مجلة حكمة
فلسفة سبينوزا السياسية

فلسفة سبينوزا السياسية

الكاتبجستن ستينبيرغ
ترجمةفاطمة الزهراء

مدخل شامل حول فلسفة سبينوزا السياسية، ومترجم ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة. وختامًا، نشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر في مجلة حكمة.


 

طغت سمعة سبينوزا بصفته ميتافيزيقياً عقلانياً – على الأقل في البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية – على سمعته كمفكر سياسي. وبالرغم من ذلك؛ فقد كان سبينوزا مُنظِّراً سياسياً ذا كتابات ثاقبة تميَّزت بالرصانة والوجاهة. طوّر سبينوزا في أطروحتيه السياسيتين بعدد من الحجج القوية والأصيلة في الدفاع عن الحكم الديموقراطي، وحرية الفكر والتعبير، وإخضاع الدين للدولة. يُقدِّم سبينوزا كذلك؛ وارتكازا على ميتافيزيقيته الطبيعانية؛ انتقادات لاذعة للمفاهيم المألوفة بشأن الحق والواجب، كما يعتبر رأيه حول النظام المدني مساهمة مهمة في تطوير المبدأ الدستوري وسيادة القانون.


 

1. الخلفية التاريخية

من أجل الإحاطة بكتابات سبينوزا السياسية؛ سأقدم نبذة مقتضبة عن السياق اللاهوتي السياسي للمقاطعات الهولندية المتحدة، متبوعة برسم تخطيطي للخلفية الفكرية لأعماله.

1.1 الخلفية اللاهوتية والسياسية

على الرغم من كونها ربما الدولة الأكثر تسامحا في بواكير الحداثة الأوروبية، إذ كانت ملاذا للمفكرين الأحرار وأفراد الأقليات الدينية؛ إلا أن المقاطعات المتحدة كانت مُتصدِّعة بفعل الصراع الديني حيث سعى الهولنديون إلى توطيد هويتهم إثر استقلالهم عن أسبانيا. كانت الانقسامات المذهبية في القرن السابع عشر جزءا مهما من السياق الذي ألَّف فيه سبينوزا كتابه (رسالة في اللاهوت والسياسة).

تميَّز الشطر الأول من القرن السابع عشر بانشقاق ديني سرعان ما اكتسب اعتباراً سياسياً. كتب في عام 1610 أربعة وأربعون من أتباع اللاهوتي الليبرالي جاكوب أرمينيوس – الذين عُرِفوا بالأرمينيوسيين -“احتجاجاً” رسميا عبَّر عن سُبُل عدولهم عن المذهب الكالفيني الأرثوذكسي، تحديدا فيما يتعلق بقضايا تقرير المصير والنيافة. دافع أتباع أرمينيوس، أو المُحتَجُّون، عن التسامح الديني بناءً على فكرة أن الإيمان يتمُّ التعبير عنه في ضمير المرء، وبالتالي فهو لا يخضع للسلطة القسرية للدولة. تمَّت معارضة الآراء العقائدية والسياسية للمحتجين من قبل المحافظين أتباع عالم اللاهوت الكالفيني فرانسيسكوس جوماروس، المعروفين بالجوماروسيين. احتدم النزاع بينهما لأكثر من عقدين بقليل (حوالي من عام 1607 إلى عام 1618) واتسع نطاقه خارج مدينة أوترخت وخارج هولندا. وأخيرا؛ عُقِد في عام 1618 مجلس وطني في مدينة دوردريخت (عُرف باسم the Synod of Dort) لتعريف مفهوم الإيمان عند الشعب بشكل أوضح. كانت تداعيات ذلك المجلس كارثية على المتسامحين أتباع الأرمينيوسيين، إذ تمَّ إعدام المدعي العام للولايات الهولندية يوهان أولدينبارنيفيلت الذي دافع برباطة جأش عن المحتجين، كما تمَّ تطهير المجالس الحكومية والجامعات في جميع أرجاء البلاد من الأرمينيوسيين.

شهد الشطر الثاني من القرن السابع عشر صراعه اللاهوتي السياسي الخاص به في المقاطعات المتحدة. ومرة أخرى؛ كان هناك لاهوتيان في قلب المشهد: يوهانس كوكسيوس، أستاذ اللاهوت الليبرالي بجامعة ليدن، وجيسبرتوس فويتيوس، اللاهوتي الكالفيني عميد جامعة أوترخت. بدأت الخلافات بين كوكسيوس وفويتيوس حول مسائل لاهوتية مبهمة، بيد أنها تطورت إلى قضية سياسية وثقافية أكبر. قاد أتباع فويتيوس الهجوم على الفلسفة الديكارتية التي يتمُّ تدريسها في الجامعات، واعتقدوا أن العِلم الجديد الذي دافع عنه ديكارت بنظرته الآلية للعالَم المادي يُشكِّل تهديدا للمسيحية من نواحٍ عِدَّة[1]. لم يتمَّ القدح في فلسفة سبينوزا من قِبل أتباع فويتيوس فحسب، بل أيضا من قِبل أتباع كوكسيوس الديكارتيين المعتدلين الذين سعوا إلى النأي بذواتهم عن الراديكاليين.

لم يكن الإضطهاد الديني أمرا غريبا على سبينوزا، فقد تمَّ طرده – كما هو معروف – من المجتمع اليهودي في أمستردام في عام 1656، وبينما واجه سبينوزا على ما يبدو ذلك الطرد بشجاعة مميَّزة؛ فإن صنوه اليهودي الهولندي المرتد أورييل دا كوستا لم يكن قادرا على تحمل إهانة الطرد من المجتمع اليهودي في أمستردام بسبب إنكاره خلود الروح وتحديه لمكانة التوراة باعتبارها وحيا إلهيا، وأقدم دا كوستا في عام 1640 على الانتحار، عندما كان سبينوزا في الثامنة من عمره.

من المؤكد أن انتحار دا كوستا قد ترك بصمة دائمة في حياة سبينوزا، لكن الانتحار لم يؤثر عليه بصورة شخصية كتأثره بالمعاملة التي تلقَّاها صديقه أدريان كورباخ على يد السلطات الهولندية في السنوات التي سبقت نشر (رسالة في اللاهوت والسياسة). نشر كورباخ في عام 1668 رسالتين أثارتا حفيظة رجال الدين الكالفينيين. يسخر كورباخ في الرسالة الأكثر فضائحية (Een Bloemhof van allerley lieflijkheyd) (حديقة الزهور ذات المفاتن المتعددة) من عدد من التعاليم والممارسات الدينية، وفي خضم ذلك عبَّر عن آرائه الدينية والميتافيزيقية. من بين الآراء الصادمة التي قدَّمها عدم قدسية يسوع، وأن الإله ذات مماثلة للطبيعة، وأن كل شيء هو نتيجة لقانون الطبيعة (قانون الإله)، وأن المعجزات مستحيلة، وهذه كلها مواقف أيدها سبينوزا على الدوام. وبغض النظر عن ذلك، ففي الوقت الذي عُرف فيه سبينوزا بالحذر، لم يكن كورباخ كذلك، ونشر أعماله باسمه وباللغة الهولندية مما جعلها متاحة لعامة الناس القادرين على القراءة. حوكم كورباخ نتيجة لذلك واتُّهِم بالتجديف، ومرض أثناء سجنه في ظروف مزرية، وتوفي بعدها بفترة وجيزة في عام 1669. وعموما؛ فثمة اعتقاد مفاده أن اعتقال كورباخ وموته هو الذي عجَّل قبل كل شيء بنشر (رسالة في اللاهوت والسياسة)[2].

تعرَّض الجمهوريون الليبراليون لمصيبة عظيمة في عام 1672، إذ غزت القوات الفرنسية تحت قيادة لويس الرابع عشر المقاطعات المتحدة في ذلك العام الذي سُمِّي بعام الكارثة (rampjaar) واستولت على عدد من المدن الهولندية[3]. أُلقي اللوم الأكبر على يوهان دي فيت (صاحب المقام الرفيع وكبير رجال الدولة والمستشار القانوني) بشأن هذا الإحراج العسكري. كان دي فيت قائد الدولة الهولندية في معظم الحقبة الجمهورية التي أعقبت وفاة الستادهاودر stadhouder (منصب شبه ملكي احتلته أسرة أورانج) وليام الثاني في عام 1650.أعيدت الملكية بعد الغزو الفرنسي في شخص وليام الثالث، وأُجبِر دي فيت على تقديم الاستقالة، وإثر ذلك بوقت قصير قُتِل هو وشقيقه كورنيليس بوحشية علي يد حشد من المتعصبين. أثار هذا الحدث سخطا غير مألوف لدى سبينوزا الذي كان معجبا بـ دي فيت والمُثُل الجمهورية التي دافع عنها، إذ اضطر مالك البيت الذي يقطن فيه سبينوزا – بناءً على إحدى الروايات الشهيرة – إلى أن يمنعه من أخذ لافتة كُتِب عليها ultimi barbarorum (بربرية مطلقة) إلى موقع المذبحة[4]. تمَّ تأليف كتاب سبينوزا Tractatus Politicus (الرسالة السياسية) في أعقاب أحداث 1672، وربما بدافع منها.

2.1 الخلفية التاريخية

يستقي سبينوزا فكره السياسي من عدد من المصادر القديمة والحديثة، كما عبَّر أحد الكُتَّاب: “شكَّل سبينوزا استنتاجات جديدة من حقائق ومفاهيم مستعارة من الآخرين”[5]، ويجدر التَّعرُّض بإيجاز لـ “الحقائق والمفاهيم” التي تلقَّاها.

بدأ سبينوزا في وقت ما بمنتصف القرن السابع عشر (في حوالي الفترة التي تعرض لها للحرمان الحاخامي cherem) بدراسة اللغة اللاتينية على يد فرانسيسكوس فان دن إندن الذي كان يسوعيا سابقا، ومؤمنا بمذهب المساواتية بصورة راديكالية، وصاحب ميول ثورية، وتمَّ إعدامه في عام 1674 إثر إدانته بالتآمر على خلع لويس الرابع عشر في سبيل تأسيس جمهورية حرة في نورماندي.كان فان دن إندن ديموقراطيا مناهضا لنفوذ المؤسسات الدينية، ويبدو أنه أثَّر بعمق على سبينوزا، وذهب أحد الكُتَّاب إلى حد وصف فان دن إندن بـ “العبقري وراء سبينوزا”، مُدَّعيا أن كتابات فان دن إندن “تحتوي على نظرية سياسية هي في الواقع ذات النظرية التي صاغها سبينوزا”[6]. سواء أكان هذا التقييم منصفا أم لا؛ إلا أنه من الواضح أن تفكير سبينوزا قد انتعش عبر ارتباطه بـ فان دن إندن وبالدائرة الديكارتية الراديكالية الأوسع في أمستردام[7].

يبدو تأثير هوبز على سبينوزا جليًّا، ونحن على دراية بأنه قرأ كتاب هوبز De Cive (عن المواطن) بتأنٍّ، وأن الكتاب كان من مقتنيات سبينوزا حين توفي في عام 1677، وربما قرأ أيضا كتاب (ليفيثان( الذي ظهر باللاتينية في عام 1668 عندما كان سبينوزا يكمل تأليف كتابه (رسالة في اللاهوت والسياسة)[8]، وسأناقش لاحقا العلاقة بين أعمال سبينوزا وأفكار هوبز ببعض التفصيل (في الفقرتين 2.1 و 2.2 أدناه)، إلا أنا ما أودُّ ذكره هنا هو تأثير أتباع هوبز الهولنديين على سبينوزا. تمَّ إدخال الفكر الهوبزي إلى الخطاب السياسي الهولندي من قِبل لامبرت فان فيلثويسن، وهو طبيب ليبرالي مناهض لرجال الدين[9]. تعدُّ أطروحة فيلثويسن بمثابة دفاع صريح عن فكر هوبز حيث يُمنح واجب حفاظ المرء على ذاته مكانة الصدارة. قرأ سبينوزا [كتابات] فيلثويسن وأبدى إعجابه به باعتباره “رجُلاً يتمتَّع بصفاء عقلي استثنائي”، وبالتالي فقد وقع سبينوزا في الحيرة عندما استنكر فيلثويسن (رسالة في اللاهوت والسياسة) باعتباره كتابا لملحد خطير[10].

بغض النظر عن فيلثويسن؛ يُعتَبر الأخوين دي لا كورت أبرز قنوات الفكر الهوبزي الهولندية التي سبقت سبينوزا[11]، وتمَّ نشر معظم كتاباتهما من قِبل بيتر دي لا كورت بعد وفاة شقيقه يوهان عام 1660. وبالرغم من ذلك؛ ونظرا لغموض مقدار ما أضافه بيتر إلى العمل ومقدار الفضل المنسوب إليه جرَّاء كتابات أخيه المجتهد والأصغر سنا فسوف أشير إلى مُؤلِّفَي تلك الكتابات ببساطة باسم الــ”دي لا كورتيين” تجنُّبا لمشاكل الإسناد.

كان الــ”دي لا كورتيان” شديدي الإعجاب بالنظام الجمهوري وحافظوا على علاقات جيدة مع يوهان دي فيت، بل يُعتَقَد أن دي فيت ألَّف فصلين في الطبعة الثانية من كتاب الأخوين دي لا كورت (في مصلحة هولندا) Interest van Holland[12]. تبنَّى الـ دي لا كورتيان السمات الأساسية لأنثروبولوجيا هوبز، لكنهما تجنَّبا مفاهيم قانونية مثل “الحق” و”العقد”[13]، وفضَّلا تحليل الحالة المدنية من حيث المصالح التنافسية بين الفاعلين. ووفقا لهما؛ فإن هدف الدولة هو ضمان ارتباط مصالح الحكام بمصالح المحكومين، وهو أمر يستحيل تحقيقه إلا إذا تم تبنَّي سلسلة من الإجراءات المؤسساتية، مثل استخدام الاقتراع السري، وإلغاء المناصب الوراثية، والتناوب على الحكم. جادل الـ دي لا كورتيان بأن الأنظمة الجمهورية ستتميز بضوابط أكبر تجاه تشريعات المصلحة الذاتية أكثر مما تحققه الأنظمة الملكية[14]. من الجليِّ أن سبينوزا درس بعناية تلك الأعمال، وتعكس توصياته المؤسساتية في كتابه (الرسالة السياسية) مديونيته للأخوين دي لا كورت[15].

من المحتمل أن كتابات الأخوين دي لا كورت هي التي أثارت إعجاب سبينوزا بحصافة نيكولو مكيافيلي، إذ أن فكرة الموازنة بين مصالح الأطراف المتنافسة مشتقة في جوهرها من مكيافيلي[16]. انطلق كتاب سبينوزا (الرسالة السياسية) من رؤى وتوصيات ميكيافيلية. في بداية العمل مباشرة، قام سبينوزا بمحاكاة نقد مكيافيلي للتنظير الطوباوي الذي يرفع رجال الدولة فوق الفلاسفة بذريعة أن الفلاسفة استطاعوا حصرا استحداث تصور واقعي لسيكولوجية البشر[17]. تتغلغل الواقعية المكيافيلية في كتابات سبينوزا السياسية، وتلعب دورا مهما على نحو خاص في التنظير الدستوري لكتاب (الرسالة السياسية). أدرك سبينوزا – مثل مكيافيلي – أنه لا يمكن سَنُّ القوانين من أجل إدارة الدولة إلا في حال امتلاك المرء تشخيصا ملائما وفهما مناسبا للطبيعة الإنسانية[18].

2. السمات الأساسية لفلسفة سبينوزا السياسية

تتمثل ثلاثة من أكثر مزاعم سبينوزا إدهاشا وأهمية في كتاب (الأخلاق): (1) كل الأشياء أتت إلى الوجود وتتصرف بالضرورة انطلاقا من قوانين الإله المتجسدة في الطبيعة، (2) لا تعمل الطبيعة تبعا لغاية أو هدف بعينه، (3) جوهر الطبيعة واحد دائما وفي كل مكان. يترتَّب على هذه الادِّعاءات الثلاثة مجتمعة أن السلوك البشري، مثل سلوك أي شيء آخر، متشابك بإحكام ويمكن تفسيره من خلال قوانين الإله أو الطبيعة الثابتة وغير العشوائية. وتشكل هذه [الادِّعاءات] جزءا مهما من الخلفية الميتافيزيقية التي طوَّر سبينوزا على أساسها نظريته السياسية. ومن أجل تبسيط ذلك، فسوف أطلق على وجهة النظر التي تضمَّنت هذه الأطروحات الثلاث: طبيعانية سبينوزا، وقادته تلك الطبيعانية لتبني وجهات نظر جريئة حول مصدر ووضع الحقوق والواجبات والقوانين التي ميَّزتْ عمله عن أعمال المُنظِّرين السياسيين الآخرين في القرن السابع عشر.

تستبعد طبيعانية سبينوزا إمكانية وجود إله متعالٍ؛ أولئك الذين يؤمنون بالإله المتعالي “يتصورون أنه ثمَّة قوتين مختلفتين عن بعضهما البعض؛ قوة الإله وقوة الأشياء الطبيعية، إنهم يتصورون قوة الإله بمثابة سلطة الجلالة الملكية وقوة الطبيعة بمثابة قوة محركة”. بطبيعة الحال؛ فحسب رأي سبينوزا فالإله ليس مُشرِّعا متعاليا، الإله هو الطبيعة ذاتها. وبالتالي؛ فإن جميع اعتبارات الحق المتأصلة في إرادة الإله التشريعية مضللة. يمثل هذا الرأي ذمًّا مباشرا ليس فقط للمدافعين عن الحق الإلهي للملوك ولكن أيضا لمعظم تفسيرات الحقوق الطبيعية باعتبارها استحقاقات والتي اعتنقها العديد من مُنظِّري القرن السابع عشر.

علاوة على ذلك؛ تستبعد هذه الطبيعانية إمكانية وجود نظام معياري للأشياء؛ أو طريقة يجب أن تكون عليها الأشياء بخلاف ما هي عليه بالفعل؛ وهذا يقوض الافتراضات الغائية التي تشكل أساس نظرية القانون الطبيعي، سواء أكان ذلك الأساس توماويا [نسبة إلى توماس الأكويني] أو بروتستانتيا. حتى أولئك الذين رغبوا في فصل القانون الطبيعي عن اللاهوت (مثل صموئيل فون بوفندورف)، وأولئك الذين قلَّلوا من أهمية دور إرادة الإله (مثل هوغو غروتيوس) لا يزالون يفترضون أن ثمة طريقة يجب أن تكون الأشياء على وفقها، أي نظاما طبيعيا معياريا مفصولا عن النظام الفعلي للأشياء. ووفقا لذلك الرأي؛ فإن البشر يتصرفون على نحو مخالف للطبيعة حين يتصرفون بشكل يناقض ما يفرضه المنطق السليم. يهاجم سبينوزا هذا الرأي الذي يقول “إن الجاهل ينتهك قوانين الطبيعة بدلا من التقيُّد بها؛ إنهم ينظرون إلى الإنسان داخل عالم الطبيعة باعتباره دولة داخل دولة [imperium in imperio]”. ظهرت عبارة imperium in imperio الشهيرة أيضا في مقدمة الجزء الثالث من كتاب (لأخلاق) حيث يصف سبينوزا وجهة النظر غير الطبيعانية التي يعارضها. ينتقد سبينوزا في كلا الفقرتين الافتراض القائل بأن الإنسان محكوم بمجموعته الخاصة من القوانين المعيارية المنطقية، وليس بالقوانين التي تحكم سائر الطبيعة. هذا هو بالضبط الموقف الذي يحكم سبينوزا بتهافته عندما كتب في (الأخلاق) أن “قوانين وقواعد الطبيعة هي ذاتها دائما وفي كل مكان”، وكتب في الرسالة السياسية “سواء أكان الإنسان مدفوعا بالعقل أو بالرغبة فحسب، فإنه لا يفعل شيئا لا يتوافق مع قواعد وقوانين الطبيعة”.

خلاصة القول؛ من خلال تبنيه وجهة النظر القائلة بأن الطبيعة واحدة وأن الإنسان محكوم بذات القوانين مثل كل شيء آخر في الطبيعة، فإن سبينوزا يرفض المفهوم التقليدي للقانون الطبيعي[19]. وحتى إذا تمَّ النظر إلى المذهب الطبيعاني عند سبينوزا باعتباره جزءا من اتجاه طبيعاني أكبر في الفكر السياسي الهولندي[20] فإن دحضه للمفاهيم المعيارية للطبيعة ورفضه للغائية يشير إلى انفصال واضح عن ذلك العُرْف، ومن أجل تقدير عمق وأهمية طبيعانية سبينوزا سيكون من المفيد مقارنة آرائه حول الحق الطبيعي والواجب بآراء هوبز.

1.2 الحق الطبيعي عند هوبز وسبينوزا

من أكثر سمات الفكر السياسي لدى سبينوزا شهرةً تفسيره للحق الطبيعي حيث قدَّم هذا المفهوم في (رسالة في اللاهوت والسياسة) إذ كتب بجرأة:

أعني بالحق وبالنظام الطبيعي مجرد القواعد التي تُميِّز طبيعة كل شيء على حدة، وهي القواعد التي ندرك بها أن كل موجود يتحدد وجوده وسلوكه على نحو طبيعي بصورة معينة. فعلى سبيل المثال؛ يتحتم على الأسماك بحكم الطبيعة السباحة وأن يأكل الكبير منها الصغير، وبالتالي بحكم سيادة الحق الطبيعي فإن الأسماك تستحوذ على المياه وتأكل الأسماكُ الكبيرة الأسماكَ الصغيرة، لأنه من المؤكد أن الطبيعة تُعتبَر كُليَّة بحدِّ ذاتها، ولها حق سيادي في القيام بكل ما يمكنها القيام به، أي أن الحق الطبيعي يمتد بقدر امتداد قدرة الطبيعة لأن القدرة الشاملة للطبيعة بأكملها ليست سوى مجموع القدرات المنفردة لكل الأشياء، ويترتب على ذلك أن كل شيء على حدة له حق سيادي في القيام بكل ما يمكنه القيام به، أو أن حق كل شيء يمتدُّ بقدر امتداد قدرته التي تميزه.

لا يقدم سبينوزا هنا حجة لمعيارية إيجابية بل يرفض ببساطة اللاطبيعانية عبر الإدعاء بأن حق الطبيعة يتوازى مع امتداد سلطان الطبيعة ويتماشى مع ما يستلزمه ذلك من تغييرات ضرورية mutatis mutandis على الأفراد في الطبيعة، وعلى الرغم من أنه يُنظَر إلى سبينوزا غالبا كمناصر لوجهة النظر القائلة بأن “القوة تصنع الحق”[21] إلا أن اعتبار ذلك بمثابة حجة معيارية هو أمر مضلل. في الواقع؛ إنكار أي معيار متعالٍ للعدالة هو الغرض من أطروحة الامتداد المتوازي التي لا ينبغي أن تُفهم برأيي كمقترح لمبدأ معياري جديد[22]. إنجاز شيء ما بشكل صحيح لا يرادف سوى القول بعدم وجود ما يوجب الحكم عليه بأنه إثم من منظور سبينوزا، لذا حتى لو كان من حق كورتيز غزو الأزتك حسب ما يقتضيه منظور سبينوزا فهذا لا يعني أنه كان بالضرورة الفعل الملائم أو الصحيح.

إنكار سبينوزا السافر لوجود محرمات معلومة بالضرورة أثار حفيظة قراء أعماله الأوائل[23]، وقد سبقه في ذلك بالطبع سلفه العظيم توماس هوبز. في الواقع؛ غالبا ما يُنظَر إلى إقرار سبينوزا بمفهوم الحق الطبيعي كدليل على أنه من أتباع هوبز. تفسير هوبز للحق الطبيعي كان مصدرا لكثير من الخلاف في تأويل ما قصده والذي يعود سببه جزئيا فيما يبدو إلى التحولات التي مر بها هوبز بين كتاباته السياسية المبكرة وكتابه (ليفيثان)، في كتابه De Cive (عن المواطن) يعرف هوبز الحق بأنه “الحرية التي يتمتع بها كل رجل في استخدام قدراته الطبيعية وفقًا للمنطق السليم”. بعبارة أخرى؛ الحق الطبيعي هو الحرية في فعل أي شيء يتوافق مع القانون الطبيعي، وهذا يشمل الحق في فعل كل ما يرى المرء أنه ضروري للحفاظ على نفسه. يضيف هوبز شرطًا واحدًا هنا – قد يُطلق عليه “شرط الصدق” – ويعني به أن الفرد يتصرف بدون وجه حق أو ينتهك قانون الطبيعة حين يتصرف بطريقة لا يعتقد بصدق أنها ستحول دون هلاكه. لاحقا يشير هوبز إلى أن السُّكْر والأفعال القاسية هي أفعال لا وجه للصواب فيها حتى في حالة الطبيعة لأن “السُّكْر والقسوة” لا يساهمان حقا في الحفاظ على النفس، وباختصار فإن حق الإنسان الطبيعي من وجهة نظر هوبز وفق ما يقوله أرشيبالد جاردن ويرنهام ]فيلسوف اسكتلندي[ يشمل بعض أفعاله[24]، وتحديدا تلك التي لا تتعارض مع القانون الطبيعي.

لكن هوبز في كتابه (ليفيثان) قدم تفسيرا للحق الطبيعي لا يقيده في الظاهر بمثل هذه القيود المعيارية، وعلى الرغم من أنه يبدو في عمله الأخير وكأنه جرَّد مفهوم الحق الطبيعي من كل المحتوى المعياري إلا أنه قد يُنظر إلى وجهة نظره الواردة في (ليفيثان) على أنها تتعارض مع الطبيعانية الشاملة، ولتتبين ذلك ضع في اعتبارك رد سبينوزا على صديقه چارج چلز Jarig Jelles حين سُئل ما الذي يميز وجهات نظره عن آراء هوبز:

فيما يتعلق بالنظرية السياسية، فإن الاختلاف بيني وبين هوبز – وهو موضوع استفسارك – يتمثل في أنني دائمًا ما أحافظ على الحق الطبيعي بكُلِّيته [ego naturale jus semper sartumtectumsavo] وأعتقد أن السلطة السيادية للدولة تسري على شخص ما بالقدر الذي يتناسب مع امتداد سلطتها على ذلك الشخص[25].

ما ينتقده سبينوزا هنا هو تصور هوبز للعقود (المواثيق) أو تغير الحق الطبيعي للفرد. إن القابلية للتنازل أو القابلية للتحول من الحق الطبيعي للفرد إلى الحكم على كيفية الحفاظ على النفس هو أساس نظرية هوبز السياسية إذ تسمح له بإيضاح نشأة الكومنولث [دولة الشعب] وشرعية صاحب السلطة، ومع ذلك فإنها حسب منظور سبينوزا تخرق المذهب الطبيعي في هذا السياق وتؤكد أن هوبز – الذي يؤدي تصوره للحق الطبيعي للفرد على أنه استحقاق يمكن التنازل عنه إلى دق إسفين بين الحق والسلطة في الكومنولث – لم يتخلص تماما من بقايا الأعراف القانونية البائدة التي سعى سبينوزا لإسقاطها.

2.2 الواجب عند هوبز وسبينوزا

التباين في مفهوم الحق لدى كلٍّ من هوبز وسبينوزا له تداعيات مباشرة على تصورهما المتمايز لمفهوم الواجب؛ يرى هوبز بأنه لا بد من الوفاء بالالتزامات التي تعهدنا بها في ظل الظروف المواتية، بينما يؤكد سبينوزا أن “قيمة كل اتفاق مرهون بجدواه، وبدونه يصبح الاتفاق لاغيا وباطلا بصورة تلقائية”. الطبيعة تُجبر البشر على اختيار ما يتراءى لهم أنه الخير الأعظم أو الشر الأهون وأي ادعاء مخالف لذلك فهو ينافي العقل، نحن بطبيعتنا نتصرف وفقا لمصالحنا الثابتة ولا نستطيع التعهد بالالتزام بموجب اتفاقات مسبقة لكسر هذا القانون النفسي للطبيعة والذي يتعذر انتهاكه.

من خلال مراعاة صرامة المذهب الطبيعي بخصوص الحق والواجب وكذلك الإقرار بأن “السلطة السيادية للدولة تسري على مواطن ما بالقدر الذي يتناسب مع امتداد سلطتها على ذلك المواطن”[26]؛ فإن سبينوزا – على الضد من هوبز – يضع عبء الاستقرار السياسي على كاهل السلطة بدلا من المواطن[27]، الدولة الديمقراطية يجب هيكلتها بطريقة تعزز الإذعان لها بحيث إذا كانت هناك مخالفات كثيرة أو عدم إذعان فإن اللوم هنا لن يقع إلا على عاتق الدولة. لذا بينما يجادل هوبز بأن الحاكم يُمنح دائما سلطة تشريعية مطلقة تقريبا؛ يدعي سبينوزا أنه “كلما زاد عدد المواطنين الذي تمنحهم الدولة سببا للتواطؤ ضدها وجب بالتالي تقليص حقها وسلطتها نظرا لأن القوة الجماعية للشعب هي التي تحدد حق الدولة الديمقراطية”. إذا أراد صاحب السيادة صيانة حقه فينبغي عليه أن يسنَّ القوانين بحكمة حتى لا يحرض على العصيان، لذا فإن سبينوزا لا يمنح الناس أحقية الثورة بقدر ما يقترح معادلا طبيعانيا فحواه أن حق الدولة يتشكل في الأساس ويتقيد عبر سلطة الشعب[28].

إذن يحدد سبينوزا فارقا مهما حين يشير في رسالته إلى چلز Jelles للاختلافات بين تصوره وتصور هوبز للحق الطبيعي، وهي اختلافات قد تبدو بسيطة للقارئ العادي. النزعة الطبيعانية الشاملة لدى سبينوزا أدت به لرفض التمييز الحاد الذي يرسمه هوبز بين الدولة المدنية – بوصفها نتاج حيل إجرائية – وبين حالة الطبيعة بالتوازي مع ما يقترن بمفهوم الالتزام بالطاعة الذي ينشأ مع بداية الدولة الديمقراطية، ولكن المرء قد يتساءل هنا عما إذا كان سبينوزا قادرا على تقديم نظرية سياسية معيارية على الإطلاق بالنظر إلى نزعته الطبيعانية وإنكاره للحقوق والواجبات بالمفهوم التقليدي.

3.2 سبينوزا والمعيارية

لم يجانب إدوين كيرلي الصواب حين أشار إلى أن إنكار وجود معيار متسامٍ للعدالة لا يعني إنكار وجود أي مقياس معياري يمكن من خلاله تقييم الفعل[29]، فحتى لو كان المرء يستطيع التصرف بصورة غير عقلانية دون مخالفة الطبيعة فهذا لا يعني أن جميع أفعاله لها ذات الرتبة المعيارية، يقول سبينوزا: “أزعم أن الدفاع عن النفس وصيانتها وإصدار الأحكام وما إلى ذلك هو شيء، لكن الدفاع عنها وصيانتها بأفضل السبل الممكنة وإصدار أفضل الأحكام هو شيء آخر في الحقيقة”. إن الحكم على جودة إجراء ما ينبغي أن يكون مشروطا بقدرته على مساندة المرء في سعيه لصيانة قوته ونزوعه لمعاظمتها بوصفه سعيا ونزوعا يقوم بصياغة الجوهر الفعلي للمرء ويوفر معيارا للأحكام الأخلاقية حيث يتعلق الخير والشر هنا بما يعزز فعالية المرء في نزوعه ومسعاه أو يساهم بتقويضها[30]. وكما يجب على الفرد أن يسعى لما يعاظم من قوته أو رفاهيته؛ يعتبر سبينوزا أنه من البديهي أنه يجب على الدولة أن تسعى لما يعاظم من قوة الشعب ككل.

3. رسالة في اللاهوت والسياسة

تمزَّقت المقاطعات المتحدة طوال القرن السابع عشر – كما تم الإيضاح أعلاه – بسبب الخلاف حول عدة قضايا من بينها السلطة السياسية للكنيسة، ويُمكن اعتبار كتاب سبينوزا (رسالة في اللاهوت والسياسة) بمثابة محاولة للتدخل في هذا النزاع الشامل. كانت الأهداف المعلنة لهذا العمل هي تفادي اتهامات الإلحاد (كان سبينوزا فاشلا في هذا الصدد بشكل مضحك) ومعارضة تحيزات اللاهوتيين والدفاع عن حرية الفلسفة[31]. ستُركِّز قراءتي هنا على الحجج السياسية للهدفين الأخيرين، وسألقي نظرة على الأهمية السياسية لنقد سبينوزا للخرافات وسوف أتأمَّل في حججه المُدافِعة عن حرية الفلسفة، وسيتبع ذلك تحليل لدور العقد الاجتماعي في كتاب (رسالة في اللاهوت والسياسة).

1.3 محاربة الخرافات

يشتمل كتاب (رسالة في اللاهوت والسياسة) على قدر كبير مما أصبح يُعرف الآن بالنقد التوراتي؛ فمن خلال التوسل بالتأويل التاريخي واللغوي بطريقة حذرة ومتأنية تمكن سبينوزا من الوقوف على العديد من التضاربات في النص والتي دفعته – مع بعض من الدعم الفلسفي – لإنكار المكانة السامية للأنبياء وحقيقة المعجزات وفي النهاية الأصل الإلهي لأسفار موسى الخمسة. تكتسي الملامح العامة لنقد سبينوزا أهمية حيوية لفهم استجابته لــ”المشكلة السياسية اللاهوتية”[32] التي ابتليت بها الجمهورية الهولندية[33].

من بين الادعاءات السياسية ذات الصلة التي قدمها سبينوزا في الفصول الخمسة عشر الأولى من (رسالة في اللاهوت والسياسة) أن الكتاب المقدس لا ينافس الفلسفة كمصدر للمعرفة، والشرائع التوراتية لا تتنافس مع أوامر السلطات المدنية. يحاول سبينوزا تطهير الدين من جوانبه الخرافية الضارَّة من خلال فصل الإيمان عن العقل وجعل دور الدين في المجال العام تابعا لدور الدولة. يمكن تسمية الادعاء بأن الإيمان يختلف عن العقل بأطروحة الانفصال وتسمية الادعاء بأن القانون الديني يعتمد على القانون المدني ويحدده بأطروحة السلطة الأحادية.

2.3 أطروحة الانفصال

كان سبينوزا يُطلق أحيانا على مهمة تأسيس فكرة فصل الإيمان عن الفلسفة بـ”الغرض الأساسي للعمل بأكمله”[34]، ويمكن فهم قدر كبير من النقد التوراتي الوارد في كتاب (رسالة في اللاهوت والسياسة) بوصفه تمهيدا لأطروحة الانفصال، فالكثير مما طرحه سبينوزا في الفصول الأولى من العمل يقوض ادعاء الكتاب المقدس كمصدر للمعرفة الصحيحة. لا تكمن قيمة الكتاب المقدس في غموضه أو محتواه الميتافيزيقي المُبْهَم إذ بقدر اهتمامه بهذه الأمور فإنه – من خلال إضاءات سبينوزا – يبدو مُحيِّراً بكل معنى الكلمة. على النقيض من ذلك؛ فإن قيمته في الحقيقة تكمن في المبادئ الأخلاقية البسيطة التي يشتمل عليها والتي تشجع على طاعة الدولة. إن نصوص الكتاب المقدس مكتوبة لجمهور ساذج وغير متعلم وتقوم بإيصال المعارف بطريقة تلائم حال هذا الجمهور في صورة حكايات وأمثال فنتازية تروق للخيال عوضا عن الفكر. لذا وعلى الرغم من أن الكتاب المقدس يبدو وكأنه يكشف حقائق عميقة عن طبيعة الإله وتدخله في عالمنا فإن رسالته الجليَّة – كما يجادل سبينوزا – أخلاقية وليست ميتافيزيقية: “لا يطلب الكتاب المقدس شيئا من البشر سوى الطاعة، ولا يُدين الجهل بل العصيان”[35]. “الرسالة الأخلاقية التي تحث على محبة الإله ومحبة الجار هي العمود الفقري لكل دين وللقانون اللاهوتي بأسره”[36].

ينعكس هذا الفهم الأخلاقي للدين في الطريقة التي يعيد بها سبينوزا تصُّور العديد من المفاهيم الدينية الجوهرية، فيزعم – مثلا – أن النص مقدس لدرجة أنه يعزز التفاني للإله والإحسان للآخرين[37]، وأن تقوى الشخص تقاس عبر التزامه/التزامها بالعدالة والإحسان والطاعة. وبما أن هدف الدين هو الطاعة والأعمال الصالحة بينما هدف الفلسفة هو الحقيقة فلا ينبغي اعتبار الدين والفلسفة كيانين متنافسين. يفصل سبينوزا هنا بين الدين والفلسفة والإيمان والعقل لينأى بنفسه عن أولئك الذين يلوون نصوص الكتاب المقدس لجعلها متوافقةً مع العقل – مثل موسى بن ميمون وصديق سبينوزا لودفيج ماير – وأولئك الذين يزعمون أنه حيثما تعارض الكتاب المقدس مع العقل فذلك مبرر يكفي لتجاهل العقل[38]. العقل والإيمان مجالان منفصلان – حسب سبينوزا – لذا لا أحد منهما يخضع للآخر. أطروحة الانفصال لها أهمية سياسية بالغة؛ إذ من خلال الادعاء بأن الدين ليس مصدرا للمعرفة – مثل الفلسفة – فإن سبينوزا قام بتقويض أسس النزاعات اللاهوتية التي كانت مصدر اضطرابات جسيمة في الجمهورية الهولندية. الرسالة المهيمنة في أطروحة الانفصال هي أن الكتاب المقدس ليس مصدر المعرفة الميتافيزيقية ولذا لا يجب اعتماده بخصوص هذه الأمور.

3.3 أطروحة السلطة الأحادية

على الرغم مما سبق؛ وبما أن الكتاب المقدس لديه وظيفة اجتماعية سياسية إيجابية تتمثَّل في تعزيز العدالة والإحسان؛ فقد يتساءل المرء هنا عن حدود السلطة التي يتمتع بها رجال الدين في الشأن العام. جواب سبينوزا هو أن “السلطة فيما يخص الأمور المقدسة تنتمي بالكامل إلى السلطة الحاكمة”، وكحال هوبز فإن سبينوزا يتبنى موقف الإيراستية[39] في أن القانون الديني يتحقق من خلال إرادة السلطة المدنية[40]. إن صُلْبَ أطروحة السلطة الأحادية يكمن في أن الحاكم وحده هو من يمتلك السلطة المدنية والدينية. نظرا لأن التقوى تتمثل بالفعل في ممارسة العدالة والطاعة فإنه “يحق للسلطة الحاكمة وحدها أن تحدد كيف يُحسن المرء لجاره وكيف يطيع ربه”[41] في ظل غياب معيار للعدالة بخلاف إرادة الحاكم[42]. الشيء البديهي والمهم الذي يترتب على أطروحة السلطة الأحادية هو أن رجال الدين هم في أفضل الأحوال مستشارون روحيون لا يتمتعون بسلطة سياسية حقيقية، وبهذه الصورة يتم تجاوز مشكلة الولاء المزدوج (اللاهوتي والمدني) حيث تتلاقى السلطتان في هيئة الحاكم.

ينطلق الاحتجاج ضد السلطة الكنسية من فرضية مفادها أنه لا يوجد معيار غيبي للتقوى. يمكن للحاكم بالطبع أن يُفوِّض السلطة للكوادر الدينية لكن سبينوزا يحذر من ذلك، مستشهدا بحال العبرانيين لتوضيح مخاطر السلطة الكهنوتية إذ بسببها جاء الانعطاف الحاسم الذي عجل بانهيار الدولة العبرية الأولى مع صعود نظام كهنوتي. في ظل حكم موسى – حسب رواية سبينوزا – عاش اليهود بسلام حيث كان الدين والقانون المدني “ذات الشيء”[43]، لكن عندما مُنح الكهنة – ولا سيما اللاويون – الحق في تفسير الشريعة الإلهية “بدأ كل واحد منهم في البحث عن مجده الخاص عبر استغلال الدين وكل شيء آخر … ونتيجة لذلك تحول الدين إلى خرافات قاتلة”[44]، وهذا ينطبق بوضوح – كما أشرنا سابقا – على السياق الهولندي حيث كان الثيوقراطيون الكالفينيون – الذين شكلوا تحالفا خطيرا مع عائلة أورانج – يمارسون السلطة بصورة متزايدة على حساب السلام والاستقرار[45].

يضع تحليل سبينوزا التاريخي للدولة العبرية النقاط على الحروف عبر استخلاص أربعة دروس حول المشكلة السياسية اللاهوتية؛ ثلاثة منها ذات صلة هنا: (1) يتطلب الاستقرار المدني تقييد السلطة الكنسية، (2) يعتبر تحكم الزعماء الدينيون بالقضايا التي تتسم بالتضارب والاختلاف أمرا كارثيا، (3) يجب أن يظل الحاكم هو المُشَرِّع الوحيد. تدعم هذه الملاحظات التاريخية مبدأ التسامح عند سبينوزا ، والذي سأناقشه في فقرة لاحقة.

4.3 الوظيفة الإيجابة للدين

يعتقد سبينوزا أن الدين – رغم احتمال تَسبُّبِه بالضرر – قد يؤدي وظيفة اجتماعية إيجابية إذ يمكن أن يساعد في غرس روح الطاعة ويجعل الناس يخضعون للقانون المدني، وبهذه الصورة يلعب الدين دورا في تعزيز الدولة[46]. فمثلا؛ ساعدت الطقوس والممارسات الشعائرية لليهود على تعزيز التماسك بين أفراد الشعب البدوي الجاهل[47]. يمكن استيعاب الرسالة الأخلاقية المحورية للدين – كالإحسان إلى الجار مثلا[48] – من خلال المنطق لكن الكتاب المقدس يصوغها بطريقة تلائم فهم الجماهير[49]. يبدو أن الدين يلعب دورا حاسما في ترويج الانصياع للقانون، اقترح مايكل روزنتال أن “المعتقدات المتعالية” في أطروحة سبينوزا تساعد في تجاوز مشاكل المتقاعسين المنتفعين من الانتماء دون تحمل عبء المساهمة فيه إذ من المرجح انتشار الخروج عن المواثيق وعدم الامتثال للقانون بين البشر لولا الدين[50].

تتقوض الوظيفة الاجتماعية للدين بمجرد ظهور الطائفية، ويتعطل النظام المدني حين تبدأ مجموعات مثل الفريسيين[51] في اعتبار نفسها مجموعات مميزة وتمارس بالتالي احتقار واضطهاد المجموعات الأخرى. ومن أجل منع مثل هذه الانقسامات؛ يطرح سبينوزا دينا عالميا أو مدنيا يجسد الجوهر الأخلاقي لتعددية الأديان ويتيح لجميع المواطنين فرصة الانضمام إليه بغض النظر عن المعتقدات الخاصة الأخرى التي يؤمنون بها[52]. وكحال روسو؛ اعتقد سبينوزا أن الدين العام العالمي يمكن أن يوطِّد التضامن المدني ويوجه المشاعر الدينية صوب الفوائد الاجتماعية.

5.3 حجة سبينوزا في التسامح

غالبا ما يتم استحضار سبينوزا لمساهمته في التقليد الليبرالي، ويرجع ذلك إلى حد كبير لدفاعه عن حريات الفكر والتعبير في كتابه (رسالة في اللاهوت والسياسة)[53]. ومع ذلك؛ فيبدو أن التسامح الذي أعرب عنه في كتابه ذاك يقف في حالة تضاد مع ادعائه بأنه يتبنى موقفا أرسطوسيا (Erastian) [أي أنه يرى وضع شؤون الدين تحت سلطة الدولة] [54]. كيف يمكن لسبينوزا أن يكون ليبراليا بخصوص الممارسة الدينية ويدافع في نفس الوقت عن الرأي القائل بأنه يحق للدولة السيطرة بالكامل على الشؤون الدينية؟[55] هناك ثلاثة أشياء جديرة بالملاحظة هنا. أولاً: بخلاف الحال مع تسامح لوك؛ فإن دفاع سبينوزا عن الحريات المدنية ليس دفاعا في الأصل عن حرية العبادة[56] بل هو أساساً دفاع عن حرية التفلسف، وحرية العبادة هي في أحسن الأحوال نتيجة ثانوية عرضية لهذا الهدف الأساسي. ثانيا: يميز سبينوزا بين أمرين: المظاهر الخارجية للدين والعبادة الفردانية الخاصة للإله، لا تتعلق سيطرة الدولة على الشؤون الدينية سوى بالأول بينما الثاني متروك لقرار الفرد لأسباب سنبحثها بعد قليل، ويمكن فهم هذين الموقفين على أنهما يقدمان الدعم للقضية الأرمينيوسية ضد الثيوقراطيين الكالفينيين[57]. أخيرًا ، من الجدير بالذكر أن رفض سبينوزا لحماية الحريات المتعلقة بالمظاهر الدينية الخارجية يشي بالطابع المحدود لشعاره في التسامح حيث يمنح السلطة الحاكمة حق الاحتفاظ بالسلطة التقديرية الكاملة للتفريق بين الممارسات المقبولة وأشكال الخطاب المثيرة للفتنة، ولا يقدم سبينوزا – كما يلاحظ لويس فوير بحسرة – أي شيء يشبه معيار أوليفر ويندل هولمز بشأن “الخطر الواضح والقائم” من أجل تقييد تدخل السلطة الحاكمة[58].

ما هي حجج سبينوزا – ولو كانت تعاني من القصور – في الدفاع عن حرية الكلام والتعبير؟ الحجة الأولى هي استحالة التحكم المطلق بمعتقدات الآخرين[59]. بما أن حق السلطة الحاكمة يتحدد حسب قدرتها؛ فإن الافتقار إلى القدرة على التحكم في المعتقدات يستلزم الافتقار إلى الحق في القيام بذلك. وبالرغم مما سبق؛ فإن هذه الحجة تُمثِّل في الواقع دفاعا مشروطا عن حرية الضمير نظرا لإقرار سبينوزا بأن المعتقدات يمكن أن تتأثر بطرق تفوق الحصر حتى لو لم يتم التحكم فيها بشكل كامل.

ينتقل النقاش عقب ذلك من التفكير فيما يمكن أن تفعله السلطة الحاكمة إلى التفكير فيما هو حريٌّ بها أن تفعله من باب الحكمة أو الواقعية. يقدم سبينوزا مجموعة من الأسباب الذرائعية للدفاع عن عدم التدخل، فمثلا يجادل بأن “الدولة لا يمكن أبدا أن تنجح دائما في محاولة إجبار الناس على الكلام وفق ما تريده السلطة الحاكمة”[60]، فالناس بطبعهم يميلون للتعبير عما يعتقدونه، ولا تختلف محاولات تقنين المعتقدات عن محاولات تقنين التعبير عن هذه المعتقدات من حيث حتمية الفشل. إضافة إلى ما سبق؛ فحتى لو كانت الدولة تُقنِّن التعبير فإن هذا لن يؤدي إلا إلى اضمحلال حسن النية [الإخلاص] الذي هو أساس الروابط المدنية لأن الناس سوف “يفكرون في شيء ما ويتفوهون بشيء آخر”[61]. لذا فمن الحماقة السعي لتقنين كل أشكال التعبير حتى لو كان إقرار حرية التعبير بشكل غير محدود أمرا “بالغ الخطورة”[62].

يُحاجج سبينوزا أيضا أنه – بشكل عام – كلما كان حكم صاحب السلطة أكثر قمعا أصبح المواطنون أشد تمردا، نظرا لأن معظم الناس “مطبوعون على الاستياء الشديد إذا ما تمَّ تجريم الآراء التي يعتقدون بصحتها”[63]. يرى سبينوزا أن الاضطهاد ومقاومته لهما جذر مشترك يتمثل في الطموح أو السعي إلى أن يتماهى الآخرون مع أفكارنا وأفعالنا[64]. يتشكل الناس وفق ذواتهم الخاصة وحين يقع الاختلاف في الرأي – وهو ما لا مفر منه – فإنهم يميلون لفرض معتقداتهم على الآخرين ومقاومة محاولات الآخرين لفعل الشيء نفسه. لذا فمهما شاعت محاولات تقنين معتقدات الآخرين وكلامهم وسلوكهم فهي غير مجدية على الصعيد السياسي. إضافة إلى ذلك؛ يجادل سبينوزا بأن الشخصيات البغيضة جدا وقليلة الحكمة هي من تسارع غالبا لشن الحملات الدينية الأخلاقية والتي غالبا ما تستهدف أكثر الشخصيات حكمة وحبا للسلام[65]. والجدير بالذكر أن هذه الحجج في الدفاع عن الحريات المدنية ذرائعية تماما لاستنادها على مبادئ نفسية وملاحظات تجريبية توضح الطابع العشوائي المتذبذب للحكم القمعي[66]، وليست حججا تنطلق من مبادئ تتوسل بالحقوق أو القيمة الجوهرية للحرية وهذا ما أدى لإحباط بعض الشارحين[67].

6.3 العقد الاجتماعي في (رسالة في اللاهوت والسياسة)

حاز تصور سبينوزا للعقد الاجتماعي في كتابه (رسالة في اللاهوت والسياسة) على الكثير من الاهتمام الأكاديمي والذي يطرحه في الفصل السادس عشر حين يناقش كيف يتخلص الناس من حالة ما قبل المدنية. في هذا السياق؛ يزعم أن “على [الناس] اتخاذ قرار حاسم والتوصل إلى اتفاق ليقرروا كل شيء وفقا لإملاءات العقل وحده”[68]، الأمر الذي يتطلب – كما أوضح هو لاحقا – أن يتنازل كل شخص للدولة عن حقه في تحديد نمط عيشه وكيفية حماية نفسه[69]، مستشهدا بظروف تأسيس الدولة العبرية في ظل حكم موسى باعتباره صاحب السلطة المطلقة كنموذج تاريخي للعقد الاجتماعي[70]. هنا يبدو أن العقد الاجتماعي يمنح الدولة سلطة لا حدود لها تقريبا، فطالما أننا عقلانيون “فنحن ملزمون بتنفيذ جميع أوامر السلطة الحاكمة مهما بدت عبثية”[71].

على أية حال؛ إذا كان سبينوزا يعتمد حقا على العقد الاجتماعي كمصدر للشرعية فسوف تبرز مشاكل عدَّة. بادئ ذي بدء؛ من غير الوارد فيما يبدو أن يتشكل مثل هذا العقد، لأن القوة الشرعية للعقد الاجتماعي مشروطة بالعقلانية المبصرة للعواقب والتي يعتقد سبينوزا بشكل لا غبار عليه أن أغلب الناس يفتقرون إليها[72]. ولكن حتى لو افترضنا إمكانية تَشكُّل مثل هذا العقد فستبقى هناك مشكلة عويصة تواجه سبينوزا وهي: كيف يمكن أن نأخذ على محمل الجد عقدا يمنح الشرعية للسلطة دون التسبب بانتهاك المذهب الطبيعاني القابع في صلب ميتافيزيقيا سبينوزا؟ ما هو هذا الحق الذي يتم التنازل عنه أو تفويضه؟ وكيف يستطيع المرء فعليا تفويض حقه في ضوء الامتداد المتزامن بين الحق والقدرة؟ يبدو أيضا أن الالتزام الطبيعي القائم على المنفعة حسبما يرى سبينوزا (راجع الفقرة 2.2 أعلاه) يحول دون إمكانية وجود عقد اجتماعي مُلزِم.

يرى بعض الشارحين أنه يصعب تخطي الإشكالات المترتبة على نظرية العقد الاجتماعي لدى سبينوزا، ولهذا السبب يرون أنه قد عاد إلى صوابه حين تخلى عنها في كتابه (الرسالة السياسية)[73]، بينما حاول البعض الآخر إعادة تأويل نظريته في العقد الاجتماعي بطريقة تنسجم مع مذهبه الطبيعاني. فمثلاً؛ قام كل من رايس و باربون بالتمييز بين مصطلحين تُرجما إلى الإنجليزية على أنهما “سلطة”، فهناك potentia وهي القدرة الجوهرية للفرد[74] والتي لا تقبل التفويض بطبيعتها، وما يمكن تفويضه هي potestas سلطة الفرد[75] أو القوة القسرية[76].

في حين يتمتع هذا التفسير بميزة الانسجام مع ادعاء سبينوزا بأنه “يحمي دائما تماسك الحق الطبيعي بمجمله”[77] حيث تظل قدرة المرء الجوهرية دائما كما هي، إلا أنه لا يشرح كيف يمكن مواءمة القوة القسرية – التي يصفها كل من رايس وباربون بأنها قدرة “فائضة بصورة مفرطة” – مع النظام الطبيعاني. ما الذي يعنيه تنازل الفرد عن سلطته؟ وكيف يمكن أن يؤدي تفويضها أو التنازل عنها إلى تشكل التزام في ظل تصور سبينوزا للالتزام القائم على المنفعة؟

ربما تكمن أفضل طريقة لفهم ما يعنيه امتلاك أو تخلي الفرد عن سلطته في الأبعاد النفسية، وهذا ما يقترحه كيرلي حين يتفحص ادعاء هوبز في كتابه Behemoth[78] أن “القوة القاهرة لا أساس لها إلا في رأي ومعتقدات الناس”[79] كوسيلة لفهم تصور سبينوزا لنمط تشكل الدولة. يمكن للمرء الاستشهاد أيضا بالادعاء الشهير لهوبز في كتابه (ليفيثان) بأن “سمعة امتلاك السلطة هي سلطة بحد ذاتها”[80] كتعبير عن الأمر نفسه. قد يُفهم من هذه الفقرات أنها تؤيد الرأي القائل بأن السلطة لا تنتقل من خلال الكلام بل هي حالة العبودية النفسية لصاحب السلطة الحاكمة والتي هي ثمرة الإذعان النفسي وليس الانتقال الشكلي للحقوق والألقاب.

يشتمل كتاب (رسالة في اللاهوت والسياسة) على بعض الأدلة الداعمة لهذا التفسير النفسي[81]؛ إذ يزعم سبينوزا أن الدولة أو السلطة الحاكمة تنبع من رغبة رعاياها بالانصياع[82]. ومع ذلك؛ فهناك مواضع في الكتاب يبدو خلالها سبينوزا وكأنه يومئ بشكل ضمني إلى وجود التزامات تجاه صاحب السلطة بغض النظر عن تحفزنا واستعدادنا النفسي، وتكشف القراءة المتأنية لبعض هذه الشواهد أنها لا تلمح لشيء من ذلك القبيل. فمثلا ادعاؤه “بأننا ملزمون بطاعة جميع أوامر السلطة الحاكمة مهما بدت عبثية”[83] مرهون بتصرفنا بعقلانية ورغبتنا بتجنب التحول إلى أعداءٍ للدولة. لكن تظل هناك فقرات أخرى يشير فيها سبينوزا إلى أن الطاعة المفروضة بحكم الواقع ليست ضرورية ولا كافية لإرساء شرعية كيان مدني، فمثلا يزعم أن السلطة الحاكمة وحدها تملك الحق حصرا في تسيير الشؤون الدينية كتفسير الكتاب المقدس والحُكْم بالحرمان الكنسي على الزنادقة والإنفاق على الفقراء[84]، على الرغم من حقيقة أن الكنيسة كانت تمارس السلطة فعليا فيما يخص هذه الأمور. ولكن هذه النقطة أيضا يمكن التوفيق بينها وبين النزعة الطبيعانية لسبينوزا حين نفهم أن سلطة رجال الدين تؤول إليهم عبر تفويض من صاحب السلطة بوصفه الحاكم المطلق.

4. الرسالة السياسية

قد يتساءل المرء؛ لماذا قضى سبينوزا السنوات الأخيرة من حياته (حتى وفاته عام 1677) في العمل على أطروحة سياسية ثانية تغطي بعضا من ذات مواضيع الأطروحة التي تناولها في رسالته الأولى المنشورة عام 1670 (رسالة في اللاهوت والسياسة)؟ ثمَّة إغراء يكمن في افتراض أنه كتبها لنقض العديد من آرائه السابقة. بيد أن هناك أدلَّة قليلة تثبت أن سبينوزا كتب (الرسالة السياسية) لنقض أي من الادعاءات الجوهرية لأطروحته السابقة مع استثناء مُحتمَل لرأيه حول العقد الاجتماعي. تختلف (الرسالة السياسية) في الواقع عن الأطروحة السابقة (رسالة في اللاهوت والسياسة) بشكل جوهري في أهدافها وأسلوبها البلاغي. ففي حين كانت أطروحة (رسالة في اللاهوت والسياسة) نصا دُوِّن على فترات متباعدة لجمهور من اللاهوتيين المسيحيين الليبراليين لمعالجة الإشكالات التي يطرحها الثيوقراطيون الكالفينيون؛ فإن أطروحة (الرسالة السياسية) معنية بالتنظيم العام للدولة وقد دُوِّنتْ للفلاسفة. في الأطروحة اللاحقة تخلى سبينوزا عما وُصف بأنه “الأسلوب اللغوي اللاهوتي للإقناع الشعبي” لصالح الأسلوب المتجرد للمفكر السياسي[85].

كتاب (الرسالة السياسية) هو تتمة ملائمة لكتاب (الأخلاق)[86]. إذا كانت أطروحة (الأخلاق) تكشف عن السبيل نحو الحرية الفردية فإن أطروحة (الرسالة السياسية) تكشف إلى أي مدى تعتمد الحرية الفردية على المؤسسات المدنية[87]. لا ينبغي أن نستغرب من الانعطاف المدني لفلسفة سبينوزا في أواخر حياته، إذ أنه كان يزعم منذ كتاباته المبكرة بأنه ليس معنيا فقط بتهذيب طبيعته الخاصة بل اهتمامه متوجه أيضا إلى “تكوين مجتمع مهذَّبٍ يشتهيه الناس، ويتيح لعدد كبير منهم نمط حياة مزدهرة قابل للتحقق بسهولة ويسر لأقصى حد ممكن”[88]، هنا قد يُعتبر كتاب (الرسالة السياسية) محاولة من سبينوزا لإيضاح بعض الشروط التي تجعل وجود مثل هذا المجتمع ممكنا.

يمكن تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أقسام: في القسم الأول (تقريبًا حتى الفصل الرابع) يناقش سبينوزا الأساس الميتافيزيقي للدولة والحدود الطبيعية لسلطتها، في القسم الثاني (الفصل الخامس) يحدد سبينوزا الأهداف العامة للدولة، وفي القسم الثالث (الفصل السادس حتى النهاية) يقدم سبينوزا توصيات محددة بشأن كيفية تشكيل أنماط الحكم المختلفة – الملكية والأرستقراطية والديمقراطية – وذلك لتلبية أهداف الدولة كما هو مبين في القسم الثاني.

1.4 الخلفية الميتافيزيقية

يطرح سبينوزا مذهبه الطبيعاني في الفصول الأولى من (الرسالة السياسية)؛ بدءا بفرضية أن الدولة هي شيء طبيعي res naturalis تحكمه قوانين الطبيعة كأي شيء آخر[89]. وفي ضوء ذلك قد نُثمِّن ادِّعاء سبينوزا بأنه “لا ينبغي للمرء أن يبحث عن الأسباب والأسس الطبيعية للدولة في تعاليم العقل”. يبدو للبعض[90] أن هذا البيان يشير إلى قطيعة حادة مع المفهوم التعاقدي لتشكل الدولة المطروح في كتاب (رسالة في اللاهوت والسياسة)، وهذا الرأي مدعوم بحقيقة أنه لا وجود بالفعل لأية إشارة للعقد الاجتماعي في الأطروحة الأخيرة[91]، وينسجم أيضا مع افتراض لويس فوير بأن الأطروحة اللاحقة تخاتل وجهة نظر باهتة بخصوص الجماهير ربما تمخَّضت عن أحداث 1672[92]. توضح هذه الفقرة؛ على أقل تقدير؛ قطيعة مع المفهوم العقلاني المتطرف للعقد الاجتماعي الذي يبدو أنه يكمن وراء بعض حجج أطروحة (رسالة في اللاهوت والسياسة).

وعلى الرغم من ذلك؛ فإن تفسير سبينوزا للدولة باعتبارها نتاجا تلقائيا للعواطف الطبيعية يتفق تماما مع التفسير النفسي للعقد الاجتماعي (راجع الفقرة 3.6 أعلاه). يبدو سبينوزا أنه يدعم بالفعل وجهة النظر هذه في أطروحته حين يزعم أن الأفراد يندرجون تحت حق [السلطة الفرعية] للكومنولث – بغض النظر عما إذا كانوا يطيعون قوانينها بدافع الخوف أو حبا للنظام المدني – فإنهم واقعون تحت حق أو سلطة الحاكم لأنهم محتجزون “نفسيا” داخل هيمنته.

ولكن ما الذي يعنيه بالضبط استنباط أسس الدولة من طبيعة الإنسان؟ يخبرنا سبينوزا في كتاب (الرسالة السياسية) أن الناس – وتحديدا أولئك الأفراد الضعفاء والعاجزون عمليا مقارنة بمجموع قوى الآخرين[93] – قد يقررون تكوين تجمع يضمهم نتيجة “لتشاركهم بعض المشاعر: كالأمل أو الخوف أو الرغبة في الثأر من ظلم يطالهم جميعا”[94]، وعليه فإن الدولة هي ثمرة غير مقصودة ولكنها نافعة للتفاعل الطبيعي للعواطف البشرية، بهذا المعنى فإن الحالة المدنية هي حالة طبيعية. بناءً على ما سبق؛ فقد اعتبر البعض سبينوزا “تطوريا” إذ تنبأ بفكرة العواقب غير المقصودة – كما لدى ماندفيل وسميث وهايك[95] – نظرا لوجهة نظره بشأن بروز أنماط سلوك ثابتة من التفاعل الأعمى للعواطف بشكل يؤدي للتغلب على مصاعب الوصول إلى التسويات. بيد أن سبينوزا يقول القليل عن عملية التكوين المدني ذاتها في (الرسالة السياسية) مما يجعل مثل هذا التفسير في أحسن الأحوال غير واضح المعالم. وفي حين أن المرء قد يبني سردية لتصور سيكولوجي سبينوزي أصيل[96] إلا أن ما يقدمه سبينوزا نفسه في هذا المجال ليس متماسكا على الإطلاق.

2.4 الهدف العام للدولة

بعدما قام سبينوزا في الفصول السابقة بوضع أساس لتصور مفاده أن كل ما هو حق مشروط بالقدرة؛ انتقل مباشرة إلى مسألة كيفية ممارسة الحاكم لسلطته في الفصل الخامس مشيرًا إلى وجود فرق مهم بين التوسل بالحق لفعل الشيء وبين فعله بأفضل الطرق المتاحة. ينصبُّ اهتمام سبينوزا هنا على تحديد الهدف العام للدولة الذي يمكن بموجبه تقديم توصيات أكثر دقة فيما يتعلق بأشكال النظام. يتمثَّل الهدف الأساسي للدولة – وفقا لسبينوزا – في “تحقيق السلام والحياة الآمنة” [pax vitaeque securitas]. ولفهم ما يعنيه سبينوزا هنا يجب أن نحاول فهم ما يعنيه بالسلام. يرفض سبينوزا تعريف هوبز للسلام على أنه “غياب الحرب”[97]، واصفا إياه عوضا عن ذلك بأنه “فضيلة تنبع من قوة العقل” أو “اتحاد وانسجام العقول”. أن تستمر الدولة أو تتجنب ويلات الحرب شيء، وأن تزدهر الدولة شيء آخر. يوضح سبينوزا هذه النقطة عن طريق استعارة عضوية:

لذا حين نقول أن أفضل دولة هي تلك التي يعيش الناس حياتهم في ظلها بوئام؛ فأنا أتحدث عن حياة الإنسان التي تتميز ليس فقط بالدورة الدموية وغيرها من السمات المشتركة مع الحيوانات ولكن تلك التي تتميز بصورة خاصة بحياة الفكر، وبالعقل الذي يعتبر الفضيلة الحقيقية.

ولكن إذا كان هدف الدولة هو السلام الذي يتمثل في “انسجام العقول” أو النشاط العقلاني؛ فقد يتساءل المرء كيف يمكن للدولة أن تأمل في تحقيق غايتها في ضوء شك سبينوزا بشأن العقلانية البشرية؟ كيف يمكن للدولة أن تروج للفضيلة المدنية أو “قوة العقل” التي يتوقف عليها السلام؟ ربما يكون هذا هو السؤال المعياري المركزي في أطروحة (الرسالة السياسية)[98]. يعالج سبينوزا هذا السؤال عن طريق تقديم توصيات مؤسساتية لكل نمط من أشكال الحكم.

3.4 المبدأ الدستوري والأنظمة النموذجية

لنفهم كيف يقدم سبينوزا إجابة عامة لسؤال كيفية تعزيز السلام أو الاتفاق المدني؛ فيجب الأخذ بعين الاعتبار أن التوافق يتشكل تدريجيا على مراحل[99]. الاتفاق الشامل – أو ما يُسميه بلوم بـ”الاتفاق الأقصى” – يتحقق فقط بالقدر الذي يكون فيه الأفراد عقلانيين بشكل خالص[100]، المجتمع الذي يتكون من أفراد أحرار هو اتحاد بلغ حد الكمال[101]، بيد أن عقلانية الناس على أرض الواقع بعيدة عن الكمال نظرا لأن الفرد الحر لا وجود له في الحقيقة إلا كمثل أعلى. لذا فمهمة الدولة هي جعل العلاقات الفعلية بين الناس أقرب إلى المجتمع المثالي للأشخاص الأحرار، بمعنى أن هدفها هو تحويل الأشخاص الأنانيين اللاعقلانيين إلى فاعلين يتسمون بالفضيلة والعقلانية قدر الإمكان[102].

يتمثل حل سبينوزا – بشكل عام – في تبني إجراءات دستورية وإجراءات مؤسساتية توجه الانفعالات الطبيعية لدى الأفراد نحو الصالح العام. هذه الرؤية لتقنين العقل تقارب أسلوبا اتَّبعته جمهورية البندقية بنفس الطريقة لتقنين الفضائل[103]، وهي رؤية تدين بالفضل لأعمال الأخوين دي لا كورت. العقلانية المدنية هي نتاج سلسلة من المؤسسات الجمهورية التي تشجع على المشاركة الواسعة، والمداولات العامة، وتعتمد مجموعة متنوعة من آليات تعزيز المساءلة. إن الدولة المنظمة بشكل عقلاني لن تعزز الصالح العام فحسب بل ستقوي كذلك الالتزام المدني لمواطنيها ؛ هذه إحدى الطرق الرئيسة التي تساهم بها الدولة في إعادة توجيه انفعالات مواطنيها وتعزيز مستوى التوافق بين رعاياها بصورة تؤدي مآلاتها إلى الانسجام أو السلام[104].

1.3.4 الملكية

نظرا لأن الهدف الأساسي للدولة هو السلام؛ فإن السؤال الذي يسعى سبينوزا لمعالجته في الفصلين السادس والسابع من أطروحة (الرسالة السياسية) هو: كيف يمكن تنظيم الملكية بصورة تجعلها سلمية إلى أقصى حد؟ يبدأ سبينوزا بتكرار الزعم بأن الناس غير عقلانيين وأنانيون إلى حد كبير، وبما أنه يجب ضبط انفعالات عامة الناس فمن المغري الافتراض – كما يفعل هوبز – أن الحكم الغاشم مطلوب. بيد أن سبينوزا يدعي أنه حتى لو كان المستبد قادرا على تقليل العنف والمعارضة – كما كان حال السلاطين الأتراك – فإن ذلك لن يخلق اتفاقا بين الناس أو سلاما من النوع الذي يمثل الغاية النهائية للدولة بل سيخلق “العبودية والهمجية والخراب”. يزعم سبينوزا أنه كلما تركزت مقاليد السلطة في يد شخص واحد ازداد بالفعل وضع الجميع سوءا بما في ذلك المستبد نفسه، وذلك لأنه من المرجح أن الملك سوف يولي عنايته لمصلحته فقط متجاهلا الرفاه العام، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى إضعاف المجتمع المدني. وللتغلب على ذلك الوضع فمن الضروري أن تكون هناك ضوابط دستورية على سلوك الملك، ضوابط ينبغي أن تُفهم على أنها “مراسم دائمة” aeterna decreta تعبر عن مصالح الملك الحقيقية التي لا يجوز مخالفتها.

شبّه سبينوزا هذه “المراسم” بأوامر أوديسيوس لطاقم بحارته بإبقائه مُقيَّداً إلى سارية السفينة مهما حاولت “السيرينات” أو عرائس البحر إغراءه بأغانيهن السحرية. ومن بين الضوابط الدستورية الأساسية أن الملك يقوم بمداولات في مجلس أعلى يتألف من المواطنين، بل وبطريقة ما يعمل على الاستجابة لمطالبهم. بالإضافة إلى ذلك؛ فلا بد من انسجام المصالح الخاصة لأعضاء هذا المجلس مع الصالح العام لأنه من الوارد أيضا أن يكونوا أنانيين وفاسدين. وكما يقول ماك شيا؛ فإن الدولة التي تشكلت بصورة سليمة ستكون بمثابة “آلية توازن”[105] تعالج النزعات التدميرية والانفصالية عبر ضمان ربط مصالح الفرد بمصالح الجماعة على الدوام، فمثلا كتب سبينوزا بخصوص الدولة التي تأسست على نحو لائق:

سوف يصادق الملك دوما على الرأي الذي تؤيده أغلبية الأصوات سواءً أكان مدفوعا بخوفه من الشعب أو برغبته في كسب الجزء الأكبر من أصحاب الشوكة منهم أو بنبله مراعاةً للمصلحة العامة، بهذه الطريقة سيحقق فائدة أكبر لعموم الدولة وإلا فسيحاول – إن أمكن – التوفيق بين ما يُطرح عليه من مرئيات متعارضة لكسب شعبية لدى الجميع.

في نهاية المطاف؛ سيكون النظام الملكي النموذجي ملكية دستورية تشبه إلى حد كبير الديمقراطية، وهذا ينسجم مع اقتراح ماثيرون حيث تكون الدول الأقل مجافاة للديمقراطية هي الأكثر قوة[106] لأن سلطة الدولة تُستمد أساسا من سلطة الشعب، لكن تظل حقيقة تأييد سبينوزا لإمكانية أن “يستطيع الشعب الحفاظ على درجة كبيرة من الحرية في ظل حكم ملكي” بمثابة رضوخ للواقع فيما يبدو بعد أحداث أوروانج عام 1672.[107]

2.3.4 الارستقراطية

يناقش سبينوزا نوعين من الأستقراطية مع أفضل الأنماط المتاحة في كل منهما. النوع الأول هو الأرستقراطية المركزية المُصمَّمَة في ظاهرها على غرار نموذج جمهورية البندقية[108]، والنوع الثاني هو الأرستقراطية اللامركزية التي تحتفظ فيها عدة مدن بالسيادة، والنوع الأخير من الأستقراطية – الذي يراه سبينوزا متفوقا – هو قطعا ذات النوع الذي تشكلت على منواله المقاطعات المتحدة. ورغم تباين توصيات سبينوزا بخصوص هذين النوعين من الأرستقراطية إلا أنه لا يوجد فرق بينهما في معظم السمات العامة. يجادل سبينوزا – بطريقة تحاكي مبدئيا نموذج ماديسون للحكم[109] – بأن مجلس النبلاء يجب أن يكون كبيرا لتقليل احتمالية الانقسام، كما يدعي أن ضخامة المجلس ستحول دون استفحال الحكم الأناني أو اللاعقلاني. وكما هو الحال مع مناقشة سبينوزا للملكية فإن التركيز هنا ينصب على إيجاد آليات توازن بين مصالح المشاركين وتشجيع الترابط، وإحدى الطرق المهمة التي يتم بواسطتها تشجيع الترابط هي نشر “العقيدة العالمية” أو الدين المدني المنصوص عليه في الفصل السادس عشر من كتاب (رسالة اللاهوت والسياسة).

لا ينبغي أن نتفاجأ بادعاء سبينوزا أنه من الوارد أن تكون الأرستقراطيات أكثر كمالا من الأنظمة الملكية بالنظر إلى أنه سيكون هناك – بشكل عام – المزيد من الضوابط على سلطة الدولة وانتشار أكبر للنفوذ السياسي في الأرستقراطيات مقارنة بالملكيات، وبما أن “كمال” الدولة يتناسب مع الحد الذي تتمكن فيه من استيعاب حقوق كافة رعاياها بشكل يؤدي لتحجيم أية قاعدة للمعارضة[110] فإن الكمال يشي إلى حد كبير بمعيار أشبه بالسلام الذي يعتبر جوهر القاعدة المدنية. لذا فإن القول بأن أحد صور أنظمة الحكم يتميز بالكمال أكثر من غيره هو بمثابة إعلان لتفوق ذلك النظام.

يشير سبينوزا بوضوح إلى أن الأرستقراطيات – عموما وفي معظم الحالات – متفوقة على الأنظمة الملكية، لكن السؤال الأكثر إثارة للاهتمام والإشكال إلى حد ما هو كيفية مقارنة الأرستقراطيات بالديمقراطيات. فمثلا تزعم رايا بروخوفنيك أن “الأرستقراطية بعد التأمل المدروس هي شكل الحكومة التي يفضلها [سبينوزا]”[111]، لكنني أعتقد أن ثمَّة أسباب قوية لرفض القول بأن الأرستقراطية تحل محل الديمقراطية في أطروحة (الرسالة السياسية) بوصفها النظام المفضل لدى سبينوزا. لقد انتبه سبينوزا بالفعل إلى أن انتخاب النبلاء بخلاف ذوي الامتيازات المكتسبة بالولادة الذين يشاركون في الديمقراطية يمنح الأرستقراطيات ميزة من الناحية النظرية، لكنها ميزة يعكر صفوها ممارسات محاباة الذات التحيزية لدى معظم الأرستقراطيين. ومجددا يبدو أن سبينوزا – بصورة عامة – يفضل الديمقراطية لاحتجاجه بأنها أكثر أشكال الحكم كمالا، وبالتالي فإن اهتمامه بتقسيم الرُّتَب بخصوص أنظمة الحكم أقل من اهتمامه بتحديد كيفية تموضع كل نظام بصورة تعاظم الحرية والصالح العام إلى أقصى حد.

3.3.4 الديموقراطية

حين توفي سبينوزا في 21 فبراير 1677 كان بالكاد قد بدأ بكتابة أول فصلين حول الديمقراطية، يشمل مفهومه للديمقراطية أي نظام حكم شعبي يحوز فيه الأعضاء الحاكمون على حق المشاركة بحكم منزلتهم المدنية وليس عن طريق الانتخاب، هذا المفهوم للديمقراطية واسع بما يكفي ليتضمن حتى متغيرات عشوائية من التيموقراطية[112]. يستثني نموذج الديمقراطية لدى سبينوزا كل أولئك الذين لا يملكون قرارهم sui iuris مثل: النساء والخدم والأجانب وكذلك أولئك الذين لا يعيشون حياة محترمة. هذه الأبعاد النخبوية والإقصائية لديمقراطية سبينوزا – بقدر ما يمكننا فهمه من ملاحظاته المبثوثة في جميع أنحاء النص – تشوه ما قد يبدو أنه شكل تقدمي إلى حد ما للديمقراطية.

من السهل الاستدلال على المضمون العام لديمقراطية سبينوزا من مناقشاته حول الملكية والأرستقراطية، فكلاهما يتضمن عناصر ديمقراطية قوية. ما هو مثير للاهتمام بشكل خاص هو طريقة دفاع سبينوزا عن هذه السمات الديمقراطية، لأن هذا يمنحنا بصيرة نافذة حول كيفية الدفاع عن الديمقراطيات بشكل عام. يبدو سبينوزا في أطروحة (رسالة في اللاهوت والسياسة) وكأنه يقدم حججا أخلاقية وذرائعية لصالح الديمقراطية. يتمثل الدفاع الأخلاقي في أن الديمقراطية تحفظ المساواة الطبيعية[113] بين الناس والحرية الطبيعية[114]، بينما يتمثل الدفاع الذرائعي الأساسي عن الديمقراطية في “قلة المبررات التي تدعو للخوف في الدولة الديمقراطية من التدابير المنافية للعقل”. يركز سبينوزا في أطروحة (الرسالة السياسية) حصريا على الدفاع الذرائعي مسلطا الضوء على ما يُطلق عليه مؤخرا بالميزة المعرفية للديمقراطية؛ أي ميل المجالس الشعبية إلى التشريع بحكمة أكثر من الهيئات التشريعية الأخرى.[115] فمثلاً؛ يكرر سبينوزا ادعاءه بأن المجالس الأكبر حجما من المرجح أن تكون الأكثر عقلانية لأن القرارات الجماعية تجبر الأعضاء على “تحري النزاهة أو التظاهر بذلك على الأقل”، ويحتج بأن مزايا التداول والتشاور التي تتسم بها الهيئات الحاكمة الكبيرة تعمل على تحسين الكفاءة نظرا لأن “عقول الرجال متبلدة بصورة تجعلها قاصرة عن استيعاب فحوى كل سؤال، ولكن المناقشة والإنصات للآخرين والجدل يصقل عقولهم”. بالإضافة إلى ما سبق؛ يوبخ سبينوزا أولئك الذين يزعمون أنه “لا يوجد حق أو رأي لعامة الناس”، محتجا بأن “كل الناس يتشاركون ذات الطبيعة الواحدة” وأن التفاوت في الكفاءة ينبع في المقام الأول من حقيقة أن الجماهير قد تم إبقاؤها في معزل عما يتعلق بأهم شؤون الدولة. تكشف هذه الفقرات عمق التزام سبينوزا بالديمقراطية ورفضه تأييد الفرضية القائلة بأن بعض الرجال أكثر ملاءمة للحكم بالسجيَّة من الآخرين خلافا لاقتراح فوير بأن أحداثا مثل القتل الوحشي لرجل الدولة يوهان دي فيت أدَّتْ إلى انعطاف مناهض للديمقراطية في فكر سبينوزا. وبالرغم من أن وفاة المؤلف قد حالت دون مناقشة مبحث الديمقراطية في أطروحة (الرسالة السياسية) بعمق ووضوح إلى حد كبير؛ إلا أنه يظل مساهمة مهمة في النظرية الديمقراطية.

5. مكانة الدولة في أنطولوجيا سبينوزا

في السنوات الأخيرة ظهر نقاش حيوي في المطبوعات الأكاديمية حول ما إذا كان مفهوم الفرد لدى سبينوزا عبارة عن مبدأ نزوع conatus [116] خاص به أم لا، ويدور محور الجدل في هذا النقاش حول ما إذا كان سبينوزا فردانيا أم جماعاتيا. يُعتقد أن الإجابة على هذا السؤال لها تداعيات على كيفية تصورنا لعلاقة سبينوزا بالتقاليد الليبرالية. تنبع بعض أقوى الأدلة الداعمة لاعتبار الدولة فردا من مناقشته لما يسميه بأحوال الامتداد في الباب الثاني من أطروحة الأخلاق – وتحديدا في ثنايا القضية 13 والقضية 14 – حيث يعالج سبينوزا مفهوم الفرد بشكل مباشر. يخبرنا سبينوزا في تلك الفقرة في ذلك الباب أن الفرد يتألف من جسد مكوَّن من أجزاء “لديها القابلية لنقل إشارات الحركة فيما بينها بطريقة معينة ثابتة”[117]. سيحافظ الفرد على طبيعته دون أي تغيير حتى إذا تمَّ استبدال بعض أجزاء جسده بشرط الاحتفاظ “بذات النسبة من الحركة أو السكون”. إلى جانب ذلك؛ فإن وجود تآلف يتكون من عِدَّة أفراد يعملون بصورة ثابتة سيؤول لعدد أكبر من الأفراد، الأمر الذي سينتهي بالفرد الأعلى، أي الطبيعة بأسرها[118]. في موضع آخر من كتاب (الأخلاق) وفي سياق الحديث عن فوائد التجمعات البشرية – وتحديدا في الفصل الرابع حاشية القضية 18 – يقول سبينوزا أنه “إذا اقترن فردان من طبيعة واحدة فإنهما سيكونان فردا أقوى من كل واحد على حدة”[119]. هنا؛ يرسم سبينوزا مرة أخرى صورة لأفراد من ذوي الرُّتب العالية، مما يفتح إمكانية النظر إلى الدولة نفسها كفرد.

يمكن اعتبار كتاب Individu et communauté chez Spinoza (الفرد والمجتمع لدى سبينوزا) الصادر عام 1969 للفيلسوف الفرنسي ألكسندر ماثرون أقوى محاولة لتفسير رؤية سبينوزا للفردانية – وتحديدا الفصل الثالث – حيث يُعرِّف ماثرون المجتمعات السياسية بوصفها أفراد يتسمون بـ”خاصية شكلية” تميزهم ويُقصد بها: النسبة الفريدة الخاصة بهم من الحركة والسكون[120]. يأتي بعد ماثرون الفيلسوف الفرنسي إتيان باليبار – بالإضافة إلى آخرين يؤيدون رأيه مثل بلوم وميننيك – والذي يرى أن الدولة فرد مركب للغاية باعتباره “فردًا يتألف من أفراد، له “جسد” و”روح أو عقل”، وهي حالة يسميها في سياق آخر بـمفهوم”الذات المجاوزة للفرد” transindividuality.

تم الطعن في هذا التفسير من عدة أوجه. إحدى الحجج ضد وجهة النظر هذه وردت في الفقرات الافتتاحية من أطروحة سبينوزا (رسالة في اللاهوت والسياسة)[121] حيث يرى – عكس هوبز – أن الأفراد يحتفظون دائمًا بـ”جزء كبير” من حقهم الطبيعي. بعبارة أخرى؛ لا يتحقق اندماج البشر بشكل كامل أبدا في الفرد الأعلى أو الدولة[122]. تكمن مشكلة هذا الاعتراض في عدم وجود سبب لافتراض أن جميع الأفراد يتسمون بالقابلية للتآلف مع سائر أجزاء [المجتمع] بشكل تام. يصف ماثرون – مثلا – الدولة بأنها فرد معقد تتكامل أجزاؤه بدرجة محدودة فقط، وكذلك يرى باليبار أن “الاستقلال الذاتي” للأفراد يظل قائما ولو كان الفرد جزءا من كُلٍّ جماعي أكبر، الإقرار بالطابع المستقل لفردانية كل إنسان لا يتعارض مع إمكانية أن يكون في نفس الوقت عضوا في تشكيلة أكبر تحت مظلة جامعة في سياق محدد. يمكن للمرء أن يكون جماعتيا وفردانيا. المناهضون الحقيقيون للفردانية هم المثاليون الذين فهموا سبينوزا بأنه يجزم أن “الفردانية البشرية خادعة وغير صحيحة”[123].

يستند الاعتراض الثاني على وجهة النظر القائلة بأن الدولة هي فرد على مقدمة وردت كفقرة في كتاب (الأخلاق) وتحديدا الباب الثالث؛ القضية الرابعة، جاء فيها أن لا شيء يمكن أن يتقوض إلا بسبب خارجي؛ وعليه فإن “الخطر الأكبر على الكومنولث يأتي دائما من مواطنيه أكثر من أعدائه”[124]. إذا افترضنا أن جميع الأفراد يمثلون كيانات فردية قائمة بذاتها[125] فإن حقيقة أن الدول يمكن أن تُدمر ظاهريا من قبل أجزائها – أي المواطنين – سيصبح منطلقا كافيا لإنكار أن الدول عبارة عن أفراد[126]. وبالرغم من قوة هذا الاعتراض إلا أنه من الممكن فيما يبدو تقديم تحليل للتدمير الذاتي الجليّ للكومنولث بحيث يوازي محاولة سبينوزا لإيضاح كيف يكون الانتحار ممكنا في ضوء مبدأ النزوع conatus – كما في القضية العشرين بالفصل الرابع من كتاب (الأخلاق) – إذ يمكن اعتبار حالة التدمير الذاتي بأنها قد تأثرت بشدة بـ”العلل الخارجية الخفية” التي عادة ما تستبد الانفعالات الغامرة بتلك الحالة، لدرجة اتخاذها لطبيعة جديدة تتعارض مع طبيعتها الأصلية. قد يشرح سبينوزا بصورة مُحدَّدة حالات التدمير المدني الواضح للذات من خلال التأكيد على أنها تحدث فقط على أيدي أفراد ضعيفي الاندماج، والذين يقفون إلى حد ما على الأقل خارج الجسد السياسي. في حين أن هذا الشكل من التفسير لا يخلو من إشكالات[127]؛ فليس من الجليّ أن هذه الإشكالات محصورة بالتأويلات الجماعية للدولة.

الاعتراض الثالث لأصحاب التأويل الجماعاتي للدولة هو أنه إذا كانت الدولة فردا فينبغي أن يكون لها عقل من طراز خاص بها، لكن ستيفن باربون يلاحظ أن الإشارات إلى عقل الدولة عادة ما تُصاغ بعبارات متحفظة وجمل مشروطة بطريقة تشي أن عقل الدولة هو شيء مجازي نوعا ما[128]، ويمكن تخفيف حدة هذا الاعتراض بالقول أن الفردانية بحد ذاتها درجات وأن الدولة في أحسن الأحوال هي “تعبير فضفاض” لمفهوم الفرد[129] رغم ضعف تماسكه واطراده، وهذا يتفق مع الادعاء المذكور أعلاه بأن الاندماج في اتحاد أكبر هو بحد ذاته مسألة درجة.

في نهاية المطاف؛ يظهر لي أإن الرهان على نجاح أو فشل التفسير الجماعاتي ليس محسوما كما يفترض معارضو ذلك التفسير. يتمثَّل الهاجس الأساسي الذي أعرب عنه النقاد من أمثال دين أويل وباربون في ألا يُفهم سبينوزا على أنه يعامل الدولة كفرد لها الحق أن تزايد بمصالحها الخاصة على حساب مصالح ناخبيها. أدان منظروا الحرية الإيجابية – مثل إزايا برلين – سبينوزا لأنهم رأوا أنه جعل الدولة كيانا يقدم مصالحه الخاصة على مصالح الأفراد. ولكن حتى لو كانت الدولة فردا فذلك لا يستلزم أن مصالحها ستحل محل مصالح مواطنيها، لا يوجد سبب يدفع المرء إلى وضع مصالح الدولة فوق مصالحه الخاصة إذا كان هناك تعارض حقيقي بين هذين الأمرين من منظور المواطن بالطبع. خلاصة القول؛ يمكن للجماعاتي أن يتبنى الأفضلية المعيارية للفرد البشري. إذا قَبِلْنا بهذا الرأي؛ فإن مسألة ما إذا كانت الدولة فردا حرفيا أم مجازيا تبدو أقل أهمية بكثير مما يفترضه العديد من الباحثين.

6. تأثير تلقي فلسفة سبينوزا السياسية

من الصعب تقييم امتداد تأثير فكر سبينوزا السياسي على نحو كاف، وحتى حين يكون تأثيره على المفكرين السياسيين اللاحقين مباشرًا ولا جدال فيه ، فليس من السهل دائما استخلاص مدى تأثير فلسفته السياسية بخلاف الحال مع فلسفته الميتافيزيقية. ومما يزيد من تعقيد التقييم أن سبينوزا أو الظاهرة السبينوزية ظلت في الواقع مصدر قلق في جميع أنحاء أوروبا طوال معظم أواخر القرن السابع عشر وطوال الثامن عشر، حيث ارتبطت الظاهرة السبينوزية خلال تلك الفترة بالإلحاد على نطاق واسع. لذا غالبا ما سعى الفلاسفة – وحتى المتعاطفون منهم – إلى النأي بوجهات نظرهم عن آراء سبينوزا، وقدموا أنفسهم على أنهم نقاد لأفكاره أو تظاهروا بقلة الإلمام بنصوصه. وبغض النظر عما سبق؛ فإننا نجد بصمات لتأثير كتابات سبينوزا السياسية خلال عصر التنوير جنبا إلى جنب مع مجموعة من الردود ذات النبرة العدائية.

قوبل نشر أطروحة سبينوزا غير المكتملة (الرسالة السياسية) بعد وفاته بنوع من اللامبالاة إذ تزامنت مع اكتساح أطروحته (الأخلاق)[130] للساحة. إلا أن أطروحة سبينوزا الموسومة بـ (رسالة في اللاهوت والسياسة) حظيت بالقراءة والمناقشة والإدانة طوال العقود التي تلت نشرها، وكان التناول النقدي لذلك العمل يركز على ما يشتمل عليه من أمور منافية للدين – مثل دحض المعجزات وإنكار الأصل الإلهي لأسفار موسى الخمسة – ولكن اشتماله كذلك على التفسير الطبيعي للحق والقانون والحجج المتعلقة بحرية التفلسف كان يجعل الأطروحة مثيرة للجدل أيضا.

قام جاكوب توماسيوس – أستاذ الفيلسوف لايبنتز في ليبزيغ – بتأليف كتاب بعنوان Adversus Anonymum, de Libertate Philosophandi كرسه بالكامل لدحض أطروحة (رسالة في اللاهوت والسياسة) وإطارها المتمثل في النزعة الطبيعانية. ويبدو أن لايبنتز أيضا قد اعتبر آراء سبينوزا حول الحق والقانون أشد خطورة من أفكار هوبز الذي ترك هامشا مفاهيميا على الأقل لمُشرِّع إلهي بينما لم يفعل سبينوزا ذلك[131]. وحتى المدافعون عن النزعة الطبيعانية والليبراليون نسبيا مثل لامبرت فان فيلثويسن (1622- 1685) وصمويل بوفندورف (1632–1694) لاحظوا أن جوهر معالجة سبينوزا للحق والواجب مدمر. يعترض فيلثويسن على أنه بدون مشرع إلهي “فلن يبقى هناك مجال للتعاليم والوصايا” في فلسفة سبينوزا، ويؤكد بوفندورف أن مفهوم سبينوزا للحق منقوص لفشله في إحداث “تأثير أخلاقي” أو حمل الآخرين على الالتزام[132].

في الوقت الذي قوبلت فيه آراء سبينوزا حول الحق والقانون بالازدراء عموما؛ فقد أثارت آراؤه حول حرية التفلسف [libertas philosophandi] رد فعل أكثر توازنا. كان للأطروحة منتقدوها[133] لكن كان هناك أيضا معجبون بها وربما من بينهم بعض أبرز أنصار التسامح في أوائل العصر الحديث. بايل ولوك وتولاند – على سبيل المثال – كانوا على دراية بحجج سبينوزا ومن المحتمل أنها ألهمتهم بعض الشيء حتى حين أنكر لوك الإلمام العميق بها، أو وضع بايل وتولاند أنفسهم في مرتبة نُقَّادها. إن استخدام تولاند في كتابه (البانثيستون) لنفس القصيدة الواردة في افتتاحية تاريخ تاسيتوس – “نادرًا ما تتحقق الأوقات السعيدة التي يصدف فيها أن أفكارنا تعبر عن أمانينا وكلامنا يعبر عن أفكارنا” – والتي استمد منها سبينوزا عنوان الفصل الأخير من أطروحته (رسالة في اللاهوت والسياسة) يشير إلى التقارب بين المفكرَين في مسائل حرية الكلام والفكر[134].

يكرر مفكرو التنوير لاحقا ادعاء سبينوزا بأنه في حين يجب حماية حريات الفكر والتعبير فإنه ينبغي على المرء أن يطيع قرارات صاحب السلطة بشأن المسائل العملية[135]. أصداء هذا الرأي يمكن تبيُّنه في قيام موسى مندلسون بالفصل بين الفعل والمُعتقَد في كتابه (أورشليم)[136]، وهو عمل يؤكد أحد العلماء فيه أن أطروحة (رسالة في اللاهوت والسياسة) “خدمته كإحالة مرجعية أساسية أو على الأقل كمصدر ثانوي حاسم”[137]. وفي السياق ذاته؛ احتفى كانط في مقالته “ما هو التنوير؟” بتبني فريدريك العظيم لهذا التقسيم؛ عبر سياسته القائلة بأن الرجال قد يختلفون حول ما يرغبون فيه بشرط أن يطيعوا.

أخيرا؛ تجدر الإشارة إلى تأثير سبينوزا على الفكر الديمقراطي لعصر التنوير الفرنسي. درس جوناثان إسرائيل الأساليب الكثيرة التي شكلت من خلالها فلسفةُ سبينوزا الفكر السياسي القائم على المساواة بما في ذلك؛ وربما الأهم؛ موسوعات الفكر السياسي[138]. لا يرجع تأثير سبينوزا هنا في المقام الأول إلى حججه السياسية بل إلى نزعته الطبيعانية التي ألهمت الميتافيزيقيا المادية بوصفها ركيزة الفكر الديمقراطي الفرنسي. يشي منهج سبينوزا الواقعي – والذي يمكن القول أنه مناهض للثورة – بأنه في حال وجود تأثير لفلسفة سبينوزا على الفكر الديمقراطي الثوري فقد لا يكون لذلك علاقة وثيقة بفلسفته السياسية الفعلية[139]. ومع ذلك؛ يجد المرء ما يتجاوز مجرد التلميحات لتصور سبينوزا للديمقراطية المطلقة في كتابات روسو[140] وديدرو[141] بشأن الإرادة العامة.

برزت فلسفة سبينوزا السياسية في سنوات لاحقة بوضوح في الفكر السياسي الفرنسي اليساري بعد عام [142]1968. بيد أن عددا قليلا من الفلاسفة السياسيين في الولايات المتحدة تناول أعمال سبينوزا بجدية حتى مع تنامي الاهتمام الأكاديمي، لكن استمرار بروز سبينوزا على السطح خارجا من ظل هوبز يبعث الأمل بأنه قد يبدأ الفلاسفة السياسيون هنا في تقدير الحجج الغنية والمتسقة والذكية في كتاباته السياسية.

المراجع

مصادر رئيسية

Note: All English quotations from the TTP are from the Silverthorne and Israel translation. Citations refer to the chapter, followed by page number (e.g., TTP 20, 232 refers to chapter 20, page 232). All references to the TP are to Shirley’s translation. Citations of the TP refer to the chapters/sections (e.g., 5/4 refers to chapter 5, section 4). All references to the Ethics and to the Treatise on the Emendation of the Intellect are to The Collected Works of Spinoza, vol. I. ed. and trans. E.M. Curley (1985). I adopt the following abbreviations for the Ethics: Roman numerals refer to parts; “P” denotes proposition; “C” denotes corollary; “D” denotes definition; “dem.” denotes demonstration; “S” denotes scholium (e.g., EIIIP59S refers to Ethics, part III, proposition 59, scholium). All Latin passages refer to Spinoza Opera, ed. Carl Gebhardt, 4 vols. (Heidelberg: Carl Winter, 1925).

  • Hobbes, Thomas, 1994, The Elements of Law, Ed. J.C.A. Gaskin, Oxford: Oxford University Press
  • ––– 1996, Leviathan, Ed. Richard Tuck, Cambridge: Cambridge University Press.
  • ––– 1998, On the Citizen, Eds. and trans. Richard Tuck and Michael Silverthorne, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Machiavelli, Niccolo, 1988, The Prince, Trans. Russell Price, Ed. Quentin Skinner, Cambridge: Cambridge, University Press.
  • Spinoza, Benedictus de. 1925. Spinoza Opera. Ed. Carl Gebhardt. 4 volumes. Heidelberg: Carl Winter Press.
  • Mendelssohn, Moses, 1983, Jerusalem, Trans. Allan Arkush, Hanover, NH: Brandeis University Press.
  • ––– 1958. The Political Works. Ed. and trans. A.G. Wernham. Oxford: Clarendon Press.
  • ––– 1985–2015. The Collected Works of Spinoza, vol. I-II. Ed. and trans. E.M. Curley. Princeton, N.J.: Princeton UP.
  • ––– 1994. A Spinoza Reader. Ed. and trans. Edwin Curley. Princeton, N.J.: Princeton UP.
  • ––– 1995. The Letters. Trans. Samuel Shirley. Intro. and notes Steven Barbone, Lee Rice, and Jacob Adler. Indianapolis: Hackett.
  • ––– 2000. Political Treatise. Trans. Samuel Shirley. Intro. and notes Steven Barbone and Lee Rice. Indianapolis: Hackett.
  • ––– 2007. Theological-Political Treatise. Ed. Jonathan Israel. Trans. Michael Silverthorne and Jonathan Israel. Cambridge: Cambridge UP.

مصادر ثانوية

  • Armstrong, Aurelia, 2009, “Natural and Unnatural Communities: Spinoza Beyond Hobbes,” British Journal for the History of Philosophy, 17 (2): 279–305.
  • Barbone, Steven, 2001, “What Counts as an Individual for Spinoza?” in Spinoza : Metaphysical Themes, Eds. Olli I. Koistinen and John I. Biro, New York: Oxford University Press, pp. 89–112.
  • Barbone, Steven and Lee Rice, 2000, Introduction and Notes to Spinoza’s Political Treatise, trans. Samuel Shirley, Indianapolis: Hackett.
  • Balibar, Etienne, 1997, “Spinoza: from Individuality to Transindividuality,” Mededelingen vanwege het Spinozahuis, Vol. 71, Delft: Eburon.
  • ––– 1998, Spinoza and Politics, trans. Peter Snowdon, London: Verso.
  • Bartuschat, Wolfgang, 1984, “The Ontological Basis of Spinoza’s Theory of Politics,” Spinoza’s Political and Theological Thought, Ed. C. De Deugd, Amsterdam: North-Holland Publishing, pp. 30–36.
  • Bennett, Jonathan, 1984, A Study of Spinoza’s Ethics, Indianapolis: Hackett.
  • Berlin, Isaiah, 1969, “Two Concepts of Liberty.” Four Essays on Liberty, London: Oxford University Press, pp. 118–173.
  • Blom, Hans, 1993, “The Moral and Political Philosophy of Spinoza,” The Renaissance and Seventeenth-century Rationalism, Ed. G.H.R. Parkinson, London: Routledge & Kegan Paul, pp. 313–348.
  • ––– 1995, Causality and Morality in Politics: The Rise of Naturalism in Dutch Seventeenth-Century Political Thought, Utrecht: University of Utrecht (Thesis).
  • ––– 2007, “Spinoza on Res Publica, Republics and Monarchies,” Monarchisms in the Age of Enlightenment: Liberty, Patriotism, and the Public Good, Eds. Hans Blom, John Christian Laursen, and Luisa Simonutti, Toronto: University of Toronto Press, pp. 19–44.
  • Cohen, Joshua, 1986, “An Epistemic Basis of Democracy,” Ethics 97: 26–38.
  • Curley, Edwin, 1973, “Spinoza’s Moral Philosophy,” in Spinoza, a collection of critical essays, ed. Marjorie Grene, Garden City, NY: Anchor, pp. 354–376.
  • ––– 1991, “The State of Nature and Its Law in Hobbes and Spinoza,” Philosophical Topics, 19 (1): 97–117.
  • ––– 1995. “Samuel Pufendorf (1632–1694) as a Critic of Spinoza,” in L’hérésie Spinoziste. La discussion sur le Tractatus Theologico-Politicus, 1670–1677, et la réception immédiate du Spinozisme, Ed. P. Cristofolini. Amsterdam: Holland University Press, 89–96.
  • ––– 1996, “Kissinger, Spinoza, and Genghis Khan,” Cambridge Companion to Spinoza, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 315–342.
  • Della Rocca, Michael, 1996, Representation and the Mind-Body Problem in Spinoza, New York: Oxford University Press.
  • Den Uyl, Douglas J, 1983, Power, State and Freedom: An interpretation of Spinoza’s Political Philosophy, Assen, The Netherlands: Van Gorcum & Company.
  • ––– 1985, “Sociality and Social Contract: A Spinozistic Perspective,” Studia Spinozana, 1: 19–51.
  • Eckstein, Walter, 1944, “Rousseau and Spinoza: Their Political Theories and Their Conception of Ethical Freedom,” Journal of the History of Ideas, 5 (3): 259 – 291.
  • Estlund, David, 1997, “Beyond Fairness and Deliberation: The Epistemic Dimension of Democratic Authority,” Deliberative Democracy: Essays on Reason and Politics, Eds. James Bohman and William Rehg, Cambridge, MA: The MIT Press.
  • Feuer, Lewis, 1987, Spinoza and the Rise of Liberalism, New Brunswick, NJ: Transaction Books.
  • Freudenthal, Jakob, 1899, Die Lebensgeschichte Spinoza’s in Quellenschriften, Urkunden and Nichtamtlichen Nachrichten, Leipzig: Verlag Von Veit.
  • Garrett, Aaron, 2003, “Was Spinoza a Natural Lawyer?” Cardozo Law Review 25 (2): 627–41.
  • Garrett, Don, 1994, “Spinoza’s Theory of Metaphysical Individuation,” in Individuation in Early Modern Philosophy, eds. Kenneth F. Barber and Jorge J.E. Gracia, Albany: State University of New York Press, pp. 73–101.
  • Goetschel, Willi, 2004, Spinoza’s Modernity Mendelssohn, Lessing, and Heine, Madison: University of Wisconsin Press.
  • Gottlieb, Michah, 2011, Faith and Freedom: Moses Mendelssohn’s Theological-political Thought, New York: Oxford University Press.
  • Haitsma Mulier, Eco, 1980, The Myth of Venice and Dutch Republican Thought in the Seventeenth Century, Trans. Gerard T. Moran, Assen: Van Gorcum.
  • ––– 1993. “A Controversial Republican: Dutch Views on Machiavelli in the Seventeenth and Eighteenth Centuries,” Machiavelli and Republicanism, Eds. Gisela Bock, Quentin Skinner, Maurizio Viroli, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 247–263.
  • Israel, Jonathan I, 1995, The Dutch Republic: its rise, greatness, and fall, 1477–1806, Oxford: Clarendon Press.
  • ––– 2001, Radical Enlightenment: Philosophy and the Making of Modernity 1650–1750, Oxford: Oxford University Press.
  • ––– 2010, “The Early Dutch and German Reaction to the Tractatus Theologico-Politicus: Foreshadowing the Enlightenment’s More General Spinoza Reception,” in Spinoza’s Theological-Political Treatise: A Critical Guide, Eds. Yitzhak Melamed and Michael Rosenthal, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 72–100.
  • ––– 2011, Democratic Enlightenment: Philosophy, Revolution, and Human Rights 1750–1790, Oxford: Oxford University Press.
  • James, Susan, 2012, Spinoza on Philosophy, Religion, and Politics: The Theologico-Political Treatise, Oxford: Oxford University Press.
  • Joachim, H.H, 1901, A Study of the Ethics of Spinoza, Oxford: Clarendon Press.
  • Kisner, Matthew, 2011, Spinoza on Human Freedom: Reason, Autonomy and the Good Life, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Klever, Wim, 1996, “Spinoza’s Life and Works,” Cambridge Companion to Spinoza, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 13–60.
  • Kossmann, E.H, 2000, Political Thought in the Dutch Republic. Three Studies, Amsterdam: Koninklijke Nederlandse Akademie van Wetenschappen.
  • Laerke, Mogens, 2010, “G.W. Leibniz’s two readings of the Tractatus Theologico-Politicus,” in Spinoza’s Theological-Political Treatise: A Critical Guide, Eds. Yitzhak Melamed and Michael Rosenthal, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 101–127.
  • Malcolm, Noel, 1991, “Hobbes and Spinoza,” The Cambridge History of Political Thought 1450–1700, Ed. J.H. Burns, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 530–560.
  • Matheron, Alexandre, 1969, Individu et Communauté chez Spinoza, Paris: Les Editions de Minuit.
  • ––– 1990, “Le problème de l’évolution de Spinoza du Traité théologico-politique au Traité politique,” Spinoza: Issues and Directions, Eds. Edwin Curley and P.F. Moreau, Leiden: Brill.
  • ––– 1997, “The Theoretical Function of Democracy in Spinoza and Hobbes,” The New Spinoza, Eds. Warren Montag and Ted Stolze, Minneapolis: University of Minnesota Press.
  • McShea, Robert, 1968, The Political Philosophy of Spinoza, New York: Columbia University Press.
  • Meinecke, Friedrich, 1965, Machiavellism: The Doctrine of Raison D’Etat and Its Place in Modern History, New York: Westview Press.
  • Melamed, Yitzhak, “Charitable Interpretations and the Political Domestication of Spinoza, or, Benedict in the Land of the Secular Imagination” in The Methodology of the History of Philosophy, Mogens Lærke, Eds. Justin E. H. Smith, and Eric Schliesser, Oxford: Oxford University Press, 258–77.
  • Melamed, Yitzhak and Hasana Sharp (Eds.), Spinoza’s Political Treatise: A Critical Guide, Cambridge: Cambridge University Press, 2018.
  • Miller, Jon, 2012, “Spinoza and Natural Law,” in Reason, Religion, and Natural Law: From Plato to Spinoza, Ed. Jonathan A. Jacobs, Oxford: Oxford University Press.
  • Moreau, Pierre-François, 1994, Spinoza, l’expérience et l’éternité, Paris: Presses universitaires de France.
  • Nadler, Steven, 1999, Spinoza: A Life, Cambridge: Cambridge University Press.
  • ––– 2011, A Book Forged in Hell: Spinoza’s Scandalous Treatise and the Birth of the Secular Age, Princeton: Princeton University Press.
  • Negri, Antonio, 1991, The Savage Anomaly, ed. and trans. Michael Hardt, Minneapolis: Minnesota University Press.
  • Nyden-Bullock, Tammy, 2007, Spinoza’s Radical Cartesian Mind, London: Continuum.
  • Petry, Michael, 1984, “Hobbes and the Early Dutch Spinozists,” Spinoza’s Political and Theological Thought, Ed. C. De Deugd, Amsterdam: North-Holland Publishing, pp. 63–72.
  • Pocock, J.G.A, 1975, The Machiavellian Moment, Princeton: Princeton University Press.
  • Prokhovnik, Raia, 2004, Spinoza and Republicanism, London and New York: Palgrave Macmillan.
  • Pufendorf, Samuel, 1934, De Jure Naturae et Gentium Libri Octo, Vol. 2, Trans. C.H. Oldfather and W.A. Oldfather, Classics of international law, Oxford: Clarendon Press
  • Rosenthal, Michael, 1998, “Two Collective Action Problems in Spinoza’s Social Contract Theory,” History of Philosophy Quarterly, 15 (4): 389–409.
  • ––– 2001, “Tolerance as a Virtue in Spinoza’s Ethics,” Journal of the History of Philosophy, 39 (4): 535–557.
  • ––– 2003, “Spinoza’s Republican Argument for Toleration,” The Journal of Political Philosophy, 11 (3): 320–337.
  • ––– 2013, “The Siren Song of Revolution: Spinoza on the Art of Political Change,” Eds. Erick Raphael Jimenez, Matthew Lampert, Christopher Roberts, and Rocío Zambrana, Graduate Faculty Philosophy Journal, 34 (1): 111–132.
  • Russell, Paul, 2010, The Riddle of Hume’s Treatise: Skepticism, Naturalism, and Irreligion, Oxford: Oxford University Press.
  • Rutherford, Donald, 2010, “Spinoza’s Conception of Law: Metaphysics and Ethics,” in Spinoza’s Theological-Political Treatise: A Critical Guide, Eds. Yitzhak Y. Melamed and Michael Rosenthal, Cambridge: Cambridge University Press, 143–67.
  • Sacksteder, William, 1980, “How Much Hobbes Might Spinoza Have Read?” Southwestern Journal of Philosophy, 11: 25–40.
  • Sharp, Hasana, 2011, Spinoza and the Politics of Renaturalization, Chicago: University of Chicago Press.
  • ––– 2013, “Violenta Imperia Nemo Continuit Diu: Spinoza and the Revolutionary Laws of Human Nature,” Eds. Erick Raphael Jimenez, Matthew Lampert, Christopher Roberts, and Rocío Zambrana, Graduate Faculty Philosophy Journal, 34 (1): 133–148.
  • Smith, Steven B, 1997, Spinoza, Liberalism, and the Question of Jewish Identity, New Haven: Yale University Press.
  • Steinberg, Justin, 2008, “On Being Sui Iuris: Spinoza and the Republican Idea of Liberty,” History of European Ideas, 34 (3): 239–249.
  • ––– 2009, “Spinoza on Civil Liberation,” Journal of the History of Philosophy, 47 (1): 35–58.
  • ––– 2010a, “Benedict Spinoza: Epistemic Democrat,” History of Philosophy Quarterly, 27 (2): 145 –164.
  • ––– 2010b, “Spinoza’s Curious Defense of Toleration,” in Spinoza’s Theological-Political Treatise: A Critical Guide, Eds. Yitzhak Melamed and Michael Rosenthal, Cambridge: Cambridge University Press, 210 – 230.
  • ––– 2018a, Spinoza’s Political Psychology: The Taming of Fortune and Fear, Cambridge: Cambridge University Press.
  • ––– 2018b, “Spinoza and Political Absolutism”, Eds. Yitzhak Melamed and Hasana Sharp, Spinoza’s Political Treatise: A Critical Guide, Cambridge: Cambridge University Press, 175–189.
  • Strauss, Leo, 1965, Spinoza’s Critique of Religion, Trans. E.M. Sinclair, Chicago: University of Chicago Press.
  • Tuck, Richard, 1979, Natural Rights Theories: Their Origin and Development, New York: Cambridge University Press.
  • van Bunge, Wiep, 2012, Spinoza Past and Present: Essays on Spinoza, Spinozism, and Spinoza Scholarship, Leiden-Boston: Brill.
  • Velthuysen van, Lambert, 1706, A Dissertation: Wherein the Fundamentals of Natural or Moral Justice and Decorum are State, according to the Principles of Mr. Hobbes. By a Learned Pen, Trans. anon, London.
  • Wernham, A. G, 1958, Notes and Introduction. The Political Works, Oxford: Clarendon Press.
  • Williams, David Lay, 2010, “Spinoza and the General Will,” The Journal of Politics, 72 (2): 341–356.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

[Please contact the author with suggestions.]

مداخل ذات صلة

authority | contractarianism | democracy | Hobbes, Thomas: moral and political philosophy | liberalism | political obligation | Spinoza, Baruch | toleration

Steinberg, Justin, “Spinoza’s Political Philosophy”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2022 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2022/entries/spinoza-political/>.

الهوامش

[1]Nadler 1999, 151–2 and 308–310

[2]Nadler 1999, 170

[3]Nadler 1999, 305

[4]Freudenthal 1899, 201

[5]HaitsmaMulier 1980, 170

[6]Klever 1996, 26

[7]Nyden-Bullock 2007

[8]Sacksteder 1980

[9]Tuck 1979; Blom 1995

[10]Epistles 42 and 43

[11]Petry 1984; Kossmann 2000

[12]Petry 1984, 152

[13]Malcolm 1991, 548

[14]Blom 1993

[15]Petry 1984; HaitsmaMulier 1980

[16]HaitsmaMulier 1993, 254–255

[17]TP 1/1; cf. Machiavelli, The Prince I.15

[18]Steinberg 2018a

[19]Curley 1991; A. Garrett 2003; for contrasting views, see Kisner 2010 and Miller 2012

[20]Blom 1995

[21]Barbone and Rice 2000, 19; McShea 1968, 139

[22]Curley 1996, 322; Balibar1998, 59

[23]Pufendorf 1934, 159

[24]Wernham 1958, 14

[25]Epistle 50

[26]Epistle 50

[27]Wernham 1958, 27

[28]Sharp 2013

[29]Curley 1996

[30]Curley 1973

[31]Epistle 30

[32] Smith 1997

[33] For two recent first-rate monographs on the TTP that situate Spinoza’s critique of Scripture in historical context, see Nadler 2011 and James 2012

[34] TTP 14/179

[35] TTP 13/173

[36] TTP 14/178

[37] e.g., TTP 12/151

[38] TTP, Ch. 15

[39] مصطلح يُنسب للطبيب واللاهوتي السويسري توماس إيراستوس يدعو إلى أن تتولى الدولة العقاب على الخطايا الدينية

[40] TTP, Ch. 19

[41] TTP 19، 242–3

[42] TTP 19، 239ff؛ EIVP37S2

[43] TTP 17, 213

[44] TTP 18, 231

[45] see Nadler 1999, 283–4

[46] e.g., TTP 14/168; cf. Moses’ use of a state religion, TTP 5/66

[47] TTP Ch. 3 and Ch. 5

[48] e.g., TTP 14, 179

[49] TTP 14, 184; see Strauss 1965, Ch. 9 and Smith 1997, Ch. 2

[50] Rosenthal 1998

[51] الفريسيون كانوا مدرسة فكرية وحركة اجتماعية برزوا في المجتمع اليهودي بالشام في القرن الأول الميلادي، ونشأت نزاعات بينهم والصدوقيين حول مسائل عديدة من بينها: تفسير التوراة وتطبيقها والملائكة والقيامة.

[52] TTP 14, 182–3

[53] TTP 20

[54] TTP 19

[55] TTP, Ch. 19

[56] Israel 2001، 265–266

[57] Nadler 1999, 12

[58] 1987 ، 114

[59] 20, 250–51

[60] TTP 20, 251

[61] TTP 20, 255

[62] TTP 20, 252

[63] TTP 20, 255

[64] see EIIIP29; cf. Rosenthal 2001 and 2003

[65] TTP 20, 256–58

[66] see Steinberg 2010b

[67]Feuer 1987; Curley 1996

[68] TTP 16, 198

[69] TTP 16, 199–200

[70] TTP 19, 240

[71] TTP 16, 200

[72] see Den Uyl 1983

[73] Wernham 1958, 25–27

[74] Barbone and Rice 2000, 17

[75] Barbone and Rice 2000, 17

[76] Blom 1995, 211

[77] Epistle 50

[78] اسم الكتاب مقتبس من سفر أيوب في التوراة، تناول فيه توماس هوبز تاريخ الحرب الأهلية وفسر أحداثها في ضوء تصوره للإنسان والمجتمعات

[79] EW VI, 184, 237—cited in Curley 1996, 326

[80] Ch. 10

[81] TTP 17

[82] TTP 17, 209–10; cf. TP 2/9–10

[83] TTP 16, 200

[84] TTP 19, 239 – 40

[85] Feuer 1987, 151; cf. Balibar 1998, 50

[86] Matheron 1969

[87] Steinberg 2018a

[88] TdIE, §14

[89] see Bartuschat 1984, 30

[90] e.g., Wernham 1958, 265n

[91] Wernham 1958, 25; Matheron 1990

[92] 1987, ch. 5

[93] Cf. EIVP5dem.

[94] see Matheron 1969 and 1990

[95] Den Uyl 1985 and 1983

[96] like Den Uyl (ibid.)

[97] De Cive 1, 12

[98] see Steinberg 2009; Steinberg 2018a

[99] see Blom 1993; Steinberg 2009

[100] EIVP31–EIVP35

[101] EIVP67–73

[102] For tension between idealist and realist features of Spinoza’s political thought, see Armstrong 2009

[103] Pocock 1975, 284

[104] Steinberg 2009; Steinberg 2018a

[105]1968, 109

[106]Matheron 1997

[107] Blom 2007; Steinberg 2008

[108] McShea 1968, 117; Haitsma Mulier 1980

[109] نموذج ماديسون هو هيكل للحكومة يتم فيه فصل سلطات الحكومة إلى ثلاثة فروع: تشريعية وقضائية وتنفيذية، بطريقة تمنع الاستبداد من قبل أقلية أو أغلبية، اقترحه السير جيمس ماديسون أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية.

[110] Steinberg 2018b

[111] 2004, 210; cf. Feuer 1987 and Melamed 2013

[112] التيموقراطية شكل قديم من أشكال الحكم يمنح المشاركة في السلطة لجميع المواطنين الذي لديهم ممتلكات قيمة أو يملكون رأس مال ضخم.

[113] TTP 16, 202

[114] TTP 5/65

[115] e.g., Cohen, 1986; Estlund 1997; Steinberg 2010a; cf. entry on democracy

[116] مصطلح لاتيني يُقصد به الجهد والقدرة مقابل وهم الإرادة.

[117] II/100, A2, def, A3

[118] II/101-102, L7

[119] IVP18S

[120] see e.g., p. 42, 58

[121] TTP 17

[122] Den Uyl 1983, 70

[123] Joachim 1901, 130

[124] e.g., TP 6/6

[125] for a helpful discussion of the relationship between these concepts, see D. Garrett 1994

[126] Barbone and Rice 2000, 26–7

[127] see Bennett 1984, §56

[128] Barbone 2001, pp. 104–105

[129] Della Rocca 1996, Ch. 2

[130] Laerke 2010, 122

[131] Laerke 2010, 125

[132] Pufendorf 1934, 391; see Curley 1995

[133] see e.g., Israel 2010, 81–2

[134] for more on the use of this epigram in the 17th and 18th centuries, see Paul Russell 2010, Ch. 7

[135] TTP 20, 251–2

[136] Mendelssohn 1983, 40; Gottlieb 2011, 50

[137] Goetschel 2004, 168

[138] Israel 2011

[139] For divergent assessments of Spinoza’s attitude towards revolution, see Rosenthal 2013 and Sharp 2013

[140] see Ekstein 1944; Williams 2010

[141] Israel 2011

[142] for a survey, see van Bunge 2012