مجلة حكمة
فلسفة حقوق الانسان

حقوق الإنسان

الكاتبأندرو فاغان
ترجمةعقيل هاشم عبود

مدخل حول (فلسفة حقوق الإنسان) وجذوره التاريخية، بقلم الد. أندرو فاغان، دكتور الفلسفة والقانون في جامعة إيسكس، مترجم من (موسوعة الإنترنت الفلسفية)، تعود حقوق النص الإنجليزي الأصلي لكل من الكاتب وموسوعة الإنترنت الفلسفية. بالغ الشكر لكل من الكاتب ومحرري الموسوعة على منح مجلة حكمة حقوق الترجمة ونشرها على موقعها

حقوق الانسان اندرو فاغان
د. أندرو فاغان، بروفيسور الفلسفة والقانون في جامعة إيسكس

 

 حقوق الأنسان هي ضمانات أخلاقية مؤكدة. سوف يبحث هذا المقال في الأسس الفلسفية والمحتوى العقدي لحقوق الأنسان.  وسيحتوي التحليل على خمسة أجزاء وخاتمة.  سيقيم الجزء الأول الأهمية المعاصرة لحقوق الأنسان، وسوف يحاجج من أن عقيدة حقوق الأنسان أصبحت هي العقيدة الأخلاقية المهيمنة في عملية أعادة التقييم للحالة الأخلاقية للنظام الجيو- سياسي المعاصر. أما الجزء الثاني، فسوف يعرض للتطور التاريخي لمفهموم حقوق الأنسان، بدأ بمنقاشة لأقدم الأصول الفلسفية للأسس الفلسفية لحقوق الأنسان، والتي بلغت ذروتها في بعض التطورات الأخيرة في تدوين حقوق الأنسان.

بينما يلقي الجزء الثالث الضوء على الاصطلاح الفلسفي لمفهوم حقوق الأنسان، ويحلل الفروق الرسمية والجوهرية التي وضعها الفلاسفة بين مختلف أشكال وفئات الحقوق.  الجزء الرابع سوف يعرض للسؤال الذي يتعلق بالكيفية التي سعى فيها الفلاسفة لتبرير الأدعاء لـ فلسفة حقوق الأنسان، وبوجه خاص، في رسم الحجج التي قدمت بواسطة منهجين مهيمنين في الوقت الحالي هما: نظرية المنفعة ونظرية الارادة.  الجزء الخامس سيعرض لنقاش بعض الأعتراضات الأساسية التي تم تسويتها حاليا في عقيدة حقوق الأنسان، ويسلط الضوء على بعض الحجج الأساسية لهولاء الذين تحدوا القواعد الكونية والموضوعية لـ فلسفة حقوق الأنسان.

أخيرا،  سوف نقدم خاتمة مختصرة للمقالة.

 

المحتويات                                                      

                                                

الجزء الأول: المقدمة – الأهمية المعاصرة لحقوق الانسان

الجزء الثاني: الجذور التاريخية والتطور النظري والعملي لحقوق الأنسان.                    

الجزء الثالث: التحليل الفلسفي لمفهوم حقوق الانسان:                                            

* الأخلاق في مقابل الحقوق القانوني.                                                             

* حقوق المطالبة.                                                                                   

* الفئات الموضوعية لحقوق الأنسان.                                                              

* نطاق واجبات حقوق الانسان.                                                                   

الجزء الرابع: التبريرات الفلسفية لحقوق الانسان:                                                

* هل تحتاج حقوق الأنسان للتبريرات الفلسفية.                                                   

* نهج نظرية المصالح.                                                                             

* نهج نظرية الأرادة.                                                                                

الجزء الخامس: الأنتقادات الفلسفية لحقوق الأنسان:                                                

* النسبية الأخلاقية.                                                                                 

* الأنتقادات المعرفية لحقوق الأنسان.                                                             

الجزء السادس: الخاتمة.                                                                       

الجزء السابع: المصادر وقراءات مقترحة اخرى.                                                  

 

                                                                 


الجزء الاول: المقدمة والأهمية المعاصرة لحقوق الأنسان.                                                

 

عرفت حقوق الأنسان على أنها الضمانات الأخلاقية المؤكدة التي يمتلكها جميع المواطنين في كل البلدان والثقافات، ببساطة لأنهم مواطنون.  ويقترح الأدعاء بأن هذه الحقوق “مؤكدة” بأنها تكون مرتبطة بأفراد معينين قادرين على أستحضارها، على أنها ذات أولوية عالية، وأن الأمتثال لها يكون ألزاميا وليس تقديري.

كثيرا ما يعتقد، أن حقوق الأنسان، هي حقوق عالمية بمعنى أن يستمتع بها جميع الأفراد، ويجب أن تكون مستقلة ومتاحة كمعايير للتبرير والنقد، سواء تم الأعتراف بها أو لم يتم الأعتراف بها من قبل النظام القانوني الرسمي لأي بلد.   (Nickel، 1992:561-2)

وتهدف عقيدة حقوق الأنسان الى تحديد الشرط الأساسي لكل أنسان يعيش حياة طيبة الى الحد الأدنى.  وكما تهدف فلسفة حقوق الأنسان أيضا الى تحديد كل من المتطلبات الأساسية السلبية والايجابية لعيش حياة جيدة الى الحد الأدنى، مثل الحقوق ضد التعذيب والحقوق المتعلقة بالرعاية الصحية.  لقد تجسد هذا التطلع في مختلف الأعلانات والأتفاقيات القانونية خلال الخمسين سنة الماضية، والتي بدأت من خلال الأعلان العالمي لحقوق الأنسان (1948)، وأدامتها بدرجة مهمة جدا، الأتفاقيات الأوروبية لحقوق الأنسان (1954)، والميثاق العالمي للحقوق المدنية والسياسية (1966).   تشكل هذه الوثائق الثلاثة مجتمعة المحور الأساس للمذهب الأخلاقي والذي يمكن أعتباره قادرا على تزويد النظام الجيو- سياسي المعاصر مع ما يمكن أن يرتقي الى وثيقة الحقوق الدولية.

إن مذهب حقوق الأنسان، لا يهدف على أية حال، أن يكون مذهبا أخلاقيا شاملا وكاملا.  ان مناشدة حقوق الأنسان، لا توفر لنا وصفا شاملا للأخلاق في حد ذاتها.  وان حقوق الأنسان، على سبيل المثال، لا تزودنا بمعايير للأجابة على أسئلة من قبيل، فيما اذا كان الكذب غير أخلاقي بطبيعته، أو ما مدى الألتزامات الأخلاقية للفرد تجاه الأصدقاء والعشاق؟  ان ما تهدف حقوق الأنسان الى تحديده بصورة أساسية، يكون الأساس لتحديد شكل، ومحتوى، ونطاق المعايير الأخلاقية العامة الأساسية.  كما نص “جيمس نكل”، من أن فلسفة حقوق الأنسان تهدف الى تأمين الظروف الضرورية للأفراد للتمتع بحياة جيدة في حدها الأدنى.

 

يتم تحديد السلطات العامة، الوطنية والدولية على حد سواء، على أنها أفضل وضع نموذجي لتأمين هذه الشروط، وهكذا، أصبح مبدأ حقوق الأنسان، بالنسبة للكثيرين، المنفذ الأول للدعوة الأخلاقية لتحديد الضمانات الأخلاقية الأساسية التي يحق لنا جميعا أن نتوقع، من بعضنا البعض ولكن أيضا، بشكل أساسي، تلك المؤسسات الوطنية والدولية القادرة على التأثير بشكل مباشر على مصالحنا الأكثر أهمية.

تطمح عقيدة حقوق الأنسان الى تزويد النظام السياسي – الجغرافي المزعوم والذي جاء في أعقاب النظام الأيديولوجي، بأطار مشترك لتحديد الشروط الأقتصادية، السياسية، والأجتماعية المطلوبة لكل الأفراد لعيش حياة محترمة في حدودها القصوى.  في حين أن الفعالية العملية لتعزيز حقوق الانسان وحمايتها يتم دعمها بشكل كبير من خلال الأعتراف القانوني للدول القومية بعقيدة حقوق الانسان، فان الصلاحية النهائية لحقوق الانسان ينظر اليها على أنها ليست مشروطة بهذا الأعتراف.

يعتقد أن التبرير الأخلاقي لحقوق الانسان يسبق أعتبارات السيادة الوطنية الصارمة.  ان الطموح الأساسي لعقيدة حقوق الانسان، هو تزويد كل الأمم  بمجموعة من المعايير الشرعية اللازم أتباعها.  ان المناشدات من أجل السيادة الوطنية يجب ألا توفر وسيلة مشروعة للدول كي تختار بشكل دائم عدم الأيفاء بألتزاماتها القائمة على حقوق الانسان.   وبالتالي، توضع عقيدة حقوق الانسان بصورة مثالية لتزويد الأفراد بوسائل القوة للمراجعة الأخلاقية لشرعية تلك الأشكال الوطنية والعالمية المعاصرة للسلطة الأقتصادية والسياسية التي تواجهنا جميعا والتي تدعي بسلطة الأختصاص علينا جميعا أيضا.  هذه ليست بقياسات صغيرة للأهمية الكبيرة للجوانب الأخلاقية والسياسية المعاصرة لعقيدة حقوق الانسان.  وتهدف عقيدة حقوق الانسان، بنظر الكثير من أنصارها الأقوياء، الى توفير القاعدة الأخلاقية الأساسية لتنظيم النظام الجيو- سياسي المعاصر.

 

الجزء الثاني: الأصول التاريخية وتطور النظرية والتطبيق لحقوق الانسان.                         

 

تستند عقيدة حقوق الانسان على أدعاء فلسفي أساسي بشكل خاص: القائل بأن هناك نظام أخلاقي يمكن التعرف عليه بشكل عقلاني، نظام تكون شرعيته سابقة للظروف الأجتماعية والتاريخية والمنطبقة على بني البشر في كل مكان وفي كل وقت.  تكون الأعتقادات والمفاهيم الأخلاقية، من وجهة النظر هذه، قادرة على التحقق الموضوعي، وهي كذلك مفاهيم أساسية وعالمية.  ان عقيدة حقوق الانسان المعاصرة، هي واحدة من وجهات النظر الأخلاقية الكونية.  وترتبط أصول وتطور نظرية حقوق الانسان أرتباطا وثيقا بتطور عالمية الأخلاق.

تشكل تاريخ التطور الفلسفي لـ فلسفة حقوق الانسان بواسطة عدد محدد من المذاهب الأخلاقية والتي، وأن لم تكن بذاتها مشبعة ومعبرة بدقة عن فلسفة حقوق الانسان، لكنها مع ذلك زودت عقيدة حقوق الانسان بمجموعة من المتطلبات الفلسفية الأساسية.  وتشمل هذه النظرة الى الأخلاق والعدالة بأعتبارها منبثقة من بعض مجالات ما قبل الجتمع، والتي يوفر تحديدها الأساس للتمييز بين المبادئ والمعتقدات الأخلاقية الحقيقية والتقليدية فقط.  كما وتتضمن المتطلبات الأساسية الضرورية للدفاع عن حقوق الانسان مفهوم الفرد كحامل لحقوق طبيعية مؤكدة ونظرة خاصة للأخلاق الأصيلة والمتساوية التي يستحقها كل فرد عاقل.  وسوف أشرح كل منها على حدة.

 

تستند فلسفة حقوق الانسان على أخلاق عالمية والأعتقاد بحقيقة وجود مجتمع أخلاقي عالمي يحتوي جميع البشر.  وتفترض شمولية الأخلاق وجود حقائق أخلاقية عابرة للتاريخ وقابلة للتحديد عقلانيا.  أرتبطت أصول الأخلاق العالمية في أوروبا بكتابات أرسطو والمدرسة الرواقية.  ففي كتابه “الأخلاق النيقوماخية”، يشرح أرسطو بشكل لا لبس فيه، حجة تعضد وجود نظام طبيعي أخلاقي.  وهذا النظام الطبيعي الأخلاقي يجب أن يوفر الأساس لكل الأنظمة العقلانية للعدالة.  ويوفر الأحتكام الى النظام الطبيعي مجموعة من المعايير الشاملة والعالمية المحتملة لتقييم شرعية النظام القانوني الفعلي من “صنع – الانسان”.  يكتب أرسطو، في محاولة للتمييز بين “العدالة الطبيعية” و “العدالة القانونية”، “أن الطبيعي هو ماله نفس الصلاحية في كل مكان والذي لا يعتمد على المقبولية”.  (Nicomachean Ethics، 189).

وعليه، فأن المعايير التي تحدد النظام العقلاني الحق للعدالة تكون سابقة للأتفاقيات الأجتماعية والتاريخية.  تكون “العدالة الطبيعية” موجودة مسبقا على التكوينات الاجتماعية والسياسية المحددة.  وتكون الوسائل  المستخدمة في تحديد شكل ومحتوى العدالة الطبيعية في مزاولة العقل بأستقلالية وبعيدا عن كل تحريف للأثار المشوهة للتحيز المجرد أو الرغبة.   هذه الفكرة الأساسية عبر عنها بالمثل من قبل الرواقية الرومانية، متمثلة بشيشرون وسينيكا، الذين جادلا بأن الأخلاق نشأت في الارادة العقلانية للخالق وفي وجود المدينة الكونية والتي من خلالها يستطيع الفرد أن يميز القانون الطبيعي الأخلاقي وسلطته التي تجاوزت جميع الرموز القانونية المحلية.

لقد جادل الرواقيون، بأن هذه الرموز الأخلاقية العالمية فرضت علينا جميعا مسؤولية طاعة أرادة الله.  وهكذا أفترض الرواقيون وجود مجتمع أخلاقي عالمي يتأثر بعلاقتنا المشتركة مع الله.  لقد تمت المحافظة على هذا الأعتقاد القائل بوجود مجتمع أخلاقي عالمي في أوروبا بواسطة المسيحية على مدى القرون اللاحقة.   في حين أن البعض قد لاحظ أشارات الى فكرة الحقوق في كتابات أرسطو والرواقيين واللاهوتيين المسيحين، فأن مفهوم الحقوق الذي يقترب من الفكرة المعاصرة لـ فلسفة حقوق الانسان ظهر بوضوح خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا وما يسمى بمذهب القانون الطبيعي.

يكون الأساس في القانون الطبيعي، هو الأعتقاد بوجود رموز أخلاقية طبيعية أسست على تحديد الاحتياجات البشرية الأساسية والتي يمكن التحقق منها بشكل موضوعي.  وتؤمن غبطتنا بهذه الأحتياجات الأساسية بواسطة أمتلاكنا للحقوق الطبيعية الأساسية القابلة للتحقق بشكل موضوعي.  أعتبر وجود القانون الطبيعي حالة مسبقة لوجود الأنظمة الأجتماعية والسياسية الفعلية.  وعليه فقد قدمت الحقوق الطبيعية كحقوق أمتلكها الأفراد بصورة مستقلة عن المجتمع أو الدولة.  وبذلك قدمت الحقوق الطبيعية على أنها صالحة في النهاية بغض النظر عن كون الأعتراف فيها قد تحقق بواسطة قائد سياسي أو مجلس نيابي.  لقد كان فيلسوف القرن السابع عشر “جان لوك” هو الممثل الجوهري لهذا الموقف، وعلى وجه التحديد، الحجة التي أوجزها في رسالتيه عن الحكومة (1688).  ويكون الأدعاء بأن الأفراد يمتلكون حقوق طبيعية، مستقلة عن الأعتراف السياسي الممنوح من الدول، هو المحور في حجة “لوك”.

لقد أمتلكت هذه الحقوق الطبيعية بصورة مستقلة من، وسابقة على، كل تنظيم سياسي للمجتمع.  وقد حاجج “لوك”، بأن الحقوق الطبيعية تدفقت من القانون الطبيعي.  ان منبع القانون الطبيعي هو الله.  ولقد زودنا التمييز الدقيق لارادة الله بقانون أخلاقي موثوق به في نهاية المطاف.  كل منا، في الأصل مدين بواجب الحفاظ على الذات تجاه الله.   ولكي نفصل بنجاح هذه المسؤولية الذاتية فأن كل فرد عليه أن يتحرر من كل تهديد للحياة والحرية، بينما وفي نفس الوقت طلب ما قدمه “لوك” على أنه الأساس للوسائل الايجابية للحفاظ على  الذات: الملكية الشخصية.  يستلزم واجبنا في الحفاظ على الذات تجاه الله، ذلك الوجود الضروري للحقوق الطبيعية الأساسية للحياة: الحرية، والملكية.  وقد أنتقل “لوك” بعد ذلك ليحاجج من أن الغرض الأساسي من تنصيب السلطة السياسية في الدولة المستقلة كان لتقديم الحماية للحقوق الطبيعية الأساسية للأفراد.  فالبنسبة “لجان لوك“، فأن الحماية والترويج للحقوق الطبيعية للأفراد كان التبرير الجوهري لخلق الحكومة.

أوضحت الحقوق الطبيعية للحياة، الحرية، والملكية المحددات الواضحة للسلطة والولاية القضائية للدولة.  وعليه، فأن وجود الدولة يكون في خدمة المصالح العامة، وتأمين الحقوق الطبيعية للأمة، وليس لملك أو لكادر حاكم.  وقد ذهب “جان لوك” بعيدا للقول، بأن هناك مبرر أخلاقي للأفراد لحمل السلاح ضد حكومتهم اذا فشلت بشكل منهجي ومتعمد في واجبها لحفظ الحقوق الطبيعية للأفراد.  لقد سجلت التحليلات التاريخية للأسلاف في النظرية المعاصرة لحقوق الانسان درجة عالية من الأهمية لأسهامات “جان لوك”.  ومن المؤكد، أن “لوك” قدم سابقة في تأسيس سلطة سياسية شرعية على أسس صحيحة.  ومما لا شك فيه، فان هذا العنصر ضروري جدا لحقوق الانسان.

ومع ذلك، فأن الأكتمال الفلسفي المناسب للأساس النظري لحقوق الانسان يتطلب تفسيرا للتفكير الأخلاقي، والذي يتفق مع مفهوم الحقوق، لكنه لا يتطلب بالضرورة أستئنافا لسلطة بعض من المخلوقات ذات القوة الخارقة لتبرير متطلبات الموجود البشري لبعض الحقوق الأساسية.  ومثل هذا الحساب، يقدمه فيلسوف القرن الثامن عشر “أمانويل كانط”.

 

تظل العديد من الموضوعات المركزية التي تم التعبير عنها في فلسفة كانط الأخلاقية بارزة للغاية في التبريرات الفلسفية المعاصرة لحقوق الانسان.  ومن بين أهم الأفكار تلك التي تتعلق بالتساوي والأستقلال الأخلاقي للموجود البشري العاقل.  ويضفي “كانط” على نظرية حقوق الانسان المعاصرة نموذجا لمجتمع عالمي محتمل من أفراد عقلانيين يحددون بشكل مستقل المبادئ الأخلاقية لتأمين مبادئ المساواة والأستقلالية.  وهنا يوفر “كانط” وسيلة لتبرير حقوق الانسان كأساس لتقرير الذات على أساس سلطة العقل البشري.

تستند فلسفة “كانط” الأخلاقية على نداء للمبادئ الرسمية للأخلاق، عوضا عن، وعلى سبيل المثال، النداء لمفهوم الحاجات البشرية الجوهرية.  بالنسبة “لكانط”، لا يمكن تحديد أي من هذه الأفعال الخيرة، الا من خلال التحديد الصحيح للخصائص الشكلية للعقل البشري، وبالتالي، لا يوفر الوسائل النهائية لتحديد الغايات الصحيحة، أو الهدف للعقل البشري.  تبدأ فلسفة “كانط” الأخلاقية من محاولة تحديد وبدقة مبادئ التفكير التي يمكن تطبيقها بالتساوي على جميع الأشخاص العقلانيين، بغض النظر عن رغباتهم المحددة أو مصالحهم الجزئية.  فيربط “كانط”، بهذه الطريقة، شرط العالمية، على التحديد الصحيح للمبادئ الأخلاقية.

 بالنسبة له، فأن أساس التفكير الأخلاقي يجب أن يعتمد على شرط، من الواجب أن يوافق عليه جميع الأفراد العقلانيين.  وعليه فأن فعل الشيء الصحيح لا يحدد من خلال سعي الفرد وراء مصالحه أو رغباته الشخصية، ولكن للعمل وفقا لمبدأ يلتزم جميع الأفراد العقلانيين بقبوله.

ويصف “كانط” هذه الحتمية القاطعة، التي صاغها بالعبارات التالية، “تصرف فقط وفقا لهذا المبدأ الذي يمكنك من خلاله، في نفس الوقت، أن يصبح قانونا عالميا”.  (1948:84).

يحتج “كانط” بأن هذا الشرط الأساس للعالمية في تقرير القواعد الأخلاقية لقيادة العلاقات البشرية يكون تعبيرا ضروريا للأستقلال الأخلاقي وللمساواة الأساسية لجميع الأفراد العقلانيين.  وتفرض الحتمية القاطعة ذاتيا من قبل أشخاص عقلانيين مستقلين أخلاقيا ومتساوين رسميا.  أنه يوفر الأساس لتحديد نطاق وشكل تلك القوانين التي سيضعها الأفراد المستقلون أخلاقيا والعقلانيون من أجل تأمين هذه الشروط نفسها.  بالنسبة “لكانط”، فأن القدرة على ممارسة العقل تكون السمة المميزة للبشرية والقاعدة لتبرير كرامة الأنسان.

ان صياغة مبادئ ممارسة العقل، بصفتها السمة المميزة للأنسانية، يجب أن تفي بالضرورة بأختبار العالمية، ويجب أن يكونوا قادرين على الأعتراف بها عالميا من قبل جميع الفاعلين العقلانيين على قدم المساواة.  تشتهر فلسفة “كانط” الأخلاقية، بكونها مجردة وصعبة للغاية، وتقاوم الفهم السهل.   ومن خلال روايات التطور التاريخي لحقوق الانسان التي غالبا ما يتم التغاضي عنها، كانت مساهمته في حقوق الانسان عميقة.  يقدم “كانط” صياغة للمبادئ الأخلاقية الأساسية التي، على الرغم من كونها رسمية وتجريدية للغاية، الا أنها تستند الى المثل العليا المزدوجة للمساواة والأستقلالية الأخلاقية.  ان حقوق الانسان، هي حقوق نعطيها لأنفسنا، اذا جاز التعبير، ككائنات مستقلة ومتساوية بصوبروسرة رسمية.  بالنسبة “لكانط” فأن أي حقوق من هذا القبيل تنشأ من الخصائص الشكلية للعقل البشري، وليس من خلال ارادة شخص خارق.

ان الأفكار الفلسفية التي دافع عنها فلاسفة من أمثال “جان لوك” و “كانط” كان لها علاقة مع مشروع التنوير العام الذي بدأ في القرنين السابع عشر والثامن عشر، والتي كان لها تأثيرها الكبير حول العالم ولقرون مقبلة.  لقد قدمت أفكار من قبيل، الحقوق الطبيعية، الأستقلال الأخلاقي، الكرامة الأنسانية والمساواة أساسا معياريا للمحاكمات في اعادة تشكيل النظام السياسي، للأطاحة بالأنظمة الأستبدادية والسعي لأستبدالها بأشكال من السلطة السياسية القادرة على حماية وتعزيز هذه المثل أو الأفكار التحررية الجديدة.  أثرت هذه المثل بصورة كبيرة بالثورات، وبالأضطرابات السياسية خلال فترة القرن الثامن عشر، وكانت لها قدسية في العديد من المواثيق، مثل ميثاق الأستقلال الأمريكي، وأعلان الجمعية الوطنية الفرنسية لحقوق الانسان.  وبصورة مشابهة، فأن مفهوم الحقوق الفردية أستمر في صداه وتأثيره طيلة القرن التاسع عشر والذي وضح بواسطة دفاع “ماري ولستونكرافت” عن حقوق النساء وبقية الحركات السياسية ولتوسيع دائرة الأقتراع السياسي لجوانب من المجتمع التي حرمت من أمتلاك الحقوق السياسية والمدنية.

لقد أصبح مفهوم الحقوق وسيلة لأحداث التغيير السياسي.  ومع ذلك، فربما يجادل البعض، بأن المتطلبات الأساسية المفاهيمية للدفاع عن حقوق الانسان كانت موجودة مسبقا، لكن الأعلان الكامل لمذهب الحقوق وواقعيته أكتمل خلال القرن العشرين، وكان هذا الأكتمال ناتج عن تلك الأنتهاكات البشعة لحقوق الانسان والتي تمثلت في “الهولوكوست“.   لقد كان الدافع من وراء الأعلان العالمي لحقوق الانسان الذي أعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر 1948، هو لمنع حدوث مثل هذه الفظائع في المستقبل.

ويتجاوز الأعلان بحد ذاته أي محاولة مجردة لأعادة تأكيد أمتلاك الأفراد للحق في الحياة كحق من حقوق الانسان غير القابلة للتصرف.  ويتكون الأعلان العالمي لحقوق الانسان من مقدمة وثلاثين مادة تحدد بشكل منفصل أشياء مثل الحق في عدم التعرض للتعذيب (المادة 5)، والحق في اللجوء (المادة 14)، والحق في الملكية (المادة 17)، والحق في العيش (المادة 25) بأعتباره من حقوق الانسان الأساسية.  وكما أوضحت مسبقا، فأن الأعلان العالمي لحقوق الانسان، تم أستكماله كذلك بواسطة بعض المواثيق مثل الأتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الانسان والحريات الأساسية (1953) والميثاق الدولي بشأن الحقوق الأقتصادية، الأجتماعية والثقافية (1966).

لقد تم تعزيز التطلعات الواردة في هذه الوثائق الثلاث بعدد لا يحصى من الأعلانات والمواثيق.  وتضم هذه الأعلانات والمواثيق والعهود الدولية معا، مذهب حقوق الانسان المعاصر، وتجسد كل من: الأعتقاد بوجود نظام أخلاقي عالمي صالح، والأعتقاد بتمتع جميع البشر بوضع أخلاقي أساسي متساوي، متجسد داخل فلسفة حقوق الانسان.  من المهم الأشارة هنا، على أية حال، بأن مذهب حقوق الانسان المعاصر، وبينما يكون مثقل بالدين لمفهوم الحقوق الطبيعية، الا أنه ليس مجرد تعبير لهذا المفهوم، لكنه بالفعل يذهب أبعد منه في بعض النواحي الهامة للغاية.  يحدد “جيمس نيكل” (1987:8-10) ثلاثة طرق معينة والتي من خلالها يبرز أختلاف فلسفة حقوق الانسان المعاصرة من، وتذهب أبعد من تلك المتعلقة بالحقوق الطبيعية.

أولا: فهو يجادل بأن حقوق الانسان المعاصرة مهتمة بشكل كبير جدا في النظر بتحقيق المساواة، وعلى أنه أمر يتطلب أجراءات ايجابية من قبل الدولة، من خلال توفير المساعدة الأجتماعية، على سبيل المثال.  فهو يجادل، بأن المدافعين عن الحقوق الطبيعية، كانوا أكثر ميلا في النظر الى المساواة من الناحية الشكلية، على أنها تتطلب بشكل أساسي من الدولة الأمتناع عن التدخل في حياة الأفراد.

ثانيا: فهو يجادل بأنه في حين أن دعاة الحقوق الطبيعية يميلون الى تصور البشر على أنهم مجرد أفراد، وانهم يمثلون “أرضا حقيقية لأنفسهم”، فأن المدافعين عن حقوق الانسان المعاصرة هم اكثر أستعدادا لاعادة النظر في أهمية الأسرة والمجتمع في حياة الأفراد.

ثالثا: ينظر “نيكل” الى حقوق الانسان المعاصرة على أنها أكثر أممية بكثير من حيث نطاقها وتوجهها، مما وجد عادة في الحجج الداعمة للحقوق الطبيعية. وهذا يعني أن حماية وتعزيز حقوق الانسان ينظر أليها بشكل متزايد على أنها تتطلب العمل والأهتمام الدوليين.  ان التمييز الذي وضعه “نيكل”، بين حقوق الانسان المعاصرة وبين الحقوق الطبيعية يسمح للفرد في أدراك تطور فلسفة حقوق الانسان.  حقا، فأن العديد من الكتاب في مجال حقوق الانسان يوافقون على مسألة تحديد ثلاثة أجيال من حقوق الانسان.

   الجيل الأول: وهو الجيل الذي يتضمن بصورة رئيسية حقوق الأمان، الملكية، والمشاركة السياسية. وهذه الحقوق مرتبطة بالعادة، بالأعلانات في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

الجيل الثاني: وهو الجيل الذي يفسر هذه الحقوق على أنها حقوق أجتماعية – أقتصادية، مثل حقوق الرفاهية، التعليم، وحقوق الراحة، على سبيل المثال.  وهذه الحقوق ضمنها بصورة كبيرة الأعلان العالمي لحقوق الانسان.

الجيل الثالث: وهو الجيل الأخير من الحقوق، وقد أرتبط بحقوق مثل، حق تقرير المصير القومي، نظافة البيئة، وحقوق الأقليات الأصلية.  لقد تجذرت هذه الأجيال من الحقوق، فقط خلال العقدين الأخرين من القرن العشرين، لكنها قدمت تطورا عظيما، وبصورة عامة ضمن مذهب حقوق الانسان.  في حين أن الأهمية الكاملة لحقوق الانسان قد تظهر أخيرا لبعض الناس، فأن المفهوم نفسه له تاريخ يمتد على مدى أكثر من ألفي عام.  ان تطور فلسفة حقوق الانسان، يتخلله ظهور وأستيعاب العديد من المثل الفلسفية والأخلاقية، ويبدو أنه يتوج، على الأقل في نظرنا، في أنشاء مجموعة معقدة للغاية من الوثائق والمؤسسات القانونية والسياسية، والتي تتمثل أغراضها الواضحة، في حماية والترويج للأسس العامة لحقوق الانسان في كل مكان.  قليلون هم الذين يبخسون أهمية هذا التيار الخاص في التاريخ البشري الحالي.

الجزء الثالث: التحليل الفلسفي لمفهوم حقوق الانسان                                          

 

            يرتبط وجود حقوق الانسان مع الوجود البشري، وتعمل كضمانات أخلاقية تساعد في طرح مطاليبنا تجاه الأستمتاع في حياة جيدة في حدودها الدنيا.  وتشتق فلسفة حقوق الانسان في الأصطلاحات المفاهيمية من مفهوم الحق.  وسوف يركز هذا الجزء على التحليل الفلسفي لمفهوم “الحق” لكي نوضح الأجزاء المختلفة للمفهوم التي من خلالها تنبثق حقوق الانسان. ولكي نحصل على فهم كامل لكل من المرتكزات الفلسفية لمذهب حقوق الانسان والطرق المختلفة التي تفصل عمل هذه الحقوق، فنحن بحاجة الى تحليل مفصل.

 

الحقوق الأخلاقية والحقوق القانونية                                                                             

ان التمييز بين الحقوق الأخلاقية والحقوق القانونية كفئتين منفصلتين للحقوق، له أهمية أساسية في فهم الأساس والتطبيق المحتمل لحقوق الانسان.  تشير الحقوق القانونية الى تلك الحقوق الموجودة ضمن الرمز القانوني الحالي. وأن الحق القانوني، هو الحق الذي يتمتع بأعتراف القانون وحمايتة.  والأسئلة المتعلقة بوجوده، يمكن حلها بواسطة تحديد الأداة القانونية المناسبة أو تحديد النموذج التشريعي.  لا يمكن القول بوجود الحق القانوني قبل أقراره بصيغة قانونية، ويتم تحديد حدود صلاحياته من خلال أختصاص الهيئة التي أصدرت التشريع ذي الصلة.

         مثال على الحق القانوني، هو حق أبنتي للحصول على تعليم مناسب، كما أوضح في قانون التعليم في المملكة المتحدة (1944).  ويكفي القول، أن ممارسة هذا الحق يكون محددا للمملكة المتحدة.

 لا تمتلك أبنتي الحق في الحصول على تعليم مناسب من مجلس التعليم في جنوب كاليفورنيا.  لذلك يجادل القانونيون الوضعيون بأن القول بالحق هنا يعني فقط الحقوق القانونية الموجودة بصورة شرعية، أي الحقوق التي تنبع ضمن النظام القانوني.  ان الحقوق الأخلاقية، من وجهة النظر هذه، لا تكون حقوق بالمعنى الدقيق للكلمة، لكن من الأفضل التفكير بها على أنها متطلبات أخلاقية، والتي ربما يتم أو لا يتم في النهاية أستيعابها ضمن القانون الوطني أو العالمي.  بالنسبة الى الوضعيين القانونيين، من أمثال فيلسوف القانون في القرن التاسع عشر “جيريمي بنثام”، لا يمكن أن يكون هناك شيء أسمه حقوق للانسان موجودة قبل، أو بشكل منفصل عن التدوين القانوني.

ان تحديد وجود الحقوق، بالنسبة للوضعي ليس أكثر تعقيدا من تحديد التشريع القانوني ذي الصلة أو السابقة.  وفي تناقض صارخ، فأن الحقوق الأخلاقية، هي الحقوق، التي يطالب بها، وتكون سابقة الى ومستقلة عن نظرائها.  ان وجود وصلاحية الحق الأخلاقي لا يعتمد على أجراءات الفقهاء والمشرعون.  لقد جادل الكثير من الناس، على سبيل المثال، بأن الغالبية السوداء في نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا أمتلكت حقا أخلاقيا يتيح لها المشاركة الكاملة في الحياة السياسية في النظام السياسي لذلك البلد، على الرغم من عدم وجود حق قانوني.  والمثير للأهتمام، أن العديد من الناس، قد أطروا معارضتهم لنظام الفصل العنصري من حيث الحقوق فحسب.

وأن ما وجده الكثيرون بغيضا من الناحية الأخلاقية لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، هو رفضه للعديد من الحقوق الأخلاقية الأساسية، والتي تتضمن حقوق الأفراد في عدم التفريق بينهم على أسس تتعلق باللون وحقوق المشاركة السياسية، للغالبية السكانية في هذا البلد.  لا يمكن متابعة هذا الخط من المعارضة والأحتجاج الا بسبب الايمان بوجود وصحة الحقوق الأخلاقية.  ان الأعتقاد بأن الحقوق الأساسية التي تلقى أو ربما لا تلقى الأعتراف القانوني في أماكن أخرى، تبقى بدون شك صالحة ومقبولة أخلاقيا، حتى، وربما بصورة خاصة، في البلدان التي لا تعترف أنظمتها القانونية بهذه الحقوق.

لم يكن من الممكن الشروع في معارضة قائمة على الحقوق لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا من خلال أستئناف الحقوق القانونية، لأسباب واضحة.  ولا أحد يستطيع المجادلة بصورة شرعية، بأن الحقوق السياسية والقانونية لغير- البيض في جنوب أفريقيا قد تم أنتهاكها من قبل نظام الفصل العنصري، لأنه لا وجود لمثل هذه الحقوق.  غير أن الحرمان الممنهج من هذه الحقوق يشكل أنتهاكا صارخا للحقوق المعنوية الأساسية لتلك الشعوب.

يجب أن يكون واضحا، ومن الأمثلة الأنفة الذكر، أن حقوق الانسان لا يمكن أن تقلل الى، أو تحدد حصريا مع الحقوق القانونية.  حيث يستبعد القانون المبرر للحساب الوضعي القانوني أمكانية أدانة مثل هذه الأنظمة كنظام الفصل العنصري من منظور الحقوق.  لذلك، قد يبدو من المغري أستخلاص نتيجة مفادها، أن أفضل تعريف لحقوق الانسان هو الحقوق الأخلاقية.  بعد كل شيء، فان وجود الأعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الدولية المختلفة، التي لم تكن جنوب أفريقيا من الدول الموقعة عليها في معظم الحالات، قد زودت معارضي الفصل العنصري بحجة أخلاقية قوية.  لقد وجد نظام الفصل العنصري، نتيجة رفضه لحقوق الانسان الأساسية.  تشترك حقوق الانسان بالتأكيد في صفة أساسية من الحقوق الأخلاقية، وهي، أن صلاحية وجودها لا يعتبر مشروطا بمدى الأعتراف القانوني بها.  ويقصد بحقوق الانسان، هي تلك الحقوق التي تنطبق على جميع البشر في كل مكان، بغض النظر عما اذا كانوا قد حصلوا على أعتراف قانوني من جميع البلدان، وفي كل مكان.  من المؤكد أن هناك العديد من الدول، التي تستبعد بصورة جزئية أو بصورة كاملة الأعتراف الرسمي القانوني لحقوق الانسان الأساسية.   ويصر أنصار حقوق الانسان في هذه الدول، على أن هذه الحقوق تبقى صالحة كحقوق معنوية أساسية، بغض النظر.  تدعم عالمية حقوق الانسان بشكل ايجابي مثل هذا الأدعاء.  من الواضح أن عالمية حقوق الانسان كحقوق أخلاقية تضفي قوة أخلاقية أكبر على حقوق الانسان.  لكن على أية حال، فأن الحقوق القانونية، من ناحيتها لا تكون عرضة للخلاف من حيث وجودها وصلاحيتها بنفس الطريقة التي تكون عليها الحقوق الأخلاقية. وسوف يكون خطأ اذا حددنا بصورة حصرية حقوق الانسان مع الحقوق المعنوية.

من الأفضل التفكير في حقوق الانسان على أنها كليهما، حقوق قانونية وأخرى أخلاقية.  وتنشأ حقوق الانسان كحقوق أخلاقية، وتعتمد شرعيتها بالضرورة على شرعية مفهوم الحقوق الأخلاقية.  وأن الهدف الأساسي للدعوة لحقوق الانسان، هي أن تستلم هذه الحقوق أعتراف قانوني عالمي.  لقد كان هذا، بعد كل شيء، الهدف الأساسي للمعارضين لنظام الفصل العنصري.  وبالتالي، فأنه من الأفضل أن يتم التفكير بحقوق الانسان، على أنها معا حقوق قانونية وأخلاقية.  ترتبط المطالبات الشرعية لحقوق الانسان بوضعها كحقوق أخلاقية.

مع ذلك، فأن الفعالية العملية لحقوق الانسان، تعتمد الى حد كبير على تطورها الى حقوق قانونية.  وفي الحالات التي لا تتمتع فيها حقوق الانسان المعينة بالأعتراف القانوني، كما هو الحال في مثال الفصل العنصري أعلاه، يجب أعطاء الأولوية للحقوق الأخلاقية بقصد الدفاع عن الأدعاءات الاخلاقية لهذه الحقوق كشرط أساسي ضروري للأعتراف القانوني النهائي بهذه الحقوق، المطروحة في السؤال.

 

* حقوق المطالبة وحقوق الحرية                                                                 

 لفهم الخصائص الوظيفية لحقوق الانسان، من الضروري النظر في التمييز الأكثر تحديدا بين حقوق المطالبة وحقوق الحرية.    وتجدر الأشارة الى أن بدء مثل هذه المناقشات بالرجوع الى التصنيف الموسع للحقوق الذي وضعه “دبليو أن هوهفيلد” عام (1919) يعد بمثابة أتفاقية.  لقد حدد “هوهفيلد” أربعة تصنيفات للحقوق: حقوق الحرية، حقوق المطالبة، حقوق القوة، وحقوق الحصانة.  لكن على أية حال، فأن العديد من الباحثين أتجهوا لاحقا الى ضم الصنف الثالث والرابع للصنف الأول والثاني، وعليه كان التأكيد فقط على حقوق الحرية وحقوق المطالبة.  ويقدم لنا فيلسوف السياسة “بيتر جونز” (1944) مثال على ذلك.

يقيد “جونز” أنتباهه للتمييز بين حقوق المطالبة وحقوق الحرية.  فهو يتفق مع أتجاه راسخ في تحليل الحقوق في النظر الى الصنف الأول على أنه الأهمية الأساسية.  فيعرف “جونز” حق المطالبة على أنها تتألف من كونك مدينا بواجب.  وحق المطالبة هذا، هو حق يتمتع به الفرد ضد فرد أخر، أو أشخاص يدينون بواجب مماثل تجاه صاحب الحق.  وللعودة الى مثال أبنتي.  فأن حقها في الحصول على تعليم معتبر، هو حق بالمطالبة ضد سلطة التعليم المحلية، والتي لها واجب في المقابل لتوفير هذا الحق لها.  ثم يحدد “جونز” المزيد من الفروق الضرورية ضمن مفهوم حق المطالبة عندما يميز بين حق المطالبة الايجابي وحق المطالبة السلبي.

فتكون الأولى حقوق يتمتع بها المرء ضد تدخل الأخرين أو التعدي على حياتهم أو ممتلكاتهم بطريقة ما.   ويمكن أن يقال أن أبنتي تمتلك حق مطالبة سلبية ضد الأخرين الذين يحاولون سرقة هاتفها المحمول، على سبيل المثال.  تقودنا مثل هذه الأمثلة، حقا للتمييز النهائي والذي أشار أليه “جونز” ضمن حقوق المطالبة: بين الحقوق الشخصية والحقوق العينية.  فالحقوق الشخصية هي حقوق يتمتع بها الفرد تجاه بعض أصحاب الواجبات المحددة، مثل سلطة التعليم.  وفي المقابل، فأن الحقوق العينية هي حقوق محفوظة ضد أي شخص أخر على وجه الخصوص، ولكنها تنطبق على الجميع.  وبالتالي، فأن حق أبنتي في التعليم لن يكون مجديا عمليا لولا وجود هيئة مختصة وذات صلة لا يمكن تحديدها.

وبالمثل، فأن حقها ضد سرقة هاتفها المحمول منها سيكون محدودا للغاية اذا لم ينطبق على كل أولئك القادرين على القيام بمثل هذا الفعل.  اذا، يمكن أن تكون حقوق المطالبة أما ذات طابع ايجابي أو سلبي ويمكن الأحتفاظ بها أما بشكل شخصي أو عيني.  يعرف “جونز” حقوق الحرية على أنها حقوق موجودة في غياب أي واجبات بعدم أداء بعض الأنشطة المرغوبة، وبالتالي فهي تتكون من تلك الأجراءات التي لا يحظر على المرء القيام بها.   وتكون حقوق الحرية بالأساس، على النقيض من حقوق المطالبة سلبية في طابعها.  فعلى سبيل المثال، يمكنني أن أقول بأنني أتمتع بحقوق الحرية لقضاء عطلتي مستلقيا على شاطئ بحر جميل في اليونان.  لسوء الحظ، لا أحد عليه واجب توفير هذه الممارسة الخاصة لحقي في الحرية بشكل ايجابي.  لا توجد سلطة أو هيئة، على سبيل المثال، معادلة للسلطة التعليمية، والتي لديها مسؤولية تحقيق حلمي بالنسبة لي.  وعليه، يمكن القول، أذن، أن حق الحرية، هو ذلك الحق الذي من خلاله يفعل المرء ما يرضيه بالتحديد، لأن المرء ليس ملزما، ومتأصلا في حقوق المطالبة للأخرين، وبالأمتناع عن التصرف على هذا النحو.   وتنص حقوق الحرية على القدرة في أن يكون المرء حرا، دون توفير الوسائل المحددة التي يمكن من خلالها متابعة أهداف ارادة المرء.  على سبيل المثال، يتمتع كل من المليونير والمتشرد بحق متساوي في الحرية لقضاء عطلة في الكاريبي كل سنة.

 

* الفئات الموضوعية لحقوق الأنسان                                                                           

كان الجزء أعلاه معنيا بتحليل ما يمكن تسميته بالخصائص الرسمية للحقوق.   وعلى النقيض، فأن هذا الجزء ينتقل للنظر في الفئات المختلفة لحقوق الانسان الموضوعية.  فأذا تعمق المرء في جميع الوثائق المختلفة التي تشكل معا الهيئة المقننة لحقوق الانسان، فيمكن للمرء حينها أن يحدد ويميز بين خمس فئات مختلفة من حقوق  الانسان الجوهرية.  وهذه الحقوق هي كالأتي: حق الحياة، حق الحرية، حق المشاركة السياسية، الحق في حماية سيادة القانون، الحقوق في السلع الأجتماعية والأقتصادية والثقافية الأساسية.  وتمتد هذه الحقوق لما يسمى بثلاثة أجيال من الحقوق وتنطوي على مزيج معقد من الحرية والمطالبة بالحقوق.

   تتكون بعض الحقوق، مثل الحق في الحياة على سبيل المثال، من الحرية والمطالبة بالحقوق على قدم المساواة تقريبا.  وبالتالي، فأن الحماية الكافية للحق في الحياة تتطلب وجود حقوق في الحرية ضد تعدي الأخرين على شخص واحد ووجود حقوق المطالبة بالوصول الى المتطلبات الأساسية للحفاظ على الحياة، مثل النظام الغذائي والرعاية الصحية.  اما الحقوق الأخرى مثل، الحقوق الأجتماعية، الأقتصادية والثقافية، على سبيل المثال، فيتم ترجيحها بشكل أكبر نحو وجود حقوق المطالبة المختلفة، الأمر الذي يتطلب توفيرا ايجابيا لمواضيع هذه الحقوق.   ان صنع الأختلافات الجوهرية بين حقوق الانسان، يمكن أن يكون لها تأثيرات مثيرة للجدل، لكنها مهمة.   يفهم عادة أن حقوق الانسان ذات قيمة متساوية، وينظر الى كل حق على أنه لا يقل أهمية عن أي حق أخر.   ووفقا لوجهة النظر هذه، لا يمكن أن يوجد أي تضارب بين حقوق الانسان الأساسية.   من المفترض أن يعلق المرء وزنا أخلاقيا متساويا لكل حق من حقوق الانسان.  وهذا يحظر ترتيب حقوق الانسان حسب الأهمية.  على أية حال، فأن النزاع بين الحقوق يمكن أن يقع، بل أنه يقع.

ان معاملة جميع حقوق الانسان على أنها واحدة من حيث الأهمية، يحظر أي محاولة لمعالجة أو حل مثل هذا النزاع عندما يقع.  خذ على سبيل المثال دولة أفتراضية من العالم النامي ذات موارد مالية ومادية محددوة للغاية.  يكون هذا البلد غير قادر على توفير كل الموارد لتحقيق جميع حقوق الانسان لجميع مواطنيه، على الرغم من أنه ملتزم بذلك.   وفي غضون ذلك، يرغب المسؤولون الحكوميين في معرفة حقوق الانسان المطلقة أكثر من غيرها، وما هي حقوق الانسان الأساسية التي يجب أن تحظى بالأولوية والسعي لتوفيرها على الفور؟

لا يمكن الأجابة على هذا السؤال بالطبع، اذا تمسك المرء بالموقف القائل بأن جميع الحقوق متساوية من حيث الأهمية.  بل لا يمكن معالجتها الا اذا سمح للمرء بأمكانية أن تكون بعض حقوق الانسان أكثر جوهرية من غيرها وأن الاجراء الصحيح أخلاقيا الذي يتعين على الحكومة أتخاذه سيكون من أولويات هذه الحقوق.  ان رفض القيام بذلك، بغض النظر عن مدى أتساقه من الناحية الفلسفية، سيكون بمثابة غرق رأس المرء في الرمال المجازية.  وبطبيعة الحال، فان محاولة اجراء مثل هذه الفروق هي عملية مشحونة من الناحية الفلسفية.  فالأمر يتطلب وجود بعض المعايير النهائية التي يمكن للمرء على أساسها قياس الأهمية النسبية لحقوق الانسان المنفصلة.

هذه قضية مثيرة للجدل الى حد كبير ضمن فلسفة حقوق الانسان وسوف أعود أليها عندما أفكر في محاولات الفلاسفة لتبرير مذهب حقوق الانسان.  ما تبقى ليتم تناوله في تحليلنا لـ فلسفة حقوق الانسان يتمثل بالأسئلة التي تتعلق بما يتطلبه تنفيذ حقوق الانسان بشكليها المناسب والعام، وعلى من تقع هذه المهمة، ومن يتحمل مسؤولية وحماية وتعزيز حقوق الانسان، وما هو المطلوب منهم للقيام بذلك؟

 

* نطاق واجبات حقوق الانسان                                                                                                              

      يقال ان الجميع يتمتعون بحقوق الانسان على قدم المساواة.   والنتيجة الطبيعية لهذا الأدعاء هي أن على كل شخص واجب حماية وتعزيز حقوق الانسان للأخرين.  لكن يقع في الجانب العملي، على أية حال، عبء تأمين حقوق الانسان عادة على عاتق الحكومات الوطنية والهيئات الحكومية الدولية.  فيجادل فيلسوف مثل “ثوماس بوجي” (1995)، في أن العبء الأخلاقي يجب أن يقع لتأمين حقوق الانسان بشكل غير متناسب على عاتق هذه المؤسسات، وتحديدا لأنها في وضع أفضل وأكثر قدرة على أداء المهمة بفاعلية.  وتلعب المنظمات غير الحكومية والمواطنين، في هذه القراءة، دورا مهما في دعم الحماية العالمية لحقوق الانسان، ولكن العبء يجب أن يقع على عاتق المؤسسات الوطنية والدولية ذات الصلة، مثل حكومات الدول القومية والهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي.

فقد يرغب المرء في المجادلة، على سبيل المثال، من أنه يمكن ضمان حقوق الانسان بشكل مناسب من خلال وجود واجبات متبادلة بين الأفراد في جميع أنحاء العالم.  ومع ذلك، فان “خصخصة” حقوق الانسان على هذا النحو من شأنها أن تقود الى تجاهل عاملين بارزين، وهما على وجه الخصوص:

أولا، يميل الأفراد الى أولويات المطالب الأخلاقية لمن هم أقرب أليهم، ولا سيما أفراد أسرهم أو مجتمعهم المباشر، وثانيا، تتحدد قدرة الأفراد على ممارسة واجباتهم، الى حد كبير، من خلال خلافاتهم المالية الشخصية.  وبالتالي، فأن التفاوتات العالمية في توزيع الثروة تقوض بشكل جوهري قدرة أولئك في البلدان الأفقر على تبادل المساعدة التي يقدمها لهم أولئك الذين يعيشون في البلدان الأكثر ثراء.

مثل هذه الأسباب تكمن وراء اصرار “بوجي” على أن عبء المسؤولية يقع على مستوى المؤسسات الوطنية والدولية.   تتطلب حماية حقوق الانسان وتعزيزها بشكل كاف أن تضمن الدول الوطنية توفير الخدمات والمؤسسات الكافية لمواطنيها وتعاون الدول الوطنية داخل المؤسسات الدولية التي تعمل لتأمين الظروف العالمية المطلوبة لحماية وتعزيز حقوق كل أنسان.  ما الذي يجب أن تفعله هذه الهيئات وبنشاط لتأمين حقوق الانسان للأفراد بشكل مناسب؟  هل حقوق أبنتي في الحصول على تعليم مناسب يتطلب من سلطة التعليم عمل كل شيء ممكن للمساعدة في تحسين تعليم أبنتي؟  هل يتطلب حرية عالمية، رحلات دراسية متكررة في الخارج، وتوظيف أكثر المعلمين قدرة وخبرة؟  الجواب يكون، بالطبع لا.  ونظرا لندرة الموارد والطلب على هذه الموارد، فأننا نميل للقول بأن الحماية المناسبة لحقوق الانسان عند الفرد تمتد الى أقامة مجتمع أجتماعي وحكومي لائق لضمان حصول جميع الأفراد على فرصة عيش حياة جيدة الى الحد الأدنى.  فتتحمل الدولة الوطنية في المقام الأول، وبصورة رئيسية مسؤولية توفير حقوق الانسان لمواطنيها وبشكل مناسب.   يصادق فلاسفة من أمثال براين أوريند (2002)، على مثل هذه التطلعات، عندما يكتب بأن الهدف من حقوق الانسان هو تأمين “الحد الأدنى من المعاملة اللائقة والمحترمة”.  ومع ذلك، فأن من المهم أن نلاحظ، أن واجب ضمان توفير حتى الحد الأدنى من المستويات من المعاملة اللائقة والأحترام لا يمكن تقييده بشدة  بالحدود الوطنية.

تتطلب الحماية الكافية وتعزيز حقوق الانسان للجميع، على سبيل المثال، أن تقدم الدول الأكثر قوة وثراء المساعدة الكافية لتلك الدول التي لا تمتلك القدرة على توفير وحماية حقوق الانسان لمواطنيها.  في حين أن البعض قد يعتبر أن تطلعات “أوريند” الى حقوق الانسان حذرة بشكل مفرط، فان حتى أقصر دراسة أستقصائية لمدى المعاناة الانسانية والحرمان في أجزاء كثيرة من العالم اليوم كافية لأثبات مدى بعدنا عن تحقيق حتى هذا الحد الأدنى من المعايير.

تتحمل المؤسسات الوطنية والعالمية المسؤولية الرئيسية في حماية حقوق الانسان والأختبار الناجح في تحقيق هذه المسؤولية يكون في خلق الفرص لكل الأفراد للوصول الى الحد الأدنى من الحياة الجيدة.  ويتطلب أدراك حقوق الانسان، ايجاد الظروف المناسبة لكل الأفراد للوصول الى الحد الأدنى من الحياة الجيدة ومن ثم لا يجب أن تكون كمحاولة مشوشة لخلق مجتمع أخلاقي مثالي.  ان الأنطباع الذي لدى الكثيرين عن حقوق الانسان على أنها طوباوية، وبلا داع يشهد بدرجة أقل على المطالب المتأصلة لحقوق الانسان وأكثر من ذلك الى المدى الذي لم تتحقق فيه حتى التطلعات المتواضعة الى حد ما في عالم اليوم.

ان التطلع الفعلي لحقوق الانسان، في ظاهره، متواضع للغاية.   ومع ذلك، ينبغي ألا يصرف هذا، الأنتباه عن التقدير الكامل للقوة المحتملة لحقوق الانسان.   تدعو فلسفة حقوق الانسان الى أنشاء مجتمعات سياسية ديمقراطية يتمتع فيها جميع المواطنين بوسائل عيش حياة كريمة الى الحد الأدنى.  في حين أن موضوع حقوق الانسان الفردية قد يكون متواضعا، فأن قوة هذا الحق يقصد بها أن تكون شبه مطلقة.  وهذا يعني أن مطالب الحقوق يجب أن تكون لها الأسبقية على الأهداف الأجتماعية المحتملة.  لقد صاغ “رونالد دوركين” مصطلح “الحقوق بأعتباره أوراقا رابحة” لوصف هذه الخاصية.  فهو يكتب، أنه من الأفضل فهم الحقوق على أنها أوراق رابحة على بعض التبريرات الخلفية للقرارات السياسية التي تنص على هدف للمجتمع ككل (1977:153).

يجادل “دوركين”، بشكل عام، على أن أعتبارات مطالبات الحقوق الأولوية، يجب أن تقدم على الأعتبارات البديلة عند صياغة السياسة العامة وتوزيع المنافع العامة.  وهكذا، على سبيل المثال، فأن امتلاك الأقلية للحقوق ضد المعاملة التمييزية يجب أن يتفوق على أي وجميع أعتبارات الفوائد المحتملة التي قد تجنيها الأغلبية من التمييز ضد مجموعة الأقلية.  وبالمثل، يجب أن يتفوق حق الفرد في نظام غذائي كاف على رغبات الأفراد الأخرين في تناول وجبات غنية، على الرغم من المكاسب الأجمالية في المتعة التي يمكن أن يجنيها هولاء الأفراد.

بالنسبة “لدوركين”، تعتبر الحقوق كأوراق رابحة عن الفكرة الأساسية للمساواة التي تقوم عليها العقيدة المعاصرة لحقوق الانسان.  وتعتبر معاملة الحقوق بمثابة أوراق رابحة وسيلة لضمان معاملة جميع الأفراد على قدم المساواة وبطريقة مماثلة فيما يتعلق بتوفير حقوق الانسان الأساسية.  ان الأدراك الكامل لتطلعات حقوق الانسان قد لا يتطلب توفير موارد حديثة، لكن هذا لا ينبغي أن ينتقص من قوة حقوق الانسان بأعتبارها أولوية على الأعتبارات الأجتماعية والسياسية البديلة.

 

الجزء الرابع: المبررات الفلسفية لحقوق الانسان                                                      

لقد ثبتنا أن فلسفة حقوق الانسان تنبع من كونها حقوق أخلاقية، لكن الأنتقال الناجح للعديد من حقوق الانسان هذه الى القوانين الدولية والوطنية تساعد الفرد للتفكير في كون هذه الحقوق، كما هو الحال في الكثير من القضايا، تكون معا حقوق أخلاقية وقانونية.  أبعد من ذلك، فأن حقوق الانسان اما أن تكون حقوق مطالبة أو حقوق حرية، ولها مظهر سلبي أو ايجابي فيما يتعلق بالألتزامات التي يفرضها الأخرون في تأمين الحق.  وتقسم حقوق الانسان الى خمس فئات، ويكون الهدف الرئيسي في حماية حقوق الانسان هو خلق الظروف لكل الأفراد ليكون لهم الفرصة في الحصول على الحد الأدنى من الحياة الجيدة.

أخيرا، ينظر الى حقوق الانسان على نطاق واسع على أنها تتفوق على الأعتبارات الأجتماعية والسياسية الأخرى في تخصيص الموارد العامة.  ويتفق الفلاسفة بشكل عام في قضايا مثل، الخصائص الرسمية لحقوق الانسان، موضوع حقوق الانسان، والقوة في حقوق الانسان.  لكن على أية حال، هناك أتفاق قليل فيما يتعلق بالسؤال الجوهري عن التبرير الفلسفي لحقوق الانسان.  لكن من العدل القول أيضا أن الفلاسفة قدموا العديد من الأجوبة المختلفة والمتصارعة عن هذا السؤال، وفي أوقات متعددة.

لقد سعى الفلاسفة الى تبرير حقوق الانسان من خلال الأحتكام الى قيم مثل المساواة، الأستقلال، كرامة الانسان، مصالح الانسان الأساسية، القدرة على الوكالة العقلانية، وحتى الديمقراطية.  ولغرض التوضيح والبساطة النسبية سوف أركز هنا على أثنين، لها الحضور الدائم في المحاولات الفلسفية لتبرير حقوق الانسان وهما: نظرية المصالح ونظرية الأرادة.  وقبل البدء في هذا، يكون من الضروري طرح السؤال الأتي.

* هل تتطلب حقوق الانسان تبرير فلسفي؟                                                           

       يميل الكثير من الناس الى أعتبار صحة حقوق الانسان أمرا مفروغ منه.  بالتأكيد، بالنسبة للعديد من غير الفلاسفة، قد يبدو من الواضح جدا أن فلسفة حقوق الانسان تستند الى مبادئ أخلاقية صحيحة وواضحة عالميا.  وفي هذا الصدد، قد ينظر الى حقوق الانسان على أنها حقائق تجريبية حول عالمنا المعاصر. ان حقوق الانسان موجودة بالفعل والعديد من الناس يتصرفون وفقا للواجبات والألتزامات المرتبطة بحقوق الانسان.  وليس بأمكان المناصر لحقوق الانسان الأعتراض على هذا التصور.  اذا لم يكن هناك شيء أخر، فأن أنتشار مثل هذه الأراء يكون لها قيمة عملية لحساب قضية حقوق الانسان.

ومع ذلك، فان فلاسفة الأخلاق لا يتمتعون بمثل هذا الترخيص للرضا المعرفي.  لا يزال فلاسفة الأخلاق معنيون بالسؤال عن الأسس الفلسفية لحقوق الانسان.  وهناك سبب جيد لنا نحن جميعا بأن نكون معنيون بمثل هذا السؤال.  فما يمكن الأصطلاح عليه بوجهة النظر الفلسفية الساذجة لحقوق الانسان يفسر بشكل فعال حقوق الانسان على أنها حقوق قانونية.  ترتبط صلاحية حقوق الانسان أرتباطا وثيقا بالتدوين القانوني لحقوق الانسان وتعتمد عليه.  وعلى أية حال، وكما حاججنا سابقا، فان هذا الطريق ليس بكافي لتبرير حقوق الانسان.  ولا يمكن تسوية الحجج التي تدعم صحة أي عقيدة أخلاقية من خلال الأشارة ببساطة الى الوجود التجريبي لمعتقدات أو مفاهيم أخلاقية معينة.

تهتم الأخلاق بشكل جوهري بما يجب أن يكون عليه الحال، ولا يمكن تسوية ذلك عن طريق الأستئناف على ماهو عليه الوضع، أو أعتباره كذلك.  وبناء على هذا الأساس، كان من الصعب للغاية الجدال بأن الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، لنأخذ مثالا سابقا، كان نظاما غير عادل أخلاقيا.  يجب على المرء أن لا يخلط بين القانون والأخلاق في حد ذاتها. ولا يعتبر الأثنين مجرد أمتداد مشترك.  تنشأ فلسفة حقوق الانسان من حقوق أخلاقية.  فتدعي حقوق الانسان صلاحيتها في كل مكان والى الأبد، وبغض النظر عما اذا كانت قد حصلت على أعتراف قانوني شامل، وحتى بغض النظر عما اذا كان الجميع يوافقون على أدعاءات ومبادئ حقوق الانسان.  وبالتالي، لا يمكن للمرء أن يحل مسألة الصلاحية الفلسفية لحقوق الانسان من خلال مناشدة العالم ومن خلال التحولات التجريبية البحتة.

ان حقوق الانسان، كعقيدة أخلاقية، يجب أثبات صحتها كمعايير وليست كحقائق.  ولتحقيق ذلك، على المرء أن يعود الى فلسفة الأخلاق.  وحاليا، هناك نهجين خاصين للسؤال المطروح حول صلاحية حقوق الانسان وهما: “نهج نظرية المصالح” و “نهج نظرية الارادة”.

 

*  نهج نظرية المصالح                                                   

   يحتج دعاة نهج نظرية المصالح بأن الوظيفة الأساسية لحقوق الانسان هي حماية وتعزيز بعض المصالح الضرورية للأنسان.  وعليه، تكون حماية المصالح الضرورية للكائن البشري القاعدة الأساسية التي من خلالها يمكن تبرير حقوق الانسان.  وبالتالي، فان نهج المصالح يهتم في المقام الأول بتحديد المتطلبات الأجتماعية والبيولوجية الأساسية للبشر الذين يعيشون حياة جيدة في حدها الأدنى.  ان عالمية حقوق الانسان متأصلة في ما يعتبر بعض السمات الأساسية التي لا غنى عنها لرفاهية الانسان، والتي ينظر الينا جميعا بشكل ضروري للمشاركة فيها.  خذ، على سبيل المثال، مصلحة لكل منا، فيما يتعلق بأمننا الشخصي.  تعمل هذه المصلحة على تأسيس مطالبتنا بالحق.

قد يتطلب الأمر أشتقاق حقوق أخرى كشرط أساسي للأمن، مثل تلبية الأحتياجات الغذائية الأساسية والحاجة الى التحرر من الأحتجاز أو الأعتقال التعسفي، على سبيل المثال.  يعتبر الفيلسوف “جون فينيس” ممثلا جيدا لنهج نظرية المصالح.  يحاجج “فينيس” (1980)، بأن حقوق الانسان تكون مبررة على قواعد القيم الألية لحماية الظروف الأساسية لرفاهية الانسان.   وعلى هذا الأساس، يحدد “فينيس” سبعة مصالح أساسية، أو ما يصطلح عليه “بالأشكال الأساسية للخير البشري”، لتوفير الأساس لحقوق الانسان.  وهذه الأشكال هي على التوالي: الحياة وقدرتها على التطور، أكتساب المعرفة كغاية في حد ذاتها، اللعب كقدرة ترفيهية، التعبير الجمالي، المؤانسة والصداقة، المعقولية العملية والقدرة على عمليات التفكير الذكية والمعقولة، وأخيرا، الدين، أو القدرة على الخبرات الروحانية.

طبقا ل”فينيس”، تكون هذه هي المتطلبات الأساسية للحياة الأنسانية، وهي بذلك تعمل على تبرير مطالبنا بالحقوق المقابلة، وسواء كانت من المطالبة بالحق، أو حقوق الحرية المتنوعة.  تناول الفلاسفة الأخرون الذين دافعوا عن حقوق الانسان من خلال نهج قائم على المصالح مسألة كيف يمكن أن يقدم ألتماس المصالح تبريرا لأحترام مصالح الأخرين، وعند الضرورة، حتى التصرف بشكل ايجابي لتعزيز مصالح الأخرين.

 ومثل هذه الأسئلة لها تراث طويل في الفلسفة الأخلاقية والسياسية الغربية وتمتد على الأقل الى فيلسوف القرن السابع عشر “توماس هوبز“.

يحاول هذا النهج، عادة، تقديم ما أسماه “جيمس نيكل” (1987:84) “بالأسباب الأحترازية” لدعم حقوق الانسان.  مع الأخذ في الأعتبار الأدعاء بأن جميع البشر يمتلكون مقاصد أساسية كنقطة أنطلاق، ويجادل المدافعون عن هذا النهج بأن كل فرد مدين بواجب أساسي وعام بأحترام حقوق كل فرد أخر.  وهذا الأساس لهذا الواجب، ليس مجرد الأحسان أو الايثار، ولكن المصلحة الشخصية الفردية.   وكما كتب “نيكل”، “فأن الحجة الأحترازية من المصالح الأساسية تحاول أظهار، أنه سيكون من المعقول قبول حقوق الانسان والأمتثال لها، في الظروف التي يحتمل أن يقوم بها الأخرون لأن هذه المعايير هي جزء من أفضل الوسائل لحماية المصالح الأساسية للفرد ضد الأفعال والأغفالات التي تعرضهم للخطر” (نفس المصدر السابق).

ان حماية الفرد لمصالحه الأساسية يتطلب أستعداد الأخرين للأعتراف بهذه المصالح وحمايتها، والتي، في المقابل، تتطلب الأعتراف والأحترام المتبادل للمصالح الأساسية للأخرين.  تتطلب الحماية الكافية للمصالح الأساسية لكل فرد أنشاء نظام تعاوني، هدفه الأساسي ليس تعزيز الصالح العام، ولكن لحماية وتعزيز المصلحة الذاتية للفرد.  يوفر نهج المصالح للعديد من الفلاسفة دفاعا فلسفيا قويا عن عقيدة حقوق الانسان.  وتتمتع بميزة واضحة تتمثل في مناشدة القواسم المشتركة بين البشر، لأولئك المنسوبين ألينا جميعا، وبذلك تقدم دفاعا واسع النطاق نسبيا عن عدد كبير من حقوق الانسان التي يعتبرها الكثيرون أساسية وغير قابلة للتصرف.  وكذلك يوفر نهج المصالح أمكانية حل بعض النزاعات المحتملة والتي من الممكن وقوعها بسبب مسألة تفضيل بعض الحقوق على البعض الأخر.  ويمكن للمرء من القيام بذلك، على سبيل المثال، عن طريق الترتيب الهرمي للمصالح المقابلة المحددة على أنها كائن أو محتوى محدد لكل حق.

على أية حال، فأن نهج المصالح، تعرض لجملة من الأنتقادات المهمة.   وعلى رأس هذه، تكون الأنتقادات الجاذبة للمصالح التي يقدمها المنظرون لبعض الأعتبارات عن الطبيعة البشرية.  من الواضح أن نهج المصالح يعمل، على أقل تقدير، مع تفسير ضمني للطبيعة البشرية.  لقد أثبتت مناشدات الطبيعة البشرية بالطبع أنها مثيرة للجدل الى حد كبير، ومقاومة نموذجية لتحقيق درجة الاجماع المطلوبة لارساء شرعية أي عقيدة أخلاقية تقوم على أعتبار الطبيعة البشرية.  ان الجمع بين الانجذاب الى المصالح الأساسية مع التطلع الى تأمين الظروف لكل فرد يعيش حياة طيبة الى الحد الأدنى من شأنه أن يكون معقدا بسبب التنوع الاجتماعي والثقافي.

بوضوح، وكما حاجج فيلسوف الأقتصاد “أمارتيا سين” (1999)، فأن الشروط الدنيا لحياة محترمة تكون نسبية من الناحيتين الاجتماعية والثقافية.  ان توفير الشروط لضمان الحد الأدنى من الحياة الجيدة لسكان “قرية كرينوج الأمنية”، ستكون بشكل كبير مختلفة لتأمين نفس الشروط لسكان بلدة من الأكواخ البائسة في جنوب أفريقيا أو جنوب أمريكا.   في حين أن المصالح نفسها قد تكون متطابقة في نهاية المطاف، فأن حماية هذه المصالح بشكل مناسب يجب أن تتخطى مجرد تحديد بعض المتطلبات العامة المزعومة لتلبية المصالح الأساسية للأفراد.  وقد ركزت أنتقادات أخرى وجهت لنهج المصالح هذا على مناشدة المصلحة الذاتية بأعتبارها توفر أساسا متماسكا تماما للأحترام الكامل لحقوق جميع البشر.  يعتمد هذا النهج على أفتراض أن الأفراد يشغلون حالة من الضعف المتساوي نسبيا تجاه بعضهم البعض. على أية حال، فهذه ليست القضية، وببساطة.

لا يمكن للنموذج أن يدافع بشكل كاف عن الأدعاء القائل بأن وكيل المصلحة الذاتية يجب أن يحترم، على سبيل المثال، مصالح الأفراد الأقل قوة أو البعيدين جفرافيا، اذا كانت ترغب في تأمين مصالحها الخاصة.  في ضوء هذه الشروط، لماذا يرغب شخص يعتد بمصلحته الذاتية متسم بالبدانة، لنقل، في مدينة لوس أنجيلس أو في مدينة لندن، لمصالح شخص يتضور جوعا في بعض المناطق البعيدة والفقيرة في قارة أخرى؟  في هذه الحالة، فأن الشخص الجائع ليس في وضع يمكنه التأثير على المصالح الأساسية لنظيره الذي يعاني من زيادة الوزن.  ان مناشدة المصلحة الشخصية الخالصة لا يكمن أن توفر أساسا لتأمين المجتمع الأخلاقي العالمي في قلب عقيدة حقوق الانسان. انها لا يمكن أن تبرر المطالبة بحقوق للانسان ذات صفة عالمية.

يركز مسار النقد الأكثر توهجا نحو الفلسفة على نهج المصالح القائم على الأهمال المزعوم للفاعلية الأنسانية البناءة كمكون أساسي للأخلاق بشكل عام.  يميل النهج القائم، على المصالح، ببساطة، الى أعتبار مصالحنا الأساسية محددات مسبقة للفاعلية الأخلاقية البشرية.  ويمكن أن يؤدي هذا الى تبعية أهمية ممارسة الحرية كمثل أخلاقي رئيسي. قد يسعى المرء الى تضمين الحرية كمصلحة انسانية أساسية، لكن الحرية ليست مكونا لمصالحنا على هذا الحساب.  يكمن هذا القلق الخاص في قلب ما يسمى ب”نهج الارادة” لحقوق الانسان.

 

 *  نهج نظرية الارادة                                                         

تحاول “نظرية الارادة” في مقابل “نهج المصالح” أنشاء الصلاحية الفلسفية لحقوق الانسان على سمة واحدة: وهي القدرة على الحرية.  فيجادل منظروا الارادة بأن ماهو مميز في الوكالة البشرية، هو القدرة على الحرية والتي يجب أن تكون جوهر أي حساب للحقوق.  اذن، سوف ينظر منظروا الارادة، في نهاية المطاف، الى حقوق الانسان على أنها تنشأ في، أو يمكن أختزالها، في حق تأسيسي واحد، أو بدلا من ذلك، في مجموعة محدودة للغاية من السمات الأساسية المزعزمة.  لقد جادل “أج.أل.أي هارت، على سبيل المثال، وبصورة أستنتاجية، من أن كل الحقوق يمكن أختزالها الى حق أساسي واحد.  وهو يشير الى هذا “على أنه حق متساو لجميع الرجال في أن يكونوا أحرارا”. (1955:77).

يصر “هارت” على أن الحقوق كتلك التي تتمثل في المشاركة السياسية أو في نظام غذائي مناسب، على سبيل المثال، تختزل في نهاية المطاف الى، وتشتق من حقوق الرجال المتساوية للحرية.  يطور “هنري شو” (1996)، بناء على حجة “هارت” الأستنتاجية ويجادل بأن الحرية وحدها ليست كافية في النهاية لأرساء جميع الحقوق التي يفرضها “هارت”.  حيث يجادل “شو” بأن العديد من هذه الحقوق هي ببساطة أكثر من مجرد حرية فردية، وهي تتسع لتشمل الحماية من العنف والمواد الضرورية لأجل البقاء الشخصي.  وعليه، فهو يؤسس الحقوق على الحرية، الأمن، والكفاف.

طور فيلسوف الأخلاق “الان جيويرث” (1978، 1982) المزيد في مثل هذه الموضوعات.  ويجادل “جيويرث” بأن تبرير أدعاءتنا بأمتلاك حقوق الانسان الأساسية يركز على ما يعتبره الممثلون السمة المميزة للبشر عموما: القدرة على الفاعلية الهادفة العقلانية.   ويؤسس “جيويرث” حجته في الادعاء بأن كل عمل بشري هو هدف عقلاني.  كل عمل بشري يتم لسبب ما، بغض النظر عما اذا كان سببا جيدا أم سيئا.  وهو يجادل أيضا، بأنه من خلال التأييد العقلاني لهدف ما، مثل الرغبة في تأليف كتاب، يجب على المرء أن يؤيد منطقيا الوسائل لتحقيق هذه الغاية، كحد أدنى من معرفة القراءة والكتابة للفرد.

ثم يسأل، ما هو المطلوب ليكون الوكيل، هادف عقلاني في المقام الأول؟  يجاوب “جيويرث”، بأن الحرية والرفاهية هما الشرطان الضروريان للعمل العقلاني الهادف.  ان الحرية والرفاهية هما الوسيلتان الضروريتان للتصرف بطريقة هادفة عقلانية.  انها متطلبات أساسية لكونك بشرا، ولكي تكون بشرا، عليك بأمتلاك قدرة الفعل العقلاني الهادف.  كشروط أساسية، يحق لكل فرد الوصول اليها.  ومع ذلك، فأن “جيويرث” يجادل، بأن كل فرد لا يستطيع ببساطة التمتع بهذه الشروط المسبقة للوكالة العقلانية دون الأهتمام بالأخرين.  لقد أسس “جيويرث”، الأهتمام الضروري بحقوق الانسان للأخرين على ما يسميه “مبدأ الأتساق العام”.  يجادل “جيويرث”، بأن أدعاء كل فرد بالوسائل الأساسية للعمل الهادف العقلاني يستند الى مناشدة سمة عامة، وليس سمة محددة لجميع العوامل ذات الصلة.  لا يمكنني بصورة منطقية المطالبة بحقوقي الانسانية دون أن أقبل في الوقت نفسه الأدعاءات المتساوية لجميع الفاعلين الهادفين بعقلانية لنفس السمات الأساسية.  لقد جادل “جيويرث”، بأن هناك حقا مطلقا في الحياة نمتلكه جميعا بشكل منفصل ومتساوي.

يردد “جيويرث” في هدوء شديد مفهوم “دوركن” للحقوق باعتباره أوراقا رابحة، لكنه في النهاية يذهب الى أبعد مما يكون “دوركن” مستعدا لفعله من خلال القول بأن الحق في الحياة مطلق ولا يمكن، بالتالي تجاوزه تحت أي ظرف من الظروف.  يصرح “جيويرث”، من أن الحق مطلق عندما لا يتم تجاوزه تحت أي ظرف من الظروف، بحيث لا يتم التعدي عليه بشكل مبرر ويجب الوفاء به بدون أي أستثناء. (1982:92).  سيحاول المنظرون بعد ذلك أثبات صحة فلسفة حقوق الانسان بناء على الأستقلالية الشخصية المثالية: الحقوق هي مظهر من مظاهر ممارسة الأستقلالية الشخصية.  وفي محاولة فعل ذلك، فأن صلاحية حقوق الانسان تكون مرتبطة بصلاحية الأستقلالية الشخصية.  يبدو هذا من الناحية الظاهرية، موقفا فلسفيا قويا جدا.   بعد كل شيء، كما يجادل شخص مثل “جيويرث”، فان منتقدي هذا الموقف سيتصرفون بالضرورة بشكل مستقل ولا يمكنهم القيام بذلك دون الحاجة في نفس الوقت الى وجود نفس الوسائل لمثل هذا العمل.  حتى في محاولة نقد حقوق الانسان، فأن الفرد وبصورة منطقية يفترض وجود مثل هذه الحقوق.

على الرغم من وجود القوة المنطقية الواضحة لمنهج الارادة، لكنه مع ذلك كان عرضة لأنواع مختلفة من الأنتقادات.  واحدة من الأنتقادات المهمة، تركز في مسألة تطبيقات نظرية الارادة لما يدعى ب ” الحالات الهامشية”، الوجود البشري الذي لا يمتلك القدرة المؤقتة أو الدائمية للعمل في شكل عقلاني مستقل.  وهذا من شأنه أن يشمل الأفراد، الذين تم تشخيصهم بمرض عقلي، الأنفصام الشخصي، الأكتئاب، وكذلك الأشخاص الذين يكونون في حالة غيبوبة، والذي ربما لا يتعافون منه.  اذا قيل ان الشرط التأسيسي لامتلاك حقوق الانسان هو القدرة على التصرف بطريقة هادفة عقلانية، على سبيل المثال، فيبدو أنه يتبع منطقيا، أن الأفراد غير القادرين على تلبية هذه المعايير ليس لديهم مطالبة مشروعة بحقوق الانسان.  ربما يجد العديد هذه الخلاصة مزعجة من الناحية الأخلاقية.  ومع ذلك، فان التقيد الصارم بنهج الارادة يستتبعه الألتزام بهذه الخلاصة.

 يفتقر بعض الأشخاص بصورة مؤقتة أو بصورة دائمية للمعايير التي يذكرها “جيويرث” على سبيل المثال، من أنها الأساس لمطالبتنا بحقوق الانسان.  فمن الصعب أن نرى كيف يمكن أستيعابهم في  مجتمع حملة حقوق الانسان وفقا للشروط الذي وضعها “جيويرث”.  على الرغم من ذلك، فان الأتجاه العام يتجه نحو توسيع أعتبارات حقوق الانسان لتشمل العديد مما يسمى “بالحالات الهامشية”.  ان القيام بخلاف ذلك يبدو للكثيرين خطأ حدسيا، أن لم يكن يمكن الدفاع عنه في النهاية من خلال اللجوء الى العقل العملي.

وقد يكشف هذا الى أي مدى يتضمن دعم الكثير من الناس لحقوق الانسان عناصر التعاطف التي لا مفر منها، والتي تأخذ شكل الاهتمام العاطفي العام بالأخرين.  وبالتالي، فأن التطبيق الصارم لمعايير أصحاب نظرية الارادة لعضوية مجتمع حاملي حقوق الانسان قد يؤدي الى أستبعاد بعض فئات البشر المعترف بهم حاليا كحاملين شرعيين لحقوق الانسان.

   تحتوي كل من النظريتين (المصالح والارادة)، على مواطن للقوة والضعف في الوقت نفسه.  وعندما يطبقان بصورة مستمرة ومنفصلة لعقيدة حقوق الانسان، فأن كل نهج يظهر الأستسلام للأستنتاجات التي ربما تحد أو تقوض القوة الكاملة لهذه الحقوق.   قد يكون الداعمون الفلسفيون لحقوق الانسان بحاجة الى البدء في النظر في الفوائد الفلسفية المحتملة التي يمكن تحقيقها من خلال الجمع بين مختلف المواضيع والعناصر الموجودة في هذه المناهج الفلسفية (وغيرها) لتبرير حقوق الانسان.  وبالتالي، فان المزيد من المحاولات لتبرير أساس ومضمون حقوق الانسان قد تستفيد من أتباع نهج أكثر تعددية من حيث الموضوع مما كان عليه الحال حتى الان.

 

الجزء الخامس: الأنتقادات الفلسفية لحقوق الانسان                          

 تعرضت عقيدة حقوق الانسان لأشكال مختلفة من التحديات الفلسفية الجوهرية.  وتختلف هذه التحديات   للصلاحية الفلسفية لحقوق الانسان كعقيدة أخلاقية عن التقييم النقدي للنظريات الفلسفية المختلفة الداعمة للعقيدة لسبب بسيط هو أنها تهدف الى أظهار ما يرونه في المغالطات الفلسفية التي تقوم عليها حقوق الانسان.  يحظى شكلان من أشكال التحليل النقدي بأهتمام خاص: أحدهما يتحدى الأدعاءات العالمية لحقوق الانسان، والأخر يتحدى الطابع الموضوعي المفترض لمبادئ حقوق الانسان.

 

*  النسبية الأخلاقية                                                                      

ان أنصار حقوق الانسان من أصحاب التوجهات الفلسفية ملتزمون بالضرورة بشكل من أشكال الأخلاق العالمية.  و تعتبر حقوق الانسان صالحة عالميا، من حيث كونها مبدأ وعقيدة أخلاقيتين.  لكن على أية حال، فأن الأخلاق العالمية كانت موضوعة للأنتقاد بواسطة أصحاب نظرية الأخلاق النسبية.  يحاجج أصحاب نظرية الأخلاق النسبية، بعدم وجود حقائق أخلاقية صالحة عالميا.  وطبقا لأصحاب هذه النظرية، لا مكان لوجود مثل هذه الحقائق الأخلاقية ذات الصلاحية العالمية.   حيث يرى أصحاب النظرية هذه، الأخلاق على أنها ظواهر أجتماعية وتاريخية.  لذلك يتم النظر الى المعتقدات والمبادئ الأخلاقية على أنها مشروطة اجتماعيا وتاريخيا، وهي صالحة فقط لتلك الثقافات والمجتمعات التي نشأت فيها والتي تمت الموافقة عليها على نطاق واسع.

ويشير أصحاب النزعة النسبية الى تلك المجموعة الواسعة من المعتقدات والمبادئ الأخلاقية المختلفة في العالم اليوم، التي تدعم موقفهم بصورة تجريبية.  ويمكن للمرء أن يجد مجموعة واسعة من المعتقدات والمبادئ الأخلاقية والممارسات المختلفة، حتى في داخل مجتمع واحد معاصر مثل الولايات المتحدة الامريكية أو بريطانيا العظمى.   وبالتالي، فان المجتمعات المعاصرة والمعقدة تعتبر على نحو متزايد ذات طابع تعددي ومتعدد الثقافات.  بالنسبة للعديد من الفلاسفة، يعمل الطابع متعدد الثقافات لهذه المجتمعات على تقييد جوهر ونطاق المبادئ السياسية التنظيمية التي تحكم تلك المجتمعات.  وفيما يتعلق بحقوق الانسان، فقد مال النسبيون الى التركيز على قضايا مثل الطابع الفردي المفترض لعقيدة حقوق الانسان.  وقد جادل العديد من النسبيين بأن حقوق الانسان منحازة بشكل مفرط تجاه المجتمعات والثقافات الفردية أخلاقيا، على حساب الصفات الأخلاقية المشتركة للعديد من المجتمعات الأسيوية والأفريقية.  وفي أحسن الأحوال، يمكن أعتبار بعض حقوق الانسان زائدة عن الحاجة داخل هذه المجتمعات، وفي أسوأ الأحوال قد تبدو ضارة بشكل ايجابي اذا تم تنفيذها بالكامل، واستبدال القيم الأساسية لحضارة ما بقيم حضارة أخرى، وبالتالي ادامة شكل من أشكال الثقافة الأخلاقية الامبريالية.

  ان النقاش الفلسفي بين أصحاب النظرة الكونية والنظرة النسبية، معقد للغاية بحيث لا يمكن تلخيصه هنا بشكل مناسب.   ومع ذلك، فان بعض الردود الفورية على النقد النسبي لحقوق الانسان متاحة على الفور.  أولا، أن مجرد الاشارة الى التنوع الأخلاقي والسلامة المفترضة للثقافات والمجتمعات الفردية لا يوفر بحد ذاته تبريرا فلسفيا للنسبية، ولا نقدا كافيا للعالمية.  وبعد كل شيء، كانت هناك ولا تزال توجد العديد من الثقافات والمجتمعات التي تترك معاملتها لشعوبها الكثير مما هو مرغوب فيه.  هل يطالبنا النسبيون بصدق بالاعتراف بنزاهة وأحترام ألمانيا النازية، أو أي نظام قمعي مشابه لها؟  سيكون هناك القليل من الشك في أن النسبية، كما هي، غير متوافقة مع حقوق الانسان.  ويبدو أن هذا، في ظاهر الأمر، يعطي ثقلا جدليا للدعم الكوني لحقوق الانسان.

يمكن للمرء، بعد كل شيء أن يتكهن بأستعداده النسبي للتخلي فعليا عن حيازته لحقوق الانسان اذا ومتى طلبت البيئة الاجتماعية ذلك.  وبالمثل، عادة ما يتم تقديم الححج النسبية من قبل عدد من النخب السياسية داخل تلك البلدان التي أجتذب قمعها الممنهج لشعوبها أنتباه دعاة حقوق الانسان.  يثير النمو المتسارع لمنظمات حقوق الانسان الشعبية عبر العديد من البلدان في العالم التي يزعم أن ثقافاتها تتعارض مع تنفيذ حقوق الانسان، العديد من التساؤلات الجدية حول صحة وسلامة مثل هذه النسبية الأصلية.  وقد يتم في أسوأ الأحوال، نشر عقيدة النسبية الأخلاقية في محاولة لتبرير الأنظمة السياسية القمعية بشكل غير شرعي.

يبدو أن القلق بشأن عدم التوافق المفترض بين حقوق الانسان والأنظمة الأخلاقية المجتمعية قضية فيها من الدقة الشيء الكثير.  ولا يمكن أنكار أن فلسفة حقوق الانسان تصور أن الحامل الرئيسي لحقوق الانسان يكون هو الفرد.  وهذا عائد بدوره، بجزء كبير للأصول الغربية لحقوق الانسان.  ومع ذلك، سيكون من العدل أيضا أن نقول أن ما يدعى “بالجيل الثالث” لحقوق الانسان أكثر انسجاما مع الأساس الجماعي لحياة العديد من الأفراد.  ولمواكبة عمل فلاسفة السياسة من أمثال “ويل كيميلكا”، يتداعى لدينا من أن هناك وعي متزايد بالحاجة الى تكييف مبادئ حقوق الانسان مع أشياء مثل الحقوق الجماعية للأقليات، وعلى سبيل المثال، أدعاء هذه الأقليات بأشياء مثل حقوق الأراضي المجتمعية.  بينما تظل حقوق الانسان راسخة فلسفيا ضمن العقيدة الأخلاقية الفردية، فلا شك أن هناك محاولات تبذل لتطبيق حقوق الانسان بشكل مناسب على المجتمعات الأكثر اهتماما بالجوانب المجتمعية.  لم يعد من الممكن اتهام حقوق الانسان بأنها “عمياء ثقافيا”.

 

*   الأنتقادات المعرفية لحقوق الانسان                                         

       يتحدى ثاني أهم شكل فلسفي معاصر لنقد فلسفة حقوق الانسان الأساس الموضوعي المفترض لحقوق الانسان بأعتبارها حقوقا أخلاقية. وقد ينظر الى هذا الشكل من النقد على أنه نهر تجري فيه العديد من  الروافد الفلسفية.  يتمثل جوهر هذه المحاولات لدحض حقوق الانسان في الأدعاء بأن المبادئ والمفاهيم الأخلاقية هي بطبيعتها أخلاقية.  ووفقا لوجهة النظر هذه، لا تنبع المعتقدات الأخلاقية من التحديد الصحيح لارادة هادفة عقلانية، أو حتى من أكتساب نظرة ثاقبة لارادة كائن الهي ما.  وبدلا من ذلك، فان المعتقدات الأخلاقية هي في الأساس تعبيرات عن التفضيلات الجزئية للأفراد.

لذلك يرفض هذا الموقف القاعدة الرئيسية التي يقوم عليها مفهوم الحقوق الأخلاقية: من أن هناك مبادئ أخلاقية عقلانية وبديهية يجب أن يؤسس عليها مذهب أخلاقي صحيح وشرعي.  ترتبط هذه الحجة في الفلسفة الحديثة، على عكس الفلسفة القديمة، أرتباطا وثيقا بفيلسوف القرن الثامن عشر، الاسكتلندي “ديفيد هيوم”.  وقد تم الدفاع عن الأصدارات الحديثة منه من قبل أمثال “سي.ال. ستيفنسون، لودفيج فيتجنشتاين، جي.ال. ماكي وريتشارد رورتي“.   لقد جادل “رورتي” (1993)، بأن حقوق الانسان لا تقوم على ممارسة العقل، بل على رؤية عاطفية للأنسانية. وهو يصر على أن حقوق الانسان لا يمكن الدفاع عنها بشكل عقلي.   ويجادل “رورتي”، بأن المرء لا يستطيع تبرير أساس حقوق الانسان من خلال الاحتكام الى النظرية الأخلاقية وشرائع العقل، حيث يصر على أن المعتقدات والممارسات الأخلاقية ليست مدفوعة في نهاية المطاف بالاستناد الى العقل أو النظرية الأخلاقية، ولكنها تنبع من التعاطف مع الأخرين: الأخلاق تنبع من القلب وليس في الرأس.  ومن المثير للأهتمام، على الرغم من شكوكه بشكل لا لبس فيه بشأن الأساس  الفلسفي لحقوق الانسان، يرى “رورتي” وجود حقوق الانسان على “شيء جيد ومرغوب فيه”، وهو شيء نستفيد منه جميعا.  ولم يكن الدافع وراء نقده لحقوق الانسان كامن في العداء للعقيدة بحد ذاتها.  فالنسبة الى “رورتي”، تخدم حقوق الانسان بشكل أفضل من خلال النداءات العاطفية للتماهي مع المعاناة غير الضرورية للأخرين، بدلا من الحجج حول التحديد الصحيح للعقل.

ان تشديد “رورتي” على أهمية التحديد العاطفي مع الأخرين يعتبر قلق مشروع.  فهي ربما تقدم، على سبيل المثال، دعم أضافي للحجج الفلسفية التي قدمت بواسطة رجال من أمثال “جيويرث”.  على أية حال، وكما أشار “مايكل فريمان” حديثا من أن حجة “رورتي” تخلط بين الدافع والتبرير.  ان التعاطف هو نوع من الأنفعال.  وسواء كان الفعل الذي نقوم به على أساس من أنفعالاتنا مبررا، فذلك يعتمد على أسباب هذا الفعل.  يرغب “رورتي” بأستبعاد كل النظريات الماورائية غير القابلة للأثبات في الفلسفة، لكنه يذهب بعيدا في أنتقاده لنظرية حقوق الانسان، فيحاول أستبعاد المنطق. (2002:56).

ان تفسير “رورتي” الخاص لأساس ونطاق المعرفة الأخلاقية يمنعه في نهاية المطاف من الادعاء بأن حقوق الانسان هي ظاهرة مرغوبة أخلاقيا، لأنه يستبعد بصراحة صلاحية الأستئناف الى المعايير التي يمكن التحقق منها بشكل مستقل والمطلوبة لدعم أي حكم من هذا القبيل.  وما نطلبه نحن من “رورتي”، هو سبب مستقل للقبول بما خلص أليه.  وهذا بالضبط ما ينكره، والذي يمكن أن توفره الفلسفة الأخلاقية بشكل قانوني.  اذا وضعنا “رورتي” جانبا، فان النقد العام للموضوعية الأخلاقية له تراث طويل وراسخ جدا في الفلسفة الأخلاقية الحديثة.  وسيكون من الخطأ الادعاء بأن كل من الموضوعيين أو الذاتيين قد سجلوا أي “ضربة قاضية” نهائية على خصومهم الفلسفيين.  لقد وجدت حقوق الانسان بناء على أدعاء الموضوعية الأخلاقية، سواء عن طريق أستئناف المصالح أو الارادة.  وبالتالي، فان أي نقد للموضوعية الأخلاقية سيكون له تداعيات على الدفاع الفلسفي عن حقوق الانسان.

وكما أشرت مسبقا، فقد حاول فلاسفة من أمثال “الان جيويرث و جون فينيس”، في طرقهم المنفصلة والمختلفة أنشاء قوة عقلانية وموضوعية لحقوق الانسان.  لذلك أوصي القارئ المهتم بهذا الموضوع المعين، بمتابعة أي تحليل فلسفي وثيق لأي من هذين الفيلسوفين أو كليهما.

 

الجزء السادس: الخلاصة                                                     

   تتمتع حقوق الانسان بتراث تاريخي طويل.   وأن الأساس الفلسفي الرئيسي لحقوق الانسان هو الايمان بوجود شكل من أشكال العدالة صالح لجميع الناس وفي كل مكان.  وقد جاءت في هذا الخصوص، عقيدة حقوق الانسان لتحتل مركز الصدارة في الشؤون الجيو- سياسية.  وأن لغة حقوق الانسان تستخدم وتفهم من قبل كل الأفراد وفي ظروف مختلفة ومتنوعة.  لقد أصبحت حقوق الانسان لا غنى عنها للفهم المعاصر للكيفية التي يجب أن تعامل بها الكائنات البشرية، بعضهم البعض وبواسطة المؤسسات السياسية الوطنية والعالمية.

ان من الأفضل التفكير في حقوق الانسان على أنها ضمانات أخلاقية محتملة لكل انسان ليعيش حياة كريمة بالحد الأدنى. وأن المدى الذي لم يتحقق فيه هذا الطرح يمثل فشلا ذريعا من قبل العالم المعاصر في أقامة نظام أخلاقي ملزم قائم على حقوق الانسان.  لقد تعرضت القاعدة الفلسفية لحقوق الانسان لأنتقادات مستمرة.  وفي حين أن بعض جوانب النقاش الذي أعقب ذلك بين مؤيدي حقوق الانسان من الفلاسفة والمعارضين لها لا تزال دون حل، وربما لا يمكن حلها، تظل الحالة العامة لحقوق الانسان قضية أخلاقية قوية.

يمكن القول ان الدافع الأكثر اقناعا لوجود الانسان قد يعتمد على ممارسة الخيال.  حاول تخيل عالم بدون حقوق الانسان!

المصدر


الجزء السابع: المراجع ومزيد من القراءة                                

  • Dworkin, Ronald. Taking Rights Seriously, (London: Duckworth, 1978)
  • Freeman, Michael. Human Rights: An Interdisciplinary Approach, (Cambridge: Polity, 2002)
  • Fennis, John. Natural Law and Natural Rights, (Oxford; Clarendon Press, 1980)
  • Gewirth, Alen. Reason and Morality, (Chicago University Press, 1978)
  • Gewirth, Alen. Human Rights: Essays on Justification and Applications, (Chicago; University of Chicago Press, 1982)
  • Jones, Peter. Rights, (Basingstoke; Macmillan, 1994)
  • Mackie, J.L. Ethics: Inventing Right and Wrong, (Harmondsworth; Penguin, 1977)
  • Nickel, James. Making Sense of Human Rights: Philosophical Reflections on the Universal Declaration of Human Rights, (Berkeley; University of California Press, 1987)
  • Rorty, Richard. “Human Rights, rationality, and sentimentality”. In S.Shute & S. Hurley (eds.) On Human Rights: the Oxford Amnesty Lectures 1993, (New York; Basic Books, 1993)
  • Waldron, Jeremy. Theories of Rights, (Oxford; Oxford University Press, 1984) Chapters by Ronald Dworkin, Alan Gewirth, and H.L.A.Hart