الكاتب | بيتر هنت |
ترجمة | نورة الفرحان |
أدب الطفل بين التوجيه والمتعة
يعد أدب الطفل هو على الأرجح أكثر الدراسات الأدبية تشويقاً وزخراً بالألوان، ويشكل تنوعه الواسع من النصوص (من الروايات إلى القصص المصورة، ومن الأشكال الشفهية إلى الوسائط المتعددة والإنترنت) تحدياً كبيراً. لا تقتصر المسألة على كثرة المواد فحسب (إذ قبعت نصوص الأطفال في حيز الوجود بأشكالها المختلفة لما لا يقل عن 250 سنة) بل ان للمواد أهداف مختلفة عديدة ويمكن دراستها لأسباب كثيرة. تكمن أهميتها في تجذرها في تفكيرنا الحضاري والتعليمي والإجتماعي وفهم الثقافة والتطور الشخصي. ولذلك نحتاج لأن نتعامل مع مجموعة من المشكلات الجوهرية المروعة والغير متوقعة قبل أن نستطيع السؤال والإجابة عن ما تبدو وكأنها أسئلة بديهية.
الكلمات التي تبدو لها معانٍ واضحة (كالجودة والقيمة والأدب والطفل) يجب أن يتم إعادة النظر فيها. الأشياء التي تبدو للوهلة الأولى بسيطة (مثلاً كيفية فهم الأطفال للنصوص، ما المعاني التي يستخلصونها منها، كيف تختلف هذه المعاني عن تلك لدى البالغين، وكيف يتأثر الأطفال) فجأة تصبح إشكالية. يجب أن يتم اختبار دور البالغين في قراءة وتوسط كتب الأطفال وفقاً للدافعية والآيديولوجيا (كل السلوكيات التي تمثل ثقافة ما) والتلاعب أو ادعاء المثالية أو تحوير الطفولة. أيجب أن تكون كتب الأطفال للتوجيه أم المتعة؟
الموضوع هو “أدب الطفل”، ولكن أيمكننا استخدام أنواع ومقاييس الحكم ذاتها التي نستخدمها لأدب البالغين؟ وإن صح ذلك، أيعني هذا أن “أدب الطفل” تناقضيّ بصورة لا يمكن تفاديها؟ وهل يمكن أن يكَوَّم كل الأطفال بكائن واحد؟ وإن أمكن ذلك، هل تشكل هذه الفكرة تعبيراً عن التفكير الحالم أم قلة احترام؟ وما الذي تعنيه صيغة الملكية الغريبة تلك في “أدب الطفل”؟ هل فعلاً تخص هذه النصوص الأطفال؟ أم انها ببساطة موجهة لهم؟ هل النصوص التي نتحدث عنها من الطفولة، عن الطفولة، أم بقلم الأطفال؟
كيفما نجيب على هذه الأسئلة، لأدب الطفل خاصية واحدة لا يمكن التنصل منها: تلك الفكرة في ذهن الكُتاب عن الطفل والطفولة هي التي تحفزهم وتحدد صيغة ومحتوى ما يكتبونه، وتلك الفكرة في أذهاننا عن الطفل والطفولة هي التي تؤثر بكيفية تأويلنا وحكمنا وتحليلنا واستخدامنا للنصوص، سواء كان اهتمامنا منصباً بشكل أساسي في النصوص أم الأطفال أم في كلاهما. علينا أن نكيِّف مفاهيمنا لتلائم أهدافنا.
إذا أخذ أدب الطفل في أن يبدو أكثر اختلافاً مما توقعناه، فمن الجدير إذاً أن نسأل: لماذا نحن مهتمون؟ ما الذي قادنا إلى هنا؟
يلجأ العديد من الناس إلى أدب الطفل للترويح عن النفس والارتياح من صرامة دراسات البالغين، وصورتهم عن تلك النصوص غالباً ما تتمحور حول الحنين أو التفكير الحالم. كتب الأطفال لطيفة. تعيدنا إلى عالم ذهبي نتمنى مشاركته مع أبناءنا وأحفادنا كذلك. الكتب التي استمتع بها الناس حين كانوا أطفال لها قيمة ومعنى خاص وغالباً شخصي جداً (مما لا يثير الاستغراب إذا أخذنا بالاعتبار التغيير الذي قد يحدثه كتاب واحد لقارئ غير متمرس)، وهنالك رغبة ملحة لمعاودة قراءتها. ولكن إن أمعنا النظر قليلاً تبرز المشكلات. قد تكون تلك الكتب التي قُرأت في الطفولة لا تعدو عن كونها مفر، وقد يكون هذا المفر هو ما يرغب القارئ أن يعيشه مجدداً، لا الطفولة. بعيداً عن كونها حالة من الضياع السعيد، الكثير (وقد تكون أغلب) من الطفولات صعبة، ولدى العديد من البالغين (والبالغين الكُتاب) علاقة متذبذبة بطفولتهم. إعادة قراءة كتاب أطفال من الطفولة كمفر من ضغوطات حياة البالغين يجنبك الواقع الحالي والواقع آنذاك. هل الطفولة بريئة؟ هل الكتب بريئة؟
كما تقول جودي بلوم، والتي كتبت بعض أكثر كتب الأطفال والمراهقين إثارة للجدل في أواخر القرن العشرين،:
“لا أعلم ما المفترض أن تعنيه براءة الطفولة. الأطفال عديمو خبرة لكنهم ليسوا برءاء. من الوارد جداً أن تكون الطفولة مرحلة عصيبة من مراحل الحياة. لا يوجد طفل يرغب أن يبقى طفلاً. البالغين الذين غاب ذلك عن ذهنهم هم فقط من يرددون: “ليتني أعود طفلاً”. حلم الطفولة هو أن تصبح بالغاً.”