مجلة حكمة
فلسفة سقراط

سقراط

الكاتبديبرا نيلز
ترجمةناصر الحلواني
منحوتة سقراط للناحت قُسطنطين برانكوشي
منحوتة سقراط للناحت قُسطنطين برانكوشي

حول حياة سقراط وفلسفته وآثاراها، والتسلسل الزمني لسقراط التاريخي في سياق التاريخ الأثيني والتواريخ الدرامية في محاورات أفلاطون ، نص مترجم لد. ديبرا نيلس، مراجعة: سيرين الحاج حسين، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة. نسخة PDF


من هو سقراط؟

   يظل الفيلسوف سقراط لغزًا محيرًا، كما كان الأمر في حياته (469 – 399 ق.م)[[i]]، وعلى الرغم من أنه لم يترك إرثًا مكتوبا، فإنه يُعد أحد الفلاسفة القلائل الذين أثَّروا في تغيير النظرة إلى الفلسفة تغييرًا تامًا. كلما وصلنا عن سقراط معلومات منقولة، ومعظمها يشتد عليه الخلاف، وبرغم ذلك، تظل محاكمته وموته، على يد الديموقراطية الأثينية، أسطورة تأسيسية للنظام التربوي الفلسفي، بل إن تأثيره قد تجاوز الفلسفة ذاتها، وفي كل العصور.


أحدث مقالات حكمة:


وبسبب اعتبار حياته مثالا نموذجيًا للحياة الفلسفية، أو مثالا لما ينبغي أن تكون عليه حياة أي شخص مجملًا؛ فقد نال سقراط الكثير من الإعجاب وقلده كثيرون، وهذا يكون عادة من نصيب مؤسسي المذاهب الدينية ـ مثل يسوع أو بوذا ـ لكن الأمر يصبح غريبا بالنسبة لشخص كان يسعى بقوة إلى جعل الآخرين يمارسون تفكيرهم الخاص، أو لشخص أُدين وأُعدم بتهمة الكفر بآلهة أثينا. من المؤكد أنه كان محط إعجاب الكثير، إلى درجة دفعتهم إلى الكتابة عنه، وكلهم رأوا فيه شخصا غريبا بالنسبة إلى تقاليد القرن الخامس قبل الميلاد في أثينا: في مظهره، وشخصيته، وسلوكه، وكذلك في آرائه وأساليبه.

المحير في الموضوع صعوبة تمييز سقراط التاريخي عن سقراط الموجود في نصوص من كتبوا عنه، بالإضافة إلى تعدد شخصيات سقراط في تفسيرات العشرات من المفسرين المتأخرين، ويشار إلى هذه المسألة الخلافية، باسم: المشكلة السقراطية. فكل عصر، وكل تحول ثقافي يُنتج سقراطه الخاص به. وما لا يقل صحة عن ذلك؛ أننا لا نعرف سقراط “الحقيقي”: فكل ما لدينا هو مجموعة من التفسيرات، وكل منها تُصور سقراطا “ممكنا نظريا” بحسب تعبير كورنليا دي فوجل (1955-28).

في الواقع، كانت دي فوجل تكتب بينما كان نموذج تحليلي جديد لتفسير سقراط، على وشك أن يصبح نموذجا قياسيا؛ نموذج جريجوري فلاستوس، الذي سيهيمن حتى منتصف التسعينيات. من هو سقراط بالفعل. تلك هي المسألة الأساسية بالنسبة لتفسير فلاستوس لمحاورات أفلاطون الفلسفية، كما هو الحال بالنسبة لأي تفسير، لأن شخصية سقراط هي الشخصية المهيمنة في معظم محاورات أفلاطون.

  • 1. غرابة سقراط
  • 2. المشكلة السقراطية: من هو سقراط الحقيقي؟
  • 2.1 ثلاثة مصادر رئيسية: أريستوفانيس، وزينوفون، وأفلاطون

    2.2 استراتيجيات تفسير معاصرة

    2.3 فلسفة سقراط وتأثيرها

    3. التسلسل الزمني لسقراط التاريخي في سياق التاريخ الأثيني والتواريخ الدرامية في محاورات أفلاطون

  • 4. التراث السقراطي وتجاوزه لمجال الفلسفة

  • المراجع
  • مراجع ونظرات عامة
  • الفلسفة التحليلية
  • تفسيرات قارية
  • قضايا تأويلية
  • دراسات متخصصة
  • أدوات أكاديمية
  • مصادر أخرى على الشبكة
  • مداخل ذات صلة  

1. غرابة سقراط

تختلف مقاييس الجمال من مكان لآخر، وفي عصر سقراط كان الجمال يُقاس ببساطة بمقاييس تتجلى على تماثيل آلهة ذات فخامة، ومتناسقة الأعضاء، تزين الأكروبول الأثيني منذ بلغ سقراط الثلاثين من عمره. كان المظهر الأنيق، والحركة الوقورة، من الأمور المهمة بالنسبة لرجل ذي طموحات سياسية، حيث كان الجمال والخير مترابطان في المخيلة الشعبية. وتتفق المصادر المتوفرة على أن سقراط كان بالغ القبح، يشبه كائنا أسطوريا أكثر منه إنسانا، ولا يشبه أبدًا تلك التماثيل، التي أُكتشفت لاحقا في العصور القديمة، وأصبحت تزخرف الآن مواقع الإنترنت، وأغلفة الكتب.

فقد كانت لديه عينان جاحظتان، ناتئتان في جانبي وجهه، جعلتاه قادرًا على رؤية ما على جانبيه بمثل ما يرى ما يدور أمامه، مثل سرطان البحر، وأنف أفطس، واسع المنخرين، وشفتان غليظتان. وكان شعره طويلا منسدلا، على الطراز الأسبرطي (حتى أثناء اندلاع الحرب بين أثينا وأسبرطة)، وكان يمشي حافيا، ولا يغتسل، حاملا عصاة، بادي الكِبر. لم يكن يبدل ثيابه، وإنما يرتدي في النهار ما كان يتغطى به ليلا، كما كان غريبا في مشيته أيضا؛ التي وصفها البعض بأنها مشية متعجرفة، تثير الخوف، مما يبقي جنود الأعداء بعيدا عنه. وكان محصنا من آثار الخمر والبرد، غير أن ذلك جعله موضع شك من جانب قرنائه من الجنود في الحملة العسكرية.

ويمكننا افتراض أنه كان معتدل الطول (حيث لم يذكر أحد شيئًا عن ذلك)، وذا بنية قوية، نظرا إلى الحياة المفعمة بالنشاط التي كان يحياها. وعلى خلاف الفكرة الشائعة عن بطنه الكبير، فقد وُصف سقراط ورفقاؤه بأنهم جوعى (أريستوفانيس “الطيور” 1280-83).

للاستزادة حول السمات الشخصية لسقراط، يمكن الرجوع لمحاورة “ثياتيتوس“، ومحاورة “المأدبة“، لأفلاطون، و”المأدبة” لأكسينوفان، و”السحب” لأريستوفانيس. تمثال سقراط، من خشب البلوط، للنحات برانكوزي، ويصور مظهر سقراط وغرابته، بحيث يبدو مختلفا من كل زاوية عن الأخرى، ومن ذلك؛ إذا نظرت إلى عينه الثانية، فلن تكون الأولى في مجال نظرك (ارجع إلى: متحف الفنون الحديثة، الصفحة الخاصة بتمثال سقراط لبرانكوزي، والتي تقدم زوايا رؤية إضافية). وهناك مصادر أخرى لبيان ما كان عليه سقراط من قبح، ولكنها غير متوفرة، وهي رسومات للفنان السويسري المعاصر هانز إرني.

كان من الأمور المسلم بها عند نهاية القرن الخامس قبل الميلاد أن من دواعي الاحترام لأي رجل أثيني، إيثار الشهرة والثروة والشرف والسلطة السياسية على حياة العمل. رغم أن كثيرا من المواطنين كانوا يعتمدون في معاشهم على العمل، في عدد كبير من الوظائف المتنوعة، وكان المتوقع منهم أن يتخلوا عن الكثير من أوقات راحتهم ـ إن كان لديهم أوقات راحة أصلا ـ للإنشغال بالمصالح العامة للمدينة.

عادة ما كان الرجال يشاركون في مجلس الحكم، وفي محاكم المدينة، والقادرون على ذلك إنما يهيئون أنفسهم للنجاح في الحياة العامة، بالتعلم على يد البلغاء من الخطباء، والسوفسطائيين الأجانب، الذين يثرون ويشتهرون من تعليمهم لشباب أثينا كيفية استخدام الكلمات لتحقيق مصالحهم. ومن أشكال التعليم الراقي، التي عُرفت في أثينا: الرياضيات، والفلك، والهندسة، والموسيقى، والتاريخ القديم، وعلوم اللغة.

وما يبدو غريبا بالنسبة لسقراط أنه لم يكن يملك عملا يرتزق منه لمعاشه، كما لم يتطوع بالمشاركة في إدارة شؤون الدولة، بل لزم الفقر، وعلى الرغم من ذلك، فقد حرص شباب المدينة على مرافقته، وتقليده، وكان سقراط يصر بشدة على أنه ليس معلما (أفلاطون: “الدفاع” 33a-b)، ورفض، طوال حياته، أن يتقاضى أجرًا مقابل ما يفعله. ومما يخفف من حدة غرابة هذا السلوك، أن صورة المعلمين والطلاب آنذاك تصور المعلمين كأباريق، تسكب محتواها في كؤوس فارغة، تمثل الطلاب.

ولأن سقراط لم يكن مجرد ناقل معلومات ليتلقاها الآخرون بنحو سلبي، فقد اعترض على تشبيهه بالمعلمين، وإنما هو يساعد الآخرين على أن يعرفوا بأنفسهم، ما هو حقيقي، وصالح، وخير (أفلاطون: محاورتي “مينون“، و”ثياتيتوس“) وكان ذلك منهجًا تعليميًا جديدًا، كما كان مثيرًا للشبهات. كان سقراط معروفا بما يسببه من إرباك، وصدمة، وحيرة، لشركائه في الحوار، خلال تلك التجربة البغيضة، التي يتكشف لهم جهلهم خلالها، وهي الحالة التي يحل الفضول العقلي الأصيل محلها أحيانًا.

رأي سقراط في النساء لم يكن أمرا ذا أهمية في وقته، كان لسقراط رأيًا أرقي من آراء معظم رفاقه، فقد تحدث عن “الرجال والنساء”، و”الرهبان والراهبات”، كما ورد في كلامه أسماء نساء أجنبيات كن معلمات له: فقد ذكر أنه تعلم البلاغة على يد أسبازيا من ميليتوس، عشيقة بيركليس (أفلاطون: محاورة “مينيكسينوس“)، كما تعلم فنون الحب من الراهبة ديوتيما من مانتينيا (أفلاطون: “المأدبة“).

لقد كان سقراط غير تقليدي في هذا الموضوع. فقد كان من عادة مواطني أثينا من الذكور، من أهل الطبقات العليا، ألا يتزوجوا قبل بلوغهم الثلاثين من العمر، أما النساء الأثينيات، فلم يكن متعلمات، ويبقين معزولات حتى يبلغن، وحينها يزوجهن أباؤهن. وبالتالي، فإن التنشئة الاجتماعية، وتربية الذكور ـ التي غالبا ما كانت تتضمن انخراطا في علاقات من النوع الذي تدل عليه كلمة “لواط الغلمان” ـ كانت تنشئة يشوبها الانحراف، يصير فيها الشباب الذين قاربوا البلوغ، خمسة عشر أو سبعة عشر عاما، مثل العشيقات للعشاق من الذكور الأكبر سنا، وتحت رعاية هؤلاء ونفوذهم، يقومون بتنشئتهم وإرشادهم.

كان أمرا سائدا بين الأثينيين أن يرى البالغين من الذكور في الشباب الصغار موضوعا للجاذبية الجنسية، وصار عُرفا، سواء من جهة الأسرة أو الأصدقاء، على أن مثل هذه العلاقة ذات فائدة للطرفين. غير ان نوعا من المداراة (الإنكار) كان يحوط مثل هذه العلاقات: فإن هذه الاتفاق لا يتضمن “رسميا” إنشاء علاقة جنسية بين العاشقين، وإذا حدث، فإنه ليس من حق المعشوق أن ينال متعة جراء ذلك، غير أن الشواهد القديمة (كالمسرحيات الكوميدية، والرسومات على المزهريات، إلخ) تدل على أنه غالبا ما يتم خرق هذه الشروط، (Dover 1989,204).

الغريب بخصوص سقراط؛ رغم  أنه لم يكن استثناءً من تلك القاعدة، التي ترى في صغار الشباب موضوعا للجاذبية (أفلاطون: محاورات “خارميس” ((155d، و”بروتاجوراس“(309a-d)، إكسينوفان: “المأدبة“(4.27-28) )، إلا أنه رفض تلك التزلفات الجسدية، حتى تجاه المفضلين لديه (أفلاطون: “المأدبة“(219b-d)) ووجه جل اهتمامه إلى إصلاح أرواحهم، وأرواح سائر الأثينيين (أفلاطون: الدفاع(30a-b))وهي المهمة التي ذكر أنه كُلِّف بها بوحي من أبوللو، في معبد دلفي، إذا فسرنا ما نقله صديقه كريفون بنحو صحيح (أفلاطون: الدفاع 20e-23b)، وهو إدعاء اعتبره مواطنوه مناف للعقل.

وقد أظهر سقراط ظواهر شخصية أكثر غرابة، مثل ذلك الصوت الباطني daimoniom الذي يمنعه من فعل بعض الأمور المعينة، قليلة الأهمية، أو ذات أهمية، وغالبا ما لا يكون لها علاقة بمسائل الصواب والخطأ (لا ينبغي الخلط بين ذلك وبين فكرة الأنا العليا أو الضمير)، غير أن هذا التلميح الضمني بأن شيئا ما يقوم بإرشاده، وأنه يتصف بكونه إلهيا أو شبه إلهي، كان مثار شك لدى الأثينيين.

عادة ما كان سقراط يُرى في السوق وفي الأماكن العامة الأخرى، يتناقش مع كافة أنواع الناس ـ صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساءً، عبيدًا وأحرارًا، أغنياء وفقراء ـ وفعليا، مع كل من يمكن أن يغريه على مشاركته في تقصي الأمور المهمة، من خلال السؤال والجواب. كان شغف سقراط في حياته هو تفحص واختبار حياة الناس؛ حياته وحياة الآخرين، وذلك لأن “الحياة التي لا تُمتحن بالتحديات، هي حياة لا تستحق أن تُعاش” كما قال أثناء محاكمته (أفلاطون: الدفاع 38a).

وقد واصل سقراط مهمته بإخلاص وصدق، يسأل الناس عن أكثر الأمور أهمية، مثل: الشجاعة، الحب، المهابة، الاعتدال، وعن حال نفوسهم بشكل عام. كان يفعل ذلك، بغض النظر عما إذا كان الشخص الذي يسأله يرغب في المشاركة في ذلك أم لا، وقد حاكى الشباب الأثيني سقراط في أسلوبه الاستفهامي، مما كان سببا في انزعاج بعض أكابر الأثينيين. وكان مشهورا بالتهكم، وإن كان المعنى الدقيق لهذا التهكم مثيرا للجدل والخلاف، فإن تهكم سقراط على الأقل بنتي على قوله بأنه لا يعرف شيئا ذا أهمية، وأنه يرغب في سماع الآخرين، وإن بقي هو المهيمن والموجِّه لكل نقاش.

أحد مظاهر الغرابة الأخرى والمهمة في سقراط، والتي تكرر الحديث عنه، هو انصرافه بإلحاح عن الانخراط سياسيا سواء بالانضمام إلى الأوليجارشية أو الديموقراطية، مع ذلك، فقد كان له أصدقاء وأعداء بين الطرفين، كما أنه أيد وعارض أفعالاً لكلا الجانبين.

المشكلة السقراطية: من هو سقراط الحقيقي؟

إن المشكلة السقراطية بمثابة متاهة من التعقيدات، التي تنشأ من حقيقة أن الكثير ممن كتبوا عن سقراط تتباين نتائج أعمالهم في جوانب بالغة الأهمية، تاركين لنا حيرة التساؤل حول ما إن كان أيها هو التصوير الدقيق لسقراط التاريخي. توجد دومًا مشكلة سقراطية، “ذلك أمر لا يمكن تجنبه”، قال جوثري (1969,6)، عائدا بنظره إلى التاريخ المتلاطم بين الأزمان القديمة والمعاصرة، والذي عرضته الصحافة بالتفصيل (1996) لكن تم تناوله بإيجاز فيما يلي.

 تتزايد الصعوبات بسبب أن من عرفوا سقراط وكتبوا عنه كانوا قبل أن يتم إنشاء أسس معيارية للتصنيفات الحديثة، أو حساسيات، فيما يخص تأسيس الدقة التاريخية، أو الضرورة الشعرية. فكل مؤلف يقدم تفسيره الخاص لشخصية وحياة شخصياته، سواء كان يقصد ذلك أم لا، وسواء كان ما يؤلفه رواية، أو سيرة ذاتية، أو فلسفة (في حال كان الموضوع الفلسفي يتضمن شخصيات). لذا، كان من الضروري إنشاء معايير أخرى، نتمكن بها من تقرير: أي من تلك التصورات المتنازعة هي عن سقراط، كما كان بالفعل. إن النظر إلى المصادر الثلاثة الأساسية القديمة، سيوفر لنا قاعدة لتقدير مدى اختلاف التفسيرات المعاصرة (أنظر 2.2) كما سيوضّح لنا أهمية تلك التفسيرات (أنظر 2.3).

أمر واحد مؤكد حول سقراط التاريخي: أنه حتى بين من عرفوه في حياته، هناك خلاف عميق حول ما كانت عليه تصوراته وأساليبه الفعلية. وفيما عدا تلك المصادر الأساسية، التي سنتكلم عنها لاحقا، كان هناك من يُطلق عليهم: “صغار السقراطيين” وسبب التسمية لا يعود إلى قيمة أعمالهم، وإنما لأن القليل جدا من أعمال بعضهم، أو لأشيء من أعمال البعض الآخر، هو ما بقي حول تصوراتهم عن سقراط، والتي، من المحتمل، ألا نعرفها أبدا[[ii]].

بعد موت سقراط، أصبح تراث المسألة أكثر تباينا، كما ذكر نيهاماس (1999, 99): “باستثناء المدرسة الأبيقورية، فقد رأت كل مدرسة فلسفية قديمة، على اختلاف توجهاتها الفلسفية، في سقراط، مؤسسا فعليا لها، أو نمطا للشخصية التي يستلهمها أنصارها”.

2.1 ثلاثة مصادر رئيسية: أريستوفانيس، وزينوفون، وأفلاطون

أريستوفانيس (±450 ق.م. ±386 ق.م. )

مصدرنا الأول من المصادر الباقية، وهو المصدر الوحيد الذي يمكنه ادّعاه معرفة سقراط في أعوامه الأولى، هو الكاتب المسرحي أريستوفانيس، في ملهاته المسرحية “السحب“، التي عُرضت عام 423 ق.م.، حينما كان كاتبا المصدرين الآخرين: زينوفون، وأفلاطون، ما زالا أطفالاً.

في هذه المسرحية نرى سقراط رئيسًا لمدرسة التفكر، التي يرتادها الشباب لدراسة العالم الطبيعي، من الحشرات إلى النجوم، ولدراسة أساليب الجدال المراوغ أيضا، دون مراعاة لأصول اللياقة الأثينية؛ حيث يقوم الممثل، الذي يرتدي قناع سقراط، بالتهكم على الآلهة التقليدية لأثينا (سطور 247-48، 367، 423-24)، التي يحاكيها بطل المسرحية لاحقًا بشكل هزلي، وهو يقدم تفسيرات طبيعية للظواهر التي يعتقد الأثينيون أنها من تدبير الآلهة (سطور 227-33، أنظر: ثياتيتوس e152، c-d153 ، e173 – a174، فيدون a96 – a100). الأسوأ؛ أنه يعلم الشباب طرقا غير شريفة، لتجنب تسديد ما عليهم من ديون (سطور 1214- 1302) كما يشجع الشباب على ضرب آبائهم برضا آبائهم أنفسهم (سطور 1408- 46).

بحسب أريستوفانيس، فقد كان زينوفون وأفلاطون أصغر من سقراط بحوالي خمس وأربعين سنة، وبناء عليه؛ فإن معرفتهم بسقراط ستكون مقصورة على أعوامه الأخيرة. وقد يتولد عند المرء شك معقول في أن حياة وشخصية سقراط كانت من تمام الاتساق، بحيث أن ما كان من تصوير أفلاطون لشخصية سقراط، في الخمسينيات والستينيات من عمره، كرجل لا يستقيم منه أن يفعل ما كان من سخرية وهجاء، مثلما كان يفعل وهو شاب، كما صورته مسرحية السحب، وآخرون من الشعراء الهزليين.

إضافة إلى ذلك؛ كانت الأعوام بين عرض مسرحية السحب، وبين محاكمة سقراط، أعوام حرب واضطراب، لذا، فإن ما كان يتفاخر به بركليس، من حرية الفكر الأثينية، عند بداية الحرب (ثيوسيديدس 2.37-39)، قد تآكل تمامًا عند نهايتها (أنظر 3). وبالتالي، فإن ما بدا هزليا قبل ربع قرن، حيث نرى سقراط معلقًا في سلة على المسرح، كان أمرا مُنذِرا بالشر عندئذ.

تعد الكوميديا بطيبيعتها مصدرًا خادعًا للمعلومات حول أي شخص. غير أن هناك سبب قوي لأن نظن أن تصوير سقراط ـ في السحب ـ لم يكن مجرد مبالغة هزلية، وإنما تضليل منهجي؛ وذلك أن السحب تدمج في شخصية واحدة، هي شخصية سقراط، ملامح قد تبدو الآن فريدة من نوعها، بالنسبة لآخرين من مثقفي القرن الخامس قبل الميلاد (Dover 1968, xxxii-lvii)، فربما أختار أريستوفانيس سقراط ليمثل المثقف المألوف، لأن سقراط كان ذا مظهر بدني غريب، هزلي في ذاته.

كان أريستوفانيس معارضًا أصيلا، لما رآه كاضطراب اجتماعي، من جراء ما كان يتمتع به الشباب الأثيني من حرية في الدراسة، على يد خطباء بلغاء، وسوفسطائيين (أنظر 1)، وفلاسفة طبيعيين، مثل الفلاسفة السابقين على سقراط، ممن كانوا يبحثون في الكون والطبيعة. إن امتناع سقراط عن تلقي أي أجر لقاء الفلسفة، لم يكن بالأمر الغريب بالنسبة لكتابة مسرحية هزلية.

ترجع أهمية تصوير أريستوفانيس لسقراط، إلى أن سقراط أفلاطون يقول أثناء محاكمته (الدفاع 18a-b, 19c) أن معظم القضاء انتهوا باعتقاد صحة تلك الافتراءات التي أشاعتها المسرحية عنه. وينظر سقراط إلى أريستوفانيس على أعتباره أشد خطرا من أولئك الثلاثة الذين وجهوا إليه الاتهام، عام 399 ق.م.، ويبرر ذلك بأن أريستوفانيس قد سمم عقول الرجال وهم لايزالون صغارًا. ولم يتوقف أريستوفانيس عن إتهام سقراط في عام 423 ق.م.، عندما حلت مسرحية السحب في المركز الثالث، بعد مسرحية أخرى جاء فيها وصف سقراط كرجل حافي القدمين، وإنما سرعان ما شرع في مراجعة المسرحية لينشرها بعد ذلك، ولكنها لم تُعرض أبدا.

ويبدو أن أريستوفانيس تخلى عن إحياء مسرحية السحب عام 416 ق.م.، لكنه واصل هجومه على سقراط مرة أخرى، عام 414 ق.م.، في مسرحية الطيور، وعام 405 ق.م.، في مسرحية الضفادع، حيث يشكو التأثير الضار لسقراط على شباب المدينة، ومن بين اتهاماته: استخفاف سقراط بالشعراء[[iii]].

زينوفون (±425 ق.م. ±386 ق.م.)

مصدر آخر لسقراط التاريخي، هو الجندي المؤرخ زينوفون. يقول زينوفون، في صراحة واضحة، عن سقراط: “لم ألقى من قبل شخصا يهتم بتلك الدرجة الكبيرة، باكتشاف ما يعرفه كل فرد من رفاقه” (ميمورابيليا 4.7.1) ويعزز أفلاطون عبارة زينوفون، في محاوراته، التي نرى فيها سقراط وهو يعدِّل في مستوى ونمط الأسئلة، لتتلائم مع خصوصية الشخصية التي يحاورها. فإذا كان صحيحا أن سقراط قد نجح في بسط حواره بالمستوى الملائم لكل فرد من رفاقه، فإن ما يفسر تلك الاختلافات البارزة بين سقراط زينوفون، وسقراط أفلاطون، بنحو كبير، هو الاختلافات بين شخصيتهما.

فزينون كان رجلا عمليا، ذا قدرات محدودة في تناول المسائل الفلسفية، فكان من المنطقي أن يصور سقراط كشخص عملي، يقدم نصائح مفيدة، لأن ذلك هو الجانب الذي شهده زينوفون من سقراط. إضافة إلى ذلك، فإن سقراط زينوفون يقدم المشورة في مجالات كان لزينيفون تجاربًا فيها، بينما لم يكن لسقراط خبرة في أي منها: جمع المال (زينوفون: ميمورابيليا 2.7) ، أو إدارة العقارات (زينوفون:  أوكونيميكوس)، مما يدل على أن زينوفون قد شرع في كتابة حوارات سقراط (كما حدد أرسطو نوعها الأدبي في كتابه “فن الشعر” 1447b)، جاعلا من شخصية سقراط ناطقا بلسان آرائه وتصوراته هو. ومن أعماله الأخرى، التي تذكر سقراط، أو تصوره: أناباسيس Anabasis، والدفاع Apology، وهلينيكا Hellenica، والمأدبة Symposium.

مما دعم إدعاء زينوفون الوجيه، باعتباره أحد مصادر حياة سقراط؛ هو عمله كمؤرخ، فكتابه هلينيكا (تاريخ اليونان) هو أحد المصادر المهمة للفترة الزمنية بين 411 ق.م. و 362 ق.م.، ويأتي في الأهمية بعد تاريخ ثيوسيديدس، الذي توقف في سرده التاريخي عند منتصف الحروب البلوبونيزية. ورغم ميل زينوفون للأسلوب الوعظي، وعدم اتباعه، في تأريخه، للأعراف  السائدة، التي  وضعها ثيوسيديدس، فيظل هناك من يرى، باعتبار أن ليس لديه توجهات فلسفية يدعو إليها، احتمال أنه قدم صورة أدق لسقراط مما قدمها أفلاطون.

  • لكن ثم اعتباران أضعفا هذا الإدعاء:  (1) أن سقراط الذي تصوره أعمال زينوفون كثير التجوال على قدميه، وهذا مما يَصعُب معه تصور كونه ملهما لأكثر من خمسة عشر شخصًا، لكتابة حوارات سقراطية، في الفترة التالية لموته.
  • (2) لم يكن في مقدور زينوفون التواجد لعدة ساعات مع سقراط، أو مع يثق في معرفته الجيدة به؛ فقد كان يعيش في إرتشيا، التي تبعد حوالي 15 كيلومترا، عبر جبال هيميتوس، عن المناطق الحضرية التي يتردد عليها سقراط في أثينا، وكان شغفه بالخيل والفروسية (التي ألف عنها كتابا قيما) يستغرق جل وقته. كما أنه رحل عن أثينا عام 401 ق.م. في بعثة إلى فارس، ولأسباب عدة (كجندي مرتزق لدى التراخيين والإسبرطيين، وتعرضه للإبعاد) لم يعد للإقامة في أثينا مرة أخرى.
  • والاعتبار الثالث: (3) تبين أنه ليس صائبا افتراض أن زينوفون سوف يطبق معايير الدقة ذاتها على حوارات سقراط بمثل ما يفعل مع أعماله التاريخية.[[iv]]  إن المعلومات التاريخية، وتلك المتعلقة بالسيرة الشخصية، التي ينشرها زينوفون في مذكراته عن سقراط، لا تتوافق مع ما نحصل عليه من معلومات من مصادر إضافية أخرى، كعلم الآثار، والتاريخ، وسجلات المحاكم، والأدب. ولقد كان الاستخدام الواسع للكمبيوتر في مجال الدراسات الكلاسيكية، وإمكانية إجراء مقارنة بين شخصيات من الزمن القديم، والقدرة على جمع معلومات عن كل منهم، من مصادر مختلفة، هو ما منح هذه الملاحظات عن أعمال زينوفون السقراطية مصداقيتها؛ إن مذكرات زينوفون مجرد آثار أدبية، تحوي العديد من الأمور التي لم تحدث بمثل ما تم تصويرها.

أفلاطون (3/424 ق.م. ـ347 ق.م. )

اعتاد الفلاسفة تمييز ما قدمه زميلهم الفيلسوف أفلاطون عن سقراط. كان أفلاطون في حوالي الخامسة والعشرين من عمره، عندما حوكم سقراط وأُعدم، ويحتمل أنه قد عرف سقراط الكهل في معظم حياته، فقد كان من الصعب لفتى ينتمي إلى طبقة أفلاطون الاجتماعية، ويقيم في المقاطعة التي تعتبر المركز السياسي (ديمي) في كوليتوس، داخل حدود المدينة المسوَّرة، ألا يلقى سقراط. وتتفق المصادر الباقية على أن سقراط كان يتواجد، غالبا، حيث يقضي شباب المدينة أوقاتهم.

إضافة إلى ذلك، فقد تأكد توافق تصوير أفلاطون للأشخاص الأثينيين، بشكل ملحوظ، مع الشواهد الآثارية والأدبية؛ في استخدامه للأسماء والأماكن، والعلاقات العائلية، وروابط الصداقة، وحتى في تأريخه التقريبي للأحداث، في معظم المحاورات الموثقة، والتي يمثل سقراط الشخصية الرئيسية فيها. تتضمن المحاورات تواريخ درامية، تقع في محلها، وحيث أننا نعرف أكثر عن شخصياتها، وبرغم المفارقات التاريخية العارضة، يتضح أن المحاورات تتسم بواقعية أكثر مما يُظن بها.[[v]] إن محاورات: أيون، ولايزيس، وأيوثيديموس، ومينون، ومينيكسينوس، وثيلتيتوس، وأوطيفرون، والإطار العام للمأدبة، والدفاع، وكريتون، وفيدون (رغم ذكر أفلاطون بأنه لم يكن حاضرا لإعدام سقراط)، والإطار العام لبارمنيدس، هي التي حقق فيها أفلاطون أكبر تواصل مع من صورهم من الأثينيين.

ولا يترتب على ذلك بالضرورة عكس أفلاطون لآراء وأساليب سقراط (أو أن أي أحد غيره فعل ذلك) كما ذكرها، وبدرجة أقل، بمثل ما تكلم بها سقراط فعلا. هناك عدد من التحذيرات والمحاذير، التي يجب ذكرها ابتداءا:

  • (i) من المحتمل أن أفلاطون قام بخلق شخصية سقراط (أو شخصيات أخرى) لخدمة أغراضه، سواء الفلسفية، أو الأدبية، أو كلتيهما.
  • (ii) المحاورات التي تصور سقراط كشاب، ورجل، تجري أحداثها، إن كانت جرت بالفعل، في فترة تسبق مولد أفلاطون، أو حينما كان طفلا صغيرا.
  • (iii) على المرء أن يكون حذرا بخصوص التواريخ الدرامية لمحاورات أفلاطون (انظر3)؛ لأنها محددة استنادا إلى الشخصيات الذين نتعرف عليهم من خلال المحاورات، ومن مصادر غيرها.
  • (iv) ينبغي التعامل مع التواريخ المحددة بقدر من الشك، لما قد يعرض لها من خطأ بخصوص الدقة الرقمية. حتى إذا تعلق الأمر باحتفال معين، أو أية إشارات أخرى تحدد الموسم أو الشهر الذي تدور فيه المحاورة، أو مولد إحدى الشخصيات، فعلى المرء أن يضع احتمالا لوقوع خطأ ولو ضئيل.

وعلى الرغم من أنه صار مكروها استخدام تعبيرات مثل: “تقريبا”، أو “أقل أو أكثر” في كل حين، فلم يكن القدماء في حاجة أو رغبة في تلك الدقة المعاصرة، فيما يخص تلك الأمور؛ فكل الأطفال المولودون في ذات العام، يكون لهم تاريخ الميلاد ذاته، ففي محاور لايزيس (207b)، نجد ولدان يتجادلان، حول أيهما أكبر من الآخر، وهو أمر قد يُستسخف الآن. وقد تعارف الفلاسفة على التغاضي عن جميع المشكلات التاريخية، وافترضوا جدلا أن سقراط أفلاطون هو سقراط المذكور في مسار الفلسفة المحتمل. وتلك الاستراتيجية، كما سنرى لاحقا، ستؤدي إلى نشوء مشكلة سقراطية جديدة.

ما الذي يحفزنا بعد هذا إلى قراءة كلمات فيلسوف ميّت عن فيلسوف ميّت آخر؟ لم يصلنا مما كتب في حياته كلمة واحدة؟ لماذا تاريخ الفلسفة؟ والذي لا يقدم لنا إجابات حاسمة. قد يجيب البعض بأن دراستنا لتراثنا الفلسفي أمر قيّم في ذاته، يحقق الرضا والاستنارة الفلسفية. عندما نتفكر في كلمات من مات من الفلاسفة ـ كلمات أفلاطون مثلا ـ ممن لا يمكننا التواصل المباشر معه، فإننا بذلك نسعى إلى فهم ما تنطوي عليه افتراضاته، لا لمُجرّد فهم ما قاله أو افترضه.

وأحيانا، يتطلب منَّا إصدار مثل هذه الأحكام تعلم اللغة التي كتب بها الفيلسوف أعماله، وأن نعرف المزيد عن أسلافه ومعاصريه، فالفلاسفة الكبار، وأفلاطون أحدهم، ظلوا قادرين على أن يكونوا رفاق حوار فلسفي، ومشاركين لنا في الجدال. كماطرح سقراط مسائل أصولية عالمية خالدة، بفطنة وبصيرة نافذة، وبذلك تعاظم فهمنا لتلك المسائل. قد يقول المرء بأن هذا يفسر أفلاطون، ولكن أين سقراط في هذه الصورة؟ هل ترجع أهميته لمجرد كونه أحد أسلاف أفلاطون؟ ربما يُقال: نعم. ولكن البعض الآخر قد يقول: إن آراء وأساليب سقراط هي ما تحدد البداية الحقيقية للفلسفة الغربية، وليست آراء وأساليب أفلاطون، وأن سقراط هو الأفضل كمرشد جدلي، وأنه يجب تمييز ما هو سقراطي في المحاورات عما هو أفلاطوني (أنظر2.2) لكن، كيف يتم ذلك؟ تلك أيضًا مشكلة سقراطية.

2.2 استراتيجيات تفسير معاصرة

إذا كان بإمكان المرء الاقتصار فقط على سقراط أفلاطون، فسوف تعاود المشكلة السقراطية الظهور، وسرعان ما نرى أن سقراط نفسه يدافع عن رأي ما في إحدى المحاورات، ثم نجده يتخذ موقفا مغايرا في محاورة أخرى. كما يستخدم أساليب في محاورات، ويطيح بها في محاورات أخرى. تلك التضاربات بين المحاورات تبدو في حاجة إلى تفسير، وإن لم يكن كل الفلاسفة يرون الأمر على هذا النحو (Shorey 1903). أكثر الأمثلة شهرة على ذلك: الهجوم على نظريات مختلفة في المُثُل في محاورة بارمنيدس ، بينما يتوسع في عرض نظرية المُثُل ويدافع عنها في محاورات الجمهورية، والمأدبة، وفيدون.

وفي بعض المحاورات (لاخيس، على سبيل المثال) يقتصر سقراط على اقتلاع الأعشاب الضارة من الحديقة؛ ببيان التضاربات والمعتقدات الزائفة، بينما نراه في محاورات أخرى (فايدروس، على سبيل المثال) زارعا أيضا،  يقدم آراءا فلسفية منظمة، كما يقترح أساليب جديدة لاختبار تلك الآراء. وهناك اختلافات أقل أهمية من تلك، منها مثلا: معارضة سقراط لمذهب اللذة في محاورة جورجياس ، ثم يؤيده في محاورة بروتاجوراس، وتختلف تفاصيل العلاقة بين الحب الجسدي والحياة الصالحة في محاورة فايدروس عنها في محاورة المأدبة.

وفي محاورة الجمهورية،  يختلف تقدير العلاقة بين المعرفة والموضوعات المعرفية، عنها في محاورة مينون. ورغم التزام سقراط بالقانون الأثيني، كما ورد في محاورة كريتون، نجده يُقسم في محاورة الدفاع على مخالفة هيئة المحلفين إذا ما أمرته بالامتناع عن التفلسف. وثم مشكلة ترتبط بذلك؛ حيث تبدو بعض المحاورات وكأنها تبرز مواقف مألوفة في تراث فلسفي آخر (مثال ذلك: مواقف هيرقليطيس، في محاورة ثياتيتوس، ومواقف المذهب الفيثاغوري، في محاورة فيدون). ثلاثة قرون من الجهود المبذولة في حل المشكلة السقراطية، تجدونها موجزة في الوثيقة الملحقة، على الرابط التالي:

المحاولات الأولى لحل المشكلة السقراطية

    بالنسبة للجهود المعاصرة، فهيتعيد إنتاج كل صغيرة وكبيرة من تلك المحاولات الأولى، حتى الفاشلة منها.

القرن العشرين

حتى وقت قريب في العصر الحديث، كان ثمة أمل بأن تمييزا مؤكدا، لما يمكن عزوه إلى سقراط، قد يضع أمامنا مجموعة متماسكة من المذاهب، التي يمكن عزوها إلى أفلاطون (الذي لا يظهر أبدا كمتحدث في المحاورات). توقع كثير من الفلاسفة، مستلهمين عالِم القرن التاسع عشر إدوارد زيللر، أن الفلاسفة الكبار يؤسسون مشروعات ضخمة وعصية على الفهم، وهذا غير متحقق في حالة سقراط، وعلى ذلك، يُنسب إلى أفلاطون كل المذاهب المؤكدة التي يمكن استخلاصها من المحاورات.

وفي النصف الأخير من القرن العشرين، تجدد الأهتمام بمن هو سقراط، وما هي آراءه وأساليبه الخاصة، والنتيجة؛ مشكلة سقراطية محدودة، ولكن لا تقل إثارة للجدل. لقد هيمن مساران لتفسير آراء سقراط في القرن العشرين (Griswold 2001; Klagge and Smith 1992)، وعلى الرغم من حصول بعض التلاقح والنمو بشكل صحي بين المسارين منذ منتصف التسعينيات، إلا أنهما اتخذا موقفا عدائيا تجاه بعضهما البعض لفترة طويلة، وظلت مجمل الكتابات عن سقراط، ومن ضمنها الترجمات الخاصة بالمسارين، منقسمة إلى معسكرين، لا يكاد أحدهما يقرأ للآخر: معسكر التحليل الأدبي، ومعسكر السياق الأدبي.

تستخدم الدراسة السياقية الأدبية لسقراط، وشكلها الأعم هو علم تأويل النصوص، الهرمنيوطيقا، أدوات النقد الأدبي ـ في تفسير يقتصر على المحاورة ذاتها باعتبارها كل قائم بذاته، وترجع أصوله الأوربية إلى هيدجر، ومن قبله: إلى نيشة وكيركيجارد. والدراسة التحليلية الأدبية لسقراط، وشكلها الأعم الفلسفة التحليلية، والتي تغذيها البراهين في نصوص المحاورات ـ وتعنى ببرهان واحد، أو مجموعة من البراهين، سواء في نص مفرد أو في مجمل النصوص، وترجع أصوله إلى التراث الفلسفي الأنجلوأمريكان. وقد كان هانز جورج جادامير (1900-2002) هو عميد المسار الهرمنيوطيقي، وجريجوري فلاستوس (1907-1991) هو عميد المسار التحليلي.

المذهب السياقي الأدبي

بالنسبة لأصحاب مذهب السياق الأدبي، فإن التضارب في آراء وأساليب سقراط خلال المحاورات لا يعتبر مشكلة سقراطية، لأنهم ينظرون إلى أفلاطون باعتباره فنان ذو مهارة أدبية فائقة، وبالتالي، فإن جوانب الغموض في محاوراته هي مجرد تصوير مقصود لجوانب الغموض الفعلية في موضوعات البحث الفلسفي. بالتالي، يجب معالجة اصطلاحات مثل: براهين، وشخصيات، وسائر الاصطلاحات الأخرى في المحاورات، في سياقها الأدبي.

مع جلب أدوات النقد الأدبي إلى دراسة المحاورات، وقد تم اقرارها في تلك الممارسة باستخدام أفلاطون نفسه لتلك الأدوات وممارسة النقد السياقي (بروتاجوراس 339a-347a، والجمهورية 2.376c-3.412b ، وأيون، وفايدروس 262c-264e) فمعظم السياقيين يبحثون في كل محاورة عما تتضمنه وحدتها الجمالية، يشيرون بذلك إلى أن المحاورات ذاتها تتمتع بالاستقلالية، ولا تشتمل تقريبا على أية إحالات مرجعية.

وينصح السياقيون، الذين اعتنوا بما رأوه كوحدة جمالية لمجمل الأعمال الأفلاطونية، ومن ثم نشدوا صورة متسقة لسقراط، بقراءة متأنية وعميقة للمحاورات، وروجوا لعدد من الأعراف والأدوات الأدبية، التي قيل أنها ستساعد في الكشف عن الشخصية الفعلية لسقراط. وبالنسبة لكلا التوجهين للمذهب السياقي فإن المحاورات الأفلاطونية تشبه مجموعة نجمية ساطعة، تستحق كل نجمة منها اهتمام خاص.

التنوع في الأبحاث من الدلائل على نضج التراث السياقي الأدبي، في مستهل القرن الحادي والعشرين، بالإضافة إلى محاولته لأن يكون نقدا أكثر تعمقا في النص.

المذهب التطوري التحليلي [[vi]]

اقترح فلاستوس في مطلع الخمسينيات مجموعة من الفرضيات المترابطة، توفر في مجملها إطار عمل معقول، في التراث التحليلي للفلسفة السقراطية باعتبار أنها سعى منفصل عن الفلسفة الأفلاطونية. وعلى الرغم مما لتلك الفرضيات من جذور عميقة في المحاولات الأولى لحل المشكلة السقراطية (أنظر الوثيقة الملحقة في الرابط السابق) فإن جمال التركيبة الخاصة لفلاستوس يتبدى في خصوبتها. تُعيِّن الفرضية الأولى انقطاعا مع النظرة التقليدية؛ التي ترى في أفلاطون فيلسوفا جدليا، يطرح افتراضات أولية، ثم يقوم بمراجعتها مرارا، وإنما:

  1. طرح أفلاطون مذاهبا فلسفية.
  2. تطورت مذاهب أفلاطون خلال مراحل كتابتها.

يقص فلاستوس قصة “كافتراض نظري، ليس يقينا، أو واقعا”، لتفسير العديد من التضاربات والتناقضات، فيما بين المحاورات بشكل خاص (وُضعَت تلك التضاربات المتواصلة تحت مفهوم معقد هو التهكم السقراطي)يصف فيها أفلاطون الشاب، في عبارات جزلة، وهو يكتب محاوراته الأولى، وكله يقين “بالصدق الجوهري في تعاليم سقراط، وسداد منهجه”. لاحقا، يتطور أفلاطون إلى فيلسوف استدلالي، معبرا عن نفسه،ولكنه لا يرى حاجة في قطع روابطه بسقراطه، “أبيه الروحي”. (لا صلة لبقية قصة فلاستوس بسقراط) ويضع فلاستوس مجموعة صغيرة من المحاورات تحت عنوان “المحاورات الإنتقالية”، ليحدد بها الفترة التي بدأ فيها أفلاطون في عدم الرضا عن آراء سقراط. أما فرضية فلاستوس الثالثة:

3ـ  من الممكن إجراء تحديد دقيق للترتيب الزمني لكتابة المحاورات، ووضع مخطط لتطور آراء أفلاطون.

وتتنوع أدلة فلاستوس لإثبات هذا الادعاء، ولكنها من أنماط عدة: دراسة إحصائية للنمط الأسلوبي في الكتابة stylometric، والإحالات المرجعية، والأحداث الواقعية الوارد ذكرها، والاختلافات بين المذاهب والأساليب المعروضة، بالإضافة إلى شهادة قديمة أخرى (وبشكل خاص شهادة أرسطو). يُطلق على محاورات أفلاطون في المرحلة السقراطية اسم “المحاورات الداحضة”، ويرجع ذلك لأسلوب سقراط المفضل في السؤال، وهي: الدفاع، وخارميدس، وكريتون، وأوطيفرون، وجورجياس، وهيبياس الأصغر، وأيون، ولاخيس، وبرتاجوراس، والكتاب الأول من الجمهورية.

قد تعد المحاورات الأفلاطونية ذات تسلسل منفصلعند أتباع المذهب التطوري، بترتيب يجعل المحلل قادرا على فصل وتمييز سقراط عن أفلاطون، إستنادا إلى الفترات المختلفة للتطور الفكري لأفلاطون. الفرضية الأخيرة:

4ـ يضع أفلاطون على لسان سقراط ما يعتقده أفلاطون نفسه، في وقت كتابته لكل محاورة.

يقول فلاستوس: “مع ما يعترض أفلاطون من تغيرات، كانت شخصية سقراط الفلسفية تتغير” (Vlastos 1991-53) ـ وذلك رأي يُشار إليه أحيانا بعبارة “نظرية الناطق بلسان الحال”. ولأن الفيلسوف التحليلي مهتم بالمذاهب (وبشكل خاص كنتائج للمجادلات)، فعادة ما يكون تركيزه منصبا على موقف فلسفي معين عبر المحاورات، ولا يولي كثير اهتمام بالسياق، أو النظر إلى المحاورات كوحدة متكاملة،  ويرجح أن الشواهد المستخرجة من المحاورات المتقاربة زمنيا، تعتبر أقوى تأكيدا من المحاورات المنتمية إلى فترات تطورية أخرى. محصلة تلك الفرضيات تجسدت في قائمة متماسكة (عورضت بالطبع من جانب آخرين) من عشرة أطروحات تخص سقراط، لا يتوافق أيها مع الأطروحات العشرة المحكمة، التي تخص أفلاطون (1991, 47-49).

في نهاية القرن العشرين، قام العديد من فلاسفة التحليل المتقدمين بالتنقيب عن الذهب الذي اكتشفه فلاستوس، وواصل كثيرون جهدهم الاستدلالي الخاص بهم، خاصة ممن تميزوا بخصب أعمالهم في المسار التطوري في بداياته (انظر: قائمة المراجع).

2.3 فلسفة سقراط وتأثيرها

من الشائك أن نتحدث الآن عن مكانة الفلسفة القديمة، ولكن مما يميّز موسوعة ستانفورد للفلسفة، السماح للمشاركين فيها على تحديث ما كتبوه في الموسوعة، بل وتشجيعهم على ذلك، بما يعكس مستجدات المعرفة، وتغيرات هائلة تخص موضوعاتهم. بالنسبة لكثير من فلاسفة التحليل، فإن جون كوبر (1997, xiv) قد بشر بنهاية الحقبة التطورية، عندما وصف التمييز بين الفترة المبكرة والوسطى للمحاورات بأنه “أساس غير ملائم ليستهل به أي شخص قراءة هذه الأعمال.

وفِعلُ ذلك يعني التصريح مسبقا بنتائج تفسير محدد للمحاورات، ومنح هذا التفسير نوعا من القداسة، بحجة الترتيب الموضوعي المفترض للمؤلفات” ـ  بينما لا يُعرف، موضوعيا، مثل هذا الترتيب، وبالتالي، فتلك مخاطرة بخسارة القارئ غير الواعي لقراءة فردية طازجة، تتطلبها هذه الأعمال”. وحينما أضاف قائلا: “من الأفضل تنحية التفكير في التراتب الزمني إلى مرتبة أقل، تناسبه، والتركيز على المحتوى الأدبي والفلسفي للأعمال، والتعامل معها في ذاتها، وعلاقتها بالأعمال الأخرى”، كان يقدم اقتراحا بإقرار سلام بين معسكري السياق الأدبي والتطور التحليلي، وكما هو الحال في كل اتفاق للسلام، فقبول المقاتلين فكرة انتهاء الصراع قد يستغرق وقتًا، وهذا هو ما نعيشه الآن.

باختصار، يتمتع المرء الآن بحرية أكبر في الإجابة على سؤال: من هو سقراط الفعلي؟ فهناك الطرق المتنوعة التي أُجيب بها على السؤال في الماضي، كما يمكن للمرء أن يجيب بطريقته الخاصة مع إجادة البرهنة عليها، وبالإمكان تجنب السؤال، والإنشغال بالتفلسف حول مسائل محاورات أفلاطون، بلا خوف من مخالب أي تراث تفسيري معين.

لمن يسعون إلى معرفة آراء وأساليب سقراط الأفلاطوني، من منظور ما يترجح رؤيته معزوا إليه في المصادر الثانوية (أنظر 2.2) يمكنهم الرجوع إلى الموضوع ذي الصلة، في الرابط التالي: Plato’s shorter ethical works

3.التسلسل الزمني لسقراط التاريخي في سياق التاريخ الأثيني والتواريخ الدرامية في محاورات أفلاطون

فيما يلي، العمود الأكبر إلى اليسار يقدم بعض معلومات السيرة الذاتية من مصادر قديمة تتخللها (بخط سميك) التواريخ الدرامية لمحاورات أفلاطون. في العمود الأصغر،جهة اليمين، تواريخ الأحداث والشخصيات المهمة، من التاريخ الأثيني في القرن الخامس قبل الميلاد. وبرغم دقة التواريخ بحسب وقائعها، فإن بعضها تقريبي، أو مختلف عليه (Nails 2002).

للاطلاع على التسلسل الزمني لسقراط، النقر على هذا الرابط

يأخذنا ذلك إلى ربيع وصيف عام 399 ق.م. ، إلى محاكمة سقراط وإعدامه. ولمرتين، تحتل مسألة تمحيص الوقائع مع سقراط موضعًا في محاورات أفلاطون (المأدبة 173b، ثياتيتوس 142c-143a) حيث يسعى أصدقاؤه إلى تدوين حواراته، قبل إعدامه [ربيع 399 ثياتيتوس]. في مستهل محاورة ثياتيتوس، يكتب شاعر شاب عريضة يتهم فيها سقراط بجريمة عقوبتها الإعدام، وهي عدم توقير الآلهة (كفر asebeia): أي  عدم إظهار ما يجب من تقوى وإجلال تجاه آلهة أثينا.

وقام بتسليمها إلى سقراط، في حضور شهود، آمرا سقراط بالمثول أمام القاضي خلال أربعة أيام، من أجل جلسة استماع أولية (سيترأس القاضي نفسه، لاحقا، تحقيق ما قبل المحاكمة، والمحاكمة )، وعند نهاية محاورة ثياتيتوس، كان سقراط متوجها إلى جلسة الاستماع الأولية. وباعتباره مواطنا، فإن من حقه الامتناع عن حضور جلسة الاستماع تلك، مما يسمح للقضية أن تأخذ مجراها دون منازعة، وكذلك، فإن من حقه أن ينفي نفسه طوعا، كما ذكَّرته شخصية القوانين في محاورة كريتون (كريتون 52c)، لكن سقراط لم يلجأ إلى أي من الاختيارين، وقرر تقديم مرافعة دفاعية، وفي طريقه يتوقف في إحدى الساحات العامة، للتحدث مع بعض الشباب حول الرياضيات والمعرفة.

عندما وصل إلى رواق الملك، انهمك سقراط في حوار حول التبجيل، مع عرَّاف يعرفه، هو أوطيفرون [399 أوطيفرون]، ثم مضى بعد ذلك للرد على اتهام ميليتوس. تعينت جلسة الاستماع تلك كاستلام رسمي للقضية، وتم التخطيط لأن تؤدي إلى أقصى حكم بواسطة صياغتها لطبيعة الإتهام. ويعتبر الدين في أثينا من الأمور العامة، بموجب القانون الذي ينظمه في تقويم للاحتفالات الدينية، واستعانة المدينة لمواردها في صيانة المعابد والمزارات المقدسة. وفي عريضته، يدعي ميليتوس أن عدم توقير سقراط للآلهة أدى إلى إفساد شباب المدينة (أوطيفرون 3c-d).

وكانت الأدلة على عدم توقير سقراط للمقدسات تنقسم إلى نوعين: فسقراط لم يكن يؤمن بالآلهة التي يؤمن بها الأثينيون (إذ قال بالفعل في كثير من المناسبات أن الآلهة لا تكذب، ولا يصدر عنها شر، بينما آلهة الشعراء والمدينة في الأوليمب، تهوى العراك، وذات طبع انتقامي)، ويدعو سقراط إلى ألوهيات مغايرة (وبالفعل، يؤكد على أن ثم جِنِّي يتحدث إليه منذ طفولته). سلَّم ميليتوس شكواه، وشرع سقراط في تقديم دفوعه. وكان بمقدور القاضي إما رفض قضية ميليتوس؛ إستنادا إلى أسباب إجرائية، وتحويل الشكوى إلى قاضي تحكيم، وإما قبولها، وقد قبلها.

وكان لسقراط الحق في الطعن في قبول الدعوى، إستنادا إلى القانون الجاري، لكنه لم يفعل، لذلك تم إعلان الاتهام في ساحة الأجورا، وتقرر موعدا لإجراء تحقيق ما قبل المحاكمة. بدءا من هذه اللحظة، انتشر الموعد بسرعة، ولعل مرجع ذلك تزايد الاهتمام بالحوارات السقراطية المدونة (المأدبة 172a-173b). [399  المأدبة]. لكن سقراط، مازال كما يصوره أفلاطون، يستغرق اليوم التالي في محاورتين طويلتين كان قد وعد بهما في محاورة ثياتيتوس (210d). [399  السوفسطائي، والسياسي].

 لم يسدد ميليتوس أية رسوم قضائية في التحقيق الذي يسبق المحاكمة، بسبب اعتبار موضوع من قضايا الشأن العام، يختص بمنع الإساءة إلى المقدسات. وكان القانون الأثيني يفرض غرامة كبيرة على المدعي الذي لا يحصل على خُمس أصوات المحلفين على الأقل، رغبة في الحد من الدعاوى الكيدية، كما سيشير سقراط إلى ذلك لاحقا (الدفاع 36a-b).

وعلى خلاف محاكمات هيئة المحلفين المحددة الموعد، فإنه يُسمح في التحقيق السابق  للمحاكمة بتبادل الأسئلة بين المدعي والمدعى عليه، لتكون المسائل القانونية أكثر دقة. وقد أصبح ذلك إجراءً أساسيا؛ بسبب قابلية المحلفين لتلقي رشاوي، وتحريف القضية، حيث تمثل هيئة المحلفين عالما مصغرا لكتلة المواطنين، وقد شغلها في عصر سقراط كبار السن، وأصحاب العاهات، ومتطوعين فقراء، ممن في حاجة إلى الأجر الزهيد، الذي لا يتجاوز ثلاثة أوبولات.

في شهر ثارجليون، وهو الشهر الحادي عشر في التقويم اليوناني [مايو ويونية، 399  الدفاع]، بعد شهر أو اثنين من إعلان ميليتوس الابتدائي لسقراط بالمثول أمام المحكمة، بدأت محاكمة سقراط. في اليوم السابق للمحاكمة، كان الأثينيون قد أرسلوا بسفينة إلى ديلوس؛ تكريما للإله أبوللو، وإحياءً لذكرى النصر الأسطوري لثيوس على الميناطور (فيدون 58a-b). وفي المحاكمة، احتشد الجمهور والمحلفون (الدفاع 25a)، لمتابعة المحاكمة التي قد تستمر إلى نهاية اليوم، وتم منح كلا من المدعي والمدعى عليه وقتا محددا، يقاس بالساعة المائية.

لم يذكر أفلاطون في محاورته مرافعة ميليتوس، أو مرافعتي أنيتوس وليكون، اللذين انضما إلى ميليتوس في القضية، كما لم يذكر أسماء أي من شهودهم (الدفاع 34a، وفيها أن ميليتوس لم يستدع شهودا). لم يكتب أفلاطون محاورة الدفاع Apology  ـ وأصلها اليوناني  ‘apologia‘، ومعناه: الدفاع ـ بمثل ما يكون من مرافعات الخطباء في المحكمة، وبالتالي، لم تكن هناك أية إشارات في النص اليوناني (في  35d و 38b) إلى إجراء تصويتين، ولم تكن هناك أوقات راحة (في  21a و 34b) لمن قد تم استدعاءه من الشهود، كذلك لا نجد ذكرًا لكلمات أنصار سقراط، وربما لم يكن أنصاره موجودون، وإن كانوا موجودين، فلم يذكر أفلاطون أسماءهم.

 يذكر سقراط، في مرافعته الدفاعية، ما ناله من أذى، من جانب أريستوفانيس، في مسرحية “السحب” (انظر 2.1)، ورغم نفي سقراط القاطع لقيامه ببحث أمور السماء وما تحت الأرض، إلا أن اطلاعه المعرفي على أبحاث الفلاسفة الطبيعيين، إلى جانب تفسيراته الطبيعية، جعل عدم اقتناع هيئة المحلفين متوقعا. ومع مشاهدة هيئة المحلفين لسقراط وهو يحاجج ميليتوس ويتفوق عليه، فالأغلب أنهم لم يتمكنوا من التفرقة الدقيقة بين الفلسفة والسفسطة.

تصدى سقراط لتهمة إفساد الشبابثلاث مرات، مؤكدا أنه لم يتعمد ذلك، إن كان قد تسبب فيه فعلا،ً فإنه  وبالتالي فهو يحتاج إلى إرشاده وتوجيهه لا إلى إعدامه (الدفاع 25e-26a)، وانتهت هيئة المحلفين إلى أنه مذنب. وبحسب ما قاله في ذلك، فإن سقراط لا يلوم هيئة المحلفين؛ لأنها مخطئة في تحديد ما هي مصالح المدينة الفعلية (ثياتيتوس 177d-e)، وبالتالي فإنها في حاجة إلى توجيه.

عندما بلغت المحاكمة مرحلة النطق بالحكم، قال سقراط: “إذا كان لدينا من القوانين مثل ما هو في أماكن أخرى، حيث تستغرق المحاكمات الخاصة بقضايا الإعدام أياما، وليس يوما واحدًا، لكنت قد أقنعتكم، لكن والحال هكذا، فليس لدي من الوقت ما يكفي لتفنيد هذا الكم الهائل من الافتراءات” (الدفاع 37a-b). تقف هذه الشكوى المنفردة في مقابل ما جاء على لسان القوانين، من أن سقراط “لم يكن ضحية ظلمنا، نحن القوانين، بل ضحية الرجال” (أقريطون 54c).

ومنذ العام 2/403 ق.م. ، أصبح يُجرَّم كل من يقوم باقتراح قانون أو مرسوم يتعارض مع القوانين التي تم إقرارها، لذلك كان نوعا من السخرية أن تطلب القوانين من سقراط إقناع المحكمة، أو الانصياع لها (أقريطون 51b-c). وفي استسلام الدقيقة الأخيرة لرأي أصدقائه، يقترح سقراط السماح لهم بدفع غرامة تعادل ستة أضعاف قيمة شبكته (اكسينوفان Oeconomicus 2.3.4-5)، أي: ثلاثون ميناً minae، ولكن هيئة المحلفين رفضت، وعندما نُطق الحكم بإعدامه، كان رد فعل سقراط أن ذلك قد يكون خيرا؛ فهو إما نوم بلا أحلام، أو فرصة للتحاور في عالم ما تحت الأرض.

كان التقليد المتبع، ألا تُنفَّذ أحكام إعدام في المدينة، خلال فترة إبحار السفينة المقدسة إلى ديلوس، رغم تباين أمد الرحلة السنوية، بحسب ظروف الإبحار، ويذكر زينوفون أنها استغرقت، عام 399 ق.م.، واحد وثلاثين يوما (ميمورابيليا 4.8.2)، وإذا ثبت صحة ذلك؛ فقد عاش سقراط ثلاثين يوما بعد محاكمته والحكم بإعدامه، وكان شهر سكيروفوريون، الثاني عشر في التقويم اليوناني.

وقبل يوم أو يومين من تنفيذ الحكم، حاول أقريطون صديق طفولته إقناع سقراط بالهرب [يونيو، يوليو 399 أقريطون]، وكان رد سقراط: “لا تستمع لشيئ …. إلا لحجة تبدو جيدة عند التفكير بها” وقال: “فعل الشر، والرد على الشر بالشر، لا يكون صوابا أبدا، ولا حتى أن تجرح من أصابك بجرح” (أقريطون 46b، 49d)، حتى وإن كنت مهددا بالموت (راجع: الدفاع 32a)، ولا حتى من أجل أحد أفراد الأسرة (أقريطون 54b). لا يرى سقراط ضررا يفوق الضرر الذي قد يصيب به المدينة، إذا ما خرج من السجن بشكل غير قانوني، فيما كان بمقدوره الخروج قبل ذلك بشكل قانوني (أقريطون 52c)، هذا خرق للقانون، يؤيد ما ذهب إليه المحلفون من حكم بأنه كان مفسدا للشباب فعلا (أقريطون 53b-c)، مما قد يجلب العار لأسرته وأصدقائه.

روى فيدون أحداث يوم سقراط الأخير، عندما “ظهر بادي السعادة في سلوكه وكلماته، حيث قضى نحبه بنبالة ودون خوف” (فيدون 58e)، للمجتمع الفيثاغوري في فيلوس، بعد عدة أسابيع أو شهور من إعدامه. [يونيوـ يوليو 399  فيدون] قام الأحد عشر، إداريو السجن، الذين يتم اختيارهم بالاقتراع، بلقاء سقراط عند الفجر، ليعلموه بما سيحدث (فيدون 59e-60e). وعندما وصل أصدقاء سقراط، كانت زوجته زانثيبي، وطفلهما الصغير مينيكسينوس، لا يزالا معه، وكانت زانثيبي تواسي زوجها بأنه على وشك الاستمتاع بحواره الأخير مع رفاقه، ثم شرعت في اللطم والعويل المتوقع منها كأمرأة، فطلب سقراط إعادتها إلى المنزل.

أمضى سقراط يومه في حوار فلسفي، مدافعا عن فكرة خلود الروح، وتنبيه رفاقه إلى عدم التحفظ حين النقاش، قائلا: “خذوا بنصيحتي، لا تنشغلوا كثيرا بسقراط بل بالحقيقة، فإذا رايتم ما أقول حقا، فوافقوني، وإن كان غير ذلك، فلا توفروا جهدا في معارضتي” (فيدون 91b-c)، ومن جهة أخرى، فقد شدد عليهم أن يكبحوا جماح مشاعرهم عنده، “اهدأوا، واملكوا أنفسكم” (فيدون 117c).

لم ينشغل سقراط بما إن كانت جثته ستُحرق أو ستُدفن، وإنما ذهب ليستحم في حوض السجن، لذا لن تكون هناك حاجة لأن تغسل نساء بيته جثته. وبعد الظهيرة كان لقاؤه الثاني مع أسرته، ثم عاد إلى صحبة رفاقه. ودَّع خادم الأحد عشر، وهو عبد مملوك للدولة، سقراط واصفا إياه بأنه “الأنبل، والألطف، والأفضل” من الرجال (فيدون 116c). ثم جاء حامل السم، ووصف له ما سيكون من تأثير سم الشوكران على جسده، وهو السم المستخدم في إعدام المواطنين (Bloch 2001)، عندئذ، تناول سقراط الكأس وتجرع السم مبتهجا. انفعل فيدون، وهو عبد سابق، بكلمات خادم الأحد عشر، فقال واصفا سقراط: “الأفضل … الأكثر حكمة، والأكثر صلاحا”  (فيدون 118a).

4.التراث السقراطي وتجاوزه لمجال الفلسفة

ما إن يبدأ المرء في القراءة عن سقراط، في محاورات أفلاطون، حتى يدرك أن هذا الفيلسوف القديم قد صار أيقونة في الثقافة العامة، كما ألهم مؤسسات شتى، وكان اسمه مَعلَما ملائما لكل الحالات المختلفة الأغراض، ومن ذلك: سقراط: فوهة بركان على سطح القمر، وسقراط: دمية من القماش أنتجتها نقابة الفلاسفة العاطلين، وسقراط: برنامج تدريبي وتعليمي في الاتحاد الأوروبي، وسقراط: الحركة الخامسة في سرينادا ليوناردو برنشتاين، للكمان المنفرد، وأوركسترا الوتريات، والهارب، وآلات الإيقاع.

وبعد محاورة المأدبة لأفلاطون: سقراط: متحف مفتوح في أحد متنزهات نيويورك، و eSocrates: مشروع تجاري. أما الإشارات الضمنية إلى سقراط، فتذخر بها الأعمال الأدبية والتاريخية، والنشرات السياسية، كما كان موضوعا للأعمال الفنية منذ العصور القديمة. من بين أشهر اللوحات الفنية: لوحة رافاييل مدرسة أثينا، في الفاتيكان، ولوحة دافيد موت سقراط، في متحف المتروبوليتان في نيويورك. كما كان لسقراط تأثير خاص على مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية، كما يبدو في المجموعة التالية من المقتطفات:

  "لو أن كل مواطن أثيني كان سقراط؛ لظل كل مجلس حكم أثيني مجموعة من الغوغاء". جيمس ماديسون، مؤسس فيدرالي، رقم 51
  "في السادس من يوليو، عام 1756، خلال الحرب الفرنسية الهندية، اختارت واشنطن اسم زوجة سقراط: "زانثيبي" كتوقيع تصديق في معركة فورت كمبرلاند". كارل ج. ريتشارد، المؤسسون والقدماء The Founders and the Classics 
  "عندما وضع أفلاطون بلسان سقراط تلك المغالطات، والمراوغات اللفظية، والسفسطات التي قد يخجل منها تلميذ صغير، نستنتج أنها كانت نزوات عقل أفلاطون المشوش، وننزه سقراط عن تلك السخافات، التي لا تتفق مع شخصيته". توماس جيفرسون، خطاب إلى ويليام شورت
  "الورع: محاكاة المسيح وسقراط". بنيامين فرانكلين، سيرة ذاتية
  "لقد وجدت في المنهج السقراطي الأسلوب الأكثر أمنا لي، والأكثر احراجا لمن استخدمته معهم، ومن ثم، فقد ابتهجت به، وواصلت ممارسته، حتى صرت داهية، وخبيرا في فهم شخصيات الناس، حتى ذوي الثقافة الرفيعة، ومن امتيازاته: النتائج التي لا يتنبأون بها، فأضعهم في شرك من الصعوبات المتشابكة التي لا يستطيعون تحرير أنفسهم منها، وبذلك أحرز نصرا لا أستحقه أنا أو حججي أبدا ". بنيامين فرانكلين، أوراق

وعلى غرار بنيامين فرانكلين، اتخذ شعراء العصر الرومانسي الإنجليزي سقراط نموذجا للسلوك الأخلاقي، وأكثروا من مقارنته بالمسيح. أنجز الشاعر بيرسي بيش شيللي، الذي وصف سقراط بأنه “مسيح اليونان” (سطر 33، شذرات من “إبيسيكيدون”)، ترجمة رائعة لمحاورة المادبة لأفلاطون (O’conner 2002). وكتب جون كيتس عام 1818: “لا شك عندي في أن الآلاف لم يسبق لهم أن سمعوا عمن حاز قلبا زاهدا خالصا، أذكر اثنين لا غير: سقراط والمسيح”. وأعطى اللورد بيرون دورا ثانويا لشبح سقراط في مسرحية “المسخ  The Deformed Transformed“:

أرنولد:

ماذا! ذلك الضئيل، ذو الأنف القصير الداكن، وعينا ساتير،

ذو المنخارين الواسعين، وملامح سيلينوس،

ذو القدمين المفلطحتين، قصير القامة، أفضل لي أن

أبقى على ما أنا عليه.

الغريب:

مع ذلك، فقد كان

حائزا للكمال الأرضي في جمال العقل،

ومجسدا لكل الفضائل.

يعد سقراط في الحياة السياسية المعاصرة موضع استشهاد واستلهام دولي، ففي عام 1963 يكتب مارتن لوثر كينج “رسالة من سجن بيرمنجهام”: “إلى حد ما، أصبحت الحرية الأكاديمية واقعا اليوم، بعدما قام سقراط بالعصيان المدني”. ويتكلم السياسي الجنوب أفريقي نيلسون مانديللا ـ الذي قضى أحد عشر عاما من أعوام سجنه السبع عشر في أعمال شاقة في المحاجر ـ عن جهود المسجونين في تعليم أنفسهم، بواسطة تكوين مجموعات دراسية، في المحاجر، قائلا: “كان أسلوب التعليم سقراطيا في طبيعته” (الطريق إلى الحرية)، حيث يطرح المعلمون أسئلة على مجموعاتهم الدراسية. ومن النماذج المعاصرة أيضا، وإن كان ذا موقف ازدرائي من سقراط؛ مقدمة كتيب تدريب القاعدة (قسم الترجمة القانونية، الحذف في الأصل):

"إن المواجهة التي ننادي بها مع الأنظمة المرتدة والكافرة، لا تعرف المناقشات السقراطية ...، والمُثُل الأفلاطونية...، أو الدبلوماسية الأرسطية، وإنما تعرف حوار الطلقات، ومُثُل الاغتيالات، والتفجير، والتدمير، ودبلوماسية المدافع والبنادق الآلية"

يمكن للفلاسفة وطلبة الفلسفة، الذين يرغبون في مزيد معرفة بالنظر إلى سقراط، خارج مجال الفلسفة،  الرجوع إلى الوثيقة الملحقة، في الرابط التالي: The Reception of Socrates


المراجع

كتب عامة ومراجع

  • Ahbel-Rappe, Sara, and Rachana Kamtekar (eds.), 2005,A Companion to Socrates, Oxford: Blackwell Publishers.
  • Bussanich, John, and Nicholas D. Smith (eds.), 2013,The Bloomsbury Companion to Socrates, London: Bloomsbury Publishing.
  • Cooper, John M. (ed.), 1997,Plato: Complete Works, Indianapolis: Hackett Publishing.
  • Guthrie, W. K. C., 1969,A History of Greek Philosophy III, 2: Socrates, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Nails, Debra, 2002,The People of Plato: A Prosopography of Plato and Other Socratics, Indianapolis: Hackett Publishing.
  • Morrison, Donald R., 2010,The Cambridge Companion to Socrates, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Rudebusch, George, 2009,Socrates, Oxford: Wiley-Blackwell.
  • Taylor, A[lfred] E[dward], 1952,Socrates, Boston: Beacon.
  • Thesleff, Holger, 2009,Platonic Patterns: A Collection of Studies, Las Vegas: Parmenides Publishing.
  • Vander Waerdt (ed.), 1994,The Socratic Movement, Ithaca: Cornell University Press.
  • Waterfield, Robin, 2009,Why Socrates Died, New York: Norton.

الفلسفة التحليلية لـ سقراط

  • Benson, Hugh H. 2000,Socratic Wisdom: The Model of Knowledge in Plato’s Early Dialogues, New York: Oxford University Press.
  • –––, (ed.), 1992,Essays on the Philosophy of Socrates, New York: Oxford University Press.
  • Beversluis, John, 2000,Cross-Examining Socrates: A Defense of the Interlocutors in Plato’s Early Dialogues, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Brickhouse, Thomas C., and Nicholas D. Smith, 1989,Socrates on Trial, Princeton: Princeton University Press.
  • –––, 1994,Plato’s Socrates, New York: Oxford University Press.
  • Burnyeat, M[yles] F., 1998, “The Impiety of Socrates,” Ancient Philosophy, 17: 1–
  • Jones, Russell E., 2013, “Felix Socrates?” Philosophia(Athens), 43: 77–98 [available online].
  • Nehamas, Alexander, 1999,Virtues of Authenticity, Princeton: Princeton University Press.
  • Penner, Terry, 1992, “Socrates and the Early Dialogues,” in Richard Kraut (ed.),The Cambridge Companion to Plato, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Santas, Gerasimos, 1979,Socrates: Philosophy in Plato’s Early Dialogues, Boston: Routledge & Kegan Paul.
  • Teloh, Henry, 1986,Socratic Education in Plato’s Early Dialogues, Notre Dame: University of Notre Dame Press.
  • Vlastos, Gregory, 1954, “The Third Man Argument in Plato’sParmenides,” Philosophical Review63: 319–
  • –––, 1983, “The Historical Socrates and Athenian Democracy,” Political Theory, 11: 495–
  • –––, 1989, “Socratic Piety,” Proceedings of the Boston Area Colloquium in Ancient Philosophy, 5: 213–
  • –––, 1991,Socrates: Ironist and Moral Philosopher, Cambridge: Cambridge University Press.

تفسيرات قارية لفلسفة سقراط

  • Bloom, Allan, 1974, “Leo Strauss September 20, 1899-October 18, 1973,”Political Theory, 2(4): 372–
  • Gadamer, Hans-Georg, 1980,Dialogue and Dialectic: Eight Hermeneutical Studies on Plato, tr. from the German by P. Christopher Smith, New Haven: Yale University Press.
  • Heidegger, Martin, 1997,Plato’s Sophist, tr. from the German by Richard Rojcewicz and Andre Schuwer, Bloomington: Indiana University Press.
  • Hyland, Drew A., 2004,Questioning Platonism: Continental Interpretations of Plato, Albany: State University of New York Press.
  • Kierkegaard, Søren, 1989,The Concept of Irony with Continual Reference to Socrates, trans. H. V. Hong and E. H. Hong, Princeton: Princeton University Press.
  • Nietzsche, Friedrich, 1872,The Birth of Tragedy, tr. from the German by Walter Kaufmann, New York: Penguin (1967).
  • Strauss, Leo, 1964,The City and Man, Charlottesville: University Press of Virginia.
  • –––, 1966,Socrates and Aristophanes, Chicago: University of Chicago Press.
  • –––, 1968,Liberalism Ancient and Modern, Chicago: University of Chicago Press.

قضايا تأويلية

  • Blondell, Ruby, 2002,The Play of Character in Plato’s Dialogues, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Griswold, Charles, (ed.), 2001,Platonic Writings/Platonic Readings, University Park: Penn State University Press.
  • Howland, Jacob, 1991, “Re-Reading Plato: The Problem of Platonic Chronology,” Phoenix, 45(3): 189–
  • Klagge, James C., and Nicholas D. Smith (eds.), 1992,Methods of Interpreting Plato and His Dialogues. Oxford: Clarendon Press.
  • Nails, Debra, 1995,Agora, Academy, and the Conduct of Philosophy, Dordrecht: Kluwer Academic Publishing.
  • Press, Gerald A[lan] 1996, “The State of the Question in the Study of Plato,” Southern Journal of Philosophy, 34: 507–
  • –––, (ed.), 2000,Who Speaks for Plato? Lanham: Rowman & Littlefield.
  • Rowe, Christopher, 2007,Plato and the Art of Philosophical Writing, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Shorey, Paul, 1903,The Unity of Plato’s Thought, Chicago: University of Chicago Press.
  • Szlezák, Thomas A., 1993,Reading Plato, trans. Graham Zanker, London: Routledge.

 دراسات متخصصة حول سقراط

  • Allen, R[eginald] E., 1971, “Plato’s Earlier Theory of Forms,” in Vlastos 1971, 319–
  • Bloch, Enid, 2001, “Hemlock Poisoning and the Death of Socrates: Did Plato Tell the Truth?” Plato: The Internet Journal of the International Plato Society, Volume 1 [available online].
  • de Vogel, Cornelia J., 1955, “The Present State of the Socratic Problem,” Phronesis, 1: 26–
  • Dover, K[enneth] J. 1968,Aristophanes: Clouds, Oxford: Clarendon Press.
  • –––, 1989,Greek Homosexuality, updated, Cambridge: Harvard University Press.
  • Harris, William, 1989,Athenian Literacy, Cambridge: Harvard University Press.
  • Henderson, Jeffrey, 1998,Aristophanes II: Clouds, Wasps, Peace, Loeb Classical Library, Cambridge: Harvard University Press.
  • Lang, Mable, 1990, “Illegal Execution in Ancient Athens,” Proceedings of the American Philosophical Society, 134: 24–
  • Ledger, Gerard R., 1989,Re-Counting Plato: A Computer Analysis of Plato’s Style, Oxford: Oxford University Press.
  • McPherran, Mark L., 1996,The Religion of Socrates, University Park: Pennsylvania State University Press.
  • Monoson, S. Sara, 2011, “The Making of a Democratic Symbol: The Case of Socrates in North-American Popular Media, 1941–56,”Classical Reception Journal, 3:46–
  • O’Conner, David (ed.), 2002,The Symposium of Plato: The Shelley Translation, South Bend: St. Augustine’s Press.
  • Reshotko, Naomi, 2006,Socratic Virtue: Making the Best of the Neither-Good-Nor-Bad, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Robinson, Richard,Plato’s Earlier Dialectic, second edition, Oxford: Clarendon Press.
  • Ross, W. David, 1933, “The Socratic Problem,” Proceedings of the Classical Association, 30: 7–
  • Weiss, Roslyn, 1998,Socrates Dissatisfied: An Analysis of Plato’s Crito, Oxford: Oxford University Press.
  • Wilson, Emily, 2007,The Death of Socrates, Cambridge: Harvard University Press.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
 Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
 Look up this entry topic at the Indiana Philosophy Ontology Project (InPhO).
 Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الشبكة

مداخل ذات صلة

Plato | Plato: shorter ethical works

مصدر المدخل:

[1] Nails, Debra, “Socrates”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2017 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2017/entries/socrates/>.

الحواشي

[[i]] كل التواريخ القديمة، على سبيل المثال: التي تتعلق بسقراط، والمصادر المعاصرة له عن حياته، هي قبل الميلاد (ق.م.)، وكل تواريخ المصادر الحديثة والمعاصرة فهي ميلادية (م.).

[[ii]] هناك اثنان نسب إليهما الفضل في بدء الحوار السقراطي، كنوع أدبي، هما: ألكسامينوس (Aristotle, fr. 72 Rose ap. Athenaeus 11.505c), وشكك الكثير في صحة ذلك؛ لعدم وجود أعمال أو شذرات تربطه بسقراط، والثاني: أنتيثينيس الأثيني، الذي ورد ذكره، في محاورة أفلاطون: فيدون،  فيمن حضروا إعدام سقراط. هناك بعض الشذرات المنسوبة إلى أيسخينيس من سفيتوس، وكان أيضا ممن حضروا إعدام سقراط، لكن لاشيئ تركه إقليدس من ميجارا، أحد المتحدثين في محاورة ثياتيتوس، وحضر كذلك إعدام سقراط ـ إلا إذا أخذنا بما جاء في محاورة ثياتيتوس 143b-cحرفيا، والذي يعني أن إقليدس هو مؤلف الحوار، وهو اقتراح يصعب تصديقه.

فقد قام القائمون على المكتبات قديما بأرشفة عناوين المحاورات السقراطية، التي في حوزتهم، مفترضين أنها مكتوبة من قبل آخرين، ممن ورد ذكرهم في المحاورات ـ أريستوبوس من سيرين، وسيبيس من طيبة، وأقريطون من ألوبيس (أثينا)، وجلوكون من كوليتوس (أثينا)، وفيدون من أليس، وسيمياس من طيبة ـ وكذلك من قبل سيمون الأثيني (صانع منتوجات جلدية، كان متجره على تخوم سوق أثينا، وتم اكتشافه من جانب علماء الآثار في بداية الخمسينيات)، ويظل هناك العديد ممن أُعتبروا كتابا، من قبل القائمين على المكتبات ـ بريسون وبوليانوس، وبوليكسينوس ـ لكن في الوقت الذي بدأت فيه الأرشفة، كان ثمة نسخ مزورة متداولة، إلى جانب عدد من المحاورات مجهولة المؤلف، لذا يجب النظر إلى هذا الأمر بتفحص وحرص شديدين.

فعلى سبيل المثال، كان من تقاليد أكاديمية أفلاطون، إنجاز التدريبات في صورة محاورات (كتب أرسطو بعض المحاورات أثناء وجوده هناك، بقيت شذرات منها)، بعض هذه المحاورات أصبحت جزءا من وثائق الأكاديمية، أعتبرت لاحقا ، على سبيل الخطأ، من مؤلفات أفلاطون. وهي لا تعد مزورة، لأنها لم تكتب بهذا القصد، ولكنها من أعمال بعض أعضاء الأكاديمية المتأخرين. من جهة أخرى، فهناك أعمال مزورة: في العصر الهلينيستي (بعد موت إسكندر الأعظم)، كان من الأمور المربحة تأليف وبيع محاورات، ودراسات على أنها من تأليف كتَّاب مشهورين من العصور القديمة. على أية حال، فإن نسخ المكتبات القديمة ليست موجودة أصلا، وإنما عناوينها فقط ـ وليست جميعها حتى ـ هي المسجلة.

[[iii]] من بين كتَّاب المسرحيات الهزلية المعروفين،  الذين ذكروا سقراط في أعمالهم: كالياس (وهو أسبق من أريستوفانيس، حوالي 429 ق.م. أو قبل ذلك)، وتليكلَايدس ، وكلاهما أوعز  بأن سقراط قد ساعد يوريبيدس في كتابة أعماله التراجيدية ـ مثلما فعل أريستوفانيس في إحدى فقرات نسخته الأولى لمسرحية السحب، وأميبسياس، الذي جعل اسم معلم سقراط للموسيقى: Connus  اسما لمسرحيته، وفيها يطلق على سقراط: “حافي القدمين”، ويوبوليس، الذي اتهم سقراط بالجدال حول توافه الأمور، وسرقة مغرفة النبيذ.

[[iv]] ليو شتراوس، منظر سياسي بارز، ووريث التراث الألماني (انظر القسم 2.2)، وهو المؤيد الرئيسي لأهمية زينوفون كمصدر،يقول: “أفلاطون ليس مؤرخا”. المؤرخ الوحيد، بين معاصري سقراط، والذي ينبغي الاعتماد على كتاباته، في سبيل معرفة سقراط هو زينوفون، فهو من أتم تاريخ ثيوسيديدس، وهو الذي برهن على أصالة بعض المحاورات السقراطية، بتقدمتها بتعبيرات مثل: “سمعته، ذات مرة، يقول” (1966, 4; cf. 1964, 56-57).

عندما اتجه شتراوس إلى أفلاطون لدعم سقراط زينوفون، انجذب إلى سقراط في محاورات ثاجيس (1968,55)، ومينون (1968, 65-75)، وهيباركوس (1968,74-75)، بأكثر من سقراط في محاورات أفلاطون الأصيلة. إن اصراره على أن الأعمال المذكورة في تقسيم ثراسيلوس الرباعي لمحاورات أفلاطون (~36 C.E.) هي أعمال أفلاطون نفسه (1964,55)، وأن أفلاطون قام بتصوير سقراط في صحبة رجال من علية القوم فقط (1964, 57) هو، ببساطة، ما يصعب البرهنة عليه أو الدفاع عنه، وليس إيجابيا الآن أن نفترض أن شتراوس كان سيظل على تمسكه بهذه الأفكار في ضوء ما استجد من دراسات معاصرة.

الحقيقة أنه لم يكن قد حقق موقفا ثابتا من سقراط حتى وقت متأخر من عمره، وهو ما فسره تلميذه المقرب آلان بلوم (1974, 377) كنتيجة لمعرفة شتراوس المتأخرة بأن “إعدام سقراط بحجة تجديفه، هو عتبة عالم أفلاطون”، وهو ما لم يتمكن شتراوس من ملاحظته قبل أن يكتشف الكتابات الخاصة لـ الفارابي، وابن ميمون، ويدرك الصراع المعضل بين العقل والوحي. بحسب بلوم (1974, 382): “في كتاباته الأخيرة، أحس، أخيرا، بحريته في محاولة فهم أسلوب سقراط، النموذج الأصلي للفيلسوف، الذي حاول نيتشة وهيدجر الإطاحة بتعاليمه”.

[[v]] المحاورتان الذاخرتان بالتواريخ الدرامية، خلال الحروب البلوبونيزية (431-404) هما: جورجياس والجمهورية. وثم تقليد علمي ألماني قوي، في القرنين التاسع عشر والعشرين، بالاعتقاد بأن زينوفون مؤرخ دقيق، وأن أفلاطون مؤلف أدبي، وهو ما تسبب في ظهور الإدعاء بأن أفلاطون قد تلاعب بالتواريخ، واخترع شخصيات أثينية الأسماء، تناسب أغراضه الأدبية، وأن للشخصيات التي ابتدعها أسماء ذات مغزى تدل على حقائق مضمرة عن حامليها، وأن أفلاطون ما كان لييجعل أشخاصا أثينيين حقيقيين شخوصا في محاوراته (وهذا إدعاء مستحيل؛ حيث أن قبر لايزيس قد تم اكتشافه في خندق أحد الأبنية، شمال شرق بيراوس عام 1974، وتأكد أن لايزيس عاش حتى بلغ الستين من عمره، وكان جدا حين مات).

[[vi]] مصطلح “المذهب التطوري” استُخدم لتمييز البحث المهم لفلاستوس حول محاورات أفلاطون، عن تلك الأبحاث الخاصة بغيره من الفلاسفة التحليليين، الذين اهتموا بالمشكلة السقراطية، وغيرها من المسائل المتعلقة بمحاورات أفلاطون، في فترة عنفوان المذهب التطوري. يجب الانتباه ـ برغم أن فلاستوس هو من ثبَّت ونشر أول برنامج تطوري كامل ـ إلى أن هناك عدد من الفلاسفة الآخرين يشاركونه الفضل في ذلك (مثل: دافيد روس، وريتشارد روبنسون، و ج. ي. ل. أوين) الذين برهنوا على أن آراء أفلاطون تطورت. ولكن فلاستوس هو من أهتم أكثر بسقراط.