مجلة حكمة
ما هي الكارما فلسفة

ما هي الكارما؟

الكاتبمارك سيدريتس
ترجمةأمين حمزاوي
مراجعةسيرين الحاج حسين
تحميل المقالة كاملةنسخة PDF

1. معنى الكارما

من بين الأفكار الجديدة التي تظهر في هذه النصوص (“الأرثوذكسية”) ، وكذلك في تعاليم الشيرامَنَات الهترودوكسية المعروفة بالنسبة لنا، ما يلي: الكائنات الواعية (بما في ذلك البشر، الحيوانات غير البشرية، الآلهة، والسكان من مختلف الجحيم) يخضعون لولادة جديدة، تحكمها قوانين السببية المتمثلة في الكارما (الأفعال الجيدة تسبب نتائج سارة للكائن، والأفعال السيئة تسبب نتائج غير سارة، وما إلى ذلك) ؛ بينما تلك الدورة من إعادة الميلاد غير مرضية بطبيعتها؛ وتنطوي الحالة المثالية على تحرر الكائنات الواعية من دورة الميلاد، ويتطلب بلوغ هذه الحالة التغلب على الجهل فيما يتعلق بهوية الشخص الحقيقية.

وتقدَم وجهات نظر مختلفة بشأن هذا الجهل وكيفية التغلب عليه. من بينها البهاغافاد غيتا (المُصنفة من قبل بعض المدارس الأرثوذكسية على أنها الأوبانيشاد) والتي تذكر أربع وسائل لذلك، كما تناقش على الأقل رأيين منفصلين بشأن هويتنا: يقول الأول بعدد من الذوات المتمايزة، حيث تكون كل منها الأداة الحقيقية لتصرفات الشخص وحاملة ثمار الكارما الحسنة والسيئة على السواء، ولكنها منفصلة عن الجسم، وعن الحالات المرتبطة به. بينما يقول الثاني بذات واحدة فقط، نابعة من الطبيعة الخالصة للوعي (بصفتها “مشاهدًا”)، ومطابقة لجوهر الكون أو البراهمان أو الكائن النقي غير المتمايز.

2. الكارما وإعادة الميلاد

ليس منظّرو الذات من الهنود الكلاسيكيين وحدهم الذين وجدوا ذلك الاعتراض الأخير مقنِعًا. بل بعض البوذيين كذلك. الذين قادهم ذلك إلى رفض إعادة الميلاد و ليس ال”لا-ذات”. (من الناحية التاريخية، لم يكن هذا الارتداد معروفًا بين البوذيين في شرق آسيا، وهو أمر غير نادر الحدوث بين البوذيين الغربيين اليوم). ومع ذلك، فإن الدليل على أن بوذا نفسه قَبِل بإعادة الميلاد والكارما يبدو قويًا للغاية. من شأن التقليد اللاحق أن يميز بين نوعين من الخطاب في صلب تعاليم بوذا: تلك المُوجَهة لجمهور من أرباب الأسر الذين يسعون لتحصيل العلم من حكيم، وتلك المخصصة لجمهور من الرهبان الضليعين في تعاليمه.

3. استخدامات الكارما

وسيكون عاديًا لو أن استخدامه لمفاهيم الكارما والولادة اقتصرت على النوع الأول. وحينئذ يمكن تفسير هذه التعاليم على أنها مثال آخر لمهارة بوذا التربوية (يشار إليها عمومًا باسم upāya). حيث أن أرباب الأسر غير الملتزمين بمتطلبات الأخلاق الأساسية ليس مرجَحًا (لأسباب سوف تناقش لاحقًا) أنهم سيحرزون تقدمًا كبيرًا في سبيل إنهاء المعاناة ، وبالتالي فإن تعاليم الكارما والولادة، حتى وإن لم تكن صحيحة تمامًا، فإنها تمنح الذين يقبلون بها سببًا (احترازيًا) ليكونوا أخلاقيين. لكن هذا النوع من تبريرات “الكذبة البيضاء” لتعليم بوذا عقيدة هو نفسه لا يقبلها، تفشل في مواجهة الدليل على أنه قد علّمها أيضًا إلى رهبان متقدمين جدًا (على سبيل المثال ، III.33).

وما قام بتدريسه ليس نسخة الكارما الشائعة في بعض الدوائر اليوم ، والتي بموجبها فإن الفعل الذي يتم بدافع الكراهية مثلا يجعل الشخص أكثر استعدادًا إلى حد ما لأداء إجراءات مماثلة بدوافع مماثلة في المستقبل، والتي بدورها تجعل الخبرات السلبية واردة أكثر للشخص. إن ما يعلّمه بوذا بدلاً من ذلك، هو الرأي الأكثر صرامة بكثير، القائل بأن كل فعل له تأثيره الخاص على الشخص، حيث يتم تحديد طبيعة المتعة وفقًا للقوانين السببية، وبطريقة تتطلب الميلاد مجددًا طالما استمرنفس الفعل. لذلك إذا كان هناك تعارض بين عقيدة ال لا- ذات، وتعاليم الكارما وإعادة الميلاد، فلن يتم حلها عن طريق إضعاف التزام بوذا تجاه الأخيرة.

4. مفهوم الكارما

يعني مصطلح كارما في اللغة السنسكريتية حرفيًا “الفعل”. وما يشار إليه في الوقت الحاضر على نحو واسع هو بالمعنى الدقيق وجهة النظر القائلة بأن هناك علاقة سببية بين الفعل (الكارما) و “الثمرة” (فالا)، والأخيرة هي خبرة شخصية من المتعة، أو الألم، أو اللامبالاة. هذا هو الرأي الذي يبدو أن بوذا قد قبله في أكثر صُورِه وضوحًا. يقال أن الأفعال تنقسم لثلاثة أنواع: جسدي، لفظي، وعقلي.

ومع ذلك، يصر بوذا على أن الفعل المقصود لا يعني الحركة أو التغييرالمعنيّ فقط، بل الرغبة أو النية التي أحدثت التغيير. وكما يشير غومبريتش (2009) ، فإن إصرار بوذا على هذه النقطة يعكس الانتقال من وجهة نظر طقوسية سابقة للفعل إلى وجهة نظر تضع الفعل في نطاق الأخلاق. لأنه عندما ينظر إلى الأفعال على أنها تخضع لتقييم أخلاقي، تصبح النية ذات صلة. فعلى سبيل المثال، لا يقوم الفرد بأداء الفعل الجائر أخلاقيا والمتمثل في التحدث بإهانة لكبار السن فقط من خلال إصدار أصوات قريبة من نطق الألفاظ النابية في وجود مُسِن؛ لأنه يمكن للببغاوات والأطفال إتيان الكثير من ذلك.

5. التقييم الأخلاقي

ما يهم التقييم الأخلاقي هو الحالة الذهنية (إن وجدت)، والتي أنتجت التغيير الجسدي، أو اللفظي، أو العقلي. ويقال إن هذه الحالات الذهنية هي التي تسببت في حدوث تجارب لاحقة جيدة وسيئة ومحايدة. وبشكل أكثر تحديدًا، فإن حدوث الحالات الذهنية الثلاث “المدنسة” هي التي تسبب ثمار الكارما. وهي الأدران الثلاثة (kleśas) المتمثلة في الرغبة، والكره، والجهل. وقد أخبرنا على وجه التحديد (A III.33) أن الإجراءات التي يقوم بها شخص تمكن من تدمير هذه الأدران الثلاثة ليست لها عواقب كارمية؛ وأن مثل هذا الشخص يمر بالولادة الأخيرة.  

بعض الحذر مطلوب في فهم هذا الادعاء حول الأدران. حيث يبدو أن بوذا يقول بإمكانية التصرف ليس فقط من دون الجهل، ولكن أيضًا في غياب الرغبة أو الكره، ومع ذلك فمن الصعب أن نرى كيفية أن يكون فعل ما مقصود من دون وجود حافز إيجابي أو سلبي. لمعرفة كيف يتغلب المرء على هذه الصعوبة، يجب عليه أن يدرك أن “الرغبة” و “الكره” تعني على الترتيب تلك الدوافع الإيجابية والسلبية التي يزيّنها الجهل، أي الجهل فيما يتعلق بالمعاناة وعدم الثبات وال “لا- ذات”.

يفترض أن الشخص المستنير، لا يزال بإمكانه الانخراط في عمل وفق دافع ما، حتى وهو على دراية بحقيقة هذه الأمور. لكن من دون أن تستند أفعاله إلى الافتراض المسبق بأن هناك “أنا” يمكنها أن تضفي على هذه الأفعال دلالة غائية أو رغوبية ما. سيسبب الجهل بهذه الأمور ولادة جديدة، وبالتالي المزيد من فرص المعاناة الوجودية، ومن خلال تيسير بنية من الدوافع تعُزز الجهل.

6. الخطوة الأولية

يمكننا الآن أن نرى كيف يمكن اعتبار الامتثال لأخلاقيات الفطرة السليمة كخطوة أولية على طريق وقف المعاناة. في حين أن وجود الجهل يجعل كل فعل – حتى ولو اعتبِر جيدًا من الناحية الأخلاقية – فعّالًا فيما يخص الكارما،  بينما تلك الأعمال التي تعتبر عادة شريرة من الناحية الأخلاقية هي معززات قوية للجهل بشكل أكبر، من حيث أنها تنبع من الافتراض بأن خير الشخص له أهمية قصوى. وفي حين أن الاعتراف بالقيمة الأخلاقية للآخرين قد لا يزال ينطوي على تصور بوجود “أنا” ، إلا أنه يمكن أن يشكل تقدماً نحو إنهاء الشعور بالذات.

هذا الاستطراد حول ما يعنيه بوذا بالكارما، قد يساعدنا على رؤية كيف يمكن استخدام استراتيجية المسار الأوسط بهدف الرد على الاعتراض على ال”لا-ذات” بواسطة إعادة الميلاد. تَمثّل هذا الاعتراض في أن المكافأة والعقاب اللذين ولدّتهما الكارما عبر الحيوات المختلفة لا يمكن استحقاقهما أبداً في غياب الذات المتناسخة.

7. استراتيجية المسار الأوسط

تتضمن إستراتيجية المسار الأوسط عمومًا تحديد ورفض افتراض مشترك بين زوج من الآراء المتطرفة. وهي:

  • (1) أن الشخص في الحياة اللاحقة يستحق الثمار الناتجة عن أفعاله في الحياة السابقة.
  • (2) أن هذا الشخص لا يستحق الثمار. أحد الافتراضات المشتركة بين (1) و (2) هو أن الأشخاص يستحقون الثواب والعقاب بناءً على الطابع الأخلاقي لأفعالهم، وقد ينكر أحدهم هذا الافتراض. لكن سيكون ذلك بمثابة عدمية أخلاقية، ويقال إن المسار الأوسط يتجنب العدمية (مثل الزوال التام). قد يكون البديل المُبشّر أكثر هو إنكار وجود أشياء مطلقة مثل الأشخاص الذين يمكنهم حمل خصائص أخلاقية كالصحراء. هذا هو ما يبدو بأن بوذا يعنيه عندما يؤكد بأن الشخصين السابق واللاحق (في تناسخين متتالين) ليسا متماثلين ولا مختلفين (S II.62 ؛ S II.76 ؛ S II.113). نظرًا لأن أي شيئين موجودين يجب أن يكونا متطابقين أو متمايزين، فإن القول عن الشخصين بأنهما ليسا كذلك، يعني القول بأنهما غير موجودين.

هذا البديل واعد أكثر لأنه يتجنب العدمية الأخلاقية. حيث يتيح للمرء أن يؤكد بأن الأشخاص وخصائصهم الأخلاقية حقيقة تأليفية. وأن نقول هذا يعني أنه بالنظر إلى اهتماماتنا والقيود المعرفية المفروضة علينا، فنحن نعمل بشكل أفضل لتحقيق هدفنا – تقليل الألم والمعاناة بشكل عام – من خلال التصرف كما لو أننا أشخاص يتمتعون بخصائص معنوية كبيرة.

8. خاتمة

في نهاية المطاف، هناك فقط كينونات وأحداث غير شخصية في التسلسل السببي: الجهل، أنواع الرغبات التي ييسرها الجهل، نية تتشكل على أساس هذه الرغبة أو تلك، أو فعل جسدي، لفظي أو عقلي، شعور بالسعادة، أو الألم أو اللامبالاة، قد يمنح فرصة للمعاناة.

والادعاء بأن هذا الموقف مفيد يمكننا من التفكير بأن الشخص الذي يقوم بعمل شرير بداعي جهله بالطبيعة الحقيقية للأشياء، ويتلقى الثمار غير السارة التي يستحقها في الحياة القادمة، ويعاني من خلال استمراره في عجلة السامسارا  “saṃsāra”(إعادة الميلاد المتكرر غير المتحكم به تحت تأثير المشاعر والمواقف الداخلية المربكة والكارما)، ومن المفيد التفكير في الموقف بهذه الطريقة لأنه يساعدنا في تحديد المواضع المناسبة للتدخل لمنع الألم في المستقبل (الفعل الشرير) والمعاناة المستقبلية (الجهل).

لا شك أنه من الصعب للغاية تصديق أن الكارما وإعادة الميلاد موجودة في النموذج الذي يدّعيه بوذا. لكن يعتقد بأنه يمكن إثباتها من قبل أولئك الذين طوروا قدر على استبصار الماضي، من خلال تقنية اليوجي المتقدمة. ولكن هذا لا يساعد كثيرا أولئك الذين لم يقتنعوا بالفعل بأن التأمل وسيلة موثوقة للمعرفة. ما يمكن قوله ببعض التأكيد هو أن الكارما وإعادة الميلاد لا تتعارض مع ال “لا-ذات”. وحيث الولادة الجديدة دون تناسخ (انتقال الروح لجسد آخر) ممكنة.