مجلة حكمة
فينومينولوجيا الروح الجديدة عند هابرماس قرنان بعد هيغل

فينومينولوجيا الروح الجديدة عند هابرماس: قرنان بعد هيغل

الكاتبسيلا بنحبيب
ترجمةعلي الرواحي

1) من نظرية الفعل التواصلي إلى تاريخ آخر للفلسفة أيضاً

From Theory of Communicative Action to Also, a History of Philosophy

إن أعظم إبداع هابرماس في كتابه تاريخ آخر أيضا ً للفلسفة، يشبه جسرا ً مُحكما ً من الحبال يُلقى على ضفتي نهر، ويجمع بين خيوط مختلفة من الحجج التي شغلته على مر السنين.بحيث يجب أن يحرص المسافر على احترام قوة الحبل وخيوطه المختلفة حتى لا يفقد طريقه على طول الرحلة عبر قرون من تاريخ الفلسفة.

بين 1981م عام نشر كتاب نظرية الفعل التواصلي (ThKH)([1])، ونشر كتاب تاريخ آخر أيضا ً للفلسفة (AGP)،  بعد 40 عاما ً تقريبا ً في عام 2019م([2])، تغير المجتمع العالمي في مثل هذه الطرق التي أعادت الماركسية الجديدة لتستولي على نظرية فيبر([3]) للحداثة، حيث لم تعد عملية نزع السحر([4])، والتشيوء([5])، كما هو الحال في عمل جورج لوكاش([6])، كافية.في نظرية الفعل التواصلي، كان هابرماس مُهتما ً بإظهار أن “فقدان المعنى” و “فقدان الحرية”، الذي تنبأ به فيبر بأنه عواقب حتمية للحداثة لم يحدث، وأن فقدان الحرية الذي تنبأت به صيغة فيبر الشهيرة ” القفص الحديدي للحداثة”([7]) يمكن التغلب عليها([8])، حيث لا يزال من الممكن الحفاظ على الحرية والاستقلالية الفردية. ومع ذلك، ظل الاستياء من الحداثة منتشرا ً ومتكررا ً. كما توقع فيبر بالفعل أنه سيكون هناك أولئك الذين لا يستطيعون “تحمل مصير الأزمنة مثل الرجال”، ونصحهم بأن “أبواب الكنيسة القديمة” ظلت مفتوحة، مثل أم عجوز تنتظر ابنها الضال عند عودته للمنزل([9]).

كان فيبر مخطئا ً ومصيبا ً في نفس الوقت: مخطئا ً، بمعنى أنه لم يتوقع أن العديد من المجتمعات والثقافات التي لم تختبر العلمنة ونزع السحر سوف تتخذ مسارات بديلة للحداثة في الصين واليابان والهند وأجزاء من الشرق الأوسط وأفريقيا. في هذه المجتمعات، استمرت بقايا الثقافة التقليدية وحتى القديمة حتى أيامنا هذه. في حين كان فيبر مُحقا ً في ذلك التحديث على النمط الغربي للاقتصاد، بناء الدولة، والإدارة البيروقراطية العامة والخاصة، وبشكل متزايد في أيامنا هذه، على الإنترنت في جميع أنحاء العالم ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى للمعلومات، والذي من شأنه أن يفتح دوامة تنفتح فيها جميع المجتمعات البشرية، حتى في المناطق النائية من العالم، أو التي سيتم سحبها.

كيف يمكن لعوالم الحياة الثقافية والتقاليد الدينية التي تعود إلى قرون مضت أن تصمد أمام دوامة التحديث في جميع أنحاء العالم؟ ماذا سيحدث للمجتمعات البشرية العالقة بين ضرورات التحديث الوظيفي من ناحية، ومعايير عوالم حياتهم الثقافية والدينية من ناحية أخرى؟ في عبارة بنيامين باربر([10]) التي لا تُنسى، كيف يمكن التوفيق بين “الجهاد” و “عالم ماك”؟ بعد أن أخذ إطار عمل الدولة القومية المقيدة إقليميا ً كأمر مسلم به، قام هابرماس في نظرية الفعل التواصلي، بتحليل التناقضات والأمراض بين النظام وعالم الحياة في هذا السياق وحده. لم يكن المجتمع العالمي( ([11]حاضرا ً كموضوع، ولم تُعطى الحداثات البديلة مكانها المناسب.([12])في ظل ظروف المجتمع العالمي، سيكون التواصل بين الثقافات عبر عوالم الإيمان ممكنا ً([13]).إن موضوع ما بعد العلمانية برمته ينبثق من هذا السياق؛ ما بعد العلمانية لا يعني بعد العلمانية بل ما هو أبعد منها. ظلت مجتمعات أوروبا الغربية علمانية بلا ريب،  فقط في بقية العالم جلبت الحداثة معها إحياءً للدين، على الرغم من أن بعض البلدان، مثل الولايات المتحدة، لم تكن أبدا ً علمانية بالكامل([14]).

في كتابه تاريخ آخر أيضا ً للفلسفة، يدافع هابرماس عن كرامة الإنسان وعقلانيته في عصر تقطعت به السبل بين ضفاف الطبيعة والدين. يأخذ هذا المسعى شكل إعادة بناء تاريخ “العقل الغربي” من العصر المحوري([15]) وما بعده عبر آباء الكنيسة، لوثر، الثورة العلمية، التنوير الفرنسي والاسكتلندي لكانط، المثاليين الألمان، وما بعدها فيورباخ وماركس وكيركجارد وبيرس. وزعمه أن اللقاء بين الإيمان والمعرفة في الغرب هو عملية تعلم ([16]) يمكن “إعادة بنائها بعقلانية”. تقوم الفلسفة بإبراز حقائق الإيمان من خلال عملية يسميها راينر فورست([17]) “الترجمة التعويضية”([18]).في صياغة ملفتة، كتب هابرماس: “يبقى الدين شوكة في وعي المجتمع العلماني([19])” يجب فهم الكوكبة الحالية من الأفكار بين الفلسفة والعلم والدين في ضوء “إعادة بناء عقلاني لشكل تفكير المرء” كما يظهر في نهاية هذه العملية([20]).

بالتأكيد، لم تكن هذه التطورات المتناقضة في المجتمع العالمي هي وحدها التي وضعت مسألة الدين على جدول الأعمال. في المجتمعات العلمانية أيضا ً، بدأ التقدم في التقنيات الوراثية والذكاء الاصطناعي في اقتراح مآزق لا يمكن للعلماء أو الفلاسفة تقديم إجابات مقنعة لها. إذا ظل المجال العام للولايات المتحدة أسيرا ً بشكل أساسي لأسئلة مثل، “متى تبدأ الحياة؟” تساءلت مجتمعات أخرى: “متى يكون هناك ما يبرر أخلاقيا إنهاء الحياة في المستقبل؟” “من يجب أن يقرر: الفرد؟ الأسرة أم بيروقراطية الدولة”؟

خلُص هابرماس إلى أن فلسفة ما بعد الميتافيزيقية، أي الفلسفة التي لم تعد ترتكز على يقين صورة العالم أو الكون، لا يمكنها تقديم إجابات ملزمة لهذه الأسئلة. بدلا ًمن ذلك، كان على الأفراد أن يتجهوا إلى عالم المعنى الذي كانت الفلسفة دائما ً في منافسة معه، أي الدين. فتحت التقاليد والمجتمعات الدينية قلوب الأفراد وعقولهم على مجال متسام ٍ يقدم العزاء في مواجهة المعاناة الدنيوية والعجز والبؤس والموت، وحتى ببساطة في مواجهة ألغاز الإنسان. بالنسبة إلى فيبر”الثيوديسي([21](“، فإن تبرير المعاناة البشرية في عالم ظالم وغامض، كان في قلب كل ديانات العالم. ربما كانت أفضل إجابة يمكن أن تقدمها الفلسفة في عصر ما بعد الميتافيزيقي في مواجهة كل هذه الأسئلة، هي “الحظ الأخلاقي”([22])، وليس أكثر من ذلك.

في غضون ذلك، بدأت التطورات في الذكاء الاصطناعي والروبوتات، والتي بلغت ذروتها في العملية التي بدأت بالفعل مع الثورة العلمية في القرن السابع عشر، في حرماننا من أي أوهام قد تكون لدينا حول مكانتنا الخاصة في الكون كبشر. في مساهمة مدهشة في النقاش حول التكنولوجيا الجينية، أكد هابرماس أن التناظر الوجودي بين أجيال من البشر يضمن أن والديهم ليسوا من صانعيها (Habermas, 2003) ويجب الحفاظ على هذا من خلال منع جميع الاستخدامات العلاجية للتلاعب الجيني. لا يجب أن يمتلك أي والد الوسائل اللازمة لتصميم طفل بعيون زرقاء وحاصل ذكاء عبقري، على سبيل المثال. إن عنصر عدم القدرة على التنبؤ الجيني الذي رافق كل عمل من أعمال الولادة هو شرط مسبق لحرية الإنسان. يتم تذكيرنا هنا بمفهوم حنا أرندت([23]) عن “الولادة”: إن ولادة كل طفل تبشر ببداية جديدة لأن تصرفات وكلمات كل طفل تختلف عن الآخر، وغير متوقعة.

تعني الولادة أن الأطفال ليسوا من نتاج والديهم بل هم كائنات حرة خاصة بهم. هذا التناسق الأنطولوجي بين الوالدين وذريتهم – الذي لا يمكن للأول أن يصنع الثاني – هو في قلب الوضع البشري([24]).حيث ظلت عالقة بين المذهب الطبيعي([25])، الذي من شأنه أن يحول البشر إلى آلات ذكية يمكن أن يسيطر عليها في يوم من الأيام أشخاص أكثر ذكاءً، وبين الدين الذي سعى للحصول على إجابات لأسرار وبؤس الوجود البشري، والسؤال: أين كانت الفلسفة؟ وما هو المكان المناسب للدين في المجال العام الديمقراطي الليبرالي في ضوء حالة ما بعد العلمانية؟

كافح جون رولز([26]) للإجابة على هذا السؤال طوال حياته وعمله([27]).وقال إن الليبرالية السياسية ممكنة، فقط إذا كان المواطنون في مثل هذه المجتمعات يستطيعون رسم خطوط واضحة بين وجهات النظر العالمية الشاملة المعقولة والآراء غير المعقولة.كانت وجهة النظر تلك معقولة، والتي يرى المواطنون بموجبها بعضهم البعض ككائنات متساوية تتمتع بالقدرة على تشكيل تصورات عن الخير ومتابعتها ضمن إطار تعاوني للعدالة. بالإضافة إلى ذلك، في المجال العام للمجتمعات الديمقراطية الليبرالية، كان المواطنون أحرارا ً في الدخول في الحجج القائمة على وجهات نظرهم العالمية الشاملة، بشرط أن تكون هذه الحجج متوافقة أيضًا مع قيود العقل العام([28]).

لا توجد حاجة هنا لتلخيص نقاش رولز-هابرماس([29]). لكن مناقشة رولز في كتاب تاريخ آخر أيضا ً للفلسفة تثير ملاحظة جديدة.ينتقد هابرماس كتاب رولز قانون الشعوب([30]) لتصنيفه المجتمعات غير الليبرالية إلى هرمية، لائقة، مثقلة بالأعباء، وخارجة عن القانون.كما يجادل بأن هذا التصنيف يعكس وجهة النظر الإستراتيجية “للاعبين العالميين” المستنيرين([31]).ويؤكد كذلك أنه في ضوء مجتمع العالم المجزأ اليوم، يجب ألا تقبل النظرية الفلسفية للعدالة ببساطة صرامة الاختلافات الثقافية. بدلاً من ذلك، يقترح الدفاع عن حقوق الإنسان العالمية من وجهة نظر الوعي المعصوم من الخطأ الذي يعترف بأن “فهم حقوق الإنسان الذي تم تطويره في الغرب له ما يبرره للوهلة الأولى بأسباب وجيهة ويستحق اتفاقا ًعالميا ً([32]) حتى لو كان لا بد من تصحيحه وازدادت هذه التصحيحات في ضوء الانتقادات المُقنِعة”([33]).

من المستحيل أن ننصف المضامين الخفية لرواية هابرماس؛ فنطاقه وسعة معرفته سوف يتخطى حدود أي تعليق واحد. ومع ذلك، لا يزال هناك سؤال مزعج: كيف يمكن للوعي الخاطئ لحقوق الإنسان العالمية، المُنفتح للتعلم من التقاليد الثقافية الأخرى في المجتمع العالمي، أن يتم بناؤه من خلال جينالوجيا العقل الغربي وحده؟ لماذا يمكن لسردية اللقاء بين الإيمان والمعرفة في التقاليد الغربية أن تقدم ردا ً على الألغاز التي تواجه الإنسانية في عصرنا، مثل الصدام بين الرأسمالية العالمية، والحياة الأسرية، والمجتمعات الدينية؛ انتشار الروبوتات وفقدان الوظائف والعمل الهادف؛ الاستيلاء على التقنيات الجينية من قبل فاحشي الثراء (على سبيل المثال، إيلون ماسك) الذين قد يكون لديهم في يوم من الأيام القدرة على تصنيع نسلهم؟ كيف يمكن تلبية مثل هذه الأسئلة العالمية من خلال مثل هذه الرواية المحدودة جغرافيا ً وثقافيا ً؟

أحد مفاتيح فتح الإجابة هو مقارنة كتاب هابرماس بفينومينولوجيا الروح لهيغل (1977 [1807])([34]). قدم هيغل إنجازات الحداثة ومكانة فلسفته في العصر الحديث كسردية كبيرة، أعيد بناؤه باعتباره عملية تعلم([35]). وسأجادل، مع ذلك، أن كلا من منهج هيغل الفينومينولوجي وطريقة هابرماس الترميمية تلخص مغالطات نوع من التاريخانية(.([36] فهم يتعاملون مع العمليات التنموية على أنها تنُفّذ بواسطة موضوع جماعي يظهر في وقت متجانس، يُنظر إليه على أنه “حاوية” للتطور بدلاً من تجربةٍ زمانية مثل التجربة الحية والمتقطعة والمتناقضة)[37](. ينتج عن مثل هذه التاريخانية تجاهل أصوات الآخرين الذين أهملوا من “عملية التعلم” وحصرها في أقواس حيث تستمر في المضي قدما ً بلا هوادة. ثم يتم الحكم على قطاعات كبيرة من المجتمعات البشرية في “غرفة انتظار” التاريخ ويتم نسيان أننا نعيش في نفس الزمانات التاريخية ولكن بشكل ٍ مختلف، وأن تاريخ الحداثة العالمية لم يعد من الممكن سرده من خلال لقاء العقل والإيمان في الغرب وحده.

2. فينومينولوجيا الروح لهيغل كممهد لتاريخ آخر للفلسفة أيضا ً

HEGEL’S PHENOMENOLOGY OF SPIRIT AS A PRECURSOR OF HABERMAS’S AGP

نوقش هيغل على نطاق واسع في المجلد الثاني من كتاب تاريخ آخر للفلسفة أيضا ً(ص 468-555) الذي خصصه لتتبع عناصر من “الحرية المعقولة”([38])، كما تنبثق من الحوار بين الإيمان والمعرفة. يركز هابرماس على التوتر الأساسي في فلسفة هيغل: فمن ناحية، فإن الكشف الديالكتيكي للمفهوم مدين للعقيدة القديمة لـ “الضرورة”، أي البصيرة القائلة بأن “الواقعي هو عقلاني”. “من ناحية أخرى ، يحتفل فيلسوف التاريخ الأوروبي المركزي باستقلال وعي الذات، الذات المستقلة التي تقرر ذاتها وتحقق ذاتها” (Habermas, 2019b, p. 509). بالنسبة إلى هابرماس، لا يمكن فصل رؤى هيغل الاجتماعية التاريخية عن توترات وهياكل المجتمع الحديث عن هذا الإرث الميتافيزيقي الذي يسعى أيضا ً إلى إذابة حقائق الدين في فلسفته الديالكتيكية. يعترض هابرماس على التفسيرات المعاصرة لهيغل التي اقترحها تيري بينكارد وروبرت بيبين ([39])(Pinkard, 1996; Pippin, 2008) التي تتخلص من الروح المطلقة عن طريق “قطع رأس البراغماتية الجديدة”[40] (Habermas, 2019b, p. 509). لا أنوي الدخول في هذا النقاش حول تفسيرات هيغل المعاصرة، فهدفي محدود للغاية، كما يعترف هابرماس، فإن هيغل أول من اقترح أنه من أجل فهم إنجازات الحداثة، يمكننا استخدام عملية التعلم([41]). كما في فينومينولوجيا الروح لهيغل ، بالنسبة لمنهج هابرماس في “إعادة البناء العقلاني” أيضا ً، يجب فهم التفاعل بين وجهة نظر المشارك والمراقب على ضوء الأسباب الوجيهة وليس مجرد وصفه كما لو كان مجرد سرد معقول آخر. (Habermas, 2019a, p. 139). هذه هي الحجة التي أود إبرازها هنا.

تبدأ فينومينولوجيا الروح هيغل كحجة معرفية مع أسلافه، ولا سيما كانط، وتستمر باعتبارها رواية تشكيلية لبطل يُدعى das Bewuβtsein””( (Hegel, 1952 [1807، أو ببساطة، “الوعي” (Hegel, 1977). بالنسبة لهيغل، يوصف الوعي في البداية على أنه يمثل أنظمة الاعتقاد لكل شخص يؤيد نظرية المطابقة للحقيقة. يؤمن الوعي ببساطة أن الحقيقة تتعلق بشيء خارجي عنه ويعتقد أن المعرفة هي إما أداة أو وسيط يمكن من خلاله الوصول إلى هذه الحقيقة (Wahrheit). يبدأ الوعي في التعثر فقط عندما يتعين عليه إظهار أو نقل “اليقين”([42]) حول هذه الحقيقة لشخص آخر. من أين تأتي هذه الضرورة لإثبات اليقين؟([43])هل تحيز هيغل بشكل صحيح منذ البداية مع مطلب توصيل الحقيقة ونقلها؟ الأمر كذلك بلا شك، لكن “نحن” الذين نراقب تقدم مغامرة الوعي( ([44]لسنا مجرد مراقبين لأننا منجذبون إلى قصة الوعي بقدر ما نشارك أيضا ً بعض افتراضات الوعي. يثبت هيغل عدم كفاية بعض مفاهيم الحقيقة عن طريق تفاعل حواري بين وجهة نظرنا “نحن” ووجهة نظر الوعي. بغض النظر عما قاله هيغل القديم عن المعرفة المطلقة، فإن مقاصد علم الظاهراتية هو إظهار البحث عن الحقيقة ليكون عملية تعلم حوارية.

يصبح منهج علم الظاهراتية أكثر وضوحا ً لفهم مقاصد هابرماس في كتابه تاريخ آخر للفلسفة أيضا ً عندما نضع في اعتبارنا ما يلي: تشكل قناعات الوعي حول الحقيقة واليقين معًا باعتبارها “شكلا ً من أشكال الوعي”([45]).إن تجربة محاولة التعبير عن يقين يتناسب مع الحقيقة تدفع الوعي إلى الأمام نحو موضوع جديد للحقيقة.فبينما يحاول الوعي إيصال اليقين بشأن ادعاء الحقيقة، فإنه “يعاني من العنف على يديه”(Hegel,1977, p. 138) .([46])حيث توضح عملية قول الحقيقة أو إظهارها أن الحقيقة ليست ما اعتقده الوعي  .(Taylor, 1972)

حكاية كتاب الفينومينولوجيا لهيغل هي حكاية تشكيل الوعي([47])، حيث أصبحت أكثر تعقيدا ً على نحو متزايد من أشكال الحياة المعرفية والاجتماعية والثقافية. مع تغير تجارب الوعي، يتغير موضوعه وذاتيته أيضا ً: من المواجهات المعرفية للفصول الثلاثة الأولى (تسمى “اليقين الحسي” و “الإدراك” و “الفهم”) ينتقل الكتاب إلى الوعي الذاتي والرغبة، إلى العمل وديالكتيك السيد والعبد، ثم إلى العقل، والروح، والفن، والدين، وأخيرا ً إلى المعرفة المطلقة، التي تبين أنها تلخيص للكل.ما يجعل توجه هيغل لعملية التعلم، ليست مجرد حكاية يتم سردها ببراعة، بل هو أننا، الراوي والقارئ، الذين يراقبون الوعي، اكتشفنا أن الانتقال من شكل من أشكال الوعي إلى شكل آخر يأتي من خلال “التجربة”، أي عملية التعلم. لكننا فقط نعرف أن: الوعي لا يعرف كيف أو لماذا قام بتغيير موضوع المعرفة أو اليقين. فكل هذا يحدث من وراء ظهره (Hegel, 1977, p. 143). بالنسبة لهيغل، فإن الانتقال من شكل من أشكال الوعي إلى آخر هو عملية تعلم على وجه التحديد لأنه، كما يصر هابرماس، “بينما يمكن وصف التعديلات من منظور المراقب…لا يمكن وصف عمليات التعلم إلا من قبل مراقب يفهمها أولاً” .(Habermas, 2019a, p. 139)

للتحدث عن عملية التعلم، وليس فقط عن عملية تعديل تطوري حيث تغير المجتمعات البشرية ممارساتها ووجهات نظرها للعالم استجابةً للضرورات الوظيفية في البيئة، يجب أن يكون هناك نوع من الموضوعات، نحن قادرون من بعضها على التعلم وكذلك على النسيان…على الرغم من أن هيغل قد تعرض للضرر والاحتقار كثيرا ً بسبب مفهومه عن الروح التي تتكشف في التاريخ، إلا أنه لا يلزم تصور الروح كموضوع كبير، ولكن كما كان هابرماس الشاب يعرف جيدا ً، يمكن اعتبار الروح كمجتمع متكامل من المتعلمين أيضا ً (Habermas, 1973a).([48]) في مقدمة كتاب الفينومينولوجيا، أوضح هيغل أن قراء كتابه هم الأفراد المعاصرون الذين وجدوا في أعقاب الثورة الفرنسية، الذين يدركون ظهور “العصر الجديد” – die Neue Zeit – أو العصر الحديث.

إذا كان هذا التشابه مع كتاب الفينومينولوجيا مفيدا ً، فإن السؤال هو: من نحن الذين نتعلم وكذلك ننسى في كتاب تاريخ آخر للفلسفة أيضا ً لهابرماس؟ إن سرد هابرماس اللامع لتاريخ الفلسفة باعتباره تفاعلا ً بين الإيمان والمعرفة، في نهاية المطاف، هو تاريخ انتقائي للغاية للتحولات الفكرية للإنسانية الغربية.حيث تحتل الثورة البروتستانتية مكانة خاصة في هذه الرواية.يُعبّر “لوثر” عن الفصل بين توجه الفرد مع إيمانه في وجود الله وبين التعزيزات المؤسسية للكنيسة الكاثوليكية الفاسدة على نحو متزايد. كما أن الدراما بين الكاثوليكية والبروتستانتية هي نقطة تحول مركزية في المجلد الثاني من الكتاب. تنبثق مُثُل الاستقلال الأخلاقي الكانطي من هذه المواجهة. بينما تختفي اليهودية في هذا التاريخ وتتأرجح إلى شكل من أشكال “المساواة والفردية والعالمية” – ويمكنني القول أنها بروتستانتية عالية، أو شكل من الأخلاق (Habermas, 2019b, p. 82).

في السنوات الأخيرة، أثيرت تهم “المركزية الأوروبية” ضد تقليد النظرية النقدية بشكل عام و في كتاب تاريخ آخر للفلسفة أيضا ً بشكل ٍ خاص (Allen, 2016; Bloch, 2020).يدرك هابرماس هذه الاعتراضات ويقر كثيرا ًبالهيمنة الإمبريالية التي أطلقتها دول التحديث الغربية على بقية العالم (Habermas, 2019a, p. 110).لكن سؤالي هو سؤال منهجي يعود إلى نقاش هابرماس ولومان: إذا كانت نظرية الفعل التواصلي عبارة عن نقد للتوجه النظري للأنظمة، وترفض النظر إلى المجتمع على أنه أنظمة فرعية متكاملة وظيفيا ً تستجيب لبيئتها من أجل تعزيز قدراتها الوظيفية وحدها، فإن ناقلات عمليات التعلم في نظرية الفعل التواصلي يمكن أن نكون فقط – نحن. لكن من نحن؟ يبدو أن هابرماس يتأرجح بين التصور الهيغلي الجديد للتعلم ومفهوم التطور الجديد، لذلك يعود سؤالنا: ما الذي يعطي عملية التعلم هذه أهمية عالمية يمكنها معالجة أسئلة المجتمع العالمي عموما ً في العصر ما بعد الميتافيزيقي؟ أو ما يحول حقيقة الحداثة، التي انتشرت إلى بقية العالم “بتصويبة بندقية أو زورق حربي أو طائرة هليكوبتر حربية” (McCarthy, 2009, p. 149)، إلى سرد معياري لنا جميعًا – “نحن” الذين ما زالت هويتهم وأصواتهم غير محددة؟ فمعيارية تتطلب الحداثة إدراج العديد من الأصوات الأخرى أثناء صراعها مع “تهديد الإقصاء والتهميش والتبعية” (McCarthy, 2009, p. 149).

ليس من قبيل المصادفة أن يكون عنوان هابرماس إشارة طريفة إلى كتاب هيردر([49]) المعنون: أيضا ً فلسفة تاريخ تعليم الجنس البشري. ويصبح تاريخ فلسفة هابرماس، على الرغم من مقاصده، فلسفة تاريخية ما لم يتم توضيح مفهوم عملية التعلم بشكل أكبر. كان كانط مدركا ً جيدا ً للصعوبات التي تواجه كتابة التاريخ العالمي، ليس فقط لأنه كان يعرف مقدار ما لا يعرفه هو ومعاصروه، ولكن أيضا ً لأنه شعر أنه لا يستطيع التحدث عن الإنسانية إلا على أنها موضوع “تخميني” لتاريخ مكتوب عن طريق التاريخ العالمي (Kant, 1991 [1784], pp. 41−53)[50]. موضوع مثل هذا التاريخ كان يجب أن يكون “الإنسان القادم”([51]).

كما تعتبر المقارنة مع فينومينولوجيا الروح لهيغل مفيدة من ناحية أخرى. نظرا ً لأن وجهة نظر الوعي تقترب في النهاية من وجهة نظر “النحن”، وأصبح من الممكن التعرف على سرد النص باعتباره إعادة بناء تاريخية انتقائية لحدود التنوير الأوروبي وتجاوزه([52])، فإن عدم التناسق بين ما يدعي الوعي أنه الحقيقة وما يعرفه الراصد أنه الحقيقة ينهار. وبشكل متزايد، فإن الجشطالت أو الإطار الخاص بالوعي هو الذي نعيش فيه أيضا ً، فنحن نصبح شركاء في محادثة، أو كما قال هابرماس ذات مرة، “في التنوير لا يوجد سوى مشاركين” (Habermas, 1973b, p. 44). إذا انهار هذا التباين ولم يكن هناك سوى شركاء في وضع متماثل، وليس لدى أي منهم وجهة نظر مميزة، فما هي القيمة الفلسفية التي تمتلكها حجة عملية التعلم؟ لماذا بالضبط من المفترض أن يكون جينالوجيا العقل ما بعد الميتافيزيقي حجة مقنعة لصحة وجهة النظر هذه؟ أي نوع من الجينالوجيا ينطلق من عدم تناسق المعرفة بين الشخص الذي يشارك فيه والشيء الذي يتم تحليله. في حالة وجود شركاء في موقع متماثل، لم يعد لدينا وجهة نظر خارجية تتمثل في شخص يحكم على ما هو مؤهل للتعلم. بمجرد انهيار هذا التباين، هل لا يزال الجينالوجيا علما ً مقبولاً؟

ينشأ هذا التحدي أمام هابرماس في لقائه مع ديفيد هيوم. وهو يعترف بأن هيوم سيكون المفكر الوحيد الذي يمكنه الادعاء بأن جميع الخطوات المتخذة لإعادة بناء علم الجينالوجيا للعقل ما بعد الميتافيزيقي هي “وهم مفهوم” (Habermas, 2019b, p. 210). يمثل هيوم نزعة إنسانية طبيعية، لا تزال متأثرة بالتقاليد اليونانية والرومانية وتم إزالتها من السرديات التعويضية للتقدم المتأثر بالفكر المسيحي. وبالتالي، فإن شكوكه محصنة ضد الأوهام العقلانية لعملية التعلم. ومع ذلك، إذا كان الأمر كذلك، فيمكن للمرء أن يجادل فقط مع ورثة هيوم اليوم في “مساحة مشتركة من الأسباب”،(Brandom, 1994)([53]). وحقيقة أن وجهة نظر المرء هي نتيجة لعملية التعلم التي أعيد بناؤها بعقلانية والتي ستضيف القليل لصحتها.

اسمحوا لي أن ألخص حجتي حتى الآن: أجد التشابه مع فينومينولوجيا الروح لهيغل مضيئا ً، لأن طريقة تمثيل إنجازات الحداثة لتكون نتيجة لعملية التعلم هي مساهمة هيغل الرئيسية. مع اقترابنا زمنياً من العصر الحديث، يبدأ سرد هيغل في الفصلين 6 و 7 من الفينومينولوجيا في اتباع مسار الروح في عصر التنوير الأوروبي، والثورة الفرنسية، ثم كما تجسدت في الفن والدين. كل هذا يقارب التسلسل الزمني المميز للتاريخ الأوروبي ولا يظل سرد هيغل مجرد تاريخ تخميني. ومع ذلك، هنا بالضبط يجب أن نسأل هيغل، وكذلك هابرماس، من هو موضوع هذا التاريخ؟ علاوة على ذلك، نظرا ً لانهيارعدم التناسق بين الشخص الذي تُسرد تجربته والراوي الذي تُروى قصته، لا يكفي الجينالوجيا ولا الفينومينولوجيا لتأسيس معيارية الحداثة.

أريد أن أقترح أن روايات معيارية الحداثة يجب أن تنصف تعددية الأصوات التي لا تُسمع عادة. “تضمين الآخر” يعني التعرف على صوت الآخر في حديث الحداثة. في العقود الماضية، أنتجت الدراسات النسوية العديد من الأعمال التي تروي تاريخ الفلسفة الغربية من خلال تضمين أصوات النساء في هذه الرواية (Benhabib&Nicholson, 1987; Elshtain, 1981; Lloyd, 2004 [1984]; Nussbaum, 1999; Okin, 1979, 1991; Pateman, 1988)([54]).وإذا فعلنا ذلك، فإن ما ينشأ هو تكوين مختلف للعلاقة بين العقل والشعور، والعقلانية والتجسيد، والعام والخاص – من بين العديد من الموضوعات الأخرى. هذه المساهمات ، كما جادلت في العديد من الأعمال ، تقودنا إلى إعادة النظر في تكوين جديد لـ “التعميم” و “الآخر الصلب”(Benhabib, 1992). إن إدخال أصوات النساء في سرد ​​الحداثة ليس له عواقب على نظرية المعرفة والنظرية الأخلاقية فحسب، بل أيضا ً على التفكير في موضوع حقوق الإنسان. ما هي الافتراضات الخفية حول جسم الإنسان ودورات حياته وحياته الجنسية التي وجهت الفهم السائد للشخص صاحب الحقوق؟ كيف تتغير مفاهيمنا عن المساواة بين البشر إذا كان الشخص ليس فقط رجلا ً بالغا ً سليما ًجسديا ً ولكن شابا ً حاملًا تحت سن البلوغ؟ في الواقع، كما يقترح هابرماس، فإن الدفاع عن حقوق الإنسان العالمية من وجهة نظر الوعي المعصوم يقر بأن “فهم حقوق الإنسان الذي تم تطويره في الغرب له ما يبرره للوهلة الأولى بأسباب وجيهة ويستحق اتفاقا ً عالميا ً ([55])حتى لو كان كذلك، يجب تصحيحه وتوسيعه في ضوء الانتقادات المقنعة”(Habermas, 2019a, p. 99)، فمن المؤسف أن أصوات النساء لا تجد طريقها إلى سرد هابرماس.لمَ تُمحى أصوات النساء فقط في هذا التوجه السردي للحداثة؟.لمَ يتم أيضا ً نسيان الحوار بين الثقافات التي كان من المفترض أن يحدث في مجتمع عالمي؟

3. الطابع الإقليمي لأوروبا “PROVINCIALIZING EUROPE”:

في العقود القليلة الماضية، ظهر نوع من البحث التاريخي يهدف إلى تقديم سرد للحداثة العالمية على أنها قصة متعددة البؤر،متضاربة،ومتناقضة. في عام 2000م،نشر ديبيش تشاكرابارتي كتابا ًبعنوان Provincializing      Europe  الفكر ما بعد الاستعمار والاختلاف التاريخي)[56](. هذا الكتاب هو واحد من أكثر الكتب بلاغة وسط مجموعة كبيرة من الدراسات التاريخية التي تقدم سردًا معقدا ًومتغيرا ً للحداثة الأوروبية، لأنها تفترض أبعادًا عالمية([57]). كما هو الحال مع مساهمات الباحثين النسويين المذكورين أعلاه، فإن هذه المجموعة من البحوث الدراسية تلزمنا بالتشكيك في فكرة عملية التعلم التي تتضح بشكل واحد. بالنسبة لبعض منظري ما بعد الاستعمار، فإن كتابة تاريخ الحداثة من الهوامش، من خلال إدخال صوت “التابع”، قد يؤدي إلى رفض الحداثة تماما ً. يعتبر كتاب تشاكرابارتي مهما ًمن الناحية الفلسفية على وجه التحديد لأن “إضفاء الطابع الإقليمي على أوروبا” بالنسبة له لا يعني رفض إرث وإنجازات الحداثة الأوروبية.على العكس تماما.يضع شاكرابارتي نفسه ضمن تقليد علم الجينالوجيا التأويلي ويحاول التوفيق بين تأويلات هانز جورج جادامر ومنهجية الجينالوجيا لميشيل فوكو.([58])يستحق نقده للتاريخية وإعادة بنائه لتعدد الأصوات في حوار الحداثة الاستشهاد بإسهاب:

من المستحيل التفكير في ظاهرة “الحداثة السياسية” – أي حكم المؤسسات الحديثة للدولة والبيروقراطية والمشروع الرأسمالي – في أي مكان في العالم دون التذرع بمقولات ومفاهيم معينة، تتعمق نسبها في عمق الفكر والتفكير، حتى التقاليد اللاهوتية في أوروبا. مفاهيم مثل المواطنة، الدولة، المجتمع المدني، المجال العام، حقوق الإنسان، المساواة أمام القانون، الفرد … وما إلى ذلك، يتحمل الجميع عبء الفكر والتاريخ الأوروبيين. لا يمكن للمرء ببساطة أن يفكر في الحداثة السياسية بدون هذه المفاهيم وغيرها من المفاهيم ذات الصلة التي وجدت شكلاً مناخيا ًفي سياق التنوير الأوروبي والقرن التاسع عشر (Chakrabarty, 2008 [2000], p. 4).

هذه المفاهيم جزء لا يتجزأ من عالم الحياة لحداثتنا السياسية العالمية. لكن يجب أن نكون متيقظين لسياسات التاريخية. “التاريخية”، من النوع الذي تبناه هيغل وهابرماس من خلال مفهوم عملية التعلم، “وضعت الأزمنة التاريخية كمقياس للمسافة الثقافية (على الأقل في التطور المؤسسي) التي كان يُفترض وجودها بين الغربي وغير الغربي”  .(Chakrabarty, 2008 [2000], p.7)

 أدى هذا إلى تصور الزمن التاريخي العالمي بأنه “أولاً في أوروبا، ثم في أي مكان آخر”.(Chakrabarty, 2008 [2000], p.7)).التاريخية هي طريقة شخص ما للقول” ليس بعد” لشخص آخر .(Chakrabarty, 2008 [2000], p.8)).

تتمثل القوة الرئيسية لتحليل تشاكرابارتي في إظهار كيف استخدمت النُخب في البلدان غير الغربية وجهة نظر التاريخ هذه لتقول لشعوبها، “ليس بعد: أنت لست مستعدا ً للاقتراع العام، لحقوق المرأة، وللديمقراطية  .”إن الحديث عن الحداثة العالمية إذن ليس بين المقولات الكُلية للغرب والشرق، ولكن بين أولئك الملتزمين بالمساواة والكرامة الإنسانية في كل مكان، وآخرون لديهم منطق تاريخي لإدانة جماهير الشعب عن طريق الانتظار في غرفة التاريخ السابقة.([59])

مثل هذه الحسابات التاريخية الفلسفية، تجبرنا على التشكيك في فكرة عملية التعلم أحادية الخط مع اتجاهها الموثوق. من يتعلم ومن ينسى؟ بل يجب أن نسأل، من يتعلم بشكل مختلف؟([60])بالنسبة للبعض، قد تكون الحداثة إيذانا ببعث جديد وليست مجرد عودة إلى الكنيسة القديمة، كما اعتقد فيبر. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أنه يجب علينا رفض المكاسب المعرفية للعلم الحديث وقابلية الخطأ، والتأملية، والتحقق المعرفي من خلال مجتمع البحث. وهذا يعني أننا بحاجة إلى أن نأخذ بجدية أصوات أولئك الذين يحاولون التوفيق بين هذه القيم المعرفية وآلهة عوالم حياتهم اليومية([61]). والتاريخ ليس “غرفة انتظار” أولئك الآخرين الذين يطلبون الإذن بالدخول فيه. فنحن نعيش في الأزمنة التاريخية نفسها والمختلفة في نفس الوقت، ولم يعد من الممكن سرد تاريخ الحداثة العالمية من خلال لقاء العقل والإيمان في الغرب وحده.

المفارقة هي أن هيغل كان لديه بعض الإحساس بهذا.تكشف إعادة البناء الرائعة لسوزان باك مورس في “السيادة والعبودية” الشهيرة (Buck-Morss, 2009)، أن هيغل كان بشغف وحماس عقب اندلاع الثورة في هايتي، تحت قيادة توسان دي لافرتشر ([62])(1791 1804).فعن طريق الاشتباكات بين العبيد والمستعمرين والجيوش البريطانية والفرنسية، حصل الثوار الهايتيون على استقلالهم وأصبحوا أول دولة أسسها العبيد السابقون([63]).هيغل، الذي ورد أنه شرب نخبا ًطوال حياته حتى تحرير الباستيل في 14 يوليو 1789م (Pinkard, 2000, p. 451)، أعاد صياغة نضال العبيد في سرديته الرائعة في فينومينولوجيا الروح بينما كان نابليون يدخل يينا.

4. خاتمة

أريد أن أثير اعتراضين هابرماسيين ضدي: أولاً، يمكن القول إنه على الرغم من تعقيد سرد الحداثة العالمية، مثل جلب أصوات الآخرين كشركاء في الحوار، إلا أنها بالتأكيد مهمة مرغوبة من جهة، ومن الجهة الأخرى يجب على الأجيال القادمة من العلماء المشاركة فيها، ولكن لماذا هي مهمة من الناحية الفلسفية؟ ألا تخاطر بتحويل الفلسفة إلى شكل من أشكال الدراسات التاريخية والثقافية؟

فمراقبة حدود المعرفة مهمة غير مجدية، والنظرية النقدية على وجه الخصوص، لا يمكنها الانخراط في ذلك. إذا كان منطق الموضوع،”الشيء نفسه”([64]) يتطلب ذلك، فإن المعرفة تتطلب أن ننخرط فيه. لطالما مارست النظرية النقدية حوارا ً بين الفلسفة والعلوم الاجتماعية، ونحن جميعا ًمدينون لأعمال هابرماس الرائدة في فهم جينالوجيا الحداثة، بدءا ً من التحول الهيكلي للمجال العام، الذي أظهر مثل هذا العبور للحدود.كما انتقد هابرماس البرجوازية لاستبعادها أصوات العمال والنساء من المجال العام البرجوازي الناشئ في هذا العمل، يجب علينا اليوم أن ننتبه لتضمين كل تلك الأصوات بالإضافة إلى الأصوات الأخرى من جنوب الكرة الأرضية.

ثانيا ً، وماذا عن سؤال الصلاحية؟ ربما يجب سرد سلسلة جينالوجيا “الحرية المعقولة” بطريقة مختلفة نوعا ً ما من خلال تضمين أصوات المستبعدين، لكن هل هذا يقلل من شرعية مشروع الحرية المعقولة والتواصلية؟ وبالمثل، هل حقيقة أن هيغل لديه فهم تاريخي للتاريخ يقلل من صحة حججه المعرفية ضد نظرية المطابقة للحقيقة؟ الإجابة على كلا السؤالين هي “لا”([65]).إذا أردنا الانخراط في حوار الصلاحية، فعلينا أن نحترم بعضنا البعض ككائنات نحاول إقناعها بأسباب وجيهة، كما جادلت في مكان آخر (Benhabib, 2002).مثل هذه الحوارات لها متطلبات إجرائية مثل المساواة والمعاملة بالمثل بين شركاء المحادثة في وضع القضايا على جدول الأعمال؛ في التشكيك في توزيع قواعد الكلام وحتى في التساؤل التأملي عن بنية الحوار نفسها. أصبحت قواعد الخطاب هذه جزءا ًلا يتجزأ من سيادة القانون والإجراءات البرلمانية والمجالات العامة للديمقراطيات الدستورية.إنها ليست معصومة من الخطأ ويجب تحديها ومراجعتها، لكن بدون الكليات المتضمنة في هذه الممارسات المؤسسية، التي ورثناها من الحداثة السياسية، لا يمكننا معالجة مسائل الاستغلال والظلم والتهميش والإسكات وغير ذلك الكثير. أظهر لنا هابرماس بتفصيل كبير ومعرفة واسعة لا نظير لها كيف ظهرت معايير الصحة هذه في مواجهة الإيمان والمعرفة في الغرب. ادعائي هو أنه كان من الممكن إثراء هذه المعايير وصياغتها عن طريق إيلاء المزيد من الاهتمام “للتاريخ العاطفي” (Chakrabarty, 2008 [2000]) لأصوات المستبعدين.

المصدر


[1]) جميع المراجع المذكورة باسم ThkH مأخوذة من مجلدي الترجمة الإنجليزية ، Habermas (1984a) و Habermas (1984b). (المؤلفة).

[2]) جميع الترجمات الإنجليزية لمجلدي AGP و Habermas (2019a) و Habermas (Habermas، 2019b)، هي ترجمة خاصة بي ما لم يُذكر خلاف ذلك.(المؤلفة).

[3]) تنص فقرة فيبرعلى ما يلي: “إلى الشخص الذي لا يستطيع أن يتحمل مصير الإيمان كرجل، يجب على المرء أن يقول: عسى أن يعود بهدوء، دون الدعاية المعتادة للمرتدين، ولكن ببساطة وبوضوح.ف أذرع الكنائس القديمة مفتوحة على نطاق واسع ورحيمة له. بعد كل شيء، لم يفعلوا ذلك من أجله “فيبر (1958 [1946] ، ص 155).(المؤلفة).

[4] ) Entzauberung، loss of magic.

[5]) Verdinglichung، Reification.

[6]) György Lukács.

[7]) stahlhartes Gehäuse، iron cage of modernity.

[8]) (Benhabib, 1986, pp. 224–278; Habermas, 1984a, pp. 339–403;Weber, 1920, pp. 203– 204, 1958, p. 181)

[9]) ومن هنا يطرح السؤال، ما إذا كان يمكن استنفاد المجتمع العالمي من خلال مقولات التطور الاجتماعي المستمدة من النموذج الغربي؛ أو ما إذا كان يتعين علينا مراجعة النموذج القياسي لمجتمع اقتصادي شديد التغير ومتزايد الفردية تنظمه الدولة أيضا ً ويتم ترشيده عن طريق العلم، من أجل تحقيق العدالة للتغيرات الثقافية للحداثة البديلة الموجودة في نفس إطار العالم متعدد الثقافات -ومجتمعية؟” (Habermas, 2019a, p. 113))، ثم ينتقل هابرماس لمناقشة الإجابات المختلفة التي قدمها نوع “النظام الوظيفي” من التحليلات مقابل التحليلات “الثقافية الراديكالية” وتلك القائمة على نماذج “الحضارات المقارنة” لهذا السؤال (Habermas, 2019a, pp. 114–125).(المؤلفة).

[10]) Benjamin Barber، 1996.

[11]) die Weltgesellschaft، World society.

[12]) (Eisenstadt, 2000, 2002, 2003).

[13]) يقدم توماس أ. مكارثي Thomas A. McCarthy تحليلاً من الدرجة الأولى لهذه العمليات، حيث يعيد صياغة تشارلز تايلور Charles Taylor على النحو التالي”، على افتراض أن درجة معينة من التقارب في المؤسسات والممارسات الاقتصادية والحكومية والقانونية هي سمة لا مفر منها لحداثة معولمة، فما هي أنواع ودرجات الاختلاف التي تظل ممكنة ومرغوبة؟ وبالتحديد، ما هو الحجم الذي تتركه اتجاهات التحديث هذه للاختلافات الثقافية العميقة؟ (McCarthy, 2009, p. 159)، Taylor (2001, pp. 172–176).

[14]) (Habermas, 2019a, p. 79).

[15]) Axial Age.

[16]) Lernprozess، learning process.

[17]) Rainer Forst.

[18]) rettende Übersetzung، redemptive translation، (Forst, 2021; cf. Habermas, 1979).

[19]) [Sie bleibt “ein Stachel im Bewusstsein einer säkularen Gesellschaft” (Habermas, 2019a, p. 86).]

[20]) (Habermas, 2019a, p. 109).

[21]) الثيوديسيا Theodicyأو نظرية العدالة الإلهية أو العَدالةُ الإلهيَّة أو عِلْمُ تَبْرِير العَدالَةِ الإلهِيَّة أو إثْبات العَدالَةِ الإلهِيَّة فرع محدد من الثيولوجيا والفلسفة يهتم بحل مشكلة الشر.(المترجم).

[22]) (Williams, 1981).

[23]) Hannah Arendt، (Arendt, 1973 [1958]).

[24]) Human Condition.

[25]) تساءل نيشين ناثواني Nishin Nathwaniوجويل وايتبوك Joel Whitebook عما إذا كانت “الطبيعية” هي المصطلح الصحيح لوصف الظواهر التي يفكر فيها هابرماس، أي النماذج الاختزالية للوعي والسلوك البشريين، المبنية على القياس على أنظمة الذكاء الاصطناعي. أتفق مع هذا الاعتراض لأن “المذهب الطبيعي” لا يعني بالضرورة الاختزال على الإطلاق. لكنني سأستخدم المصطلح بالطريقة التي يستخدمها هابرماس نفسه.(المؤلفة).

[26]) John Rawls.

[27]) أصبحت أهمية أسئلة الإيمان لعمل رولز أكثر وضوحا ًبعد نشر أطروحة الدكتوراه الخاصة به؛ انظر Rawls (2009). انظر أيضًا Benhabib (2019) ، تقييمي لكتاب Andrius Gališanka ، John Rawls: The Path to a Theory of Justice (Gališanka، 2019).(المؤلفة).

[28]) (Finlayson, 2019; Finlayson & Freyenhagen, 2011).

[29]) انظر Rawls (1995)، في هذا المقال، كان رولز يرد على مناقشات عمله في هابرماس (1992)، والتي أتيحت له في ترجمات مختلفة. انظر أيضًا Baynes (1991) و McCarthy (1994) و. Forst (2002).(المؤلفة).

[30]) The Law of Peoples (1999 [1997]).

[31]) (Habermas, 2019a, p. 99).

[32]) (universelle Zustimmung verdient)

[33]) يضع هابرماس جنبا ً إلى جنب انفتاح كارل ياسبرز Karl Jaspers على المحادثات مع علماء اللاهوت تجاه امتناع رولز عن مثل هذه المشاركة، ويمدح مفهوم ياسبرز للأصل المشترك لجميع التقاليد “القوية” عند ظهورها من ثورة الصور العالمية في العصر المحوري (Habermas, 2019a, p. 101).(المؤلفة).

[34]) انظر أيضا ً Peter Gordon (2021) عن Hegel و Habermas في هذا العدد.(المؤلفة).

[35]) راجع هابرماس (Habermas, 2019b, p. 473): “هيغل ليس فقط الفيلسوف الأول الذي يفكر تاريخيا ً؛ كما أنه أول من أبدى اهتماما ً فلسفيا ً بظهور الحداثة الأوروبية وأول من يتعامل مع الموضوع الكانطي للحرية المعقولة باعتباره نواة هذا البحث النظري الجديد غير المسبوق”. (المؤلفة)

[36]) يناقش هابرماس التقليد “التاريخي” الألماني (Historismus) في ضوء التركيز على فردية وتفرد الأحداث التاريخية (Habermas, 2019b, p. 473).أستخدم المصطلح بالمعنى الذي بدأه والتر بنجامين Walter Benjamin والذي يرى الزمن التاريخي كما لو كان “خرزًا على مسبحة”، ويتغاضى عن الوقائع المختلفة للقاءات مختلفة مع التاريخ.

[37]( للحصول على نقد لمثل هذه المفاهيم للزمانية، انظر Benjamin (1968, pp. 253–265).

[38]) Spuren، Reasonable Freedom.

[39]) Terry Pinkard and Robert Pippin.

[40]) Neopragmatic Decapitation.

[41]) Lernprozess.

[42]) Gewiβheit.

[43]) حجة هيغل المعرفية هي أن ادعاء الحقيقة لا يتعلق فقط بحالة ذهنية ذاتية ولكن يجب مشاركتها وإيصالها للآخرين. طور سيلارز (1997 [1956]) ، ورورتي (2009 [1979])، وبراندوم (1994) هذه الرؤية الهيغلية في نقد بعيد المدى للتجربة، وأسطورة المعطى ونظرية المتفرج للمعرفة. كان ديوي (2008 [1984]) قد بدأ بالفعل على هذا الطريق.(المؤلفة).

[44]) das wir.

[45]) “eine Gestalt des Bewuβtseins.

[46]) يقول الألماني هنا: “وبالتالي، يعاني الوعي من هذا العنف لإفساد الرضا المحدود عنه نفسه”. ورد في النص بالألماني: “Das Bewusstsein leidet also diese Gewalt, sich die beschränkte Befriedigung zu verderben, von ihm

selbst” (Hegel, 1952 [1807], p. 69).(المؤلفة).

[47]) Gestalten des Bewuβtseins.

[48]( عنوان الجزء الثالث “الاعتبار المؤقت” Zwischenbetrachtung فيAGP ، المجلد الثاني، هو “من الروح الموضوعية إلى التنشئة الاجتماعية التواصلية لموضوعات التمثيل والمعرفة” (Habermas, 2019b, p. 559ff).(المؤلفة).

[49]) Herder’s (2020 [1774]) Auch eine Philosophie der Geschichte zur Bildung der Menschheit (Also a Philosophy of History of the Education of Mankind)

[50]( قدم جان جاك روسو فكرة “التاريخ التخميني” “conjectural history لأول مرة في روسو (2002, pp. 27–92)، عندما اقترح أنثروبولوجيا افتراضية مبكرة لتطور البشرية.(المؤلفة).

[51]) “une humanité à venir.”

[52])  (Aufhebung)

[53]) شاهد على سبيل المثال أعمال آنيت باير Annette Baier شديدة التأثير على هيوم في Baier (1987) Baier (1993)

[54]) للحصول على فكرة عن تقليد النظرية النقدية، المصممة بشكل ضيق أو واسع لتشمل التحليل النفسي ونظرية فوكو بالإضافة إلى تفكيكية دريدا، انظر Benhabib & Cornell (1987)؛ Benhabib et al. (1993, 1996); Cornell 1999 [1991]; Fraser (1989, 1997); Fraser & Honneth (2003); Fraser & Jaeggi (2018).(المؤلفة).

[55]) (Universelle Zustimmung verdient)

[56]) Dipesh Chakrabarty, Provincializing Europe. Postcolonial Thought and Historical Difference (PE), 2000.

[57]) يؤكد تشاكرابارتي أنه لا ينبغي “إخلاء المنطقة المحلية عن طريق استيعابها في عالم مجرد” (Chakrabarty, 2008 [2000], p. 18)، بل الهدف هو إنتاج “تاريخ عاطفي” (Chakrabarty, 2008 [2000], p. 18). بالضبط لماذا يعتبر تشاكرابارتي أن فلسفة هايدجر تساعد على مثل هذا التحليل هو لغز بالنسبة لي، لأنه إذا كان هناك مفكر تختزل تجريداته المخيفة عالم الحياة إلى عدم التعرف عليه، فهو هايدجر وتصريحاته الفلسفية الجديدة.(المؤلفة).

[58]) تشاكرابارتي ليس منتبها ًدائما ًلاستثارة الاختلافات بين المفكرين المختلفين. علم الجينولوجيا الفوكوي هو تمرين في “تأويل الشك، في كلمات بول ريكور الشهيرة (1977)، بينما يتصور الجينولوجيا الجاداميرية محادثة تتكشف عبر قرون من خلال” تاريخ فعال “(Wirkungsgeschichte) نقع فيه بشكل متماثل.(المؤلفة).

[59]) بالنسبة لعمل تشاكرابارتي، كمؤرخ ماركسي للهند، أدى رفض مثل هذه التاريخية إلى اكتشاف الفاعلية السياسية للفلاحين. وجهة النظر التحديثية هي أن الفلاح يجب أن يتم تعليمه ليصبح مواطنا ً؛ “الآخر هو الفلاح الذي، على الرغم من افتقاره إلى التعليم الرسمي، هو مواطن بالفعل” (Chakrabarty, 2008 [2000], p. 10).أدى اكتشاف القوة السياسية للفلاحين إلى تغذية واحدة من أعظم الثورات في القرن العشرين، وليس الثورة الروسية، بل الثورة الصينية. أصبح الفلاحون الذين كانوا حتى الآن يعتبرون “متخلفين”، أو حتى “كيس بطاطس” (Marx, 1996, p. 117)، حسب كلمات ماركس الشهيرة، فاعلين في التاريخ السياسي الحديث الذي استمر في إلهام العديد من حركات التحرر المناهضة للاستعمار. من المستحيل كتابة تاريخ حقوق الإنسان العالمية اليوم دون النظر إلى إرث هذه الحركات أيضاً. انظر Anghie (2005).(المؤلفة).

[60]) يُعد فيلم The Other within: The Marrano: تقسيم الهوية والحداثة الناشئة (Yovel, 2009)، للمخرج يرمياهو يوفيل Yirmiyahu Yovel  عملًا رائعًا من هذا النوع. يناقش يوفيل كيف أن تجربة مارانوس Marranos – اليهود الذين أُجبروا على التحول إلى الكاثوليكية في وقت محاكم التفتيش ولكنهم احتفظوا بجوانب من هويتهم اليهودية في الخفاء – هي رمز لسيولة الهويات وعدم تجانسها في العصر الحديث. بدلاً من اليهود بصفتهم “الآخر التقليدي”، فإن مارانو هو “الآخر في الداخل”، الذي تحاول السلطات استئصاله من الجسم السياسي ولكن دون نجاح كبير. بدلاً من ذلك، تميل معظم روايات الحداثة، بما في ذلك سرد هابرماس، إلى استيعاب اليهودية الإصلاحية في البروتستانتية.(المؤلفة).

[61]) مع تعمق الأزمة البيئية وتوضيح الأضرار التي لا رجعة فيها والتي حدثت خلال الأنثروبوسين على هذا الكوكب، يجب أن نحترم أكثر، وكذلك التعلم من، طرق العيش مع الطبيعة التي تمارسها الشعوب الأصلية التي تظل الطبيعة بالنسبة للبعض البعض منهم طرق ساحرة. من الغابة إلى الزراعة والطب، يعد تقليص مساحة المعيشة والسكن الحي إلى مادة ميتة يمكن التلاعب بها، أصبح مسؤولاً عن الكثير من المعاناة التي نعيشها اليوم على مستوى كوكب الأرض.(المؤلفة).

[62]) Toussaint de l’Ouverture (1791 1804).

[63]) لمناقشة إرث ديون هايتي والالتزامات الساحقة التي لا تزال هايتي تعاني بموجبها، انظر، على سبيل المثال.Daut (2020).(المؤلفة).

[64]) “die Sache selbst”.

[65]) هذا ما يميز نقدي عن آمي آلن (Allen, 2016)، أعتقد أنه يجب علينا الدفاع عن المكاسب المعيارية والمعرفية للحداثة وألا نخجل من القول إن انتشار حقوق الإنسان العالمية، على الرغم من استخدامها وانتهاكها من قبل الكثيرين لخدمة أهدافهم الإمبريالية والاستعمارية الجديدة، يمثل تقدما ً في الشؤون الإنسانية. ومعايير مثل التأملية وقابلية الخطأ وإعادة النظر من قبل مجتمع البحث هي أيضا ً مؤشرات للتقدم المعرفي. على النقيض من ذلك، فإن موضوع التقدم في التاريخ هو سؤال تخميني لا يسمح بإجابة متماسكة. لكن يجب أن نكون مستعدين للدفاع عن المجالات الجزئية التي حدث فيها تقدم، وأن نتذكر أنه لم يكن بدون خسارة ومأساة وصراع. أشكر بيتر جوردون Peter Gordon على الضغط علي في هذه النقطة. تتمثل إحدى أهم المهام التي تنتظرنا في لحظتنا التاريخية الحالية في الجمع بين إنجازات العلم الحديث وفهم مستقبل الكوكب بحيث لا تظل التكنولوجيا العلمية خادمة لاقتصاد رأسمالي جشع أو اقتصاد دولة رأسمالية.