مجلة حكمة
توماس جيفرسون

توماس جيفرسون

الكاتبأندرو م. هولوتشاك
ترجمةإبراهيم عبدالله العلو
مراجعةساره المديفر
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول توماس جيفرسون؛ نص مترجم، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


من هو جيفرسون؟

لم يأخذ العلماء عموماً توماس جيفرسون (1743-1826) على محمل الجد كفيلسوف وربما لأنه لم يكتب قط أطروحة فلسفية رسمية. ومع ذلك كان جيفرسون كاتباً استثنائياً تشربت كتاباته بالمحتوى الفلسفي. كان عارفاً أريباً بالمؤلفات الفلسفية الرائجة في عصره والقديمة على حد سواء وخلف وراءه إرثاً فلسفياً غنياً تبدى في إعلاناته ورسائله وخطاباته الرئاسية وأوراقه العامة وقوانينه العديدة ورسائله إلى المرَاسَيلن من ذوي العقلية الفلسفية وكتابه الوحيد “ملاحظات حول ولاية فرجينيا”.

يكشف التمعن بتلك الكتابات فلسفة سياسية سامية يشاركها نهج منتظم لفلسفة التعليم. دانت فلسفة جيفرسون السياسية وآرائه عن التعليم المدعومة والموجهة برؤية متسقة وتقدمية للبشر، ومكانهم في الكون والعيش الرغيد، بالكثير للفلاسفة القدماء من أمثال ايبكتيتاس Epictetus وأنطونيوس Antoninus وسيسرو Cicero والتعاليم الأخلاقية ليسوع المسيح والتجريبيين الأسكتلنديين المعاصرين مثل فرانسيس هتشيسون Hutcheson ولورد كاميس Kames وحتى الشخصيات الأدبية اللامعة ذات الميل الديني والفلسفي في تلك الفترة مثل لورنس ستيرن Sterneوجين بابتيست ماسيلون Massillon وميجيل سرفانتس Cervantes. ولكنه تخلف في منطقة وحيدة: آرائه عن العرق التي تشكل موضوع القسم الأخير من هذا المبحث.


1. سيرة جيفرسون وأعماله

ولد توماس جيفرسون في شادويل Shadwell بولاية فرجينيا يوم 13 ابريل عام 1743. كان والده بيتر جيفرسون (1708-1757) مزارع ومساح اراضي وبذل مجهوداً كبيراً، مندفعاً بمبادرته الفردية وعمله الدؤوب، لتطوير نفسه عبر المطالعة والانخراط المجتمعي. انتمت والدته جين راندولف (1721-1776) إلى واحدة من أكثر العائلات المتميزة في فرجينيا([Au], p. 3 ). علمنا أن علاقته بوالده كانت مهمة – فقد أضاف على سبيل المثال مفتخراً خريطة فرجينيا ومريلاند وديلاوير وبنسلفانيا في “ملاحظات حول ولاية فرجينيا” – ولكننا لا نعلم الكثير عن علاقته بوالدته.

سعى طوال مسار حياته ونجح في السير على نهج والده بمعايير الصنعة والمسؤولية والدقة والمثابرة والاستقامة ولكنه لم يملك صلابة والده الجسدية. كتب عندما توفيت والدته بشكل مقتضب وبارد في دفتر سجل يحمله في جيبه “توفيت والدتي الساعة الثامنة صباح هذا اليوم (31 مارس) وهي بعمر 57 سنة.” وعانى بعد ذلك لمدة أسابيع من نوبات صداع الشقيقة العنيف (Kukla, 35).

وبالمقارنة ثبت أن وفاة والده كانت نقطة تحول مهمة في حياته. واجه وهو في الرابعة عشرة من العمر معضلة أحدثت تغييراً في مجرى حياته. وكتب لحفيده توماس جيفرسون راندولف (24 نوفمبر 1801):

 "عندما استحضر كيف أُلقي على عاتقي مسؤولية العناية بنفسي وتوجيه ذاتي وأنا في سن الرابعة عشرة دون قريب أوصديق مؤهل لنصحي أو إرشادي وعندما أستذكر الصحبة السيئة التي ارتبطت بها من حين لآخر أشعر بالذهول لعدم انسياقي مع بعضهم والتحول إلى شخص لا قيمة له في المجتمع مثلما انتهى بهم المطاف."

درس جيفرسون من عام 1752 إلى 1757 تحت رعاية رجل الدين الأسكتلندي المبجل ويليام دوجلاس، وهو “غير متعمق باللاتينية” و”قليل العلم باليونانية”، فتعلم منه اللغة الفرنسية وأساسيات اللغة اللاتينية واليونانية. حصل جيفرسون بعد وفاة والده في عام 1757 على ميراث ضخم – حوالي 2400 جنيه إسترليني وحوالي 5000 فدان من الأرض التي ستقسم بينه وبين شقيقه الأصغر راندولف – ومن ثم بدأ الدراسة تحت رعاية المبجل جيمس موري “العالم الكلاسيكي الصحيح”([Au], p. 4 ).

داوم جيفرسون في الفترة ما بين 1760 و1762 في كلية ويليام وماري وتصادق هناك مع الأستاذ ويليام سمول. وكتب في مذكراته “كان من حسن حظي، وربما ما أصلح مصير حياتي، أن الدكتور ويليام سمول الأسكتلندي كان وقتها أستاذ الرياضيات. كان سمول رجلاً مفوهاً بمشتى فروع العلوم المفيدة وامتلك موهبة تواصل رائعة وكان رجلاً مستقيماً ذي سلوكيات راقية وعقل متحرر فسيح”. واضاف جيفرسون: انجذب سمول إلى جيفرسون الذي أصبح “رفيقه اليومي عندما لا يكون مشغولاً في الكلية”. تعلم جيفرسون من سمول “توسع العلم ومنظومة الأشياء التي تحتوينا” ( [Au], pp. 4–5).

عرّف سمول جيفرسون على المحامي جورج ويث، الذي وصفه جيفرسون “معلمي الأمين والمحبوب خلال فتوتي وصديقي الودود طوال الحياة”، والذي تدرب جيفرسون على يديه لاحقاً في القانون -وعرّف ويث بدوره جيفرسون على الحاكم فرانسيس فوكوييه Fauquier حاكم فرجينيا منذ عام 1758 حتى وفاته ( [Au], pp. 4–5).وثبت أن سمول وويث كانا محط أنظار الشاب الفتي.

قام جيفرسون بعد مغادرته لكلية ويليام وماري (1762) ولغاية بداية ممارسته للقانون (1767) ، وتحت رعاية ويث([Au: 5 )، بدراسة مقرر شامل للقانون، والذي اشتمل على دراسة النصوص القانونية المعيارية في ذلك الوقت وكل ما له أهمية عملية محتملة لتطوير الشؤون الإنسانية.

أصبح جيفرسون، ذلك المحامي الذي أتقن كافة الأشياء باستثناء المواضيع التعليلية التجريبية والأدب التخيلي، موسوعة بشرية من المعرفة النافعة.

تظهر رسائل التوصيات التي أرسلها إلى جون جارلاند جيفرسون (11 يونيو 1790) وبرنارد مور (30 أغسطس 1814) مقرراً دراسياً كاملاً ومستفيضاً يشمل الدراسات الفيزيائية والأخلاقية والدين والقانون الطبيعي والتاريخ والآداب والنقد والبلاغة والخطابة. ولذلك كان محامياً مهيأ بالكامل لأي تحول للأحداث في قضية ما.

يلاحظ دافيد كونيج Konig أن تركيز جيفرسون انصب على عمله كمحامي في القضايا المتعلقة بالأملاك، مثل التملك القانوني للأراضي وتثبيت الملكية، وأسهم ذلك بتشكيل تفكيره السياسي فيما يتعلق بالحاجة إلى التوزيع العادل نسبياً للممتلكات بين كافة المواطنين الذكور من أجل حكومة جمهورية رشيدة.

 تولى جيفرسون بصفته محامياً الدفاع بلا مقابل (pro bono) في ستة قضايا للعبيد الساعين للحرية. شدد جيفرسون في قضية العبد صموئيل هاويل “هاويل ضد هولندا” (ابريل 1770)، في توافق مع مشاعر سيضمها لاحقاً في إعلان الاستقلال، على أن “الرجال يلدون أحراراً في ظل قانون الطبيعة ويدخل كل منهم العالم وله الحق بأن يكون فرداً بذاته وله الحق بحرية التنقل واستخدام تلك الحرية وفق ما يشاء”. ربحت هولندا القضية قبل أن يتمكن محاميه جورج ويث من عرض قضيته ( Catterall, 90–91).

مارس جيفرسون المحاماة حتى 11 أغسطس 1774 عندما سلم مكتبه القانوني لاديموند راندولف مع بداية الحرب الثورية.

قُبل جيفرسون في عام 1769 في مجلس المواطنين الفرجينيين. وقال: كانت عقول النواب “محصورة ضمن حدود ضيقة بسبب الاعتقاد الاعتيادي بأن واجبنا يحتم علينا الخضوع للوطن الأم في كافة شؤون الحكومة”([Au], p. 5 ولكن تفكير جيفرسون مال إلى الإتجاه الآخر. وشكلت تجربته في مجلس النواب روحه الثورية إلى حد كبير.

فقد جيفرسون يوم 1 فبراير عام 1770 معظم كتبه عندما اجتاحت النيران منزله في شادويل. وكتب عن خسارة كتبه لصديق طفولته جون بيج (21 فبراير 1770)”أقسم بالرب لو كان الأمر يتعلق بالمال (كلفة الكتب وليس الكتب ذاتها) لما كلفني ذلك حتى زفرة”.

امتلك مكتبتان ثانيتان في مونتيشيلو خلال حياته التي تركزت، بسبب شغفه بالتعلم، على الكتب. وعندما شيد مسكنه في بوبلر فوريست في بواكير القرن التاسع عشر أبقى هناك العديد من الكتب، التي ركزت على الفلسفة والتاريخ والدين، ليستمتع بمطالعتها.

تزوج جيفرسون من مارثا ويليس سكيلتون يوم 1 يناير عام 1772. وفي ذلك العام ولدت ابنته مارثا. وفي عام 1778 ولدت ابنته ماري.

كتب جيفرسون بعد تقاعده من المحاماة في عام 1774 نظرة موجزة لحقوق أمريكا البريطانية-“خطاب متواضع ووفي” من الشكاوى الموجهة إلى الملك جورج الثالث ملك بريطانيا. تعلقت الشكاوى بالعديد من الحقوق الأمريكية المنقوصة وسعت ” لنيل بعض الانصاف لحقوقهم المنتهكة”([S], 105 ). أكسبت تلك الرسالة بسبب نبرتها اللاذعة جيفرسون سمعة معتبرة بين رجال الكونغرس ككاتب ثوري موهوب.

اُنتخب جيفرسون عضواً في الكونغرس القاري في عام 1775 وأُعتبر ثاني أصغر الأعضاء. ودعي سريعاً للمشاركة في لجنة ضمت جون آدامس وروجر شيرمان وبينجامين فرانكلين وروبرت ليفينجستون لكتابة إعلان الاستقلال الأمريكي. وتقرر أن يقوم جيفرسون نفسه بصياغة المسودة. وكما كتب جون آدامس إلى تيموثي بيكيرينج (6 أغسطس 1822) فيما يتعلق بالأسباب الداعية لقيام جيفرسون بمفرده بكتابة الوثيقة: “السبب الأول: أنت فرجيني ويجب أن يظهر فرجيني على رأس هذا العمل. السبب الثاني: أنا ممقوت ومظنون ومكروه وأنت على العكس من ذلك. السبب الثالث: تجيد الكتابة أفضل مني بعشرة اضعاف.”(آدامس). عكف جيفرسون، على مدار أسبوعين، على كتابة إعلان الاستقلال في شقة علوية في الشارع السابع وشارع ماركت في فيلادلفيا.

كانت القصد من الوثيقة أن تكون “تعبيراً عن العقل الأمريكي” ووجهت إلى “محكمة العالم”. سطرت مسودة جيفرسون بعض الحقائق “المقدسة والتي لا يمكن نكرانها”: يخلق الرجال “متساوين ومستقلين ويقتضي ذلك الخلق المتساوي تمتع الجميع بحق حفظ الحياة والحرية والسعي نحو السعادة” وتستمد الحكومات “قوتها العادلة من تأييد المحكومين” وتنشأ لضمان مثل تلك الحقوق ويحق للناس الإطاحة بأي حكومة “تدمر تلك الغايات” وتأسيس حكومة جديدة تتأسس ” على مثل تلك المبادئ وتنظيم قواها بشكل يسعى نحو سلامتهم وسعادتهم”([D], 19 ).

تبع ذلك مناقشات حامية. وقد أُجريت تغييرات واقتطاعات لاختزال مسودة جيفرسون إلى ثلاثة أرباع حجمها الأصلي دون تحوير البنية والحجة الأساسية –وهي حجة محكمة البنية تبدأ بالحقوق وتتحول إلى واجبات الحكومة وتنتقل إلى تبرير السلوك الثوري عندما تتجاوز الحكومة حقوق المواطنين. وبالتالي احتوى الإعلان على أساسيات الفلسفة السياسية التي ستتجسد في العقود التي تلت. تمت المصادقة على الوثيقة، والتي لم تعتبر مهمة في ذلك الوقت، يوم 4 يوليو 1776 وأصبحت واحدة من أكثر الكتابات السياسية أهمية على مر الزمن.

بعد إنهاء جيفرسون لإعلان الاستقلال بقليل تم تعيينه في لجنة لمراجعة قوانين فرجينيا التي عفا عليها الزمن نتيجة لأمر قُدم للجمعية العامة في فرجينيا. كانت تلك مهمة جسيمة استهلها جيفرسون كجزء من لجنة ضمت أيضاً توماس لودويل لي وجورج ماسون وادموند بندلتون وجورج ويث وبدأت في عام 1776. ومن بين الأعضاء الخمسة تنحى لي وماسون وقام بالمراجعة التي ضمت 126 قانوناً كل من جيفرسون وويث وبندلتون. استكملت المراجعة عام 1779 في فترة تقل عن ثلاث سنوات. ومن بين القوانين الملفتة التي صاغها جيفرسون قانون الاندماج الأكبر للمعرفة وقانون الحرية الدينية. تمت المصادقة على القانون الثاني أثناء تواجد جيفرسون في فرنسا كوزير مفوض ولم يُقر القانون الأول والذي تطلب إصلاحات تعليمية واستلزم نظاماً للتعليم العام.

عين جيفرسون ما بين 1779 حتى 1781 حاكماً لولاية فرجينيا. قام خلال فترة توليه لمنصب الحاكم بإصلاح منهاج كلية ويليام وماري من خلال “الغاء مدرسة القواعد” وإقصاء الأستاذية في الالهيات واللغات الشرقية واستبدالها بأستاذية القانون والشرطة والتشريح والطب والكيمياء واللغات الحديثة ( [Au], p. 5). وبدأ بكتابة كتابه الوحيد “ملاحظات حول ولاية فرجينيا” الذي وصف فيه جغرافية ومناخ وشعب فرجينيا وقوانينهم وأديانهم وسلوكياتهم وتجارتهم من بين أشياء أخرى. حظي الكتاب عموماً بقبول حسن من أصدقائه التنويريين وعزز بشكل أكبر من سمعته ككاتب موهوب.

توفيت زوجة جيفرسون مارثا يوم 6 سبتمبر عام 1782.

ووجد بعض السلوى من المصاب الذي ألم به في دعوة للقيام بدور السفير لدى فرنسا- فقد كان بحاجة للابتعاد عن مونتيشيلو- وهذا ما حدث من 1784 إلى 1789. وأنهى تلك المهمة وفق رغبة جورج واشنطن الذي طلب منه أن يكون وزير خارجيته-وهو منصب تولاه حتى 1793. أدت الخلافات السياسة بين جيفرسون وألكسندر هاملتون حول القضايا السياسية إلى تشكيل الحزبين الجمهوري والفيدرالي-حيث أيد الحزب الجمهوري الحكومة الصغيرة الناعمة والبنائية الصارمة بينما الحزب الفيدرالي أيد الحكومة القوية وتفسير أقل صرامة للدستور. وبعد تقاعد وجيز أنتخب نائباً لرئيس الولايات المتحدة لفترة واحدة انتهت عام 1801 ومن ثم رئيساً للولايات المتحدة لفترتين رئاسيتين. تميزت رئاسته التي بدأت احتفالية مع خطاب التنصيب التصالحي الأول بشراء لويزيانا عام 1803 والتي ضاعفت من حجم الدولة وحملة لويس وكلارك اللاحقة التي انتهت عام 1806 ومن ثم قانون الحصار الفاشل عام 1807 والذي استهدف، من بين أشياء أخرى، معاقبة بريطانيا خلال حربها مع فرنسا عبر منع تبادل السلع. توفيت ابنته ماريا عام (1804) خلال فترة رئاسته.

استأنف جيفرسون خلال فترة تقاعده حياته المحلية في مونتيشيلو وتابع منصبه رئيساً للجمعية الفلسفية الأمريكية (وهو منصب حافظ عليه لمدة 20 سنة تقريباً) وبدأ بالنشاطات التي ستؤدي إلى ولادة جامعة فرجينيا التي افتتحت بعد سنة من وفاته. عانى من الديون التي أثقلت كاهله خلال تقاعده وأضطر لبيع مكتبته، حوالي 6700 كتاب للكونغرس في عام 1815، لتسديد بعض ديونه. توفي مثل جون آدامس يوم 4 يوليو عام 1826. وكتب على شاهدة قبره، وفق رغبته، ([E]: 706 ):

دفن هنا توماس جيفرسون مؤلف إعلان الاستقلال الأمريكي ومنظم الحرية الدينية في فرجينيا ووالد جامعة فرجينيا.

كتب جيفرسون بغزارة. وخط حوالي 19000 رسالة ونشر “ملاحظات حول ولاية فرجينيا”(النسخة الإنجليزية) عام 1787. كتب الإعلانات الرئيسية مثل “نظرة مختصرة لحقوق الأمريكيين البريطانيين” (1774) و”إعلان الأسباب والضرورة لحمل الأسلحة” (1775) و”إعلان الاستقلال” (1776) وألف الكثير من القوانين وكتب “دليل ممارسة العمل البرلماني للاستخدام من قبل مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة” حيث بقيت نسخة معدلة منه قيد الاستخدام حتى عام 1977. وجمع إثنين من التوافقيات الإنجيلية “فلسفة يسوع المسيح” (1804) -ولم يُعثر على أية نسخة منها-و”حياة ومُثل يسوع الناصري” (1820) عبر استخلاص مقاطع من العهد الجديد. وأخيراً استهل جيفرسون في أواخر حياته مذكرات (لم تكتمل قط)”من أجل أن تصبح مرجعي الخاص ولمعلومات عائلتي”([Au]: 3 ).  

2. الربوبية والطبيعة والممجتمع

1.2 الكون

كان جيفرسون على غرار الكثير من معاصريه-من أمثال هتشسون وكاميس وبولينجبروك وتريسي وهيوم- تجريبي وبما ينسجم مع إسحاق نيوتن، مادي حتى النخاع. وكتب إلى جون آدامس (15 أغسطس 1820) “ربما ينخدع إحساس منفرد(1) ولكن من النادر أن تُخدع كافة حواسنا مجتمعة بوجود عملية التفكير التي تقود إلى حل المسائل”. وتابع جيفرسون “أنا أشعر إذاً أنا موجود” أشعر بالأجسام التي ليست من ذاتي: هناك إذاً موجودات أخرى. وأسميها المادة. أشعر بها وهي تغير مكانها. ويمنحني ذلك الحركة. وعندما تغيب المادة أسمي ذلك خواء أو عدم أو فضاء لا مادي”. وبالنظر إلى المادة والحركة يصبح كل شيء آخر وحتى التفكير قابلاً للتعليل. وكما أن أحجار المغناطيس كلها مغناطيسية كذلك تكون المادة بالكاد “فعل لمنظومة محددة من المادة المشكلة لتلك الغاية من قبل خالقها”. وحتى العقل والرب مادة. “لأن الحديث عن الموجودات اللامادية هو الحديث عن لا شيء.”.

يقول جيفرسون للسياسي ادوارد ايفرت من ماساتشوستس (24 فبراير 1823) أن التفاصيل الملحوظة ليست سوى تراكيز من الذرات. ويحذر ” نختزل عبر التحليل الدقيق غالباً موادنا إلى ذرات لا يقوى العقل على الإلمام بها”. ويقترح ذلك شكلاً من أشكال الفلسفة الذرية البراغماتية أي أن الذرات مجرد نقاط توقف ابستمولوجية (معرفية) اعتباطية في تحليل المادة لإبعاد العقل عن التسلي بالتفكير المشوش للانقسام بلا نهاية.

لم يكن جيفرسون ذرياً ميتافيزيقياً من النوع الابيقوري ولكنه كان إسماني (nominalist) على غرار الفيلسوف جون لوك (1690). وكتب للدكتور جون مانرز السياسي من نيوجيرسي بتاريخ 22 فبراير عام 1814 قائلاً:

“تنتج الطبيعة وحدات فقط عبر أفعالها. ولكن الطبقات والرتب والأنواع والأجناس ليست من أفعالها. ويقتصر عملها على خلق الأفراد. ولا يشبه حيوان حيواناً آخر أو نبات نباتاً آخر أو ورقة أخرى ولا يتماثل نصلين من العشب أو حتى تبلورين.

 وإذا تمكنا من المجازفة داخل مثل تلك الأعضاء كأعضائنا لاستنتاج ما يوجد خارج قواها يتعين علينا الاعتقاد أنه لا يوجد جسيمان من المادة يماثل أحدهما الآخر بشكل تام.”.

يقوم البشر بالتصنيف بدافع الحاجة لأن “لا نهائية الوحدات أو الأفراد” تتجاوز مقدرة ذاكرتنا. هناك تصنيف وتصنيف فرعي إلى أن تتشكل الطبقات والرتب والأنواع والأجناس. ولكن مثل ذلك التصنيف هو من صنع البشر وليس الطبيعة (2). يبدأ جيفرسون بأحَياء المنطقة – فالنظام الذي يتسائل عنه هو نظام عالم النبات السويدي كارل لينوس Linnaeus – ويتابع مسيره نزولاً حتى “جزيئات المادة”.

ترتبط كافة الحوادث ببعضها البعض في كون جيفرسون الذي يشبه الرواقية من حيث السببيات وتتبدى يد الربوبية خلف كافة الترتيبات السببية. يكتب جيفرسون لآدامس (11 أبريل 1823):

"أشهد (بدون الرجوع إلى الوحي) أننا عندما نلقي نظرة على الكون بأجزائه العامة أو الخاصة يستحيل على الدماغ البشري ألا يدرك ويشعر بثبات التصميم والمهارة المكتملة والقوة اللامحدودة في كل ذرة من تركيبه. فحركات الأجرام السماوية، الراسخة بدقة في مساراتها عبر توازن القوى النابذة والجاذبة، وبنية كوكبنا نفسه وتوزيعه للأراضي والمياه والطقس والأجسام الحيوانية والنباتية، المنظم كل منها بكمال، سواء كانت حشرة أم رجل أو ماموث، تدعو للاعتقاد بوجود صانع لذلك التصميم والسبب والتأثير ولغاية السبب النهائي لكافة الأشياء من المادة والحركة إلى حفظها وتنظيمها وفي الوقت ذاته السماح بوجودها على هيئاتها الحاضرة وإعادة خلقها بأشكال جديدة أخرى."

تتسق لغة الادراك مع تجريبيته، ولغة الإحساس مع اعتماده لأسلوب الفلاسفة ديستوت دي تريسي (1818/1827: 164) ولورد كاميس (1758: 250). يستتبع الانجذاب لمسبب نهائي قوة خلاقة (مادية) لا يُعلم الكثير عن طبيعتها سوى ذكائها الخارق وإحسانها العام (3). لا يوجد هنا أو في أية رسائل كونية أخرى ما يقترح أن الرب خص الحياة البشرية أكثر من – بتعبير دافيد هيوم – “حياة المحار” (1755(1987):583).

يتابع جيفرسون في رسالته عام 1823 إلى آدامس. يشرف الرب على الكون. تختفي بعض النجوم وأخرى تعاود الوجود. تنحرف المذنبات، مع “مساراتها التي لا يمكن حسابها”، عن المدارات الاعتيادية وتتطلب “اصلاح وفق قوانين أخرى”. أنقرض بعض أنواع الحيوانات. “وإذا لم يتواجد قوة مرممة فإن كافة الموجودات ستنتهي بشكل متتابع، واحداً تلو آخر، إلى أن يختزل الكل إلى فوضى لا شكل لها”.

ما الذي توجبه المراقبة الإلهية؟

يجادل ويليام ويلسون أن “أساس تفكيرجيفرسون“ يتطلب التوحيد – التوسط الإلهي – ويكتب:

"إن وصفه بالربوبي هو التباس كبير بفهم عقليته. ولكن جذور تفكيره تبقى نيوتنية Newtonian بما في ذلك الايمان بوجود نشاط ربوبي حاضر على الدوام في الطبيعة. سيكون الإله من وجهة النظر الربوبية تلك فكرة تجريدية بالكامل. وكما يقوم الاحصائي باختزال شخص من لحم ودم إلى مجرد عدد، فكذلك الربوبي يختزل الإله إلى حاجة وظيفية بدون وصف حقيقي والذي يتخلى عن الطبيعة إلى هباء منظم جيدًا (Wilson 2017, 122)."

يعتقد هولوتشاك أنه من غير المحتمل أن تعني المراقبة الربوبية-مثل الانقراض والترميم- ضمناً التدخل الفوق طبيعي في المسار الطبيعي للأحداث (e.g., TJ to Francis Adrian Van der Kemp, 25 Sept. 1816, and TJ to Daniel Salmon, 15 Feb. 1808). ويعتقد هولوتشاك احتمال تواجد المقدرة الطبيعية للترميم في بعض أنواع المادة بنفس الطريقة التي يتواجد فيها العقل، بالنسبة لـ جيفرسون، في أنواع محددة من المادة (2013a ). تحتمل المراقبة الربوبية القدرة على التنظيم الكوني ذاتي التنظيم الذي يماثل مقياس درجة الحرارة في تنظيم درجة حرارة المبنى. (4). يتبع جيفرسون اللورد بولينجبروك الذي شاعت وجهات نظره من “الأعمال الفلسفية” في فترة مبكرة من حياته ( [LCB]: 40–55)، فيعتقد أن الافتراض بأن الرب احتاج للتدخل في الحوادث الكونية للحفاظ على سيرها الصحيح (أي عبر ارسال يسوع لإنقاذ البشرية) يناقض القدرة الإلهية . اعتقد بولينجبروك أن الرب، ورب جيفرسون، مدين لبولينجبروك أكثر من أي مفكر آخر، حيث انه أتقن صنع الأشياء من المرة الأولى.

2.2 الطبيعة والمجتمع عند جيفرسون

كيف، بالنسبة لجيفرسون، يترك الإنسان حالة الطبيعة ويدخل ضمن المجتمع؟

يستجدي جيفرسون الطبيعة فيما أسماه أحد العلماء أسلوب “المشهد الوسيط” (Marx 1964: 104–5 ). تكون أسعد أحوال البشر تلك التي تسعى لأرضية وسطى بين ما هو همجي وما هو “طاهر”. يعتقد ماركس أن نظرة جيفرسون نظرة أركادية. كان هدف جيفرسون كما تشير الكتابات المبكرة (e.g., TJ to James Madison, 20 Dec. 1787 and [NV]: 290–91 ) أن تكون أمريكا مجتمعاً رعوياً يملك حرية فطرية لأنها لم تكن مادية ولا تصنيعية وتمتلك اراضي واسعة. تستطيع أمريكا، لأنها لم تكن بدائية أو جاهلة، امتلاك أجمل ما تملك المجتمعات المثقفة بدون زوائدها الانحلالية.

تعتبر نظرية جيفرسون للقانون الطبيعي نظرية رواقية وليست هوبيزيانية Hobbesian أو روسويانية Rousseauian. وبالنسبة لجيفرسون تكون القوانين الأساسية للطبيعة التي تحصل عندما يكون الانسان في الحالة الطبيعية مقاربة إجمالاً لقوانين المجتمع المدني. وهي تقريباً نفس القوانين الأساسية التي تحصل بين الدول.

"تصحب الواجبات الأخلاقية، التي تتواجد بين فرد وآخر في الحالة الطبيعية، الأفراد في الحالة المجتمعية ويشكل مجموع واجبات الأفراد الذين يشكلون المجتمع واجب المجتمع تجاه أي مجتمع آخر بحيث تتواجد نفس الواجبات الأخلاقية بين مجتمع وآخر كما تتواجد بين الأفراد الذين يشكلونه. أما في الدولة غير المترابطة فلم يتحرر صناعها من تلك الواجبات لتشكيل أنفسهم في أمة واحدة([F]: 423).)."

إن الإطار الأيديولوجي الذي سمح بالاستقرار السياسي يكمن في إعلان الاستقلال، حيث يذكر جيفرسون حقيقتان بديهيتان: مساواة كافة البشر وإعطائهم حقوقاً غير قابلة للتحويل.

“تتشكل “المساواة” بالنسبة لجيفرسون من الفرصة والمساواة الأخلاقية. تميز مساواة الفرص الفوارق بين الأشخاص-أي المواهب والحالة الاجتماعية السابقة والثراء-وتسعى لتمهيد حقل الفرص عبر الإصلاحات الجمهورية مثل تقديم قانون لضمان حقوق الإنسان، والقضاء على قانون البكورية primogeniture (حصر الميراث إلى الابن الأكبر فقط) والاملاك غير القابلة للتصرف والاقرار الديني من قبل الدولة، والتحديث الدستوري الدوري، والإصلاح التعليمي للاكتفاء الذاتي للمواطنة العامة. شجع جيفرسون، من أجل معالجة التوزيع غير العادل للأراضي، في مسودته لدستور فرجينيا على منح 50 قطعة من الأراضي لكل ذكر فرجيني(5) ( [CV]: 343). تعترف المساواة الأخلاقية بأن كل إنسان يستحق مكانة متساوية بالشخصية والمواطنة، لذا ومرة أخرى تأتي الحاجة للإصلاحات الجمهورية من النوع الآنف الذكر.

عُقدت الحقوق للحصول عليها سواء أدرك الحاصلين عليها ذلك أم لا، ويتوجب عليهم بعد أخلاقي بمعزل عن بعدهم القانوني الجلي. وهناك على سبيل المثال الالتزام الأخلاقي بإطاعة القانون والاعتراف بحقوق الآخرين وتأييدها(6).

يذكر جيفرسون، وعلى الأغلب متبعاً لوك Locke، ثلاثة حقوق غير قابلة للتحويل في إعلان الاستقلال: الحياة والحرية والسعي نحو السعادة. يمثل الحق بالحياة الحق بامتلاك الشخص لذاته. ويستلزم الحق بالحرية والسعي للسعادة (يذكر لوك الأرض عوضاً عن السعادة) تقرير المصير عبر العمل والفن والصناعة والحكم الذاتي. لا تمتلك الحكومة الحق بالسيطرة على حياة مواطنيها أو إملاء مساراً للسعادة وهنا يكمن أسس الليبرالية الجيفرسونية.

وهناك أيضاً الحق بالثورة والذي يشمل الحق بإزالة أي شكل من أشكال الحكم الاستبدادي أو الاستغلال الطويل.

3. الأخلاقيات عند جيفرسون

1.3 الدين والأخلاقيات

يستلزم الحق بالسعي للسعادة أيضاً تمتع جميع الأفراد بحرية العبادة. وبما أن الدين قضية بين المرء وربه ( e.g., TJ to Miles King, 26 Sept. 1814) لا يدين أي فرد بسجل إيمانه للآخر. علاوة على ذلك يجب أن لا يصدر المشّرع “أي قانون يتعلق بتأسيس الدين أو يمنع حرية ممارسة ذلك الدين” وبالتالي بناء جدار بين الكنيسة والدولة ([DB]: 510 )(7).

 يجب ألا يُسيس الدين لأنه قضية شخصية. وعندما يقحم رجال الدين أنفسهم في “آلة الحكومة يصبحون محركاً مرعباً مناوئاً لحقوق الإنسان الدينية والمدنية”(TJ to Jeremiah Moor, 14 Aug. 1800 ). ينصح جيفرسون كافة الأفراد باتباع مثال الكويكرين Quakers: حيث يعيشون بلا قساوسة ويستلهمون الهداية من رقابتهم الداخلية للحق والباطل ويتحاشون الأشياء التي لا تليق بالذوق العام حيث لا يمكن تشكيل الإيمان الصحيح إلا عبر “موافقة العقل لافتراض مفهوم” ( TJ to John Adams, 22 Aug. 1813).

تتألف الأسس الحقيقية للأخلاقيات من: “المبادئ البسيطة والمعتدلة للفلسفة المسيحية” ( TJ to Gerry Elbridge, 29 Mar. 1801) والمبادئ العامة لكافة الأديان الحقة. يكتب جيفرسون إلى توماس ليبرLeiper (21 يناير 1809):

"انحصرت قراءاتي الدينية لفترة طويلة بالجانب الأخلاقي من الدين والذي يكون نفسه في كافة الأديان بينما تختلف الأديان في ذلك الفرع الذي يشكل العقائد ولكل منها مجموعة تختلف عن غيرها. تدلنا السابقة (الأخلاق) على كيفية العيش السليم والمحترم في المجتمع بينما تشكلت اللاحقة (العقائد) لتحفيز عقولنا على دعم المعلمين الذين رسخوها(8)."

وبالتالي تكون المبادئ المشتركة في كافة الأديان قليلة ومألوفة وتتمثل بالمبادئ الحقيقة للأخلاقيات(9).

أبدى جيفرسون تحفظاً إزاء الدين الطائفي بسبب تعطش رجال الدين الطائفيين للمنصب العام وأعرب عن انتقاد حاد للمسيحية في شبابه (NR). أصبحت “المسيحية” الطاهرة من بهارجها السياسية وترهاتها الميتافيزيقية مع مرور الوقت ذات أهمية خاصة لجيفرسون ( e.g., TJ to John Adams, 12 Oct. 1813 and 24 Jan. 1814). فقد صرح جيفرسون للدكتور بينجامين رشRush (21 أبريل 1803):

“أنا مسيحي، فقط بالمعنى الذي رغب يسوع المسيح أن يكون عليه أي شخص، وألتزم بتعاليمه بإخلاص مفضلاً أياها على ما عداها وأنسب إليه كل تفوق بشري وأعتقد أنه لم يدعي غير ذلك قط.”

تشكل تعاليم يسوع أعظم نظام أخلاقي ويسوع هو “أعظم المصلحين الدينيين”(10). ويكتب جيفرسون إلى بينجامين واترهاوسWaterhouse (26 يونية 1822):

"تعاليم يسوع المسيح بسيطة وتسعى جميعها لسعادة الإنسان. 1. هناك إله واحد وهو الكامل. 2. هناك حالة مستقبلية من الثواب والعقاب. 3. إن محبة الرب بكل قلبك وجارك كما تحب نفسك هي مجمل الدين."

وبالتالي، تتشكل رسالة يسوع من محبة الرب (إله واحد وليس ثلاثة، بلا إساءة لكالفن Calvin) ومحبة البشر والاعتقاد بالحياة الآخرة وما فيها من الثواب والعقاب.

ومع ذلك اعتقد جيفرسون أن الكثير مما ورد في الانجيل كان مسهباً وإطنابياً وسخيفاً وتافهاً وخارج حدود الإمكانية الطبيعية ( e.g., TJ to John Adams, 28 Oct. 1813). وتأكد ذلك عبر التدقيق في نصوص “توافقية” قام جيفرسون بإنجازها في مرحلة متأخرة من حياته “حياة ومُثل يسوع الناصري” (1820) حيث استأصل الولادة العذرية والمعجزة العلاجية والبعث. لم يكن المسيح منقذ البشرية ولا ابن الله ولكنه كان المصلح الأخلاقي العظيم للدين اليهودي (B).

وحتى بعد أن طهر الإنجيل من فساده – بتعبيره وباستعارة دارجة – بعد أن انتزع الألماس من كومة الروث ( TJ to John Adams, 12 Oct. 1813, and TJ to) -لمحاولة توضيح تعاليم يسوع الحقيقة البسيطة وتقديم قصة قابلة للتصديق لحياة يسوع لم يتبع جيفرسون بشكل كامل تعاليم يسوع النقية. لم يعتقد أن محبة الرب كانت لازمة كي يكون الانسان ذي فضيلة لا تضاهى واعتقد أن كل إنسان يستطيع رؤية والإحساس بوجود الخالق في الكون. وبالتالي عانى الملحدون مهما كانت فضائلهم ظاهرة من عوز في الشعور الأخلاقي. وعندما عبر جيفرسون عن نظرته الخاصة إزاء فروع الأخلاقيات (الدين الحقيقي) لم يذكر الاعتقاد بالآخرة كما فعل يسوع(11). وقد ذكرت رسالته عام 1814 إلى “لو”Law (13 يونيو) الايمان بالآخرة فقط كواحدة من التصحيحات لنقص الشعور الأخلاقي إلى جانب المصلحة الذاتية واستحسان الآخرين عند فعل الخير وجوائز وعقوبات القوانين. ووفق ذلك ومع التزامه الصريح بالمادية وبوجود الدليل على أربعة رسائل تعبر بشكل لا لبس فيه عن التشكيك بالآخرة(12) ، والأخذ بعين الاعتبار ما كتبه مع زوجته عن “الانفصال الأبدي” الذي كانا على وشك القيام به وهي على سرير الموت، يؤكد أحد العلماء أن جيفرسون لم يؤمن بالحياة الآخرة ( Holowchak 2019a, pp. 128–2). ولذلك لم يكن الإيمان بالحياة الآخرة، وهي واحدة من التعاليم الأساسية ليسوع، جزءً أساسياً من الأخلاقيات بالنسبة لجيفرسون. وبالمقارنة يلاحظ تشارلز سانفوردSanford أن جيفرسون يستغيث بالآخرة في العديد من الرسائل والخطابات، ويعرض نقاشاً بسيطاً دفاعاً عن الإيمان بالحياة الآخرة.

 "تؤلف احتمالات وجود حالة مستقبلية من الحساب للشر والخير على حد سواء أثناء وجودنا هنا إحدى القوى الأخلاقية التي تحفز الأفراد على العيش حياة طيبة في المجتمع. بدأ جيفرسون بهذا الاعتقاد القائل إن الرب خلق في الإنسان تعطشاً لحقوق المساواة والحرية والحياة ورغبة في اتباع قانون الرب الأخلاقي. وكانت مجرد خطوة صغيرة نحو الاعتقاد بأن الرب قد خلق الإنسان بروح لا تموت"(152).(13).

وأخيراً ادعى جيفرسون في وقت متأخر من حياته بأنه موحد Unitarian. ماذا يعني “التوحيد” Unitarianism بالنسبة له؟

يعتبر جيفرسون أن فكرة ثلاثة آلهة في واحد هي فكرة غامضة، وبالتالي مستحيلة من الناحية الطبيعية. وهنا يؤوب إلى طبيعيته. لا يرى أي شيء لا يتوافق مع قوانين الطبيعة المكتسبة عبر التجربة. لا يعتبر التوحيد الذي يشجع عليه جيفرسون طائفة دينية بل سلوكاً للقرب إلى الدين. ويؤكد لجون آدامس عن توحيده (22 أغسطس 1813): “يجب أن نعيش جميعاً مثل الكويكريين بدون طبقة من القساوسة ونتخلق لأنفسنا ونتبع وحي الضمير ولا نقول شيئاً لا يستطيع أي انسان فهمه أو يؤمن به”. ويقارن جيفرسون في رسالة إلى الدكتور توماس كوبرCooper (2 نوفمبر 1822) الموحدين مع الواعظين الطائفيين وبذا يمكن النظر إلى الموحدين كأشخاص يعيشون بالكامل وفق ما يمليه عليهم شعورهم الأخلاقي. ويقرر في رسالة إلى بينجامين واترهاوس (8 يناير 1825) أن التوحيد هو “المسيحية البدائية بكل البساطة التي جاءت بها على شفتي يسوع”. تظهر مثل تلك الرسائل بجلاء أن التوحيد والبساطة واللاطائفية هي قضايا يعتمد بعضها على البعض الآخر. اعتنق جيفرسون التوحيد لأنه كان من المثل الأساسية في تعاليم يسوع غير الفاسدة. تشير الرسائل إلى أن تلك الاعتقادات شكلت إطار عمل توحيده أو لتوحيد أي دين قويم.

2.3 الشعور الأخلاقي عند جيفرسون

 لم تكن الأخلاقيات بالنسبة لجيفرسون موجهة بالمنطق بل يمليها الشعور الأخلاقي. وهنا يتبع جيفرسون التجريبين الاسكتلنديين(14) من أمثال ويليام سمول (Hull 1997: 102–5 and [Au]: 4–5 ) الوحيد الذي لم يكن قسيساً في -كلية ويليام وماري- وايضا فرانسيس هتشستون وعلى الأخص لورد كاميس(15).

ويقول لابن شقيقته بيتر كارCarr (19 أغسطس 1785) أن الحس الأخلاقي، الفطري والغريزي، الذي منحه الرب هو جزء من طبيعة الشخص مثله مثل أحاسيس السمع والبصر أو مثل ساق أو ذراع. تستحضر مقارنات جيفرسون بالسمع والبصر تصوير الحس الأخلاقي مرتبطاً بعضو جسدي مثل القلب ( TJ to Maria Cosway, 12 Oct. 1785). ومثل قوة الأطراف فهو يُمنح للأشخاص بدرجة أكبر أو أقل ويمكن تحسينه أو تقهقره عبر التمرين أو إهماله.

تقترح رسالة إلى ابنته مارثا (11 ديسمبر 1783) أن الحس الأخلاقي يعمل بشكل تلقائي بدون أي مدخل من المنطق. ولغة “الشعور” هي لغة حاسمة.

“إذا رغبت بقول شيء خاطئ أو فعل شيء منحرف فيجب أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار. تشعر بشيء في داخلك يخبرك بأن ذلك خطأ ويجب ألا يُقال أو يُفعل: هذا هو ضميرك ويجب أن تطيعه(16).”

يحب أن يقاوم المرء إغراء التصرف بضراوة في الظروف التي لا يكون فيها الشر ملحوظاً. ويخبر كار (19 أغسطس 1785) أن يتصرف دائماً تحت كافة الظروف كما لو أن العالم برمته ينظر إليه. يأمر جيفرسون حفيده توماس جيفرسون راندولف (24 نوفمبر 1808) أن يقتدي بالنماذج الأخلاقية قبل التصرف ويذكر من النماذج سمول Small وويث Wythe وبيتون راندولف. “أنا متيقن من أن تأثير ذلك على سلوكي يقودني إلى الصلاح أكثر من أي قوى تعليلية قد امتلكها”. وبالتالي يستطيع المرء استخدام الحس الأخلاقي بصدق، أو يفعل ذلك نسبيا، إذا تخلى المرء عن تدخلات المنطق وافترض أن كافة أفعاله تحت مركز الاهتمام أو الإعجاب -أي ألا يكون هناك إغراء بالتصرف بسبب ضغط الأقران. وفي رسالة أخرى إلى كار (10 أغسطس 1787) لا ينصح جيفرسون ابن شقيقته بحضور محاضرات الفلسفة الأخلاقية. “إن الذي خلقنا سيكون صانع جدير بالشفقة لو جعل قواعد سلوكنا الأخلاقي قضية علمية.” وهنا كما في أماكن أخرى(17) يكون جيفرسون صريحاً بأن المنطق غير مشمول” بالأحكام” الأخلاقية.

لا يمتلك الجميع حساً أخلاقياً. ويخبر آدامس (25 فبراير1823) أن نابليون هو مثال على ذلك. ويقول لتوماس لوLaw (13 يونيه 1814) يمكن تهذيب الرغبة بالشعور الأخلاقي عبر التعليم وتوظيف الحساب العقلاني، ولكن مثل تلك الطرق التعليمية هي نفاق لا تهدف لتشجيع الفعل الصحيح أخلاقياً، لأن ذلك مستحيل بدون شعور أخلاقي ولكنه يردع الأفعال ذات العواقب الخبيثة. وباختصار يمكن حث، أو تشكيل، الشخص الذي لا يملك شعوراً أخلاقياً على التصرف كما لو أنه يتمتع بحس أخلاقي، بالرغم من أن تلك الأفعال ستكون بالكاد متسقة مع الأفعال الصحيحة أخلاقياً، ولن تكون أفعال صحيحة أخلاقياً.

ويقول أخيراً في رسالته إلى كار أن وظيفة المنطق هي “إلى درجة ما” مراقبة ممارسة القدرة الأخلاقية “ولكنه مجرد دور صغير ومطلوب”.

يعتقد أحد المفكرين (1) أن المنطق قد يقوم بتشجيع أو تعزيز الفعل الصحيح أخلاقياً(18)، (2) والمحافظة على حيوية ونشاط الشعور الأخلاقي، (3) وغرس العناصر الأولى للأخلاقيات في الأطفال عبر استكشاف التاريخ، (4) والسماح بالحساسية الثقافية إزاء الثقافات المتخلفة أخلاقياً، (5) ومتابعة التقدم الأخلاقي عبر قراءة التاريخ عند الرشد، (6) وتوضيح حقوق (خاصة الحقوق المشتقة) البشر، (7) وتشكيل قواعد عامة تعمل كدليل عام للفعل البشري(19)، (8) وتشجيع التحسن الأخلاقي من خلال التربية على الأخلاقيات (Holowchak 2014b, 177–80). لا تشمل أي من تلك الوظائف – بشكل مباشر – المنطق في “الأحكام” الأخلاقية.

اعتقد جيفرسون أيضاً، في اتباع ريادة العديد من مفكري زمانه، من أمثال فرانسيس فيرجسون وجون ميلار ولورد كاميس (1798 و1774) وويليام روبرتسون وكلود ادريان هيلفيتوس والماركيز دو كون دوركت وآن روبرت جاك تورجت، بتطور البشر أخلاقياً عبر الزمن ( e.g., TJ to John Adams, 11 Jan. 1816, and TJ to P.S. Dupont de Nemours, 24 Apr. 1816). لكن تظهر هناك أخطاء دورية ــ فترات من الركود أو التراجع الأخلاقي. مثلت العدوانية بين بريطانيا وفرنسا في سنوات جيفرسون المتأخرة بالنسبة له دليلاً على مثل ذلك التراجع. ورغم ذلك تبقى مثل تلك الانحرافات الأخلاقية إذا أخذت بالمجمل تراجعات مؤقتة أو” انتكاسات” وليست انحرافات جوهرية. ويكتب في رسالة إلى آدامس (1 أغسطس 1816) سترشد الأمريكيتان أوربا نحو طريق التقدم الأخلاقي.

“لقد حكم علينا أن نكون حاجزاً ضد عودة الجهل والبربرية. يجب أن تستند أوروبا القديمة إلى أكتافنا وأن تعرج إلى جانبنا تحت القيود الرهبانية للقساوسة والملوك قدر استطاعتها.”

ولذا يكون التقدم الأخلاقي حركة، يحفزها تقبل الحرية واحترام حقوق الانسان، نحو مُثل حب الرب وحب البشرية عبر الإحسان وهي المٌثل التي علمها على أكمل وجه يسوع المسيح(20).

4. فلسفة جيفرسون السياسية

1.4 “المبدأ الأم”

سرد جيفرسون في خطاب تنصيبه الأول (1801) “المبادئ السياسية لحكومتنا” المكونة من 15 مبدأ-وربما محاولته الأولى لتعريف الجمهوريانية republicanism [I1]: 494–95.

  1. لعدالة التامة والمتساوية لكافة البشر بغض النظر عن معتقدهم السياسي أو الديني.
  2. السلام والتجارة والصداقة المخلصة مع كافة الدول دون التحالفات المتشابكة مع أي منها.
  3. الدعم الفيدرالي لحقوق الولايات في الحكم.
  4. المحافظة على الحيوية الدستورية للحكومة الفيدرالية.
  5. الانتخاب من قبل الشعب.
  6. الانصياع المطلق لقرارات الأغلبية.
  7. جيش شعبي منضبط.
  8. تفوق السلطة السياسية على السلطة العسكرية.
  9. الضرائب الخفيفة.
  10. جاهزية تسديد الديون المستحقة.
  11. تشجيع الزراعة والتجارة.
  12. ترويج المعلومات والحكم على جميع التجاوزات من المنطق العام.
  13. حرية الصحافة.
  14. الحماية عبر المثول أمام المحكمة والمحاكمة بواسطة محلفين منتخبين بنزاهة.
  15. حرية الدين.

جادل جيفرسون لتعريف “الجمهوريانية” بعد خمسة عشر عاماً في سلسلة من الرسائل. يذكر جيفرسون في رسالة إلى ب س دوبون دو نمورس DuPont de Nemours (24 أبريل 1816) تسعة “مبادئ أخلاقية” يجب أن تقوم عليها الحكومة الجمهورية.

"اتفق معك أن الأخلاقية والتعاطف والسخاء هي عناصر فطرية من الدستور البشري. وأنه يوجد حق مستقل عن القوة وأن الحق بالتملك موجود في رغباتنا الطبيعية وفي الوسائل التي حبينا بها لتلبية تلك الرغبات والحق فيما نملكه عبر تلك الوسائل دون انتهاك الحقوق المماثلة للكائنات المحسوسة الأخرى. ولا يحق لأحد أن يعترض الآخر وأن يمارس حقوقه براءةً لراحة رغباته التي هي جزء من طبيعته. إن العدالة هي القانون الأساسي للمجتمع، فتكون الأغلبية التي تضطهد الفرد مذنبة، حيث تسيء استخدام قوتها وتهدم من خلال تفعيل قانون الأقوى أسس المجتمع. إن الأفعال التي يقوم بها المواطنون شخصياً، في الشؤون التي تقع ضمن متناول أيديهم وأهليتهم، وبيد الآخرين عبر الممثلين المختارين مباشرة والقابلين للإزالة من قبلهم تشكل جوهر الجمهورية. تصبح كافة الحكومات بشكل أو بآخر جمهورية عندما يدخل هذا المبدأ بطريقة أو بأخرى ضمن تركيبها وأن الحكومة من خلال التمثيل قادرة على التمدد فوق مساحة أكبر من البلاد أكثر من أي شكل آخر."

ومن بين المبادئ التسعة يقترب المبدأ السابع من جوهر الجمهورياتية.

"إن الأفعال التي يقوم بها المواطنون شخصياً، في الشؤون التي تقع ضمن متناول أيديهم وأهليتهم، وبيد الآخرين عبر الممثلين المرشحين والقابلين للإزالة من قبلهم تشكل جوهر الجمهورية".

يحاول جيفرسون في رسالة إلى جون تايلور (28 مايو 1816) استنباط “فكرة دقيقة ومحددة” للجمهورياتية:

"الحكومة التي يختارها جماهيرها والتي تعمل مباشرة وشخصياً وفق القواعد التي أرستها الأغلبية... تعتبر كل حكومة أخرى، بشكل أو بآخر، جمهورية نسبياً طالما امتلكت في هذا السياق مكون الفعل المباشر للمواطنين."

ويخبر جيفرسون فكرته عن “المبدأ الأم” لصموئيل كيرتشيفال Kercheval (12 يوليو 1816):

"تكون الحكومات جمهورية فقط عندما تستوعب رغبة مواطنيها وتنفذها. وتكون الحكومة جمهورية عندما يمتلك كل عضو مكون لها صوتاً متساوياً في توجيه شؤونها (ليس على صعيد شخصي حيث يكون ذلك أمراً متعذراً خارج حدود المدينة أو البلدة) عبر الممثلين الذي يختارهم والمسؤولين أمامه خلال فترة قصيرة)."

تقترح مثل تلك الكتابات التعبير “الهيكلي” التالي “للجمهورية” بالنسبة لجيفرسون أو “الجمهورية الجيفرسونية Jeffersonian “:

"تكون الحكومة جمهورية جيفرسونية فقط - وأكرر فقط - إذا أتاحت لكافة مواطنيها فرصة واسعة للمشاركة السياسية في الشؤون ضمن استطاعتهم ومقدرتهم وتوظيف ممثلين مختارين يخضعون للمساءلة من قبل المواطنين ويعملون لفترات قصيرة للشؤون التي تتجاوز مقدرة المواطنين واستطاعتهم وتعمل وفق القواعد (القابلة للتعديل بشكل دوري) والتي أسستها أغلبية المواطنين حيث تضمن الحقوق المتساوية للأفراد والتملك لكافة المواطنين."

يعتبر هذا التعبير هيكليا لعدة أسباب. 1. لا يستحوذ بشكل كامل على الجوهر الطبيعي لوصف جيفرسون لما هو “ملائم لكافة ظروف المجتمع” وفق ما ذكره في رسالته إلى دوبون دو نيمروس. ومع ذلك لا يعتبر حيادياً لأنه يتحدث عن تساوي فرص كل مواطن للمشاركة في الحكومة وضمان الحقوق المتساوية. 2. يتجاهل التعريف الشراكة بين السياسة والعلم والتي تشكل جزءً من مفهوم جيفرسون للجمهورية. أصر جيفرسون على المراجعات الدورية للدستور في المؤتمرات لاستيعاب التغيرات في رغبات الأفراد. لم تكن مثل تلك التغيرات اعتباطية بل تمليها التطورات العلمية(21). ويكتب جيفرسون لصموئيل كيرتشيفال (12 يوليو 1816): “يجب ان تسير القوانين والدستور جنباً إلى جنب مع التقدم الحاصل في العقل البشري”. وبالتالي تكون الجمهورية بالنسبة لجيفرسون بشكل أساسي تقدمية وعلمية وليست جمهورية ساكنة ومحافظة.

وبالتالي تكون الجمهوريانية الجيفرسونية مخطط حكومة من قبل الشعب وليس أي نظام للحكم. لا تتمسك الجمهوريانية بدستور محدد- فالدساتير، وجيفرسون واضح في ذلك، هي مجرد إقرارات تمهيدية لرغبة الأفراد في وقت كتابتها. ( TJ to George Washington, 7 Nov. 1792) -بل تتمسك بمبدأ الحكومة التي تمثل رغبة الأفراد. ولذلك السبب استحضر جيفرسون في خطاب تنصيبه الأول مقولة أن رغبة الأغلبية تكون معقولة عندما تكون محقة. (1):493).(22). وبالتالي تكون الجمهوريانية الجيفرسونية بالشراكة مع العلم.

تظهر محاولات جيفرسون لتعريف “الجمهورية” ومبادئه الأخلاقية التسعة “الملائمة لكافة ظروف المجتمع” أن الجمهوريانية هي فلسفة سياسية. وبالنسبة لجيفرسون يكون الحكم الجمهوري حكماً تقدمياً بالدرجة الأولى حيث أنه يكون حكومة للشعب ومن أجل الشعب ويسعى هذا الحكم لمشاركة كافة المواطنين بكامل قدراتهم. أدرك جيفرسون كبت الإمكانية البشرية عبر القرون بسبب الحكومات القهرية. وبذلك كان تجسيد الحكم الجمهوري محاولة لفرض البنية السياسية الدنيا اللازمة لرفع الحرية البشرية لأقصى حد وتحرير الامكانيات البشرية وضمان الارتقاء السياسي “للسمو الطبيعي” للموهوب والفضيل وليس “للسمو الاصطناعي” للثري ونسل النبلاء.

2.4 “السمو الطبيعي”

كانت جمهوريانية جيفرسون ديموقراطية وجديرقراطية (meritocratic). فهي ديموقراطية من حيث سعيها لكف الحرمان عن أي إنسان منذ بداية حياته.

ويسري ذلك على السود أيضاً الذي كانوا متساوين مع الآخرين في الشعور الأخلاقي-وبالتالي استحقاقهم للمساواة في الحقوق والفرص. تطلبت الجمهوريانية الديموقراطية الاعتراف بالمساواة الأخلاقية ومساواة الفرص. ومع ذلك أدرك جيفرسون اختلاف أحلام وذكاء ومواهب الأفراد كثيراً بين شخص وآخر. وبالتالي كانت الجمهوريانية الجيفرسونية جديروقراطية حيث تسمح للجميع بفعل ما يرونه ملائماً طالما لم يمنعوا الآخرين من فعل ما يرونه ملائماً لهم. وأفترض أن البشر الأكثر موهبة وفضيلة سيسعون لممارسة مواهبهم وفضائلهم الكاملة عبر السياسة والعلم.

ميز جيفرسون بين طبقتين من الناس: العمال والمتعلمين ( TJ to Peter Carr, 7 Sept. 1814). لم يكن تمييزه مبنياً على المولد أو الغنى، كما كان حاصلاً لمعظم الآخرين في زمانه، ولكن عبر الجدارة. ويكتب إلى جون آدامس (28 أكتوبر 1813):

“هناك أرستقراطية طبيعية بين الرجال. وأساس ذلك هي الفضيلة والمواهب…”

ويضيف:

"هناك أيضاً ارستقراطية اصطناعية مؤسسة على الغنى والولادة، بدون فضيلة أو مواهب، والتي ينتمي إليها أبناء الطبقة الأولى."

وما ادعاه جيفرسون هنا هو أن التمييز الطبقي التقليدي، الذي يزيد عمره عن قرون وأساسه المولد أو الغنى، قد عفا عليه الزمن من الناحية السياسة. وما يجعل الأفراد “أفضل” هي الموهبة (مثل المهارة والطموح والعبقرية) والفضيلة.

ثم يخبر جيفرسون آدامس أن السامي aristoi الطبيعي يشكل “هدية الطبيعة الأثمن لتوجيه وحكم المجتمع وثقته” ويضيف أن أفضل الحكومات هي الحكومة التي تسمح “بالانتقاء النقي لأولئك الارستقراطيين الطبيعيين لشغل مناصب الحكومة”. وعبر “التوجيه والثقة والحكم” لن يكون الارستقراطيين الطبيعيين مجرد مسؤولين سياسيين بل أيضاً معلمين وأمناء وممارسين ورعاة للعلم (23).

ومن أجل ضمان تولي الارستقراطيين الطبيعيين المناصب السياسية يتعين توفر، من بين أشياء أخرى، التعليم العام لأفراد الشعب والصحافة الحرة لنشر المعلومات بين المواطنين. وعندما يكون الشعب متعلماً عموماً، يتابع جيفرسون كلامه إلى آدامس: ” يجب أن يُترك للمواطنين حرية الانتخاب وفصل الارستقراطية الطبيعية عن الارستقراطية المزيفة عموماً وحينها سيقومون بانتخاب الجدير والحكيم”(24). وهذا أفضل بكثير من الطريقة التي يزيد عمرها عن قرون والتي تسمح للغني وذو النسب بالحكم على حساب الشعب.

3.4 جيفرسون وحق الانتفاع والتجديد الدستوري

تكون الدساتير، بالنسبة لجيفرسون، قابلة للتحوير بما يتوافق مع مستوى تقدم الدولة بعكس حقوق البشر. وبالتالي يجب أن تُستبدل أو تُحور أو تُعدل تبعاً للتقدم البشري الفكري والسياسي والأخلاقي.

يكتب جيفرسون إلى جيمس ماديسون (6 سبتمبر 1789):

"السؤال عما إذا كان جيل ما له الحق في تقييد جيل آخر... هي مسألة لها عواقب، ليس فقط من ناحية استحقاق وضع القرارات، بل أيضًا بسبب وضعها بين المبادئ الأساسية لكل حكومة (25)."

وابتداء بالافتراض الواضح “يحق للأحياء الانتفاع بالأرض”، يهدف جيفرسون لإثبات ان اعمال كل جيل – المحددة بفترة 19 سنة – يجب أن تكون مستقلة عن (أو نسبياً إلى حد ما) الجيل الآخر. علاوة على ذلك يستلزم “حق الانتفاع” أن يترك كل جيل الأرض للجيل اللاحق على الأقل بنفس الحالة التي استلمها عليها. ولا يمكن توريث أي دَين يتحمله الشخص أثناء تملكه لبعض الأرض للوارث الذي يتملك تلك الأرض بعد وفاة المالك السابق. وما ينطبق على الأشخاص فرادى ينطبق على أي مجموعة من الأفراد.

يتعين وجود فترة للتسوية قبل تنفيذ المبدأ. ستكون الديون الراهنة قضية تعهد ووفاق وستكون الديون المستقبلية محصورة بالأصل. يجب أن يقرر الدستور أن الأمة لا يمكنها أن تستدين أكثر مما تستطيع تسديده خلال فترة جيل واحد عند تحديد الديون المستقبلية. وسيدفع الاقتراض المعتدل إلى ” لجم روح الحرب ” التي يشعلها إهمال تسديد القروض.

يتوافق حق الانتفاع بشكل ملائم من الناحية النظرية مع مفاهيم جيفرسون للتقدم السياسي والتجديد الدستوري الدوري. وفيما يتعلق باللاحق يكتب جيفرسون إلى مالون C.F.W. Malone (10 سبتمبر 1787):

"لا يمكن لأي مجتمع أن يصنع دستوراً أبدياً أو حتى قانون أبدي...ولذلك ينتهي كل دستور وكل قانون طبيعياً مع نهاية السنوات التسعة عشر. وإذا نفذ قسرا لفترة أطول فهو عمل بالإكراه وليس عملاً صحيحاً."

حيث سيُعقد مع نهاية السنوات التسعة عشر مؤتمراً دستورياً لمناقشة نقائص القوانين وإجراء التغييرات اللازمة(27). ستمتلك الحكومة الجمهورية آلية داخلية لتفادي الثورات إذا تبنت مبادئ الانتفاع(28). يعتقد جيفرسون أن المسرح سيكون مهيأ للتقدم السياسي عند تفادي تمرير الديون والحروب من جيل إلى جيل في الجمهورية الجيفرسونية وعند تجديد دستور تلك الجمهورية في كل جيل لاستيعاب احتياجات وتقدم الجيل اللاحق.

كتب جيمس ماديسون رسالة مطولة بعد عدة أشهر (4 فبراير 1790) رداً على رسالة جيفرسون المتعلقة بالانتفاع وقدم بأدب “بعض الاعتراضات القوية”. لم يجيب جيفرسون قط على تلك الرسالة ولكنه لم يتخلى قط عن فكرة سيادة الأجيال.

4.4 الثورة عند جيفرسون

لا يوجد حكومة مهما حسنت نواياها معصومة من الضلال. ويكتب جيفرسون في إعلانه للاستقلال:

"عندما يصبح أي شكل من أشكال الحكم مدمراً لتلك الغايات السامية يحق للشعب تحويره وإزالته وتأسيس حكومة جديدة تؤسس بنيانها على مثل تلك المبادئ وتنظم سلطاتها على الشكل الأمثل لأمنه وسعادته. [D]: 19)

لكن يجب ألا تغيير الحكومات التي قامت لفترة طويلة “لأسباب خفيفة وعابرة” وإلا كان هناك خطر استبدال حكومة فاسدة بحكومة مماثلة ربما تفوقها فساداً. ولكن:

"عندما يقوم تراكم طويل، من استغلال السلطة واغتصاب الممتلكات، باضطهاد الأفرادتحت استبداد مطلق فمن حق المواطنين وواجبهم الإطاحة بمثل تلك الحكومة وتقديم حراس جدد لأمنهم المستقبلي([D]: 19)) ".

وفي كتابه “نظرة موجزة لحقوق أمريكا البريطانية” يصرح جيفرسون أن الثورة تحدث عندما توجد “العديد من الانتهاكات غير الشرعية واغتصاب السلطة” ( [S]: 105) ويضيف:

"تنسب أفعال الاستبداد المفردة إلى الرأي العرضي ليوم ما، بينما تبرهن سلسلة الاضطهادات التي تبدأ في فترة محددة وتستمر بثبات رغم تغير الوزراء بكل صراحة على وجود خطة متعمدة ومنظمة لتحويلنا إلى عبيد (س:110)."

وبالتالي تصبح الحكومة مدمرة عندما يكون استبدادها واغتصابها للسلطة (1) كثيراً وطويلاً (2) وموجهاً نحو الغاية ذاتها (3) ومؤشراً واضحاً على الاستبداد.

يقول جيفرسون أن بعض من الاضطراب هو أحد عواقب الحرية. فإن روث من الدم ضروري لحكم صحي لأن الحكام سيسعون مع مر الزمن – كما يقول جيفرسون لويليام س. سميث – (13 نوفمبر1787) للحكم تبعاً لمصلحتهم الخاصة إذا لم يُراقبوا بعناية. علاوة على ذلك سيفترض المحكومون أن الحقوق التي حصلوا عليها ستكون حقوقاً دائمة. ولذلك تكون الثورة هي الآلية التي يُذكَر فيها الحكام – كما يخبر جيفرسون جيمس ماديسون – (30 يناير1787) بشكل دوري أن الحكومة في الجمهورية الجيفرسونية هي حكومة من الشعب ولأجل الشعب وأن رغبة الأغلبية المتعلمة هي معيار العدالة.

يقول هولوتشاك (2019a, 73–76) إن الاضطراب الذي يتحدث عنه جيفرسون في الرسائل إلى سميث وماديسون هو صور للتمرد وليس للثورة. فإن الثورة بالنسبة لجيفرسون ووفقاً “لإعلانه” ظاهرة معقدة ويجب ألا تحدث قط لأسباب بسيطة أو بسبب حالات مفردة من الإساءات الحكومية على عكس التمرد. ويكمن الفارق، بالنسبة لهولوتشاك، بالمنظور والحجم والاستمرارية. تكون حالات التمرد في الغالب عنيفة ومحدودة وترسل إشارات سريعة للحكومة فيما يخص الإساءات. أما الثورات فهي محاولات معقدة وعنيفة في جوهرها وطويلة الأجل ومخطط لها للإطاحة بحكومة اعتادت على الإساءة.

يفسر ميركين Mirkin أفكار جيفرسون بطريقة أخرى. إذ لا يميز بين التمرد والثورة بل يميز بين “مستويين من الثورة”: التمرد الشعبوي وتهديدات النخبة بالتمرد.

يتمثل السابق بتمرد شايس Shays وتمرد الويسكيWhiskey الذي كان محلياً ومن المفترض لقضايا غير أخلاقية. بينما يتمثل اللاحق بثورات كنتاكي وفرجينيا Kentucky and Virginia Resolutions التي كانت أكبر وارتبطت بالقضايا الأخلاقية (مثل التعدي على الحقوق) ولذلك السبب تميزت بالاستمرارية. (64-65).

ويتضح هنا شيء مفرد بالنسبة لجيفرسون. فالثورات أو التمرد النخبوي هي أكبر وأكثر استمرارية وأكثر تعقيداً من التمرد أو التمرد الشعبوي. ويكتب جيفرسون لجون آدامس (4 سبتمبر 1823) عن بدايات واستمرارية ونتائج الثورات: “نادراً ما يستكمل الجيل الذي يبدأ الثورة ما بدأ به. فهو اعتاد منذ طفولته على الإذعان السلبي، جسداً وعقلاً، لملوكه وقساوسته ولا يكون مؤهلاً عندما يتطلب الأمر التفكير وتقديم ذاته. وبسبب قلة الخبرة والجهل والتعصب يصبح غالباً أدوات بيد البنوبارتيين Bonapartes والايتروبايديين Iturbides للدفاع عن حقوقهم وغاياتهم الخاصة “. ولا يتوقع أن تؤسس الثورات حكومة حرة مستدامة من المحاولة الأولى.

ويتابع جيفرسون في رسالة إلى آدامس: يكون جيل الثورة ملائماً عادة لابتداء والمحافظة على الثورة ولكنه لا يتمكن من حسمها. ويكون بالنسبة لجيفرسون عاجزاً عن تثبيت دستور جمهوري حيوي. هناك إذاً مسؤوليات للأجيال كي تنجح الثورة الجيفرسونية. يتمثل دور الجيل الأول بالاستهلال. يجب أن تحافظ الأجيال اللاحقة وتستكمل الجهد الابتدائي لإقصاء الحكومة القاهرة. ويتم في المرحلة الأخيرة تطبيق الدستور الذي يعكس ويدين بالفضل لرغبة الشعب.

 ويصر جيفرسون على القول بأن الثورة يجب ألا تحدث إلا في حالات من الاستبداد المتطرف والمستمر بسبب التعقيد والتكلفة البشرية الباهظة. وكما يكتب في إعلانه ( [D]: 19) “عندما يقوم تراكم طويل، من استغلال السلطة واغتصاب الممتلكات، باضطهاد الأفراد في ظل الاستبداد المطلق فمن حق المواطنين وواجبهم الإطاحة بمثل تلك الحكومة وتقديم حراس جدد لأمنهم المستقبلي “. ورغم ذلك اعتقد جيفرسون أن الثورات “آليات” تحتاجها الحكومات الجمهورية لأن من يتبوأ مقاليد السلطة يميل إلى الفساد بسبب تلك السلطة. ( TJ to Spencer Roane, 9 Mar. 1821).)

5. فلسفة التعليم عند جيفرسون

تتفق رؤى جيفرسون في التعليم توافق تام مع فلسفته السياسة(29). ومن اجل تيسير حكومة للشعب ومن أجل الشعب يتعين القيام بإصلاح تعليمي يسمح بالتعليم العام للمواطنين من أجل مشاركة سياسية اوسع وتمكينهم من القيام بالشؤون اليومية بدون التدخل الحكومي، وتوجيه أكثرهم موهبة وصلاح نحو المؤسسات العلمية المتطورة مثل جامعة فرجينيا.

استقى جيفرسون رؤاه التعليمية من مصادر عديدة. تعلم جيفرسون من الفرنسيين أن التعليم يجب أن يكون منصفاً وعلمانياً ومبنياً على أسس فلسفية (Arrowood 1930 [1970]: 49–50 ). ودرس على الأغلب أعمال كوندورست ولا شالوتيه La Chalotais وديديروت Diderot وشارون وتورجوت وكان متأثراً بمثل لافاييت Lafayette وكوريا دو سيرا Correa de Serraوكوفيه وبوفون Buffon وهمبولدوت Humboldt وسي Say. علاوة على ذلك تراسل جيفرسون مع أو قرأ أعمال بريطانيين وامريكيين من أمثال جون ادامس وبريستلي Priestley ولوك وتوماس كوبر وبيكتيت Pictet وستيوارت وتيشنور Tichnorوريتشارد برايس وويليام سمول وويث وفوكييه وبيثون راندولف وباتريك هنري (Holowchak 2014a, 69 ). حيث يجب ان يكون ذلك التعليم علمياً ومفيداً كما أكد على ذلك ويليام سمول في كلية ويليام وماري إضافة إلى ما تلقاه من الفلاسفة التجريبيين من عصره وازدراءهم للتشاحن الميتاتجريبي.

1.5 نظام التعليم

تتمثل رؤى جيفرسون عن التعليم في أربعة قوانين مقترحة قُدمت للجمعية العمومية لفرجينيا (1779) وفي قانون تأسيس نظام للتعليم لعام (1817) وفي تقرير روك فيش جاب Rockfish Gap (1818) وفي رسائل مهمة إلى مثل – كار وبانيستر Banister ومونفورد وادامس وكابل وبورويل Burwell وبريزر وبريكنريدج Breckinridge.

عندما تولى جيفرسون وبندلتون وويث مهمة مراجعة قوانين فرجينيا في عام 1776 كتب جيفرسون مخطوطة من أربعة قوانين -من القانون 79 إلى 82.

“أعتبر 4 من هذه القوانين … نظاماً يجتث كل خيط من الارستقراطية القديمة أو المستقبلية ويؤسس حكومة جمهورية حقيقية (30)( [WTJ5]: 44).”

اقترح القانون 79 تأسيس أقسام أو مئات من الأجنحة يضم كل منها مدرسة للتعليم العام “يتم فيها تدريس القراءة والكتابة وأسس الحساب”(BG). وتقسيم فرجينيا إلى 24 مديرية يضم كل منها مدرسة “للتعليم الكلاسيكي والقواعد والجغرافيا والفروع الأعلى من الحساب الرقمي”. (BG ). اقترح قانون 80 علمنة كلية ويليام وماري وتوسيع منهاجها عبر توسعة “فضاء العلوم”( BWM).(31) اقترح قانون 80 إيجاد مكتبة عامة في فرجينيا من أجل العلماء والمسؤولين المنتخبين والمواطنين الراغبين بالاستزادة من العلوم. (BL ). اقترح القانون 82 وهو القانون الوحيد الذي تمت الموافقة عليه (1786)عدم السماح لأية ولاية برعاية دين محدد.( BR ) ([Au]: 31–44 ).

أوضح جيفرسون الأمر ( TJ to George Wythe, 13 Aug. 1786) بأن القانون 79 -المتعلق بتطبيق الأقسام ومدارس الأقسام- كان “القانون الأكثر أهمية من كامل التشريع” لأنه كان “الأساس .. للمحافظة على الحرية والسعادة” في جمهورية حقيقية. وكان المفتاح لتوليد الإصلاحات اللازمة للجمهوريانية الجيفرسونية -أي الإصلاحات التي تستهدف المواطنين المتعلمين والمزدهرين.

ويقول لجورج واشنطن (4 يناير 1786):

“لا يمكن أن تكون حريتنا بمأمن إلا بأيدي الناس أنفسهم وبأيدي الأفراد الذين يتمتعون بدرجة معينة من التعليم وتلك من أهم الأولويات التي تشغل ذهني.”

ويكتب إلى الفيلسوف ريتشارد برايس (8 يناير1789 ): “عندما يكون الأفراد عالمين ببواطن الأمور يمكن وقتها ائتمانهم على حكومتهم”(32).

ومع ذلك لم تكن ثقة جيفرسون بالأفراد بلا شروط. لم يؤكد قط بشكل قطعي أن الحكومة المنتخبة من الشعب ولأجل الشعب ستتمكن من العمل والنجاح. علمته التجارب أن الحكومات غير المنتخبة وغير الخاضعة لمساءلة الشعب لم تكن ناجحة –أي أنها في النهاية لم تستجيب لاحتياجات الشعب-ولذلك أطلق على الجمهوريانية “تجربة” أو “التجربة العظمى”( TJ to John Adams, 28 Feb. 1796, and WTJ5: 484) . إذا رغبنا باحترام حقوق المواطنين والدفاع عنها وألا يحكم الحكام وفق مصالحهم الخاصة بل كحماة للمواطنين يحتاج كافة المواطنين للتعليم الأساسي- وبالتالي تبرز الحاجة الملحة لنظام المدارس ذات الأقسام.

2.5 التعليم والازدهار البشري

ميز جيفرسون بين مستويين من التعليم بوجود طبقتين من المواطنين العمال والمتعلمين ( R):459-60). العمال-المقسمين إلى مربي الماشية والصناعيين ورجال الحرف-اللازمين للقيام بالأعمال للمحافظة على وتحسين الشؤون المحلية. وبالتالي احتاجوا للتعليم الأساسي. ويحتاج المتعلمون لتوفر التعليم على مستوى الكليات (مدارس جيفرسون الوسطى للقواعد) والتعليم الجامعي. ويكتب جيفرسون إلى بيتر كار (7 سبتمبر 1814).

“يتعين على كوادر موظفي بلادنا تقديم التعليم لكل مواطن بما يتناسب مع ظروف وغايات حياته.”

لا تكون الاحتياجات كلها شخصية. فالناس بالنسبة لجيفرسون هم مخلوقات اجتماعية والجمهوريات تقدمية وبالتالي يتوجب على المواطنين واجبات سياسية. ويكتب جيفرسون إلى الثوري الفرنسي مارك أنطوان جوليين Jullien (6 أكتوبر1818): “إذا رغبنا بتحسين وضعية الانسان بشكل تقدمي، كما نأمل ونعتقد بصدق، سيكون التعليم هو الأداة الرئيسية التي تؤثر على ذلك.” يجب أن يحظى كافة المواطنين بفرصة المعرفة ويأخذوا مكانهم التشاركي في الديموقراطية المستقرة المزدهرة وفق أفضل إمكانياتهم.

أدرك جيفرسون أن تحفيز المشاركة السياسية الكاملة والتقدم الأخلاقي يتطلب اصلاحاً تعليمياً منتظماً. ويحدد جيفرسون في رسالة إلى السناتور جوزيف س. كابل Cabell (9 سبتمبر 1817) ستة خصائص لذلك النظام:

  1. يجب أن يتوفر التعليم الأساسي للجميع.
  2. يجب أن يحظى التعليم بالدعم الضريبي.
  3. يجب أن يكون التعليم متحرراً من الاملاءات الدينية.
  4. يجب أن يخضع النظام التعليمي للرقابة على المستوى المحلي.
  5. يجب ان تتميز المستويات الأعلى من التعليم بالبحث الحر.
  6. يجب تمكين المتميزين عقلياً بمتابعة التعليم حتى أعلى المستويات بدعم من النفقة العامة.

لا يقوى سوى النظام على توفير التعليم المتناسب مع احتياجات كافة المواطنين: التعليم العام والشامل للعمال والتعليم الملائم لاحتياجات المتعلمين المتميزة (Bowers 1943: 243 and Walton 1984: 119 ). ويوصل جيفرسون تلك الفكرة للأكاديمي جورج تيكنورTicknor (25 نوفمبر1817) بأسلوب باكون Bacon عبر رسم الحقائق المهمة: ” فالمعرفة قوة والمعرفة أمان والمعرفة سعادة” وأن المعرفة مفيدة وتقودها البيانات.

 أظهرت الملاحظة عموماً أن القدرات البشرية لم تكن متطورة إلى حد كبير ( TJ to William Green Munford, 17 June 1799). وبالتالي يحتاج التعليم للغوص بعمق داخل الامكانية البشرية البكر بطرق مسؤولة من الناحية الأخلاقية.

"نعلم أن الشجرة البرية والمهملة لا تنتج سوى الثمار الحامضة والمرة ولن نتمكن من اجبارها على انتاج ما هو أفضل ولكننا نعلم أن فن التطعيم يضع شجرة جديدة على الأصل الوحشي وبالتالي ينتج ما هو أفضل من حيث النوع والدرجة. يماثل التعليم ذلك الأسلوب حيث يُطّعم رجلاً جديداً على أصل فطري ويُحسّن ما بداخله من مزايا شريرة وفاسدة ويحيلها إلى خصال الفضيلة والاستحقاق الاجتماعي. ([R]: 461 )."

تمثل الكمال البشري بالنسبة لجيفرسون في تحسين جدوى العيش، والذي لم يعني ضمناً مجرد التقدم في حقل الصحة البشرية والإنتاجية البشرية عبر الاكتشافات والاختراعات التي تستبدل العمالة، ولكن أيضاً وعلى الخصوص في التحسن الأخلاقي. كان التحسن الأخلاقي أكثر أهمية من ممارسة العقلانية (e.g., TJ to Maria Cosway, 12 Oct. 1786 ). تمثلت العقلانية الصافية بالاستخلاص البشري من الحقيقة بينما تمثل الشعور الأخلاقي بانغماس البشر بالحقيقة.

ومع ذلك اعتقد جيفرسون أن مقررات الأخلاقيات لم تكن لازمة إن لم تكن جارحة. وكتب إلى كار (10 أغسطس 1787)”اعتقد ان حضور محاضرات في هذا الفرع مضيعة للوقت.” لأن السلوك الأخلاقي لا يتعلق بالمنطق. اتسق ذلك بالطبع مع تجريبية ذلك الوقت-مثل لورد كامس ودافيد هيوم. ومع ذلك وضع جيفرسون في “ملاحظات حول ولاية فرجينيا” دوراً للتعليم في التطور الأخلاقي.

 إن المرحلة الأولى من التعليم ليست مناسبة لتشجيع الانخراط الحاسم بمادة مثل الانجيل، لأن العقل البشري لا يكون متطور بالشكل الكافي، ولكنها المرحلة التي يتعين فيها على الأطفال تخزين الحقائق التاريخية التي سوف تستخدم بشكل نقدي في وقت لاحق من الحياة. ويمكن غرس “عناصر الأخلاق” أثناء القيام بذلك. ويقول جيفرسون بطريقة ارسطوية ان مثل تلك العناصر تعلم الأطفال…

 "ان سعادتهم الكبرى ...لا تعتمد على ظروفهم في الحياة حيث وضعتهم الصدفة بل دائماً في نتيجة الوعي الجيد والصحة الجيدة والوظيفة (مثل الصناعة) والحرية في كافة المساعي العادلة. ([NV]: 147 )."

وبالتالي، فإن “التعليم” الأخلاقي ليس مسألة يقوم فيها الفرد باستيعاب وهضم المبادئ الأخلاقية لتطبيقها على ظروف معينة – حيث لم تكن هناك مبادئ معصومة بالنسبة لجيفرسون، لأن الأخلاق كانت تتعلق باستشعار الشيء الصحيح الذي يجب القيام به في تلك الظروف – والإيمان بقدرة الحس الأخلاقي للفرد على “تقرير” الشيء الصحيح دون التأثير السببي المفسد للعقل أو ضغط الأقران. (TJ to Martha Jefferson, 11 Dec. 1783, TJ to Peter Carr, 19 Aug. 1785 and 10 Aug. 1787). )

يجب أن يكون التعليم مفيداً بسبب خضوع العقلانية للأخلاقية. ويجب ان يولد التعليم المواطنة الفعالة التشاركية والاستقرار السياسي. أصر جيفرسون دائماً على عملية التعليم لأن منظوره للتعليم اتبع مذهب باكون Baconian (33) ولننظر إلى ما يقوله جيفرسون للعالم والطبيب ادوارد جينرJenner (14 مايو1806) بالنيابة عن “العائلة البشرية بأكملها” لاكتشافه لقاح مرض الجدري.

"لم ينتج الطب مثل ذلك التطور المفرد قط وبتلك المقدرة. كان اكتشاف هارفي للدورة الدموية إضافة جميلة لمعرفتنا بالاقتصاد الحيواني، ولكن في مراجعة لممارسة الطب قبل ومنذ تلك الحقبة، لا أرى أي تحسينات اشتقت من ذلك الاكتشاف، لقد أزلت من سجل الابتلاءات البشرية واحداً من أعظم آلامها. ولن ينسى الجنس البشري قط ما قدمته له من فضل"

لكن يعتبر كل اكتشاف علمي مفيداً. “لا يمكن لأي اكتشاف ان يكون عقيماً إذ يمثل على الدوام خطوة نحو شيء آخر” (TJ to Robert Patterson, 17 Apr. 1803).

كانت كلمة “مفيد” بالنسبة لجيفرسون واسعة وذات مضامين معيارية.(34) وسينتج التعليم المتكامل بالنسبة لجيفرسون رجالاً…

"نافعين للمجتمع على كافة الأصعدة- ومفيدين لأنهم أذكياء ومثقفين ومتعلمين وماهرين تقنياً وأخلاقيين (وهذه مهمة) وقادرين على كسب لقمة العيش وسعداء ومؤهلين للقيادة السياسية والاجتماعية ( Martin: 37)."

وتضمنت كلمة “مفيد” النشاط الاجتماعي والسياسي. حيث يساهم المواطنون الذكور من ذوي الفضائل الجمة والعبقرية الفريدة عبر المشاركة في العلوم وتبوأ المناصب الأكثر تميزاً من الناحية السياسية. وسيساهم المواطنون الأقل شأناً بشكل أكثر تواضعاً وغالباً على المستويات المحلية، على سبيل المثال، واجب التحكيم والمشاركة بالجيش والتصويت للنواب ومراقبة الممثلين المنتخبين.

وأخيراً يمثل التعليم بالنسبة لجيفرسون طريقة للعيش. ويهدف لمنح الأشخاص الأدوات التي يحتاجونها لتمكينهم من المشاركة اجتماعياً وسياسياً والاعتماد على الذات والسعادة. وكما لاحظ كارل ليمانLehmann (201-2):

“لم تكن المدرسة قط بالنسبة لتوماس جيفرسون وكالة “منتهية”. حيث يتعين على المرء الانتقال من مرحلة إلى أخرى في عملية لا تنتهي من التعليم الذاتي…تصبح معرفة الحرفي البسيط، الذي لا يملك سوى المعرفة التكنولوجية بتخصصه الحرفي، لعنة عليه. يتعين أن يكون التعليم واسعا من أجل التأكيد على حرية وسعادة الانسان.

6. العرق عند جيفرسون

أصبحت نظرات جيفرسون نحو العرق محوراً لنقاش معتبر في المراجع الثانوية(35). وربما تأثرت تلك الآراء، التي تعتبر اليوم عنصرية، بنظرات الطبيعيين الرواد في عصره. وكان بذلك الاعتبار نتاجاً لعصره ولم يكن سابقاً لذلك العصر.

يتعلق معظم النقاش حول نظرة جيفرسون للسود بكتابه “ملاحظات حول ولاية فرجينيا”. ويكتب جيفرسون في مسألة ١٤:

" يتساوى السود مع البيض فيما يتعلق بالذاكرة بينما يتراجع السود كثيراً عن البيض في المنطق حيث يصعب علي إيجاد واحداً منهم يتمكن من تتبع وتفهم استقراءات اقليدس" ( [NV]: 139).

ويضيف “لم أجد أسود يتفوه بفكرة تزيد عن مستوى السرد البسيط”([NV]: 140 ). “وفي التخيل أرى السود مملين وعديمي الذوق وغريبين ” ويظهر ذلك بجلاء في فنهم. يمتلك السود في حقل الموسيقى آذان صاغية “للنغم والوقت” وهم موهوبون أكثر من البيض وأكثر قدرة على “الالتقاط الدقيق” كما تتضح موهبتهم مع “البانجار”Banjar وهي آلة مشابهة للغيتار “جُلبت من أفريقيا”. “ولم يثبت بعد قدرتهم على تأليف مقطوعة أشمل أو تناغم أعقد”. بالرغم من أن بؤسهم “يعتبر الملهم لكل اللمسات المؤثرة من الشعر فإنهم لا يمتلكون حسا شعرياً” ([NV]: 40–41 and 288n10).

ويقول ان تخلف العقل والدماغ أمر مثبت، وفق تقدير جيفرسون، من خلال “تطور السود جسميا وعقليا منذ أول اختلاط لهم مع البيض” وأيضا “لوحظ ذلك من قبل الجميع وثبت أن تخلفهم لم يكن فقط بسبب ظروفهم المعيشية”([NV]: 141 ). وقد يقصد هنا “الملاحظات” في الكتب العلمية من مكتبته في عصره.

 ويعترف جيفرسون في حقل الأخلاقيات بمساواة السود مع الآخرين.

"نجد من بينهم العديد من الأمثلة على النزاهة، وكثير من الأمثلة بين أسيادهم الأفضل تعليما، على الإحسان والامتنان والإخلاص الراسخ."

ويشرح جيفرسون عن “ميلهم إلى السرقة”: “قد يشعر الانسان الذي لا يجد قانوناً يناصره بعدم الحاجة للالتزام باحترام القوانين المصنوعة لمصلحة الآخرين.” وقد يأخذ العبد القليل ممن سلبه كل شيء”( [NV]: 142) “.

يقول جيفرسون أن كافة تلك الاستنتاجات شرطية: فهي تحظى بتأكيد الملاحظة ولكن السود لم يكونوا لغاية الأن مواضيع للتاريخ الطبيعي بالإضافة إلى “الرجال الحمر” (السكان الأصليين).

"ويجب أن يكون الرأي القائل بأنهم متخلفون في حقول المنطق والتخيل غير مؤكد تماما. إذ يتطلب تبرير أي استنتاج عام العديد من الملاحظات وذلك حتى عندما يُعّرض الموضوع الدراسي للتشريح والعدسات البصرية وللتحليل عبر النار أو المذيبات. وكم يتطلب الأمر تفحصاً أكبر عندما يكون موضوع بحثنا مجموعة وليست مادة والتي تستعصي على البحث بكافة الحواس، حيث تكون ظروف وجودها متنوعة ومجتمعة بشكل متنوع، وحيث تكون آثار ما هو موجود أو غائب معارضة للحسابات. ودعني أضيف: قد يحط استنتاجنا عرق كامل من البشر في ترتيب ميزان الكائنات الذي منحهم إياه خالقهم. ويجب أن نقول انه على مدار قرن ونصف من الزمن ونصب أعيننا، قد تواجد عرق السود والحمر ولكننا لم ننظر إليهم قط كمواضيع للتاريخ الطبيعي. وأقول هنا، وهو مجرد توقع، بأن السود هم أدنى من البيض في ملكات الجسد والعقل. ( [NV]: 143 )."

وبالرغم من تقريره بأن السود وسكان أمريكا الأصليين لم يكونوا مواضيع للتاريخ الطبيعي تواجد عدد كبير من المراجع التي كتبها الرواد الطبيعيين من عصره-من أمثال البيولوجي السويدي كارل لينوس (1758)1808) واوليفر جولدسميث (1774)1823) وجورج كوفيه (1817)1831) والتي وصل إليها جيفرسون وتشربها بلا شك. نظرت تلك الكتابات إلى السود والسكان الأصليين في أمريكا على أنهم أدنى مرتبة من الأوروبيين البيض. وربطت تلك النزعة بين الجلد الأدكن والتخلف المتزايد (36) وأكد الفلاسفة الكبار من أمثال دافيد هيوم (1755 [1987]: 208n10 ) وادم سميث (1759(1982):208) ودو فولني (1802(2010):68) على تخلف السود والأمريكيين الأصليين.

يُظهر هذا اللغو “العلمي” في زمن جيفرسون اعتقاد بعض أقدر العلماء أن السود والأمريكان الأصليين، حيث اعتبروا كل منهم عرقاً أو نوعاً متفرعاً من البشر، كانوا متخلفين أو ناقصين(37). امتلك جيفرسون معظم تلك المراجع وسعى للإحاطة بالتطورات الحديثة في كافة العلوم. تلطخت “ملاحظات” جيفرسون بالملاحظات أو الأحكام الخاضعة لسلطات زمانه. وبالرغم من اعتباره إياهم متخلفين، اعترف ان السود متساوين من الناحية الأخلاقية مع كافة الباقين ولهم كافة الحقوق التي يتمتع بها بقية البشر. ويكتب إلى جريجوار Grégoire (25 فبراير1809):

"مهما كانت درجة موهبة السود فإنها ليست مقياساً لحقوقهم. لأن السير إسحاق نيوتن كان متفوقاً على الأخرين من حيث الفهم ولكنه لم يكن بالتالي لوردا أو صاحب ملكية."

لم تتسق نظرة جيفرسون للأمريكيين الأصليين مع نظرة أولئك الطبيعيين الذين اعتبروهم عرقاً أدنى من العرق الأوروبي ويتطلب ذلك بعض التفسير.

يقدم جيفرسون في مسألته الرابعة عشر من كتابه “ملاحظات حول ولاية فرجينيا” تحليلاً مختصراً للأمريكيين الأصليين كعرق. وبما أنهم لم يحظوا “بمزايا” التعرض للثقافة الأوروبية التي حظي بها السود لا يزال الأمريكيين الأصليين “ينقشون غالباً رسوما تفتقر الى التصميم أو الجدارة”( [NV]: 140). ويكمل:

“تثبت نقوشهم ورسوماتهم وجود جرثومة في أذهانهم تحتاج الى تهذيب “(38) ويتابع:

“يذهلونك بضربات ذات خطابة سامية تثبت قوة منطقهم وعاطفتهم ورقي وتلألأ تخيلهم.” (([NV]: 140

وقد يتساءل المرء عن مقدار “التميز” الذي يتخيل جيفرسون أن على السود اظهاره نتيجة تعرضهم لثقافة مضطهديهم أثناء الاستعباد. ويصر بنفس الوقت بأن “معظم السود في أمريكا انحصروا بأعمال الفلاحة ومنازلهم ومجتمعهم” ولم يتعرضوا كثيراً للعلوم والفنون.

"تواجد الكثير منهم في أماكن مكنتهم من الاستفادة من حوارات أسيادهم ودخل العديد منهم مجال الفنون الحرفية وارتبطوا من ذلك الوضع كثيراً بالبيض. وحصل الكثير منهم على تعليم بتحرر وعاشوا جميعاً في بلدان حظيت فيها العلوم والفنون برعاية معتبرة ووقعت انظارهم على نماذج من أفضل الأعمال القادمة من الخارج ( [NV]: 139–40)."

وبالتالي يختلف تقييم جيفرسون للسود عن تقييمه للأمريكيين الأصليين. ولم يتضح إن كان ذلك الفرق طبيعياً أم إنشائياً. فالتلميح في “ملاحظات حول ولاية فرجينيا” وفي رسالة إلى ادموند كولز (25 أغسطس 1814) هو طبيعي ولكن الاقتراح في رسائل أخرى ( e.g., TJ tp Benjamin Banneker, 30 Aug. 1791, and TJ to Bishop Grégoire, 25 Feb. 1809) يبدو انشائياً بالرغم من وضوح النقائص بحيث لا يمكن أن يكون هناك تغيير سريع للحالة. كان السيناريو مختلفاً فيما يتعلق بالأمريكيين الأصليين.

يوجد تعاطف مذكور في المراجع الثانوية ( e.g., Risjord 2002: 50–1, and Holowchak 2012, 243–48 ) يفيد بوجود مصلحة شخصية أو سياسية لـ جيفرسون في الدفاع عن الأمريكيين الأصليين لم يمتلكها تجاه السود. يناقش بوفون Buffon- الذي يعتبر أحد أعظم الطبيعيين في زمانه- أن أمريكا الشمالية كانت أبرد وأرطب من أوروبا(39) ولذلك كانت كائناتها، بما فيهم الأمريكان الأصليين، متخلفة ( [NV]: 48). وبالتالي كان “الهمج” اضعف وبلا شعر وعديمي الشفقة وبالمقارنة مع الأوروبيين أقل فحولة وأقل حساسية وأكثر جبناً من بين أشياء أخرى. ( [NV]: 58). وقال الابي راينال Abbé Raynal أكثر من ذلك. وما يصح بالنسبة لأي أمريكي أصلي سيصح على أي أوروبي استزرع في أمريكا ( [NV]: 64 ). بذل جيفرسون جهداً معتبراً لتفنيد بوفون وراينال ( [NV]: 60–64)والذي قام به كما يعترف معظم العلماء( e.g., Peden 1954: xxiii) بنجاح ملحوظ بالرغم من أن هدفه كان نقاشاً أوسع وأكثر انفتاحاً مما كان تفنيداً( [NV]: 54).

ويتضح هنا شيء وحيد حيث شكلت نظراته المغلوطة للسود والأمريكيين الأصليين تفكيره السياسي. كانت رؤية جيفرسون السياسية هي أمة أمريكية متمسكة بالحرية والسعادة والحياة الزراعية تمثل الحكم الجمهوري السلمي وتقدم مع الوقت نموذجاً يحتذى لبقية انحاء الكوكب (Holowchak 2017b, 131–51 ). وتطلب نجاح تلك الرؤية، من وجهة نظره، الاستزراع الكامل للعبقرية والأخلاقية في الأمة الفتية (McCoy 1980: 136 ). ويبدو أن الأمريكيين الأصليين قد نجحوا وفق المسارين. بينما اعتبر السود أقل عبقرية. ولذا يمكن، فقط، دمج السكان الأصليين في الأمة الناشئة والتي حملت إمكانية تغطية “كإمبراطورية للحرية“ القارة الأمريكية الشمالية (TJ to James Madison, 27 Apr. 1809 ) وربما ايضاً القارة الأمريكية الجنوبية.( TJ to James Madison, 24 Nov. 1801). ومن وجهة نظر جيفرسون لا يمكن دمج السود لأن أي خلط عشوائي للدم الأسود والدم الأبيض سيلوث الذرية وبالتالي يهدد نجاح تجربة جيفرسون الجمهورية. ولذلك ينبغي في النهاية “إزالة كل عبد خارج نطاق الخليط”([NV]: 137–38 and 143 ). وظن بالتالي أن الكل سيستفيد إذا تم تعليم السود وتحريرهم وترحيلهم، وكذلك البيض.

بالطبع تعرضت رؤى جيفرسون للعرق للدحض من خلال العلم الحديث الذي أظهر أن العرق من الناحية البيولوجية هو تصنيف فارغ.

ولكن ماذا عن رؤى وافعال جيفرسون إزاء انهاء العبودية؟

نعلم ان جيفرسون تحدث مراراً وتكراراً بصوت مرتفع ضد مؤسسة العبودية وبصفته محامياً وسياسياً عمل جاهداً لاجتثاثها. وعلى سبيل المثال تولى ستة قضايا مجانية لصالح العبيد الساعين للحرية ولم يدافع قط عن أي مالك للعبيد. ونسخ خطابات مؤثرة عن العبودية في “نظرة الخلاصة” Summary View ( [S] 115–16) وفي المخطوط الأولي “لإعلان الاستقلال” (Au 22) و”ملاحظات حول ولاية فرجينيا” (NV: 162-63) وفي العديد من الرسائل.

ورغم ذلك لم يقم بالكثير أثناء التقاعد عندما كان باستطاعته فعل الكثير.

ومع نضجه لم يفعل جيفرسون الكثير لتحريك القضية لأنه اعتقد ان المجهود قد يعود بضرر أكبر من النفع. وقال إن الوقت لم يكن ملائماً وعبر منذ وقت مبكر منذ عام 1805( TJ to William Burwell, Jan. 28) عن شكوك متعلقة باجتثاث العبودية.

"هناك العديد من الرجال الفضلاء الذين سيقدمون أية تضحيات من أجل انهائها والعديد من الفضلاء الآخرين الذين يقنعون أنفسهم بأن ذلك الشيء ليس خاطئا أو أنه يستعصي على العلاج، وهناك العديد من الذين ينحصر اهتمامهم بالأخلاقية (مثل الذين يعتقدون أن هذا الأمر لا اخلاقي ولكنهم يعتقدون أن التعاطف مماثل للفعل.). وكلما تقدم بنا العمر كلما اضطررنا للاعتقاد بالجزء الأخير."

ويكتب لإدوارد كولز (25 أغسطس 1814)عن “الصمت العام “حول العبودية كمؤشر للامبالاة العامة بين الأجيال الأصغر.

"لقد عشت الجيل الذي يؤمن بأن العمل المتبادل والمخاطر تولد الثقة والتأثير المتبادل. وهذا المشروع (اجتثاث العبودية) هو من أجل الشباب الذين يستطيعون المتابعة ويصلون به إلى خط النهاية."

كما انه يوبخ كولز عندما يعتبر أن تحرير عبيده عملاً متهوراً.

"لا تسمح لنا القوانين بتركهم طلقاء ولو كان ذلك لصالحهم: ونقلهم إلى ملكية أخرى هو الزامهم بالآخرين الذين لا نستطيع ضمان استخدامهم لهم. أتأمل يا صديقي العزيز ان تصطلح مع بلادك وحالتها البائسة."

حفزت نظرات جيفرسون المغلوطة للسود ورفضه بعد التقاعد القيام بعمل أكبر لاجتثاث مؤسسة العبودية نقاشاً حرجاً في المراجع الثانوية ( see fn. 38). يرى الكثيرون من ناحية أن جيفرسون كان عنصرياً. يناقش مكولي (1964) وكوهن (1969) وميلر(1977) وداويدوف (1993) أن رؤى جيفرسون العنصرية كانت عقلانيات منافقة لامتلاكه للعبيد وحياته الفارهة. ويقرر فينكلمان (1994) وأوبرايان (1996) وماجنيس (1999) أن جيفرسون كان مندفعاً بفعل كره عميق للسود. ومن ناحية أخرى يناقش ليفي (1963) وماير (2001) وبورستين (2005) وهولوتشاك (2013 ب و 2020 أ) أنه بالرغم من امتلاك جيفرسون لنظرات مغلوطة حيال السود فمن المفارقة التاريخية تسميته بالعنصري نظراً لرواج الجهل المتعلق بالفوارق العرقية بين العموم والعلماء في ذلك الوقت. وبالتالي كان جيفرسون نتاجاً للجهل والأحكام المغلوطة السائدة في زمانه.


المراجع

المراجع الرئيسية

General

  • WTJ1: The Writings of Thomas Jefferson: Being his Autobiography, Correspondence, Reports, Messages, Addresses, and Other Writings, Official and Private: Published by the Order of the Joint Committee of Congress on the Library, from the Original Manuscripts, Deposited in the Department of State, 9 vols., H.A. Washington (ed.), Washington: Taylor & Maury, 1853–54.
  • WTJ2: The Works of Thomas Jefferson12 vols., P.L. Ford (ed.), New York: Putnam, 1902.
  • WTJ3: The Writings of Thomas JeffersonDefinitive Edition, 20 vols., A.A. Lipscomb and A.E. Bergh (ed.), Washington: Thomas Jefferson Memorial Association, 1907.
  • WTJ4: The Papers of Thomas Jefferson, 42 Vols. (to date), J. Boyd et al. (ed.), Princeton: Princeton University Press, 1950–present.
  • WTJ5: Thomas Jefferson: Writings, M.D. Peterson (ed.), New York: Library of America, 1984.
  • WTJ6: Early History of the University of Virginia, J.W. Randolph (ed.), Richmond, VA: C.H. Wynne, 1856.

أعمال محددة

  • ·          [Au] Autobiography, in WTJ5: 1–101.
  • [B] Jefferson’s Bible, in Holowchak 2019c: 29–90.
  • [BG] Bill 79: Bill for the More General Diffusion of Knowledge, 1779, in WTJ5: 365–73. [BG available online]
  • [BL] Bill 81: A Bill for Establishing a Public Library, 1779, WTJ4: 544–45. [BL available online]
  • [BP] Bill for Establishing a System of Public Education, 1817, in WTJ6: 413–27.
  • [BR] Bill 82: Bill for Establishing Religious Freedom, 1779, in WTJ5: 346–48. [BR available online]
  • [BWM] Bill 80: A Bill for Amending the Constitution of the College of William and Mary, and Substituting More Certain Revenues for Its Support, 1779, WTJ4: 535–43. [BWM available online]
  • [CV] Draft Constitution for Virginia, 1776, in WTJ5: 336–45.
  • [D] Declaration of Independence, 1776, in WTJ5: 19–24.
  • [DB] Letter to Danbury Baptist Association, 1802, in WTJ5: 510.
  • [E] Epitaph, in WTJ5: 706.
  • [F] Opinion on the French Treaties, 1793, in WTJ5: 442–43. [[F] available online]
  • [I1] Inaugural Address, 1801, in WTJ5: 492–96. [I1 available online]
  • [L] Letters, in WTJ1, WTJ2, WTJ3, WTJ4 or WTJ5: 711–1517.
  • [LCB] Literary Commonplace Book,1989, ed. Douglas L. Wilson, Jefferson’s Literary Commonplace Book, Princeton: Princeton University Press.
  • [NR] Notes on Religion, in WTJ4, Vol. 1: 555–58.
  • [NV] Notes on the State of Virginia, 1785, in Thomas Jefferson, Thomas Jefferson’s Notes on the State of Virginia, William Peden (ed.), Chapel Hill: University of North Carolina Press, 1954.
  • [R] Rockfish Gap Report, 1818, in WTJ5: 457–73. [[R] available online]
  • [S] Summary View of the Rights of British America, 1774, in WTJ5: 103–22.
  • ·          [Au] Autobiography, in WTJ5: 1–101.
  • [B] Jefferson’s Bible, in Holowchak 2019c: 29–90.
  • [BG] Bill 79: Bill for the More General Diffusion of Knowledge, 1779, in WTJ5: 365–73. [BG available online]
  • [BL] Bill 81: A Bill for Establishing a Public Library, 1779, WTJ4: 544–45. [BL available online]
  • [BP] Bill for Establishing a System of Public Education, 1817, in WTJ6: 413–27.
  • [BR] Bill 82: Bill for Establishing Religious Freedom, 1779, in WTJ5: 346–48. [BR available online]
  • [BWM] Bill 80: A Bill for Amending the Constitution of the College of William and Mary, and Substituting More Certain Revenues for Its Support, 1779, WTJ4: 535–43. [BWM available online]
  • [CV] Draft Constitution for Virginia, 1776, in WTJ5: 336–45.
  • [D] Declaration of Independence, 1776, in WTJ5: 19–24.
  • [DB] Letter to Danbury Baptist Association, 1802, in WTJ5: 510.
  • [E] Epitaph, in WTJ5: 706.
  • [F] Opinion on the French Treaties, 1793, in WTJ5: 442–43. [[F] available online]
  • [I1] Inaugural Address, 1801, in WTJ5: 492–96. [I1 available online]
  • [L] Letters, in WTJ1, WTJ2, WTJ3, WTJ4 or WTJ5: 711–1517.
  • [LCB] Literary Commonplace Book,1989, ed. Douglas L. Wilson, Jefferson’s Literary Commonplace Book, Princeton: Princeton University Press.
  • [NR] Notes on Religion, in WTJ4, Vol. 1: 555–58.
  • [NV] Notes on the State of Virginia, 1785, in Thomas Jefferson, Thomas Jefferson’s Notes on the State of Virginia, William Peden (ed.), Chapel Hill: University of North Carolina Press, 1954.
  • [R] Rockfish Gap Report, 1818, in WTJ5: 457–73. [[R] available online]
  • [S] Summary View of the Rights of British America, 1774, in WTJ5: 103–22.

الأعمال الثانوية

  • Adams, J., “John Adams to Timothy Pickering, 6 August 1822,” Founders Online, National Archives, accessed September 29, 2019, https://founders.archives.gov/documents/Adams/99-02-02-7674.
  • Arrowood, C.F., 1930 [1970], Thomas Jefferson and Education in a Republic, New York: McGraw-Hill Book Company, Inc..
  • Binger, C., 1970, Thomas Jefferson: A Well-Tempered Mind, New York: W.W. Norton & Co.
  • Boles, John B., 2017, Jefferson: Architect of AmericanLiberty, New York: Basic Books.
  • Bolingbroke, H., 1752, Reflections concerning Innate Moral Principles, London: S. Blandon.
  • Bowers, C., 1943, “Jefferson and the Freedom of the Human Spirit”, Ethics, 53(4): 237–45.
  • Burstein, A., 2005, Jeffersons Secrets, New York: Basic Books.
  • Catterall, Helen Tunnicliff, ed., 1968, Judicial Cases Concerning American Slavery and the Negro, Vol. 1, New York: Octagon Books, Inc.
  • Chinard, G., 1929, Thomas Jefferson: The Apostle of Americanism, Ann Arbor, MI: The University of Michigan Press, 1962.
  • Cohen, W., 1969, “Thomas Jefferson and the Problem of Slavery”, Journal of American History, 3: 503–26.
  • Cunningham, N.E., 1987, In Pursuit of Reason: The Life of Thomas Jefferson, Baton Rouge: Louisiana State University Press.
  • Cuvier, G., 1817, The Animal Kingdom, Arranged in Conformity with Its Organization, vol. 1, H. M’Murtrie (trans.), New York: G & C & H Carvill, 1831.
  • Dawidoff, R., 1993, “The Jeffersonian Option”, Political Theory, 21(3): 434–52.
  • Destutt de Tracy, A.L.C., 1818/1827, Éléments dIdeologie, vol. 5, Bruxelles: Courcier.
  • Dixon, R., 2013, “Thomas Jefferson: A Lawyer’s Path to a Legal Philosophy”, in Holowchak 2013d: 15–39.
  • Erikson, E., 1974, Dimensions of a New Reality: Jefferson Lectures 1973, New York: W.W. Norton & Company.
  • Ferguson, A., 1767, An Essay on the History of Civil Society, London.
  • Finkelman, P., 1994, “Thomas Jefferson and Antislavery: The Myth Goes On”, The Virginia Magazine of History and Biography, 102(2): 193–228.
  • Gaustad, E.S., 1984, “Religion”, in Peterson 1984: 277–93.
  • Gish, D., and D. Klinghard, 2017, Thomas Jefferson and the Science of Republican Government: A Political Biography of Notes on the State of Virginia, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Goldsmith, O., 1774, An History of the Earth, and Animated Nature, 8 vols., Philadelphia: Edward Poole, 1823.
  • Greene, J.C., 1958, “Science and the Public in the Age of Jefferson”, Isis, 49(1): 13–25.
  • Gutzman, K.R.C., 2017, Thomas Jefferson, Revolutionary: A Radicals Struggle to Remake America, New York: St. Martin’s Press
  • Helo, A., 2013, Thomas Jeffersons Ethics and the Politics of Human Progress, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Helvétius, C.A., 1810, Treatise on Man: His Intellectual Faculties and his Education, W. Hooper, M.D. (trans.), London: Albion Press.
  • Holowchak, M.A., 2012, Dutiful Correspondent: Philosophical Essays on Thomas Jefferson, Lanham: Rowman & Littlefield.
  • –––, 2013, Framing a Legend: Uncovering the Distorted History of Thomas Jefferson and Sally Hemings, Amherst, NY: Prometheus Books.
  • –––, 2014a, Thomas Jeffersons Philosophy of Education: A Utopian Dream, London: Taylor & Francis.
  • –––, 2014b, Thomas Jefferson: Uncovering His Unique Philosophy and Vision, Amherst, NY: Prometheus Books.
  • –––, 2017a, Thomas Jefferson, Moralist, McFarland & Co., Inc., Jefferson, NC.
  • –––, 2017b, Jeffersons Political Philosophy and the Metaphysics of Utopia, Leiden, The Netherlands: Brill.
  • –––, 2019a, The Cavernous Mind of Thomas Jefferson, An American Savant, Newcastle upon Tyne: Cambridge Scholars.
  • –––, 2019b, Thomas Jefferson: Psychobiography of an American Lion, Hauppauge, NY: Nova Science Publishers.
  • –––, 2019c, Jeffersons Bible: Text with Introduction and Critical Commentary, Berlin: DeGruyter, 2019.
  • –––, 2020a, Rethinking Thomas Jeffersons Views on Race and Slavery: Gods justice can not sleep forever, Newcastle upon Tyne: Cambridge Scholars.
  • Hull, G., 1997, “William Small 1734–1775: No Publications, Much Influence”, Journal of the Royal Society of Medicine, 90(2): 102–5.
  • Hume, D., 1755 [1987], Essays: Moral, Political, and Literary, Eugene F. Miller (ed.), New York: Liberty Fund, 1987.
  • Hutcheson, F., 1726, Inquiry into the Original of our Ideas of Beauty and Virtue, Wolfgang Leidhold (ed.), Indianapolis: Liberty Fund, 2004. [Hutcheson 1758 available on line]
  • James, M., 2012, “Race”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2012 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2012/entries/race/>.
  • Jordan, W., 1969, White over Black: American Attitudes toward the Negro, 15501812, Baltimore: Penguin Books.
  • Kames, Lord (Henry Home), 1758, Essays on the Principles of Morality and Natural Religion, London, 2nd edition.
  • –––, 1774, Sketches of the History of Man, vol. 3, Edinburgh, 1813.
  • –––, 1798, The Gentleman Farmer, being an Attempt to Improve Agriculture by Subjecting It to the Test of Rational Principles, Edinburgh, 4th edition.
  • Konig, D.T., 2016, “Thomas Jefferson and the Practice of Law,” Encyclopedia Virginia, Virginia Foundation for the Humanities.
  •  
  • Kukla, John, 2007, Mr. Jeffersons Women, New York: Vintage Books.
  • Lehmann, K., 1965, Thomas Jefferson: American Humanist, Charlottesville, VA: University of Virginia Press, 1994.
  • Levy, L., 1963, Jefferson and Civil Liberties: The Darker Side, Cambridge: Harvard University Press.
  • Linné, C. (Linnaeus), 1808, A General System of Nature, vol. 1, William Turton (trans.), London: Lackington, Allen, and Co., 1858.
  • Locke, J., 1690 [1964], Essay concerning Human Understanding, A.D. Woozley (ed.), New York: New American Library.
  • Magnis, N., 1999, “Thomas Jefferson and Slavery: An Analysis of His Racist Thinking as Revealed by His Writings and Political Behavior”, Journal of Black Studies, 29(4): 491–509.
  • Malone, Dumas, 1948, Jefferson the Virginian, Boston: Little, Brown and Company.
  • –––, 1951, Jefferson and the Rights of Man, Boston: Little, Brown and Company.
  • –––, 1962, Jefferson and the Ordeal of Liberty, Boston: Little, Brown and Company.
  • –––, 1970, Jefferson the President: First Term, 18011805, Boston: Little, Brown and Company.
  • –––, 1974, Jefferson the President: Second Term, 18051809, Boston: Little, Brown and Company.
  • –––, 1981, The Sage of Monticello, Charlottesville: University Press of Virginia.
  • Martin, E.T., 1952, Thomas Jefferson: Scientist, New York: H. Schuman.
  • Marx, L., 1964, The Machine in the Garden: Technology and the Pastoral Ideal in America, New York: Oxford University Press.
  • Mayer, D.N., 2001, “The Thomas Jefferson-Sally Hemings Myth and the Politicization of American History: Individual Views of David N. Mayer concurring with the Majority Report of the Scholars Commission on the Jefferson-Hemings Matter”, <available online>.
  • McColley, R., 1964, Slavery in Jeffersonian Virginia, Urbana: University of Illinois Press.
  • McCoy, D., 1980, The Elusive Republic: Political Economy in Jeffersonian America, Chapel Hill: University of North Carolina Press.
  • McLaughlin, J., 1988, Jefferson and Monticello: The Biography of a Builder, New York: Henry Holt and Company.
  •  
  • Merkel, W.G., 2012, “A Founding Father on Trial: Jefferson’s Rights Talk and the Problem of Slavery during the Revolutionary Period”, Rutgers Law Review, 64(3): 595–663.
  • Millar, J., 1806, The Origins of the Distinction of Ranks: Or, An Inquiry into the Circumstances which Give Riser to Influence and Authority, in the Different Members of Society, Edinburgh, 4th edition.
  • Miller, J.C., 1977, The Wolf by the Ears: Thomas Jefferson and Slavery, Charlottesville: University of Virginia Press.
  • Mirkin, H., 1972, “Rebellion, Revolution, and the Constitution: Thomas Jefferson’s Theory of Civil Disobedience,” American Studies, 13(2): 61–74.
  • Montesquieu, 1758, The Spirit of Laws, Thomas Nugent (trans.), London, 3rd edition.
  • Neem, J., 2013, “Developing Freedom: Thomas Jefferson, the State, and Human Capability”, Studies in American Political Development, 27(1): 36–50.
  • O’Brien, C.C., 1996, The Long Affair: Thomas Jefferson and the French Revolution, 17851800, Chicago: University of Chicago Press.
  • Onuf, P.S. (ed.), 1993, Jeffersonian Legacies, Charlottesville: University Press of Virginia.
  • –––, 2007, Mind of Thomas Jefferson, Charlottesville: University of Virginia Press.
  • Peden, W., 1954, “Introduction”, Notes on the State of Virginia, in Thomas Jefferson, Thomas Jeffersons Notes on the State of Virginia, William Peden (ed.), Chapel Hill: University of North Carolina Press: xi–xxv.
  • Peterson, M.D., 1960, The Jefferson Image in the American Mind, London: Oxford University Press.
  • –––, 1965, “Thomas Jefferson and the National Purpose”, Proceedings of the American Philosophical Society, 105(6): 517–20.
  • –––, 1970, Thomas Jefferson & the New Nation:A Biography, London: Oxford University Press.
  • ––– (ed.), 1984, Thomas Jefferson: A Reference Biography, New York: Charles Scribner’s Sons.
  • Risjord, N.K., 2002, Thomas Jefferson, Lanham, MD: Rowman & Littlefield.
  • Robertson, W., 1777/1855, The History of the Discovery and Settlement of America, New York: Harper & Brothers.
  • Sanford, C.B., 1984, The Religious Life of Thomas Jefferson, Charlottesville: The University Press of Virginia.
  • Scherr, A., 2016, Thomas Jeffersons Image of New England: Nationalism versus Sectionalism in the Young Republic, Jefferson, NC: McFarland Publishers.
  • Sheridan, E.R., 1983, “Introduction”, in Jeffersons Extracts from the Gospels, Dickinson W. Adams (ed.), Princeton: Princeton University Press: 3–42.
  • Shuffleton, F. (ed.), 2009, The Cambridge Companion to Thomas Jefferson, New York: University of Cambridge Press.
  • Sloan, H., 1993, “‘The Earth belongs in Usufruct to the Living,’” in Onuf 1993: 281–315.
  • Smith, A., 1759 [1982], The Theory of Moral Sentiments, Indianapolis: Liberty Classics.
  • Smith, J.E., 1977, “Philosophical Ideas behind the ‘Declaration of Independence’”, Revue Internationale de Philosophia, 31(121/122): 360–76.
  • Stanton, L., 2009, “Jefferson’s People: Slavery at Monticello”, in Shuffleton 2009: 83–100.
  • Temperly, H., 1997, “Jefferson and Slavery: A Study in Moral Perplexity”, Reason and Republicanism: Thomas Jeffersons Legacy of Liberty, G.L. McDowell and S.L. Noble (ed.), Lanham, MD: Rowman & Littlefield, pp. 85–99.
  • Turgot, A-R-J., 1750 [1973], A Philosophical Review of the Successive Advances of the Human Mind, in Turgot on Progress, Sociology and Economics, R.L. Meek (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, 1973.
  • Volney, C.F., 2010 [1802], The Ruins, Thomas Jefferson (trans.), Fairford, England: The Echo Library.
  • Walton, C., 1984, “Hume and Jefferson on the Uses of History”, Philosophy and the Civilizing Arts, C. Walton and J. Anton (eds.), Athens, OH: Ohio University Press, pp. 389–403.
  • Wiencek, H., 2012, “Thomas Jefferson: Slave Master”, American History, (October): 26–33.
  • Wilson, William, 2017, “The Myth of Jefferson’s Deism,” The Elusive Thomas Jefferson: Essays on the Man Behind the Myths, ed. M. Andrew Holowchak and Brian W. Dotts, Lanham, MD: Lexington Books, 118–129.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

civic education | civic humanism | equality: of opportunity | Hume, David | moral sentimentalism | race | reparations, Black | republicanism | rights: human | Scottish Philosophy: in the 18th Century


[1] Holowchak, M. Andrew, “Thomas Jefferson”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2019 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2019/entries/jefferson/>.