مجلة حكمة
تاريخ العلم

مقدمة في تاريخ العلم – جورج سارتون

History of science - gorge sarton
غلاف كتاب (تاريخ العلم)

تمهيد كتاب: تاريخ العلم لجورج سارتون – ترجمة: محمد خلف الله (نقله لموقع حكمة: مريم الشاعر)


تاريخ العلم: تمهيد

منذ سنوات مضت ، وبعد نشر المجلد الأول من كتابي الذي عنوانه « مقدمة في تاريخ العلوم ». قابلت أحد طلابي القدماء – و أنا أعبر ساحة الجامعة – فدعوته ليتناول معي فنجاناً من القهوة في مقهى بميدان « هارفارد ». فقال لي – بعد شيء من التردد : «اشتريت نسخة من « مقدمتك ». وشعرت بخيبة لم أشعر بها في حياتي من قبل ، إذ تذكرت محاضراتك الحية الحافلة بألوان المعرفة ورجوت أن أجد أصداءها في مجلدك الكبير، ولكني بدل ذلك لم أجد إلا عبارات جافة ، لم تشجعني على المضي في القراءة ». فحاولت أن أشرح له الغرض من « المقدمة » الجافة العسيرة ، وأن جزءاً كبيراً منها لم يقصد به أن يقرأ ، بل أن يرجع إليه ، ثم قلت له أخيراً : « لعلي أستطيع بعد أن أكتب كتاباً يسرك ».

وكثيراً ما فكرت منذ ذلك الوقت في هذا الكتاب الذي يعرض محاضراتي ، لا بنصها ولكن بروحها ، والذي كتبته في الأصل لطلابي القدماء ، ولمؤرخي العلم ، الذين كانوا جميعاً رفقائي من قراء مجلتي “Osiris “، “Isis”، وكثير منهم عمل معي ، أو أعانني في أعمال كثيرة. وكتبته كذلك للجمهور المثقف عامة ، لا للغويين.

على أن هذا يتطلب كلمة إيضاح. فأنا لست عدوّاً للغويين ، وأنا واحد منهم إلى حدٍّ ما، ولو أنهم ربما لا يقبلونني ، إن الطبيعة حافلة بعجائب الأشياء – من أصداف وأزهار وطيور وكواكب – مما لا يملّ المرء مشاهدته ، ولكن أعجب الأشياء كلها عندي ألفاظ الناس ، ولست أقصد بالألفاظ أكداس الكلمات الفارغة التي تفيض من فم ثرثار ، بل أقصد الاختيار الرفيق البارع للكلمات ، يصدر عن شفاه حكيمة دقيقة الحس ، فليس هناك شيء يهز النفس أكثر من تأمل الرسائل التي يستخدمها الناس في التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم ، ومقارنتها في مختلف الأمكنة والأزمان. والواقع أن الكلمات والعبارات التي استعملها الرجال والنساء خلال العصور هي أجمل أزهار الإنسانية ، ففي كل كلمة كثير من الفضيلة ، بل إن الماضي كله يتبلور فيها منذ صياغتها الأولى ، وهي تعرض الأفكار الواضحة ، كما تعرض ما لا حصر له من الدلالات الغامضة ، فكل لفظة كنز من الواقعيات والأوهام ، ومن الحقائق والألغاز، وهذا هو السرّ في أني كثيراً ما أقف في تفكيري أو كلامي أو كتابتي ، وأسأل نفسي حقاً : ماذا تعني هذه الكلمة أو تلك ؟. ومثل هذا الانشغال بمعاني الألفاظ مايتسرب كثيراً إلى صفحات كتابي ، ولا سيما الهوامش التي يستطيع القراء العابرون أن يصرفوا النظر عنها إذا شاءوا.

على أن دراساتي العلمية أبعدت في العمق والطول إلى مسافة تجعلني بعيداً عن زمن اللغويين ، وتجعلهم بعيدين عن صحبتي كذلك. ومبلغ علمي هو أن عنايتي باللغة أكثر أصالة من عناية اللغويين العاديين بالعلم. وأكبر ما آسف له -وأنا أدرّس العلم القديم- أنه ليس بين جماهير الدارسين على طلاب للغويات الكلاسيكية. على الرغم من أن ما أتناوله بالبحث ربما يكون فيه جديد لهم ، ولعل السبب في عدم مجيئهم إلىّ أن المشرفين على دراساتهم الأكاديمية ليس يعنيهم العلم ، ولا تاريخ العلم . وهذا ما يؤسف له!

هذا الكتاب ليس مكتوباً للغويين الكلاسيكيين. بل لطلاب العلم الذين لم يحصلوا من المعارف القديمة إلا بسائطها. والذين لم يدرسوا اللغة اليونانية أو لم يتعمقوا درسها. ولهذا جاءت مقتبساتي عن اليونانية مقصورة على القدر الضروري مصحوبة دائماً بترجمتها ، وشرحت كثيراً من الأشياء التي يعرفها اللغويون. كما حرصت على أن أشرح المواد العلمية بالقدر الذي تسمح به ضرورة الاختصار. فليس من شأني هنا أن أعطي التوضيحات العلمية الكاملة. ولن يستطيع أحد أن يعلم العلم و تاريخ العلم في آن واحد.

وأقول هنا إني قسمت تدريسي لـ تاريخ العلم أقساماً أربعة ، وهي على التعاقب : المرحلة القديمة ، والعصور الوسطى ، ومن القرن الخامس عشر إلى السابع عشر ، ومن الثامن عشر إلى العصر الحاضر ، واستغرق كل قسم من هذه الأقسام حوالي خمس وثلاثين محاضرة من محاضراتي ويتطلب نشرة مجلدين. ولذا فهذا الكتاب هو الأول من ثمانية مجلدات كل منها قائم بنفسه ، وهو يوضح تطور العلم من بداياته حتى نهاية العصر الهيليني.

ولما كانت سلسلة محاضراتي تستغرق في هذا الموضوع سنتين دراسيتين ، فإني لم أستطع أن أعود لأي موضوع معين – مثل « أنباد وقليس » أو « يودوكسوس » إلا بعد أن تنقضي هذه المدة من الزمن ، مع العلم بأن سنتين زمنيتين عند باحث متيقظ ليستا بالمدة القصيرة. فكثير من الأشياء قد يحدث في مدة كهذه بل يحدث فعلا ، بسبب مذكرات وكتب تنشر فتلقي ضوءاً جديداً على الموضوع وتقدم العلم يحمل الباحث على أن يعيد النظر في أفكاره القديمة ، وهذا فضلاً عن أنني أتغير. ونتيجة لهذا لم يحدث لي أن ألقيت محاضرة بعينها مرتين ، ولم أقم بتسجيل محاضرة ما في صورة دائمة ، بل بقيت محاضراتي على حال من السيولة حتى اقتضت ضرورات الكتابة والنشر تجميدها ، وليس التجميد حميداً لديّ ، ولكنه لا مفر منه. ورجائي أن يقوم بين قرائي من يسيل جمد الكلمات المطبوعة ، ويعطيها من عنايته النقدية حياة جديدة.

و تاريخ العلم ميدان واسع ، ليس من المستطاع شرحه كله في مائة محاضرة أو ألف. ولذا فضلت أن أتناول طائفة من الموضوعات المختارة في الحدود المستطاعة عن أن أحاول غير المستطاع ، إذ ليس ثمة مكان أو زمان لإثبات كل شيء ، ولكن اختيار الموضوعات في هذا الكتاب أكثر دقة وخصباً مما يستطاع في المحاضرات المقولة.

وليس من المستطاع كذلك – ولا من الضروري – في كل موضوع مختار – هوميروس مثلا – أن يقدم الباحث جميع الحقائق المتعلقة به ، بل الضروري أن تتكرر بعض الأشياء الأولية ، مع إفساح المجال للحقائق غير المطروقة لأهميتها – واستعنت في هذا وذاك بإيماني بالقارئ الذي لا يعوزه التعريف بكل شيء ، بل يتطلب قليلاً من التلميح فحسب.

وتوخيت في ذلك وجود النزاع الأبدي بين المعرفة والحكمة ، فالحقائق المعروفة ، والتفاصيل فنية جوهرية ولكنها غير كافية الوضوح ، ومن الواجب تبسيطها ، والرمز لها ، وتجليتها بفهم أعمق لما تتضمنه من معضلات.

وازدادت محاضراتي وضوحاً كلما تقدمت بي السنون ، إذ عمدت أن أتعرض لأشياء أقل ، وأن أقولها في طريقة أفضل ، وفي مزيد من الإنسانية. وهذا الكتاب – على طريقته – يواصل السير في هذا التطور ، ولكنه لم يبلغ بعد الوضوح الذي أبتغيه له.

وهناك مسائل صعبة تركتها ، لأن توضيحها لغير المتخصص يتطلب مجالا أوسع ، وشرّ من هذا أنها ربما تحيد بانتباه القارىء عن جادة الطريق ، وتصرفه عن أشياء ذوات أهمية أكبر، فالمبالغة شيء بين التنظيم الفني والحكمة موجود في الماضي كما هو موجود في الحاضر ، وقام وقتذاك ، كما يقوم الآن ، أغرار أكثروا من الإنشغال بالتفاهات عن الجوهريات، ومما يدهشني دائما مقدرة الأشخاص غير الأذكياء على أن يفهموا أكثر الآلات تعقيداً ، وعلى أن يستخدموها ، وأدخل من هذا في باب الدهشة عدم مقدرتهم على فهم المسائل البسيطة. وذلك لأن القبول العام للأفكار البسيطة أمر لابد منه ، إذ بدونه لا يمكن اطراد التقدم نحو مستوى أعلى. ومن المؤسف أن العلم بلا ادعاء يندر بين الناس ندرة الحكمة نفسها !

ومما أفسد فهم العلم القديم كثيراً من الأحيان ظاهرتان من الإهمال الذي لا يمكن التسامح فيه ، والظاهرة الأولى تتعلق بإهمال العلم الشرقي ، فمن سذاجة الأطفال أن نفترض أن العلم بدأ في بلاد الإغريق ، فإن « المعجزة » اليونانية سبقتها آلاف الجهود العلمية في مصر وبلاد ما بين النهرين وغيرهما من الأقاليم ، والعلم اليوناني كان إحياء أكثر منه اختراعاً. والظاهرة الثانية إهمال الإطار الخرافي الذي نشأ فيه العلم ، لا الشرقي فحسب بل اليوناني ذاته كذلك. وكفانا سوءاً أننا أخفينا الأصول الشرقية التي لم يكن التقدم الهيليني مستطاعاً بدونها ، ولكن بعض المؤرخين أضافوا إلى هذا السوء بما أخفوا مما لا حصر له من خرافات يونانية عاقت هذا التقدم ، وكان من الجائز أن تقضي عليه. الواقع أن العلم اليوناني انتصار للمذهب العقلي ، وهو انتصار يبدو أكبر – لا أصغر – حين ينكشف لنا أنه تم برغم ما اعتقده الإغريق من معتقدات غير عقلية ، بل هو انتصار لقوة العقل ضد قوة غير العقل. و إذن فنحن في حاجة إلى بعض المعرفة للخرافات الإغريقية ، لا من أجل الفهم الصحيح لذلك الانتصار فحسب ، بل لتبرير ما وقع أحياناً من ألوان الإخفاق ، ومنها الشطحات الأفلاطونية على سبيل المثال. والخلاصة أنه إذا كتب تاريخ العلم القديم بغير إمداد القارئ بمعرفة كافة بهاتين الطائفتين من الحقائق ، أي العلم الشرقي من جهة ، والخرافة اليونانية من جهة أخرى ، جاء هذا التاريخ – لا ناقصاً فحسب ، بل مزيفاً مدخولاً كذلك.

إن ما أقدمه هنا مبني على المصادر الأولى ، إذ حرصت دائماً أن أغوص إلى الأعماق ، ومع هذا تقصر وثائقنا كثيراً عن الكمال ، ومثال ذلك أن الجماعات البشرية البدائية استخدمت كمية كبيرة من المعرفة ، قبل أن تدرك حيازتها لهذه المعرفة ، وإذا هي لم تدركها ، فمن أين لنا نحن أن ندركها؟

ومن الناحية الأخرى نجد غالباً أن الوثائق الخاصة بالعلم في مصر وبلاد مابين النهرين أدق من وثائق العلم الإغريقي ، إذ الواقع أن علماء المصريات والآشورات موفقون في أن لديهم وثائق أصلية ، على حين يضطر علماء الهيلينيات إلى القنوع بوثائق مجزوءة في مقتبسات و آراء غير أصلية ، وبنسخ من نسخ بعدت المسافة الزمنية بينها وبين أصولها. ويصلنا في بعض الأحيان نص لابأس به – الإلياذة مثلا – ولكن مؤلفه يبقى في الواقع غير معروف ، و أحياناً تصلنا روايات و أخبار متعددة تعرّفنا بمؤلف – طاليس أو أبيقور مثلا – ولكن مجموعة مؤلفاته مضروب عليها الخفاء.

ومن هنا يتعين على المؤرخ أن يبذل جهده في حدود ما لديه لكل حالة ، إذ المصادر تختلف في القيم ، ولا ضرر من استخدام مصادر ضئيلة القيمة لانعدام ماهو أفضل منها ، على شرط ألا ينسى الباحث طبيعتها ، وألا يخلط بين أصول ونسخ منقولة تعاورتها أيدي النساخين جيلا بعد جيل ، أو بين الأشياء المؤكدة والشائعات. ومع أن معرفتنا بالماضي قلما تصل إلى مرتبة اليقين ، فهذا لا يقلل من مسئوليتنا شيئاً. وبالضرورة يشغل معظم هذاء الجزء بشئون العلم بين الإغريق : أي ناحية جديدة غير معروفة تمام المعرفة من مجد الإغريق الذين بلغت عظمة رجال العلم فيهم مبلغ أعلام المعماريين والنحاتين والشعراء وغيرهم من رجال الأدب. وربما تبدو الأعمال العلمية حائلة الألوان ، لأن تقدم العلم ذاته يحل جديداً محل قديم. ولكن بعضها يبقى خالداً على الأيام بما فيه من أصالة ؛ فبعض النتائج التي وصل إليها « يودوكسوس » و « أرسطو » مثلا لا تزال تؤلف أجزاء أساسية من معارف العصر الحاضر ، وهذا فضلا عن أن ثمرات جهود الإنسان – منظوراً إليها من وجهة النظر الإنسانية – لا يمكن أن تنسى ، بل تظل خالدة في جوهرها ، ولو حلّ محلها ماهو خير منها.

والثقافة اليونانية مصدر لذة لمتأملها ، فهي بسيطة ، وطبيعية ، وخالية من الحذلقات التي لا تلبث كل منها أن تصبح أداة من أدوات التحكم. ولئن كانت عقلية اليونان الخالقة شابتها خيالات غزيرة ، و أحاط بالآثار اليونانية من ألوان الغرور والقبح ما كدّر جمالها المطلق ، فهناك حالات قليلة قارب اليونان فيها درجات الكمال الممكن ، ولكنهم بشر عرضة للنقص. ولعل أكثر خصائص العلم الإغريقي غرابة أن تجد فيه ظلالا أولية من أفكارنا الحاضرة. ومن العبقرية الحقة أن تسبق أمة غيرها من الأمم بألف من السنين. وتظهر عبقرية الإغريق وضاءة في العلم كما تظهر في الفن أو الأدب ، و إذا عجزنا عن أن ندرك جانبها العلمي ، فلن نستطيع أن نقول إننا فهمناها تمام الفهم.

وليس يكفي أن نبرر ألوان السبق الثقافي ، بل علينا أن نتذكر أن كل شيء في الحاضر يحتمل أن يساعد على فهم الماضي ، وكل شيء في الماضي يحتمل أن يساعد على فهم الحاضر – الذي هو حاضرنا نحن ، فالفنان والفيلسوف كذلك ، كلاهما اعتاد تأمل الشيء في صورته الدائمة ، فلا يعرف ماضياً ولا مستقبلا ، ولكنه يعرف الحاضر الأبدي فقط ، « فهوميروس » و « شكسبير » يعيش كل منهما اليوم كما عاش من قبل ، وهو حاضر أبداً منذ ظهوره أول مرة ، وليس كذلك شأننا نحن.

وحديثنا عن الماضي محدود من عدة وجوه : وأحد هذه الوجوه الضرورية أنه يجب علينا أن نقصر أنفسنا على أسلافنا فحسب ، فالعلم الهندي الأول – والعلم الصيني كذلك – يخرج كل منهما في العادة عن نطاقنا ، لا لنقص في الأهمية ، ولكن لسبب بسيط هو قلة المغزى للقراء الغربيين ، لأن بالفكرين الهندي والصيني ، وأي أثر جاءنا من آسيا الجنوبية والشرقية إنما وصل إلينا من طرق طويلة غير مباشرة.

والواقع أن ثقافتنا النابعة من الأصل الإغريقي والعبري هي الثقافة التي تعنينا كثيراً. إن لم تكن هي كل ما يعنينا. ولسنا بهذا نقول إنها أحسن ثقافة ، ولكننا – في بساطة – نقول إنها ثقافتنا. والزعم بأنها بالضرورة أرقى الثقافات فيه خطأ وشر. وهذا الزعم هو المصدر الرئيسي للمتاعب الدولية في العالم. لأنني إذا كنت أرقى من جيراني ، فليس لي أن أقول ذلك ، ولكن لهم فقط أن يقولوه ، وإذا زعمت لنفسي شيئاً من العلوّ لا يستطيعون – أو لا يقبلون – أن يصادقوا عليه ، فإن ذلك لا يثمر سوى العداوة بيننا. ومثل ذلك يصدق – في صورة أعمق و أكثر تعقيداً – كلما حدثت موازنة بين الشعوب ، لأن كل شعب بما لديهم فرحون.

وإن معظم ما يعنيني – بل الشيء الوحيد الذي يعنيني – هو حب الحقيقة ، لذيذة كانت أو غير لذيذة ، نافعة أو غير نافعة ، إذ الحقيقة تقوم بنفسها ، ولا يمكن أن تخضع لشيء بلا خسارة ، ولا يمكن أن تكون خادمة تابعة لأي شيء آخر ، مهما يكن عظيماً ( كالدين مثلا ) ، إلا أن تصبح مدخولة كدرة.

إنني أقصد في هذا الكتاب إلى أن أشرح – لا تطور أي علم بعينه ، بل تطور العلم القديم في جملته. وسيكون مما تعالجه مسائل من الرياضيات والفلك والطبيعة وعلم الأحياء ، ولكن من ناحية ما بينها من علاقة متبادلة وما يجعلها من منبت شامل ، فميدان عنايتنا هو الثقافة القديمة كلها ، مع تركيز هذه العناية كما ينبغي نحو العلم القديم والحكمة القديمة. إن الحكمة ليست علماً رياضيّا ولا فلكيّا ولا دراسة لعلم الحيوان ، وهي حين يكثر البحث في شيء واحد تفقد ذاتها ، فهناك حكماء من علماء الطبيعة ، ولكن الحكمة ليست علم الطبيعة ، وهنالك أطباء حكماء ، ولكن الحكمة ليست طبّا.

وإن معظم ما يدخل في تاريخ العلم من سوء الفهم إنما يجيئه من قبل مؤرخي الطب الذين يتصورون أن الطب مركز العلم ، وممن زادوا في هذا النوع من سوء الفهم الباحث العظيم « كارل سودهوف » ، الذي توفر على دراسة تاريخ الطب ، وكان ممتازاً في ذلك ، ولكن معرفته العلمية غير الطبية لم تكن كافية (١).

ويدرك كل ذي عقل علمي وفلسفي رشيد أن هناك مراتب تصاعدية عامة في نمو المعرفة : فأبسط الأفكار و أكثرها جوهرية هي الرياضيات ، فإذا أضفنا تصور الزمن إلى المكان والعدد دخلنا ميدان الميكانيكا ، كما تدخلنا أفكار أخرى ميادين الفلك والطبيعة والكيميا ، ويقال مثل ذلك في شأن الأرض ماضيها وحاضرها ، حيث يبدأ الباحث دراسات الجغرافيا والجيولوجيا ، وينظر في مسائل علم الزلازل والبراكين ، ثم يبدأ دراسة علمي المعادن والبلورات.

اقتصر تفكيرنا حتى هنا على المادة غير الحية ، فإذا أضفنا فكرة الحياة وصلنا إلى البيولوجيا وكل فروعها : النبات والحيوان ، وعلم الحفريات ، والتشريح ووظائف الأعضاء. ويمكن أن نتدرج خطوة أعلى فندرس الإنسان – أي الإنسان ونواحي نشاطه ، وهذا يؤدي بنا إلى الدراسات الإنسانية والعلوم الإجتماعية.

كل هذه الفروع التي أحصيناها من المعرفة يمكن أن تستخدم – وهي تستخدم فعلاً – في الحاجات الإنسانية المختلفة ، وهذا يؤدي إلى تطبيقات متنوعة : كالتكنولوجيا ، والطب ، والتربية. صحيح من الوجهة العلمية أن التطبيقات كثيرا ما سبقت قواعدها، فالأقوام الأوائل اضطروا أن يقوموا بالتوليد والجراحة زمناً طويلا ، قبل أن يوجهوا انتباههم لعلوم التشريح والأجنة. والنظام الذي أسلفنا وصفه منطقي ، لا تاريخي بأية حال. فالأطباء وجدوا قبل الطبيعيين والكيمويين ، ولكن الطبيعيين والكيمويين هم الذين أمدوا الأطباء بأدوات البحث ، لا العكس. والنظام التاريخي طريف جداً ، لكنه اتفاقي متقلب ، وإذا نحن أردنا أن نفهم نمو المعرفة ، فلن نقنع بالمصادفات والعرضيات بل علينا أن نعرف كيف بنيت المعرفة تدريجاً. وليس معنى ذلك أنه يجب أن نعرف تاريخ الرياضيات أولا ، ثم تاريخ الميكانيكا ، وهكذا ، فإن هذه الطريقة خطأ أكيد ، وإنما الواجب أن نسير من مرحلة زمنية إلى المرحلة التالية لها ، على أن ننتبه في كل مرحلة للأفكار الرياضية ثم للأفكار الطبيعية وهلمّ جرا.

ومن المسلم به أن معضلات الصحة في مقابلتها بالمرض ، والحياة في مقابلتها بالموت ، شئون لها أهميتها عند الرجل العادي ، وهو – إذن – معذور إذا اعتقد أن الطب قطب رحى العلم. والفيلسوف والرياضي كلاهما لا يمانع في التسليم بالأهمية العلمية لهذه المعضلات ، لا بزعامتها الروحية ، ذلك لأن كليهما معني بمعضلات أخرى تتصل بذات الله وطبيعة نفوسنا ، ومقتضيات العدد والاستمرار والمكان والزمان ، فضلا عن معضلات الحياة بالمعنى العام لا بحياتنا الخاصة فحسب ، ومعضلات التوازن العام ، لا ذلك الذي يتصل بصحتنا فقط.

ومع أنه من المعروف أن الطب ابتدأ مبكراً جداً ، فليس من المقطوع به أنه ابتدأ قبل الرياضيات والفلك. ومن الدليل على ذلك مثلا أن تفكيري في الأعداد والأشكال – وأنا طفل – سبق بمدة طويلة وصول أي فكرة طبية إلى عقلي. غير أنني لو كنت مريضاً أو مقعداً لاختلف سلم القيم عندي ، ولكان لي موقف مختلف عن ذلك.

ثم إن الناس يفهمون العالم على أشكال مختلفة ، ومصدر الخلاف الرئيسي أن بعضهم أكثر نزوعاً إلى التجريد العقلي ، وهم بطبيعتهم يفكرون أولا ً في الوحدة ، وفي الله ، والكمال واللا نهاية و أمثالها من التصورات ، على حين أن عقول بعض آخر تجسيمية ، فتفكر في الصحة والمرض ، والربح والخسارة ، وتخترع أدوات مكنية و أدوية وعنايتها بالمعرفة أقل من عنايتها بتطبيق ما تعرف ، وأفرادها يجتهدون في جعل الأشياء تعمل وتعود بفائدة ، ويعالجون المرضى ويعلمون الناس. والأولون هم الحالمون ( إذا لم يسموا بأسوأ من ذلك ) ، أما الآخرون فيعرفون بكونهم عمليين ونافعين. وكثيراً ما أثبت التاريخ قصر نظر العمليين ، وأيد الكسالى الحالمين ، كما دلّ على أن الحالمين كثيراً ما يخطئون.

ومؤرخ العلم يتناول الطائفتين ، مساوياً بينهما في الحب ، فكلاهما لا غنى عنه ، ولكنه يأبى أن يجعل المبادئ تالية للتطبيقات ، أو أن يضحى بمن يسمونهم الحالمين في سبيل المهندسين والمعلمين والأطباء المداوين.

ثم إن تاريخ العلم يتناول الطائفتين ، مساويا بينهما في الحب ، فكلاهما لا غنى عنه ، ولكنه يأبى أن يجعل المبادئ تالية للتطبيقات ، أو أن يضحي بمن يسمونهم الحالمين في سبيل المهندسين والمعلمين والأطباء المداوين.

ثم إن تاريخ الثقافة القديمة – وتركيزة في العلم – هو بالضرورة نوع من التاريخ الاجتماعي ، فما الثقافة إلا ظاهرة اجتماعية ، ونحن نحاول أن نرى تطور العلم والحكمة في إطارها الاجتماعي ، لأنه لا يمكن أن توجد حقيقة خارجة ، وما كان العلم ليستطيع النمو بدون المجتمع. ولهذا يتضمن كل تاريخ للعلم – حتى لأكثر العلوم تجريداً وهي الرياضة – عدداً من الحوادث الاجتماعية ، والرياضيون أناس خاضعون لكل نوع من الوهم والضعف الإنساني ، ويسيطر على عملهم ، وذلك واقع فعلا ً ، أنواع كثيرة من الانحراف السيكلوجي والتقلب الاجتماعي ، والتفاعلات السيكلوجية بين الأفراد لا حصر لها ، والتقلبات الاجتماعية وليدة الخلافات بين هذه التفاعلات التي لا تحصى ولا يمكن التنبؤ بها ، والمؤرخ لا يستطيع أن يقص القصة كلها ، وأقصى ما يستطيعه أن يختار الخلافات التي لها أكبر مغزى.

وكان من أثر المادية الجدلية أن انتشر بين الناس اعتقاد بأن تاريخ العلم ينبغي أن يتضح أساسيا – إن لم يكن كلياً – في حدود اجتماعية واقتصادية ، وعندي أن هذا كله خطأ ، دعني أقدم قسمة ثنائية جديدة ، وهي أن هناك نوعين من الناس في هذا العالم يصح أن نطلق على أحدهما : أرباب الوظائف ، وعلى الآخر المتحمسين. وعبارة أرباب الوظائف ليست قدحاً ، فمنهم الطيبون والرديئون ، وهم يوجدون في كل مستوى اجتماعي ، من القمة إلى القاع ، ومعظم الملوك والأباطرة كانوا من أرباب الوظائف ، وكذلك كان البابوات ، فكل أولئك الأشخاص قاموا بواجبات تتصل بالأعمال الموكلة إليهم ، وكثيرا ما نهضوا بأعمال مختلفة متتابعة ، واحدة بعد أخرى ، وربما تكون هذه الأعمال مختلفة جداً بعضها عن بعض. أما « المتحمسون » ، فعلى العكس رجال حريصون أن يقوموا بأعمال كلفوا بها أنفسهم ، ولا يكادون يستطيعون غيرها. وهذا الاصطلاح الذي أطلقناه عليهم ليس من الضروري أن يكون مدحاً : فهناك « متحمسون » رديئون و آخرون طيبون وبعضهم يتبع سراباً ، ويخدعون أنفسهم كما يخدعون جيرانهم ، وبعضهم مبتكرون ، حقيقيون ، بل إن معظم المبتكرين في ميدان الفن والدين ، وكثيراً من المبتكرين في ميدان العلم ، كانوا متحمسين.

ومن المعلوم أن الأحوال الاقتصادية تؤثر تأثيراً عميقاً أحياناً في الوظائف وأربابها ، ولكنها لا تؤثر كثيراً في المتحمسين. صحيح أن هؤلاء يجب أن توفر لهم الوسائل الضرورية للعيش ، ولكن ماهو إلا أن تسد تلك الحاجات في أكثر حدودها تواضعاً حتى ينصرفوا إلى رسالتهم لا يعبأون بشئ آخر.

وأرباب المهن في الواقع هم الذين يضمنون للأمور سيراً مستمراً هادئاً ، وهم بناة المألوفات والعادات وحماة الأخلاق والعدالة ، وهم الذين يقومون على العمل الرتيب الذي – إذا انقطع – سارت الأمور إلى فوضى ، ومع ذلك فالمتحمسون هم الشعراء والفنانون ، والقديسون ، ورجال العلم ، والمخترعون ، والكاشفون ، وهم الوسائط الرئيسية للتطور والتقدم ، وهم المبتكرون الحقيقيون ، وكذلك مصدر المتاعب. إنهم ملح الأرض ، ولكن الإنسان لا يستطيع أن يعيش على الملح وحده.

وفي هذا الكتاب بذلت مجهوداً مضنياً في استلهام الوراء الاجتماعي للعلم الحيّ ، ولكنى لم أعمد إلى محاولة لتوضيح نمو العلم في حدود المادية الجدلية ، فإن ذلك التوضيح في أحسن أوضاعه لا ينطبق إلا على أرباب الوظائف ، وقلما ينطبق على المتحمسين – أي أولئك الأفراد الشاذين – أمثال سقراط – الذين لا يثنيهم خوف الموت عن المضى في الطريق الذي اختاروه.

ويحاول هذا الكتاب أيضاً أن يستعرض نمو الروح الإنساني في إطاره الطبيعي ، فالروح دائماً متأثر بالإطار. أما أصالته وكماله فهما في ذاته. مثال ذلك أن نبات الكرنب ينمو أحسن أو أسوأ في هذا الحقل أو ذاك ، ولكن حقيقة كونه كرنباً هي في ذاتها وليست في أي شئ آخر. وإذا صدق هذا على الكرنب المتواضع فهو أكثر صدقاً على الرجل العبقري.

غير أن أفكار بني الإنسان ليست قط كاملة الاستقلال والأصالة ، بل إنها تأتلف معاً ، وتكوّن سلاسل ذهبية هي التي نسميها تقاليد. وهذه السلاسل ذات قيمة لا حدّ لها ولكنها أحياناً تصبح متعبة وخطرة. فهي – إن حسنت – سلاسل ذهبية خفيفة إلا بكسرها. كثيرا ما حدث ذلك وسنقص قصته – ولا بدّ – أينما وجدناها ، ومثل هذا القصص جزء من تاريخ الفكر ، ولكنه كذلك أجزاء أساسية من التاريخ الاجتماعي.

وإن إصراري على ضرورة الإشارة – ولو في اختصار – إلى الخرافات القديمة ، برهان على اهتمامي بالناحية الاجتماعية. فالعلم لم يتطور في فراغ بمعزل عن المجتمع ، وهو فيما يتعلق بالفرد كذلك لم يتطور في فراغ منعزل عن النفس. فالعالم رجل تابع لزمانه ومكانه ، وأسرته وقومه ، وطائفة كنيسته ، وهو مضطر دائماً أن ينازع شهواته وميوله المسيطرة عليه من قبل ، كما يجاهد الخرافات التي تتجمع حوله وتهدد بخنق الأفكار الجديدة لديه. ومن الحمق إنكار وجود هذه الخرافات ، كما أن من الحمق تجاهل الأمراض المعدية ، فمن واجبنا أن نلقي على هذه الخرافات ضوءاً ونصفها ونحاربها ، ونمو العلم يستلزم في كل خطوة جهاداً ضد الخطأ وضد التحيز. وإذا كانت الكشوف العلمية في الغالب فردية فإن المجاهدة دائما جماعية.

وكل مؤرخ للعلم – وكذلك كل مؤرخ للطب – هو بالضرورة مؤرخ للمجتمع ، أي مؤرخ اجتماعي. وهل يعقل غير ذلك؟ إن مايزعمه الروس ، من أن تواريخهم وتواريخ تلاميذهم للعلم هي أول تواريخ اجتماعية ، ليس إلا لغواً ، فهم – شأن أمثالهم من المتعصبين – لا تعنيهم الحقيقة في ذاتها قدر ما تعنيهم الحقيقة بحسب ما هي عندهم ، مع أنها ناقصة معكوسة ، أي خاطئة في الواقع.

ذلك أن تاريخ العلم لا ينبغي أن يستعمل أداة للدفاع عن أي نوع من النظريات الاجتماعية أو الفلسفية ، وإنما ينبغي أن يستعمل لغرضه هو فحسب ، فيوضح ، في غير تحيز ، كيف يعمل المعقول ضد غير المعقول ، ويشرح التكشف التدريجي للحقيقة في كل أشكالها ، سواء أكانت سارة أم غير سارة ، ونافعة أم عديمة النفع ، مرضياً عنها أم غير مرضي.

وإنى – في هذه اللحظة التي أنتهي فيها من عمل شغل بالي سنين كثيرة – أود أن أعبر عن اعترافي بالجميل لكل أولئك الذين كانت نواحي نشاطهم سبباً في إمكان نشاطي ، وأن عليّ ديناً خاصاً لتسعة علماء : ثلاثة منهم فرنسيون ، واثنان من الألمان ، واثنان من البلجيكيين ، وإنجليزي ، ودانماركي – وكلهم أدركهم الموت. وأول دين علي هو للأخرين كروازيه اللذين اشتريت كتابهما « تاريخ الأدب الإغريقي » وقرأته وأنا في السنة النهائية من الدراسة الثانوية بمدرسة شيمية ببلجيكا ، وكانت مجلدات هذا الكتاب – الخمسة – أول كتب هامة اشتريتها ، وإليها يرجع الفضل في إعدادي لدراسة اليونانيات ، ادخرتها منذ ذلك الوقت ، وكثيرا مارجعت إليها ، فإنها – بالإضافة إلى ما أمدتني من معونة أولى – أثارت حماستي الفتية. وبعض هذه المجلدات من تأليف ألفرد كروازيه ، وبعضها الآخر من تأليف أخيه موريس ، ولكنى لم أستطع أبداً تمييز أحدهما من الآخر ، بل كنت أتصورهما معاً تحت اسم واحد وأنا أعلم تمام العلم أن جهوداً كثيرة تمت منذ أيامهما (٢) ، وأن معارف اتضحت مما لم يكونا يعرفانه ، وتشهد بذلك كتب أخرى غير كتبهما ، ومع ذلك فإن نقد كثير من العلماء – الذين إذا زادوا عليهما علماً فإنهم يقلون عنهما رهافة حس – لم يقلل من اعترافي لهما بالجميل ، فهما اللذان أثارا إعجابي بالعبقرية اليونانية القديمة.

ودرست على الأستاذ جوزيف بيديز في جامعة « غنت » مدة كانت لسوء الحظ قصيرة جداً ، لأني لم ألبث أن تركت كلية الفلسفة والآداب لأبدأ دراساتي العلمية. ومع هذا أثر في « بيديز » لا في تلك المرحلة ، بل بعدها حين فصل بيني وبينه المحيط الأطلسي ، ولا سيما عن طريق البحوث التي لا حصر لها والتي ربما كانت تبدو له غير ذات موضوع. وإليه يرجع فضل تعرفي ( بطريقة غير مباشرة ) إلى مؤلفات فرانز كيمون وفيلا موفتز مولندورف إذ استعمل بيديز في دروسه كتاب ثانيهما وعنوانه « المطالعة اليونانية » ، وبذلك كان أول نص علمي يوناني قرأته في تعثر هو رسالة أبقراط في « المرض المقدس » أو « الصرع ». ولا تزال انطباعاتي الأولى من العلم اليوناني ثابتة لا تمحوها الأيام ، فهي أشبه بذكرياتي الأولى عن البحر ، وجبال الألب الشامخة ، والصحراء.

وحين قاربت الانتهاء من دراساتي العلمية الطويلة التي توقفت أثناءها دراساتي اليونانية تماماً ، ونسيت اللغة اليونانية أو كدت ، عدت بفضل « بول تانرى » من دراسة العلوم إلى دراسة الإنسانيات. وإني مدين له بعد موته بما عرفت عن علماء آخرين كثيرين – ولا سيما ديلز وهايبرج. ثم انتقلت إلى أمريكا ، وأصبحت اللغة الإنجليزية مألوفة عندي – وأخذت أكثر من مراجعة مؤلفات توماس ليتل هيث.

ومن هؤلاء الرجال التسعة (٣) عرفت واحداً معرفة شخصية ، هو « بيديز » ، وكاتبت أربعة هم : « بيديز » و « كيمونت » و « هايبرج » و « هيث » ووفيتّ بعض ديني للعالم « تانوى » – وهو أعظمهم – بمقال كتبته عن « بول » و « جول » و « مارى تانوى » في مجلة إيزيس ٣٨، ٣٣ – ٥١ (١٩٤٨) – وبإهداء مجلد ٤ من مجلة أو زيويس إلى « بول » و « مارى »، ثم إني أهديت مجلدي ٢ ، ٦ على التعاقب – إلى « سير توماس هيث » و « جوزيف بيديز ». وظهرت ترجمة حياة « هايبرج » في المجلد الثاني من إيزيس ، ص ٣٦٧ – ٣٧٤ (١٩٢٨). ثم كتب « كيمون » بحثاً في إيزيس (٢٦ ، ٨-١٢(١٩٣٦) ، فاستعرضت في هذا العدد كثيراً من أعماله العلمية ولا سيما قوائم المخطوطات اليونانية الفلكية والكيموية التي أوحى يجمعها.

ومن الخير ألا أحاول أن أحصي علماء الهيلينيات ورجال العلم الأحياء الآن في كثير من البلاد ، مع العلم بأنهم هم الذين أعانوني في طرق شتى ، فإن قائمة إحصائي ستكون ناقصة ومظنة للتفرقة ، ولكن أينما التقيت بهم سعدت برؤيتهم ، وكلما كتبوا إلىّ ، شعرت بجميلهم ، وحين أكتب إليهم أحس بما بيني وبينهم من مجالات علمية مشتركة وديون متبادلة. وإذا أنا لم أعبر دائماً عن شكري لهم ، فإن قلبي يفيض بهذا الشكر ، فضلا عن أني أشاركهم لذة التأمل في أعظم منتجات العقل البشري وأصفاها.

كمبرج – ماساشوستس
١٨ من أبريل ١٩٥١م – جورج سارتون