مجلة حكمة
المسؤولية الجماعية

المسؤولية الجماعية

الكاتبماريون سمايلي
ترجمةمشاعل سليمان المشيقح
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول فلسفة المسؤولية الجماعية؛ نص مترجم ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


 

يشيرُ مفهوم المسؤولية الجماعية، مثل نظيريه مفهوميّ المسؤولية الشخصية والمسؤولية المشتركة، في معظم السياقات، إلى كل من المسؤولية السببية للفاعلين الأخلاقيين عن إحداث الضرر في العالم وأحقيَّة إلصاق اللَّوم التي ونعزوها إليهم كون تسببهم في إحداث مثل هذا الضرر. ومن ثم، فإنَّه، مثل نظيريه الأكثر فردانية محضة، فهو— تقريبًا— بمثابة مفهوم أخلاقي عن المسؤولية؛ فضلاً عن كونه مفهومًا عن السببية البحتة.

بيد أنَّه، على النقيض من مثيليه عن الفردية المحضة، فإنه لا يُقرنُ، سواءً المسؤولية السببية، أو أحقية إلحاق اللوم، مع الأفراد المنعزلين، أو يحدد مصدر المسؤولية الأخلاقيّ في الإرادة الحرة لأولئك الذين يمثلون الأخلاق الفردية. عوضًا عن ذلك، فهو يُقرن بين كلٍ من المسؤولية السببية، وأحقية اللوم، مع الجماعات، بل ويحدد مصدر المسؤولية الأخلاقية في الأفعال الجماعية التي تتخذها هذه الجماعات وتفسرها بأنها جماعية.

ونظرًا لأن فكرة المسؤولية الجماعية هذه تُمَكِن الجماعات، بخلاف أعضائها الفرديين— من منطلق كونهم فاعِلين أخلاقيين— حيثُ اجتازت قدرًا كبيرًا من التدقيق في السنوات الأخيرة من قبل الأفراد المنهجيين والمعهودين، على حد سواء. فقد انبرى الفردانيون المنهجيون لاحتماليّة ربط الفعل الأخلاقيّ بالجماعات، على نحو يختلف عن أعضائها الفرديين، بل ويؤكد الفردانيون المعهودون بأن المسؤولية الجماعية تخرق كلاُ من مبادئ المسؤولية الفردية والنزاهة. واستجابةً لهذه التحديات، شرع أنصار المسؤولية الجماعية في إظهار أنَّ المسؤولية الجماعية— فضلاً عن نوايا الجماعة، والعمل الجماعي، وأحقية إلصاق اللوم بالجماعة— ممكنة فوق العادة ويمكن أن تُنسب إلى الفاعلين بشكل منصف على الأقل في بعض، إن لم يكن في جميع الحالات.

وعلى الرغم من أنَّ الغالبية العظمى ممن يُسَطَّرَون الآن عن المسؤولية الجماعية في الدوائر الفلسفية يواصلون مناقشة إمكانية المسؤولية الجماعية، حيثُ وضعت مجموعة أصغر من الدارسين في السنوات الأخيرة شاغلين آخرين — أكثر أهمية — في بؤرة اهتمامنا. أولهما يتعلق بما إذا كان يتعين على المجموعات أن تستوفي نفس الشروط الصارمة للمسؤولية الأخلاقية التي يلتزم بها الأفراد. (إِّذ تصبح القَصْديـة موضعًا ومقامًا رئيسًا للجدل هنا). وثانيهما يتعلق بمزايا وعيوب استبقاء أنواع معينة من الجماعات، على سبيل المثال، الدول القومية، والأعراق، والجماعات العرقية، والمسؤولية الأخلاقية، في الممارسة العمليَّة.

والنظرة نحو نقطة الانطلاق بشأن المسؤولية الجماعية المذكورة آنفًا تشير إلى ما يدور في أذهان معظم الفلاسفة عندما يتحدثون عن المسؤولية الجماعية. غير أنه خلال السنوات العديدة الماضية ما زال هناك اهتمام متزايد بما أصبح يعرف بالمسؤولية الجماعية التطلعية. وعلى النقيض من نظيرتها الرَّجعيَّة، فلا تركز المسؤولية الجماعية التطلعية على ما إذا كان العامل الجماعيّ المُحَدّد قد تسبب في ضرر بالمعنى المتعلق بأحقية إلحاق أو إلصاق اللوم الأخلاقي. فبدلاً من ذلك، فإنها تركز على ما يمكن توقعه من الفاعل، إن وجد، فيما يتعلق بمعالجة الضرر. ومن ثم، يشار إليها أحيانًا بالمسؤولية العلاجية.


 

1. المسؤولية الجماعية: مواضع الخلاف

يُعَدُّ كلٌ من مفهوميّ المسؤولية الجماعية مثار جدل. فلا تتوافق الفكرة التقليدية الرَّجعيّة مع أولئك الذين يشككون في قدرة الكيانات الجماعية على الإرادة والعمل ككيانات جماعية؛ إِذ أنَّ الفكرة التطلعية أقل إثارة للجدل عن نظيرتها الرَّجعيَة، فيما يتعلق بِأُسسها الميتافيزيقية (الماورائيّة). لكنها تثير أسئلة بشأن الكيفية —على أساس أي قواعد (معايير سلوك) ومبادئ – التي يمكننا أن نعزوها إلى مثل هذه المسؤولية عمليًّا. وثمَّة ثلاثة أنواع من الخلافات تحيط بالمفهوم التقليدي للمسؤولية الجماعية.

يتعلق أول هذه الخلافات بما إذا كانت المسؤولية الجماعية منطقية، كشكل من أشكال المسؤولية الأخلاقية، أم لا. ولا غرو أن تكون بؤرة التركيز الأساسي للاهتمام هنا على كل من الفعل الأخلاقيّ للجماعات بشكل عام، وإمكانية طَوايا ومقاصد الجماعة، بشكل خاص. ويتساءل المشاركون في طرح هذا الخلاف عن: كيف يمكننا فهم فكرة المسؤولية الجماعية باعتبارها مسألة أخلاقية — وليس مجرد سببية؟ وهل يمكن للجماعات، المتميزة عن أعضائها، أن تتسبب في الضرر بالمعنى الذي تقتضيه المسؤولية الأخلاقية؟ وأن تتصرف تصرفًا جماعيًّا؟ وأن يكون لديها طوايا ومقاصد؟ وهل يمكن للجماعات، المتميزة عن أعضائها، أن تكون ملومة أخلاقيا عن إحداث الضرر؟ وأن تكون موضع إدانة كفاعلين أخلاقيين؟

ومما يبعث على الاهتمام أنَّ لا يتعلق ثاني هذه الخلافات بالمسؤولية الأخلاقية للجماعات على الإطلاق، على الرغم من أنها صيغت بلغة المسؤولية الأخلاقية الجماعية. فبدلاً من ذلك، فقد ارتبط الأمر بالمسؤولية الأخلاقية للأفراد الذين ينتمون إلى جماعات يُعتقد أنها مسؤولة أخلاقياً عن حالات معينة من الضرر. ويتساءل المشاركون في مناقشة هذا الخلاف، كيف يمكننا توزيع المسؤولية الجماعية من خلال الأعضاء الأفراد في هذه الجماعة؟ وهل يُعقل توزيع المسؤولية الجماعية بشكل عام؟

هل من المناسب تحميل أفراد الجماعة المسؤولية الأخلاقية عن الضرر الذي تسبب فيه أعضاء الجماعة الآخرون؟ والذي تسببت الجماعة نفسها فيه أيضًا؟ والتي أخفق أفراد الجماعة ككل في الحيلولة دون وقوعه؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هي الظروف وما هي أنواع الجماعات الخاصة؟ هل هي مجموعات عشوائية من الأفراد؟ أم هي مجموعات قائمة على مصالح؟ كيانات اعتبارية مشتركة؟ وعندما يتم توزيع المسؤولية الجماعية على الأفراد، هل يستحق الأفراد اللوم أخلاقياً، أم أنهم مسؤولون فقط عن معالجة الضرر الذي تسببت فيه الجماعة؟

أما مثار الخلاف الثالث فهو معياري في المقام الأول، كما يتعلق بقيمة إسناد المسؤولية الجماعية في الممارسة الفعليَّة. ففي بعض الحالات، ينصب الاهتمام بالتطبيق العام للمسؤولية الجماعية وعواقبها على قدرتنا على الحفاظ على قيّم الفردية والحرية والعدالة. وفي حالات أخرى، ينصب القلق على إسناد المسؤولية الجماعية في سياقات معينة، على سبيل المثال، في سياقات محاكم الحرب، والتعويضات عن الرق، والإرهاب، والاغتصاب، وما إذا كانت مثل هذه الأسانيد مثمرة و / أو عادلة لأولئك الذين يتم إلقاء اللوم عليهم. ويتساءل النقاد ماذا سيحدث إذا أردنا استبدال المسؤولية الفردية بالمسؤولية الجماعية؟ هل سنترك الأفراد يفلتون من المسؤولية والمساءلة؟ هل سنعمل على تفتت تطبيق ممارسة المسؤولية الشخصية بشكل عام؟

فالخلافات المحيطة بالمسؤولية الجماعية التطلعية لها علاقة بكل من دور المتسبب (الفاعل) في السبب في إسناد المسؤولية عن معالجة الضرر في العالم والمعايير السلوكية والمبادئ التي قد — أو ربما لا — تكون مناسبة للتذرع والاحتجاج بها في هذا السياق. وهل مسؤولية جبر الضرر(التعويض) تقع على من تسبب في الضرر؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فما هي المعايير الأخرى التي يجب أن نستخدمها؟ هل اعتبارات الإنصاف من الأهميّة بمكان في إسناد المسؤولية العلاجية لدينا؟ إذا كان الأمر كذلك، ما هو نوع الإنصاف المناسب؟ وما هو الدور، إن وجد، الذي يجب أن تلعبه العضوية في مجتمع معين هنا؟ هل سيكون العقد الاجتماعي مفيدًا في تحديد من يجب أن يكون مسؤولاً عن المعالجة أو الحيلولة دون وقوع أنواع معينة من الضرر؟

2. منطق المسؤولية الجماعية: الإجراءات والمقاصد والتضامن الجماعي

يتفق جميع الذين يُسَطِّرون ويكتبون الآن عن المسؤولية الجماعية بالكاد على أن المسؤولية الجماعية تكون منطقية إذا كانت مجرد ظاهرة شاملة. لكنهم يختلفون بشكل ملحوظ حول ما إذا كانت المسؤولية الجماعية منطقية كظاهرة غير قابلة للتوزيع، أي كظاهرة تتجاوز مساهمات أعضاء جماعة معينة. وفي هذا السياق، كما هو الحال في العديد من المجالات الأخرى، يضع المتشككون منهاجًا أو برنامجًا إجرائيًا. وثمَّة مطلبين حاسمين: أولهما، هو أن الجماعات، بخلاف الأفراد، لا يمكن أن تشكل طوايا ومقاصد (أهداف)، ومن ثمَّ لا يمكن استيعاب أنها تعمل أو تسبب ضررًا لجماعات بصفتها. وثانيهما: هو أن الجماعات، باعتبارها متميزة عن أعضائها الفرديين، لا يمكن استيعاب أنها جديرة باللوم من الناحية الأخلاقية، بالمعنى الذي تتطلبه المسؤولية الأخلاقية.

ينبثق كلُ من المطلبين من الفردية المنهجية الكلاسيكية من النوع الذي أوضحه (ماكس ويبر) (Weber 1914) و )إتش دي لويس) (Lewis 1948) في رفض كليهما الشخصيّ للمسؤولية الجماعية. ففي كتابه الموسوم: الاقتصاد والمجتمع، المجلد الأول، يؤكد (ويبر) (Weber 1914) أنَّ المسؤولية الجماعية لا معنى لها لأننا لا نستطيع عزل الإجراءات الجماعية الحقيقية على أنها تختلف عن الأفعال المتطابقة للعديد من الأشخاص، ولأن الجماعات، بخلاف الأفراد الذين ينتمون إليها، لا يمكنها التفكير كجماعات أو ذات إمكانية على أن تصيغ طوايا ومقاصد من النوع الذي يعتقد عادة أنه لا غِنَى عَنْهُ للأفعال. ويتفق (هــ . د. لويس) مع ذلك في أدلته الخاصة، بل ويقرن فردانيته المنهجية بشعور من الغضب الأخلاقي الذي يطرأ من فكرة لوم الأفراد على أفعال الآخرين. يكتب (لويس) قائلاً:

 المنفعة والقيم تخص الفرد، والفرد هو الحامل الوحيد للمسؤولية الأخلاقية. فلا أحد يُعد مذنبًا أخلاقياً إلا فيما يتعلق بسلوك يعتبره هو نفسه خطأ … المسؤولية الجماعية… بربرية. (Lewis 1948, pp3-6)

ولا يذهب النقاد المعاصرون للمسؤولية الجماعية عمومًا إلى أبعد ما يفعله (لويس) هنا في مساواة المسؤولية الجماعية بالهمجية. لكنهم يشاركون بشكل عام شكوك أسلافهم حول إمكانية مقاصد الجماعة والافعال الجماعية بصدقٍ (يُنظر أدناه). وفوق ذلك، فهم قلقون أيضًا بشأن الإنصاف في إسناد المسؤولية الجماعية إلى الأفراد الذين لا يتسببون هم أنفسهم في الأذى بشكل مباشر أو الذين لا يتسببون في الأذى عن قصد. يكتب (ستيفن سفيردليك) معلقًا:

من غير الإنصاف، سواء كنا نفكر في نتيجة تسبب بها فعل لأكثر من شخص واحد أو عن طريق شخص بمفرده، أن نلوم شخصًا على نتيجة لم يكن يقصد أن يكون سببًا فيها. (Sverdlik 1987, p. 68)

كلٌ من المطلبين— بأن الأفعال الجماعية حقًا غير ممكنة وأنه من غير الإنصاف من الناحية الأخلاقية إلصاق وإلحاق اللوم بأشخاص لم يتسببوا في إحداث الضرر عن قصد — يرتكزان على افتراضين معياريين أساسيين لدور الناقد. وكلاهما يتعلق بأهمية المقاصد والطوايا. وأولهما هو أن الأفعال — سواء كانت فردية أو جماعية — تبدأ بالضرورة كـ نوايا مضمرة. (وإِلاَّ، فهي ليست أفعالًا، بل أنواعًا من السلوك). وثانيهما: هو أن اللوم الأخلاقي له مصدره ويتطلب وجود نوايا سيئة — أو على الأقل خطأ أخلاقيًا — من جانب أولئك الذين يتم إلصاق المسؤولية بهم.

والافتراض الأول، ألا وهو أن جميع الأفعال تبدأ بالنوايا، مفيد جدًا للنقاد لأنه يُمَكِنُهُم من كتابة مقاصد المجموعة في تعريف العمل الجماعي نفسه، ومن ثمَّ يجعل نوايا المجموعة شرطًا ضروريًا للمسؤولية الجماعية. ويُعَدُّ تعريف (چيه. أنچيلو كورليت) بشأن العمل الجماعي نموذجيًا هنا. وبناءُ على ما يقوله (كورليت):

]أ[ العمل الجماعي (المتعمد) هو بمثابة فعل موضوعه عامل جماعي مقصود. والسلوك الجماعي هو فعل أو سلوك ناتج عن جماعة، وإن لم تكن نتيجة لنواياها. ويكون السبب في الفعل الجماعي معتقدات ورغبات (متطلبات) الجماعة نفسها، سواءٌ كانت هذه المعتقدات والرغبات يمكن تفسيرها أو تبيانها بمصطلحات فردية. (Corlett 2001, p. 575)

والافتراض الثاني، وهو أن اللوم الأخلاقي بجميع أنواعه القائمة على النوايا الشريرة للفاعلين الأخلاقيين الذين يتسببون في الضرر، مفيد أيضًا لنقاد المسؤولية الجماعية، لأنه يمكّنهم من الاشتراط بأنَّ المسؤولية الجماعية تتطلب، ليس مجرد طوايا ومقاصد جماعية، بل قدرة الجماعات على أن يكون لها مقاصد شريرة أو على الأقل أن تكون مختلة أخلاقياً. ويتساءل النقاد كيف يمكن فهم الجماعات، المختلفة عن أعضائها الأفراد، على أنها ذات نوايا شريرة؟ وأن تكون مختلة أخلاقيا؟ وأن يكون لديها شمائل أخلاقية، مختلة أم لا؟ وكيف، بعبارة أخرى، يمكن استيعاب أنهم أنسب من يُلصق بهم اللوم الأخلاقي أو الذنب أو العار؟

يركز غالبية النقاد هنا على إظهار أن الأفعال إِمَّا مرتبطة حصريًا بالأفراد، وليس الجماعات، أو أن الجماعات، التي ليس لديها آراء خاصة بها، لا يمكنها اتخاذ خيارات أو تبني معتقدات بالمعنى الذي تتطلبه صياغة المقاصد أو النوايا. يركز (هــ . د. لويس) على توضيح النقطتين في نقده للمسؤولية الجماعية عام 1948. وبالمثل، فعل (چي دبليو واتكينز) عام (1957). أمَّا التابعون من الأفراد المنهجيين أمثال (ألڨين غولدمان) (1970) و(ستيفن سڨيردليك) (1987) و(چيه أنچلو كورليت) (كورليت 2001) و (چان نارڨيسون) (2002)، بخلاف أسلافهم، فهم على استعداد عمومًا للاعتراف بحساسية المسؤولية الجماعية في نطاق محدود من الحالات. لكنهم، أيضًا، يلفتون الانتباه إلى مجموعة الصعوبات التي تطرأ من المسؤولية الجماعية كإطار أخلاقي بمجرد أن نعترف بالحقيقة البسيطة المتمثلة في أن الجماعات لا تتمتع بحياة عقلية كاملة.

يولي منتقدو المسؤولية الجماعية إلى حد ما قليلاً من الاهتمام بطبيعة اللوم الأخلاقي الجماعي عن اهتمامهم بطبيعة الأفعال الجماعية. لكنهم في بعض الأحيان يقلقون بشأن مدى ملاءمة ربط اللوم الأخلاقي بالجماعات، على نحو يختلف عن أعضاء الجماعة. ويضع ( آر إس داوني)، من بين آخرين، ما يتضح أنه مفهوم تقليدي للغاية للمسؤولية الأخلاقية في مركز اهتمامه ويؤكد أنَّ:

ليس للجماعات نواقص أخلاقية، لأنهم لا يتخذون خيارات أخلاقية، وبالتالي لا يمكن إسناد المسؤولية الأخلاقية إليهم بشكل صحيح. … ولكي تكون هناك مسؤولية أخلاقية، ينبغي أن يكون هناك اللوم الذي ينطوي على قرار خاطئ أخلاقيًا، وهذا يمكن أن يحدث فقط على المستوى الفردي.

(Downie 1969, p. 67)

ويذهب (چان نارڨيسون) بعيدًا في هذا السياق إلى القول بأن من يُلصق ويُلحق بهم اللوم الأخلاقيّ ينبغي أن يكونوا أفرادًا، لأن الأفراد فقط هم من لديهم الفعل الأخلاقيّ. ويُسَطِّرُ (نارڨيسون) قائلاً: “لا شيء آخر يمكن أن يكون حرفياً هو من يحمل المسؤولية كاملًة”(Narveson 2002, p. 179) . يتبين أن كلمة “حرفياً” هنا مهمة لأولئك الذين يكتبون عن المسؤولية الجماعية. لأنها تتناقض مع المعنى الذي يتشاركه (نارڨيسون) وآخرون بأننا قد نكون في النهاية قادرين على استيعاب المسؤولية الجماعية بمصطلحات مجازية من خلال تناول الفعل الأخلاقيّ الفرديّ، بما في ذلك كل من الفاعل المتسبب واللوم الأخلاقي، كاستعارة للفعل الجماعيّ لـهذا النوع المتعلق بالمسؤولية الأخلاقية المفهوم عُرفًا.

ويعتمد المدافعون عن المسؤولية الجماعية على ضروب من الاستراتيجيات الفلسفية لفضح الادعاءات المذكورة أعلاه، ولتبرير كلٍ من إمكانية المسؤولية الجماعية في بعض الحالات، إن لم يكن جميعها، وترابط وتماسك المسؤولية الجماعية كبناء فكريّ. وإحدى هذه الاستراتيجيات ما زالت بوضوح تشير إلى أننا نضع اللوم على الجماعات طيلة الوقت من الناحية العملية، وأننا نفعل ذلك بطريقة يصعب تحليلها وفقًا لمبادئ الفردية المنهجية. ويستخدم (ديڨيد كوبر)، من بين آخرين، هذه الاستراتيجية لإحداث تأثير كبير في دفاعه عن المسؤولية الجماعية. ووفقًا لـ (كوبر)، “ثمَّة نقطة واضحة يجب الاعتراف بها وهذه النقطة الواضحة هي أن المسؤولية تُنسب إلى الجماعات، وكذلك إلى الأفراد. ومواقف اللوم يتم القاءها تجاه الجماعة وكذلك تجاه الأفراد”  (Cooper 1968, p. 258.).

وتركز (ديبورا تولِفسِن) (Tollefsen, 2003) انتباهها إلى حقيقة أننا نعبر عن مواقف تفاعلية مختلفة تجاه الجماعات، على سبيل المثال، الغضب والاستياء والسخط الأخلاقي. وتتساءل كيف يمكننا فهم هذه المواقف؟ وتؤكد بأنه لا يمكننا القيام بذلك بمجرد افتراض أنَّ عواطفنا تخفق هنا وأنَّ مواقفنا موجهة حقًا تجاه أفراد الجماعات بدلاً من الجماعات ذاتها. وبدلاً من ذلك، علينا ان ندرك أنه في أطار ممارساتنا للمسؤولية الأخلاقية تتمتع الجماعات بالقدرة على التعامل الأخلاقي وإظهار الكفاءة الأخلاقية.

لكن بالطبع إِنَّ ممارساتنا للمسئولية الأخلاقية، وكذلك المواقف التفاعلية التي تقوم عليها، قد لا تكون مبررة. ويعترف (كوبر) نفسه بأن كلاً من استخدامنا للغة هنا ومواقف إلقاء اللوم لدينا قد تكون مُضللة. ومن ثمَّ، فقد وجدوا أنه من الضروري أن يُظهروا، ليس فقط أننا نلقي اللوم على الجماعات في الممارسة العملية، ولكن أن اللوم الجماعي الذي ننسبه لا يمكن تحليله من حيث اللوم الفردي. ويأخذ (كوبر) على عاتقه هذا المشروع من خلال استعراض حالات معينة من اللوم، على سبيل المثال، تلك المرتبطة بالأندية والأمم الرياضية، والتي، كما يقول، يمكن أن ترتبط فقط بالجماعات.

وبناءً على ما يورده (كوبر)، فعندما ننظر إلى كيفية عمل مثل هذه الجماعات، نرى أنه سواء اعتبرنا الأقوال والتصاريح حول الجماعات أفعالاً مقترحة أم لا، فلا يمكننا أن نستنتج منها بيانات حول أفراد معينين. ويؤكد قائلاً: “هذا صحيح، لأن وجود جماعة يتوافق مع العضوية المختلفة. فليست هناك مجموعة محددة من الأفراد ضرورية لوجود الجماعة (Cooper 1968, p. 260).

وعلى نفس الخطى والمنوال، يركز (بيتر فرينش) على تلك الفئة من الإسنادات التي يؤكد أنها لا تنطبق إلا على الجماعات. يقول (فرينش):

ثمَّة فئة من الإسنادات التي لا يمكن أن تكون صحيحة بالنسبة للأفراد، والتي يمكن أن تنطبق فقط على الجماعات. والأمثلة على مثل هذه الإسنادات مستفيضة … وتشمل ” المتفككة والتي تم حلها” (معظم الاستخدامات)، و “خسارة لعبة كرة القدم”، و “انتخاب رئيس”، و “تمرير تعديل لقانون”.… فالفردية المنهجية ستكون متحيرة في هذا السياق. (French 1998, p. 37)

وغالبية أولئك الذين يدافعون عن إمكانية الأفعال الجماعية في هذا السياق يعتمدون على التحليلات اللغوية. لكن هناك أيضًا أولئك الذين، مثل (لاري ماي)، يلجأون بدلاً من ذلك إلى النظرية الاجتماعية والتقاليد الوجودية. ويستخدم (ماي) نفسه نظرية (چان بول سارتر) للعلاقات ليؤكد أنَّ الجماعات يمكن أن تُنسب بشكل شرعي إلى أفعال في الحالات التي يرتبط فيها الأفراد ببعضهم البعض ويتصرفون معًا بطرق لن تكون ممكنة إذا تصرفوا بمفردهم. ويحدد (ماي) شرطين قائمين على العلاقات يمكننا بموجبهما أن نقول بشكل شرعي عن الفعل أنه جماعي وليس فرديًا — وهو ما يعني بالنسبة لـ (ماي)، ليس فعلاً من خلال الفرد، بل فعلاً مرتبطًا بعلاقة. والشرط الأول هو أن يكون الأفراد المعنيون مرتبطين ببعضهم البعض حتى يتمكن كل منهم من التصرف بطرق لا يستطيعون إدارتها بمفردهم. والثاني هو السماح لبعض الأفراد بتمثيل أفعالهم كأفعال الجماعة ككل (May 1987, p. 55)..

وماذا عن طوايا ومقاصد الجماعة؟ ليس مستغربًا أن تمثل مقاصد الجماعة تحديًا أكبر عمَّا تؤديه أفعال الجماعة. لأن المقاصد بمثابة حالات ذهنية، وبالتالي فهي ليست أنواع الأشياء التي يُعتقد عادةً أنها قابلة للمشاركة. فهل يمكن مشاركتها؟ ووفقًا لما يقوله (بروك سادلر) وآخرون، فإن السؤال محير بطبيعته. لأنه، “إذا كانت المقاصد والطوايا حالات عقلية، أيّ حالات تلعب دورًا أساسيًا في المداولات العملية للفاعل وإرادته، فإن احتمالية المقاصد المشتركة تقدم شبح الحالات الذهنية المشتركة وبالتالي العقول المشتركة” — وهو الشيء الذي يأمله الفلاسفة تقليديًا أن يتجاوزوه ويخلفوه وراءهم (Sadler 2006, p.115).

وبالفعل، فإن احتمالية أن تتطلب المسؤولية الجماعية، ليس فقط أفعالاً ومقاصد جماعية، بل رأيًا وفكرًا جماعيًا، قد أُثبِت أنه أحد أكبر التحديات لمن يريدون الحفاظ على فكرة المسؤولية الجماعية. لأنه بينما يمكن القول بشكل شرعي أن الجماعات لديها معتقدات وحالات أخرى مميزة للعقل في حالات معينة، على سبيل المثال، وعندما يتم تنظيم الجماعة حول هذه المعتقدات، فلا يبدو أن لديها آراءً وأفكارًا بأي حال بخلاف قدرتها على الاعتماد على آراء وأفكار الأفراد. وكما يؤكد (ديڨيد سوسا) قائلاً: “يمكن القول إن الجماعات لديها رأي (فكر) أو إرادة، ولكن فقط بمعنى اشتقاقيّ ثانويّ؛ إِذ أنَّ الأشخاص الذين هم أعضاء في الجماعة لديهم آراء، وآراء الجماعة (بأي معنى لها، هي معتقداتها وتطلعاتها) وهي بمثابة نوع من البناء مستمدًا من تلك الآراء”(Sosa 2007, p. 215).

لكن هل يتطلب وضع مقصد مشترك أن نتحدث عن الفكر أو العقل الجماعي أو، في هذا الصدد، عن موضوع أخلاقي موحد؟ يبدو أن (مايكل براتمان) قد طَوَّرَ رؤية متماسكة للمقاصد والطوايا الجماعية التي لا تتطلب منا الذهاب إلى أبعد من هذا الحد. ووفقًا لـ (براتمان)، يمكننا التحدث عن المقاصد الجماعية كمقاصد مشتركة بين أعضاء الجماعة.

نعتزم القيام بفعل ما، إذا: (1) (أ) أنوي أننا نحن (چيه) و (ب) وأنت تنوي أننا نحن ( فلان و (2) أنا أنوي أننا نحن(چيه) بالاتفاق مع ولأجل (1) (أ) و (1) (ب) والمخططات الفرعية المتشابكة لـ (1) (أ)، (1) (ب)، وأنك أنت تنوي بالمثل. (3): (1)و (2) هي المعرفة المشتركة بيننا. (Bratman 1999:121)

وفي كتابه الموسوم: الفعل المشترك: نظرية التخطيط للعمل معًا (براتمان 2014)، يربط (براتمان) هذه المقاصد المشتركة بنمط من المقاصد والمعتقدات العادية التي تنسق نشاط العديد من الأفراد بطريقة مماثلة لتلك التي تنسق بها مقاصد الفرد نشاطه خلال الوقت. وهنا، مرة أخرى، يقدم (براتمان) المقاصد المشتركة كمسألة لــ “ربط الخطط الفرعية.” ووفقًا لما يقوله (براتمان)، فإن القول بأن لدينا “مقاصد مشتركة لـ (چيه)، حيث يكون (چيه) نشاطًا مشتركًا، يعني أن “لكل منا مقاصد بأننا نحن (چيه)، وأن كل منا يعتزم بأن نحن (چيه) من خلال كل مقصد من مقاصدنا عن طريق الخطط الفرعية التي تتشابك”(Bratman 2014, p. 103) .

ويقدم )براتمان( تفسيرًا مقنعًا للغاية للمقاصد المشتركة هنا، ومن خلال أخذ نظرية التخطيط الخاصة به للفعل الفرديّ إلى مجال النشاط المنسق، يُمكن تحديد وتوضيح ممارسة الفعل المشترك الذي يصل إلى مركز أنواع مختلفة من الأنشطة الجماعية. ولكن ماذا عن المسؤولية الجماعية؟

ثمَّة أمران مهمان للتأكيد عليهما هنا. بادئ ذي بدء، لم يشرع (براتمان) في تفسيره للعقل الجماعي. وبدلاً من ذلك، أخذ في تفسير المقاصد الجماعية. ثانيًا، على الرغم من أنه يقترح في كتابه: الفعل المشترك: نظرية التخطيط للعمل معًا بأنه يمكننا التفكير في النشاط المشترك على أنه نشاط فعل الجماعة، إلا أنه يوضح أنه لا يطرح موضوعًا جماعيًا من النوع الضروري لإسناد وعزو أحقية اللوم الأخلاقيّ للجماعة نفسها باعتباره فعلاً وعاملاً أخلاقيًا. 

وتشير كلتا النقطتين معًا إلى أنه بينما تقدم لنا نظرية (براتمان) طريقة مفيدة جدًا لفهم كل من المقاصد الجماعية والأنشطة المنسقة من مختلف الأنماط، بالإضافة إلى أساس لفهم طبيعة التداول المشترك والتفكير المشترك، إلا أنها لا تتيح لنا أساسًا الحديث عن المسؤولية الأخلاقية كعامل أخلاقي جماعي، أو في هذا الصدد، عن موضوع أخلاقي موحد. بل لم تكن النظرية مصممة للقيام بذلك أيضًا.

كيف يمكن أن نتحدث على الإطلاق عن نوع الفاعل الأخلاقي الجماعي و / أو الذات الأخلاقية الجماعية الموحدة التي تتطلبها المسؤولية الأخلاقية الجماعية؟ من المثير للاهتمام أن المدافعين عن المسؤولية الجماعية كثيرًا ما يعودون هنا إلى أعمال (دوركهايم) (1895) و(سيميل) (1971)، وكذلك إلى أعمال (سارتر) (1960)، كي يستمدون الإلهام، على الرغم من أنهم هم أنفسهم يباشرون التحليل. تقوم (مارغريت غيلبرت)، التي وضعت أسس العديد من أدلتها في نظرية (دوركهايم) عن الحقائق الاجتماعية، بتطوير ما تسميه “تفسير متعدد الموضوعات” للمقاصد المشتركة لتبرير تماسك المسؤولية الجماعية (Gilbert 1989, 2000, 2006 and 2013) .

وهي تفعل ذلك إلى حد كبير من خلال التركيز على الالتزامات المشتركة. ووفقًا لما تقوله (غيلبرت)، توجد مقاصد الجماعة عندما يشكل شخصان أو أكثر موضوع الجمع لنية تنفيذ عمل معين، أو بعبارة أخرى، عندما “يلتزمون بشكل مشترك بقصد أن يكونوا كيانًا للقيام بـعمل ما”(Gilbert, 2000, p. 22). ويمضي (دڨيد ڨيليمان) في التأكيد على الطبيعة الموحدة لهذا الموضوع الجَمعِيّ. فيكتب قائلاً: “إنه موضوع جَمعِيّ حقيقيّ” يتضمن “شخصين أو أكثر يتحدان بطريقة لعمل موضوع واحد” (Velleman 1997) ويوضح كلٌ من (غيلبرت) و(ڨيلمان) أن الموضوع الأخلاقي الموحد مطلوب من أجل المسؤولية الأخلاقية الجماعية.

وبينما يتيح لنا (غيلبرت) و(ڨيلمان) رؤية مُقنعة للموضوع الجَمعِيّ، يبقى سؤالان. هل موضوعهم الجَمعِيّ يشكل موضوعًا أخلاقيًا موحدًا من النوع الذي يمكن أن يوجه له اللوم أخلاقيا على إحداث الأذى؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل نوع اللوم الأخلاقي المرتبط بمثل هذا الموضوع الأخلاقي الموحد هو نفسه في حالة الجماعة كما هو الحال في حالة الفاعلين الأخلاقيين الفرديين؟ نعالج هذه الأسئلة في القسم الخامس.

يكفي أن نشير هنا (كما تدرك غيلبرت نفسها) إلى أن مثل هذا الموضوع الأخلاقيّ الموحد ضروريّ للمسؤولية الأخلاقية الجماعية، وأن موقع الموضوع الجَمعِيّ ليس الطريقة الوحيدة لفهم الفاعل الأخلاقي الجماعي. يختار (رايمو توميلا) (1989, 2005, 2006 and 2013) استراتيجية مختلفة نوعًا ما في دفاعه عن المسؤولية الجماعية. فيطرح ما يسميه “مقاصدنا وطوايانا”. ومثل (غيلبرت)، فهو يبني موضوعًا جماعيًا على أساس الالتزامات المشتركة، ثم يطبقه على مفهوم المسؤولية الجماعية. لكنه لا يؤكد، مثل (غيلبرت)، على الطبيعة التعددية لهذا الموضوع. بدلاً من ذلك، يؤكد بأن الفعل الجماعيّ المتعمد يتبع ويتلو الفعل المتعمد الفرديّ بطرق تسمح لنا بالتحدث عن كل من المقاصد الجماعية والأفعال الجماعية. ووفقًا لما يقوله (توميلا)، فإن الأفعال التي تقوم بها الجماعات تتبع تصرفات وأفعال الأعضاء الفاعلين في الجماعة بنفس الطريقة التي تجعل منها خصائص جماعات معينة، مثل مقاصدهم ومعتقداتهم ورغباتهم، “مجسدة في” و “تحددها” آفاق خصائص الأفراد أو ممثلي الجماعة المعنية محل البحث والدراسة (Tuomela 1989, p. 494) .

مما يثير الاهتمام أن محاولة (توميلا) هنا لإنقاذ المسؤولية الجماعية من خلال طرح مثل هذا الموضوع التمثيلي تعيد إلى الذهن الجهود التي بذلها (توماس هوبز) لإنشاء موضوع جَمعِيّ في مظهر ليڨياثان (دولة شمولية بها دَوَاوِينيّة هائلة/ حيوان بحري ضخم) (1651). وفي محاولة لشرح السيادة بشكل عام ولتبرير شرعية النظام الملكي الإنجليزي بشكل خاص، وضع (هوبز) سلطة أعلى في المجتمع — ليڨياثان — التي أصبحت إرادتها، وأفعالها / مثل رعاياه/ رعاياها نتيجة لنقل أفعالهم إليه / إليها كجزء من النوع الوحيد من العقد الاجتماعي الذي جعل الحياة الجماعية ممكنة من منظور (هوبز). لم يمثل موضوع (هوبز) الجماعي أعضاء المجموعة فحسب، بل استحوذ على كيانهم كأعضاء في ليڨياثان.

يتذكر المدافعون المعاصرون عن المسؤولية الجماعية أحيانًا تصور(هوبز) الليڨياثانيّ في محاولتهم الخاصة لتطوير موضوع جماعي (انظر على سبيل المثال “كوب” 1980) (see for example: Copp 1980). لكنهم، في ضوء استبداد (هوبز) نفسه، لا يذهبون إلى حد قبول حجة (هوبز) بأن ليڨياثان ضروري للاستحواذ على الإرادة الجماعية. كما أنهم لا يعبثون بإمكانية إعادة تقديم إرادة (روسو) العامة التي تبدو أكثر فائدة على ما يبدو (1762) كطريقة لتأييد المقاصد الجماعية. وبدلاً من ذلك، فهم يبحثون عن طريقة بديلة، أقل استبدادية، لإثبات المقاصد الجماعية— سواء كانت تمثيلية أم لا — أو بطريقة أخرى يؤكدون بأن المقاصد الجماعية من النوع المرتبط بالمفاهيم الكانطية التقليدية للفاعل الأخلاقيّ وبأنها ليست ضرورية فوق كل شيء عن المسؤولية الأخلاقية الجماعية.

ويقدم (لاري ماي) واحدة من أكثر الحجج إثارة للاهتمام لهذا النوع الأخير في دفاعه عن الفاعلية الأخلاقية الجماعية (May 1987, 2006 and 2010). ويرفض (ماي) العديد من الروايات المذكورة أعلاه عن المقاصد الجماعية باعتبارها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمفاهيم الكانطية للعمل الأخلاقيّ. لكنه لا يتخلص من المقاصد الجماعية كشرط ضروري للمسؤولية الجماعية. كما أنه لا يقبل منهجية جماعية كاملة. وبدلاً من ذلك، يعيد صياغة المقاصد الجماعية ضمن نظرية لما يسميه التبعية المتبادلة، وبذلك، يطور نظرة عامة حول المسؤولية الجماعية التي لا تجمع بين الفردية والجماعية فحسب، بل تضع العلاقات والهياكل الاجتماعية في مركز اهتمامنا. يصبح التحدي هنا هو وصف لما تبدو عليه مقاصد هذه الجماعة في الواقع.

ويعتمد (ماي) في هذا السياق مرة أخرى على عمل (سارتر) ليطور تفسيره للمقاصد الجماعية ويطرح ما يسميه “مقصد أو نيَّة ما قبل التأمل”، أي “مقصد لم يؤثر فيه أيّ من أعضاء الجماعة”(May 1987 p. 64). ويوضح (ماي) هنا أن المقاصد الجماعية من هذا النوع تنشأ من العلاقات بين أعضاء معينين في الجماعة وليس من أي عضو في الجماعة. ومن ثمَّ، حيث أنهم ليسوا من خلال الفرد أو جماعيين بأي معنى يتفوق تمامًا على الأفراد، فيمكن معاملتهم “كما لو كانوا جماعيين” (May 1987 p. 64).

فضلاً عن ذلك، فإن هذه المقاصد، كما يوضح (ماي)، ليست نوايا فردية ولكن جماعية. “نظرًا لأن كل عضو في المجموعة يصبح لديه نفس النيّة، إما بشكل تأمليّ أو سابق التأمليّ”، فهي “تختلف عن مقاصدهم الفردية”. في الواقع، “تشابه المقصد هو أمر جماعي بمعنى أنه ناجم عن هيكل المجموعة، أي أنه قائم على المجموعة”(May 1987, p. 65) . والسؤال المطروح على (ماي)، كما هو مطروح على الآخرين، هو ما إذا كانت “تشابه النيّة أو المقصد” كافيًا للحديث عن عامل أخلاقي جماعي جدير باللوم.

في حين أن العديد من أولئك الذين يدافعون عن إمكانية المسؤولية الأخلاقية الجماعية لا يتطرقون لشروط اللوم الأخلاقي الجماعي، فقد قام (لِست) و(بيتيت) عام (2011)، في عمل مهم حول هذا الموضوع، بتوسيع الاستفسار حول الفعل الأخلاقيّ الجماعيّ إلى عالم المساءلة القانوني والسياسي والأخلاقي. يؤكد كلُ من (لِست) و(بيتيت) بأن الجماعات يمكن أن تفي بمتطلبات الفعل الأخلاقيّ بمقتضى حقيقة أنها “لديها حالات تمثيلية وحالات تحفيزية وقدرة على معالجتها والتصرف على أساسها”(List and Pettit 2011, p. 21). وبالمثل، فإنهم يؤكدون بأن الجماعات يمكن أن يكون لها التزامات واستحقاقات وعلاقات قوة لم يلحظها أحد حتى الآن وتتطلب اهتمامنا الأخلاقي.

كما يكرس (لِست) و(بيتيت) قدرًا كبيرًا من اهتمامهما لكيفية استخدام اعترافنا بهذه الالتزامات والاستحقاقات وعلاقات القوة لإعادة عمل المؤسسات المختلفة في المجتمع المعاصر. لكنهم لا يتجاهلون مسألة اللوم الأخلاقي الجماعي. كما أنهم لا يفترضون حقيقة أن مثل هذا اللوم ينبع تلقائيًا من الفعل الأخلاقيّ الجماعيّ. وبدلاً من ذلك، يوضحوا أنه من أجل إِلحاق اللوم بجماعة ما أخلاقياً، ينبغي أن ترتبط أفعالها بـ “مسألة خطيرة”؛ فيجب أن يكون لدى الجماعة “معرفة كاملة بالذنب أو الجرم”؛ وينبغي أن تكون هناك “موافقة كاملة للإرادة” (List and Pettit 2011, 155). ويعتقد كلٌ من (لِست) و(بيتيت) أنه يمكن تلبي بعض المجموعات هذه الشروط على الأقل. فهل هم على صواب؟

وبينما يقدمون دليلاً مقنعًا على أن بعض المجموعات على الأقل يمكن أن تفي بالشرطين الأولين، فإننا نحتاج، مرة أخرى، إلى القلق بشأن الشرط الثالث، أي ما يتعلق بعناد وتعنُتْ أو سيطرة الفاعل الجماعي. وبعباراتهم الخاصة وما تفوهوا به، فإنَّ “السؤال الذي يطرحه الشرط الثالث هو ما إذا كان الفاعل الجماعيّ يتحكم في الإجراءات والأفعال التي يتخذها حتى نتوقع أن يكون حكمه المعياري، على سبيل المثال، قادرًا على التأثير على سلوكه”(List and Pettit, 2011, 159). كيف يمكن لجماعة، تتجاوز أعضائها، أن تمارس هذا المستوى من السيطرة؟ لا يجيب (لِست) و (بيتيت) على هذا السؤال. وبدلاً من ذلك، فقد أوضحوا (بشكل صحيح) إلى أن السؤال ليس أكثر جدية بالنسبة للجماعات مما هو للأفراد.

يحتاج مفهوم التحكم هذا إلى التحليل في أي نظرية كاملة عن الفعل، ولكن نظرًا لأن المشكلة تنشأ مع الفعل الفرديّ بقدر ما تظهر مع الفاعل الجماعيّ، فنحن لا نحتاج إلى تقديم هذا التحليل هنا. لا يكمن التحدي بالنسبة لنا في شرح ماهيّة سيطرة الفاعل، بل إظهار أنه لا يوجد سبب خاص لسببية هذا التحكم، أيًّا كان ما ينطوي عليه، فلا ينبغي أن يُدرج مع الفاعل الجماعيّ بقدر ما هو في الفرد (List and Pettit, 2011, 159).

لكننا إذا أردنا تبرير إمكانية اللوم الأخلاقي الجماعي، فلا يمكننا الاكتفاء بمعرفة أن مسألة السيطرة ليست أكثر خطورة بالنسبة للجماعات مما هي بالنسبة للأفراد. وبدلاً من ذلك، علينا أن نعرف ما الذي يستوجبه التحكم الجماعي في هذا السياق وما إذا كان ذلك ممكنًا. بعبارة أخرى، يتعين علينا تطوير نوع تفسير التحكم الجماعيّ الذي يعتبره كلٌ من (لِست) و (بيتيت) أمرًا مهمًا، بالإضافة إلى تفسيرهما لــ “أيًّا كان ما ينطوي عليه هذا التحكم” الذي يستشهدون به.

وفي حين أنَّ (لِست) و (بيتيت) لا يقدمان لنا أيّ من هذه الأشياء (تاركين إمكانية اللوم الأخلاقي الجماعي معلقًا لم يتقرر)، إلا أنهما يطرحان نقطتين مترابطتين مهمتين. الأولى: هي أن التحكم أو السيطرة في هذا السياق لا يحتاج إلى الاستقرار في الجماعة أو في الأفراد. وبدلاً من ذلك، يمكن أن يتواجد في كلا المكانين في وقت واحد، وإن كان ذلك بأشكال مختلفة: “أسباب البرمجة” مقابل “تنفيذ الأسباب” (List and Pettit, 2011, p.162).

والثانية: هو أننا نحتاج إلى التفكير، ليس فيما إذا كانت الجماعات مسؤولة أخلاقيا عن الضرر فحسب، ولكن فيما إذا كان ينبغي علينا اعتبارهم مسؤولين أخلاقيًا عن الضرر، وإذا كان الأمر كذلك، ففي ظل أيّة ظروف. لا يتبع (لِست) و(بيتيت) نهجًا لتحمل العواقب بالكامل تجاه المسألة الأخيرة. لكنهما يؤكدان النتائج الإيجابية التي يمكن أن تنجم عن الجماعات المسؤولة أخلاقياً في حالات معينة، ألا وهي العواقب التي تتراوح من “إدراكنا … للملامح الحقيقية للعالم الأخلاقي والسياسي الذي نعيش فيه” (List and Pettit 2011, p. 185)  لإقناع أعضاء المجموعة بالتخلي عن السلوكيات الضارة للتنشئة الاجتماعية لأعضاء الجماعة للتصرف بمسؤولية أكبر في المستقبل. نناقش هذه النتائج وغيرها بشكل كامل في القسم السادس.

3. المسؤولية الجماعية وهيكل الفِرق أو الجماعات

في حين أن (فرينش) و(غيلبرت) و(ماي) وغيرهم ممن يركزون على استرداد المسؤولية الجماعية كبناء فكري يفعلون ذلك من خلال الدفاع عن تماسك الأفعال الجماعية ومقاصد الجماعة، فإنهم لا يذهبون إلى حد التأكيد على أن جميع أنواع الجماعات قادرة على التصرف والقصد جماعيا. كما أنهم لا يذهبون إلى حد التأكيد على أنه يمكن استيعاب جميع أنواع الفرق أو الجماعات على أنها مسئولة جماعيًا عن إحداث الضرر. بدلاً من ذلك، يؤكدون أن أنواعًا معينة فقط من الجماعات أو الفرق قادرة على التصرف والقصد بشكل جماعي وأن أنواعًا معينة فقط من الجماعات هي القادرة على تحمل المسؤولية الجماعية عن الضرر. فما هي أنواع هذه الفرق أو الجماعات؟

كان النهج المتبع والأكثر شيوعًا للتمييز بين المواضع المناسبة وغير المناسبة للمسؤولية الجماعية هو التركيز على الدول والمؤسسات والجماعات الأخرى التي لديها إجراءات اتخاذ قرارات جيدة التنظيم، حيثُ يقال أنَّ هذه المجموعات، بمقتضى إجراءات اتخاذ القرار المنظمة جيدًا، قادرة على إثبات شيئين غالبًا ما يُفترض أنهما ضروريان للمسؤولية الجماعية. الأول هو مجموعة من الأفعال الجماعية التي لها فاعل أخلاقي يمكن تحديده خلفها، على سبيل المثال، مجلس إدارة أو هيئة تمثيلية، قادرة على تنفيذ عمل جماعي. والثاني هو مجموعة من القرارات التي يتم اتخاذها بوعي ذاتي على أساس عقلاني — أو على الأقل عمدًا— من قبل الجماعة أو الفرقة التي تتخذ شكل نوايا الجماعة أو خياراتها.

يعتبر (بيتر فرينش) أنَّ المجموعات التي يتم تنظيمها بشكل كبير هي مواقع مناسبة بشكل خاص للمسؤولية الجماعية؛ بسبب ثلاث سمات بارزة يتشاركونها جميعًا. أولها بمثابة سلسلة من الآليات التنظيمية التي يمكن من خلالها اختيار مسارات العمل المتضافر، وإن لم يكن بالضرورة، على أساس عقلاني. وثانيها: هو مجموعة من معايير السلوك المطبقة للأفراد والتي تكون أكثر صرامة من تلك التي يُعتقد أنها تطبق في المجتمع الأكبر للأفراد، وهي بمثابة معايير تمكننا من التحدث عن كلٍ من سلوك المجموعة والانضباط الجماعي. وثالثها: هو تكوين “أدوار محددة يمكن للأفراد من خلالها ممارسة سلطات معينة”(French 1984, pp. 13–14) . وتشير كل هذه السمات الثلاث، بناءً على ما يقوله (فرينش)، إلى وجود إجراءات هادفة وخاضعة للرقابة قادرة على جعل المجموعات مسؤولة بشكل جماعي عن الضرر.

ويتمثل النهج الثاني لتحديد المواقع المناسبة للمسؤولية الجماعية في استخدام جماعات مثل الجماعات العرقية والنوادي والحركات الاجتماعية كحالات نموذجية للمسؤولية الجماعية المناسبة على أساس أن هذه الجماعات او الفرق لديها أعضاء يتشاركون المصالح أو الاحتياجات المشتركة. هناك افتراضان يسودان هنا. الأول هو أن الجماعات التي يشترك أعضاؤها في الاهتمامات أو الاحتياجات تظهر علامات على التضامن الجماعي، وهو ما يعرِّفه (چويل فاينبرج) في هذا السياق على أنه مسألة أفراد يهتمون بشدة بمصالح بعضهم البعض (Feinberg 1968) . والثاني هو أن الجماعات التي تظهر علامات على التضامن الجماعي ومفهومة بهذه الطريقة قادرة على التصرف والإصرار بالمعنى المرتبط بالمسؤولية الجماعية، حيث أنها تتكون من أفراد، فهي تُباشر المشاريع معًا.

ليس مستغربًا أن يُعتقد عمومًا أن التضامن الجماعي موجود في المقام الأول في كلتا الحالتين حيث يُعرِّف أعضاء الجماعة أنفسهم كأعضاء في الجماعة، ويؤكدون اهتماماتهم واحتياجاتهم المشتركة أو في الحالات التي يُظهر فيها أعضاء الجماعة وعيًا جماعيًا إلى الحد الذي يميلون فيه إلى الشعور بالفخر أو الشعور بالعار في تصرفات المجموعة دون تحريض. لكن، وفقًا لبعض أولئك الذين يستخدمون مفهوم التضامن الجماعي هنا على الأقل، على سبيل المثال، (لاري ماي) (1987) و (هاوارد ماكغاري)(1986)، فإِنَّ التضامن الجماعي لا يتطلب وعيًا ذاتيًا جماعيًا.

في الواقع، وفقًا لكلٍ من (ماي) و (ماكغاري)، يمكن فهم التضامن الجماعيّ على أنه موجود في ما يطلق عليه (ماكغاري) في جماعات ذات هيكل مهلهل”، مثل المجموعات العرقية المتميزة التي يقدم أعضاؤها الدعم أو المزايا لأعضاء آخرين بصفتهم في الجماعة، على الرغم من أنهم قد لا يفعلون ذلك، على حد تعبير (ماكغاري)، “ويعتبرون أنفسهم مهتمين بمصالح بعضهم البعض” (McGary 1986, p. 158). وفي هذه الجماعات، يؤكد (ماكغاري)، أن المنافع المتبادلة، وكذلك الممارسات المجهولة، دون علم أولئك الذين يشاركون فيها، تُبقي على أشكال من الاضطهاد مثل العنصرية والتمييز على أساس الجنس، وتشير إلى تضامن جماعي من النوع ذي الصلة بالمسؤولية الجماعية.

النهج الثالث هنا هو استطلاع المواقف المشتركة بين أعضاء المجموعة كشيء يجعل المجموعة نفسها موقعًا مناسبًا للمسؤولية الجماعية. فالمواقف التي تعتبر ذات صلة هنا بشكل عام هي تلك التي تسبب ضررًا جسيمًا في المجتمع وتتطلب قبولًا من العديد من الأفراد في المجتمع معًا حتى تكون فعالة، على سبيل المثال، مواقف مثل العنصرية والتمييز على أساس الجنس ومعاداة السامية. ويستشهد كلُ من (ماي) (1987)، و (ماكغاري) (1986)، و (مارلين فريدمان) (Friedman and May 1985)  وآخرون بهذه المواقف على أنها كافية لجعل فرق وجماعات مثل “الرجال” و “الأمريكيين البيض” مسؤولة بشكل جماعي عن اضطهاد النساء والأمريكيين السود في بعض، ولكن ليس في كل الحالات. أمَّا المدافعون الآخرون عن المسؤولية الجماعية، أمثال (بيتر فرينش)، يحجمون عن تجاوز الحد والشطط على أساس أن المجموعات المعنية ليست منظمة بما يكفي لتكون قادرة على الإبقاء على معنى الفعل الأخلاقيّ الجماعيّ حقًا  (French 1984) .

كل المناحي الثلاثة المذكورة أعلاه تأخذنا في اتجاهات مختلفة. ومن ثم، يُعتقد أحيانًا أن بينهم حالة تنافسية، إلا أنهم جميعًا يعتمدون على تمييز عام بين الجماعات الكلية والتكتلية. ويُسطِّرُ (بيتر فرينش) قائلاً: “أن الجماعة الكلية هي مجرد مجموعة من الناس” (French 1984, p. 5). إنها ليست، من وجهة نظر معظم الذين يكتبون الآن عن المسؤولية الجماعية، موقعًا مناسبًا للمسؤولية الجماعية. من ناحية أخرى، فإن الجماعة التكتلية هي “منظمة للأفراد بحيث لا يتم استنفاد هويتها من خلال اقتران هويات الأشخاص في المنظمة” (French 1984, p. 13). إذ أنها، من منظور معظم أولئك الذين يكتبون الآن عن المسؤولية الجماعية، موقعًا مناسب للمسؤولية الجماعية، لأنها، على النقيض من الجماعة المتكتلة، تمدنا بفاعل أخلاقي قادرٍ على العمل الهادف.

وفي حين أن معظم أولئك الذين يدافعون عن المسؤولية الجماعية كبناء أخلاقي يلتزمون بهذا التمييز بشكل عام، إلا أنهم لا يتفقون جميعًا على ما يُعد جماعة متكتلة فعليًّأ. في الواقع، ثمَّة اختلاف بالغ بين أولئك الذين يكتبون الآن عن المسؤولية الجماعية (بما في ذلك بعض الذين يتبعون الأساليب الثلاثة المذكورة أعلاه) حول نوعين معينين من الجماعات التي يبدو للبعض أنها جماعات متكتلة. أحد هذه الأنواع من الجماعات هم الغوغاء. والآخر هو ما تسميه (فيرجينيا هيلد) “مجموعة عشوائية من الأفراد”. لا يوجد لدى أي من هذين النوعين من المجموعات إجراءات لاتخاذ القرار في موضعه الصحيح بل لا يُظهر أعضاؤها الكثير من التضامن. ومن ثمَّ، عادة ما يتم رفضهم كمرشحين للمسؤولية الجماعية من العديد من أولئك الذين يجدون فكرة المسؤولية الجماعية مفيدة للغاية. ولكن هناك الذين يضعون كلا المجموعتين كمواقع مناسبة للمسؤولية الجماعية.

تؤكد (فيرجينيا هيلد) (Held 1970) بأن أعضاء الجماعات غير المنظمة يمكن أن يقال إنهم مسؤولون عن عدم اتخاذ إجراء كان من الممكن أن يمنع الضرر في الحالات التي كان من الممكن أن يفعلوا فيها شيئًا لمنع الضرر معًا، إلا أنهم اختاروا عدم القيام بذلك. والأمثلة الخاصة التي قدمتها هي أمثلة ضحايا العنف الذين تعرضوا للضرب أو القتل على مرأى من الغرباء المجتمعين من حولهم، الغرباء الذين هم أنفسهم ليسوا على صلة بالضحية ولا هم موجودون معًا كجزء من أي مشروع جماعي. ووفقًا لـما تقوله (هيلد)، في حين أن أيّاً من هؤلاء الأفراد ربما لم يتمكن من منع العنف بمفرده، كان بإمكانه منعه إذا كانوا قد نظموا أنفسهم في جماعة، أي تعاونوا مع بعض الآخرين على الأقل. وبالتالي، يمكن إلقاء اللوم عليهم كجماعة مسؤولة عن معاناة الضحايا و / أو موتهم.

كما تُقر (هيلد) هنا بأن إلحاق مسؤولية وقوع الضرر بجماعة عشوائية من الأفراد أصعب من إلحاق المسؤولية بجماعة منظمة، لأن الأخيرة، على خلاف المجموعة الأولى، لديها طريقة لتقرير كيفية التصرف، سواء كان ذلك خلال إجراء تصويت أو خلال مجموعة علاقات خاصة بالسلطة الهرمية. لكنها تؤكد بأنه ما زال بإمكاننا التمسك بالجماعة الأولى، أي تلك التي تسميها جماعة عشوائية من الأفراد، والمسؤولة عن العنف الذي يتعرض له الضحايا، لأنهم، إذا حاولوا، كان بإمكانهم اتخاذ مثل هذا القرار أنفسهم. وتُسَطِّرُ (هيلد) قائلةً: “في الأمثلة السابقة، يمكننا القول إن المجموعة العشوائية للأفراد كانت مسؤولة أخلاقياً عن الفشل في تحويل نفسها إلى مجموعة منظمة قادرة على اتخاذ الإجراءات بدلاً من التقاعس عن العمل” فيما يتعلق بمنع الضرر (Held 1970, p. 479).

وغالبًا ما يُعتقد أن الغوغائيين هم الجماعات الأخيرة التي يجب علينا إلحاق المسؤولية الجماعية بها. إِذ أنهم يفتقرون تمامًا إلى إجراءات اتخاذ القرار، ويبدو أن أعضائهم غير متماسكين، بل وغالبًا ما يكونوا فوضويين وطائشين، لكن (لاري ماي) (1987)، و(رايمو توميلا) (1989)، وآخرون يؤكدون أنّه يمكننا مع ذلك إلحاق المسؤولية الجماعية بالغوغائيين، إذا كان بعض أعضائهم على الأقل يساهمون بشكل مباشر في إلحاق الأذى، وآخرون إما يمهدون ويذللون هذه المساهمات، أو يفشلون في منعها. ففي هذه الحالات، يكون جميع الأعضاء الغوغائيين “متورطين” في الأعمال الغوغائية، حتى لو لم يتسببوا جميعًا في أضرار معينة، أو تم تنظيمهم معًا للقيام بذلك. ويؤكد (توميلا) (1989, 2005, 2006)، كما يؤكد (لو بون) (1896) قبله، بأن كلا من الحشود والمشاغبين بمثابة بؤرة مناسبة للمسؤولية الجماعية بمقتضى حقيقة أنهم يؤدون أعمالهم كأعضاء في جماعة، حتى لو كانوا لا يفكروا في قرارة أنفسهم أنهم يفعلون ذلك.

الحشود والمشاغبون … ليس لديهم الكثير أو أي هيكل (تقسيم المهام والأنشطة) … فيما يتعلق بأهداف ومصالح المجموعة. … ولكن يمكن القول إنهم يتصرفون بحسب تصرفات أعضائهم. … وهكذا في أعمال الشغب، يقوم أعضاء الجماعة عادة بأفعالهم المدمرة كأعضاء في جماعة دون التصرف نيابة عنها. (Tuomela 1989, p. 476)

ومما يثير الاهتمام، أنه في كلتا الحالتين—الجماعة الغوغائية وما تسميه (هيلد) مجموعات عشوائية من الأفراد — قد لا تكون المجموعات المعنية غير ذات صلة كما تقترح (هيلد) وآخرون. ففي الواقع، قد يكون السبب على وجه التحديد هو أن هذه المجموعات تتكون من أفراد يرتبطون ببعضهم البعض في عملية إحداث الضرر معًا (على الرغم من كونهم غرباء في الأصل) مما يجعلهم الآن بؤر مناسبة للمسؤولية الجماعية. يوحي (ستانلي بيتس) في حججه المعارضة الخاصة أن (هيلد) قد قدمت لنا مجموعة ليست عشوائية أو منفصلة كما يوحي مصطلح “عشوائي” عادةً، ولكن هذا “مرتبط” إلى مدى المجموعة التي يتشارك أعضاؤها تحديًا معينًا وقادرون على التواصل مع بعضهم البعض.(Bates 1971).

وفي جميع الأمثلة التي تم الاستناد إليها تقريبًا في المناقشات حول هيكل المجموعة والمسؤولية الجماعية، تتكون المجموعات المعنية من أعضاء على قيد الحياة. لكن في السنوات الأخيرة، تم بذل عدد من الجهود لإلحاق المسؤولية الأخلاقية بالجماعات عن الأفعال التي قامت بها الأجيال السابقة. تنزع قضية العبودية إلى احتلال مركز الصدارة هنا، وغالبًا ما تكون مصحوبة بأدلة تتعلق بجبر الضرر(التعويضات). وفي حين أن مثل هذه الجهود قد حدثت بشكل عام في الساحة القانونية، إلا أنها لم يتم استبعادها بالكامل من المناقشات الفلسفية المعاصرة بشأن المسؤولية الجماعية. في الواقع، في السنوات الأخيرة، شرعت مجموعة متنوعة من الفلاسفة في إسناد المسؤولية الأخلاقية إلى الجماعات التي لم يكن أعضاؤها الحاليون على قيد الحياة حتى عندما تم تنفيذ الأفعال السيئة المعنية قيد البحث والنظر، فعلى الرغم من أنهم، كما تشير (چانا طومسون)، “لم يولدوا عندما قد وقع الظلم مما يجعله سببًا وجيهًا للغاية لإنكار أي مسؤولية” (Thompson 2006, p. 155).

كيف يمكننا التفاؤل في إلحاق المسؤولية الأخلاقية بالجماعات عن الأفعال الشريرة للأجيال السابقة؟ يرى (فريد عبد النور) (Abdel-Nour, 2003)  أن التضامن المجتمعي كافٍ لجعل بعض أنواع الجماعات على الأقل مسؤولة أخلاقياً عن الأضرار التي سببتها الأجيال السابقة، خاصةً إذا كان هناك مستوى عالٍ من التماهي بين الأجيال واعتزاز المرء بأفعال أسلافه.

وليس مستغربًا أن تواجه هذه الأنواع من الأدلة مشاكل عندما تطرأ أسئلة عن الفعل. حيث إنَّه على الرغم من أن وجود التضامن والتماهي قد يسمح لنا بالتحدث عن جماعة ما بمرور الوقت وحتى وصف أفعالها بأنها خاطئة من الناحية الأخلاقية، إلا أنها لا تسمح لنا بافتراض نوع الفاعل المطلوب إلحاق المسؤولية الأخلاقية به كما هو مفهوم تقليديًا. إِذ أنه، كما يوضح (مايكل براتمان) في عمله الخاص حول المسؤولية الجماعية، تتطلب الأخيرة، ليس فقط مشاركة الأفراد في المقاصد والطوايا، ولكن أيضًا التفاعل معهم (See especially Bratman 2000).

بينما يبدو أن معظم أولئك الذين يكتبون عن المسؤولية الجماعية يتفقون مع (براتمان) هنا بشأن ضرورة التفاعل، إلا أنه لا يتفق جميعهم. تحتج (ليندا رادزيك) (Radzik 2001) قائلة أننا نحتاج فقط إلى إظهار أن أعضاء الجماعة الحاليين يستفيدون من ظلم سابق لتحميلهم المسؤولية عنه. ويقدم (لاري ماي) ادعاءات مماثلة في أرجاء عمله، بما في ذلك في أدلته بأن الرجال مسؤولون بشكل جماعي عن الاغتصاب وأنَّ ذوي البشرة البيضاء في الولايات المتحدة مسؤولون بشكل جماعي عن العنصرية (May and Strikwerda 1994).

ما هو موضع الانتفاع من الضرر في إسناد المسؤولية الجماعية؟ كما توضح (چانا طومسون) (2002، 2006)، فإن الاستفادة من الضرر ليس مثل التسبب فيه. ومن ثم فإن الفائدة — كما هو الحال عندما يستفيد الذكور من التمييز على أساس الجنس، والبيض من العنصرية — لا تبدو أنها مصدرًا مناسبًا للمسؤولية الجماعية عن الأفعال السابقة للآخرين. لكنها قد تكون مصدرًا مناسبًا للمسؤولية الجماعية عن إطالة أمد الضرر و / أو عواقبه في المستقبل. بعبارة أخرى، قد تكون مصدرًا مناسبًا للمسؤولية الجماعية عن الظلم في الحاضر والمستقبل، إن لم يكن عن الماضي —بما في ذلك المظالم التي بدأت بأخطاء سابقة.

بالإضافة إلى أنَّه في حين أن جماعات الأشخاص قد لا تكون مُرَشَحة جيدة لتحمل المسؤولية الأخلاقية عن مظالم الماضي، حيث تكون أنواع معينة من الكيانات الجماعية — على سبيل المثال، الدول والمؤسسات والديانات المنظمة. إذ بالنسبة إلى هؤلاء، فإن لديهم هيئات صنع القرار والعمليات التنفيذية وأنظمة المعتقدات التي تمتد بمرور الوقت. وتؤكد (ج. طومسون) (2006) بأنه يمكن استيعابها على أنها مواقع شرعية للمسؤولية الأخلاقية —على الرغم من أنه ليس من الواضح أن لديهم أنواع الفاعلين الذي نربطهم عادة بالمسؤولية الأخلاقية.

كيف، إذا لم يكونوا فاعلين أخلاقيين، يتسنى لـ (طومسون) أو أي شخص آخر التحدث عن جماعات مثل الدول والمؤسسات والديانات المنظمة، باعتبارها مسؤولة أخلاقياً؟ تشعر (طومسون) بالراحة عند الحديث عن هذه الجماعات باعتبارها مسؤولة أخلاقياً عن الضرر على أساس أنهم مثل الفاعلين الأخلاقيين. ووفقًا لـما تقوله (طومسون)، “سواء كانوا يعتبرون أشخاصًا أخلاقيين حقيقيين أو يتصرفون فقط كما لو كانوا كذلك، يبدو أننا، على الأقل في بعض الأحيان، لنا ما يبررنا في الحكم على هذه الجماعات وفقًا للمعايير التي نطبقها على الأشخاص الأخلاقيين” (Thompson, 2006, p. 158). لكن ليس واضحًا إذا ما كان التشابه قويًا بما يكفي للحفاظ على طبيعة هذه الجماعات كعوامل أخلاقية من النوع الذي نربطه عادةً بالمسؤولية الأخلاقية. لأن “التصرف كعنصر أخلاقي” لا يعني أن تكون فاعلًا أخلاقيًا. (وإذا كان المرء بالفعل فاعلًا أخلاقيًا، فلا داعي لبذا مزيد من الجهد في تحديد أوحه التشابه.

نقترح فيما يلي أن عدم احتمال أن تكون الجماعات فاعلة أخلاقيًا حقًا لا يعني أنه لا يمكن تحميلهم المسؤولية الأخلاقية عن الأذى. لكن هذا لا يعني أنه يتعين علينا إعادة التفكير في أنواع المسؤولية الأخلاقية التي نربطها بالجماعات بطريقة تجعل العوامل الأخلاقية من النوع الكانطي غير ضرورية.

4. هل يمكن توزيع المسؤولية الجماعية؟

تشير المسؤولية الجماعية إلى مسؤولية كيان جماعي، على سبيل المثال، مؤسسة، أو دولة قومية، أو نادٍ، عن الضرر في العالم. تشير المسؤولية المشتركة إلى مسؤولية أعضاء الجماعة عن مثل هذا الضرر في الحالات التي تصرفوا فيها معًا لإحداث الضرر. ترتبط المسؤولية الجماعية بعامل أخلاقي واحد وموحد. وترتبط المسؤولية المشتركة بالفاعلين الأخلاقيين الفرديين الذين يساهمون في الأذى كأعضاء في جماعة، إما بشكل مباشر من خلال أفعالهم الخاصة أو بشكل غير مباشر من خلال عضويتهم في الجماعة.

يحرص الفلاسفة الأخلاقيون والسياسيون المعاصرون عمومًا على التمييز بين المسؤولية الجماعية من جهة، والمسؤولية المشتركة والفردية، من جهة أخرى. لكنهم لا يخلفون الفاعلين الأخلاقيين الفرديين وراءهم تمامًا. في الواقع، بعد تحليل المسؤولية الجماعية كجزء من أخلاق الجماعة، غالبًا ما يضعون الفاعلين الأخلاقيين الفرديين في مركز اهتمامهم في محاولة لتمييز ما تعنيه المسؤولية الجماعية على مستوى الممثلين الأخلاقيين الفرديين. هل من الممكن، كما يتساءلون، أن يتحمل أفراد جماعة ما المسؤولية الجماعية عن الأضرار الجماعية في الحالات التي لم يتسببوا فيها بشكل مباشر؟ في الحالات التي لم يفعلوا فيها شيئاً للحيلولة دون وقوعها؟ إذا كان الأمر كذلك، ففي ظل أيَّة ظروف؟

وعلى الرغم من أن أولئك الذين يجيبون على هذه الأسئلة يميلون إلى التركيز على قابلية إحالة المسؤولية الجماعية وعلاقتها للفاعلين الأخلاقيين الفرديين بشكل عام لا يتجاهلون الأمثلة التاريخية الملموسة التي تكون فيها المسؤولية الأخلاقية لجماعات معينة من الأفراد موضع تساؤل. في الواقع، يضع جميع أولئك الذين يكتبون عن المسؤولية الجماعية ومسألة التوزيع مثل هذه الأمثلة التاريخية الملموسة للضرر في مركز تحليلاتهم للمسؤولية الجماعية في محاولة، ليس فقط لفهم المسؤولية الجماعية على أنها بناء مجرد، ولكن لتمييز ما إذا كانت جماعات معينة من الأفراد في التاريخ يمكن تحميلها المسؤولية الأخلاقية عن الأضرار التي تسببت بها جماعاتهم، سواء كانت تلك الجماعات مجموعات عرقية (“الألمان”)، أو قومية (“أمريكا”) أو جماعات العرقية (“البيض”).

كان كل من كارل چاسبرز (1961) وهانا أرندت (1987)، وكذلك إتش دي لويس (1948)، قلقين بشكل واضح في كتاباتهم بشأن المسؤولية الجماعية عما إذا كان يمكن تحميل الشعب الألماني مسؤولية جماعية عن جرائم النازية في الحرب العالمية الثانية أم لا؟ وكذلك كان سانفورد ليڨنسون (1974) وريتشارد واسرستروم (1971) وآخرون ممن قدموا أدلتهم الخاصة عن المسؤولية الجماعية في ضوء محاكمات نورمبرغ.

أثرت مذابح قتل الماي لاي في حرب ڨيتنام، جنبًا إلى جنب مع مقتل (كيتي چينوفيز) وفضائح مؤتلفة من أنواع شتى، على الكثير من العمل الفلسفي الذي تم إنجازه بشأن المسؤولية الجماعية خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، بما في ذلك تأثيرها على عمل كلٍ من (بيتر فرينش) و(لاري ماي) و(فيرچينيا هيلد)، وعلى الرغم من أن الاضطهاد الجماعي مثل العنصرية والتمييز على أساس الجنس أصبح مؤخرًا فقط موضع اهتمام أولئك الذين يكتبون عن المسؤولية الجماعية، إلا أنه يظهر الآن بشكل مهم في كتابات (لاري ماي) (1987، و 1992)، و (هاوارد ماكغاري) (1986) و ( مارلين فريدمان) (فريدمان وماي 1980)، و(أنطوني أبياه) (1987)، و(ديريك داربي) و(نيلا برانسكومب) (2012 و 2014).

في كل هذه المناقشات، السؤال الذي يطرح نفسه هو إذا ما كان يمكن تحميل المجتمع بأكمله — أو أجزاء كبيرة منه—المسؤولية عن الأضرار التي يسببها أعضاء جماعة معينة في الحالات التي لا يتسبب فيها جميع أعضاء الجماعة في الضرر بشكل مباشر. هل من المناسب تحميل جميع الألمان مسؤولية مقتل ضحايا معسكرات الإبادة خلال الحرب العالمية الثانية؟ وتحميل كل الأمريكيين الفظائع الوحشية لحرب فيتنام؟ هل يمكننا أن نلوم جميع الرجال بشكل شرعي على الاضطهاد القائم على أساس الجنس والعنف الجنسي الذي تتعرض له النساء في جميع المجتمعات؟ هل يمكننا إلقاء اللوم على جميع البيض في المعاملة العنصرية للسود في الولايات المتحدة؟ وماذا عن أعضاء هذه الجماعات الذين يبذلون قصارى جهدهم لمنع الضرر؟ هل يتم إعفاؤهم من اللوم لأنهم حاولوا إصلاح مجتمعاتهم أم أنهم مسؤولون، أيضًا، عن الضرر المعنيّ بحكم عضويتهم الجماعية؟

في حين أن الحجج والأدلة المقدمة في هذا السياق تميل إلى أن تكون مرتبطة بحالات معينة من الضرر الجماعي، إلا أنها مُعَدَّةٌ في معظمها إمَّا لوضع معايير عامة لتوزيع المسؤولية الجماعية بين أعضاء الجماعة، أو لإثبات أن المسؤولية الجماعية لا يمكن تقسيمها وتوزيعها في النهاية على الإطلاق. غالبًا ما تسير الأدلة الأخيرة على النحو التالي: فبينما تعمل الكيانات الجماعية عمومًا من خلال أعضائها الأفراد، إلا أن أفعالهم لا تتطابق مع أفعال أعضائها. كما أن فعلهم الأخلاقيّ ليست مجرد فعل أخلاقيّ بالنسبة لأعضائهم أو فعل أخلاقيّ لممثلي الجماعة. بدلاً من ذلك، فإن هذا الفعل — إذا أريد له أن يكون فعلاً أخلاقيًا جماعيًا حقًا — فعلاُ مرتبطًا بالجماعة نفسها، وبالتالي فهو ليس نوع الشيء الذي يمكن توزيعه خلال أعضاء الجماعة أو، في هذا الصدد، يرتبط بأي شيء آخر غير الجماعة نفسها. بعبارة أخرى، مثل هذا الفعل هو نوع الشيء الذي يكون بالضرورة موضوعه جماعيّ، وليس موضوع أفراد.

يقدم (بيتر فرينش) مثل هذه الحجة بنفسه في كتابه بعنوان: المسؤولية الفردية والجماعية (1998). لكنه يحذر من أن الطابع غير التوزيعي للمسؤولية الجماعية لا يعني أن أفراد الجماعة المسؤولة بشكل جماعي عن الضرر هم أنفسهم لا لوم عليهم. في الواقع، كما يدَّعي، سيكون العديد من أعضاء هذه الجماعة مسؤولين أخلاقياً عن جميع أنواع الأضرار التي تحدثها جماعتهم.

يجب ملاحظة أنه الجماعة (أ) جديرة باللوم بالنسبة للحدث (ن)، وأنَّ (أ) تتكون من (س)، (ص)، و(ع). سيكون تجاوزًا استنتاج أن (س)، (ص)، (ع) لا تجيز أي لوم على (ن)، أو أن (س)، (ص)، و(ع) لا تستوجب اللوم في حالة (ن). الهدف هو أنَّ مثل هذه الأحكام التي يتم تقييمها على أعضاء الجماعة لا تنبع بالضرورة من أحكام اللوم الجماعي. (French 1998, p. 25)

من الواضح أن الادِّعاء أعلاه منطقيّ إذا كنا نتحدث عن الحفاظ على المسؤولية الجماعية في إطار المسؤولية الجماعية في جهودنا لإسنادها في الممارسة العمليّة. لكننا قد نرغب في تخفيف الأمور هنا قليلاً ونقترح أن المسؤولية الجماعية هي الأساس الذي ننسب إليه المسؤولية لأعضاء الجماعة الفردية عن الضرر الذي تسببت فيه الجماعة نفسها. بعبارة أخرى، قد نرغب في اقتراح أن أعضاء الجماعة الفردية يمكنهم تحمل المسؤولية الجماعية عن أنفسهم كأشخاص، وفي هذه الحالة تتغير المسؤولية الجماعية وتصبح أقرب إلى المسؤولية الشخصية، وإن كانت المسؤولية الشخصية موجودة فقط لأن الفرد هو المسؤول عن الضرر. في كثير من الحالات، يبدو أن هذا ما يفكر به أولئك في الدوائر الفلسفية المهتمون بمسألة كيفية توزيع المسؤولية الجماعية كما يتصورونها بأذهانهم. كيف يحاولون توزيع المسؤولية الجماعية؟

وفي كتابه: قضية الجرم (الإدانة) الألمانية، يميز كارل ياسبرز (1961) بين الذنب الأخلاقيّ القائم على ما يفعله المرء والذنب الأخلاقي القائم على ماهية الشخص المنوط به. ويؤكد بأن هذا الأخير، الذي يسميه “الذنب الميتافيزيقي (فوق العادة)”، يمكن توزيعه على جميع أعضاء المجتمع الذين يقفون متفرجين بينما يتسبب رفقائهم في الأذى، مثل قتل اليهود. ففي هذا السياق، فإن كونك ملومًا أخلاقيًا على الأذى هو إلى حد كبير مسألة تعني الانتماء إلى مجتمع “شرير” دون تأكيد سلطات الفرد الأخلاقية فوق سلطة المجتمع لتطهيره من مثل هذا الشر. وفقًا لما يقوله (ياسبرز)، “يوجد هنا تضامن بين الرجال كبشر يجعل كل واحد مسؤولاً عن كل خطأ وكل ظلم في العالم، خاصةً عن الجرائم المرتكبة في حضوره أو بعلمه. إذا فشلت في القيام بكل ما يمكنني فعله لمنعهم، فأنا أيضًا أُعَدُّ مذنبًا”(Jaspers 1961, p. 36).

يحظى (ياسبرز) بالعديد من الأتباع المعاصرين، من بينهم (لاري ماي) و(جحا رايكا) (Raikka 1997)، اللذين اختارا التعبير عن فكرة (ياسبرز) بشأن الذنب الميتافيزيقي باعتباره “وصمة أخلاقية”، وهي فكرة تؤكد، ضمن أمور أخرى، المدى الذي وصل إليه، حسب مصطلحات (أنطوني أبياه)، نحن “تلوثنا” من خلال الارتباط بأعمال مجتمعنا الضارة. (أبياه) نفسه يأبى ويعزف عن تطبيق لغة التلوث الأخلاقي بشكل عام، ولا يفعل ذلك إلا في حالات معينة حيث توجد روابط سببية قوية بين الأفراد والضرر. من ناحية أخرى، تجد (ماي) تلوثًا أخلاقيًا في العديد من الأماكن بل وتذهب إلى حد الاستجداء بالفضائل النفعية لتوزيع المسؤولية الجماعية على نطاق واسع. وحسب كلام (ماي)، “فإن رؤية الحالة الأخلاقية للفرد على أنها مرتبطة بمكانة أعضاء الجماعة الآخرين ستنفي الميل إلى تجاهل أخطر الشرور الأخلاقية: أعني تلك التي لا يمكن إحباطها إلا من خلال الجهود الجماعية للمجتمع”(May 1987, p. 253).

يميل الأفراد المنهجيون والمعياريون إلى رفض فكرة الذنب الميتافيزيقي لسببين متصلين. الأول: هو أنه يقطع الصلة بين المسؤولية والسيطرة، خاصة في الحالات التي تكون فيها عضوية الجماعة التي يتم الاحتجاج بها هي تلك التي لا يمكن للأفراد اختيارها، على سبيل المثال، العضوية في مجتمعات عرقية أو إثنية أو قومية (للحصول على تقييم مثير للاهتمام للغاية لهذا الادعاء، يُنظر: رادزيك 2001). والثاني: هو أن المفهوم الميتافيزيقي للذنب يخرق الأخلاق الليبرالية لما يسميه (راولز) “انفصال الأشخاص”. وحسبما يقوله (راولز) فأنّه عند إسناد المسؤولية، علينا النظر في الأشخاص بشكل منفصل والتركيز على أفعالهم حتى لا تُنتهك مبادئ العدالة، وهي مبادئ العدالة التي يستهلوها، حسب (راولز)، أنفسهم بقيم الأفراد المنفصلين (Rawls 1971).

بينما لا يتفق جميع الأفراد الليبراليين مع ادعاءات (راولز) الخاصة هنا، إلا أنهم يتفقون مع (راولز) على أنه، على الأقل، يجب أن يكون أعضاء الجماعة الفردية مخطئين بطريقة ما لكي يتم تحميلهم المسؤولية الجماعية عن الضرر. غالبًا ما تؤخذ نظرية (جويل فاينبرغ) عن مسئولية المجموعة كنقطة بداية للمناقشة في هذا السياق. وحسب (فاينبرغ)، فإنَّه عند توزيع المسؤولية الجماعية، نحتاج إلى التركيز على نوعين من الحالات: الحالات التي يتشارك فيها جميع أعضاء الجماعة نفس الخطأ أو الحالات التي يساهم فيها جميع أعضاء الجماعة في الضرر ولكن على مستويات مختلفة. ففي كلا النوعين من الحالتين، يشدد (فاينبرغ) على أنه لا داعي لوجود صلة مباشرة بين تحميل الفرد المسؤولية والضرر، ولكن هناك حاجة إلى مشاركة الخطأ.

يمكن أن توجد أخطاء مختلفة في غياب أي ارتباط سببي بالضرر، حيث يكون هذا الغياب مجرد حادث مؤاتٍ لا يعكس أيّ ميزة للشخص المخطئ. وعندما يشترك كل عضو في المجموعة في نفس الخطأ، ولكن خطأ عضو واحد فقط يؤدي إلى أي ضرر، وهذا ليس لأنه كان أكثر من مجرد خطأ عن أخطاء الآخرين، ولكن فقط بسبب الصدفة المستقلة، يميل الكثيرون إلى إسناد المسؤولية إلى الجماعة بأكملها (Feinberg 1968, p. 687).

 (فاينبرغ) نفسه يبدي استعدادًا لإسناد المسؤولية الجماعية لأعضاء الجماعة عن مثل هذا الضرر في بعض الحالات، على الرغم من أنه يوضح أننا في القيام بذلك نحتاج إلى تحويل انتباهنا بعيدًا عن المسؤولية الصارمة إلى نوع أخف من اللوم الاجتماعي على أساس العدالة.  فيهتم بثلاثة أنواع من القضايا على وجه الخصوص، وهي تلك التي يكون فيها عدد كبير من الأفراد مخطئين بشكل مستقل؛ تلك التي ينجم فيها الضرر عن تعهد مشترك للعديد من الأشخاص الذين يتصرفون بشكل تعاوني، وتلك التي يُعزى الضرر فيها إلى سمة معينة من الثقافة المشتركة التي يقبلها أعضاء الجماعة بوعي ذاتي أو يشاركون فيها.

ويبدي (فاينبرغ) استعداده أيضًا لقبول إمكانية إسناد المسؤولية الجماعية في كل أنواع الحالات الثلاثة. لكنه يحذر من أننا بحاجة إلى المضي قدمًا على أساس كل حالة على حدة، لأن إسناد المسؤولية الجماعية في مثل هذه الحالات لا يتطلب فقط تحديد الأخطاء المشتركة حقًا ولكن تقييم الأبعاد المختلفة غير القابلة للقياس للمساهمات الفردية، بما في ذلك درجات المبادرة، وأهمية المهمة المعينة، ومستويات السلطة، إلخ.

ويقدم (غريغوري ميلليما) (2006) طريقة مفيدة للغاية لتقييم المستويات المختلفة للمساهمة الفردية من خلال التمييز بين ست طرق مختلفة يمكن للأفراد من خلالها أن يكونوا متواطئين في فعل خاطئ. وحسب ما يقوله (ميلليما)، يمكن للأفراد حثُّ الآخرين أو توجيههم لإحداث الضرر. ويمكنهم تقديم المشورة للآخرين لإحداث الضرر. يمكنهم الموافقة على إحداث ضرر بأمر من الآخرين. ويمكنهم مدح هؤلاء الآخرين عندما يتسببون في الأذى. و يمكن أن يخفقوا في ردعهم من أحداث الضرر.

والطريقة الثانية لمعالجة مسألة التوزيع في هذا السياق، والتي لا يبدو أنها تخرقُ مبدأ الحرية الفردية هي النظر، ليس فقط إلى الدور المحدد الذي لعبه الأفراد في إحداث مجتمعهم للضرر، ولكن إلى مقدار الحرية التي يتمتع بها الأفراد للنأيّ بأنفسهم عن المجتمع الذي أحدث الخطأ. وقد نرغب—هنا— في استخدام طواعيّة الانضمام كمعيار للمسؤولية. يقوم Jan Narveson (2002)(چان نارڨسون) بذلك بنفسه في عمله المتشكك عمومًا حول المسؤولية الجماعية. وترى (نارڨسون) أنه عند التفكير في مسؤولية الأفراد عن الأضرار الجماعية، يجب أن نكون حريصين على التمييز بين أربعة أنواع مختلفة من الجماعات، وهي: تلك الجماعات المتطوعة تمامًا؛ أولئك الذين ولجوا كرهًا لكن لديهم طواعية في الخروج (عدم الانضمام)؛ وأولئك الذين ولجوا طواعية لكن لا يمكنهم الخروج قسرًا دون إرادتهم؛ وأولئك الذين لديهم طواعية وإرادة في أي حالة. وكما توضح (نارڨسون)، فإن المسؤولية تتضاءل، إن لم يتم القضاء عليها، ونحن نذهب إلى ما دون هذه القائمة.

من الواضح أن (نارڨسون) تتبنى منظورًا فرديًا هنا. ومن ثم، فهي قادرةٌ على معالجة مسائل الحرية الفردية والمسؤولية الشخصية بسهولة نسبية. ولا عجب أن تصبح الأمور أكثر تعقيدًا إلى حد ما عندما نبدأ في التفكير في الأفراد، ليس فقط كمشاركين في الجماعات، ولكن أخذ هويتهم من الجماعات. تؤكد )(كارين كوڨاتش) (2006) أنه في بعض الحالات، ينحاز الأفراد إلى مجموعاتهم — تهتم (كوڨاتش) بالجماعات العرقية على وجه الخصوص — لدرجة أنها ترى أن فعل الجماعة امتدادًا لهم. وتؤكد (كوڨاتش) أنه في هذه الحالات، يمكننا توزيع المسؤولية الأخلاقية الجماعية على جميع أعضاء الجماعة نتيجة لما ما تسميه بــ “التوافق الأخلاقي”.

لا يمكن أن يكون “التوافق الأخلاقي” بالطبع مسألة تعريف بسيطة إذا كان من أجل الحفاظ على المسؤولية الأخلاقية الجماعية. لأن التعريف لا يورط الفرد في مقاصد أو أفعال الجماعة التي يتعرف عليها. ومن ثم، ترى ( كوڨاتش) أنه من الضروري الإصرار على أنه إذا تم تحميل الأفراد مسؤولية جماعية عن أضرار الجماعة، فيجب فهمهم على أنهم “تصرفوا وفقًا لوجهة نظرهم كأعضاء في الجماعة” أو على أنهم “قاموا بتنفيذ” هوُيَّة الجماعة.

في حين أن مثل هذا الإصرار ينأى بنا بعيدًا في إظهار كيف يمكن توزيع المسؤولية الجماعية على جميع أعضاء الجماعة عن الضرر الذي أحدثته الجماعة في حالات معينة، على سبيل المثال، في حالات مثل الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي حيث الهوية العرقية هي كل شيء، فإنه ليس من الواضح أن المسؤولية المعنية هي من النوع الذي نربطه عادة بالمسؤولية الأخلاقية. إِذ على الرغم من أن “التمثيل” أو “أداء أو إنجاز” هوية الجماعة قد يسهم في إلحاق الأذى في مثل هذه الحالات، غير أنه لا يساوي القيام بشيء يساهم في هذا الضرر. بعبارة أخرى، لا يشير هذا إلى الفعل الأخلاقيّ — ما لم يؤكد المرء هويتة وهو يعلم أنه سيؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، وفي أيّ حالة يكون فعل التأكيد، وليس التماثل، هو الذي يقوم بالعمل هنا.

ومما يثير الاهتمام أن إحدى النقاط الرئيسية للاتفاق بين أولئك الذين يكتبون الآن عن المسؤولية الجماعية هي أن المسؤولية لا يمكن توزيعها على أعضاء الجماعة الذين يقاومون أو يحاربون بشكل علني الإجراءات أو السياسات السيئة لمجتمعاتهم. أنظر هنا، على سبيل المثال، حجج Joel Feinberg (1968)، Peter French (1998)، Howard McGary (1986)، J.R Lucas (1993)، and Michele Moody-Adams (1994)  . في حين أن الكتاب المذكورين آنفاُ، الذين يجدون المسؤولية الجماعية على أنها بناء أخلاقي مقنع بشكل عام، يختلفون في نواحٍ معينة، ويتفقون جميعًا على أنه سيكون من الخطأ إسناد المسؤولية إلى المعارضين أو، بعبارة أخرى، إذا حاول المرء محاربة ضرر أحدهم فلا ينبغي أن يكون مسؤولا عن ذلك. يطرح (ماكغاري) ادعائه هنا فيما يتعلق بما يسميه “حالة الانفصال”، والتي بموجبها يُعفى الشخص من المسؤولية الجماعية في الحالات التي يتسبب فيها مجتمع الفرد في ضرر إذا فصل نفسه/ نفسها عن فعل المجتمع من خلال معارضة أفعالها أو سياساتها السيئة (McGary 1986).

ولكن هناك البعض ممن يدعون إلى توزيع المسؤولية الجماعية على الأفراد حتى في الحالات التي يعارض فيها هؤلاء الأفراد بنشاط الأفعال الخاطئة التي يرتكبها مجتمعهم. يطالب (جحا رايكا)، على سبيل المثال، أن تكون الطريقة الوحيدة التي يمكن للمعارضة من خلالها تبرئة أولئك الذين، على سبيل المثال، يعيشون في مجتمع يلوث البيئة بشكل منهجي أو يستنفد الموارد، هو إذا كانوا قادرين، من خلال معارضتهم، على تجنب دعم النظام الذي يقوم بذلك (وهو شرط، كما يعترف رايكا، من الصعب جدًا تلبيته). وبحسب قول (رايكا):

إِنَّ معارضة أيّ ممارسة شريرة يبرئ يد المرء بشرط ألا يتطلب دعم ممارسة شريرة أخرى. … في النهاية، حتى أولئك الذين يعارضون الممارسات الشريرة قد يكونون ملامين على تلك الممارسات. قد يكون عضوًا واحدًا في الجماعة قد تصرف كما يجب هو/هي، مع مراعاة كل ذلك، ينبغي أن يتصرف، لكنه ما زال يتقاسم المسؤولية عن الممارسات الشريرة للجماعة (Raikka 1997, p.104.).

وفي هذا السياق يطالب (رايكا) أن المعارضين يمكن أن يكونوا ملامين أخلاقيا حتى لو لم يتمكنوا من السيطرة على النظام الذي يورطهم في الشر. ومن ثم، فقد وجد أنه من الضروري القيام بأمرين لا يضعانه في مكان مباشر فقط في معسكر (كارل ياسبرز) والمدافعين الآخرين عن الذنب الميتافيزيقي، لكنهما مهمان للغاية فيما يتعلق بالمناقشات الفلسفية المعاصرة حول المسؤولية الجماعية بشكل عام. الأول هو أن نجتزأ من مجموعة معايير المسؤولية الجماعية التي يتم الاستناد إليها تقليديًا معيارًا يأخذه غالبية الذين يكتبون الآن عن المسؤولية الجماعية على محمل الجد، أي قدرة الأفراد على التحكم في تلك الأشياء (سواء كانت أفعالًا أو أضرارًا) التي من أجلها يتم إلقاء اللوم عليهم. والثاني هو فصل اللوم الأخلاقي عن إرادة الأفراد المنفصلين (حيث تضعها المفاهيم الكانطية التقليدية للفاعلية) وتحديد مصدرها في المجتمع الأكبر الذي يعتبر الأفراد مذنبين جزءًا منه ظاهريًا.

تجبرنا هاتان الحركتان على الاعتراف بأن الاختلافات المختلفة الموجودة بين الفلاسفة المعاصرين فيما يتعلق بتماسك وقابلية تطبيق المسؤولية الجماعية كبناء لها مصدرها، ليس فقط في التنافس بين نظريات المقاصد والأفعال، ولكن أيضًا في المفاهيم المتنافسة حول اللوم الأخلاقي. في حين أن لا المدافعين عن المسؤولية الجماعية ولا منتقديها يأخذون بشكل عام طبيعة اللوم الأخلاقي الذي يضعونه في مركز اهتمامنا، إلا أنهم يوضحون أن المعايير التقليدية الكانطية لاستحقاق اللوم الأخلاقي لا تزال سائدة بالنسبة لبعضهم، وللبعض الآخر تأخذنا المعايير المناسبة لاستحقاق اللوم الأخلاقي إلى ما وراء إرادة الأفراد المنفصلين إلى بنية المجتمعات المدانة.

5. مناهج بدلية عن المسؤولية الجماعية

تم استيعاب المسؤولية الأخلاقية تقليديًا على أنها تنطوي على اللوم الأخلاقي — وليس الاجتماعي أو القانوني فقط — حيث تم فهم اللوم والاستحقاق الأخلاقي للوم، خلال الفترة الحديثة، على أنه جانب من جوانب الفعل الأخلاقيّ للفرد بدلاً من الحكم الذي نتخذه بأنفسنا على أساس معاييرنا الاجتماعية والقانونية. يقول (سمايلي) (1992) أن هذا لم يكن الحال دائمًا. ومن ثم، فإن أولئك الذين يبحثون عن شروط المسؤولية الأخلاقية يصرون عمومًا على أن الفاعل قد تسبب بنفسه— بمحض إرادته — في ذلك الأمر الذي يتحمل مغبة مسؤوليته الأخلاقية.

وليس مستغربًا أن نوع الإرادة الحرة المطلوب للمفهوم الحديث بشأن المسؤولية الأخلاقية — الحرية المتناقضة السببية — يصعب تحديده عمليًا، إن لم يكن مستحيلًا. بل، أيضًا، هو المفهوم “الأكثر نعومة” للإرادة الحرة الذي يفضله التوافقيون. ومن ثمَّ، عندما يوجه الفلاسفة المعاصرون انتباههم إلى شروط المسؤولية الأخلاقية في الممارسة الفعليَّة، فإنهم كثيرًا ما يركزون على ما يعتبرونه أحد المكونات الرئيسية للإرادة الحرة — القصدية — ويتساءلون: تحت أي ظروف يمكننا أن نقول إن الفاعل قصد (س) (أو شيئًا بعينه)؟

يؤكد سمايلي (1992) بأن وجود نية أو قصد لا يعادل الإرادة الحرة ولا يكفي لترسيخ المفهوم الحديث للمسؤولية الأخلاقية (التي تختلف عن نظيرتها الأرسطية). يكفي أن نشير هنا إلى أن الفلاسفة المعاصرين الذين يكتبون عن المسؤولية الجماعية يضعون القصدية في مركز اهتمامهم ولأنهم قبلوا (بوعي أو بغير وعي) المفهوم الحديث للمسؤولية الأخلاقية، فإنهم يقرنونها بذات أخلاقية موحدة قادرة للتحكم في النتائج.

ولكن، كما رأينا في القسم الثاني، قد لا تكون هذه الذات الأخلاقية الموحدة ممكنة في حالة الكيانات الجماعية. أين إذن يتركنا ذلك؟ يفترض نقاد المسؤولية الجماعية أنه إذا كانت هذه الذات الأخلاقية الموحدة غير ممكنة في حالة الكيانات الجماعية، فإن المسؤولية الأخلاقية الجماعية لا معنى لها. لكن مثل هذا الافتراض قد يكون سابقًا لأوانه، وفي النهاية غير مبرر. لأنه إذا قمنا بتطوير مفهوم بديل للمسؤولية الأخلاقية الجماعية، أي مفهوم لا يحاول محاكاة نظيره الفردي (الحديث)، فقد لا نضطر إلى الإصرار على مثل هذه الذات الأخلاقية الموحدة. فكيف يمكن أن تبدو مثل هذه الفكرة البديلة للمسؤولية الأخلاقية الجماعية؟

توحي النقاط الثلاثة إلى أن لدينا حرية إبداعية أكثر بكثير في هذا السياق مما ندركه الآن. بادئ ذي بدء، على النقيض من افتراضات العديد من الفلاسفة المعاصرين، فإن المفهوم الحديث للمسؤولية الأخلاقية ليس مسؤولية أخلاقية في حد ذاته. بدلاً من ذلك، فإنه المفهوم الكانطي الواضح للمسؤولية الأخلاقية ويحظى على الأقل بـثالوث من النظراء المحترمين، أي المفاهيم الأرسطية والمسيحية والبراغماتية للمسؤولية الأخلاقية .(Smiley 1992)

ثانيًا، بينما يفضل العديد من الفلاسفة الأخلاقيين المعاصرين في النهاية المفهوم الكانطي، فلا يمكننا استبعاد هؤلاء الآخرين لمجرد أنهم لا يرقون إلى المعايير الكانطية. ولا يمكننا، في هذا الصدد، تصنيف هذه المفاهيم الأخرى للمسؤولية الأخلاقية على أنها غير أخلاقية أو “اجتماعية محضة” لمجرد أنها لا تتوافق مع ما يراه الكانطيون على أنه “المجال الأخلاقي.” بدلاً من ذلك، علينا إفساح المجال للمفاهيم المذكورة أعلاه عن المسؤولية الأخلاقية — وربما تبقى أخرى —في نقاشنا عن المسؤولية الجماعية.

ثالثًا، نظرًا لارتباطه بالأفراد المنفصلين، فإن الفهم الكانطي للمسؤولية الأخلاقية قد يبدو في غير محله عندما يتعلق الأمر بالمسؤولية الجماعية. إذّ أن المسؤولية الأخلاقية كما فهمها كانط ليست شيئًا نربطه بالفاعلين الأخلاقيين الفرديين. كما أن مفهومها عن استحقاق اللوم الأخلاقي لا ينطبق بالمصادفة على الأفراد. بدلاً من ذلك، ترتبط المسؤولية الأخلاقية كما طرحها الكانطيون بطبيعتها مع الفاعلين الأخلاقيين الفرديين. لذا، فإن فكرة اللوم الأخلاقي هي التي تقوم عليها. وفي الواقع، أفضل تعريف لهذه الأخيرة هو اللوم الأخلاقيّ الفردي.

يجب أن تكون جميع النقاط الثلاث محررة لأولئك الذين يريدون إعادة التفكير في المسؤولية الجماعية بطرق تجعلها ممكنة ومناسبة للجماعات. فالأول يشير إلى وجود مفاهيم أخرى عن المسؤولية الأخلاقية متاحة لنا. بينما يوضح الثاني أن هذه المفاهيم الأخرى للمسؤولية الأخلاقية لا يمكن رفضها لمجرد أنها لا تتوافق مع المفهوم الكانطي للأخلاق. وتشير النقطة الثالثة إلى الحاجة إلى تجاوز ما هو بحكم التعريف مفهوم اللوم الأخلاقي الفردي ومعرفة كيف يمكن فهم الجماعات على أنها جماعات تستحق اللوم من الناحية الأخلاقية بعينها. ماذا يعني أن تكون الجماعات ملومة من الناحية الأخلاقية؟ وما نوع السببية المطلوبة للحفاظ على فكرة استحقاق اللوم الأخلاقي للجماعة؟ كيف يمكننا وضع هذين الأمرين — اللوم الأخلاقي الجماعي والسببية — معًا في هذا السياق لتشكيل طريقة بديلة للتفكير حول المسؤولية الجماعية التي تكون ممكنة ومناسبة للجماعات؟

في السنوات الأخيرة، بدأت مجموعة صغيرة من الفلاسفة الأخلاقيين في طرح هذه الأسئلة، وبذلك أتاحوا لنا بدائل مثيرة للاهتمام للفهم التقليدي للمسؤولية الأخلاقية. ففي إعادة النظر الخاصة بها عن المسؤولية الجماعية، شرعت (كينيث شوكلي) (2007 و 2016) في استبدال المفهوم الكانطي عن اللوم الأخلاقي بمفهوم اوسع عن “كونك مخطئًا” والذي يسمح لنا بالتحدث عن جماعة معينة على أنها “تستحق نوع من العقوبة غير تلك التي تُنزل بأعضائها لدورهم في الأذى”(ص 452). قد تعني هذه العقوبة “اجتثاث الجماعات نفسها أو تفكيك جزء منها. وبالمثل، قد تتخذ شكل تقليل قوة الروابط بين الأعضاء الفرديين أو … عدم إضفاء الطابع المؤسسي على معايير الجماعة “(ص 452).

تشير (نيتا كروفورد) (2007، 2013، 2014)، والتي تنأى بنفسها أيضًا عن المفهوم الكانطي عن اللوم الأخلاقي، إلى أهمية الاعتراف بأن الجماعات، بخلاف أعضائها، يمكن أن تفعل أشياء سيئة أخلاقياً — في بعض الحالات من خلال تصرفات أعضائها — بحكم نوع الجماعة الخاص بهم وكيفية تنظيمهم. فاهتمام (كروفورد) بشكل خاص هنا هو الجماعات العسكرية التي ينتهي جنودها بقتل الأبرياء نتيجة إما لقواعد الاشتباك الخاصة بهم أو لأنواع الأسلحة التي يستخدمونها. ما معنى أن نقول إن مثل هذه الجماعات العسكرية، بخلاف أعضائها، ملومة أخلاقيا على مقتل هؤلاء الأبرياء؟

تؤكد (كروفورد) بأنه في حين أنه من غير المنطقي اعتبار جماعة عسكرية مذنبة أخلاقياً بمعنى لديها روح ملوثة، فمن المنطقي اعتبار أنها من بعض النواحي، على الأقل، تنظيم سيئٌ أخلاقياً يستحق العقاب. وليس مستغربًا أن تكون هذه العقوبة مناسبة للمنظمات، على خلاف الأفراد، إذا كانت ستؤسس المسؤولية الأخلاقية الجماعية. ومن ثم، اختارت (كروفورد) أن يُنظر إلى العقوبة هنا على أنها مسألة إجبار جماعي على الاعتذار والتعويض والتغيير. غالبًا ما يرقى “التغيير” هنا إما إلى استئصال أجزاء من المجموعة المعنية أو تغيير تلك الجوانب من المجموعة التي تؤدي بها إلى إحداث ضرر.

ففي حالة جماعة عسكرية تستحق اللوم أخلاقياً، فهذا يعني “تقليل احتمالية الفظائع المنهجية والحوادث التي يمكن تجنبها من خلال مراجعة ومعالجة اختيار الأسلحة وقواعد الاشتباك … والاعتذار والتعويض عند حدوث فظائع منهجية منظمة” (Crawford 2007, p. 212). وفي حالات أخرى، قد ترقى العقوبة المرتبطة بجماعة ملومة أخلاقياً إلى القضاء على المجموعة بالكامل أو إجبارها على التخلي عن جوانب مهمة من نفسها. ومن المفترض أن يقع النظام النازيّ — أو أي نظام آخر هدفه تدمير سلالة من الأشخاص — في المعسكر الأول. ومن المفترض أن يقع النادي الحكومي أو التجاري الذي يستبعد الأشخاص الملونين و / أو النساء كجزء من سبب وجوده في الصنف الثاني.

ما هو نوع السببية أو الفاعلية التي يتطلبها اللوم الأخلاقي من هذا النوع؟ نظرًا لأننا لا نتحدث عن فكرة كانط حول اللوم الأخلاقي، فلا يتعين علينا الذهاب إلى حد الإصرار على الإرادة الحرة أو تركيز كل انتباهنا على إمكانية وجود ذاتٍ أخلاقية موحدة. ولا يتعين علينا على هذا النحو أن نفهم أن الجماعة لديها إرادة حرة لشيء سيء. لكن، ما لم نرغب في إرساء اللوم الأخلاقي على المنفعة البحتة، فعلينا أن نفترض، على الأقل، أن الجماعة المعنية قد أحدثت الضرر.

وليس مستغربًا، أنَّ أي نوع من الإِحداث أو الإثارة سيفي بالغرض هنا. على الأقل، يجب على الجماعة أن تلعب ما يسميه شوكلي (2007) “دورًا قابل للإزالة” في إحداث الضرر — حتى لو كان هذا الدور في المقام الأول هو توفير الظروف التي يقوم بموجبها أعضاء الجماعة بتنفيذ الأعمال الضارة. بعبارة أخرى، يجب أن تكون الجماعة ضرورية لإحداث الضرر بحكم ما يسميه شوكلي “السيطرة المنسقة” على الأعضاء.

كيف يمكننا أن نفهم مثل هذه السيطرة؟ في حالة المؤسسات، يمكننا التركيز على الطريقة التي تحدد بها معايير الجماعة أو تشكل مسارات معينة للسلوك، وكذلك على الكيفية التي تقود بها هياكل الحوافز وأنماط إنضباط الأفراد إلى التصرف بطرق ضارة. وجد (شوكلي) العديد من هذه الأشياء ذات أثر في حالة إنرون. ووفقًا له، “فالمعايير السارية داخل عضوية إنرون التي يتم التحكم فيها من أجل مناخ السرية والشك”(Shockley 2007, p. 449).

يفترض (شوكلي)— هنا —أن الجماعة مسؤولة أخلاقياً عن الضرر لأنها تمارس “سيطرة منسقة” على ما يحدث داحل الجماعة. لكنه لا يعفي الأفراد من اللوم الأخلاقي في هذه العملية. كما أنه، في هذا الصدد، لا يسمح بإمكانية أن يتسبب الأفراد معًا في ضرر دون أن يتصرفوا بأنفسهم بطريقة تستحق اللوم من الناحية الأخلاقية. في الواقع، يُصر على أن يتصرف الأفراد على هذا النحو إذا أريد للمسؤولية الأخلاقية الجماعية أن تكون متماسكة. وفي الحالات التي تكون فيها الجماعات مسؤولة أخلاقياً عن الضرر، “تعمل الجماعة كشرط تمكين للأفراد الذين يستحقون اللوم لأداء أعمال ضارة” (Shockley 2007, p. 442).

من الحكمة أن يشير (شوكلي) إلى أن المسؤولية الأخلاقية للجماعة لا تستبعد المسؤولية الأخلاقية لأعضائها. لكنه قد يذهب بعيداً في تضمين اللوم الأخلاقي للأفراد في المسؤولية الأخلاقية الجماعية نفسها. لأن ثمَّة — حتى وفقًا لمعايير (شوكلي) الخاصة بتنسيق السيطرة —حالات للمسؤولية الأخلاقية الجماعية، حيث لا يرتكب الأفراد أي خطأ ولكنهم يتسببون معًا في ضرر داخل جماعة أو يقومون بأشياء ضارة ولكن يتم إعفاؤهم من اللوم الأخلاقي بحكم عدم قدرتهم للقيام بخلاف ذلك. الغوغائية هي حالة من النوع الأول. أمّا جنود (نيتا كروفورد) هم من الحالة الثانية.

علاوة على ذلك، كما أكَّدَ (سمايلي) (2010)، إذا كنا مهتمين حقًا بالمسؤولية الأخلاقية الجماعية، بدلاً من المسؤولية الأخلاقية للأفراد الذين ينتمون إلى الجماعات، فلا يتعين علينا الإصرار على قيام الأفراد بأفعال تجعلهم ملامين أخلاقياً. بدلاً من ذلك، علينا أن نصر فقط على أن الجماعة، بحكم طبيعتها كنوع خاص من الجماعة، قد دفعت الأفراد إلى إحداث ضرر لم يكن بإمكانهم إحداثه بأنفسهم. لأن اللوم الأخلاقي للجماعة نفسها، وليس اللوم الأخلاقي على أعضائها، هو الذي يشكل المسؤولية الأخلاقية الجماعية.

6. المسؤولية الجماعية ومسألة التبعات

متى يصير مناسبًا تحميل جماعة ما المسؤولية عن الضرر؟ متى يكون من المناسب الإحجام عن تحميل جماعة المسؤولية؟ كما هو الوضع الآن، فإننا نفترض عمومًا أن تحميل جماعة — أو فردًا في هذا الصدد —مسؤولية الضرر هو ببساطة إثبات أنه هو / هي مسؤولة عن الضرر، وعلى هذا النحو فإننا لا نجد بشكل عام السؤال أعلاه صعبًا بشكل خاص. في الواقع، غالبًا ما نفترض أنه يمكننا الرد عليه ببساطة من خلال تكرار شروط المسؤولية الجماعية نفسها. لكن تحميل الفاعل المسؤولية عن الضرر لا يعني ببساطة إثبات أنه مسؤول عن الضرر. بدلاً من ذلك، ينبغي أن يتم التعريف بمسؤولية الفاعل لهم ولبقية المجتمع أو، بمعنى آخر، الإعلان عن مسؤوليتهم كجزء من ممارسة اجتماعية أو قانونية للمساءلة في سياقات معينة مع وضع أغراض معينة في الاعتبار.

إن الفروق بين هذين الأمرين — فعل تحميل الفاعل المسؤولية عن الضرر ومسؤولية الفاعل عنه — تستحق التأكيد. في حين أن مسؤولية (س) عن الضرر هي مسألة ما فعله (س)، فإن تحميلنا المسؤولية لـ (س) هو مسألة ما نفعله بمعرفتنا بسلوك (س). الأول هو ظاهريًا حقيقة أخلاقية بشأن (س)، والأخير هو فعل نقوم به نحن أنفسنا كجزء من ممارسة اجتماعية أو قانونية للمساءلة.

متى يكون لدينا ما يبرر القيام بعمل من هذا القبيل بخصوص المساءلة؟ نظرًا لأن تحميل الفاعلين المسؤولين عن الضرر يلقي ضوءًا سلبيًا عليهم ويؤدي في كثيرٍ من الأحيان إلى مطالبات بالتعويض و / أو العقوبة، فإننا نصر بشكل عام على أخذ العدالة على محمل الجد في هذا السياق، وفي جهودنا لأخذ العدالة على محمل الجد، نطلب عمومًا الدقة فيما يتعلق بحقائق بشأن المسؤولية. في الواقع، غالبًا ما نجمع بين هذين الشرطين ونقول إنه لن يكون من العدل تحميل الفاعل المسؤولية عن الضرر إذا لم يكن مسؤولاً هو/ او هي عنه أو لم يكن مسؤولاً عنه حقًا.

لكن الإنصاف لا يقتصر دائمًا على الدقة الواقعية عندما يتعلق الأمر بإلصاق المسؤولية بالجماعات. فبدلاً من ذلك، يمكن أن يكون — وكثيرًا ما يكون — مسألة التأكد من أننا في إلصاقنا المسؤولية للفاعلين، إننا لا نميز بين فاعلين مسؤولين على حد سواء. بعبارة أخرى، يمكن أن يكون — بل وكثيرًا — مسألة معالجة الحالات المتشابهة بنفس الطريقة حتى لا تكون تمييزية. ومن هنا يأتي التأكيد الذي نراه الآن يتم وضعه من قبل محاكم ما بعد الحرب على التأكيد من أنه إذا تم إسناد المسؤولية الجماعية إلى جماعات بعينها، فإنها تُنسب إلى جميع الجماعات وفقًا للقواعد العامة. وكما يتضح، لا نتعامل دائمًا مع مثل الحالات بطريقة مماثلة. ولسنا، في هذا الصدد، لا نضع العدالة دائمًا فوق كل اعتبار. في الواقع، نختار أحيانًا التمييز بين الحالات التي تبدو متشابهة. بالإضافة إلى ذلك، نقوم بفعل ذلك في بعض الحالات على أسس عواقبيه واعية بذاتها والتي نجدها لها تبريرها.

وفي العديد من هذه الحالات، نهتم بما إذا كان بإمكاننا إحداث عواقب إيجابية في العالم أم لا من خلال إلصاق المسؤولية بجماعات بعينها. (فهل ستتصرف هذه المجموعات بشكل أفضل إذا فعلنا ذلك؟ هل سيحذو الآخرون حذوها؟ هل سيتم منع الضرر؟) وفي حالات أخرى، نهتم بعواقب من نوع أكثر سلبية بالتأكيد. (هل تحميل مجموعات معينة المسؤولية عن الأذى سيؤدي إلى عداء أكبر بين الجماعات؟ أو خلق استياء في المجتمع؟ أو يقف في طريق السلام؟

ومن المثير للاهتمام أن أولئك الذين يهتمون بالمسؤولية في الدوائر الفلسفية كثيرًا ما يترددون في الدخول في نقاش غير مباشر كامل حول متى يجب أن نحمل فاعلين معينين مسؤولية التطبيق الفعليّ. (فنقترح لماذا قد يكون ذلك فيما يلي أدناه). لكنهم غالبًا ما يوضحون أن لديهم عواقب معينة في الاعتبار عندما يقومون، بطريقة غير مباشرة، بتقييم المسؤولية الجماعية في الممارسة الفعليّة أو التطبيق. وفي حالة المسؤولية الفردية، تميل هذه النتائج إلى أن تكون إيجابية وتشمل تعزيز المعايير المرتبطة بالفعل الأخلاقيّ. وفي حالة المسؤولية الجماعية، تميل إلى أن تكون إيجابية وسلبية.

وعلى الرغم من أن المدافعين عن المسؤولية الجماعية لا يميزون دائمًا بين عواقب إلصاق المسؤولية بجماعات معينة في الممارسة العملية وقيمة المسؤولية الجماعية في حد ذاتها، إلا أنهم يوضحون أنه يمكننا القيام بأشياء مهمة في العالم من خلال تحميل مجموعات معينة المسؤولية عن الضرر. ومن بين أمور أخرى، يمكننا رفع مستوى الوعي بين الجماعات بخصوص ما يفعلونه. يمكننا حملهم على التوقف عن إيذاء الآخرين. يمكننا تعزيز الأعراف الاجتماعية التي تمنع حدوث مثل هذا الضرر في المستقبل. ويمكننا أن نوضح للعالم أن أولئك الذين يتعرضون للأذى يستحقون أن يؤخذوا على محمل الجد.

ويوضح كلٌ من (لِست) و (بيتيت) (2011)، كما رأينا في القسم الثاني، أن تحميل الجماعات المسؤولة عن أنواع معينة من الأذى لا “يتيح لنا فحسب تمييز الملامح الحقيقية للعالم الأخلاقي والسياسي الذي نعيش فيه (List and Pettit 2011, p. 185)، لكنه يوفر حوافز للتغيير بين أعضاء المجموعة (ص 168)، ويهيئهم للتصرف بشكل أفضل في المستقبل (ص 157). وبالمثل، يمكن أن يوفر الأساس للإصلاح المؤسسي في الحالات التي كانت فيها الأفعال الجماعية غير مرئية حتى الآن.

وماذا عن العواقب السلبية التي قد تنجم عن تحميل مجموعات معينة المسؤولية عن الأذى؟ ليس من المستغرب أن أكثر هذه العواقب شيوعًا هي تلك المرتبطة بتحرير الأفراد من المسؤولية الشخصية في كل من الحياة الخاصة والعامة. في بعض الحالات، تعتبر النتائج السلبية التي يعتقد أنها تنجم عن المسؤولية الجماعية مسألة انحلال أخلاقي و / أو تجنب العقاب العادل. وفي حالات أخرى، تكون بمثابة مسألة اهتراء وتردي المُثُل الليبرالية و / أو تهديدات للحكم الديمقراطي. ليس مستغربًا أن يتم أخذ هذه الحجج في مجموعة متنوعة من الاتجاهات على مر السنين.

ركز عمل (غاريت هاردين) السابق على سحق المبادرة الفردية المرتبطة بالمسؤولية الجماعية (هاردين 1968). وكذلك فعلت أعمال كثيرين آخرين خلال الحرب الباردة. يميل الليبراليون المعاصرون إلى أن يكونوا أقل حدة من (هاردن) فيما يتعلق بالطرق التي تقوض بها المسؤولية الجماعية الفعل الأخلاقيّ الفرديّ. لكنهم أيضًا يقلقون من أن الأفراد لن يتحملوا المسؤولية عن الضرر الذي تتحمل جماعتهم المسؤولية عنه أيضًا. بالإضافة إلى أنَّ هناك بعض الأدلة التاريخية بشأن مخاوفهم.

ففي مقال له، نادرًا ما يجد (ريتشارد ماكيون) طريقه إلى العمل المعاصر حول المسؤولية الجماعية، بل ويقدم لنا رؤى مهمة حول الطرق التي كان فيها استبدال المسؤولية الجماعية بالمسؤولية الشخصية في الغرب أمرًا حاسمًا سياسياً، وكذلك أخلاقياً لتطوير الليبرالية. وحسبما يقوله (ماكيون)، فإن استبدال المسؤولية الجماعية بالمسؤولية الشخصية لا يعني فقط أن الأفراد يمكنهم ممارسة الفعل الأخلاقيّ كأفراد، بل يعني أيضًا أن الدولة لم تعد ضرورية كما كانت في السابق، حيث يمكن للأفراد الآن تحمل مسؤولية حكم أنفسهم .(McKeon 1957 )

لكن، بالطبع، لا يمكننا، على أساس مسبق، التعامل مع المسؤولية الشخصية والجماعية على أنها حصرية بشكل متبادل. لأنه، هناك دائمًا إمكانية الجمع بينهما والقيام بذلك بطرق تعزز كليهما. يقترح روبرت جودين (Goodin 1998) كيف يمكن أن يبدو مثل هذا النظام المتكامل للمسؤولية في سياق دولة الرفاهية. ويؤكد كلٌ من (لِست) و(بيتيت) كيف يمكن أن تتعايش المسؤولية الفردية والجماعية على مستوى أكثر عمومية (List and Pettit 2011, pp. 121-122)

وأحد أكثر الانتقادات إثارة للاهتمام لممارسة المسؤولية الجماعية التي طرحها فيلسوف معاصر هو نقد (مارك رايف) (2008). يقر (رايف) بأن تحميل مجموعات معينة المسؤولية عن الضرر يمكن أن يحدث أشياء جيدة في العالم، على سبيل المثال، ردع هذه الجماعات عن القيام بأعمال ضارة في المستقبل، ومساعدتنا في تحقيق النظام الاجتماعي بشكل عام، وتزويد المجتمعات بأساس للعدالة. لكنه أوضح أن تحميل الجماعات مسؤولية الأذى يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تصعيد العنف وتخفيف القيود الأخلاقية. ففي الواقع، كما يزعم، “أنَّ بعض من أبشع الجرائم في تاريخ البشرية — بما في ذلك الحل النازي النهائي والإبادة الجماعية في رواندا – تم تذليل الصعاب لها، إن لم يكن الدافع وراءها الإيمان بالمسؤولية الجماعية (Reiff 2008, p. 234).

ينصب تركيز )رايف( الأساسي عند مناقشته المسؤولية الجماعية والعنف على ما يمكن أن يحدث خطأ عندما نحمل الجماعات المسؤولية عن الضرر بمرور الوقت في سياقات حيث يحدد كل طرف في نزاع الطرف الآخر كمسؤول جماعي عن الأخطاء التاريخية. وحسب كلام (رايف)، ففي مثل هذه الحالات، نحن ملزمون بمواجهة دورات لا نهاية لها من الانتقام، فضلاً عن تقديم أعمال القتل كأفعال عقابية. علاوة على ذلك، نحن ملزمون بمواجهة هذه الأنواع من الأشياء ليس لأن الفاعلين المعنيين يفتقرون إلى الإحساس بالأخلاق ولكن بسبب نوع معين من الصواب الأخلاقي الذي تسمح به مطالب المسؤولية الجماعية لأولئك الذين يريدون الانتقام من أعدائهم بإسم المبادئ الأخلاقية.

ونظرًا لأن تركيز (رايف) هنا ينصب على الاستقامة الأخلاقية، فقد نتوقع منه أن ينظر إلى ممارسة تحميل المجموعات المسؤولية على أنها دعم للأخلاق (وإن كانت الأخلاق من نوع غريب ومراوغ). لكنه لم يفعل ذلك. وبدلاً من ذلك، يؤكد على العكس تمامًا، أي أن مطالب المسؤولية الجماعية يمكنها — وغالبًا ما تفعل — تقويض كل من أهمية الأخلاق بشكل عام وفعالية العقوبة بشكل خاص. ينصب تركيزه هنا بشكل أساسي على ما يحدث عندما نستوعب مطالب المسؤولية الجماعية.

يؤكد (رايف) أنه عندما نستوعب مطالب المسؤولية الجماعية، فقد نشعر بمزيد من المسؤولية —أو المسؤولية عن أشياء أكثر — مما كنا نشعر به. لكننا أقل احتمالا لاتباع إملاءات الأخلاق. لأنه بينما يتم توسيع نطاق مسؤوليتنا، يتم إضعاف الروابط بين المسؤولية والأخلاق. في الواقع، قد يتم قطع هذه العلاقات تمامًا في بعض الحالات. كيف يمكن أن يحدث هذا؟ ولا يزعم (رايف)، كما فعل من قبله، أن ممارسة المسؤولية الجماعية تسمح للأفراد بتجنب المسؤولية الشخصية، وبالتالي تقلل كلاً من فعلهم الأخلاقيّ ومسؤوليتهم عن الأذى. كما أنه لا يعيّ، كما فعل أسلافه، المشكلة المعنية على أنها مسألة مسؤولية شخصية قليلة للغاية بشكل عام. وبدلاً من ذلك، فهو يعيّ المشكلة على أنها مسألة شعور الأفراد بالمسؤولية عن الأذى حتى عندما لم يرتكبوا أي خطأ. (من المفترض أن الأخلاق التي تُملي على رايف أن يهتم هنا هي تلك المرتبطة بأفعال الفرد). وحسبما يقول (رايف):

لا تكمن المشكلة في أن الناس أقل احتمالية بشعورهم بالمسؤولية عن سوء سلوكهم إذا شعروا أن الآخرين سيتحملون المسؤولية الجماعية عن الأذى. … والمشكلة هي أن المسؤولية الجماعية تشجع الناس على الشعور بالمسؤولية والتعرض للعقاب حتى عندما يتصرفون بشكل صحيح. ومن ثم، فإن العقوبة لم تعد حافزًا. وفي النهاية، يخلص إلى أن “تبني المسؤولية الجماعية يقوض مفهوم المسؤولية نفسه، لأنه يشجع الناس على تجاهل صروح الأخلاق بدلاً من إطاعتها (Reiff 2008, pp.241- 242).

ومما يدعو للاهتمام أن معظم أولئك الذين يقدمون انتقادات بناءً على المسؤولية الجماعية—مرة ​​أخرى هم دائمًا ما يهتمون بممارسة إلحاق مسؤولية وقوع الضرر بالجماعات بدلاً من حقائق المسؤولية في حد ذاتها — يفعلون ذلك على مستوى عام بشكل يثير الدهشة. بمعنى آخر، لا يتيحون لنا مجموعة من المعايير للتفكير في قيمة إلحاق المسؤولية الأخلاقية بالجماعات في مواقف معينة. بل يمكنهم القيام بذلك بشكل مثمر للغاية على أساس الحجج الأكثر شمولاً التي يقدمها (رايف) وآخرون. بالإضافة إلى أنهم يمكنهم فعل ذلك دون انتهاك مناهجهم القائمة على الفاعل للمسؤولية الأخلاقية. لأنه، كما اقترحنا أعلاه، أن تكون مسؤولاً أخلاقياً وتحمل الآخرين المسؤولية الأخلاقية ليسا نفس الشيء. ولا علاقة لهما بالعواقب. في حين أن العواقب قد لا تكون ذات صلة بالمسؤولية الأخلاقية نفسها، فقد تكون أساسًا مطلقًا لاختيارنا أن نُحَمِّل — أو لا نُحَمِّلَ—الفاعلين المسؤولين أخلاقياً عن الممارسة العمليّة.

7. المسؤولية الجماعية التطلعية

في حين أن غالبية الذين يكتبون الآن عن المسؤولية الجماعية يواصلون التركيز على نوع المسؤولية المذكورة أعلاه، أي المسؤولية الجماعية الرَّجعيَّة، فقد اختار عددٌ صغيرٌ، غير أنه متزايد، من الفلاسفة التركيز بدلاً من ذلك على المسؤولية الجماعية التطلعية. ويبدو أن هناك شيئين يفسران مثل هذا التحول في التركيز. الأول هو الاعتراف بأن الكيانات الجماعية مثل الدول والمؤسسات والحركات قد تكون الآن الفاعل الوحيد القادر على منع أنواع معينة من المعاناة في العالم. والثاني هو نشر كتب بعنوان: المسؤولية القومية والعد العالمي لــ (ديفيد كيللر) (Miller 2007)، وكتاب (إيريس يونغ) بعنوان: مسؤولية لأجل العدالة (Young 2011)، ومجموعة محررة منقحة لكلٍ من (بيتر فرينش) و (هاوارد فاينشتين) بعنوان: المسؤولية الجماعية التطلعية (French and Weinstein 2014).

ما هي المسؤولية التطلعية؟ تُشير المسؤولية المستقبلية التطلعية، مثل نظيرتها الرّجعيَّة، إلى مسؤولية الفاعل الجماعي عن أوضاع معينة في العالم. ولكن، على عكس نظيرتها الرّجعيَّة، فإنها لا تجعل المسؤولية أمرًا يتعلق بالتسبب في أوضاع قائمة (إشكالية أخلاقية). فبدلاً من ذلك، فإنها تجعل المسؤولية تتعلق بأن تكون أمرًا يُعهد إليه أخلاقيًا—أو مسئولاً عن — إحداث حالة راهنة التي نعتبرها كمجتمع حالة أفضل. ومن ثمَّ، عندما ننسب المسؤولية التطلعية إلى فاعلٍ جماعي، فإننا لا نروي قصة سببية عن الفاعل. بل، نحدد ما يجب أن يقوم به الفاعل في العالم.

ولا يدعو للاستغراب أن ينتهي بنا الأمر في كثير من الأحيان إلى الإشارة إلى المهام المحددة التي نعتقد أنه يجب على الفاعل تنفيذها، والإشارة إليها باعتبارها مسؤوليات الفاعل. لكن علينا توَخيّ الحذر هنا. إِذ انَّ المسؤولية التطلعية ليست مجرد مسألة تنفيذ مهام فحسب. بل مسألة أن تكون مسؤولاً أخلاقياً عن إحداث أوضاعٍ، بحكم إسناد المسؤولية التطلعية نفسها، أصبحت الآن جزءًا من العمل الأخلاقي للفاعل. ومن ثمَّ، ففي مناقشات المسؤولية التطلعية، لا نقول ببساطة عن الفاعل أن الفاعل لديه مسؤوليات (س)، (ص)، (ع)، بل نقول أنّ الفاعل مسؤول عن التأكد من أن حالة معينة مرغوبة من (س)، (ص)، (ع) تظهر إلى حيز الوجود.

ونظرًا لأن المسؤولية التطلعية تتطلب أن يتسبب الفاعل في أوضاعٍ راهنةٍ معينة، إِلاَّ أنَّ لديها الكثير من القواسم المشتركة مع كونها مُلزِمَةٌ أخلاقيًا بفعل شيء ما. لكن التشديد والمبالغة تختلف. وكذلك مستوى المرونة المقترن بالفعل الأخلاقيّ. ففي الحالات التي نستخدم فيها لغة الالتزام الأخلاقي، فإننا نشير إلى أنه يتعين على الفاعل القيام بعمل معين. وفي الحالات التي نستخدم فيها لغة المسؤولية، نُجيز للفاعل استخدام حُكمه الخاص في تقرير وتحديد كيفية تحقيق الوضع الراهن المطلوب. وبالمثل، فإننا نُكلِّفه ونعهد إليه بتطبيق أحكامها بحكمة.

ما هو الشيء البارز أخلاقيا حول التطلع إلى المسؤولية الجماعية؟ إن المسؤولية الجماعية الرَّجعيَّة، كما رأينا، بارزة أخلاقياً بسبب ارتباطها باللوم. ولا تتم إزالة المسؤولية التطلعية تمامًا من اعتبارات اللوم — فنحن أحيانًا نلوم أولئك الذين يفشلون في تحمل مسؤولياتهم على محمل الجد —لكنها ليست مهمة أخلاقية لأن اللوم يثير أحيانًا المشكلة. وبدلاً من ذلك، فهي بارزة أخلاقياً لأننا نعتقد أن هذه المسؤولية، إذا تم أخذها على محمل الجد من قبل أولئك الذين يتم تحميلهم المسؤولية، تساعد في خلق حالة مرغوبة (أو أفضل) في العالم.

والمقتضيات المرتبطة بالمسؤولية الجماعية التطلعية ليست شديدة مثل تلك المرتبطة بنظيرتها الرَّجعيَّة. كما أنها ليست ميتافيزيقية. فعلى النقيض من نظيرتها الرَّجعيَّة، فإن المسؤولية الجماعية التطلعية ليست مهيأة لتسترعي إرادة الفاعل. بل تم تصميمها لتوزيع العمل الأخلاقي. ومن ثمَّ، فعلى الرغم من أنَّ المسؤولية الجماعية التطلعية لا تعمل إلا مع الفاعلين الهادفين، إِلاَّ أنها لا تتطلب “عقلًا جماعيًا” أو أن يكون الفاعل قادرًا على تكوين “مقاصد جماعية.” لكن يتطلب الأمر فقط أن يكون الفاعل قادرًا على فعل شيء ما في العالم وتحمل مسؤولية ومغبّة جعل الأشياء تحدث.

وعلى الرغم من أن المسؤولية الجماعية التطلعية ليست مثقلة بالظروف الميتافيزيقية المثيرة للجدل بالطريقة التي تبدو بها نظيرتها الرَّجعيَّة، إلَّا أنها لا تخلو من الخلافات الخاصة بها. ففي بعض الحالات، تدور هذه الخلافات حول أنواع المجموعات القادرة على التطلع إلى المسؤولية الجماعية. وقد قام كلُ من (بيل رينچ) (Wringe 2014) و (فيليكس بينكيت) (Pinket 2014) بتغطية هذه الخلافات بشكل جيد. وفي حالات أخرى، يتعلق الأمر بكيفية — على أي أساس معياري — يمكننا إسناد مسؤولية التطلع الجماعية في الممارسة العملية. ما هي المبادئ التي يجب الاستجداء بها للقيام بذلك؟ وكيف يجب أن نطلب هذه المبادئ؟

ومما يدعو للاهتمام أنه لا يعتقد الجميع أن مثل هذه المبادئ ضرورية. ففي الواقع، مازال عدد قليل من الشخصيات الرئيسة في هذا المجال يفترض أن المسؤولية التطلعية (العلاجية) ترتكز على المسؤولية السببية عن الضرر الذي يعتبر الآن بحاجة إلى علاج. يشعر (ديفيد ليونز) (ليون 2004) بإحساسه بالراحة على افتراض أنه نظرًا لأن الولايات المتحدة كانت مسؤولة سببيًا عن الفقر والعنصرية في الماضي، فإنها تتحمل الآن مسؤولية القيام بكل ما في وسعها لخلق فرص للفقراء والأقليات. بينما ديفيد شميتز(Schmidtz 1998)، على النقيض من (ليون)، يعتبر الفقراء مسؤولين سببيًا عن العديد من مشاكلهم الخاصة، وينتقل أيضًا مباشرة من المسؤولية السببية إلى المسؤولية العلاجية. وكذلك فعلت (إيريس يونغ) (Young 2011) (يونج 2011) أيضًا.

لكن، مرة أخرى، ينبغي أن نكون حذرين. إِذ أنَّ المسؤولية (العلاجية) التطلعية لا تُسند لغرض قياس الفاعلية الأخلاقية في حد ذاتها. بل تُنسب لغرض ضمان نجاح مشروع معين، مبرر أخلاقياً، مثل التخفيف من حدة الفقر أو الجوع أو العنصرية. ومن ثمَّ، عندما يتعلق الأمر بالمسؤولية التطلعية، نحتاج إلى التفكير فيمن هو في أفضل وضع لفعل شيء حيال الضرر، وعندما نفعل ذلك، كما يشير (روبرت غودن) (1998)، قد نكتشف – وعلى الأرجح سنفعل — في بعض الحالات، أنَّ الفاعل الذي تسبب في الضرر هو الفاعل الذي يمكنه الآن تدارك وعلاج هذا الضرر عمليًا.

ولا يشير أيّ من هذا إلى أننا يجب أن نتخلى عن الأحكام المتعلقة بالمسؤولية السببية تمامًا عند إسناد المسؤولية التطلعية. ففي الواقع، كما سنعرض عمَّا قريب، قد تصبح مثل هذه الأحكام ذات صلة بمسائل الإنصاف في إسناد المسؤولية العلاجية. لكنها تشير إلى أنه لا يمكننا الانتقال مباشرة من المسؤولية السببية إلى المسؤولية العلاجية، أي جعل الأخيرة أساسًا في الأولى حصريًا. وبالمثل، فإنها تُشير إلى أننا بحاجة إلى اعتبارات وسيطة. وتوضح كل من (كارول روڨان) (Rovane 2014) و(تريسي إيزاكس) (Isaacs 2011; Isaacs 2014) و(لودجر يانسن) (Jansen 2014) و (ديريك داربي) و(نيلا برانسكومب) (Darby and Branscombe, 2014)  و(ماريون سمايلي) (Smiley 2014)  الرؤى النظرية الخاصة بكل منهن.

كيف إذن ننسب المسؤولية الجماعية التطلعية عمليا؟ على أقل تقدير، نحتاج إلى إفساح المجال لأنواع مختلفة من الأحكام العملية، بما في ذلك تلك التي تلفت الانتباه إلى من هو الأكثر قدرة على معالجة الضرر المعني وبأي تكلفة. لكن مثل هذه الأحكام العملية، المهمة للغاية، ليست هي الأمور الوحيدة غير السببية التي نحتاج إلى أخذها في الاعتبار عند إسناد المسؤولية التطلعية. في الواقع، كما تشهد المناظرات الأخيرة المتعلقة بمسؤوليتنا عن معالجة مشاكل الرعاية الصحية في الداخل، والمجاعة في الخارج، والكوارث البيئية في كل مكان، فإن الأحكام حول القيمة النسبية لمشاريعنا في العالم هي أيضًا حاسمة. وكذلك الأحكام المتعلقة بالإنصاف والالتزام.

وليس مستغربًا أن ندمج الأحكام المتعلقة بالقيمة النسبية في المقام الأول في الحالات التي لا يمكننا فيها متابعة جميع مشاريعنا — القضاء على الجوع، وتنشئة أطفال أصحاء، وخلق فرص العمل، وإبطال الاحتباس الحراري — دفعة واحدة أو حتى على الإطلاق. لكننا نصدر هذه الأحكام في أنواع أخرى من القضايا أيضًا، بما في ذلك الحالات التي يكون فيها سببًا مفترضًا للضرر، على سبيل المثال، الرأسمالية، بمثابة سببًا لشيء نقدره أيضًا. ففي هذه الحالات، قد نعتقد أن اختيارنا للتركيز على وضع معين غير مثير للجدل. لكنه في الواقع منغمس في أولوياتنا الخاصة.

خذ على سبيل المثال أسانيد (يونغ) للمسؤولية للتخفيف من حدة الفقر والجوع والعنف حول العالم التي تم الاستشهاد بها آنفًا. قد يكون (يونغ) محقًا في أن الرأسمالية (أو على الأقل الرأسمالية غير المنظمة) مسؤولة سببيًا عن هذه المشاكل. (سيكون هناك بالطبع عوامل أخرى يجب مراعاتها أيضًا). ولكن إذا كانت(يونغ) ستواصل إسناد المسؤولية العلاجية إلى أولئك الذين يستفيدون من الرأسمالية — وهو ما يهمها القيام به — فعليها أن تضع في الاعتبار أنَّ الرأسمالية قد تكون (أو على الأقل الرأسمالية المنظمة) مسؤولة سببيًا عن الأشياء التي نقدرها في العالم، على سبيل المثال، التحسينات لا يُستهان بها في الرعاية الصحية والتعليم وإنتاج الغذاء، وكذلك فصل الاقتصاد عن السلطة السياسية.

علاوة على ذلك، يتعين عليها (يونغ) أن تأخذ هذه الأشياء في الاعتبار بسبب طبيعة المسؤولية العلاجية نفسها كما هي منظمة وموزعة عبر الحالات. فالمسؤولية العلاجية، كما رأينا، مرتبطة بمشروع معين. (نسأل من المسؤول عن تنفيذ هذا المشروع؟) لكن لا يمكن صياغته بمعزل عن غيره. وبدلاً من ذلك، يجب صياغته تطلعًا إلى مشاريعنا الأخرى. ولأننا مقيدون فيما يتعلق بكل من الطاقة والموارد الأخلاقية. ومن ثمَّ، يتعين علينا تحديد أولويات مشاريعنا وكذلك تنسيق إسناداتنا للمسؤولية العلاجية عبرها. وبالمثل، يجب أن نكون على دراية بالأولويات التي يدمجها الآخرون، أمثال (يونغ)، في وصفاتهم الخاصة بالمسؤولية العلاجية.

كل هذا للإشارة إلى أنه إذا أردنا أن ننسب المسؤولية العلاجية بطريقة مبررة — بطريقة تتجنب التعسف والتحيز — فسيتعين علينا أن نؤكد صراحة القيمة النسبية لمشاريعنا والمضي قدمًا مع نظرة عامة في الحسبان. ما هي المشاريع، التي يجب أن نسأل عنها، الأكثر قيمة بالنسبة لنا وكيف يتم تصنيفها من حيث الأهمية فيما يتعلق بالمشاريع الأخرى؟ ومن الذي تؤخذ احتياجاته واهتماماته في الاعتبار من خلال هذه المشاريع؟ وكيف يمكننا ضمان مراعاة احتياجات ومصالح الجميع؟ وما هي التكلفة النسبية للمشاريع المعنية وكيف يتم تصنيف التكلفة نفسها من حيث الأهمية هنا؟

يدافع (روبرت غودين) عن هذا النوع من النهج البراغماتي للتطلع إلى المسؤولية الجماعية في حججه حول سبب تحميل الولايات المتحدة المسؤولية عن تقديم الرعاية الاجتماعية للفقراء. وفي إبعاد نفسه عن ممارسة اللوم، يكتب قائلاً:

إنها مسؤولية جماعية تطلعية وموجهة… هناك أسباب وجيهة لمتابعة أنواع معينة من الأهداف من خلال نوع من الجهاز الجماعي المنسق مثل الدولة. … يتم تجميع المسؤوليات لمجرد أن هذا هو السبيل الواقعي الوحيد (أو على أي حال، الطريقة الأكثر فعالية) للنهوض بها  .(Goodin 1998, p. 50)

إن المقاربة البراغماتية للمسؤولية الجماعية التطلعية التي تم الإشارة إليها هنا قيّمة للغاية (وسليمة). لكن لا يمكننا التعامل معها بمعزل عن المناهج الأخرى. بعبارة أخرى، لا يمكننا ببساطة استبدال المسؤولية السببية بالقدرة على معالجة المشكلة كأساس لإسناد المسؤولية التطلعية. بدلاً من ذلك، يتعين علينا دمج القيم والمبادئ الأخرى في إسنادنا للمسؤولية. ماذا يمكن أن يكونوا؟ وكما تبدو الأمور الآن، كثيرًا ما يتم التذرع بقيمة الإنصاف، إن لم يتم استكشافها بدقة، في هذا السياق. وكذلك قيم المواطنة والالتزام الجماعي ومبدأ العقد الاجتماعي.

ومن المُسَلَّم به أن أولئك الذين يتذرعون بقيمة الإنصاف في إسناد المسؤولية التطلعية إلى الأمام لا يفكرون دائمًا في نفس الشيء بالمصطلح. يدمج (ألكساندر براون) [2009] الأحكام حول من تسبب في الضرر في حججه حول من يمكن أن يتحمل المسؤولية العادلة عن معالجة مثل هذا الضرر، وبذلك يتعامل مع الإنصاف كرد فعل للفاعلية السببية. وينصَبُ قلق (براون) على الهفوات السلوكية للفقراء في دولة الرفاهية. فإذا كان الشخص مسؤولاً سببيًا عن أن يصبح مدمنًا، فلا يمكنه توقع مساعدتنا بإنصاف في إبعاده عن المخدرات … لا يُتوقع من الحكومة إلا أن تفعل الكثير(Brown 2009, p. 151).

يعتبر (مايكل والزر) أيضًا أن الإنصاف مهم جدًا في إسناد المسؤولية الجماعية التطلعية في دولة الرفاهية. لكنه لا يعتبر أن الإنصاف في هذا السياق يعتمد على اعتبارات من تسبب في الضرر. بدلاً من ذلك، يعتبرها تستند إلى قواعد العضوية المجتمعية. وحسبما يقوله (والزر)، فإنَّ التوزيع العادل للمسؤوليات في دولة الرفاهية سينزل دائمًا إلى ما ندين به لبعضنا البعض كأعضاء في المجتمع — والذي يترجم، من وجهة نظره، إلى كل تلك الأشياء التي ستجعل العضوية المجتمعية ممكنة بين أولئك الموجودين في المجتمع. المجتمع، على سبيل المثال، الأمن المالي والرعاية الصحية والتعليم والسلام والأمن، بغض النظر عما إذا كان الأعضاء قد تسببوا في إحداث ضرر لأنفسهم (Walzer 2008).

ويؤكد (كريستيان نيوهاوزر)، الذي يؤكد على أهمية العدالة التوزيعية في تنظيم المسؤولية الجماعية التطلعية، على أهمية الإنصاف في إسناد المسؤولية العلاجية. لكنه يأخذ الأمور في اتجاه مختلف، إلى حد ما، عن كل من (براون) و(والزر) من خلال التعامل مع العدالة على أنها مسألة حصول المرء على حقه. علاوة على ذلك، يضع (نيوهاوزر) الإنصاف في سياق سيناريوهات العمل الجماعي المختلفة. ومن ثمَّ، فمن الطبيعي أن يقود إلى الحديث عن العدل كقوة محفزة. “إن دافع الفاعلين لتبني مسؤولية تطلعيّة يعتمد أيضًا على ما إذا كان الفاعلون الآخرون يساهمون بنصيبهم العادل”(Neuhauser 2014, p. 246).

وبالرغم من أن قيمة الإنصاف يتم التذرع بها عادة من قبل المعنيين لتحديد معايير إسناد (أو تنظيم أو توزيع) المسؤولية الجماعية التطلعية في الممارسة العملية، غير أنها ليست القيمة أو المبدأ الوحيد في الأمر. في الواقع، يواصل العديد من العاملين في الميدان النظر إلى الالتزامات الجماعية كأساس للمسؤولية العلاجية. وفي بعض الحالات، يُعتقد أن الالتزامات الجماعية المعنية مدمجة في الجماعة نفسها. (Miller 2007)  وفي حالات أخرى، يُعتقد أنها مشتقة من معايير أخرى مختلفة للحياة الأخلاقية والسياسية.

وفي مناقشتها للمسؤولية الجماعية التطلعية وآفاق الحرب، تحدد (نيتا كروفورد) مصدر هذه الالتزامات في مجال المواطنة. وحسب قول (كروفورد)، فإنَّ “للمواطنين العاديين مسؤولية أخلاقية وسياسية جماعية للمشاركة في القرارات المتعلقة بالحروب التي تخوضها حكوماتهم وهم مسؤولون عن الاحتجاج على الحروب الظالمة أو السلوك غير الأخلاقي أثناء الحروب”(Crawford, 2014, p. 141) . علاوة على ذلك، فإنهم يتحملون مثل هذه المسؤولية، وفقًا لـ (كروفورد)، بحكم هويتهم كمواطنين في مجتمع ديمقراطي. ويأخذ (بيل رينچ) مثل هذا التحليل إلى المستوى العالمي Wringe 2014)، كما يفعل العديد من الآخرين في مجال العدالة العالمية، بما في ذلك (ديفيد ميللر).

ويختار كلٌ من (ديريك داربي) و(نيلا برانسكومب)، في عملهما بشأن المسؤولية عن التغلب على عدم المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، النظر، ليس إلى هويات المواطنين الديمقراطيين، ولكن إلى أنواع المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يختارها المواطنون الديمقراطيون ضمن عقد رولسيان الاجتماعي، كأساس لإسناد المسؤولية العلاجية. وبذلك، فإنهم لا يتمكنون فقط من الجمع بين المصالح المشتركة والاختيار العقلاني معًا، ولكن، من خلال قيامهم بذلك، يوضحون ما يُعَدُّ فريدًا بشأن المسؤولية التطلعية.

يتطلب التحول إلى سرد تطلعيّ للمسؤولية السياسية زيادة التركيز على الاهتمام الذي نشاركه جميعًا في الحفاظ على المؤسسات الاجتماعية الرئيسية التي تشكل بشكل عميق آفاق حياتنا. … ومن ثمَّ، يجب أن نتحمل المسؤولية السياسية عن عدم المساواة نظرًا لاهتمامنا الحيوي في الحفاظ على نظام التعاون والمؤسسات التي تؤدي إلى تفاوتات مسموح بها وغير مسموح بها(Darby and Branscombe 2014, p. 133).

تشير (تريسي إيزاك)، التي طورت سردًا كاملاً للالتزامات الجماعية وعلاقتها بالمسؤولية الجماعية [Isaacs 2011 and 2014]، إلى العديد من المعايير المذكورة أعلاه وتؤكد على مركزية الهوية. ولكن، من المثير للاهتمام، أنها لا تبتعد عن المسؤولية السببية في القيام بذلك. بدلاً من ذلك، تقدم وجهة نظر معقدة حول كيفية مساعدة المسؤولية السببية في تشكيل معاييرنا لإسناد المسؤولية العلاجية بشكل عادل.

الفاعلون المتورطون سببيًا والذين يستفيدون يتحملون بالفعل عبئًا ثقيلًا من الالتزام لتخفيف الظروف الضارة. وعندما يتعلق الأمر بالالتزام الجماعي، فإن هذه الارتباطات بالضرر أو الفعل الخاطئ تجعل بعض الفاعلين الجماعيين أكثر إلزامًا من الآخرين … ويلعبون دورًا في تحديد هوية الفاعل الجماعي الذي عليه الالتزام الجماعي (Isaacs 2014, p. 41).

تؤكد كل هذه الحجج على مجموعة القيم والمبادئ التي تدخل في تحديد المسؤولية الجماعية التطلعية في الممارسة الفعليّة. ويقدم عمل (إسحاق) على وجه الخصوص طريقة لإعادة المسؤولية السببية إلى الأمر دون تشويش التمييز بين المسؤولية التطلعية إلى الأمام والنكوص للخلف أو التعامل مع الأخيرة على أنها امتداد طبيعي للأولى. كيف ينبغي لنا، إذا كان الأمر كذلك، أن نعطي الأولوية لكل هذه القيم والمبادئ والأحكام السببية في إسناد المسؤولية العلاجية؟ لقد تم اقتراح (Smiley 2014)  أنه بدلاً من التعامل مع أحدهما على أنه أساسي والآخر ثانوي، فإننا نجمعهم جميعًا معًا في حساب معياري تعددي للمسؤولية الجماعية التطلعية.


 

المراجع

  • Abdel-Nour, Farid, 2003, “National Responsibility”, Political Theory, 31: 694–95.
  • Appiah, Anthony, 1987, “Racism and Moral Pollution,” Philosophical Forum, 18: 185–202.
  • Arendt, Hannah, 1987, “Collective Responsibility,” in James Bernhauer (ed.), Amor Mundi, Dordrecht: M. Nijhoff.
  • Bar-on, Zvi, 1991, “Measuring Responsibility,” in Larry May and Stacey Hoffman (eds.), Collective Responsibility: Five Decades of Debate in Theoretical and Applied Ethics, Savage, MD: Rowman and Littlefield.
  • Bates, Stanley, 1971, “The Responsibility of ‘Random Collections’,” Ethics, 81: 343–349.
  • Benjamin, Martin, 1976, “Can Moral Responsibility be Collective and Non-Distributive?,” Social Theory and Practice, 4: 93–106.
  • Bratman, Michael, 1992, “Shared Cooperative Activity,” Philosophical Review, 101(1): 327–342.
  • –––, 1993, “Shared Intention”, Ethics, 104: 97–103.
  • –––, 1999, Faces of Intention: Selected Essays on Intention and Agency, New York: Cambridge University Press.
  • –––, 2006, “Dynamics of Sociality”, Midwest Studies in Philosophy, XXX: 1–15.
  • –––, 2013, Shared Agency: A Planning Theory of Acting Together, Oxford: Oxford University Press.
  • Brown, Alexander, 2009, Personal Responsibility: Why It Matters, London: Continuum Press.
  • Cooper, David, 1968, “Collective Responsibility,” Philosophy, 43: 258–268.
  • –––, 1998, “Responsibility and the ‘System’,” in Peter French (ed.), Individual and Collective Responsibility, Rochester, VT: Schenkman.
  • Copp, David, 1979, “Collective Actions and Secondary Actions”, American Philosophical Quarterly, 16: 177–186.
  • –––, 1980, “Hobbes on Artificial Persons and Collective Actions”, Philosophical Review, 89(4): 579–606.
  • –––, 1984, “What Collectives Are: Agency, Individualism and Legal Theory”, Dialogue, 23: 253–268.
  • –––, 2006, “On the Agency of Certain Collective Entities: An Argument from ‘Normative Autonomy’”, Midwest Studies in Philosophy, XXX: 194–220.
  • Corlett, J. Angelo, 2001, “Collective Moral Responsibility,” Journal of Social Philosophy, 32: 573–584.
  • –––, 2010, “U.S. Responsibility for War Crimes in Iraq,” Res Publica, 16: 227–244.
  • Crawford, Neta, 2007, “Individual and Collective Moral Responsibility for Systematic Military Atrocity”, Journal of Political Philosophy, 15/2: 187–212.
  • –––, 2013, Accountability for Killing: Moral Responsibility for Collateral Damage in Americas Post 9/11 Wars, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2014, “War ‘In Our Name ’ and the Responsibility to Protest: Ordinary Citizens, Civil Society, and Prospective Moral Responsibility, ” Midwest Studies in Philosophy, XXXVIII: 138-170.
  • Darby, Derrick and Nyla Branscombe, 2012, “Egalitarianism and Perceptions of Inequality,” Philosophical Topics, 40: 7–25.
  • –––, 2014, “Beyond the Sins of the Fathers: Responsibility for Inequality,” Midwest Studies in Philosophy, XXXVIII: 121-137.
  • Downie, R. S., 1969, “Collective Responsibility”, Philosophy, 44: 66–69.
  • Durkheim, Emile, 1895, The Rules of Sociological Method, W. D. Halls (trans.), New York: Free Press, 1982.
  • Ellin, Joseph, 1981–2, “The Justice of Collective Responsibility,” University of Dayton Law Review, 15: 17–28.
  • Feinberg, Joel, 1968, “Collective Responsibility,” Journal of Philosophy, 65: 674–688.
  • French, Peter, 1984, Collective and Corporate Responsibility, New York: Columbia University Press.
  • –––, editor, 1998, Individual and Collective Responsibility, Rochester, VT: Schenkman.
  • French, Peter and Howard Wettstein (eds.), 2014, Midwest Studies in Philosophy (Volume XXXVIII: Forward Looking Collective Responsibility), Minneapolis: University of Minnesota Press.
  • Friedman, Marilyn and Larry May, 1985, “Harming Women as a Group,” Social Theory and Practice, 11: 218–221.
  • Friedman, Marilyn, 2013, “How To Blame People Responsibly,” Journal of Value Inquiry, 47: 271–284.
  • Gilbert, Margaret, 1997, “Group Wrongs and Guilt Feelings,” Journal of Ethics, 1: 65–84.
  • –––, 1989, On Social Facts, New York: Routledge.
  • –––, 2000, Sociality and Responsibility, Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
  • –––, 2006, “Who’s to Blame? Collective Moral Responsibility and Its Implications for Group Members” Midwest Studies in Philosophy, XXX: 94–114.
  • –––, 2013, Joint Commitment, Oxford: Oxford University Press.
  • Goldman, Alvin, 1970, A Theory of Human Action, Princeton: Princeton University Press.
  • Gomperz, H., 1939, “Individual, Collective and Social Responsibility,” Ethics, 49: 329–342.
  • Goodin, Robert, 1998, Social Welfare and Individual Responsibiity, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Graham, Keith, 2000, “Collective Responsibility,” in Moral Responsibility and Ontology, Ton Vanden Beld (ed.), Dordrecht: Kluwer.
  • Hardin, Garret, 1968, “The Tragedy of the Commons” in Science, 162: 1243–48.
  • Held, Virginia, 1970, “Can a Random Collection of Individuals be Responsible?”, Journal of Philosophy, 67: 471–481.
  • Hobbes, Thomas, 1651, Leviathan, New York: Penguin, 1968.
  • Hurwitz, Agnes, 2009, The Collective Responsibility of the State to Project Refugees, Oxford: Oxford University Press.
  • Isaacs, Tracy, 2011, Moral Responsibility in Collective Contexts, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2014, “Collective Responsibility and Collective Obligation,” Midwest Studies in Philosophy, XXXVIII: 40–57.
  • Isaacs, Tracy and Richard Vernon, eds, 2011, Accountability for Collective Wrong Doing, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Jansen, Ludger, 2014, “A Plural Subject Approach to Responsibilities of Groups and Institutions,” Midwest Studies in Philosophy, XXXVIII: 91–102.
  • Jaspers, Karl, 1961, The Question of German Guilt, E.B. Ashton (trans.), New York: Capricorn.
  • Kutz, Christopher, 2007, Complicity: Ethics and Law for a Collective Age, New York: Cambridge University Press.
  • Le Bon, Gustav, 1896, The Crowd: A Study of the Popular Mind, London: T. Fisher Unwin.
  • Levinson, Sanford, 1974, “Responsibility for Crimes of War,” in Marshall Cohen et al., War and Moral Responsibility, Princeton: Princeton University Press, pp. 104–133.
  • Lewis, H.D., 1948, “Collective Responsibility”, Philosophy, 24: 3–18.
  • Linley, David, 1978, “On the Actions of Teams,” Inquiry, 21: 213–218.
  • List, Christian and Philip Pettit, 2011, Group Agency: The Possibility, Design, and Status of Corporate Agents, Oxford: Oxford University Press.
  • Lucas, J. R., 1993, Responsibility, Oxford: Clarendon Press.
  • Lyons, David, 2004, “Corrective Justice, Equal Opportunity, and the Legacy of Slavery and Jim Crow,” Boston University Law Review, 84: 1375-1425.
  • May, Larry, 1992, Sharing Responsibility, Chicago: University of Chicago Press.
  • –––, 1987, The Morality of Groups, Notre Dame: University of Notre Dame Press.
  • –––, 2006, “State Aggression, Collective Liability, and Individual Mens Rea” Midwest Studies in Philosophy, XXX: 309–324.
  • –––, 2010, Genocide: A Normative Account, Cambridge: Cambridge University Press.
  • May, Larry and Stacey Hoffman,(eds.), 1991, Collective Responsibility: Five Decades of Debate in Theoretical and Applied Ethics, Savage, MD: Rowman and Littlefield.
  • May, Larry and Robert Strikwerda, 1994, “Men in Groups: Collective Responsibility for Rape”, Hypatia, 9: 134–151.
  • McGary, Howard, 1986, “Morality and Collective Liability,” Journal of Value Inquiry, 20: 157–165.
  • McKenna, Michael, 2006, “Collective Responsibility and an Agent Meaning Theory” Midwest Studies in Philosophy, XXX: 16–34.
  • McKeon, Richard, 1957, “The Development and Significance of the Concept of Responsibility,” Revue Internationale de Philosophie, 2: 3–32.
  • Mellena, Gregory, 1997, Collective Responsibility, Amsterdam: Rodopi Press.
  • –––, 2006, “Collective Responsibility and Qualifying Actions” Midwest Studies in Philosophy, XXX: 168–175.
  • Miller, David, 2007, National Responsibility and Global Justice, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2012, “Collective Responsibility and Global Poverty,” Ethical Perspectives, 19: 627-648.
  • Miller, Seumas and Pekka Makela, 2005, “The Collectivist Approach to Collective Moral Responsibility,” Metaphilosophy, 36: 634-651.
  • Moody-Adams, Michele, 1994, “Culture, Responsibility and Affected Ignorance,” Ethics, 104: 291–309.
  • Narveson, Jan, 2002, “Collective Responsibility,” Journal of Ethics, 6: 179–198.
  • Neuhauser, Christian, 2014, “Structural Injustice and the Distribution of Forward-Looking Responsibility,” Midwest Studies in Philosophy, XXXVIII: 232-252.
  • Osiel, Mark, 2009, Making Sense of Mass Atrocity, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Petersson, Björn, 2008, “Collective Responsibility and Omissions” Philosophical Papers, 37/2: 243–261.
  • Pettit, Philip, 2007, “Responsibility Incorporated,” Ethics, 117: 171-201.
  • Pfeiffer, Raymond S., 1988, “The Meaning and Justifications of Collective Moral Responsibility,” Public Affairs Quarterly, 2: 69–83.
  • Pinkert, Felix, 2014, “What We Together Can (Be Required To) Do,” Midwest Studies in Philosophy, XXXVIII: 187-202.
  • Radzik, Linda, 2001, “Collective Responsibility and Duties to Respond,” Social Theory and Practice, 27: 455–471.
  • Raikka, Juha, 1997, “On Dissociating Oneself from Collective Responsibility,” Social Theory and Practice 23: 1–9.
  • Rawls, John, 1971, A Theory of Justice, Cambridge: Harvard University Press.
  • Reiff, Mark, 2008, “Terrorism, Retribution, and Collective Responsibility” Social Theory and Practice, 28(3): 442–455.
  • Rousseau, Jean-Jacques, 1762, The Social Contract, trans. J. D. H. Cole, London: Everyman, 1993. [Cole translation available online.]
  • Rovane, Carol, 2014, “Forward-Looking Collective Responsibilty: A Metaphysical Reframing of the Issue,” Midwest Studies in Philosophy, XXXVIII: 12-25.
  • Sadler, Brook Jenkins, 2006, “Shared Intentions and Shared Responsibility” Midwest Studies in Philosophy, XXX: 115–144.
  • –––, 2007, “Collective Responsibility, Universalizability, and Social Practices” Journal of Social Philosophy, 38/3: 486–503.
  • Sartre, Jean-Paul, 1960, Critique of Dialectical Reason, trans. Alan Sheridan-Smith, New York: Verso, 1976.
  • Schmidtz, David, 1998, Social Welfare and Individual Responsibility, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Schwenbecher, Anne, 2010, “How To Punish Collective Agents: Non-Compliance With Moral Duties By States,” Ethics and International Affairs, 24: 1-5.
  • –––, 2013, “Joint Duties and Global Moral Obligations,” Ratio, 26: 310-328.
  • Shockley, Kenneth, 2007, “Programming Collective Control” Journal of Social Philosophy, 36: 442–445.
  • –––, 2016, “Individual and Contributory Responsibilty for Environmental Harm,” Oxford Handbook of Environmental Ethics, Oxford: Oxford University Press.
  • Simmel, Georg, 1971, On Individuality and Social Forms, trans. D. N. Levine, Chicago: University of Chicago Press.
  • Silver, David, 2006, “Collective Responsibility, Corporate Responsibility and Moral Taint” Midwest Studies in Philosophy, XXX: 269–278.
  • Smiley, Marion, 1992, Moral Responsibility and the Boundaries of Community, Chicago: University of Chicago Press.
  • –––, 2010, “From Moral Agency to Collective Wrongs; Re-thinking Collective Moral Responsibility” in Journal of Law and Policy (special issue on collective responsibility), Volume 19.
  • –––, 2014, “Future-Looking Collective Responsibility: A Preliminary Analysis,” Midwest Studies in Philosophy, XXXVIII: 1-12.
  • Sosa, David, 2009, “What is It Like to Be a Group?” Social Philosophy and Policy, 26 (1): 212–226.
  • Striblin, Carrie, 2013, “Collective Responsibility and the Narrative Self,” Social Theory and Practice 39: 147-165.
  • Sverdlik, Stephen, 1987, “Collective Responsibility,” Philosophical Studies, 51: 61–76.
  • Tannsjo, Torbjorn, 1989, “The Morality of Collective Actions,” Philosophical Quarterly, 39: 221–228.
  • –––, 2007, “The Myth of Innocence: On Collective Responsibility and Collective Punishment”, Philosophical Papers, 36: 295–314.
  • Janna Thompson, 2002, Taking Responsibility for the Past: Reparations and Historical Injustice, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2006, “Collective Responsibility for Historic Injustice” Midwest Studies in Philosophy, XXX: 154–167.
  • Tollefsen, Deborah, 2003, “Participant Reactive Attitudes and Collective Responsibility”, Philosophical Explorations, 6: 218-234.
  • –––, 2006, “The Rationality of Collective Guilt” Midwest Studies in Philosophy, XXX: 222–239.
  • Tuomela, Raimo, 1989, “Actions By Collectives,” Philosophical Perspectives, 3: 471–496
  • –––, 1991, “We Will Do It Again: An Analysis of Group Intentions,” Philosophy and Phenomenological Research, 60: 249–277.
  • –––, 2005, “We-Intentions Revisited,” Philosophical Studies, 125: 327–269
  • –––, 2006, “Joint Intention, We-Mode and I-Mode,” Midwest Studies in Philosophy, XXX: 35–58.
  • –––, 2013, Social Ontology, New York: Oxford University Press.
  • Van den Beld, Ton, 2002, “Can Collective Responsibility For Perpetrated Evil Persist Over Generations?”, Ethical Theory and Moral Practice, 5(2): 181–2000.
  • Velleman, J.D., 1997, “How to Share an Intention”, Philosophy and Phenomenological Research, 57: 29–50.
  • Wasserstrom, Richard, 1971, “The Relevance of Nuremberg,” Philosophy and Public Affairs, 1: 22–46.
  • Watkins, J.W.N., 1957, “Methodological Individualism and Social Tendencies,” British Journal for the Philosophy of Science, 8: 104–117.
  • Weber, Max, 1914, Economy and Society, Vol. 1, Berkeley: University of California Press, 1978.
  • Wringe, Bill, 2014, “From Global Collective Obligations to Institutional Obligations,” Midwest Studies in Philosophy, XXXVIII: 171-186.
  • Young, Iris, 2011, Responsibility for Justice Oxford: Oxford University Press.
  • Zoller, David, 2015, “Moral Responsibility and Distant Collective Harms,” Ethical Theory and Moral Practice, 18: 995-110.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

[Please contact the author with suggestions.]

مداخل ذات صلة

action | collective-self-determination | individualism, methodological | intention | moral responsibility

Acknowledgments

The editors would like to thank Robert von Hallberg for notifying us about a variety typographical and other errors in an earlier version of this entry.


[1] Smiley, Marion, “Collective Responsibility”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2017 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2017/entries/collective-responsibility/>.