجانب كونها تشكل شفافة الوسط. وبطريقة مماثلة، فإن الروح والتي هي نشاط غير مادي في الكائنات الحية تقوم بتدفئة الحيوانات. وبفضل هذا التفسير الجديد للمصطلح الأرسطي، فالضوء صار يٌفهم على أنه شيء متحرك ومتغير وليس كشيء ساكن كما كان يظن. في شرحه على ” الآثار العلوية Meteorology ”، والذي كان في مرحلة قد تخلى فيها عن الفرضية الأرسطية التي تعتقد بوجود العنصر الخامس في الطبيعية والمسمى بــ “الأثير  ether”، ويجادل يحيى النحوي بأن أفضل تفسير للضوء والحرارة هو كونهما من نتاج طبيعة الشمس النارية، حيث تتولد الحرارة من الأشعة المنبعثة من الشمس ثم تنكسر وتدفئ الهواء من خلال الاحتكاك.

2.2 نظرية الدفع

يعتبر تعليق يحيى النحوي على السماع الطبيعي لأرسطو مثالا جيدا من النسق الإبداعي والنقدي. ونظرية الدفع التي قدمها هي أحد أكثر إنجازاته شهرة والتي تصنف على أنها خطوة فارقة في ترك أفكار الديناميكا الأرسطية إلى نظرية أحدث مبنية على فهم القصور الذاتي. وهذه التصورات التي طرحها يحيى النحوي نجدها عند كتاب قدامى مثل أبرخش في القرن الثاني قبل الميلاد، وسنيسيوس في القرن الرابع. ولكن لا يلمح يحيى النحوي إلى أنه استقى أفكاره منهم. ومن النص الذي في شرحه على الفيزياء من صفحة 639 إلى صفحة 642، نستخلص انطلاقته التي كانت من إجابة أرسطية غير مرضية على مشكلة تحير العلماء لقرون، وهي لماذا لا يستمر السهم في الطيران بعدما يغادر القوس؟! أو الحجر بعدما يقذف من اليد؟ افترض أرسطو أن:

  •  أ- أينما كان هناك حركة يجب أن يكون هناك شيئا ما ليحرك
  • ب-ويحب أن يبقى المٌحرك والمتحرك على اتصال، جنبا إلى جنب.

ثم استنتج أرسطو بأن الهواء القابع امام المقذوفة يصبح خلفها ويدفعها بطريقة ما، وبالتالي تستمر في طيرانها للأمام. والحق، أن الحركة السريعة لشيء ما خلال وسط، يخلق اضطرابا، لكن هذا الاضطراب لا يحافظ على أي سرعة، بل يساهم في إبطائها. لكن ستبقى نظرية أرسطو مقبولة ورائجة بين علماء المشائين إلى غاية القرن السادس عشر، مع أن يحيى النحوي قد فكك هذه النظرية في القرن السادس، فقد اقترح بدلا من ذلك بشكل أكثر معقولية ولكن مع بعض الخطأ بأن الجسم المقذوف بواسطة طاقة الحركة التي انتقلت إليه بواسطة محرك، فهذه الطاقة تستهلك نفسها في مسافة الحركة. ثم قارن يحيى النحوي هذا الزخم أو ما يسميه ” المحفز الغير مادي (enérgeia) ” ، بصنيع الضوء سابقا.

وعندما تم فهم حركة المقذوفات بطريقة الدفع، صار من الممكن ليحيى النحوي أن يعيد تقييم دور الوسط، فهو ليس مسؤولا عن استمرار الحركة بل في الحقيقة هو عائق أمامها. وعلى هذه الأسس يستنتج يحيى النحوي خلافا لأرسطو بأنه لا يوجد ما يمنع المرء من تخيل الحركة في الفراغ. فوفقا لحركة الأجسام الساقطة خلال وسط ما، فقد ادعى ارسطو بأن سرعة الجسم الساقط تتناسب طرديا مع وزنه، وعكسيا مع كثافة الوسط. ولكن يحيى النحوي أبطل هذه النظرية من خلال نفس نوع التجارب التي سيؤديها جاليليو في القرون اللاحقة.

3.2 الخلاء والمكان

ترتبط نظرية يحيى النحوي بانتقادات أخرى بعيدة المدى للمبادئ الأرسطية للفيزياء. فقد رفض أرسطو فكرة الفراغ باعتباره استحالة منطقية، وقد أقر يحيى النحوي بأن المسافات في الفراغات الطبيعية لا يمكن أن تصبح حقيقية. ولكنه أصر على ان التصور الصحيح للفراغ يعتبر شيئا ضروريا لو أرنا تفسير الحركة. إذ لما تتحرك الأجسام، تتغير أماكنها تبعا لذلك، وهذا يجعلنا نفترض بان هناك مساحات فارغة مسبقا قابلة لأن يتم ملؤها. ومجددا، فإن هناك ظواهر معينة تظهر بوضوح قوة الفراغ، مثل الماصة التي تسمح بجمع كميات صغيرة من السوائل، أو شفط الماء من خلال أنبوب. فدفاع يحيى النحوي المتوسع عن الفراغ مرتبط بشكل وثيق بتصوره للمكان والفضاء.


فقد عرّف أرسطو المكان بأنه السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي، إلا أن يحيى النحوي يرى المكان على أنه امتداد ثلاثي الأبعاد يطابق حجم الجسم. وهذه أيضا نظرية خريسيبوس الرواقي، ولكن لا يوجد ما يشير في نصوص يحيى النحوي الموجودة إلى أنه يرى نفسه متأثرا بالرواقيين.

4.2 نظرية المادة

قال يحيى النحوي بأن الخلاء مثل المكان عبارة عن نسيج ثلاثي الأبعاد يمتد في الأماكن الخالية من الاجسام، ولكنه ليس ممتدا بلا نهاية في الواقع. ولهذا كان نقاش يحيى النحوي للمادة فرع من تصوره للفضاء والمكان. في شرحه على ” السماع الطبيعي Physics “، جادل يحيى النحوي بطريقة مماثلة لأرسطو في الفصل السابع ” ما وراء الطبيعة Metaphysics : باننا لو جردنا كل الصفات والأعراض من جسم ما، فقد توصل ارسطو إلى تصور مادة عديمة الصفات والأعراض، وهذه الفكرة عن المادة شبيهة بما توصل إلى الأفلاطونيون المحدثون عن ” المادة الأولية” والتي عرفوها بأنها عديمة الصورة والجسد، أما يحيى النحوي فقد توصل على النقيض إلى شيء سماه ” الامتداد المادي sômatikón diástêma“، والتي هي فكرة مركبة من المادة الأولية عند الرواقيين والأفلاطونيين المحدثين والكميات الغير محددة، مع الأخذ في الاعتبار عدم خلطها بفكرة يحيى النحوي عن الخلاء والفضاء. ويمكن أن نعد حجة يحيى النحوي أنها فكرة أكثر تفصيلا أو تصحيحا لأرسطو. ففي الفصل الحادي عشر من رسالته الجدلية التي يرد فيها على برقلس، يتخلى يحيى النحوي عن التصور الأفلاطوني الحديث للمادة الأولية، ويفترض بأن ” الأبعاد الثلاثة ” هو الشيء الأكثر جوهرية في الأنطولوجيا الخاصة به كما يسميها، بمعنى الكتلة الممتدة وغير محددة.

وفي هذه القضية، يدعي يحيى النحوي بأنه يتبع رأي الرواقيين. هذا وقد أُشير إلى كون هذه الأنطولوجيا شبيهة بما طرحه ديكارت عن الامتداد res extensa، على الرغم من أن ديكارت لم يكن ليوافق يحيى النحوي على تفرقته بين الامتداد المادي والخلاء.

 
ولأجل درء الاعتراض المحتمل على فكرة الأبعاد الثلاثة، حيث يمكن أن يُقال بأن الامتداد لا يمكن أن هو المستوى التأسيسي للوجود، إذ أن التمدد يندرج تحت مقولة الكم عند أرسطو، أي إنه عرض يحتاج إلى جوهر ليحل فيه. يحتج يحيى النحوي بأن الامتداد ليس من الأعراض، بل إنه في الحقيقة من خواص “الأبعاد الثلاثية” لا يمكن الانفكاك عنها، مثل الحرارة في النار، والبياض في الثلج. وعلى هذا يكون الكم (الامتداد المادي) من ذاتيات الجسم. وهذا يجعل أحد أنواع مقولة الكم يترقى إلى أن يكون مندرج تحت مقولة ” الجوهر”. وهناك ما يشير إلى أن يحيى النحوي كان سيقوم بتعديل مخطط أرسطو عن ” المقولات Categories “، إذا كان قد نقّح تعليقاته الأولى على تلك المقالة.

يعد شرح يحيى النحوي غير المكتمل لكتاب ” الآثار العلوية Meteorology ” هو أخر ما كتبه عن أرسطو، ومن المهم ملاحظة كيفية تقديم الدرس في هذا الشرح، حيث كانت مفعمة بجو من الغموض المتعمد أحيانا، وقلة الاهتمام أحيانا أخرى. ففي مواضع عدة، خاصة عندما يحين الشرح والتعليق على حركة السماوات، يتوقف يحيى النحوي ويحيل الطالب إلى أعمال منشورة سابقا، لكن ما يريد يحيى النحوي قوله حقا، هو أن هذه المتون والنصوص يبدو أنها لم تعد مناسبة للدراسة التقليدية. لقد تخلص يحيى النحوي من ثقل سلطة أرسطو أو أي أحد وأزاحها عن كاهله، ولم يعد يشغل باله إظهار الانسجام والتوافق بين الفلاسفة، بل وضع نفسه في مصاف الفلاسفة يعارض السلطة الفلسفية المعترف بها. لقد تحول الشارح إلى ناقد له أفكاره الفلسفية الخاصة والمستقلة.

3. الرسائل النقدية لـ يحيى النحوي

1.3 الرد على برقلس: في أزلية العالم

الفيلسوف الآثيني برقلس، والمنتسب للمدرسة الأفلاطونية الحديثة، أستاذ أمونيوس والذي هو أستاذ يحيى النحوي، قد كتب دفاعا عن أزلية العالم، تلك العقيدة التي تلقى قبولا هائلا وسط الفلاسفة اليونانيين، حيث كان يهدف إلى بيان تهافت عقيدة الخلق المسيحية. تنطلق حجج برقلس الثماني عشر من أسطورة الخلق الواردة في محاورة طيماوس لأفلاطون، حيث يرى برقلس بأن أفضل تفسير لهذا النص هو قرائتها بعين القائلين بأزلية العالم. إذ أن الحديث على أن العالم تم تشييده بواسطة صانع إلهي ‘demiurge’ لا يعد كونه ضمن إطار تعليمي وأسطوري، وليست فكرة فلسفية حقيقة.

وفي العام 529م، عندما دق الإمبراطور جستنيان المسمار الأخير في نعش التعاليم الفلسفية الوثنية في أثينا، نشر يحيى النحوي ردا مفصلا بعنوان ” الرد على برقلس في أزلية العالم “، حيث يعتبر الكتاب نقض شامل لحجج برقلس، فقد قام يحيى النحوي برفض كل نقطة مطروحة حرفيا. وبالرغم من أن جهوده مدفوعة بنزعته الإيمانية المسيحية، إلا أنه أبقى النصوص الكتابية خارج النزاع. فهو حاول دحض برقلس من داخل إطار الفلسفة الأفلاطونية. فقد كان يحيى النحوي يقرأ محاورة ” طيماوس ” كنص حقيقي على الخلق متوافق ومتوائم مع العقيدة المسيحية. وهذه الفكرة المستحدثة عن التولد والفساد مثل الخلق من اللاشيء، قد رفضها جميع الفلاسفة من كل المدارس رفضا قاطعا. فيرد يحيى النحوي ويقول: حتى لو افترضنا صحة القول بأن الخلق من العدم لا يحدث في الطبيعة، لكن الله – سبحانه وتعالى- أقوى وأقدر من الطبيعة، ولهذا فهو القادر على الخلق من العدم creatio ex nihilo .

2.3 الرد على أرسطو في أزلية العالم

يمكن تقسيم معركة يحيى النحوي ضد القائلين بأزلية العالم إلى ثلاث مراحل:

  • الأولى: رسالة في الرد على برقلس
  • الثانية: رسالة الرد على أرسطو في أزلية العالم، والتي نشرت في الفترة من 530م إلى 534م، وقد تضمنت معاينة مدققة للفصول الأولى من كتاب ” عن السماوات” لأرسطو، والذي طرح فيه نظرية ” الأثير” العنصر الخامس الذي تتكون منه الأجرام السماوية، والكتاب الثامن من ” السماع الطبيعي أو الفيزياء ” لأرسطو حيث يستدل أرسطو على أزلية الزمان والحركة.
  • الثالثة: وهذه نجدها في بعض القصاصات من رسائله الباقية، والتي فيها عدد من الحجج لنقض أزلية العالم، وتدعيم نظرية الخلق قد رتبت بطريقة منهجية بعيدة عن الجدل.

في رسالة الرد على أرسطو، كرّس يحيى النحوي نفسه لإزالة كل العقبات أمام القائلين بالخلق، مثل ما صنع مع برقلس، لأنه إذا كان أرسطو محقا في وجود “الأثير” ذاك العنصر السماوي الخامس الذي لا يتغير، وفي أزلية الحركة والزمان، حينها لأن يكون هناك أي مبرر للاعتقاد بالخلق. وقد نجح يحيى النحوي في إظهار العديد من التناقضات والمغالطات والافتراضات الخاطئة في فلسفة أرسطو الطبيعية المتفرعة عن هذه الادعاءات. وقد نقل سمبلقيوس أحد هذه الحجج، وهي مبنية على ثلاث مقدمات:

  1. إذا كان وجود شيء ما يتطلب وجود شيء أخر سابق عليه، حينها لن يوجد شيء إلا أن يكون مسبوقا بغيره
  2. والأعداد النهائية لا يمكن أن توجد في الواقع، ولا يمكن تجاوزها وتحصيلها، ولا يمكن زيادتها
  3. وبالتالي فلا شيء سيكون موجودا إذا كان وجوده يتطلب أسبقية عدد لا نهائي من الحوادث السابقة عليه.

يستنتج يحيى النحوي من هذه المقدمات أن تصور وجود كون أزلي من الناحية الزمانية، كحلقة في سلسلة لانهائية متعاقبة من الأحداث مستحيل عقلا.

أيضا حركة الأجرام السماوية وفقا للنظرية الأرسطية، فهي تستغرق أزمان مختلفة لإتمام دورة واحدة، وفي أي فترة زمنية محددة تدور الكواكب بأرقام مختلفة ومتفاوتة، حيث أن دورة بعض الكواكب تكون أكبر من نظيراتها. وبالتالي احتج يحيى النحوي بان هذه الحركة لو كانت منذ الأزل، فهذا يعني بأن اللانهاية يمكن أن تكون قابلة للزيادة ويمكن حتى أن تتضاعف، وهذا ما عده ارسطو بنفسه شيئا سخيفا لا يعقل.

أما الرسائل المنهجية في نقض أزلية العالم، تستعرض حجة أرسطو بأن القوة اللامحدودة (dúnamis) لا يمكن أن تستقر جسم محدود. فيستنتج يحيى النحوي بناء على أن العالم محدود، بانه لا يمكن أن تستقر فيه القوة بأن يكون موجودا من الأزل. وكما حصل مع نظريته للضوء، فهذه الحجة تتضمن تغير تام للمعنى المركزي للحجة. فهناك تم تغير مصطلح ” الوجود بالفعل (enérgeia)” إلى ” الفاعلية أو النشاط”، وفي سياق حجة ارسطو التي طرحها في الفيزياء، فمصطلح ” (enérgeia)” يعني القوة او طاقة الحركة. لكن يحيى النحوي استخدم الكلمة بمعنى ” الاستيعاب” أو “القابلية للوجود” .

4. الرسائل اللاهوتية لـ يحيى النحوي

وفي نهاية ثلاثينيات القرن السادس 530s، يبدو بأن يحيى النحوي قد توقف عن حروبه الفلسفية جميعها، ومعها انتهاء حياته كفيلسوف، ثم كرس نفسه للكتابة في المواضيع اللاهوتية الدينية المسيحية. ومن الصعب علينا تخيل السياق المؤسسي لحياة يحيى النحوي كعالم في اللاهوت، حيث لا توجد أي وثائق أو دلائل تفيد انتسابه لنظام الإكليروس. وقد نشر رسائله اللاهوتية بنفس الإسم الذي اختاره لنفسه كشارح ” يوحنا النحوي Iôánnês ho Grammatikós “، مع أنه من الصعب تصور أنه لا زال يدرس النحو أو الأدب في النظام السكندري للتعليم العالي. وأما لقبه الآخر “المجتهد philóponos’” فقد يشير إلى أنه كان من مجموعة الإخوة المسيحيين المتحمسين في مصر الذين أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم.

1.4 في خلق العالم

بعد غارة يحيى النحوي على أرسطو في أزلية العالم بخمس عشرة سنة تقريبا، نشر كتابا بعنوان ” في خلق العالم De opificio mundi“، كشرح على قصة الخلق الواردة في الكتاب المقدس، وهو الكتاب الوحيد له الموجود باللغة اليونانية. وكان يحيى النحوي كثيرا ما يذكر الفلاسفة أمثال أرسطو وأفلاطون وبطليموس في شرحه على النصوص الكتابية، وكذلك يشير إلى القديس باسيليوس الكبير وإلى رسالته في الخلق كمصدر إلهام له. وقد لاقى هذا الكتاب اهتماما بسيطا من مؤرخي العلوم، لأنه يقترح تفسير حركة الأجرام السماوية بواسطة ” قوة حافزة ” تطبع فيها وقت الخلق بواسطة الخالق سبحانه وتعالى.


 وكما رأينا سابقا، بأن يحيى النحوي ناقش نظرية ” الدفع impetus ” لأول مرة في سياق فهم طبيعة الحركة القسرية (لماذا يستمر القوس او الحجر في الطيران بعدما يترك الاتصال مع مسبب الحركة؟). الآن هو يطبق نفس النظرية على الحركة الطبيعية المنتظمة في الكون وعلى نطاق أوسع. فيفترض يحيى النحوي بأن الحركة الدائرية للأجرام السماوية المطبوعة فيها بواسطة الخالق، مشابهة للحركة العناصر الخطية المستقيمة، وكذلك حركة الحيوانات الذاتية. والمحصلة النهائية المثيرة للاهتمام والتي خرج بها يحيى النحوي بأن كل هذه الأنواع المختلفة من الحركة يتم فهمها بنفس طريقة الحركة التي يصنعها الزخم impetus ضرورة. وبفضل هذه النظرية الجريئة، ينسب ليحيى النحوي الفضل لتصوره، اول نظرية موحدة للحركة الديناميكية، لأنه سعى جاهدا لإعطاء نفس التفسير للظواهر المختلفة التي اضطرت أرسطو والبقية إلى اللجوء إلى مبادئ محركة مختلفة مثل: الطبيعة أو الإكراه أو الروح.

2.4 الطبيعة الواحدة للمسيح

من خلال فحص القصاصات المتبقية، يمكننا القول بأن كتابات يحيى النحوي اللاهوتية المتأخرة كانت تتسم بمزيج غريب بين العقيدة المسيحية والفلسفة الأرسطية. وفي عشية المجمع المسكوني الخامس (القسطنطينية 553م) تقدم يحيى النحوي ممثلا للطبيعة الواحدة للمسيح، تلك العقيدة التي لاقت ذيوعا هائلا في هذا القرن في الجزء الشرقي من الإمبراطورية الرومانية. وبالنسبة لأصحاب الطبيعة الواحدة فقد كان من الأهمية بمكان التأكيد على لاهوتية المسيح، لأنه تم دق ناقوس الخطر بعد العقيدة المسيحية عن الإتحاد المحير التي استقرت في مجمع خلقدونية في 451م. حيث تم الإقرار على أن المسيح:

  1.  جوهر واحد مع الأب بحسب لاهوته
  2. جواهر واحد معنا بحسب ناسوته.
  3. شخص واحد وأقنوم واحدhypostasis : وهو مصطلح مهم شائع ومنتشر في الأفلاطونية الحديثة ويعني تقريبا وجود جوهري.
  4. ولكنه كائن بطبعين متمايزتين غيرممتزجتين ولا منفصلتين en dúo phúsesin gnôrizómenon، عبارة تتبع بجملة: بل خواص كل منهما الخاصة باقية ومجتمعة في شخص واحد وكائن واحد غير منفصل ‘unitatem personae in utraque natura intelligendam’، وهذه العقائد قد اقرها بابا روما كذلك لاهوتي الغرب اللاتيني.


وعلى الرغم من أن الركن الأول والثاني والثالث من العقيدة لم يعد محلا للجدال، فيمكن قراءة الركن الرابع على أنه تنازل غير مقدس لهؤلاء الذين يعتبرون المسيح إنسانا يتميز عن غيره ببعض الحضور او الإلهام الإلهي، والتي سوف يطلق عليهم ” أصحاب الطبيعتين “

في كتاب الحكم Arbiter، والذي لا يوجد منه إلا ترجمته السريانية، يستعرض يحيى النحوي وجهة النظر القائلة بالتخلي عن جملة ” طبيعيتين متمايزتين”. وكانت حجته الرئيسية تتمحور حول مصطلح “طبيعة” متطابق ضرورة مع مصطلح ” أقنوم”. فوفقا للركن الثالث من قانون الإيمان بأن المسيح له أقنوم واحد، فلذا لا داعي من ذكر طبيعتين متمايزتين كما جاء في الركن الرابع. ويمكن عرض حجته كالتالي: إن مصطلح طبيعة له معنى عام ومعنى خاص، حيث يمكن أن نتحدث عن طبيعة البشر في العموم، أو طبيعة شخص بعينه، بالتالي عندما يتحدث المرء عن اتحاد طبيعيتي المسيح، فلا يمكن أن نعني بهذا أن الطبيعة العامة اللاهوت والناسوت قد اتحدتا في المسيح لآنه يلزم من هذا إنه الأب والروح القدس قد صار لكلا منهما ناسوت حيث أن كلا من الآب والمسيح the Logos والروح القدس متساوون في اللاهوتية. وعليه، يجب أن تكون الإشارة إلى الطبيعة الإلهية الخاصة ليسوع الكلمة، والطبيعة البشرية الخاصة ليسوع الإنسان واتحادهما في المسيح.


إلا أنه هذا أيضا شيء خاطئ كما يقول يحيى النحوي، حيث أن كلمة “الطبيعة الخاصة ” مترادفة مع كلمة ” الأقنوم hypóstasis “، وقد اتفق الكل على أن المسيح شخص واحد وأقنوم واحد hypóstasis، ولهذا يجب أن يكون للمسيح طبيعة واحدة خاصة وليس اثنتين.


يعترف يحيى النحوي بأن طبيعة المسيح ليست بالطبيعة العادية بالتأكيد، بل هي معقدة للغاية، إذ هي في ذاتها تحفظ خصائص كلا من اللاهوتية والناسوتية في نفس الوقت. بالتالي يجب أن نتكلم عن طبيعة واحدة معقدة أو مشتركة mía phúsis súnthetos وليس طبيعتين مختلفتين متمايزتين.

3.4 التأليه الثلاثي

بجانب الطبيعة الواحدة للمسيح، فقد ارتبط اسم يحيى النحوي بعقيدة التأليه الثلاثي. ويجب على المرء أن يدرك فارقا هاما، وهو أن الطبيعة الواحدة للمسيحي هي حركة لاهوتية قوية ومقبولة في الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية، بينما التأليه الثلاثي كان وصمة عدائية لمجموعة من المفكرين، حاولوا الكشف عن سر اللاهوت بلغة فلسفية عقلانية. وكان يحيى النحوي واحدا منهم حيث استعان بالمفاهيم والمصطلحات الأرسطية لتوضيح النزاع حول الثالوث مرة أخرى. كان من الواضح أيضا في كتاب الحكم Arbiter، أن يحيى النحوي كان يميل لتفسير المصطلح المحوري ” أقنوم hypóstasis’” بمعنى شبيه بما قاله أرسطو في المقولات عن “الجوهر الأولي primary substance” أي ما له وجود معين قائم بذاته خارج الذهن. والأجزاء الباقية من رسالته في الثالوث تؤكد على هذا المعنى.


يجادل يحيى النحوي بأن الأقنومية ليست بالتأكيد عرض من أعراض الألوهية، بالتالي يجب أن تكون الأقانيم hypóstasis عبارة عن ثلاثة جواهر إلهية لها خصائص متمايزة ومختلفة. وعلى هذا الأفتراض يمكن أن نتكلم عن كيانات الأشخاص الثلاثة للثالوث، فلو لم يكن هناك إلا جوهر إله واحد فلن يكون هناك أي معنى للحديث عن الجوهرية للأقانيم!

يستكمل يحيى النحوي ويقول: عندما تحدث باسيليوس وجريجوري النيساوي عن التثليث كـ “جوهر واحد، وثلاث أقانيم” لم يكونا يتكلمان عن أربعة جواهر أولية، ولكنهما استخدما الجوهر (ousía) بمعناه الثانوي، أي حقيقة كلية أو تجريد ذهني للوجود. فيدعي يحيى النحوي تبعا لأرسطو بأن الكليات لا توجد إلا في الذهن، ولهذا فمفهوم الإله الواحد يبدو صحيحا فقط بناء على تصور الألوهية في الذهن، أما في خارج الذهن او الوجود الفعلي، فيوجد ثلاث آلهة متمايزة ومنفصلة وهم الآب والإبن والروح القدس. ولدرء ارتباط كلام يحيى النحوي بتعدد الآلهة الوثني، فإن أقانيم الثالوث كلها متشابهة ومتساوية في الطبيعة الواحدة الكلية بخلاف آلهة الوثنيين المتباينة كلا على حدة.


ومن المهم أن نضع في الاعتبار أن أصحاب التأليه الثلاثي مثل يحيى النحوي، لم يتخلوا عن إيمانهم بالتوحيد. وبالرغم من أن يحيى النحوي كان له أتباعه وتلاميذه، إلا أن الفلسفة الثالوثية من هذا النوع لا يمكن أن تكون مستستاغة لأي شخص، خصوصا ممن يرفض أنطولوجيا أرسطو. ولهذا لاقت هذه الحركة نقدا حادا فوريا، وقد تمت إدانة يحيى النحوي والحكم بهرطقته في مجمع القسطنطينية في سنة 680م. إلا ان وجهات نظر يحيى النحوي قد حظيت باهتمام متزايد بين مؤرخي الكنيسة ذوي التفكير الفلسفي في الآونة الأخيرة.

اشتهر يحيى النحوي بكونه من أوائل المفكرين الذين حاولوا التوفيق بين الفلسفة الأرسطية والمسيحية، وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن الأكثر أهمية هو كون معاصريه كانت لهم وجهات نظر متباينة عنه. فقد مقت الفلاسفة الوثنيون طريقته في استخدام المسيحية كمنطلق يفسد تناغم وانسجام الفلاسفة اليونانيين بكل تهاون. أما علماء اللاهوت، فقد أدانوا محاولته في استخدام المصطلحات الأرسطية لفهم ما كان بالنسبة لهم في الأصل سرا روحانيا عميقا يتطلب الإيمان المطلق به، فكان إقحام الفلسفة فيه أمرا غير مقبول.

5. تأثير يحيى النحوي

بالرغم من كون أفكار يحيى النحوي لم تلق قبولا بين معاصريه، من الوثنيين والمسيحيين على حدا سواء، إلا أن تأثيره المباشر ربما كان على رفقائه من أصحاب الطبيعة الواحدة في مصر. ومع الحرمان الكنسي في عام 681م، فهذا جعل من انتشار أفكار اللاهوتية ضربا من المستحيل. وبالمثل، فإن خصمه اللدود سمبلقيوس، والذي تتلمذ على يد أمونيوس أيضا، فقبل عام 540م، كتب سمبليقوس شرحه “على السماوات De Caelo “، وعلى “ الطبيعة Physics”، وقد أثار تأييده لأرسطو ونقده لحجج يحيى النحوي ضد أزلية العالم دويا وأثرا صادما عبر العصور، يمكن الشعور به في عدد من المفكرين مثل توما الأكويني ( 1224م – 1274م )، وزباريلا ( 1533- 1589)، اللذين تفحصا بعناية حجج يحيى النحوي في نقد أزلية العالم، وقاما برفضها في النهاية. وأما العرب، فقد درسوا أعمال يحيى النحوي على نطاق واسع وكانوا يشيرون إليه باسم ” يحيى النحوي، أو يحيى العسقلاني”. فالكندي ( 800- 870م تقريبا)، مدين ليحيى النحوي في نقده الخاص لأزلية العالم. وفي وقتٍ لاحقٍ، أقنعت حجج حدوث العالم، كلا من بونافتورا ( 1217- 1274م)، وجرسونيدس ( 1288- 1344م)، وقد تم تأكيد نظريته في الدفع والزخم على يد جين بيوردان (1300- 1361م)، وتلميذه أوريسمي ( 1325- 1382م).

وفي القرن السادس عشر، بدأ ظهور الطبعات الأولى من الترجمات اللاتينية لشروحات يحيى النحوي ورسالته في نقد برقلس. وفي نهاية المطاف، فقد نوقشت انتقادات يحيى النحوي لأفكار ارسطو في الديناميكا (علم الحركة) على نطاق واسع، وأقنعت حجج يحيى النحوي عددا من المفكرين أمثال فرانشيسكو بيكو ديلا ميراندولا ( 1469- 1533م)، وجاليليو (1564- 1642م). وفي هذا السياق، فإن يحيى النحوي هو شخصية تجسد عصر النهضة، ومع انه تاريخيا يقع في منتصف الفترة من الحقبة الكلاسيكية إلى عصر النهضة. يحيى النحوي هو تجسيد العقلية الأوربية في نضالها الدؤوب والمستمر في التحرر من الأرسطية من ناحية، ومن الإيمان الأعمى بعقائد الكنيسة من ناحية أخرى.

6. تفسير “يحيى النحوي”

إن أعظم تحدٍ قد يقع لدارس هذه الحقبة الزمنية من تاريخ الفلسفة، هو فهم كيف يمكن لظاهرة مثل يحيى النحوي ان تحدث من الأساس. من المؤكد أن الخصائص النوعية التي تميزت بها شخصيته وعقله كان لهما دورا بارزا في هذا التميز، وكذلك أيضا المحيط الثقافي والفلسفي والديني قد ساعده في المضي قدما لنقده غير المسبوق والذي لا مثيل له، للأفكار والتقاليد التي تلقى قبولا عاما في عصره وزمانه.

أشار العلماء سابقا، إلى التفسير السهل بأنه نشأ في بيئة دينية، ثم اتصل بالعقلانية اليونانية، وهذه التجمعات هي التي أثارت حفيظته للنقد ورفض الأفكار. إلا أن هذا التفسير ليس مرضيا البتة، لأنه هناك العديد من المسيحيين الذين تعرضوا لتلك الظروف المماثلة في التعرض للفلسفات الوثنية، ولم يضاهوا صنيع يحيى النحوي.

ادعى بعض الباحثين بأن يحيى النحوي قد تلقى أمرا مباشرا من كبار رجال الكنيسة لكي يكتب دحضا لأرسطو، في حين بحث البعض الآخر عن الجذور الفكرية ليحي النحوي وأرجعوها إلى التغييرات الاجتماعية والاقتصادية الواسعة التي حدثت في أواخر العصور القديمة مثل حركة تحرير العبيد.

وأيا كانت الطريقة التي سنفسر بها يحيى النحوي، ففي نهاية المطاف يبدو أن ما مكّن يحيى النحوي بشكل أساسي من ان يكون مفكرا بناءُ ناقدا للأرسطية كان مرتبطا بشكلٍ أو بآخر بفهمٍ جديد لما يجب أن يكون المرء عليه عندما يتعامل مع نصوص أرسطو وأفلاطون قراءة وتعليقا.

وفي حين أن علماء المدرسة الأفلاطونية المحدثة، خاصة منذ عهد برقلس ( 412 – 485م)، كانوا ينظرون إلى نصوص القدماء الفلسفية باعتبارها بناءً مقدسا، تشير بحد ذاتها بطريقة معصومة من الخطأ إلى الحقائق الكبرى. أما يحيى النحوي فقد كان يقرأهم كما نفعل نحن الآن، كمؤشرات على أفكار ونوايا أشخاصٍ ليسوا بمنزهين عن الخطأ والزلل. وأيضا قد مكنت منهجية يحيى النحوي التأويلية – أي عدم الوقوف مع ظاهر النصوص – إلى توضيح الإشكاليات والتناقضات الصارخة في المتن الأرسطي corpus، وتسليط الضوء على الخلافات الجوهرية بين أرسطو وأفلاطون. وعلى النقيض من يحيى النحوي، كان التقليد الأفلاطوني الحديث الذي نشأ فيه، يتجاهل هذا المشاكل الجوهرية أو يفسرها بطريقة تأويلية بعيدة جدا، لأجل الحفاظ على انسجام التقاليد المتنوعة للفلسفة اليونانية الوثنية.


 

المراجع

المراجع الرئيسية لـ يحيى النحوي

ca.510–15On words with different meanings in virtue of a difference of accent (De vocabulis quae diversum significatum exhibent secundum differentiam accentus), ed. L.W. Daly, American Philosophical Society Memoirs 151, Philadelphia: American Philosophical Society, 1983.
ca.510–15Commentary on Aristotle’s ‘On Generation and Corruption’, ed. H. Vitelli, Commentaria in Aristotelem Graeca (henceforward CAG) XIV 2, Berlin: Reimer, 1897. (A commentary based on Ammonius’ seminars containing virtually no criticism of Aristotle.) Trans. C.J.F. Williams, Philoponus: On Aristotle’s On Coming to Be and Perishing 1.1–5, Ithaca: Cornell 1999; id. Philoponus: On Aristotle On Coming to Be and Perishing 1.6–2.4, Bloomsbury 2014; I. Kupreeva, Philoponus: On Aristotle’s On Coming-to-Be and Perishing 2.5–11, Ithaca, Cornell University Press, 2005.
ca.510–15Commentary on Aristotle’s ‘De Anima’ ed. M. Hayduck, CAG XV, Berlin: Reimer, 1897. (This work on Aristotle’s On the Soul contains rather mature commentary; evidence suggests, however, that the work comes early in Philoponus’ career, and it therefore seems reasonable to assume that the substance of the ideas expressed in it derive from his teacher Ammonius. In addition, the authenticity of the commentary’s third book is in dispute because a Latin version attributed to Philoponus differs from the text transmitted in Greek: see Jean Philopon, Commentaire sur le de anima d’Aristote, traduction de Guillaume de Moerbeke, ed. G. Verbeke, Corpus Latinum Commentariorum in Aristotelem Graecorum III, Paris: Editions Béatrice-Nauwelaerts, 1966.) Trans. P.J. van der Eijk, Philoponus: On Aristotle’s On the Soul 1.1–2, Cornell University Press, 2006; id. Philoponus: On Aristotle’s On the Soul 1.3–5, Cornell University Press 2006; W. Charlton, Philoponus: On Aristotle’s On the Soul 2.1–6, Ithaca: Cornell, 2005; id. Philoponus: On Aristotle On the Soul 2.7–12, Bloomsbury 2014; id. Philoponus, On Aristotle on the Intellect (de Anima 3.4–8), London: Duckworth, 1991; id. “Philoponus”: On Aristotle’s On the Soul 3.1–8, Ithaca: Cornell 2000; id. “Philoponus”: On Aristotle’s On the Soul 3.9–13 With Stephanus on Aristotle’s On Interpretation, Ithaca, 2000.
In Cat.ca.512–17Commentary on Aristotle’s ‘Categories’, ed. A. Busse, CAG XIII 1, Berlin: Reimer, 1898. Trans. R. Sirkel et al., Philoponus: On Aristotle Categories 1–5 with Philoponus: A Treatise Concerning the Whole and the Parts, Bloomsbury, 2014.
In An.Pr.ca.512–17Commentary on Aristotle’s ‘Prior Analytics’, ed. M. Wallies, CAG XIII 2, Berlin: Reimer, 1905. (The only complete extant ancient commentary on the Prior Analytics. It purports to be based on Ammonius’ seminars.)
ca.515–20Commentary on Aristotle’s ‘Posterior Analytics’, ed. M. Wallies, CAG XIII 3, Berlin: Reimer, 1909. (This commentary too professes to be based on Ammonius’ lectures, but there are signs of a later revision.) Trans. R.D. McKirahan, Philoponus: On Aristotle Posterior Analytics 1.1–8, London: Duckworth, 2008; id. Philoponus: On Aristotle Posterior Analytics 1.9–18, Bristol 2012; O. Goldin and M. Martijn, Philoponus, On Aristotle: Posterior Analytics 1.19–34, Bloomsbury, 2012.
In Phys.517Commentary on Aristotle’s ‘Physics’, ed. H. Vitelli, CAG XVI-XVII, Berlin: Reimer, 1887–88. (Philoponus’ most important commentary, in which he challenges Aristotle’s tenets on time, space, void, matter and dynamics; there are clear signs of revision.) Trans. C. Osborne, Philoponus: On Aristotle’s Physics 1.1–3, Ithaca: Cornell, 2006; ead. Philoponus: On Aristotle Physics 1.4–9, Bristol, 2009; A.R. Lacey, Philoponus, On Aristotle’s Physics 2, London: Duckworth, 1993; M. Edwards, Philoponus, On Aristotle’s Physics 3, London: Duckworth, 1994; K. Algra and J. van Ophuijsen, Philoponus, On Aristotle: Physics 4.1–5, Bloomsbury, 2012; P Huby, Philoponus, On Aristotle: Physics 4.6–9, Bloomsbury, 2012; S. Broadie, Philoponus: On Aristotle Physics 4.10–14, Bristol, 2011; P. Lettinck and J. Urmson, Philoponus: On Aristotle’s Physics 5–8, London: Duckworth 1993/4; R.D. McKirahan, Philoponus: On Aristotle Physics 8.6–10, London: Duckworth 2001; D. Furley, Philoponus, Corollaries on Place and Void, London: Duckworth, 1991.
529On the Eternity of the World against Proclus (De aeternitate mundi contra Proclum), ed. H. Rabe, Leipzig: B.G. Teubner, 1899; repr. Hildesheim: Olms, 1984. (A detailed criticism of Proclus’ eighteen arguments in favour of the eternity of the world.) Trans. M. Share, Philoponus: Against Proclus On the Eternity of the World Vol 1: 1–5; Vol 2: 6–8; Vol. 3: 9–11, Bloomsbury 2014; J. Wilberding, Philoponus: Against Proclus on the Eternity of the World 12–18, Bloomsbury, 2014.
ca.530–34On the Eternity of the World against Aristotle (De aeternitate mundi contra Aristotelem), not extant; fragments reconstr. and trans. C. Wildberg, Philoponus, Against Aristotle on the Eternity of the World, London: Duckworth, 1987. (A refutation of Aristotle’s doctrines of the fifth element and the eternity of motion and time, consisting of at least eight books.)
In Meteor.ca.530–35Commentary on Aristotle’s ‘Meteorology’, ed. M. Hayduck, CAG XIV 1, Berlin: Reimer, 1901. Trans. I Kupreeva, Philoponus: On Aristotle Meteorology 1.1–3, Bristol 2011; ead. Philoponus, On Aristotle: Meteorology 1.4–9,12, Bloomsbury, 2012.
ca.530–35On the Contingency of the World (De contingentia mundi), not extant; Arabic summary of the treatise trans. S. Pines, ‘An Arabic summary of a lost work of John Philoponus’, Israel Oriental Studies 2 (1972): 320–52; similar excerpts in Simplicius, see D. Furley, C. Wildberg, Philoponus, Corollaries on Place and Void with Simplicius, Against Philoponus on the Eternity of the World, London: Duckworth, 1991, pp. 95–141.
ca.520–40On the Use and Construction of the Astrolabe, ed. H. Hase, Bonn: E. Weber, 1839 (or id. Rheinisches Museum für Philologie 6 (1839): 127–71); repr. and trans. into French by A.P. Seconds, Jean Philopon, traité de l’astrolabe, Paris: Librairie Alain Brieux, 1981; trans. into English by H.W. Green in R.T. Gunther, The Astrolabes of the World, Vol. 1/2, Oxford, 1932, repr. London: Holland Press, 1976, pp. 61–81. (The oldest extant Greek treatise on the astrolabe.)
ca.530–40Commentary on Nicomachus’ Introduction to Arithmetic, ed. R. Hoche, Part I/II Wesel: A. Bagel, 1864/65, Part III Berlin: Calvary, 1867.
ca.546–49On the Creation of the World (De opificio mundi), ed. W. Reichardt, Leipzig: Teubner, 1897. (A theological-philosophical commentary on the Creation story in the book of Genesis. The date of composition originally proposed by the editor (546–49) appears to be more likely now than the frequently suggested 557–60.)
ca.552Arbiter (Diaitêtês), not extant in Greek; Syriac text with Latin trans. A. Sanda, Opuscula monophysitica Ioannis Philoponi, Beirut: Typographia Catholica PP.Soc.Jesu., 1930; extracts trans. into German W. Böhm, Johannes Philoponos, Grammatikos von Alexandrien, München, Paderborn, Wien: Schöningh, 1967, pp.414–29. (A philosophical justification of monophysitism.)
567On the Trinity (De trinitate), not extant; Syriac fragments trans. into Latin A. Van Roey, ‘Les fragments trithéites de Jean Philopon’, Orientalia Lovaniensia Periodica 11 (1980): 135–63. (The main source for a reconstruction of Philoponus’ trinitarian doctrine.)

For a more comprehensive list of all extant and lost works of Philoponus see Scholten 1996, pp. 429–35.

المراجع الثانوية

  • Couvalis, G. (2011) “John Philoponus: Closeted Christian or Radical Intellectual?” Modern Greek Studies (Australia and New Zealand) 15, pp. 207–219.
  • Erismann, C. (2008) “The Trinity, Universals, and Particular Substances: Philoponus and Roscelin”. Traditio 53, pp. 277–305.
  • Fladerer, L. (1999) Johannes Philoponos “De opificio mundi”. Spätantikes Sprachdenken und christliche Exegese. Stuttgart, Leipzig: Teubner.
  • Haas, F.A.J. de (1997) John Philoponus’ New Definition of Prime Matter: Aspects of its Background in Neoplatonism and the Ancient Commentary Tradition. Leiden, New York: E.J. Brill.
  • Hainthaler, T. (1990) “Johannes Philoponus, Philosoph und Theologe in Alexandria”. In Jesus der Christus im Glauben der Kirche, Band 2/4: Die Kirche von Alexandrien mit Nubien und Äthiopien nach 451, ed. A. Grillmeier, Freiburg, Basel, Wien: Herder, pp. 109–49.
  • Krafft, F. (1988) “Aristoteles aus christlicher Sicht. Umformungen aristotelischer Bewegungslehren durch Johannes Philoponos”. In Zwischen Wahn, Glaube und Wissenschaft, ed. J.-F. Bergier, Zurich: Verlag der Fachvereine an den Schweizerischen Hochschulen und Techniken.
  • Lang, U. M. (2001) John Philoponus and the Controversies Over Chalcedon in the Sixth Century: A Study and Translation of the Arbiter. Spicilegium Sacrum Lovaniense 47, Peeters.
  • Lee, T.-S. (1984) Die griechische Tradition der aristotelischen Syllogistik in der Spätantike, Göttingen: Vandenhoeck & Ruprecht.
  • Lourié, B. (2013) “John Philoponus on the Bodily Resurrection”. Scrinium 9, pp. 79–88.
  • MacCoull, L.S.B. (1995) “Another Look at the Career of John Philoponus.” Journal of Early Christian Studies 3.1: 269–79.
  • McKenna, J.E. (1997) The Setting in Life for The Arbiter of John Philoponus, 6th Century Alexandrian Scientist. Eugene OR: Wipf and Stock.
  • Sambursky, S. (1962) The Physical World of Late Antiquity, London: Routledge and Kegan Paul, pp. 154–75.
  • Scholten, C. (1996) Antike Naturphilosophie und christliche Kosmologie in der Schrift “De opificio mundi” des Johannes Philoponos. Berlin: De Gruyter.
  • Schukin, T. (2017) “Matter as a Universal: John Philoponus and Maximus the Confessor on the Eternity of the World”. Scrinium 13, pp. 361–382.
  • Sellars, J. (2004) “The Aristotelian Commentators: A Bibliographical Guide”, Bulletin of the Institute of Classical Studies 47, pp. 239–268.
  • Sirkel, R. (2016) “Philoponus on the Priority of Substances.” Journal of the History of Philosophy 54, pp. 351–372.
  • Sorabji, R.R.K. (1983) Time, Creation and the Continuum, London: Duckworth, pp. 193–231.
  • –––. (1988) Matter, Space, and Motion, London: Duckworth, pp. 227–48.
  • –––. (ed.) (1987) Philoponus and the Rejection of Aristotelian Science, London: Duckworth.
  • Verbeke, G. (1985) “Levels of Human Thinking in Philoponus”. In After Chalcedon: Studies in Theology and Church History, ed. C. Laga, J.A. Munitz, L. van Rompay, Leuven: Peeters, pp. 451–70.
  • Verrycken, K. (1990) “The development of Philoponus’ thought and its chronology”. In Aristotle Transformed, ed. R.R.K. Sorabji, London: Duckworth, pp. 233–74.
  • –––. (1997) “Philoponus’ Interpretation of Plato’s Cosmogony”. Documenti e Studi sulla Tradizione Filosofica Medievale 8: 269–318.
  • Wakelnig, E. (2012) “The Other Arabic Version of Proclus’ De Aeternitate mundi. The Surviving First Eight Arguments”. Oriens 40, pp. 51–95.
  • Wildberg, C. (1988) John Philoponus’ Criticism of Aristotle’s Theory of Aether, Berlin: De Gruyter.
  • –––. (1999) “Impetus Theory and the Hermeneutics of Science in Simplicius and Philoponus”. Hyperboreus 5, pp. 107–124.
  • Wolff, M. (1971) Fallgesetz und Massebegriff. Zwei wissenschaftshistorische Untersuchungen zum Ursprung der klassischen Mechanik. Berlin: De Gruyter.
  • –––. (1978) Geschichte der Impetustheorie. Untersuchungen zum Ursprung der klassischen Mechanik. Frankfurt/M.: Suhrkamp.
  • Zachhuber, J. (2015) “Christology after Chalcedon and the Transformation of the Philosophical Tradition. Reflections on a Neglected Topic”. In The Ways of Byzantine Philosophy, ed. M. Knezevic, Alhambra CA: Sebastian Press, pp. 103–127.
  • –––. (2018) “Personhood in miaphysitism. Severus of Antioch and John Philoponus”. In Personhood in the Byzantine Christian Tradition: Early, Medieval, and Modern Perspectives, ed. A. Torrance and S. Paschalides, New York: Routledge, pp. 29–43.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

[Please contact the author with suggestions.]

مداخل ذات صلة

Ammonius | Aristotle | Aristotle, commentators on | Buridan, John [Jean] | Neoplatonism | Simplicius


[1] Wildberg, Christian, “John Philoponus”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2021 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2021/entries/philoponus/>.