مجلة حكمة
العرق عرق عرقية

العرق

الكاتبمايكل جيمس، آدم بورقوس
ترجمةنورة العوهلي
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول تاريخ مفهوم العرق (عرقية)، وحقيقة وجوده، والعرق في الفسلفة السياسية، والأخلاقية، والقانوينة؛ نص مترجم لد. مايكل جيمس، وآدم بورقوس، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة. نسخة PDF


ماهو العرق؟

لطالما دل مفهوم العرق على تقسيم البشرية إلى مجموعات معدودة على أساس خمس معايير، وهي:

  1. يعكس العرق الأساس الأحيائي، سواءً كان هذا الأساس هو الجوهر حسب مفهوم أرسطو أو الجينات الحديثة،
  2. يولّد هذا الأساس الأحيائي مجموعات عرقية مميزة بحيث أن أفراد العرق الواحد يتشاركون جملةً من الخصائص الأحيائية التي تميزهم عن غيرهم من أفراد الأعراق الأخرى،
  3. يُورث الأساس الأحيائي عبر الأجيال مما يسمح للمراقبين بتحديد عرق فرد ما من خلال أسلافه أو من خلال علم الأنساب، ٤- يحدد البحث عن الأنساب الأصل الجغرافي لكل عرق والذي عامةً يكون في أفريقيا، وأوروبا، وآسيا وشمال وجنوب أمريكا، ٥- يتجلى الأساس الأحيائي الموروث في الأنماط الجسدية الظاهرية مثل لون البشرة، وشكل العين، وملمس الشعر، وبنية العظم، وقد يتجلى أيضاً في الأنماط السلوكية الظاهرية مثل الذكاء أو الجنوح.

واجه هذا المفهوم التاريخي للعرق تحديات علمية وفلسفية جوهرية، إذ أنكر بعض المفكرين البارزين الترابط المنطقي للمفهوم ووجود الأعراق بحد ذاتها، ودافع آخرون عن مفهوم العرق ولكن مع تغييرات جوهرية لقواعد الهوية العرقية بتصويرها إما على أنها مبنية اجتماعياً، أو في حال أنها تستند على أسس أحيائية، فإنها غير جوهرانية أو مميزة كما يصفها المفهوم التاريخي للعرق.

كان ومازال تحديد الأعراق المميزة شائكاً جداً، وأدى إلى اختلافات كبيرة في تحديد عدد الأعراق البشرية التي يُعتقد بوجودها، حيث صنف بعض المفكرين البشر إلى أربعة أعراق مختلفة فقط (العرق الأبيض أو القوقازي، والأسود أو الأفريقي، والأصفر أو الآسيوي، والأحمر أو الأمريكي الأصلي)، وقلّلوا من شأن أي اختلافات أحيائية أو ظاهرية داخل المجموعات العرقية نفسها. في حين صنف آخرون البشر إلى تصنيفات أكثر من التي سبق ذكرها محتجين بأنه يمكن تمييز أعراق أخرى في أوروبا مثلاً، مثل الأسكندنافي، والألبي، والبحر المتوسط.  

أثار الغموض واللبس المصاحبين لتحديد الأصناف العرقية إجماع علمي واسع بأن الأعراق المميزة أو الجوهرانية هي نتاج مفهوم اجتماعي وليست نتاج حقيقة أحيائية. ولكن استمر الجدل العلمي بخصوص ما إذا كان الانعزال التكاثري – إما من خلال تطور الإنسان أو من خلال ممارسات حديثة معيقة للتزاوج بين الأعراق- قد ولّد عزلة جينية كافية لتبرير استخدام مصطلح العرق دالاً على وجود مجموعات بشرية غير منفصلة لا تتشارك فقط مظاهر جسدية خارجية، وإنما أيضاً تتشارك مجموعات من المواد الجينية. ويوجد أيضاً جدل علمي بشأن نشأة وطبيعة التصنيفات العرقية المميزة المبنية اجتماعياً، فعلى سبيل المثال: يقترح بعض العلماء أنه لا يمكن تصور العرق بدون التسلسل الهرمي الاجتماعي للتصنيف العرقي. ويجادل آخرون بإمكانية وجود علاقات عرقية متساوية. وختاماً هناك جدل جوهري يحيط بالمكانة الأخلاقية للهوية العرقية والتكاتف وعدالة وشرعية السياسات والمؤسسات الرامية إلى إضعاف اللامساواة العرقية.

يركز هذا المدخل في المقام الأول على الدراسات المعاصرة فيما يخص الأسئلة المفاهيمية، والوجودية، والمعرفية، والمعيارية التي تتعلق بالعرق مع قسم تمهيدي لتاريخ مفهوم العرق في الغرب والفلسفة الغربية. ولا يركز المدخل بالتفصيل -ماعدا في بعض النقاشات في القسم الخامس- على كتاب مثل فريدريك دوقلاس (Frederick Douglass)، ووليام إدوارد بورغاردت دو بويز (W.E.B. Du Bois,)، أو فرانتز فانون (Frantz Fanon)، أو حركات مثل النظرية النقدية للعرق، والهوية السوداء، وفلسفة التحرر أو وجهات النظر النسوية للعرق. يمكن للقارئ المهتم بهذه المواضيع الرجوع إلى المداخل ذات الصلة في موسوعة ستانفورد للفلسفة للاستزادة منها ومن مواضيع أخرى مهمة لدراسة العرق في الفلسفة. 

نتتبع في القسم الأول الأصول التاريخية وتطور مفهوم العرق. يغطي القسم الثاني الجدل الفلسفي المعاصر حول وجود الأعراق. وثم ننظر في القسم الثالث في الفروقات بين العرق والطائفية الإثنية. ويستطلع القسم الرابع الجدل بين الفلاسفة الأخلاقيين والسياسيين والقانونيين حول صلاحية الهوية العرقية، والتضامن العرقي، والسياسات المختصة بأعراق معينة مثل التمييز الإيجابي، والتمثيل المختص بعرق معين. ويلخص القسم الخامس مساهمة الفلسفة القارية حول مفهوم العرق.


١. تاريخ مفهوم العرق

يرى الموقف العلمي السائد أن مفهوم العرق ظاهرة حديثة، على الأقل في أوروبا والأميركيتين. ولكن يوجد اتفاق أقل بشأن ما إذا كانت العنصرية موجودة في العصور الرومانية والإغريقية القديمة حتى في ظل غياب مفهوم متطور للعرق.  أفضى العمل المؤثر للكلاسيكي فرانك سنودن (Frank Snowden) (1970; 1983) – والذي يؤكد غياب التحامل ضد السود في العصور القديمة- بالعلماء المهتمين بالعرق إلى استنتاج أن العنصرية لم تكن موجودة في تلك الحقبة. ولكن رد عليهم الكلاسيكيين المتأخرين بأن عمل سنودن حد من ذكر كل أشكال العنصرية دون مبرر مكتفياً بذكر النسخة الأمريكية من العنصرية والتي ترتكز على لون البشرة والعلامات الأخرى للهوية غير البيضاء. ويؤكد كلاً من بينجامين إسحاق (Benjamin Isaac) (2004)  ودينيس مكوسكي  (2012) (Denise McCoskey) أن الرومان والإغريق القدماء كانوا بالفعل يحملون آراء عنصرية أولية كتلك التي تنطبق على آراء المجموعات الأخرى التي تعتبر هذه الأيام بيضاء. يناقش إسحاق بصورة مقنعة أنه يجب اعتبار تلك الآراء عنصرية أولية بالرغم من أنها تشكلت دون مساعدة المفهوم المعاصر للعرق المبني على أفكار علم الأحياء القطعي (2004, 5)، بيد أنها كانت مشابهة للعنصرية الحديثة لأنها تنسب للمجموعات من البشر خصائص مشتركة تعتبر غير قابلة للتغير لأنها محددة بعوامل خارجية أو وراثية (2004, 38). والأهم أن كلاً من بينجامين إسحاق ودينيس مكوسكي أكّدا أن العنصرية الأولية القديمة أثرت على نشأة العنصرية الحديثة.

ويبدو أن أولى التحركات غير الواعية لمفهوم العرق ظهرت داخل شبه الجزيرة الإيبيرية. إذ أصبحت شبه الجزيرة الإيبيرية مكان اختلاط عظيم بين اليهود والمسيحيين والمسلمين إبان استيلاء المغاربة عليها في القرن الثامن. خلال وبعد هذا الغزو للإمارات المسلمة في شبه الجزيرة سعى الملوك الكاثوليك إيزابيل (Isabel) وفيرناند (Ferdinand) لتأسيس دولة مسيحية موحدة بنفي اليهود أولاً عام 1492 ثم المسلمين عام 1502. ولكن لأن أعداد كبيرة من تلك المجموعات تنصرت لتتجنب الترحيل (وقبلها لتتجنب الاضطهاد)، لم يثق الملوك بأصالة هؤلاء اليهود والمسلمين المتنصرين حديثاً. وأعاد المحقق العام توركيمادا (Torquemada) صياغة محاكم التفتيش لتشمل الاستعلام عن أصول المدعى عليهم وليس فقط معتقداتهم وممارساتهم الدينية لضمان أن يبقى في الدائرة المسيحية المؤمنون الحقيقيون فقط. وكان في مأمن داخل الدائرة المسيحية كل من استطاع اثبات أن أسلافه كانوا مسيحيين تصدوا للغزو المغربي. فولدت فكرة نقاء الدم بالتالي ليست باعتبارها مفهوماً أحيائياً كليةً، ولكن كأول استخدام غربي لأواصر الدم باعتباره تصنيفاً لعضوية سياسية دينية (Bernasconi and Lott 2000, vii; Hannaford 1996, 122–126; Frederickson 2002, 31–35).

قد تكون شبه الجزيرة الإيبيرية شهدت أول تحركات عنصرية ضد السود والأمريكيين الأصليين. في حين أن شبه الجزيرة الإيبيرية كانت أول منطقة في أوروبا تستغل العبودية الأفريقية، فقد رفضت تدريجياً العبودية لنظرائهم الأوربيين المسيحيين، فقد اعتبر المسيحيين الإيبيريين السود مناسبين جسدياً وعقلياً للعمل في المناجم فقط. تأثر الإيبيريين في هذه النظرة بتجار الرقيق العرب الذين اعتادوا على إسناد أسوء المهام لعبيدهم ذوو البشرة السمراء في حين كانوا يسندون الأعمال الأكثر تعقيداً لعبيدهم الأخف سمرةً (Frederickson 2002, 29).  أدى اكتشاف الإيبيريين للعالم الجديد إلى التقاء المسيحيين الأوروبيين بالسكان الأصليين للقارة الأمريكية لأول مرة. ونتج عن هذا اللقاء نقاش محتدم في بلد الوليد (Valladolid) عام 1550 بين بارتولومي دي لاس كاساس (Bartolomé Las Casas) وغينيه دي سيبولفيدا (Gines de Sepúlveda) حول إن كان الهنود دونيين بطبيعتهم ويستحقون العبودية والاحتلال. إلا أن الإمبراطورية الإسبانية تمكنت من تجنب عنصرة شعبها المحتل والعبيد الأفريقيين، سواء كان هذا بسبب نصر لاس كلساس على سيبولفيدا أو بسبب الطبيعة الهرمية للكاثوليكية الإسبانية والتي لم تتطلب التجريد من الإنسانية لتبرير العبودية. ومما لا شك فيه أن الصراع بين المبادئ التنويرية للحرية العالمية والمساواة وبين حقيقة استعباد أوروبا للأفارقة والأمريكيين الأصليين عزز من تطور فكرة العرق (Blum 2002, 111–112; Hannaford 1996, 149–150).

في حين أن الأحداث في شبه الجزيرة الإيبيرية قد تكون مهدت للحركات الأولية للآراء العنصرية الحديثة، ظهر مفهوم العرق وارتباطاته القوية بالأفكار الأحيائية الحتمية مع ظهور الفلسفة الطبيعية الحديثة واهتمامها بعلم التصنيف (Smith 2015). ظهرت أول صياغة مهمة لمفهوم العرق مع نشر مقالة (تقسيم جديد للأرض) (A New Division of the Earth) لفرانكيوس بيرنير (Francois Bernier) (Bernasconi and Lott 2000, viii; Hannaford 1996, 191, 203). بناءً على رحلاته لمصر والهند وبلاد فارس، قسّم بيرنير البشرية في هذه المقالة إلى أربع أو خمس أنواع أو أعراق مستنداً على الفروقات الواضحة بينهم والتي جعلها أساساً للتقسيم الجديد للأرض (Bernasconi and Lott 2000, 1–2).  أول هذه الأعراق هو عرق سكان أغلب أوروبا وشمال أفريقيا، ممتدين نحو الشرق إلى بلاد فارس، وشمال ووسط الهند، إلى أجزاء من اندونيسيا المعاصرة. بالرغم من اختلافهم في ألوان البشرة إلا أنهم يشتركون في خصائص جسدية مثل ملمس الشعر وبنية العظم. ويتكون العرق الثاني من الأفريقيين جنوب الصحراء الكبرى والذين يمتلكون بشرة سوداء ناعمة وأنوف وشفاه غليظة ولحى خفيفة وشعور أشبه بالصوف. يمثل العرق الثالث سكان الأراضي من شرق آسيا مروراً بالصين ودول آسيا الوسطى المعاصرة مثل أوزبكستان وباتجاه الغرب نحو سيبيريا وشرق آسيا، ويتميزون ببشرة بيضاء جداً ومناكب عريضة ووجوه مسطحة وأنوف فطساء ولحى خفيفة وأعين مبطنة. بينما يشكل اللابيون البدناء وقصيري القامة في شمال اسكندنافية العرق الرابع. وبحث بيرنير في إمكانية اعتبار السكان الأصليين للأمريكيتين عرقاً خامساً، ولكن اعتبرهم في نهاية المطاف جزءاً من العرق الأول (Bernasconi and Lott 2000, 2–3).

في حين أن بارنير استهل استخدام مصطلح العرق للتفريق بين المجموعات المختلفة من البشر استناداً على السمات الجسدية، لكنه فشل في التدبر في العلاقة بين التقسيم العرقي والعرق البشري إجمالاً مما خفف من الصرامة العلمية لتعريفه (Bernasconi and Lott 2000, viii). يعتبر البت في مسألة وحدة الأصل وتعدده محورياً في المفهوم العلمي للعرق. تتقيد فكرة وحدة الأصل بالرواية الإنجيلية للخلق من ناحية تأكيد أن جميع البشر ينحدرون من جد واحد والذي قد يكون آدم المذكور في سفر التكوين، وفي المقابل تؤكد فكرة تعدد الأصول أن الأعراق البشرية مختلفة وتنحدر من جذور موروثة مختلفة. ويزعم الرأي الأول أن جميع الأعراق تنتمي لنوع بشري واحد مشترك بينما يرى الرأي الأخير أن الأعراق أنواع متفردة.

إن موقف ديڤيد هيوم (David Hume) من الجدل حول وحدة الأصل أو تعدده هو موضع جدل علمي. ويشكل مقاله المعنون (عن الشخصية الوطنية) (Of National Characters) جوهر النزاع حيث أنه يزعم في هذا المقال أن الاختلافات بين الأمم الأوروبية لا تعزى إلى اختلافات طبيعية ولكن إلى تأثيرات ثقافية وسياسية. وفي خضم هذا الجدل ضد المدرسة الطبيعية الأولية، أدرج هيوم حاشية في طبعة عام 1754 يقول فيها: “أميل للظن بأن الزنوج وكل الأنواع الأخرى من البشر عامةً (هناك أربع أو خمس أنواع مختلفة) أقل طبيعياً من البيض. لم يكن يوجد مطلقاً أمة متحضرة غير بيضاء، ولا يوجد أبداً أي فرد مرموق في العمل أو الفكر من غير البيض” ( (Zack 2002, 15; emphasis added.

في حين أن حتى أكثر الشعوب البيضاء وحشية مثل الألمان” لديهم شيء ما يميزهم”، الفرق المتماثل والثابت في الإنجاز بين البيض وغيرهم لا يمكن أن يحدث إذا لم تكن “الطبيعة ميزتهم عن غيرهم من السلالات”.” لطّف هيوم موقفه هذا استجابةً للنقد في طبعة عام 1776 بحصر ادعاءاته عن الدونية الطبيعية على الزنوج فقط قائلاً: “أن بالكاد أمة متحضرة من هذه البشرة، أو فرد بارز منهم في العمل أو الفكر” (Zack 2002, 17; Hume 1776 [1987], 208; emphasis added). أكد ريتشارد بوبكن  (1977) (Richard Popkin) و ناومي زاك (2002, 13–18) (Naomi Zack) أن نسخة عام1754 من المقال تفترض بدون إثبات فرقاً أصيلاً متعدد الجينات بين البيض وغيرهم من الأعراق. ونفى أندور ڤالز (2005, 132) (Andrew Valls) تبني كلا النسختين من الحاشية فكرة تعدد الأصول.

وقدم إيمانويل كانت (1724–1804) (Immanuel Kant) دفاعاً قوياً وواضحاً عن وحدة الأصل في مقاله (عن الأعراق البشرية المختلفة،) (Of the Different Human Races,) والذي نشر عام 1775 ونُقح عام 1777. يزعم كانت بأن كل البشر ينحدرون من نسل جنس بشري واحد مشترك تعود أصوله لأوروبا والذي يحتوي على البذور الأحيائية والنزعات التي تستطيع انتاج الخصائص الجسدية المميزة للعرق عندما تحفزها العوامل البيئية، خاصة مزيج الحر والرطوبة. تؤدي البذور الأحيائية بالإضافة إلى أنماط الهجرة والعزلة الجغرافية وزواج الأقارب إلى الاختلاف بين الأعراق الأربعة الصافية المميزة، وهي: الأشقر النبيل في شمال أوروبا، والنحاسي الأحمر في أمريكا وشرق آسيا، والأسود في سينيغامبيا في أفريقيا، والأصفر الزيتوني في الهند. ما إن تطورت هذه المجموعات العرقية المميزة بعد عدة أجيال، لم يعد التغير المناخي قادر على تغيير أنماطها الظاهرية (Bernasconi and Lott 2000, 8–22).

بالرغم من أن الفرق تولّد بين هذه الأعراق المختلفة، إلا أن وحدة الأصل بالنسبة لكانت جعلته يزعم أن هذه الأعراق المختلفة هي جزء من نوع بشري مشترك. واستشهد بحقيقة أن الأفراد الذين ينتمون إلى أعراق مختلفة قادرين على التكاثر سويةً، وأن ذرياتهم تميل إلى حمل خصائص جسدية موروثة من كلا والديهم. هذا لا يعني فقط أن الوالدين كانوا في الأساس جزءاً من نوع واحد وإنما أيضاً يدل أنهم كانوا ينتمون إلى أعراق مميزة، وذلك لأن الخصائص الجسدية للوالدين الذين ينتمون إلى نفس العرق لا تختلط، ولكنها عادةً ما تنتقل حصرياً. فعلى سبيل المثال: قد يكون للرجل الأبيض الأشقر مع المرأة البيضاء سوداء الشعر أربع أطفال شقر، مما يعني عدم امتزاج هذه الخاصية الجسدية، في حين أن أطفال رجل أسود وامرأة بيضاء سيحملون خصائص مختلطة بين العرقين الأبيض والأسود. تشير هذه الاختلاطات بين الأعراق إلى وجود أفراد بخصائص جسدية تبدو واقعة بين حدود عرق مميز من الأعراق الأربعة. يوصف هؤلاء الأشخاص الذين لا يندرجون بدقة تحت أحد الأعراق باعتبارهم مجموعات لديهم جذور لم يحفزها كليةً المحفز البيئي المناسب (Bernasconi and Lott 2000, 11).

عزز الرجل الذي يعتبر أب علم الإنسانيات الحديث يوهان فريدريش بلومنباخ (1752–1840) (Johann Friedrich Blumenbach) “علم” العرق. حدد في أطروحته الدكتوراة (عن التنوع الطبيعي للبشر) (On the Natural Variety of Mankind) والتي نشرت لأول مرة عام 1775 أربع أنواع للبشر: الأوروبيون والآسيويون والأفارقة والأمريكيون. ونقح وأعاد نشر مقالته عام 1781 حيث قدم فيها نوع خامس للبشر والذي يسكن جزر المحيط الهادي، وفي عام 1795 صاغ مصطلح “قوقازي” لوصف الأشخاص القاطنين في أوروبا وغرب آسيا وشمال الهند. يعكس هذا المصطلح زعمه بأن هذا النوع منشأه جبال القوقاز في جورجيا مبرراً هذا من خلال الإشارة إلى الجمال الخارق للجورجيين. وشملت أيضاً نسخة عام 1795 المصطلحات التالية: منغولي (Mongolian) لوصف الأشخاص غير القوقازيين في آسيا، والأثيوبي (Ethiopian) لتدل على الأفارقة السود، والأمريكي (American) للدلالة على الأشخاص الأصليين في العالم الجديد، و ملايو (Malay) لتمييز سكان جزر المحيط الهادي (Bernasconi and Lott 2000, 27–33; Hannaford 1996, 207).

في حين أنه سجل ملاحظات عن الفرق في لون البشرة إلا أنه اعتمد على التفرقة بين الأنواع على شكل الجمجمة والذي من المفترض أن يمنح أوجه التمييز التي وضعها أساساً علمياً أكثر صلابةً من تقسيم البشر على أساس ألوانهم (Hannaford 1996, 206). ونفى بقوةٍ أيضاً تفسير الفروق العرقية التي تعتمد على فكرة تعدد الأصل، مشيراً إلى قدرة البشر الذين ينتمون إلى عدة أعراق على التكاثر بينهم في حين أنهم غير قادرين على ذلك مع الأنواع الأخرى من المخلوقات. وقد اتخذ جهداً كبيراً بالفعل لرفض الروايات المزيفة التي تروي تزاوج الأفريقيين مع القردة وتشكل الوحوش من خلال اتحاد البشر مع المخلوقات الأخرى (Hannaford 1996, 208–209). وفي دفاعه الأخير عن طريقته العلمية التي تدعم وحدة الأصل، افترض بلومنباخ قوة داخلية أحيائية تنتج الاختلاف العرقي، يسمى المحرك التكويني، يقوم بإنتاج الاختلاف الموجود بين الأنواع البشرية عندما يحفزه محفز بيئي معين (Hannaford 1996, 212).

بالرغم من قوة الحجج التي قدمها العلماء الذين يدعمون فكرة وحدة الأصل مثل كانت وبلومنباخ، إلا ان فكرة تعدد الأصل مازالت عبئاً فكرياً ناجعاً ضمن نطاق نظرية العرق خاصة في المدرسة الأمريكية لعلم الإنسان متمثلة في كلٍ من: لويس أغاسيز (Louis Agassiz) وجورج جليدون (Robins Gliddon) وجوزيه كلارك نوت (Josiah Clark Nott). ولد أغاسيز في سويسرا وحصل على درجة الماجستير في ميونيخ ثم درس علم الحيوان وعلم الأرض وعلم المتحجرات في عدة جامعات ألمانية تحت تأثير النظريات الرومانسية العلمية. تشرب في بادئ الأمر الالتزام القوي الذي يدعم وحدة الأصل من خلال نشأته المسيحية الاورثودوكسية، ولكن عند زيارته لأمريكا رأى الأفارقة الأمريكيين لأول مرة مما جعله يمر بتجربة التحول التي أفضت به إلى التساؤل عما إذا كان هؤلاء الأشخاص المختلفين بشكل واضح يشتركون مع الأوروبيين في الدم. واستقر في نهاية الأمر في أمريكا وبدأ عمله فيها واستمر في دهشته بالهيئة الجسدية للأفارقة الأمريكيين، وأعلن تحوله لفكرة تعدد الأصل في اجتماع الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم (the American Association for the Advancement of Science AAAS) في تشارلستون في كارولينا الجنوبية عام 1850. وكان من ضمن الحضور في هذا الاجتماع كلاً من: نوت، وهو فيزيائي من كارولينا الجنوبية، وجليدون، وقد انضموا إلى أغاسيز في اصدار دفاع المدرسة الأمريكية عن فكرة تعدد الأصول (Brace 2005, 93–103).

تأثر نوت وأغاسيز بالمنظّر الفرنسي الذي ينتمي للمدرسة الرومانسية للعرق آرثر دو غوبينو (1816–1882) (Arthur de Gobineau) والذي ترجم نوت أجزاء من مقاله (مقال عن عدم مساواة الأجناس البشرية) (Essay on the Inequality of the Human Races) (1853–1855) إلى الإنجليزية ونشرت الترجمة للجمهور الأمريكي. بالرغم من أن غوبينو الكاثوليكي تبنى في البداية فكرة وحدة الأصل، إلا أنه مال بعد ذلك نحو فكرة تعدد الأصل وانتهى به المطاف متردداً بشأنها (Hannaford 1996, 268–269). ولكن غوبينو أكد على التفوق العنصري للعرق الأبيض كما يرى نوت (Brace 2005, 120–121). افترض غوبينو وجود حافزين بين البشر، هما الجذب والنفور، حيث تظهر الحضارات عندما يطيع البشر قانون الجذب ويختلطون مع البشر الذين ينتمون لسلالات عرقية مختلفة. ووفقاً لغوبينو فإن نشأة العرق الأبيض كانت من خلال اختلاط كهذا مما سمح وحده بإنتاج حضارة، على عكس الأعراق الأخرى والتي كانت يحكمها قانون النفور فقط. ولكن عندما تؤسس حضارة ما فإن الاختلاط بين الأعراق يؤدي إلى انحطاط العرق من خلال تدهور نوعية دم العرق نفسه. وبناءً عليه عندما يغزو العرق الأبيض العرق الأسود أو الأصفر فإن أي اختلاط سيؤدي إلى الانحدار. فزعم غوبينو بالتالي أن العرق الأبيض لن يموت طالما بقي دمه مؤلفاً من خليطه الأولي من البشر. ومن الجدير بالذكر أن نوت اقتطع استراتيجياً الأجزاء التي تناقش قانون الجذب عندما ترجم مقالة غوبينو للقارئ الأمريكي (Bernasconi and Lott 2000, 45–51).

وفي نهاية المطاف تراجعت فكرة تعدد الأصول بعد النجاح الفكري لـ نظرية التطور لـتشارلز داروين (Brace 2005, 124). قدم داروين تقييمه في هذا الجدل في فصل (حول أعراق الإنسان) (On the Races of Man) في كتابه (أصل الإنسان) (The Descent of Man)  (1871)قائلاً بأنه مع القبول الواسع لنظرية التطور فإن “الخلاف بين المتبنين لفكرة وحدة الأصل والمتبنين لفكرة تعدد الأصل سيموت خلسةً بصمت” (Bernasconi and Lott 2000, 68) والفوز سيكون من نصيب فكرة وحدة الأصل. تداول بقية المقال آراء كلاً من طرفي المناظرة بخصوص إن كانت الأعراق المختلفة تشكل أنواع بيولوجية مختلفة كلية أو أنواع فرعية من البشر. بالرغم من أن داروين لم ينحز إلى طرف معين في هذا الجدل إلا أن أغلب نقاشه لا يدعم فكرة أن الأعراق هي أنواع بيولوجية مختلفة، فعلى سبيل المثال لاحظ داروين أن الأزواج الذين ينتمون لأعراق مختلفة ينتجون ذرية خصبة وقد يشترك أفراد من أعراق مختلفة في عدة سمات عقلية. ومع ذلك، وبالرغم من أن نظرية التطور الداروينية قضت على فكرة تعدد الأعراق والفكرة المتصلة بها عن كون الأعراق هي أنواع بيولوجية مختلفة، إلا إنها لم تقضِ على مفهوم العرق نفسه. فداروين نفسه لم يكن يعتقد أنالاصطفاء الطبيعي سيولد بنفسه فوارق عرقية نظراً لأن الخصائص الجسدية المرتبطة بالاختلافات العرقية لم تبدو مجدية بدرجة كافية ليُفضل بقاءها، لكنه ترك المجال مفتوحاً لدور الاصطفاء الجنسي في تشكيل الأعراق من خلال التزاوج المتكرر بين الأفراد الذين لديهم سمات متماثلة (Bernasconi and Lott 2000, 77–78). وبناءً عليه فإن مفكري العرق المتأخرين استبدلوا فكرة تعدد الأصل بالاصطفاء الطبيعي والاصطفاء الجنسي باعتبارها تقنيات علمية بموجبها يستطيع الاختلاف العرقي المواصلة ببطء وبصورة غير متعمدة ولكن حتمية (Hannaford 1996, 273).

أصبح الاصطفاء الجنسي المحور الرئيسي في التفكير العرقي مع إنشاء فرانسيس غالتون (1822–1911)  (Francis Galton) لمصطلح “تحسين النسل” عام 1883 في مقاله (تحقيقات في قدرة الانسان والتطور) (Inquiries into Human Faculty and Development) (Hannaford 1996, 290). ركز غالتون على الخصائص الجسدية بدلاً من الأخلاقية فدعا إلى التزاوج الانتقائي لتحسين الصحة والطاقة والقدرة والرجولة والكياسة للبشر في مقاله الذي تلى الأول تحت عنوان (تحسين النسل: تعريفه ونطاقه وهدفه) (Eugenics: Its Definition, Scope, and Aims) (Bernasconi and Lott 2000, 80). وطبق نفس اتجاهات الداروينية الاجتماعية والتي نادت إلى التحسينات التطورية للحال البشرية من خلال التدخل البشري الفعال فاقترح جعل تحسين النسل ليس فقط عنصراً في الثقافة الشعبية أو ديناً جديداً (Bernasconi and Lott 2000, 82) ، ولكن أيضاً سياسة تفرضها الحكومة الأمريكية. في حين أن تحسين النسل الإيجابي أو التزاوج المفروض للأنواع العليا لم يسن قانوناً، فقد أصبح تحسين النسل السلبي أو تعقيم المتخلفين عقلياً والعجزة سياسة عامة تفرضها عدد من الولايات الأمريكية وتؤيدها المحكمة العليا الأمريكية في قرارها ثمانية إلى واحد في قضية بك ضد بيل (Buck v. Bell) (274 U.S. 200, 1927). يمكن استنتاج القبول الواسع لتحسين النسل السلبي من واقع أن حكم المحكمة، والذي احتوى في نصه على تبرير للقرار، كان قد كتبه القاضي أوليفر وندل هولمز (Oliver Wendell Holmes) المعروف بآرائه التقدمية والتحررية المدنية وبتشريعه “خطر واضح وقائم” الهادف لتوسيع حماية حرية التعبير.

بلغت ذروة التفكير العرقي ما بعد الدارويني في كتاب هيوستن ستيوارت تشامبرلين، (1855–1927) (Houston Stewart Chamberlain) (أسس القرن التاسع عشر) (The Foundations of the Nineteenth Century)، وهو زوج ابنة مؤلف الموسيقي ريتشارد فاغنر (Richard Wagner). زعم تشامبرلين باستخدام مصطلحات تطويرية للاصطفاء الجنسي بأن الأعراق المميزة ظهرت من خلال ظروف جغرافية وتاريخية والتي خلقت التزاوج بين أفراد معينين بخصائص متشابهة (Hannaford 1996, 351). ومن ثم انتقل تشامبرلين من هذه المواصفات الأولية وزعم أن العناصر الأساسية للحضارة الغربية -الفلسفة والفن المسيحي الإغريقي القديم- ظهرت من العرق الآري. فكان يُعتقد أن المسيح على سبيل المثال ينتمي إلى العرق الآري بالرغم من ديانته اليهودية باعتبار أن الجليل كان يسكنها فينيقيون آريون ويهود ساميون. وتمت إعادة تفسير الفرق الذي وضعه أرسطو بين الإغريق والبربر في التفريق بين الآريين وغيرهم. أصبحت هذه العناصر المسيحية والإغريقية متحدة في أوروبا خاصة خلال حركة الإصلاح مما سمح بالضغط التوتوني (Teutonic) العالي للعرق الآري أن يتحرر من الأغلال الثقافية الرومانية الكاثوليكية التي أعاقته. ولكن في حين أن المؤسسات والممارسات الرومانية قد تكون أعاقت الألمان التوتونيين، فإن اليهود الذين يعتبرون أعلى مظهر للعرق السامي كانوا عكسهم تماماً. تحولت التوترات الدينية الأوروبية بين المسيحيين واليهود إلى صراعات عرقية لدرجة عجز التحول الديني والتسامح الكنسي عن علاج هذا الخلاف. ومن غير المفاجئ أن كتابات تشامبرلين أصبح يُنظر لها باعتبارها الركائز الفكرية الرئيسية لمعاداة السامية الألمانية في القرن العشرين والتي يُعتبر أدولف هتلر ببساطة أكثر مظاهرها تطرفاً.

إذا كانت كتابات تشامبرلين تعتبر التغذية الفكرية للتحيز العرقي الألماني، فإن ماديسون جرانت (1865–1937) (Madison Grant) قدم أسس مشابهة للتحيز العرقي الأمريكي ضد السود والأمريكيين الأصليين في كتابه المشهور (اجتياز السباق العظيم) (1916) (The Passing of the Great Race). رفض جرانت الوسائل السياسية والتعليمية لتخفيف عوز مجموعات الأعراق الثانوية في أمريكا، ودعا بدلاً من ذلك إلى فصل صارم ومنع تمازج الأجناس أو التزاوج بين أفراد الأعراق المختلفة (Hannaford 1996, 358). ولقى جرانت نجاحاً يوازي نجاح غالتون في التأثير على السياسة العامة الأمريكية من خلال فرض تقييد عنصري على المهاجرين على مستوى فيدرالي وتطبيق قوانين ضد تمازج الأجناس في ثلاثين ولاية حتى أبطلت المحكمة العليا الأمريكية إجراءات الحظر هذه في قرار لوڤينق ضد ڤيرجينيا Loving v. Virginia (388 U.S. 1 [1967])).

إذا اعتبرنا أن أوج العرق الأحيائي كانت في بداية القرن العشرين، فإن سقوطه كان في نفس الوقت تقريباً. بينما روّج وسيّس كتاب مثل تشامبرلين وجرانت للمفاهيم الأحيائية للتسلسل الهرمي العرقي، منح علماء الإنسانيات منذ بلومنباخ مفهوم العرق مشروعية علمية. ولكن قدم علم الإنسانيات أول تحد للعرق الأحيائي من خلال البروفيسور فرانز بواس (1858-1942) (Franz Boas) من جامعة كولومبيا وهو يهودي ولد في ألمانيا هاجر إلى الولايات المتحدة. تحدى بواس الشخصية الثابتة للمجموعات العرقية وذلك بتعليقه على حجم الجمجمة باعتبارها أحد أهم أسس التصنيفات العرقية. وبيّن بواس أن هذه الخاصية تأثرت تأثيراً عميقاً بعوامل بيئية وأشار أن مواليد أمريكا الذين ينتمون إلى أعراق مختلفة مثل اليهود الساميين يميلون لامتلاك جماجم أكبر من آبائهم الذين ولدوا في أوروبا نتاج اختلاف التغذية، فاستنتج من ذلك أنه يمكن أيضاً الحد من الادعاءات بخصوص أن الاختلافات في القدرات العقلية مرتبطة بالعرق وعزو ذلك لمثل هذه العوامل البيئية. زعزع بواس بذلك إحدى معايير الاختلاف العرقي، وبالرغم من أنه لم يذهب بعيداً ويرفض مفهوم العرق الأحيائي بذاته كليةً إلا أنه أثّر تأثيراً قوياً في علماء الإنسانيات حيث حولوا تركيزهم بشكل واضح من الخصائص الأحيائية الثابتة المزعومة إلى العوامل الثقافية المتقلبة ليفهموا الاختلافات بين المجموعات البشرية (Bernasconi and Lott 2000, 84–88; Brace 2005, 167–169; Cornell and Hartmann 1998, 42–43).

وجّه علم الإنسانيات رفض قوي لمفهوم العرق الأحيائي من خلال آشلي مونتاغيو (1905–1999) (Ashley Montagu). زعم مونتاغيو بحزم مستعيناً بأفكار من علم الجينات التجريبي الحديث بأن مفهوم علم الإنسانيات للعرق استند على تقسيم البشر إلى مجموعات عبر تصنيف خصائص جسدية ملحوظة معاً، في حين أن الركائز الأساسية الحقيقة للتطور كانت جينية، مما يعني أن التغيرات الأحيائية بين البشر تحصل على مستوى أدق بكثير. كانت السمات الشكلية المرتبطة بالعرق بالتالي مجاميع كبيرة من تشكيلة من التغيرات الجينية بعضها نتج عنها خصائص جسدية ملحوظة والكثير منها نتج عنها تغيرات غير ملحوظة. إضافة إلى ذلك، بما أن التطور الجيني يمكن أن يحدث خلال كلاً من اختلاط جينات مختلفة والطفرة في نفس الجين عبر الأجيال، فإن السمات المرتبطة بالأعراق لا يمكن أن تُعزى فقط إلى نسل جيني غير مختلط، لأنه في حين أن البشرة السمراء والشعر المموج لفرد واحد قد ينتج من اختلاط جينات، فإن نفس السمات في فرد آخر قد تنتج من طفرة جينية (Bernasconi and Lott 2000, 100–107). نتج عن جهود مونتاغيو في النهاية نشر بيان رسمي يرفض الأسس الأحيائية للعرق خلال منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو  (UNESCOعام 1950، بالرغم من أن الجمعية الأمريكية لعلماء الأنثروبولوجيا الحيوية (AAPA) استغرقت حتى عام 1996 لنشر بيان مشابه  (Brace 2005, 239).

٢. هل الأعراق موجودة؟ مناظرات فلسفية معاصرة

يقدم رون مالون (2004, 2006, 2007) (Ron Mallon) مخططاً جميلاً للأرضية الفلسفية المعاصرة فيما يخص حالة مفهوم العرق، مقسماً إياها إلى ثلاثة مدارس فكرية متنافسة ومقنعة فيما يتعلق بالحالة الأنطولوجية للعرق إلى جانب المفهوم الأحيائي المهمَل. تدل المدرسة الطبيعانية العرقية على مفهوم العرق الأحيائي القديم والذي يصور العرق على أنه يحمل مكنونات داخليه سلوكية أحيائية: صفات ضمنية طبيعية (قد تكون جينية) والتي تكون: (١) خصائص أحيائية قابلة للتوريث (٢) يشترك فيها كل أفراد العرق الواحد فقط (٣) تشرح الاستعدادات المسبقة السلوكية المرتبطة بخصائص شخصية للأشخاص والمجموعات العرقية (2006, 528–529). في حين أن الفلاسفة والعلماء وصلوا لإجماع ضد المدرسة الطبيعانية العرقية، اختلف الفلاسفة بشأن الحالة الأنطولوجية الممكنة لمفهوم آخر للعرق. قسم مالون هذه الاختلافات إلى ثلاث معسكرات ميتافيزيقية وهي: (الشكوكية العرقية، والبنائية العرقية، والطبيعانية السكانية العرقية، ومعسكرين معياريين وهما: (المدرسة الإقصائية ومدرسة المحافظة).

تعتقد مدرسة الشكوكية العرقية أن الأعراق بجميع أنواعها غير موجودة لأن الطبيعانية العرقية مزيفة. ويؤكد المتبنين لمدرسة الشك العرقي مثل أنتوني أبيا (1995, 1996) (Anthony Appiah) وناومي زاك (1993, 2002) (Naomi Zack) أن مصطلح العرق لا يمكن أن يشير إلى أي شيء حقيقي في العالم لأن الشيء الوحيد في العالم الذي يمكن أن يشير إليه هذا المصطلح بصورة فريدة -كأعراق أحيائية جوهرانية ومتفردة- تم إثبات عدم وجوده. تقدم زاك (2002, 87–88) تلخيص سهل لجدل مدرسة الشكوكية العرقية ضد الأسس الأحيائية للعرق، إذ تلخص تباعاً الرفض العلمي للجوهر والجغرافيا والأنماط الظاهرية والانتقال الوراثي ما بعد المندلي والأنساب باعتبارها أسس محتملة للأعراق. رفض الفلاسفة الحديثين المبكرين مفهوم أرسطو للجوهر والذي وضع أسس الخصائص المشتركة للكائنات المتفردة. إذا لم يستطع مفهوم الجوهر من وضع أسس الفروقات بين الكائنات، فبالتأكيد لن يستطيع وضع أسس الفروقات بين البشر الذين ينتمون لأعراق مختلفة، حيث أن حتى علم الأعراق في القرن التاسع عشر مازال يعتبرهم أفراداً ينتمون إلى نفس النوع. بينما تستند النظريات الشعبية على الموقع الجغرافي لتقسيم البشرية إلى أعراق افريقية وأوروبية وآسيوية وهنود حمر، فقد أظهرت جينات السكان المعاصرة فراغ هذا الأساس لسببين: الأول هو أن المحفز البيئي على أساس جغرافي يؤدي إلى تعديلات جسدية مستمرة في البشرة والشعر والعظام بدلاً من الاختلافات المنفصلة المرتبطة بالعرق، والثاني أنه بالرغم من أن طفرات الحمض النووي الميتوكوندري تقدم دليلاً للأصول الجغرافية للسكان، فإن هذه الطفرات لا تتطابق مع السمات الجسدية المرتبطة بالمجموعات العرقية. وعلى غرار ذلك فإن الأنماط الشكلية لا يمكن أن تضع أسس النظريات الشعبية للعرق، فعلى سبيل المثال الاختلافات في البشرة تدريجية وليست متقطعة، وتحدث اختلافات فصيلة الدم بمعزل عن أكثر السمات الشكلية المرتبطة بالعرق وضوحاً مثل لون البشرة وملمس الشعر. لا يمكن أن يقوم العرق على الانتقال الوراثي حيث أن انتقال الجينات من جيل لآخر أدى إلى سمات جسدية محددة وليست إلى خصائص عرقية عامة مشتركة بين أفراد المجموعة العرقية المفترضة. وأخيراً لا يمكن لعلم الأنساب أن يكون أساساً للعرق باعتبار أن التفرعات الحيوية (clades) (الأشخاص الذين ينحدرون من أصل مشترك) قد يشتركون في خصائص جينية مشتركة، ولكن ليس هناك حاجة لربط هذه الخصائص بالسمات الملحوظة المرتبطة بالعرق. وتخلص زاك بأن: الجوهر والجغرافيا والأنماط الشكلية والموروثات الجينية وعلم الأنساب هم المرشحون الوحيدون المعروفون للأسس العلمية الجسدية للعرق، وجميعهم أخفقوا. لذلك لا يوجد أساس علمي جسدي للتصنيف الاجتماعي العرقي (Zack 2002, 88).

يعتنق المتبنين لمدرسة الشكوكية العرقية مثل أبيا وزاك المدرسة الإقصائية العرقية المعيارية والتي توصي بنبذ مفهوم العرق كليةً وفقاً للحجة التي سيرد ذكرها. نظراً للسلالة التاريخية لمفهوم العرق، فإن المصطلح يمكنه أن يشير فقط إلى مجموعة واحدة أو أكثر من البشر الذين يشتركون وحدهم في مميزات جينية أحيائية مهمة. يمكن أن يظهر مثل هذا الاحتكار للمميزات الجينية المحددة فقط في مجموعة واحدة تمارس تزاوجاً من مستوى عالي ومعزول وراثياً وعلى نحو فعال. قد يشير هذا الانعزال الوراثي إلى الاميشيين في أمريكا (Appiah 1996, 73) أوالايرلنديين البروتستانت (Zack 2002, 69)، ولكنه لا يمكن أن يشير إلى تلك المجموعات من البشر الذين يندرجون في الوقت الحاضر تحت تصنيفات التعداد العرقي الأمريكي. لأن مفهوم “العرق” يمكن فقط أن ينطبق على المجموعات التي لا تعتبر عادةً أعراق (الاميشي والايرلندي البروتستانتي)، ولأن هذا المفهوم لا يمكن أن ينطبق على المجموعات التي عادةً تعتبر أعراق (الأفارقة الأمريكيين والبيض والآسيويين والأمريكيين الأصليين)، فإن الناتج عن ذلك هو تباين بين المفهوم ومدلوله التقليدي. فلذلك يجب القضاء على مفهوم العرق بسبب عدم اتساقه المنطقي (Mallon 2006, 526, 533).

عدّل أبيا منذ ذلك الوقت مدرسة الشكوكية الخاصة به على نحو يلطف فيه العنصر الإقصائي لموقفه. أصبح أبيا يجادل لصالح المدرسة الإسمية العرقية من خلال الاعتراف بأهمية الأعراق البشرية الشعبية على وجه التحديد وهي أشكال من الهوية الاجتماعية الموجودة بالفعل (2006, 367)، ولكن المشكلة تكمن في تعاملنا وكأن لها ركائز أحيائية (2006, 367). إذاً النظرية الشعبية للعرق زائفة لأنها تعتمد على معتقدات خاطئة، ولكن مع ذلك مازلنا نصنف الناس وفقاً لمنهجها. تهدف وجهة نظر أبيا الإسمية للعرق إلى إظهار كيفية عمل هذه الهويات الاجتماعية وذلك من خلال تحليل المسميات التي نستعملها لها. وفقاً لأبيا فإنه يوجد هناك ثلاث طرق نستخدم فيها مسميات شعبية عرقية في التصنيف وهي: الانتساب والتمييز والمعاملة، ولا بد من توفر الثلاثة لجعل هوية ما فاعلة اجتماعيًا (2006, 368–370). ونتيجة لذلك فإننا نعيش على أساس هذه الهويات وننظر إليها وكأنها مرجعيةً مركزيةً لبناء حياتنا، وتنشأ حولها أيضاً أعراف التمييز والموثوقية (2006, 372). وطالما أنه لا يوجد قصة أحيائية لتكون أساساً لهذه المسميات، فالعرق ليس حقيقياً (2006, 372). للاطلاع على نقد وجهة نظر أبيا المعدلة على عمله (Appiah 1996) ارجع إلى (Ronald R. Sundstrom 2002).

تشير المدرسة البنائية العرقية إلى الجدل القائل بأنه حتى لو كان العرق الأحيائي زائف، فإن الأعراق ظهرت للوجود واستمرت من خلال الثقافة البشرية وقرارات بشرية (Mallon 2007, 94). يقبل متبني المدرسة البنائية رفض متبني المدرسة الشكوكية للعرق الأحيائي ولكن يجادلون بأن المصطلح مازال يشير بصورة مجدية إلى تقسيم المجتمع السائد للبشر إلى تصنيفات محددة، وعادة يقوم بهذا التقسيم أعضاء ينتمون لمثل هذا الانتساب العرقي. يجادل متبني المدرسة البنائية معيارياً بأنه طالما أن المجتمع يطلق مسميات على الأشخاص وفقاً لتصنيفات عرقية، وأن تلك المسميات تؤدي عادةً إلى اختلافات قائمة على أساس العرق في الموارد والفرص والرفاهية، فيجب الحفاظ على مفهوم العرق لتسهيل الحركات الاجتماعية أو السياسات القائمة على أساس العرق مثل التمييز الإيجابي والتي تعوض عن الاختلافات التي ولدها المفهوم الاجتماعي ]لا الإحيائي[ للعرق، والتي تبقى مع ذلك اختلافات مُعتبرة اجتماعيًا. في حين أن متبني المدرسة البنائية يتشاركون في هذا الالتزام المعياري إلا أنه يمكن تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات فرعية بروايات مختلفة قليلاً حول أنطولوجيا العرق. ولكن كما سنرى لاحقاً فإن المدرسة البنائية الإقصائية لسالي هالسنجر (Sally Haslanger) توضح كيف يمكن لهذه الالتزامات أن تتفكك.

تصور المدرسة البنائية الدقيقة العرق على أنه تصنيف للبشر وفقاً لأصولهم وللصفات السطحية غير المهمة جينياً والتي ترتبط بشكل نمطي بالعرق مثل لون البشرة ولون الشعر وملمسه (Mallon 2006, 534). وبهذه الطريقة يستند متبني المدرسة البنائية الدقيقة مثل روبرت غودينغ وليامز (1998) (Robert Gooding-Williams) ولوسيوس تي أوتلو (1990, 1996) (Lucius Outlaw) وتشارلز ميلز (1998) (Charles Mills) على النظرية الشعبية للعرق المنتشرة بينما يرفضون أساسها العلمي القائم على المدرسة الطبيعية العرقية. ويذهب النوع التفاعلي من المدرسة البنائية أبعد من ذلك مجادلين بأن مجرد الانتساب إلى تصنيف عرقي معين يعني أن الأفراد لديهم خبرات مشتركة محددة (Mallon 2006, 535; Piper 1992). فعلى سبيل المثال، عندما يصفك المجتمع بأنك أسود فمن الأرجح أنك عانيت صعوبة إيقاف سيارات الأجرة في نيويورك أو من الأرجح أنه تم القبض عليك بدون سبب من الشرطة (James 2004, 17). وأخيراً تؤكد المدرسة البنائية المؤسسية على أن العرق هو مؤسسة اجتماعية طبيعتها محددة بالمجتمع الذي يحيط بها وبالتالي لا يمكن انسحابها على الثقافات أو الحقب التاريخية (Mallon 2006, 536). ويلاحظ مايكل روت (2000, 632) (Michael Root) أن الشخص الذي يعتبر أسوداً في أمريكا قد لا يعتبر أسوداً في البرازيل لأن كل دولة لديها مؤسسات اجتماعية مختلفة والتي تُعنى بتقسيم البشر إلى أعراق مختلفة. وعلى نحو مماثل يرد بول تايلور (2000) (Paul Taylor)  على مدرسة الشكوكية العرقية لأبيا إذ يرى أن الأعراق لاتزال حقيقية اجتماعياً حتى لو لم تكن حقيقة أحيائياً (Mallon 2006, 536–537). ويجادل تايلر (Taylor 2004) بالفعل في عمله اللاحق أن لمصطلح “العرق” مرجعاً واضحاً جداً وهو الأشخاص الذين يتم نسبهم اجتماعياً لتصنيفات عرقية داخل الولايات المتحدة بغض النظر عن الرفض الاجتماعي الواسع للمدرسة الطبيعية للعرق الأحيائي.

ولكن لا تعتبر مدرسة سالي هالسنجر البنائية (2000, 2010, 2019) محافظة، فهي تفهم الأعراق على أنها مجموعات مصنفة عرقياً تتطلب عضويتها ثلاث معايير. أولاً: الأعضاء هم أولئك “المُلاحظ عليهم أو المتخيل بهم” خصائص جسدية معينة والتي تدل على أصول معينة تعود لأماكن جغرافية محددة، ثانياً: تمثل وتبرر هذه الخصائص التي يحملها الأعضاء “أو يخيل أنهم يحملونها” المركز الاجتماعي الذي يحتلونه سواءً كان هذا المركز مرموقاً أو تبعياً، ثالثاً: يلعب استيفاء المعيارين الأولين دوراً في امتياز العضو أو تبعيته المنظمة (2019, 25–26). لا تحتاج أن تركز الهوية العرقية في هذا السياق على وجه الحصر على التبعية أو الامتياز، لأن “كثيراً من أشكال الهوية العرقية هي استجابات مهمة وذات قيمة وفي بعض الحالات لا مناص منها للهرمية العرقية” (2019, 29–30). ولكن بالرغم من أنه يجب علينا قبول المجموعات الثقافية التي يمكن تمييزها من خلال الأصل والمظهر لمدة قصيرة من الزمن من أجل العدالة، إلا أن هالسنجر قلقة بأن تطول مدة هذا القبول (2019, 30).

وانشقت المدرسة البنائية أيضاً إلى أبعاد سياسية وثقافية، وينسب هذا التفريق إلى تشيكي جيفرز ((2013,2019 (Chike Jeffers). يُعتبر رأي هالسنجر نموذجي للبنائية السياسية عبر فهمه لمعنى العرق بالضرورة على أنه يتحدد من خلال العلاقات التسلسلية للقوة: “يصبح العرق حقيقياً بشكل كامل أو أكثر أهمية من خلال العلاقات التسلسلية للقوة” (Jeffers 2019, 48). تصحح المدرسة البنائية الثقافية لجيفرز عدم قدرة المدرسة البنائية السياسية على تصور وجود للعرق بعد ]بدون[ العنصرية، وذلك يشمل عدم قدرتها على تصور فكرة العدالة العرقية (2013, 421; 2019, 71). وترفض المدرسة البنائية الثقافية فكرة أن “الاختلاف الثقافي أقل أهمية من الاختلافات في علاقات القوة لفهم الظاهرة العرقية في الوقت الراهن” (2019, 65). ويجادل في الطرف الآخر مناصرو المدرسة البنائية السياسية بأن: أولاً، تُدخِل علاقات القوة المتفاوتة الاختلافات العرقية حيز الوجود، وثانياً، تعتبر علاقات القوة المتفاوتة جوهرية لفهم الواقع الراهن للعرق، وثالثاً، تعتبر علاقات القوة المتفاوتة مهمة للعرق، لذا سوف يزول العرق في مجتمع مساواتي (egalitarian) لا يرتبطا فيه المظهر والأصل بمراكز معينة في التسلسل الهرمي (2019, 56–57). يعترف جيفرز بالمصدر السياسي للعرق في حين يرفض الطريقتين الأخرتين التي تُعرّف فيها علاقات القوة العرق (2013, 419; 2019, 57–58). يمكن رؤية الأهمية الثقافية للعرق من خلال ثلاث طرق وهي: أولاً، حتى ظهور التصنيفات العرقية يعتبر تحولاً ثقافياً مادام هناك سياقات اجتماعية جديدة يتم إنشاؤها حين يُنظر إلى المجموعات العرقية على انها مختلفة ليس في عرقها فقط بل في ثقافتها، وثانياً، هناك أشكال جديدة للاختلاف الثقافي تظهر في صحوة الاختلاف العرقي، وثالثاً، تتشكل المجموعات العرقية ثقافياً في أحداث تسبق التشكل العرقي (2019, 62–63).  فكتب جيفرز عن الهوية السوادء: ” بالنسبة لكثيرين، وأنا منهم، لا يمكن إنصاف معنى كون الشخص أسوداً من خلال الإشارة إلى مشاكل الوصم بالعار والتمييز والتهميش رغم واقعية وتهديد تلك العوامل في الصورة التي نعرفها للمشهد العرقي. لكن هناك متعة أيضاً في كون الشخص أسوداً، هذه المتعة تتشكل بالحالات المتميزة ثقافياً “(2013, 422).

يوجد هناك أيضاً أراء تعارض الخطوط العريضة للمدرسة البنائية بينما تتجنب مدرسة الشكوكية العرقية وهي: التعددية الانكماشية لليونيل ك. مكفيرسن (2015) (Lionel K. McPherson)، والواقعية العرقية الأساسية لجوشوا غلاسكو (Joshua Glasgow) (2015, with Jonathan M. Woodward, 2019)، والواقعية الانكماشية لمايكل و. هارديمون (Michael O. Hardimon ) (2003, 2014, 2017). يجادل مكفيرسن أن مفهوم العرق يجب أن يُستبدل بمفهومه للأصل الاجتماعي، حيث أن الحديث عن العرق بوجه عام غامض جداً ومُتنازع على فائدته في البحوث من أجل فهم سائد (2015, 676). يهدف مكفيرسن إلى تفادي المدرسة الإقصائية لأبيا من خلال الادعاء بأن التعددية الانكماشية لا تزعم بعدم صحة الحديث عن العرق ولا تتخذ موقفاً متشدداً من وجود العرق أو عدمه (2015, 675). يحتفظ الأصل الاجتماعي باحتمالية الهوية الاجتماعية الواعية للون بدون أعباء الافتراضات وتشويش مفاهيم العرق والطبيعة العرقية (2015, 686)، لأن جذور الوعي باللون حسب هذه الرؤية تعود لـ”لأصل القاري الظاهر” وليست للعرق (2015, 690). يركز الأصل الاجتماعي إذاً على الأصل القاري الظاهر وحده لتفسير تشكل المجموعات الاجتماعية. وبناءً عليه تتطور الهويات الموروثة اجتماعياً عندما يقبل الأفراد (أو يُنسبون إلى) هويةً اجتماعيةً ما لأنهم يتشاركون عنصراً من عناصر الأصل القاريّ والذي يشكل الواقع الاجتماعي الواعي باللون (2015, 690).

تهدف الواقعية العرقية الأساسية لغلاسكو إلى استيعاب فهمنا العملي للعرق، “ذلك الفهم الذي يحكم استخدامنا للمصطلح حتى عندما لا نكون غير مدركين له” (2019, 115). يعرف غلاسكو موقفه بالطريقة التالية: “الأعراق بطبيعتها مجموعات من البشر كبيرة نوعاً ما ويتميزون عن المجموعات البشرية الأخرى بامتلاك سمات أحيائية معينة وظاهرة (مثل لون البشرة) إلى حد كبير”. يعتبر موقفه إذاً مناهضاً لمدرسة الواقعية حيث أنه يدعي أن الأعراق ليست حقيقية سواءً أحيائياً أو اجتماعياً (2019, 117). ويستند موقف غلاسكو على أحكام متعلقة بالتزاماتنا مؤمناً بأننا أكثر استعداداً للتخلي عن الأساس الأحيائي للعرق أكثر من أن نتخلى عن فكرة وجود سمات أساسية وهويات متصلة بفكرة العرق (2019, 127). وبعبارة أخرى فإن عدم الإيمان بالواقع الأحيائي للعرق لا يؤدي للمدرسة الاقصائية. ولكن يعتقد غلاسكو أن ذلك لا يؤدي إلى المدرسة البنائية الاجتماعية. لا يتكون العرق اجتماعياً لأنه أياً كانت الحقائق الاجتماعية التي نتطرق لها، فإنه بإمكاننا دائماً أن نتخيل زوالها في حين أن العرق باق. وإن كان العرق من الناحية النظرية موجود في كل الممارسات الاجتماعية، إذاً فهو ليس بطبيعته ظاهرةً اجتماعية (2019, 133). تعتمد فكرته هذه على تركيزه على استخدامنا المعتاد لمصطلح “العرق” والذي يستخلص بشكل كامل من سمات ظاهرة.

تزعم الواقعية الانكماشية لهارديمون أننا نحتاج أربع مفاهيم متداخلة للعرق للإجابة صورة متسقة على سؤال: ما هو العرق بالنسبة للبشر؟، وهي: المفهوم العرقي للعرق، ومفهوم الحد الأدنى للعرق، والمفهوم السكاني للعرق، ومفهوم العرق الاجتماعي (2017, 2–3, 7). المفهوم العرقي للعرق هو الرأي القائل بأن هناك أنماط ثابتة للخصائص الأخلاقية والفكرية والثقافية القائمة على العرق والتي تكون موروثة وتستند على جوهر أحيائي أساسي، وتتصل بخصائص جسدية وتشكل تسلسل هرمي عرقي (2017, 15–16). أما مفهوم الحد الأدنى للعرق فإنه

 
“يقول بأن الأشخاص يختلفون في الشكل واللون بطرق تتناسب مع اختلافاتهم في الأصل الجغرافي. هذا كل ما يقوله بشكل أساسي” (2017, 6; see also 2003). ويهدف المفهوم إلى استيعاب ما يزعم المفهوم العرقي للعرق استيعابه بطريقة غير جارحة. بعبارة أخرى يعترف المفهوم بالواقع الأحيائي غير الاجتماعي للعرق لكن بحيادية (2017, 7). يهدف المفهوم السكاني للعرق إلى نفس الهدف بطريق أكثر صرامة ودقة بتقديم أساس وراثي لمفهوم الحد الأدنى استناداً على السكان المؤسسين المنفصلين جغرافياً والمنعزلين تكاثرياً (2017, 99). يتميز هذا المفهوم عن التصنيف التفرُّعيّ العرقي( cladistic) لأنه لا يتطلب أحادية العرق (2017, 110). ويرى مفهوم العرق الاجتماعي العرق من ناحية علاقاته الاجتماعية وممارساته، ويشير للعرق على أنه “المجموعات الاجتماعية في المجتمعات العنصرية التي تبدو أنها ]مقسمة إلى[ أعراق مميزة عرقيًا كمجموعات اجتماعية والتي تظهر بشكل خاطئ على أنها مجموعات أحيائية” (2017, 10; see also 2014). يجادل هارديمون أنه لا نستطيع فعلياً إدراك مفهومنا للعرق إلا من خلال استخدام جميع المفاهيم الأربعة مع رفض اعتبار المفهوم الأول أساساً في بناء المفاهيم الثلاثة الأخرى.

المدرسة الفكرية الثالثة فيما يخص أنطولوجيا العرق هي الطبيعانية السكانية العرقية. تقترح هذه المدرسة بأنه بالرغم من أن المدرسة الطبيعانية العرقية تعزو بشكل خاطئ خصائص ثقافية وعقلية جسدية للمجموعات العرقية المتفردة، إلا أنه من الممكن وجود مجاميع أحيائية مهمة وراثياً والتي قد تستحق مصطلح الأعراق. ولكن المهم أن هذه المجاميع الأحيائية العرقية ليست جوهرانية ولا متفردة، أي لا يوجد مجموعة من السمات الوراثية أو أخرى أحيائية يشترك كل أفراد مجموعة عرقية ما وحدهم دون غيرهم فيها والتي من شأنها أن تصنع حدود طبيعية أحيائية بين المجموعات العرقية. وبالتالي يؤكد هؤلاء المفكرون الإجماع العلمي القوي بعدم وجود أعراق أساسية متفردة. إلا أن معايير الجوهرانية والتفرد هذه يمكنها أيضاً إبطال الاختلافات بين الكائنات غير البشرية مثل الأسود والنمور. كما يقول فيليب كيتشر (Philip Kitcher): لا يوجد خصائص جينية تفرق بين البعوض أو الفطر عن فطر آخر (Kitcher 2007, 294–296; Cf. Mallon 2007, 146–168). ولكن يتم التفريق بين الكائنات الأحيائية عن طريق الانعزال التكاثري وهو نسبي وليس حتمي (حيث أن المخلوقات الهجينة تظهر في بعض الأحيان)، والتي قد يكون لها مسببات غير جينية (على سبيل المثال الفصل الجغرافي وفترات أو طقوس التكاثر غير المتوافقة)، والتي قد تنتج اختلافات جينية مهمة إحصائياً إن لم تكن منتظمة وقد تُظهر سمات شكلية متفردة. وفي واقع الأمر إذا كان الفشل في تحقيق شروط التفرد والجوهرانية يتطلب التخلص من مفهوم العرق، إذاً فهو يتطلب التخلص من مفهوم الأنواع الأحيائية. ولكن لأن مفهوم الأنواع الأحيائية مازال مفيد من الناحية المعرفية، فإنه يستخدم من قبل بعض علماء الأحياء والفلاسفة للدفاع عن مفهوم أنطولوجي للعرق “يستعين بالأحياء ولكن وليس ذا نزعة جوهرانية” وهو مفهوم غامض وغير مميز ويرتبط بعلم الجينات وعلم الأنساب والجغرافيا والنمط الظاهري (Sesardic 2010, 146).

هناك ثلاث صيغ من الطبيعانية السكانية العرقية وهي: العرق التفرُّعيّ والعرق المعزول اجتماعياً والعرق المتجمع جينياً. الأعراق التفرُّعيّة هي سلالات السكان الأسلاف الذين تكاثروا وهم ينحدرون من أصل مشترك (Andreasen 2004, 425)، وقد ظهروا خلال التطور البشري حين بدأت مجموعات مختلفة من البشر تنعزل عن بعضها جغرافياً، وقد ينقرضوا إن لم يكونوا قد انقرضوا بالفعل بسبب الزيادة المعاصرة في تداخل النشاط البشري التناسلي (Andreasen 1998, 214–216; Cf. Andreasen 2000, S653–S666). يشير العرق المعزول اجتماعياً إلى حقيقة أن الحظر القانوني ضد تزاوج الأعراق قد يكون أحدث عرق أفريقي أمريكي معزول جينياً في الولايات المتحدة (Kitcher 1999). وأخيراً، يجادل المدافعون عن العرق المتجمع جينياً أنه بالرغم من أن ٧٪ من الاختلافات بين أي شخصين فيما يتعلق بأي جين معين يمكن أن يُعزى إلى انتمائهم إلى واحد من التصنيفات العرقية المعترف بها بشكل عام، فإن تجمع عدة جينات مرتبط إحصائياً بعدد قليل من التصنيفات العرقية المتصلة بالمناطق الجغرافية الرئيسية والأنماط الشكلية الظاهرية (Sesardic 2010; Kitcher 2007, 304).

السؤال هو، هل تتجنب هذه الأنطولوجيا الإحيائية الجديدة للعرق ]نقد [التباين المفاهيمي الذي تُبنى عليه المدرسة الإقصائية. الجواب المختصر لهذا السؤال نعم، ولكن فقط من خلال ]تعليل[ التدخل البشري. لا يواجه ]مفهوم[ العرق عند الجماعات المعزولة اجتماعياً تباين ]بين المفهوم والمدلول[ عند تطبيقه على الأفارقة الأمريكيين والذين يوصفون بأنهم أحفاد العبيد الأفارقة الذين تم جلبهم للولايات المتحدة. ولكن هذا لا يشمل التصنيف العرقي للأفارقة السود. علاوة على ذلك لأن العرق الأفريقي الأمريكي نشأ في فصل جنسي مفروض قانوناً، فهو “حقيقية أحيائية ومفهوم اجتماعي في الآن ذاته”(Kitcher 2007, 298). سيبدو مفهوم العرق المتجمع جينياً كما لو أنه يقدم أساساً موضوعياً وأحيائياً لتصنيف عرقي أشمل، ولكن الاختلافات العرقية في الجينات المتجمعة مستمرة وليست متفردة، وبالتالي يجب على العلماء أن يقرروا أين يُرسم الحد الفاصل بين الأعراق المتجمعة جينياً. إذا كانت حواسيبهم مبرمجة لتمييز أربع تجمعات جينية إذاً ستظهر المجموعات الأوروبية والآسيوية والهندية الأمريكية والأفريقية، أما إذا كان المطلوب تجمعين فقط فقد يبقى العرق الأفريقي وعرق سكان أمريكا الأصليين (Amerindian) (Kitcher 2007, 304). لن يتجنب التجميع الجيني إذاً نقد التباين في مفهوم العرق إلا من خلال قرارات التحليل العلمي للبيانات. يواجه العرق التفرُّعي نفس المشكلة أيضاً حيث ستتراوح أعداد الأعراق من تسعة أعراق في أحدث فترة من الانعزال التكاثري التطوري إلى عرق واحد فقط إذا عدنا إلى البدايات الأولى حين كان كل البشر في الأصل أفريقيين. ولكن إلى جانب ذلك يواجه العرق التفرُّعي تفاوت أقوى من خلال التداخل في تصنيف المجموعات التي نفكر فيها عادةً على أنها جزء من نفس العرق، على سبيل المثال، من خلال ربط الشمال شرق آسيويين بالأوروبيين الشماليين أكثر من ربطهم بالجنوب شرق آسيويين الأكثير مطابقة لنمطهم الشكلي الظاهري. يدافع روبين أندرسين (Robin Andreasen) عن مفهوم العرق التفرُّعي من خلال المحاجّة بشكل صحيح بأن النظريات الشعبية للعرق قد أنتجت بحد ذاتها تصنيفات متداخلة غير بديهية، خاصة فيما يخص تصنيف إحصاء السكان الآسيوي والذي استبعد سابقاً الهنود الآسيويين واستبعد الآن سكان هاواي الأصليين وسكان جزر المحيط الهادي (Andreasen 2005, 100–101; Andreasen 2004, 430–431; Cf. Glasgow 2003, 456–474; Glasgow 2009, 91–108). ولكن ذلك بالكاد من شأنه أن ينقذ الحجة، حيث أن تاريخ إحصاء السكان في الولايات المتحدة في تغيير التصنيفات العرقية والاستخدام الماضي للمصطلحات الإثنية والدينية (مثل فلبيني وهندي وكوري) للدلالة على الأعراق هو عادة ما يعتبر دليل على الأسس الاجتماعية للعرق، لا الإحيائية (Espiritu 1992, Chapter 5).

يرفض كوايشون سبنسر (2012, 2014, 2019)  (Quayshawn Spencer) الحجج التي تعتبر السلالات التفرُّعيّة مرشحاً أحيائياً بديلاً للعرق ((2012, 203. ويدافع بدلاً من ذلك عن نسخة من المدرسة الواقعية الأحيائية العرقية والتي تفهم ما هو “حقيقي من الناحية الأحيائية” على أنه يتضمن “كل الكيانات التي تُستخدم في علم أحياء ناجح تجريبياً … ويستبعد جميع الكيانات الأخرى” (2019, 77; see also 95). ويزعم سبنسر بوجود مثل هذه الكيانات التي يمكن الاطلاع عليها في مكتب الإدارة والميزانية التابع لحكومة الولايات المتحدة (OMB) وتقسيماته العرقية. والأساس الذي يستند عليه هذا الزعم هو أن جينات سكان القارات تم تحديدها لتكون خمس أقسام مميزة تستوفي معايير الواقع الأحيائي (2019, 98; 95)، وتُترجم تقسيمات مكتب الإدارة والميزانية التابع لحكومة الولايات المتحدة إلى هذا التقسيم لسكان القارات. وتكمن أهمية هذا التقسيم لمكتب الإدارة والميزانية التابع لحكومة الولايات المتحدة في انتشارها الواسع في حياتنا والذي يعني أن أحد الطرق الأساسية في حديثنا عن العرق هو من خلال تصنيفاته. ويسلط سبنسر الضوء على هذه المركزية عندما يوضح أن الطرق التي يختار فيها الأمريكيين أعراقهم ] في الإحصاء السكاني[ تأتي كاستجابة لتقسيمات مكتب الإدارة والميزانية التابع لحكومة الولايات المتحدة (2019, 83–85).لكن سبنسر يتبنى نظرة تعددية لخطاب العرق، وهذا يعني أن العرق كما يتم تصويره من مكتب الإدارة والميزانية التابع لحكومة الولايات المتحدة هو فقط معنى بارز للعرق من بين معاني متعددة لا تتمتع أحدها بالسيادة بين مستخدمي المصطلح (2019, 213).

وفي كل الحالات تواجه مدرسة الطبيعانية السكانية العرقية مشكلات في محاولة ترسيم حدود فاصلة واضحة للتمييز بين السكان المختلفين أحيائياً. إذا كان لا يمكن الاستغناء عن عنصر الفرادة في التصنيف العرقي للبشر، فإذاً لا يمكن تجنب مشكلة التباين المفاهيمي -إذا كان ذلك ممكناً أصلاً- إلا من خلال تدخل بشري. ولكن كما ذكرنا سابقاً أن الكائنات الأحيائية ليست متفردة جينياً، وعلى ذلك يجب أيضاً أن يتم رسم الحدود بين الكائنات غير البشرية من خلال تدخل بشري. وكما أن تبرير ترسيم الحدود للكائنات غير البشرية عادة ما يكون من خلال نجاعته العلمية، فإنه يمكن تبرير التصنيفات العرقية البشرية بنفس الطريقة تماماً. على سبيل المثال يؤكد أندرسين على الأهمية العلمية لمفهوم العرق التفرُّعيّ والذي يفرق الشمال شرق الآسيويين عن الجنوب شرق آسيويين في البحوث التطورية حتى لو تضارب هذا المفهوم مع المفهوم الشعبي للعرق الآسيوي الموحد. وبدوره قد يبقى مصطلحي العرق المتجمع جينياً والعرق المعزول اجتماعياً مفيدان للكشف عن والتعامل مع بعض المشاكل الصحية. يقدم يان هاكينغ (Ian Hacking) حجة دقيقة لصالح الاستخدام المؤقت للتصنيفات الأمريكية العرقية في الطب.  مع ملاحظة أن التصنيفات العرقية لا تعكس اختلافات جوهرانية متماثلة، إلا أنه يؤكد مرة أخرى النتيجة القائلة بوجود اختلافات جينية مهمة إحصائياً بين المجموعات العرقية المختلفة. نتيجة لذلك من الأرجح أن يجد الأمريكي من أصل أفريقي نخاع عظمي مُطابق له ضمن عينات مجموعة من المتبرعين الأمريكيين من أصل أفريقي أكثر من عينات المتبرعين البيض. وبالتالي يدافع هاكينغ عن ممارسة إلتماس متبرعين بنخاع العظم من الأمريكيين من أصل أفريقي حتى لو غذى هذا المجموعات العنصرية التي تدافع عن المفهوم الهرمي ذو المنظور الجوهراني للعرق الأحيائي (Hacking 2005, 102–116; Cf. Kitcher 2007, 312–316). وعلى العكس من ذلك تؤكد دوروثي روبرتس (Dorothy Roberts) على خطر استخدام التصنيفات العرقية في الطب مشيرةً إلى أنها لا تثبت صحة الأفكار الشنيعة للتسلسل الهرمي العرقي الأحيائي فحسب، ولكنها أيضاً تسهم في المبررات المحافظة لتقييد التمييز الإيجابي القائم على العرق وكذلك تمويل الرعاية الاجتماعية والتي يفترض أنها تهدر على الأقليات الأدنى جينياً. في الواقع يحيي الطب القائم على العرق شبح توليفة سياسية جديدة تتكون من سياسة محافظة متجاهلة للعرق ((colorblind conservativism مع عنصرية أحيائية (Roberts 2008, 537–545). ولكن أخفق انتقاد روبرتس في إشراك الدراسات المتعلقة بالأهمية الإحصائية للتصنيفات العرقية للاختلافات الجينية. وتقر أيضاً أن عدة صيغ من تيار المحافظة المتجاهلة للعرق لا تعتمد بشكل كلي على تبريرات أحيائية.

٣. العرق والطائفة الإثنية

يقدم ستيفين كورنيل ودوغلاس هارتمان  (1998) (Stephen Cornell and Douglas Hartmann) نقاشاً مفيداً للفروقات بين مفهومي العرق والطائفة الإثنية. استناداً على البنائية الاجتماعية العرق، فقد عرّفا العرق على أنه “مجموعة بشرية تعرف نفسها أو يعرفها غيرها باعتبارها متميزة بمقتضى خصائص جسدية محسوسة مشتركة وتُعتبر موروثة … وتحديد أي خصائص تشكل العرق … هو خيار يقوم به البشر. لا العلامات ولا التصنيفات يتم تحديدها سلفاً من خلال عوامل أحيائية” (Cornell and Hartmann 1998, 24). وفي المقابل تُعرّف الطائفة الإثنية على أنها الشعور بالأصل المشترك القائم على ارتباطات ثقافية أو تراث لغوي ماضي أو انتماءات دينية أو قرابة مزعومة أو سمات جسدية (1998, 19). يُعتقد عادةً أن الهويات الثقافية تضم عدة هويات إثنية (Cornell and Hartmann 1998, 26). وبذلك قد يمتلك الأشخاص الذين يُصنفون عرقياً بالسود مجموعة منوعة من الهويات الإثنية التي تقوم إما على القومية الأفريقية أو على السمات الثقافية (مثل الكينية والإيغبو وزولو) أو الهويات القومية الجديدة أو شبه القومية أو تلك العابرة للقوميات والتي أنشئت من خلال اختلاط السكان المستعبدين في الأمريكيتين (مثل الأفارقة الأمريكيين وسكان هاواي والهند الغربية).

يحدد كورنيل وهارتمان خمس خصائص إضافية تميز العرق عن الهوية الإثنية: حسب منظورهم، فإن الهوية العرقية تُفرض من قبل أطراف خارجية، مثلما اختلق البيض العرق الأسود لتحقيق التجانس بين المجموعات العرقية التي احتلوها في أفريقيا أو أحضروهم إلى أمريكا على أنهم عبيد. والعرق أيضاً هو نتيجة العولمة المبكرة عندما اكتشف الرحالة الأوروبيون شعوباً لديهم سمات ظاهرية مختلفة جذرياً ومن ثم احتلوهم. يشمل العرق كذلك عادةً علاقات قوى، بدءاً من القوة البسيطة لتعريف عرق الآخرين إلى القوة الأكثر توسعاً لمنع مجموعات عرقية معينة من منافع اجتماعية واقتصادية وسياسية. تكون كذلك الهويات العرقية عادةً تسلسلية إذ تعتبر بعض الأعراق أسمى من غيرها. و]أخيراً[ تعتبر الأعراق موروثة، بمعنى أنها شيء يولد المرء به (1998, 27–29).

يختلف العرق و الإثنية اختلافاً كبيراً على مستوى ممارسة الأفراد لفاعليتهم باختيارهم لهواياتهم. نادراً ما يكون للأفراد حرية اختيار هويتهم العرقية بسبب التأثير المرئي المباشر للسمات الجسدية المرتبطة بالعرق، فيما يُعتقد أن الأفراد يختارون هوياتهم الإثنية بشكل أكبر نظراً لأن الاختلافات الجسدية بين المجموعات الإثنية عادةً ما تكون أقل وضوحاً ولأن الأفراد يستطيعون الاختيار ما إذا أرادوا اظهار الممارسات الثقافية المرتبطة بالإثنية أم لا. لذا يستطيع الشخص الذي يبدو جسدياً أنه أبيض وأسلافه ينتمون إلى إيرلندا اختيار التمسك بهويته الإيرلندية (مثل الاحتفال بيوم القديس باتريك) بسهولة أكثر من اختياره هويته البيضاء ((Cornell and Hartmann 1998, 29–30. إضافةً إلى ذلك تجادل ماري واترس (1990) (Mary Waters) أن المستوى العالي من التزاوج المختلط بين الأمريكيين البيض الذين ينتمون إلى أصول مختلفة منح أبناءهم خيارات طائفية إثنية مهمة في اختيار أي من الموروثات المتعددة يريدون أن يُعرفوا بها. وثّق كلٌ من واترس (1999) و فيليب كاسينيتز (1992)  (Philip Kasinitz) كيفية ممارسة المهاجرين الذين يبدون ظاهرياً على أنهم هنود غربيون سود قدرتهم على التمسك بهويتهم  الإثنية من أجل تمييز أنفسهم عن السود المولودين في أمريكا، ولكن يقيد التمييز والعنف الذي يستهدف جميع السود بغض النظر عن طائفتهم الإثنية مثل هذه الممارسات. تنشأ قيود أكبر على الهوية العرقية من خلال دور التصورات غير الرسمية والإجراءات الاجتماعية التمييزية والقوانين الرسمية التي تفرض هوية عرقية مثل تصنيف الإحصاء السكاني، (Nobles 2000) وقوانين ” الأصول الدُّنيا” ( (hypodescentسيئة السمعة التي تعرّف الأشخاص على أنهم سود إذا كان لديهم قطرة واحدة من دم أفريقي، (Davis 1991) والأحكام القضائية مثل قضايا “المُتطلبات المسبقة” والتي قررت إمكانية تصنيف مهاجرين محددين على أنهم ينتمون للعرق الأبيض وبالتالي ترشيحهم لاكتساب المواطنة بالتجنيس (Lopez 1996).

الخط الفاصل بين العرق والإثنية غير واضح في حالة الآسيويين واللاتينيين في الولايات المتحدة. أشارت ين لي إسبيريتو  (1992)( Yen Le Espiritu) أن الهوية الأمريكية الآسيوية العرقية – والتي تشمل بالطبع مستوى بارز من التنوع الطائفي الإثني – تنتج من خليط من فاعلية ذاتية وفرض خارجي كما هو الحال عندما يتصدى الآسيويون بنشاط  للتمييز أو العنف ضد الآسيويين من خلال إجراء سياسي والشعور بالمصير المشترك. وبناءً على ذلك تستخدم إسبيريتو مصطلح “الوحدة الإثنية” (panethnicity) في وصف الهوية الآسيوية الأمريكية، ولهذا المصطلح مدلولات عرقية نظراً لدور “الجمع العرقي” بين أفراد طائفات إثنية مختلفة في مجموعة عرقية واحدة تُعرّف من خلال السمات الظاهرية. وتوضح بالتالي أن الأفارقة الأمريكيين هم أقدم وأكثر مجموعات الوحدة الطائفية الإثنية تقدماً في الولايات المتحدة (1992, 174). تُظهر الهوية الإسبانية الأصل أو اللاتينية سمات تشبه تلك التي في الوحدة الإثنية. وبالفعل، رغم كون الهوية الإسبانية الأصل -على عكس الآسيوية- ليست حتى هوية عرقية رسمية في التعداد السكاني، ولكن تميل التصورات غير الرسمية والقوانين الرسمية والتمييز الذي يستند إلى المظهر الجسدي لجمع عدة جنسيات وطوائف إثنية تتشارك بروابط مع أمريكا اللاتينية مع بعضها البعض (Rodriquez 2000). إضافةً إلى ذلك، أشار الباحثون أن اليهود (Brodkin 1998) والإيرلنديون (Ignatiev 1995) كانوا يعتبرون سابقاً أعراق متفردة غير بيضاء، ولكن الآن يعتبرون عرقياً مجموعات إثنية بيضاء، وذلك جزئياً بسبب ممارسة فاعليتهم بالنأي بأنفسهم عن الأفارقة الأمريكيين الذين يمارسون قوة سياسية على نحو ما. وبذلك فإنه من المحتمل أن المجموعات والتي تعتبر اليوم مجموعات عرقية اجتماعية قد تتحول إلى شيء يشبه بشكل أكبر المجموعة الإثنية. ولهذا السبب يصف بلم اللاتينيين والآسيويين على أنهم مجموعات مصنفة عرقياً بشكل غير كامل (Blum 2002, 149–155).

ظهرت مناقشة فلسفية قوية تتعلق بوضع الهوية الإسبانية الأصل أو اللاتينية. يدافع خورخي غارسيا (2000) (Jorge Gracia) عن جدوى الهوية الإثنية الإسبانية الأصل باعتبارها تقوم أساساً على ثقافة لغوية مشتركة بالإمكان إرجاعها إلى شبه الجزيرة الإيبيرية. يعترض غارسيا (2001, 2006) على هذا المنهج مجادلاً بأن تنوع خبرات الأفراد يضعف من فائدة الطائفية الإثنية الإسبانية الأصل كشكل ذا مغزى من أشكال الهوية الجمعية. طورت ليندا مارتين ألكوف  (2006) (Linda Martin Alcoff) دفاعاً واقعياً عن الهوية اللاتينية ضد تهم المدرسة الجوهرانية وتراها على أنها نوع من التكاتف الذي نشأ ليكون رد فعل ضد الامتيازات التي يحظى بها البيض. وعلى العكس من ذلك، لم تحاول كريستينا بلتران (2010) (Christina Beltran) تمويه التنوع بين شعوب أمريكا اللاتينية والتي صورتها بدلاً من ذلك على أنها شكل تعددي مفكك وتنافسي من أشكال الإجراءات السياسية.

٤. العرق في الفلسفة الأخلاقية والسياسية والقانونية

هناك شقين من الفلسفة الأخلاقية والسياسية والقانونية ذات صلة بمفهوم العرق. يتناول الشق الأول الأسئلة المفاهيمية والمنهجية الواسعة التي تختص بالحالة الأخلاقية للعرق وكيفية وضع نظريات العدالة العرقية، ويقيّم الشق الثاني معيارياً سياسات محددة وأشكال مؤسسية تسعى إلى معالجة عدم المساواة العرقية مثل التمييز الإيجابي والتمثيل الوصفي العنصري والسؤال العام حول تجاهل العرق (colorblindnes) في القانون والسياسات العامة والفصل العنصري في السكن والعنصرية في نظام العدالة الجنائية والشرطة.

عبّر كلٌ من لورانس بلم (Lawrence Blum) وأنتوني أبيا وتومي شيلبي (Tommie Shelby) عن مواقف لا غنى عنها في معالجة الوضع الأخلاقي لمفهوم العرق. يتناول بلم مفهوم العرق ومشكلة العنصرية ويجادل بأن العنصرية تقتصر على إشارتين: الانتقاص أو التحقير لمجموعة ما بسبب دونيتها البيولوجية المزعومة، والنفور أو “التعصب والعدائية والبغضاء” تجاه مجموعة أخرى تُعرف افتراضياً بسماتها الجسدية الموروثة (2002, 8). يستحق هاذين الذنبين الأخلاقيين هذا المستوى المتصاعد من الإدانة المرتبطة بمصطلح العنصرية لأنهما ينتهكان الأعراف الأخلاقية من احترام ومساواة وكرامة ولأنهما مرتبطان تاريخياً بالأشكال المتطرفة والعلنية للقمع العنصري (2002, 27). ولكن لأن هذه الروابط تجعل من مصطلح العنصرية مصطلحاً مثقلاً أخلاقياً فيجب ألا يتم استخدامه للإشارة إلى “إساءات ومخالفات عنصرية أقل ]حجماً[“تشير إلى مجرد جهل أو عدم اكتراث أو عدم ارتياح من جهة أفراد ينتمون لمجموعات مختلفة (28) حيث من شأن هذا إطلاق حكم غير متكافئ ضد الشخص المُدان، وبالتالي إغلاق السبل الممكنة لحوار أخلاقي مثمر.

نظراً للارتباط التاريخي بين العنصرية والقمع المفرط، يحتج بلم على استخدام مصطلح العرق لأنه يرفض أساسه الأحيائي، ويحض بدلا ًمن ذلك على استخدام مصطلح “المجموعة المصنفة عرقياً” للإشارة إلى الهويات المبنية اجتماعياً والتي تُستخدم سماتها الجسدية التي يُزعم أنها موروثة لفرض تكاليف اجتماعية وسياسية واقتصادية. بالنسبة لبلم، يصنع مصطلح المجموعة المصنفة عرقياً مسافة من المفهوم الأحيائي للعرق، كما أنه يُقر بوجود درجات، كما في حالة اللاتينيين الذين يصفهم بلم بأنهم “مجموعة مصنفة عرقياً بشكل غير كامل” (2002, 151). هذا التحول الاصطلاحي وإيحاؤه المُفترض للطبيعة الاجتماعية للهويات المُعرفة من خلال المظهر الخارجي لا يستلزم رفض السياسات المختصة بمجموعة معينة مثل التمييز الإيجابي. يعاني أفراد الهويات المُصاغة اجتماعياً والمصنفة عرقياً من أضرار حقيقية، وقد تضطر القوانين إلى تمييز الأفراد حسب هوياتهم المصنفة عرقياً من أجل تعويضهم على مثل هذه الأضرار. ولكن لايزال بلم يتخذ موقفاً متناقضاً بخصوص مثل هذه التدابير مجادلاً بأنها ستظل مريبةً أخلاقياً حتى وإن دعت الضرورة لها (2002, 97).

يظهر أيضاً تناقض مماثل من أنتوني أبيا وتمت مناقشته سابقاً فيما يخص ميتافيزيقية العرق. في حين أنه يُشار إلى انتماءه لمدرسة الشكوكية العرقية الميتافيزيقية كأساس لموقفه المعياري من المدرسة الإقصائية، إلا أنه “مع الهويات العرقية” وإن كان موقفه “مضاد للعرق” (1996). ولأن هناك اجماع اجتماعي واسع على وجود الأعراق، فإن الأفراد ينسبون إلى الأعراق بغض النظر عن اختياراتهم ورغباتهم.  وإضافة إلى ذلك تبقى الهوية العرقية أكثر بروزاً وتكلفةً من الهوية الإثنية (1996, 80–81). نتيجة لذلك هناك ما يبرر التعبئة على أسس عرقية من أجل مكافحة العنصرية. ولكن حتى عند هذه النقطة لا يزل أبيا يخشى من أن تحديد الهوية العرقية قد يقيد استقلال الفرد وذلك من خلال مطالبة الأفراد الذين ينتمون للمجموعات العرقية أن يتصرفوا تبعاً للأعراف الثقافية أو “سيناريوهات” معينة أصبحت سائدة داخل مجموعة عرقية معينة. يلخص أبيا بالتالي أن “الهوية العرقية ممكن أن تكون أساس لمقاومة العنصرية، ولكن حتى عندما نحارب العنصرية … دعونا لا نسمح لهوياتنا العرقية أن تخضعنا لطغيان جديد” (1996, 104). قد يؤسس هذا التناقض المتبقي -ونتذكر هنا النقاشات الميتافيزيقية في القسم السابق- لاحتجاج مالون بأن أبيا مازال ينتمي للمدرسة الإقصائية وليس للمدرسة العرقية البنائية لأنه سيفضل أن يكون حراً من كل القيود المتبقية حتى تلك المترتبة على تصور الأعراق كمفهوم اجتماعي.

 رد تومي شيلبي على تناقض أبيا وبلم بالتمييز بين القومية السوداء الكلاسيكية والتي تستند على هوية سوداء أصيلة وبين القومية السوداء البراغماتية والتي تعتمد على اهتمام فعال بالتصدي للعنصرية ضد السود (2005, 38–52; 2003, 666–668). تسمح القومية السوداء البراغماتية للأشخاص السود ببث روح التضامن عبر الطبقات الاجتماعية والثقافية ليس فقط من خلال تدابير مؤقتة أو مصالح مشتركة ولكن على التزام مبدئي بالعدل والمساواة العرقية (2005, 150–154). نتيجة لذلك يُؤسس التضامن الأسود على رد مبدئي على القمع المشترك بدلاً من هوية مشتركة مزعومة (2002) وبالتالي التخفيف من أخطار المدرسة الجوهرانية الأحيائية والتوافق الاستبدادي الثقافي والتي يربطها أبيا بالعرق والهويات العرقية. تقدم آنّأ ستابلفيلد  (2005) (Anna Stubblefield) دفاعاً بديلاً عن التضامن الأسود بمقارنته بالالتزامات الأسرية.

يذكر شيلبي(2005, 7)  باختصار أن نسخته البراغماتية السياسية من التضامن الأسود تتماشى مع كتاب الليبرالية السياسية لجون رولز (John Rawls’s Political Liberalism)، ولكن دفاعه المستفيض عن منهجية العقد الاجتماعي المثالي في كتاب نظرية في العدالة لرولز (Rawls’s A Theory of Justice) من أجل التنظير للعدالة العرقية أثار جدلاً كبيراً  (Shelby 2004). تجنبت إليزابيث أندرسون (Elizabeth Anderson) النظرية المثالية لتحليل العدالة العرقية لافتراض النظرية لقدرات تحفيزية ومعرفية تفوق تلك التي لدى الأشخاص العاديين، ولأنها تخاطر بتعزيز الأعراف المثالية (مثل تجاهل العرق) تحت ظروف غير عادلة تتطلب سياسات قائمة على العرق، ولأن افتراضاتها المثالية (مثل الوضع الأصلي الذي لا تعرف الأطراف عنه الحقائق الشخصية والاجتماعية العرقية) تمنع الاعتراف بالظلم العرقي التاريخي والحاضر. واستخدمت بدلاً من ذلك إطاراً معيارياً للمساواة الديموقراطية من أجل أن تؤسس لضرورة أخلاقية للإدماج.

  يخشى تشارلز ميلز -والذي وسع نطاق انتقاده في كيفية أن تفكير العقد الاجتماعي في بداية العصر الحديث يعتم الظلم العرقي (1997)- من أن النظرية المثالية لرولز ممكن أن تخدم الإيديولوجية التي تغطي قمع غير البيض بنفس الطريقة (Mills 2013). ولكن بدلاً من التخلص تماماً من منهج مدرسة العقد الاجتماعي، طوّر ميل نموذجاً لعقد غير مثالي بحيث لا يعرف فيه الأطراف هوياتهم العرقية ولكنهم يكونون فيه مدركين لتاريخ مجتمعهم من الاستغلال العرقي وآثاره. لأن الأطراف على علم بالتسلسل العرقي ولكنهم لا يعرفون ما إذا سيكونون من المنتفعين به أو من ضحاياه، يفترض ميلز أنهم سيوافقون بعقلانية على التعويضات العرقية باعتبارها شكل من أشكال العدالة التصحيحية أو الإصلاحية (Pateman and Mills 2007, Chapters 3, 4, 8).

ويجيب شيلبي بأنه في حين أن نظرية رولز المثالية للعدالة تستثني نظرية التصحيح لأنها ليست شاملة، فإن العدالة التصحيحية ليست فقط تكميلية بل هي في الحقيقة تفترض مسبقاً نظرية مثالية بإمكانها التوضيح عند حدوث حالات ظلم تحتاج للتصحيح. والأهم من ذلك، يقترح شيلبي أن التقيد بالعدالة التصحيحية من خلال تقديم التعويضات العرقية قد يترك السود يعيشون في مجتمع لايزال بالرغم من ذلك ظالم من الناحية العرقية بطرق أخرى. ولهذا السبب يخلص شيلبي إلى أنه لا غنى عن النظرية المثالية (2013).

وأيضاً يرى كريستوفر ليبرون (2013, 28–42) (Christopher Lebron) أن مناهج رولز وميلز تكمل بعضها بعضا ولكن بطريقة مختلفة. يزعم أن تركيز رولز على البنية الأساسية للمجتمع يشرح الآليات التي يستمر من خلالها  تفوق العرق الأبيض، وهو جانب غير محدد في عمل ميلز الأول (2003).  وفي تناقض حاد مع شيلبي (2013) ينتقد ليبرون ميلز إصلاح فكرة رولز حول العقد الاجتماعي لأنه حتى الشكل غير المثالي يلغي الأفضلية المعرفية للمنظور غير الأبيض حول ا]دعاءات[ تفوق العرق الأبيض. وبدلاً من إعادة صياغة الفكر العقدي ليتناسب مع احتياجات العدالة العرقية، ركز ليبرون على تحليل كيفية ترسيخ السلطة المتطورة تاريخياً والسلطة المتجذرة اجتماعياً للظلم العرقي.

ننتقل للشق الثاني من الفلسفة العملية المخصصة للعرق. تناول عدة باحثين سياسات مثل التمييز الإيجابي وتقسيم الدوائر الانتخابية على أساس الوعي بالعرق، وتجاهل العرق في السياسة العامة والقانون. تعتبر الدراسات هائلة في التمييز الإيجابي ويمكن تقسيمها إلى مناهج تركز على العدالة التعويضية، والعدالة التوزيعية، ونقد لمفهوم الجدارة، ونقد لتنوع المنظور. يحتج ألان قولدمان (1979) (Alan Goldman) بشكل عام على التمييز الإيجابي على اعتبار أن الوظائف أو الفرص التعليمية يجب أن تذهب لأولئك المؤهلين أكثر من غيرهم بوصفها قاعدة. فقط عندما يكون شخص ما ضحية لتمييز عنصري أو غيره من أنواع التمييز يمكن استخدام عامل العرق الذي لا صلة له بالموضوع على أنه تدبير تعويضي لمنح منصب أو مقعد في أحد الجامعات. يرفض رونالد فيسكس (1992) (Ronald Fiscus) الخطة التعويضية ويفضّل حجة العدالة التوزيعية. يدّعي أنه في حال غياب التأثيرات الخبيثة والممقوتة للمجتمع العنصري سيتم توزيع فرص النجاح في الحصول على القبول في الجامعات المرموقة والوظائف الجذابة عبر تقسيمات عرقية بشكل عشوائي.  لذلك يخلص إلى أن العدالة التوزيعية تتطلب توزيع متكافئ عرقياً للوظائف ومقاعد الجامعات. يعزل جدال فيسكس بطبيعة الحال دور الجدارة في منح الوظائف وقبولات الجامعات، ولكن إريس يونغ (1990, Chapter 7) (Iris Young) تناولت هذه النقطة وتزعم أن المعايير المعاصرة للجدارة (مثل الاختبارات الموحدة والإنجاز التعليمي) منحازة ضد المجموعات العرقية المستضعفة والمجموعات العرقية الأخرى، ونادراً ما تكون مرتبطة عملياً بالأداء الوظيفي أو الإمكانيات الأكاديمية. وأخيراً، يحيد ميشيل روزنفيلد (1991) (Michel Rosenfeld) عن نظريات العدالة الجوهرية لصالح مفهوم للعدالة كقابلية لعكس مسار الأحداث، وهو يتخذ هذا الموقف متأثراً بكتاب أخلاقيات الخطاب (Discourse Ethics) ليورغن هابرماس (1990)  (Jürgen Habermas) والذي لا يعرّف العدالة من خلال مكافآتها الضرورية والملائمة بالخيرات ولكن يعرّفها على أنها نتيجة إجراء خطابي عادل يشمل جميع وجهات النظر ذات الصلة، وخالية من علاقات القوة القسرية. ويُبرر التمييز الإيجابي بالتالي على أنه محاولة لاحتواء وجهات النظر المتنوعة عرقياً. وتمت مناقشة كل المواقف هذه باختصار على شكل مناظرة مفيدة في كتاب كوهين وستيربا (2003) (Cohen and Sterba).

حظيت قضيتي تقسيم الدوائر الانتخابية على أساس الوعي بالعرق والتمثيل العرقي الوصفي باهتمام شديد. تقسيم الدوائر الانتخابية على أساس الوعي بالعرق هو ممارسة تخطيط الدوائر الانتخابية على أساس جغرافي بحيث يكون غالبية الناخبين من السود. يرى التمثيل العرقي الوصفي أن السكان السود أفضل من يمثلهم هم السياسيين السود. وتقدم إريس يونغ (1990, 183–191) دفاعاً مستميتاً عن التمثيل الوصفي بالنسبة للأقليات العرقية تقوم على أساس تجارب الاضطهاد والقيود المؤسسية على تقرير مصيرهم التي مروا بها، وهيمنة القيود المؤسسية على تقرير مصيرهم (1990, 37). تعزز آن فيليبس (1995) (Anne Phillips) هذا الموقف مجادلةً بأن النواب الذين ينتمون لمجموعات الأقليات العرقية يستطيعون تعزيز المداولة التشريعية. وتدافع مليسا ويليمز  (1998)( Melissa Williams) أيضاً عن المساهمة التداولية للتمثيل العرقي الوصفي، ولكنها أضافت أنه من الأرجح أن تثق المكونات الأقلية بالنواب الذين ينتمون للأقليات حيث أن كلاهما سيتأثرون بالقانون الذي يمارس التمييز سراً أو علناً ضد مجموعات الأقليات العرقية. وفي الختام تبين جين مانسبريدج (1999)  (Jane Mansbridge) بحذر سبب الحاجة إلى كتلة حيوية من النواب الذين ينتمون للأقليات من أجل الدفاع المناسب عن الاهتمامات المشتركة للأقليات وإيصال التنوع الداخلي داخل المجموعة. تناقش يونغ (2000) في عمل لاحق النقاد الذين يجادلون أن التمثيل الوصفي يستند إلى المدرسة الجوهرانية نظراً لأن أفراد المجموعة العرقية الواحدة لا يجب أن يتشاركوا جميعهم نفس الاهتمامات والآراء. تقترح يونغ في ردها أن أفراد نفس المجموعة العرقية يتشاركون بالفعل ذات “المنظور الاجتماعي” الذي يقوم أساساً على الخبرات المشتركة، على غرار الصيغة التفاعلية من المدرسة البنائية العرقية والتي تمت مناقشتها سابقاً. ولكن لأنه من غير الواضح إذا كان من الراجح أن الأشخاص السود يتشاركون الخبرات أكثر من تشاركهم الاهتمامات والآراء، يعطي ميشيل جيمس (Michael James) أولوية لتقسيم الدوائر الانتخابية على أساس الوعي بالعرق لخلق قاعدة انتخابية عرقية سوداء يستطيع فيها السود محاسبة النواب السود وغير السود حول كل ما يتعلق بمصالح السود (James 2011). تشجب أبيجيل ثيرنستروم (1987) (Abigail Thernstrom) تقسيم الدوائر الانتخابية على أساس الوعي بالعرق لأنها تنتهك المبادئ الأصيلة لقانون حقوق التصويت لعام 1965والتعديل الخامس عشر وذلك بالترويج لانتخاب النواب السود بدلاً من ضمان حق الناخبين السود للإدلاء بأصواتهم. رد جوزيف مورغان كوسر (1999) (J. Morgan Kousser) أن الدوائر الانتخابية على أساس الوعي بالعرق تعكس ببساطة حق الإدلاء بأصوات “ذات مغزى”، فالتعديل الخامس عشر لا يضمن فقط الحماية ضد الحرمان من التصويت بل وأيضاً الحماية ضد الحد من حق التصويت. تقترح لاني غوينيه  (1994) (Lani Guinier)  بقوة أنه بدلاً من تقسيم الدوائر الانتخابية للأقلية السوداء، يجب تبني نظام انتخابي أكثر تناسباً يسهل القوة الانتخابية للأقليات العرقية والأقليات الأخرى. يقترح ميشيل جيمس أنظمة انتخابية بديلة لا تسهل فقط  التمثيل العرقي الوصفي ولكن تسهل أيضاً التداول الديموقراطي عبر التقسيمات العرقية.

وتتمثل الميزة العامة لاستخدام الأنظمة الانتخابية البديلة لتعزيز التمثيل العرقي للأقليات في أنها عملياً تتجاهل العرق ولا تستلزم من مشرعي القانون أو القضاة تصنيف المواطنين حسب هوياتهم العرقية. مازالت القيمة العامة لتجاهل العرق موضوع مستمر للنقاش في نطاق الفلسفة القانونية. يزعم أندرو كول (1992) (Andrew Kull) استناداً على المعارضة المشهورة للقاضي جون مارشال هارلان (John Marshall Harlan) في قضية بليسي ضد فيرقسون (Plessy v. Ferguson) والتأويل الجدلي لأصول بند الحماية المتساوية أن القانون التشريعي والدستوري الأمريكي المعاصر يجب أن يسعى ليصبح متجاهلاً للعرق ومكافحاً للظلم العرقي بدون تقسيم المواطنين إلى مجموعات عرقية مختلفة. وفي الجانب الآخر يخشى يان هاني لوبيز (2006, 143–162) (Ian Haney Lopez) من “السيطرة البيضاء المتجاهلة للعرق” والتي بمقتضاها تُبقي قوانين حيادية العرق ظاهرياً على حصانة اللامساواة العرقية التي تعمل داخل التركيبات السياسية والقانونية والاقتصادية الأمريكية. تقدم إليزابيث أندرسون (2010) نقداً لاذعاً لتجاهل العرق بوصفه معياراً تنظيمياً للقانون والسياسة العامة والأخلاق. حظي الفصل العنصري وإمكانية الإدماج انتباه فلسفي اقل بكثير من التمييز الإيجابي والتمثيل العرقي الوصفي. ويقدم بيرنارد بوكسيل (1992) (Bernard Boxill) علاجاً لفصل نقل الطلاب في الحافلات والفصل الذاتي، بينما يقدم هاورد مكجاري (1999) (Howard McGary) إيضاحاً للدمج والفصل. تعالج إريس يونغ (2002, chapter 6) الفصل في السكن في سياق الديموقراطية الإقليمية، في حين يحلله أوين فيس ((2003 (Owen Fiss) في سياق إرث العنصرية. تطالب أندرسون نفسها (2010) بالضرورة الأخلاقية للاندماج، ويقدم كلاً من تومي شيلبي (2014) ورونالد سوندستروم (2013) (Ronald Sundstrom) ردوداً نقدية على جدال أندرسون. وكتب أندور ڤالز (2018, chapter 6) قبل وقت قصير عن هذا الموضوع.

جذبت مشكلة العنصرية داخل الشرطة والعدالة الجنائية في الولايات المتحدة اهتماماً شعبياً وعلمياً بالغاً في السنوات الأخيرة. يقدم ماثيس ريسيه وريتشارد زيكهاوزر (2004) (Mathias Risse and Richard Zeckhauser) دفاعاً ملائماً عن التنميط العرقي يحتوي على تعليلات نفعية وغير عواقبية كذلك. أثار دفاع واعتراض أنابيل ليڤر (2005) (Annabelle Lever) جولة لاحقة من النقاش (Risse 2007, Lever 2007). واشتهر تصوير ميشيل الكسندر (2010) (Michelle Alexander) لنظام العدالة الجنائية الأمريكي المعاصر على أنه جيم كرو جديد نظراً لتبايناته العرقية الحادة. تقدم ناومي زاك  (2015) نقداً لاذعاً للتنميط العرقي وجرائم الشرطة.  ومن جهة أخرى يدافع ديفيد بونين (2011) (David Boonin) على مضض عن التنميط العرقي على اعتبارات علمية. وختاماً يحتج ادم حسين (2018) (Adam Hosein) عليه لأسباب تتعلق بالعدالة السياسية. يقدم شيلبي (2016) مبررات للمقاومة السوداء انطلاقاً من الإرث غير العادل للفصل العنصري في حين يوطد نقده السابق لوجهة نظر أندرسون.

٥. العرقي في الفلسفة القارية

بينما قد تمحورت النقاشات إلى حد كبير في الفلسفة المعاصرة للعرق في نطاق التقليد التحليلي حول وجود الأعراق من عدمها مع معايير لتحديد الواقع أو الوجود، فقد تناول الفلاسفة الذين يعملون في التقليد القاري مفهوم العرق جنباً إلى جنب مع أبعاد أخرى (see Bernasconi and Cook 2003 for an overview). أولاً لقد استدعى هؤلاء الذين يعملون في تقاليد المدرسة الوجودية والظواهرية (Phenomenology) فانون (Fanon) وموريس بونتي (Merleau-Ponty) وسارتر (Sartre) وآخرون لفهم كيفية عمل العرق داخل خبراتنا الحية الجسدية في حياتنا اليومية.  يركز هذا الجانب من الدراسات على مادية العرق. كما تقول إيميلي س. لي (Emily S. Lee): يستند مستوى التحليل الهيكلي الاجتماعي ومستوى التحليل الفردي اللاوعي على إدراك تجسيد العرق (2014, 1). ثانياً بلور الفلاسفة الذين يعتمدون على عمل ميشال فوكو (Michel Foucault) مفاهيم جينيالوجية للعرق تركز على ظهوره التاريخي باعتباره مفهوماً والطرق التي عمل فيها داخل خطابات المعرفة والسلطة.

لقد كان فانون المؤثر الأساسي لفهم العرق والعنصرية داخل المدرسة الوجودية والظواهرية. يقول فانون في كتابه “بشرة سوداء، أقنعة بيضاء” (Black Skin, White Masks) “أتيت إلى هذا العالم وأنا حريص لكشف معنى الأشياء، ترغب روحي أن تكون في صميم العالم، وها أنا ذا شيءٌ بين أشياء” (2008/1952, 89). وعلاوة على ذلك، هذه “الدونية يحددها الآخر” من خلال “تحديق الأبيض” (2008/1952, 90). يُفهم مثل هذا الموقف من خلال حدود الجسد، لأنه “في العالم الأبيض يعاني الشخص ذو البشرة الملونة من صعوبات في توضيح حدود جسده. تنتفي صورة جسد الشخص، فهي تعتبر صورة لشخص غائب” (2008/1952, 90). بدلاً من الانتماء لجسده وتحريكه “بحكم العادة”، يفهم فانون جسده على أنه موجود بشكل أساسي ليكون شيئاً للآخرين طالباً منه الحركة من خلال المعرفة الضمنية للقواعد والأعراف لذلك العالم الأبيض (2008/1952, 91).

ينتقد فانون فهم سارتر للعرق والعنصرية بالإشارة إلى أن سارتر يفهم مكافحة العنصرية على أنها حركة سلبية سيتم تجاوزها (2008/1952, 111–112). يعامل سارتر مكافحة العنصرية باعتبارها عملية الانتقال نحو شيء آخر وليس على أنها غاية بحد ذاتها. وكتب فانون في اعتراضه على هذا الرأي أن “سارتر ينسى أن الرجل الأسود يعاني في جسده بشكل مختلف عن الرجل الأبيض” (2008/1952, 117). هو محاصر بحدود جسده، فهو “لعبة في يد الرجل الأبيض” (2008/1952, 119).

يستند لويس غوردون (Lewis Gordon) على فانون وسارتر في صياغة مدرسته الوجودية الأفريقية. يفرق بين المدرسة الوجودية باعتبارها حركة أوروبية تاريخية محددة وفلسفات الوجود أو الفلسفات الوجودية المنشغلة بالحرية والمعاناة والمسؤولية والقدرة المجسدة للفرد على التصرف والسلوك الاجتماعي والتحرر. تنتج هذه الهواجس التركيز على “السياق الحي الذي يثير القلق” (2000, 10). نظراً لتاريخ القمع العنصري للسود، فإن الفلسفة الوجودية الأفريقية بالنسبة لغوردون تدور حول الأسئلة التالية: ماذا يعني أن تكون مشكلة؟ ماذا يُفهم من معاناة السود؟  (2000, 8).

وفقاً لغوردون فإن ما يشار إليه أحياناً على أنه “سؤال العرق” هو حقاً سؤال عن حالة أن تكون أسوداً، حيث “برز العرق خلال تاريخه باعتباره سؤال يخص السود بصورة أساسية كما لم يخص مجموعة أخرى” (2000, 12). لا ينكر هذا الادعاء بأن المجموعات الأخرى تم تصنيفها على أساس عرقي، ولكنه يوضح بأن التصنيفات على أساس العرق قد كانت مشروطة في مقياس يبدأ من الشخصية الأوروبية إلى الشخصية السوداء الأدنى (see also Mills 1998, 6–10). لقد اتصف السواد نفسه بأنه “انهيار العقلانية” و”المعضلة الوجودية” بطريقة يمكن فيها اعتبار السؤال عن العرق والتصنيف العرقي يعني بالدرجة الأولى السؤال عن السواد.

يستخدم كلاً من غوردون وزاك مفهوم سوء النية لسارتر من أجل فهم العرق. نستطيع فهم سوء النية على أنها التملص من المسؤولية والإخلاص للحرية البشرية، وعلى أنها مفهوم للإنسان كموجود لذاته (being as a for-itself). تحوّل سوء النية الإنسان خطأً إلى شيء يفتقد للفاعلية، إلى شيء موجود في ذاته (an in-itself). بالنسبة لغوردون فإن مناهضة العنصرية ضد السود ترى أن كون الشخص أسوداً بحد ذاته هو مشكلة وبذلك تتجنب هذه المناهضة فهم مشاكل السود. نتيجة لذلك يختفي الأفراد السود الحقيقيون مع أي مسؤولية تجاههم (1997, 74). يعطي غوردون مثالاً على ذلك وهو الدراسة الاجتماعية التي اجراها دو بويز عن سكان الجناح السابع في فيلاديلفيا تحت عنوان زنجي فيلاديلفيا (The Philadelphia Negro). يروي غوردون أن من طلبوا إجراء الدراسة كانوا يعدّون دو بويز لفشل محتم وذلك لأنه سيساهم فقط في ترسيخ فكرة أن السكان السود مرضى، مما يصور أن كون الشخص أسود هي مشكلة بحد ذاتها بدلاً من فهم مشاكل الأشخاص والمجتمعات السوداء (2000, 69).

في حين أن غوردون يستخدم مفهوم سوء النية لفهم العنصرية ضد السود، تستخدم زاك المفهوم لتوطيد المدرسة الإقصائية الخاصة بها. يعتبر سارتر أن الأصالة هي الترياق لسوء النية. لتعيش بأصالة معناه فهم وتبني الحرية البشرية بدلاً من التنصل منها. تنسب إقصائية زاك سوء النية لأولئك الذين يقرون بأن المسميات العرقية تصف البشر في حين أنها في الواقع لا تصفهم (1993, 3–4). إذا كانت التعريفات العرقية تفتقر إلى الأدلة المناسبة لأن الأعراق غير موجودة، فإذاً التعريف بالعرق على أنه مختلط يتم أيضاً بسوء نية. تفهم زاك موقفها “المضاد للعرق” عوضاً عن ذلك على أنه أصالة حقيقية تنظر للمستقبل بعين الحرية ومقاومة الاضطهاد، بعين التجرد من العرق (1993, 164).

يعتبر التجسيد والظهور أساسيان في وجهات النظر هذه. يفهم غوردون الجسد على أنه “منظورنا في العالم” والذي يحدث مع (على الأقل) ثلاث مصفوفات: أن ترى، وأن تتم رؤيتك، والإدراك بأنه تتم رؤيتك (1997, 71). يعني هذا في عالم ضد السود أن الجسد الأسود هو شكل من الغياب، أي التجول غير المرئي بطريقة بطل فيلم الرجل الخفي (Invisible Man) للكاتب رالف إلسون (Ralph Ellison) (1997, 72–3). يخبرنا جورج يانسي (George Yancy) أنه يكتب من خلال “خبرته الحية المجسدة” وهي “موقع مكشوف” (2008, 65). يعتبر التجسيد الأسود هنا العدسة التي تستخدم لنقد الأبيض وتحديقه المعياري. ويعتبر يانسي أن المقاومة السوداء بحد ذاتها تفك وتعيد تشفير الوجود الأسود المتجسد مؤكدة على قيمة الجسد الأسود في مواجهة قرون من الإنكار الأبيض (2008, 112–3).

تعرض ليندا مارتين ألكوف مسألة ظواهرية عن العرق والتي تلقي الضوء على “سجل مرئي” مبني اجتماعياً وتاريخياً وهو “عامل حاسم في التجربة الفردية” (2006, 194). مثل يانسي، تموضع ألكوف العرق في التجربة المجسدة الحية. استناداً على عمل موريس ميرلو بونتي (Maurice Merleau-Ponty)، تلاحظ ألكوف كيف أن الطريقة التي تنتظم فيها ممارساتنا الإدراكية تؤثر في الطريقة التي نعرف فيها العالم (2006, 188). عندما يعمل العرق من خلال الظهور، تصبح هذه الطرق للمعرفة المطبّعَة إدراكياً ذات مضامين عرقية. وكما لاحظت: “يعمل الوعي العرقي من خلال ممارسات مكتسبة وعادات تمييز بصري وعلامات بصرية على الجسد … يوجد العرق هناك على الجسد نفسه” (2006, 196).

تزعم “لي” أن المعنى العرقي ينسجم تماماً داخل الفضاء الذي يسعى لاكتشافه الإطار الظواهري ألا وهو الفضاء بين الطبيعي والثقافي، وبين الموضوعية والذاتية، وبين التفكير واللاتفكير (Lee 2014, 8). إضافة إلى ذلك يمكن لمنهج ظواهري أن يلقي الضوء على كيفية أن العرق حتى لو تم فهمه على أنه مفهوم اجتماعي، يمكن أن يتم تطبيعه بالرغم من ذلك من خلال ترسيب المعنى العرقي إلى صميم بناءات وممارسات المجتمع (Lee 2019, xi).

يمر النوع الثاني من التفكير من خلال عمل ميشال فوكو. يفصّل فوكو في محاضراته التي ألقاها في عامي 1975–1976 في كوليج دو فرانس (Collège de France) ونشرت تحت عنوان “يجب الدفاع عن المجتمع” (Society Must Be Defended) مراحل ظهور خطاب عن العرق في بداية القرن السابع عشر في إنجلترا. يعتبر فوكو أن حرب خطاب العرق تظهر من خلال مزاعم انعدام الشرعية ضد ملكية ستيوارت. صيغت هذه المزاعم بلغة الظلم بالإضافة إلى الاجتياح الأجنبي بحيث تصوّر أن عرق الشعب الأصلي يتصارع ضد اجتياح خارجي (2003, 60). لا يعتبر العرق عند هذه النقطة مفهوم أحيائي ولكن يشير بدلاً من ذلك إلى نسب وعادة وتقليد (2003, 77). لم يتحول هذا المفهوم الثقافي للعرق إلى مفهوم علمي للعرق إلا في وقت لاحق.

يستعين كورنيل ويست (Cornel West) بمنهجية فوكو لاستخلاص تسلسل زمني للعنصرية الحديثة (1982). يحلل ويست كيف أن خطاب الحداثة ظهر ليوضح مركزية السيادة البيضاء لممارساتها المعرفية وصنع المعنى (47). ويعني بخطاب الحداثة “الاستعارات والأفكار والتصنيفات والأعراف المسيطرة التي تشكل المفهوم السائد للحقيقة والمعرفة في الغرب الحديث”، والذي يُقاد بالثورة العلمية والتحول الديكارتي للفلسفة وإحياء الكلاسيكية (50). هو خطاب يشمل أشكال محددة من العقلانية والعلمية والموضوعية والمثل الجمالية والثقافية، وهي المؤشرات التي يُستثني منها مساواة السود منذ البداية، ويعتبر فيها الأسود مبهم وغير شرعي داخل الأعراف السائدة للخطاب والمعرفة (47–48). إن مفاهيم الحقيقة والمعرفة التي تنتجها هذه القوات الثلاث محكومة بموضوع خال من القيم يلاحظ ويقارن ويطلب ويقيس من أجل الحصول على دليل والتوصل لاستنتاجات تثبت صحة تمثيلات الواقع.

تستخدم لاديل مكوهورتر (Ladelle McWhorter) محاضرات فوكو لإستخلاص تسلسل زمني للعنصرية والقمع الجنسي في وقت وزمان أقرب. بالنسبة لمكوهورتر فإنه يجب فهم العنصرية في القرن العشرين في أمريكا الأنجلوية على ضوء عمل فوكو عن التطبيع، حيث توجد العنصرية “كحملة صليبية ضد الانحراف والتشوهات والأمراض” (2009, 12). استناداً على تحليل فوكو لحرب خطاب العرق أجرت مكوهورتر تسلسل زمني للعرق مجادلةً بأنه في نهاية المطاف يعتبر العرق والميل الجنسي “متعلقان ببعضهما وكلاهما حاسم لتعريف الآخر تاريخياً” (2009, 14). يعتبر إذاً الخطاب الأمريكي عن العرق مرتبطاً بالخطابات عن علم تحسين النسل والعائلة والاستهداف الجنسي والوضع الطبيعي وإدارة السكان وجميعها تعمل في نطاق شبكات القوة والتي أشار إليها فوكو بالطاقة الأحيائية (2009,15). تقدم آن لورا ستولر(2015) (Ann Laura Stoler) إعادة بناء مطولة ونقد لمعالجة فوكو للعرق في ضوء الاستعمار والامبريالية. وتذهب جوي جيمس (Joy James) أبعد من ذلك حتى مجادلةً بأن فوكو غير مفيد في التفكير في العرق إطلاقاً (1996, chapter 1).


المراجع

  • Alcoff, L., 2006, Visible Identities: Race, Gender, and the Self, New York: Oxford University Press.
  • Alexander, M., 2010, The New Jim Crow: Mass Incarceration in the Age of Colorblindness, New York: The Free Press.
  • Anderson, E., 2010, The Imperative of Integration, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Andreasen, R., 1998, “A New Perspective on the Race Debate,” British Journal of the Philosophy of Science, 49 (2): 199–225.
  • –––, 2000, “Race: Biological Reality or Social Construct?” Philosophy of Science, 67 (Supplement): S653–S666.
  • –––, 2004, “The Cladistic Race Concept: A Defense,” Biology and Philosophy, 19: 425–442.
  • –––, 2005, “The Meaning of ‘Race’: Folk Conceptions and the New Biology of Race,” The Journal of Philosophy: 94–106
  • Appiah, K. A., 1992, In My Father’s House: Africa in the Philosophy of Culture, New York: Oxford University Press.
  • –––, 1995, “The Uncompleted Argument: DuBois and the Illusion of Race,” in Overcoming Racism and Sexism, L. Bell and D. Blumenfeld (eds.), Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
  • –––, 1996, “Race, Culture, Identity: Misunderstood Connections,” in Color Conscious, Anthony Appiah and Amy Gutmann, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • –––, 2006, “How to Decide If Races Exist,” Proceedings of the Aristotelian Society, 106: 365–382
  • Babbitt, S. and Campbell, S. (eds.), Racism and Philosophy, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • Bernasconi, R. and Lott, T., (eds.), 2000, The Idea of Race, Indianapolis, IN: Hackett.
  • Bernasconi, R., with Cook, S. (eds.), 2003, Race and Racism in Continental Philosophy, Bloomington, IN: Indiana University Press.
  • Bethencourt, F., 2015, Racisms: From the Crusades to the Twentieth Century, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Blum, L., 2002, I’m not a Racist, But…The Moral Quandary of Race, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • Boonin, D., 2011, Should Race Matter? Unusual Answers to the Usual Questions, New York: Cambridge University Press.
  • Boxill, B., 1992, Blacks and Social Justice (Revised Edition), Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
  • Brace, C. L., 2005, Race is a Four-Letter Word, New York: Oxford University Press.
  • Brodkin, K., 1998, How the Jews Became White Folks, New Brunswick, NJ: Rutgers University Press.
  • Cohen, C. and Sterba, J., 2003, Affirmative Action and Race Preference: A Debate, New York: Oxford University Press.
  • Cornell, S. and Hartmann, D., 1998, Ethnicity and Race: Making Identities in a Changing World, Thousand Oaks, CA: Pine Forge Press.
  • Davis, F. J., 1991, Who is Black? University Park, PA: Penn State University Press.
  • Espiritu, Y. L., 1992, Asian American Panethnicity, Philadelphia: Temple University Press.
  • Fanon, F., 2008 [1952], Black Skin, White Masks, trans. Richard Philcox, New York: Grove Press.
  • Fiscus, R., 1992, The Constitutional Logic of Affirmative Action, Durham, NC: Duke University Press.
  • Fiss, O., 2003, A Way Out: America’s Ghettoes and the Legacy of Racism, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Foucault, M., 1997, Society Must Be Defended, trans. David Macey, New York: Picador.
  • Frederickson, G., 2002, Racism: A Short History, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Garcia, J., 1996, “The Heart of Racism,” Journal of Social Philosophy, 27: 5–45.
  • –––, 1999, “Philosophical Analysis and the Moral Concept of Racism,” Philosophy and Social Criticism, 25: 1–32.
  • –––, 2001, “Is Being Hispanic an Identity?” Philosophy and Social Criticism, 27: 29–43.
  • –––, 2006, “Identity Confusions,” Philosophy and Social Criticism, 32: 839–862.
  • Gilroy, P., 2000, Against Race: Imagining Political Culture Beyond the Color Line, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Glasgow, J., 2003, “On the New Biology of Race,” The Journal of Philosophy: 456–474.
  • –––, 2009, A Theory of Race, New York: Routledge.
  • –––, 2019, “Is Race an Illusion or a (Very) Basic Reality?” in What is Race? Four Philosophical Views, New York: Oxford.
  • Glasgow, J. and Woodward, J.M., 2015, “Basic Racial Realism,” Journal of the American Philosophical Association, 449–466.
  • Goldberg, D.T., 2002, The Racial State, Oxford: Blackwell.
  • Goldman, A., 1979, Justice and Reverse Discrimination, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Gooding-Williams, R., 1998, “Race, Multiculturalism and Democracy,” Constellations, 5 (1): 18–41.
  • –––, 2006, Look, A Negro!: Philosophical Essays on Race, Culture, and Politics, London and New York: Routledge.
  • Gordon, L., 1997, Existence in Black, New York, Routledge.
  • –––, 2000, Existentia Africana, New York, Routledge.
  • Gracia, J., 2000, Hispanic/Latino Identity: A Philosophical Perspective, Oxford: Blackwell.
  • Guinier, L., 1994, The Tyranny of the Majority: Fundamental Fairness in Representative Democracy, New York: The Free Press.
  • Hacking, I., 2005, “Why Race Still Matters,” Daedelus, (Fall): 102–116.
  • –––, 2006, “Genetics, Biosocial Groups, and the Future of Identity,” Daedelus, (Fall): 81–95.
  • Haney Lopez, I., 1996, White by Law: The Legal Construction of Race, New York: New York University Press.
  • Hannaford, I., 1996, Race: The History of an Idea in the West, Baltimore, MD: The Johns Hopkins University Press.
  • Hardimon, M., 2003, “The Ordinary Concept of Race,” The Journal of Philosophy 100(9): 437–455.
  • –––, 2014, “The Concept of Socialrace,” Philosophy and Social Criticism 40(1): 69–90.
  • –––, 2017, Rethinking Race: The Case for Deflationary Realism, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Haslanger, S., 2000, “Gender and Race: (What) Are They? (What) Do We Want Them to Be?,” Noûs 34, 31–55.
  • –––, 2010, “Language, Politics and ‘The Folk’: Looking for ‘The Meaning’ of ‘Race’,” Monist 93, 169–187.
  • –––, 2019, “Tracing the Sociopolitical Reality of Race” in What is Race? Four Philosophical Views, New York: Oxford.
  • Hosein, A.O., 2018, “Racial Profiling and a Reasonable Sense of Inferior Political Status,” Journal of Political Philosophy 26 (3): 1–20.
  • Ignatiev, N., 1995, How the Irish Became White, New York: Routledge.
  • Isaac, B., 2004, The Invention of Racism in Classical Antiquity, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Jaksic, I. (ed.), 2015, Debating Race, Ethnicity, and Latino Identity: Jorge J. E. Gracia and His Critics, New York: Columbia University Press.
  • James, J, 1996, Resisting State Violence: Radicalism, Gender, and Race in U.S. Culture, Minneapolis, MN: University of Minnesota Press.
  • James, M, 2004, Deliberative Democracy and the Plural Polity, Lawrence, KS: The University Press of Kansas.
  • –––, 2011, “The Priority of Racial Constituency over Descriptive Representation,” Journal of Politics, 73(4): 899–914.
  • Jeffers, C., 2013, “The Cultural Theory of Race: Yet Another Look at Du Bois’s “The Conservation of Races”,” Ethics, 123: 403–426.
  • –––, 2019, “Cultural Constructionism” in What is Race? Four Philosophical Views, New York: Oxford.
  • Kasinitz, P., 1992, Caribbean New York, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • Kitcher, P., 1999, “Race, Ethnicity, Biology, Culture,” in Racism, L. Harris (ed.), New York: Humanity Books.
  • –––, 2007, “Does ‘Race’ Have a Future?” Philosophy and Public Affairs, 35(4): 293–317.
  • Kousser, J. M., 1999, Colorblind Injustice: Minority Voting Rights and the Undoing of the Second Reconstruction, Chapel Hill, NC: University of North Carolina Press.
  • Kull, A., 1992, The Color-Blind Constitution, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Lever, A., 2005, “Why Racial Profiling Is Hard to Justify: A Response to Risse and Zeckhauser,” Philosophy & Public Affairs 33 (1): 94–110.
  • –––, 2007, “What’s Wrong with Racial Profiling? Another Look at the Problem,” Criminal Justice Ethics 26 (1): 20–28.
  • Lebron, C., 2013, The Color of Our Shame: Race and Justice in our Time, New York: Oxford University Press.
  • Lee, E.S., (ed.), 2014, Phenomenology, Embodiment, and Race, Albany, NY: State University of New York Press.
  • –––, (ed.), 2019, Race as Phenomena, Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
  • Lott, T., 1999, The Invention of Race: Black Culture and the Politics of Representation, Malden, MA: Blackwell.
  • Lublin, D., 1997, The Paradox of Representation, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Mallon, R., 2004, “Passing, Traveling and Reality: Social Constructionism and the Metaphysics of Race,” Noûs, 38 (4): 644–673.
  • –––, 2006, “Race: Normative, Not Metaphysical or Semantic,” Ethics, 116 (3): 525–551.
  • –––, 2007, “A Field Guide to Social Construction,” Philosophy Compass, 2 (1): 93–108.
  • Mansbridge, J., 1999, “Should Blacks Represent Blacks and Women Represent Women? A Contingent Yes,” The Journal of Politics, 61 (3): 628–657.
  • Marx, A., 1998, Making Race and Nation, New York: Cambridge University Press.
  • McCoskey, D., 2012, Race: Antiquity and its Legacy, London: I.B. Tauris.
  • McGary, H., 1999, Race and Social Justice, Malden, MA: Blackwell.
  • McPherson, L.K., 2015, “Deflating ‘Race’,” The Journal of the American Philosophical Association, 674–693.
  • McWhorter, L. 2009, Racism and Sexual Oppression in Anglo-America: A Genealogy, Bloomington, IN: Indiana University Press.
  • Mills, C., 1997, The Racial Contract, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • –––, 1998, Blackness Visible: Essays on Philosophy and Race, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • –––, 2003, From Class to Race: Essays in White Marxism and Black Radicalism, Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
  • –––, 2013, “Retrieving Rawls for Racial Justice? A Critique of Tommie Shelby,” Critical Philosophy of Race, 1: 1–27.
  • Nobles, M., 2000, Shades of Citizenship, Stanford, CA: Stanford University Press.
  • Omi, M. and Winant, H., 1994. Racial formation in the United States. New York: Routledge.
  • Outlaw, L., 1990, “Toward a Critical Theory of Race,” in Anatomy of Racism, D. T. Goldberg (ed.), Minneapolis: University of Minnesota Press.
  • –––, 1996, On Race and Philosophy, New York: Routledge.
  • Pateman, C. and Mills, C., 2007, Contract and Domination, Malden, MA: Polity Press.
  • Phillips, A., 1995, The Politics of Presence, Oxford: Oxford University Press.
  • Popkin, R., 1977, “Hume’s Racism,” Philosophical Forum, 9 (Winter-Spring): 211–26.
  • Risse, M., 2007, “Racial Profiling: A Reply to Two Critics,” Criminal Justice Ethics, 26 (1): 4–19.
  • Risse, M. and Zeckhauser, R., 2004, “Racial Profiling,” Philosophy & Public Affairs 32 (2): 131–70.
  • Roberts, D., 2008, “Is Race-Based Medicine Good for Us? African American Approaches to Race, Biomedicine, and Equality,” Journal of Law, Medicine, and Ethics, 36: 537–545.
  • Rodriguez, C., 2000, Changing Race: Latinos, the Census, and the History of Ethnicity in the United States, New York: New York University Press.
  • Root, M., 2000, “How We Divide the World,” Philosophy of Science, 67 (Supplement): S628–S639.
  • Rosenfeld, M., 1991, Affirmative Action and Justice, New Haven, CT: Yale University Press.
  • Sesardic, N., 2010, “Race: A Social Destruction of a Biological Concept,” Biology and Philosophy, 25: 143–162.
  • Shelby, T., 2002, “Foundations of Black Solidarity: Collective Identity or Common Oppression,” Ethics, 112: 231–266.
  • –––, 2003, “Two Conceptions of Black Nationalism: Martin Delany on the Meaning of Black Political Solidarity,” Political Theory, 31 (5): 664–692.
  • –––, 2004, “Race and Social Justice: Rawlsian Considerations,” Fordham Law Review, 72: 1697–1714.
  • –––, 2005, We Who are Dark: The Philosophical Foundations of Black Solidarity, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • –––, 2013, “Racial Realities and Corrective Justice: A Reply to Charles Mills,” Critical Philosophy of Race, 1: 145–162.
  • –––, 2014 “Inequality, Integration, and Imperatives of Justice: A Review Essay,” Philosophy & Public Affairs 42: 253–285.
  • –––, 2016, Dark Ghettos: Injustice, Dissent, and Reform, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Smith, J., 2015, Nature, Human Nature, and Human Difference: Race in Early Modern Philosophy, Princeton NJ: Princeton University Press.
  • Snowden, F., 1970, Blacks in Antiquity, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • –––, 1983, Before Color Prejudice: The Ancient View of Blacks, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Spencer, Q., 2012, “What ‘Biological Racial Realism’ Should Mean,” Philosophical Studies, 159: 181–204.
  • –––, 2014, “A Radical Solution to the Race Problem,” Philosophy of Science, 81: 1025–1038.
  • –––, 2019, “How to Be a Biological Racial Realist” in What is Race? Four Philosophical Views, New York: Oxford.
  • Spinner, J., 1994, The Boundaries of Citizenship, Baltimore: The Johns Hopkins University Press.
  • Stoler A.L., 1995, Race and the Education of Desire: Foucault’s History of Sexuality and the Colonial Order of Things, Durham, NC: Duke University Press.
  • Stubblefield, A., 2005, Ethics along the Color Line, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • Sundstrom, R.R., 2002, ““Racial” Nominalism,” Journal of Social Philosophy, 33(2): 193–210.
  • –––, 2013, “Comment on Elizabeth Anderson’s The Imperative of Integration” Symposia on Gender, Race and Philosophy, Vol. 9(2). [Sundstrom 2013 available online]
  • Swain, C., 1993, Black Faces, Black Interests, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Tate, K., 2003, Black Faces in the Mirror: African Americans and their Representatives in the U.S. Congress, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Taylor, P., 2000, “Appiah’s Uncompleted Argument: DuBois and the Reality of Race,” Social Theory and Practice, 26 (1): 103–128.
  • –––, 2004, Race: A Philosophical Introduction, Cambridge, UK: Polity Press.
  • Thernstrom, A., 1987, Whose Votes Count? Affirmative Action and Minority Voting Rights, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Valls, A, 2005, “A Lousy Empirical Scientist,” in Race and Racism in Modern Philosophy, A. Valls (ed.), Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • ––– (ed.), 2005, Race and Racism in Modern Philosophy, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • –––, 2010, “A Liberal Defense of Black Nationalism,” American Political Science Review, 104: 467–481.
  • –––, 2018, Rethinking Racial Justice, New York: Oxford University Press.
  • Waters, M., 1990, Ethnic Options, Berkeley, CA: University of California Press.
  • –––, 1999, Black Identities, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • West, C., 1982, Prophesy Deliverance! An Afro-American Revolutionary Christianity, Philadelphia: The Westminster Press.
  • Williams, M., 1998, Voice, Trust, and Memory: Marginalized Groups and the Failings of Liberal Representation, Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Yancy, G., 2008, Black Bodies, White Gazes: The Continuing Significance of Race, Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
  • –––, 2012, Look, A White: Philosophical Essays on Whiteness, Philadelphia: Temple University Press.
  • Young, I., 1990, Justice and the Politics of Difference, Princeton: Princeton University Press.
  • –––, 2002, Inclusion and Democracy, New York: Oxford University Press.
  • Zack, N., 1993, Race and Mixed Race, Philadelphia: Temple University Press.
  • –––, 2002, Philosophy of Science and Race, New York: Routledge.
  • –––, 2011, The Ethics and Mores of Race: Equality after the History of Philosophy, Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
  • –––, 2015, White Privilege and Black Rights: The Injustice of U.S. Police Racial Profiling and Homicide, Lanham, MD: Rowman and Littlefield.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

affirmative action | critical-race-theory | Douglass, Frederick | Du Bois, W.E.B. | Fanon, Frantz | feminism-race | feminist philosophy, interventions: metaphysics | heritability | identity politics | Kant, Immanuel: social and political philosophy | liberation, philosophy of | Négritude | race: and Black identity