الكاتب | بريان هيبورن وهان أندرسن |
ترجمة | آسية مصباح سحيم |
مراجعة | منيرة عمر الورشفاني |
يُعد العلم مشروعاً بشرياً ناجحاً للغاية. ودراسة المنهج العلمي هي عبارة عن محاولة للوقوف على الأنشطة التي يتحقق النجاح من خلالها. ومن بين الأنشطة التي غالباً ما تُحدّد بوصفها سماتاً مميزةً للعلم: الملاحظة المنهجية والتجريب، والاستدلال الاستقرائي والاستنباطي، وصياغة الفرضيات والنظريات واختبارها. ويمكن أن تختلف تفاصيل القيام بهذه الأنشطة بشدة، ولكن هذه السمات عُدّت طريقةً لتمييز النشاط العلمي عن النشاط غير العلمي، إذ يجب اعتبار الأنشطة التي توظف شكلا متعارفاً عليه من المنهج العلمي أو المناهج العلمية وحدها فقط أنشطةً علمية (انظر أيضاً إلى مدخل العلم والعلم الزائف). وشكك آخرون في وجود أي شيء يشبه مجموعة أدوات ثابتة من المناهج شائعة في العلم وفي العلم وحده. ويرفض البعض تمييز منظور منهج واحد كجزء من رفض آراء أوسع حول طبيعة العلم، مثل مذهب الطبائعية (دوبري Dupre 2004)؛ كما يرفض البعض أي تقييد من حيث المبدأ (التعددية).
يجب تمييز المنهج العلمي عن أهداف العلم ونواتجه، كالمعرفة، والتنبؤات، أو التحكم. فالمناهج هي الوسائل التي تتحقق عبرها هذه الأهداف، ويجب أيضا تمييز المنهج العلمي عن المناهج الماورائية، التي تتضمن القيم والمسوغات التي تكمن وراء توصيف معين للمنهج العلمي (أي المنهجية) –كقيم الموضوعية، والخصوبة، والبساطة، ونجاحات الماضي. تُقترح القواعد المنهجية لتحكم المنهج وتساؤلاته ما وراء المنهجية إذا كانت المناهج الخاضعة لهذه القواعد تفي بقيم معينة. وأخيراً، يختلف المنهج بدرجة ما عن الممارسات التفصيلية والسياقية التي تنفذ المناهج من خلالها، وقد تشمل هذه الممارسات: تقنيات معملية معينة؛ صيغ رياضية أو لغات أخرى متخصصة تستعمل في التوصيف والاستدلال: الوسائل التكنولوجية أو المادية الأخرى، أساليب التواصل ومشاركة النتائج، سواءً مع العلماء الآخرين أو مع العامة؛ أو الأعراف، والعادات والتقاليد المفروضة، والضوابط المؤسساتية حول كيفية ممارسة العلم وماهيته.
وبينما يكون التعرف على هذه التمييزات مهماً، إلا أن حدودها تبقى غامضة. ومن ثم، لا يمكن فصل التصورات حول المنهج عن دوافعها ومبرراتها المنهجية وما وراء المنهجية؛ إذ يلعب كل مظهر دوراً حاسماً في تحديد المناهج، وهكذا ظهرت الخلافات حول المنهج في التفاصيل، والقاعدة، وعلى مستويات القاعدة الماورائية؛ فالتغيرات في الاعتقادات حول اليقين أو القابلية للخطأ في المعرفة العلمية، على سبيل المثال (وهي الاعتبارات ما وراء المنهجية لما نأمل للمنهج أن يقدمه) كانت تعني تأكيدات مختلفة حول الاستدلال الاستنباطي والاستقرائي، أو حول الأهمية النسبية المرتبطة بالاستدلال مقابل الملاحظة (أي الاختلافات حول مناهج محددة.)، كما ستؤثر الاعتقادات حول دور العلم في المجتمع على المكانة التي يمنحها المرء للقيم في المنهج العلمي.
ويُعد السؤال حول التعددية التي نحتاجها في المنهج هو الموضوع الذي شكل النقاشات حول المنهج العلمي أكثر من غيره في نصف القرن الماضي. إذ يستمر أنصار الواحدية في التمسك بأسلوب جوهري واحد للعلم؛ أما العدمية وهي شكل من أشكال التعددية المتطرفة، فتعتبر فعالية أي وصفة منهجية حساسة للسياق بحيث لا تجعلها تفسيرية في ذاتها. ويبدو المستوى المتوسط من التعددية المنهجية المتضمنة في الممارسة العلمية مناسباً، إلاّ أن تفاصيل الممارسة العلمية تختلف باختلاف الزمان والمكان، ومن مؤسسة إلى أخرى، وبين العلماء وموضوعات أبحاثهم. ما مدى أهمية الاختلافات في فهم العلم ونجاحه؟ وإلى أي حد يمكن تجريد المنهج عن الممارسة؟ يصف هذا المدخل بعض المحاولات لتوصيف المنهج أو المناهج العلمية، إضافة إلى الحجج الخاصة بنهج أكثر حساسية لسياق المناهج المتضمنة في الممارسات العلمية الفعلية.
- نظرة عامة وتنظيم للموضوعات
- نظرة تاريخية: من ارسطو إلى مِل
- منطق المنهج والاستجابة النقدية
- البنائية المنطقية والإجرائية
- المنهج الفرض استنباطي كمنطق للتحقق
- بوبر والتكذيب
- ما وراء المنهج ونهاية المنهج
- المناهج الإحصائية لاختبار الفرضيات
- المنهج في الممارسة
- الممارسات الإبداعية والاستكشافية
- المناهج الحاسوبية و”الطرق الجديدة” لممارسة العلوم
- نقاش حول المنهج العلمي
- “المنهج العلمي” في تعليم العلوم وكما يراه العلماء
- المناهج المتميزة و”المعايير الذهبية”
- المنهج العلمي في قاعة المحكمة
- الممارسات المنحرفة
- الاستنتاج
- فهرس
- أدوات أكاديمية
- مصادر الانترنت الأخرى
- مداخل ذات صلة
- نظرة عامة وتنظيم للموضوعات
كان من الممكن أن يُعطى لهذا المدخل عنوان المناهج العلمية ويُستكمل حتى يملأ مجلدات، أو أن يكون قصيرًا للغاية، ويتألف من رفض ملخص وموجز لفكرة وجود أي شيء كالمنهج العلمي الفريد بالمطلق. وترجع هاتان الإمكانيتان البائستان إلى حقيقة أن النشاط العلمي يختلف كثيرًا عبر التخصصات، والأزمنة، والأماكن والعلماء؛ بحيث أن أي تصور يحاول توحيده بمجمله سيتكون إما من تفاصيل وصفية كثيرة، أو تعميمات بديهية.
يُعد اختيار نطاق المدخل الحالي أكثر تفاؤلاً، باتباع الحركة الحديثة في فلسفة العلم نحو توجيه اهتمام أكبر بالممارسة: إلى ما يقوم به العلماء بالفعل. ويمكن النظر إلى هذا “التحول إلى الممارسة” على أنه أحدث أشكال دراسات المنهج في العلوم، بقدر ما يمثل محاولة لفهم النشاط العلمي، ولكن من خلال تصورات لا يفترض أن تكون عالمية وموحدة، أو حتى مفردة أو وصفية ضيقة، فإلى حد ما، يمكن القول إن العلماء المختلفين في الأزمنة والأماكن المختلفة يوظفون المنهج ذاته، حتى إن اختلفت تفاصيله أثناء الممارسة.
اعتبار ما إذا كان السياق الذي تنفذ المناهج وفقاً له مناسبًا، أو مدى مناسبته، سيعتمد إلى حد كبير على ما يعتبره المرء أهدافاً للعلم وما يعتبره أهدافه الخاصة. كان الافتراض بالنسبة لمعظم تاريخ منهج العلم، أن المعرفة هي أهم مخرجات العلم؛ ولذا يجب أن يكون هدف المنهجية هو اكتشاف تلك المناهج التي يتم من خلالها توليد المعرفة العلمية.
كان يُنظر إلى العلم على أنه يجسد أنجح أشكال الاستدلال (ولكن أي شكل؟) ومزاعم المعرفة الأكثر يقيناً (ولكن ما مدى اليقين؟) بناءً على الأدلة التي جُمعت بشكل منظم (ولكن ما الذي يعتبر دليلاً، وهل تكون الأولوية لأدلة الحواس أم للأدلة العقلانية؟) يستعرض القسم الثاني بعضًا من التاريخ، مشيرًا إلى موضوعين رئيسين. أحد الموضوعين هو البحث عن التوازن الصحيح بين الملاحظة والاستدلال (وأشكال الاستدلال المصاحبة التي توظفها)؛ والآخر يتعلق بمدى كون المعرفة العلمية يقينية أو إمكانية كونها كذلك.
يتحول القسم الثالث إلى جدالات القرن العشرين حول المنهج العلمي. في النصف الثاني من القرن العشرين واجه الامتياز المعرفي للعلم تحديات عديدة وتخلّى العديد من فلاسفة العلم عن إعادة بناء منطق المنهج العلمي. تغيرت الآراء والأسباب بشكل كبير حول الوظائف الواجب على العلم أداؤها، فبالنسبة للبعض، يتماهي نجاح العلم بشكل أفضل مع السمات الاجتماعية أو الثقافية، وأجريت تحولات تاريخية واجتماعية في فلسفة العلم، مع المطالبة بإيلاء اهتمام أكبر للجوانب غير المعرفية للعلم كالعوامل الاجتماعية والمؤسساتية والمادية والسياسية، وحتى خارج تلك الحركات كان هناك تخصص متزايد في فلسفة العلم، مع التركيز أكثر فأكثر على مجالات محددة في العلوم، وكانت الخلاصة من هذا هي قلة عدد الفلاسفة الذين لا يزالون يجادلون لصالح المنهج العلمي الأكبر الموحد. يستعرض القسمان الثالث والرابع المواقف الرئيسة حول المنهج العلمي في فلسفة العلم في القرن العشرين، مع التركيز على المواضع التي تختلف فيها هذه المواقف من حيث تفضيلاتها للتأكيد أو التكذيب أو التنازل عن فكرة المنهج العلمي الخاص جملةً وتفصيلاً.
انصب الاهتمام في العقود الأخيرة في المقام الأول على الأنشطة العلمية التي تندرج تقليديا تحت عنوان المنهج، كتصميم التجارب والممارسات العامة في المختبرات، واستخدام الإحصائيات، وبناء واستخدام النماذج والرسوم البيانية، والتعاون في التخصصات البينية، والتواصل العلمي. تحاول الأقسام من الرابع إلى السادس تكوين خريطة للمجالات الحالية لدراسة المناهج في العلوم.
وكما توضح هذه الأقسام، فإن مسألة المنهج مازالت مركزية في النقاش الدائر حول العلم. يظل المنهج العلمي موضوعًا للتعليم وسياسة العلوم وللعلماء. ويظهر في المجال العام حيثما يكون ترسيم حدود العلم أو وضعه موضعاً للخلاف. ولذا عاد بعض الفلاسفة مؤخرًا إلى السؤال عما يجعل العلم منتجًا ثقافيًا فريدًا. وسيختتم هذا المدخل ببعض من هذه المحاولات التي جرت مؤخراً لتمييز وإيجاز الأنشطة التي يتم من خلالها تحقيق المعرفة العلمية.
- نظرة تاريخية: من ارسطو إلى مِل:
تضاعف محاولة توظيف تاريخ المنهج العلمي نطاق الموضوع بشكل كبير، وفي هذا القسم، سنقوم بمسح سريع للخلفية التي سبقت الجدالات المنهجية الحديثة. إذ يعود ما يمكن تسميته بالنظرة الكلاسيكية إلى العصور القديمة ويمثّل نقطة انطلاق للاختلافات اللاحقة.
نبدأ بنقطة أثارها لودان ((1968 Laudan في مسحه التاريخي للمنهج العلمي:
لعل أخطر ما يمنع ظهور تاريخ نظريات المنهج العلمي كمجال دراسة جدير بالاحترام هو الميل إلى دمجها مع التاريخ العام لنظرية المعرفة، ولذا افتراض أن الفئات السردية والخانات التصنيفية التي تنطبق على تاريخ نظرية المعرفة تكون أساسية أيضاً بالنسبة لتاريخ نظريات المنهج العلمي. (5: 1968)
رؤية المعرفة حول العالم الطبيعي باعتبارها تندرج تحت المعرفة بشكل عام هو خلط يمكن فهمه. ومن الطبيعي أن توظف تواريخ نظريات المنهج الفئات السردية والخانات التصنيفية ذاتها، وعلى سبيل المثال أحد المواضيع المهمة لتاريخ نظرية المعرفة هو توحيد المعرفة، وهو موضوع ينعكس في مسألة توحيد المنهج في العلم. وغالبًا ما قام الذين حددوا الفروقات في أنواع المعرفة بتحديد مناهج مختلفة لتحقيق هذا النوع من المعرفة بشكل مماثل (انظر المدخل الخاص بوحدة العلم)
الآراء المختلفة حول ما هو معروف، وكيفية معرفته، وما يمكن معرفته هي آراء مرتبطة. ميز أفلاطون عوالم الأشياء إلى العالم المرئي والعالم المعقول (الجمهورية، a 510، في كوبر 1997). ويمكن لعالم المعقول فقط، وهو عالم المُثل أن يكون موضوعات للمعرفة. ويمكن معرفة الحقائق المعقولة بيقين الهندسة والاستدلال الاستنباطي. ولكن ما يمكن ملاحظته من العالم المادي كان بالتعريف ناقصاً ومخادعاً، وغير مثالي. ولذلك؛ شددت الطريقة الأفلاطونية في المعرفة على الاستدلال كمنهج، وقللت من أهمية الملاحظة. ولم يوافق أرسطو على ذلك، وعُدّ أن المُثل في العالم الطبيعي هي المبادئ الأساسية التي يجب اكتشافها من خلال البحث في الطبيعة (Metaphysics Z الميتافيزيقا، في بارنز 1984).
يُعرف أرسطو بتقديمه أول أطروحة منهجية حول طبيعة البحث العلمي في التقليد الغربي، والتي أعلت من شأن الملاحظة والاستدلال حول العالم الطبيعي. وفي التحليلات القبلية والبعدية، يفكر أرسطو أولاً في الأهداف ثم طرق البحث في الطبيعة. يمكن العثور على عدد من السمات التي لا يزال معظم الناس يعتبرونها الأكثر جوهرية للعلم. بالنسبة لأرسطو، فإن التجريبية والملاحظة الدقيقة (لكن الملاحظة السلبية وليست التجربة المُحكمة) هي نقطة البداية، ومع ذلك ليس الهدف مجرد تسجيل للحقائق؛ فبالنسبة لأرسطو، العلم (epistêmê) هو مجموعة من المعرفة أو العلوم المرتبة بشكل ملائم -لحقائق التجريبية، ولكن لترتيبها وعرضها أيضاً أهمية حاسمة. تحدد أهداف اكتشاف الحقائق وترتيبها وعرضها بشكل جزئي المناهج المطلوبة للبحث العلمي الناجح، إضافة إلى طبيعة المعرفة المطلوبة والأسباب التفسيرية المناسبة لهذا النوع من المعرفة. (انظر مناقشة العلل الأربعة في مدخل ارسطو حول العليّة)
إضافة إلى الملاحظة الدقيقة، يتطلب المنهج العلمي بعد ذلك منطقًا يعمل كنظامٍ استدلال مناسب يتجاوز ما هو معروف بالملاحظة، وقد تشمل مناهج الاستدلال الاستقراء أو التنبؤ أو القياس، وغيرها. جُمع نظام أرسطو (جنبًا إلى جنب مع دليل الاستدلال المغلوط) تحت عنوان الأورغانون( Organon)، وهو عنوان سيتكرر في الأعمال اللاحقة حول الاستدلال العلمي، مثل (الأورغانون الجديد Novum Organon) لفرنسيس بيكون، (Novum Organon Restorum) لمؤلفه)[1] وليم وِيوِل (William Whewell (انظر أدناه). في كتاب الأورغانون لأرسطو ينقسم الاستدلال بشكل أساس إلى شكلين، وهو تقسيم تقريبي استمر إلى العصر الحديث، ويظهر هذا التقسيم الذي يُعرف اليوم بالطريقة الاستنباطية مقابل الطريقة الاستقرائية، في عصور ومناهج أخرى مثل التحليل / التركيب، غير التضخمي / التضخمي، أو حتى التأكيد / التحقق. الفكرة الأساسية هي وجود “اتجاهين” للمضي قدمًا في مناهج التحقيق لدينا: أحدهما بعيدًا عما يلاحَظ، إلى المبادئ الأكثر أساسية وعمومية وشمولية؛ والآخر، من الأساسي والعام إلى حالات أو مترتبات عن المبادئ.
يمكن اعتبار الهدف الأساسي وأسلوب الاستقصاء المحددين هنا كموضوع مستمر طيلة الألفيتين القادمتين من التفكير في الطريقة الصحيحة لطلب المعرفة: مراقبة الطبيعة بدقة ثم البحث عن القواعد أو المبادئ التي تُفسّر عملياتها أو تتنبأ بها. قدمت مجموعة أرسطو إطارًا نظرياً لشروحاتٍ حول المنهج العلمي المستقل عن العلم ذاته (الكون مقابل الفيزياء)، وخلال فترة العصور الوسطى، عملت شخصيات مثل ألبرتوس ماغنوس (Albertus Magnus 1206–1280)، وتوماس الأكويني (Thomas Aquinas 1225–1274)، وروبرت غروسيتيست (Robert Grosseteste 1175–1253) , ، وروجر بيكون Roger Bacon1214/1220–1292)) ، وويليام الأوكامي (William of Ockham 1287–1347) أندرياس فيزاليوس Andreas Vesalius 1514–1546)) ، جياكومو زاباريلا Giacomo Zabarella 1533–1589) (على توضيح نوع المعرفة التي يمكن بلوغها عبر الملاحظة والاستقراء، ومصدر تبرير الاستقراء، وأفضل قواعد تطبيقه، وفي وقتنا الراهن نعتبر العديد من مساهماتهم جوهرية ً للعلم (انظر أيضًا لادان 1968). وكما وظّف أرسطو وأفلاطون إطارًا نظرياً للاستدلال إما “نحو المثُل” أو “بعيدًا عن المُثل”، وظف مفكرو العصور الوسطى اتجاهات بعيدًا عن الظواهر أو بالعودة إلى الظواهر. ففي التحليل، تُعايَن الظواهر لاكتشاف مبادئها التفسيرية الأساسية؛ أما في التركيب، تُشكَّل تفسيرات الظواهر من المبادئ الأولى.
خلال الثورة العلمية، اندمجت هذه الخيوط المختلفة من الجدل، والتجربة، والاستدلال في سلطة معرفية مهيمنة. فلم تكن الحقبة الممتدة من القرنين السادس عشر حتى الثامن عشر فترة تطور دراماتيكيٍ في المعرفة حول عمل العالم الطبيعي فحسب -التقدم في التفسيرات الميكانيكية والطبية والبيولوجية والسياسية والاقتصادية – بل كانت أيضًا فترة تطور في الوعي الذاتي بالتغيرات الثورية الجارية، والتفكير المكثف في مصدر ومشروعية المنهج الذي يحقق التقدم. تضمّن السعي من أجل تأسيس السلطة الجديدة تحركات منهجية، ووفقًا لاستعارة غاليليو غاليلي (Galileo Galilei 1564–1642) أو فرانسيس بيكون (Francis Bacon 1561–1626)، كُتِب كتاب الطبيعة بلغة الرياضيات، والهندسة، والعدد، ما حفّز على التشديد على الوصف الرياضي والتفسير الميكانيكي كجوانب مهمة للمنهج العلمي. ومن خلال شخصيات مثل) هنري مور ورالف كودوورث، ظل التركيز الأفلاطوني الجديد على أهمية التفكير الميتافيزيقي في الطبيعة لما وراء المظاهر، وتحديداً باعتبار الروحي مكملاً للميكانيكي الخالص، خيطًا منهجيًا مهمًا للثورة العلمية (انظر المداخل حول أفلاطونيي كيمبردج؛ بويل؛ همري مور؛ جاليليو).
انتقد بيكون في كتابه الاورغانون الجديد (1620) المنهج الأرسطي بسبب القفزة من الجزئيات إلى الكليات بسرعة كبيرة، وخلط القياس المنطقي السقراطي في الاستدلال بين هذين النوعين من القضايا. وقد سعى بيكون إلى اختراع فنون ومبادئ وتوجهات جديدة؛ إذ يتأسس منهجه على مجموعة ملاحظات منهجية، إلى جانب تصحيح حواسنا (وتحديداً، توجيهات بتجنب الأصنام، كما أسماها، وهي أنواع من الأخطاء المنهجية التي يكون المراقبون الساذجون عرضة لها). ويمكن لمجتمع العلماء بعد ذلك الارتقاء، عبر صعود حذر وتدريجي وغير منقطع، إلى مزاعم عامة موثوقة.
انتُقد منهج بيكون لكونه غير عملي وجامد للغاية بالنسبة للعالِم الممارِس. وانتقد ويويل لاحقًا بيكون في كتابه نظام المنطق (system of Logic) لأنه لم يُعر ممارسات العلماء الاهتمام الكافي، ومن الصعب العثور على أمثلة مقنعة لمنهج بيكون ممارَساً في تاريخ العلم، ولكن هناك القليل ممن عدّوا أمثلة حقيقية للمنهج الاستقرائي العلمي في القرن السادس عشر، حتى لو لم يكن ذلك في القالب البيكوني الجامد: شخصيات مثل روبرت بويل (1627– 1691 Robert Boyle) وويليام هارفي (1578– 1657( William Harvey (انظر المدخل الخاص ببيكون).
وعلى أي حال، كان إسحاق نيوتن (1642-1727 Isaac Newton) محط الاهتمام الأكبر لمؤرخي العلم وعلماء المنهج. نظراً إلى النجاح الهائل الذي حققه كتاباه: (مبادئ الرياضيات Principia Mathematica) والبصريات Opticks)) وقد كان لدراسة منهج نيوتن اتجاهين رئيسين: المنهج الضمني للتجارب والاستدلال المقدم في كتاب البصريات، والقواعد المنهجية الصريحة المقدَّمة كقواعد للتفلسف (القواعد regulae) في الكتاب الثالث من كتاب مبادئ الرياضيات. قانون الجاذبية لنيوتن، وهو المحور الأساس لعلم الكونيات الجديد خاصته، خرج عن التقاليد التفسيرية للفلسفة الطبيعية، أولاً لأنه على ما يبدو اقترح الفعل عن بعد، ولعدم تقديمه الأسباب المادية “الحقيقية” بشكل عام، وتأسست حجته حول نظام العالم في الكتاب الثالث من كتاب المبادئ (Principia، Book III) على الظواهر، وليس على المبادئ الأولى العقلية، وهو ما عُدّ (في القارة الأوروبية بشكل رئيس) غير كافٍ لفلسفة طبيعية لائقة. وتقابل القواعد التي قدمها نيوتن هذا الاعتراض، عبر إعادة تحديد أهداف الفلسفة الطبيعية من خلال إعادة تعريف المنهج الذي يتوجب على الفلاسفة الطبيعيين اتباعه. (انظر المدخل الخاص بفلسفة نيوتن).
ويجب إضافة عبارة نيوتن الشهيرة hypotheses non fingo” ” إلى قائمة وصفاته المنهجية (التي تُترجم عموماً بـ “أنا لا أبتكر الفرضيات) فما كان للعالِم أن يخترع أنظمة ولكنه يستدل على التفسيرات من الملاحظات، وهو ما دعا إليه بيكون، وهو ما سيعرف لاحقاً بالاستقرائية. شهد القرن الذي تلا نيوتن توضيحات مهمة للمنهج النيوتوني. فعلى سبيل المثال، قام كولين ماكلورين) Colin Maclaurin 1698-1746) بإعادة بناء البنية الأساسية للمنهج عبر مراحل تحليل وتركيب تكميِلية، تنطلق إحداهما بعيداَ عن الظواهر في التعميم، أما الأخرى فتطلق من القضايا العامة لاشتقاق تفسيرات للظواهر الجديدة. أما دينيس ديدرو Denis Diderot )1713-1784) ومحررو الموسوعة الفرنسية (الانسيكلوبيديا Encyclopédie) فقد قاموا بالكثير لتوطيد النيوتونية ونشرها، كما فعل فرانشيسكو ألغاروتي Francesco Algarotti) 1721-1764). وغالبًا ما كان التركيز منصباً على شخصية العالم بقدر ما كان على أعماله، وهي الشخصية التي يتم افتراضها في العموم. فالعالِم متواضع في مواجهة الطبيعة، وغير مقيد بمذهب جامد، ويطيع عينيه فقط، ويتبع الحقيقة أينما تقوده. وقد كان فولتير Voltaire) 1694-1778) -بالتأكيد-ودو شاتليه du Chatelet) 1706-1749) الأكثر تأثيرًا في الترويج للرؤية الأخيرة للعلماء وصنعتهم، وباعتبار نيوتن بطلاً، أصبح المنهج العلمي قوة ثورية لعصر التنوير. (انظر أيضًا المداخل الخاصة بـنيوتن، وليبنتز، وديكارت، وبويل، وهيوم، و التنوير، وكذلك شانك 2008 للحصول على نظرة عامة تاريخية.)
لم تكن تأملات القرن الثامن عشر كلها حول المنهج العلمي شديدة الاحتفائية. فمن المعروف أيضًا هجوم جورج بيركلي George Berkeley 1685–1753) (على رياضيات العلم الجديد، فضلا عن التركيز المفرط لاتباع نيوتن على الملاحظة؛ وتقويض ديفيد هيوم (1711-1776David Hume) للحصانة التي يقدمها التبرير الاستقرائي للمزاعم العلمية (انظر المداخل الخاصة بـ: جورج بيركلي؛ ديفيد هيوم ؛ نيوتونية هيوم ونيوتونية هيوم المضادة). دفعت مشكلة الاستقراء لدى هيوم إيمانويل كانط (1724-1804) للبحث عن أسس جديدة للمنهج التجريبي، على الرغم من كونها إعادة بناء معرفي، وليست كأي مجموعة من الإرشادات العملية للعلماء. هذا وقد أثَر كل من هيوم وكانط على التأملات المنهجية للقرن اللاحق، كالجدل بين مِل وويويل حول يقين الاستدلالات الاستقرائية في العلم.
أصبح الجدل بين جون ستيوارت مِل John Stuart Mill 1806–1873)) وويليام ويويل (William Whewell 1794–1866) هو النقاش المنهجي المعياري للقرن التاسع عشر. على الرغم من وصفه -في كثير من الأحيان-بأنه جدل بين الاستقرائية والفرضية الاستنباطية، فإن دور المنهجين في كل جانب هو أكثر تعقيدًا في الواقع. في التصور الفرضي-الاستنباطي يعمل العلماء على الإتيان بفرضيات يمكن من خلالها استنباط نتائج ملاحظية صادقة -ومن ثم، فرض استنباطية، ولأن ويويل يشدد على الفروض والاستنباط في تصوره للمنهج، فيمكن اعتباره مغايراً تماماً لاستقرائية مِل. ومع ذلك، وبنفس القدر من الأهمية -مالم يكن أكثر-لتصور ويويل للمنهج العلمي هوما يسميه “بنقيض الأطروحة الأساسي”. فالمعرفة هي نتاجٌ للموضوعي (ما نراه في العالم من حولنا) ونتاج للذاتي (مساهمات عقولنا في كيفية إدراكنا وفهمنا لما نختبره، وهو ما أسماه بالأفكار الأساسية)، ووفقًا لـويول العنصران كلاهما ضروريان؛ ولذلك انتقد كانط لتركيزه المفرط على الجانب الذاتي، وجون لوك ((John Locke 1632–1704 ومِل لتركيزهما الشديد على الحواس. يمكن أن تكون أفكار ويويل الأساسية ذات صلة بالتخصص، إذ يمكن أن تكون الفكرة أساسية حتى لو كانت ضرورية للمعرفة فقط ضمن تخصص علمي معين (على سبيل المثال، التقارب الكيميائي للكيمياء). وهذا ما يميز الأفكار الأساسية عن مُثل ومقولات الحدس لدى كانط. (انظر المدخل على ويويل.)
وبذلك فإن توضيح الأفكار الأساسية هو جزء رئيس من المنهج العلمي والتقدم العلمي. أطلق ويويل على هذه العملية اسم “استقراء المستكشِف”. وقد كان استقراءً على طريقة بيكون أو نيوتن، لكن ويويل ارتأى إحياء تصور بيكون عبر التأكيد على دور الأفكار في الصياغة الواضحة والدقيقة للفرضيات الاستقرائية. واستقراء ويويل ليس مجرد جمع حقائق موضوعية، إذ يلعب الذاتي دورًا من خلال ما يسميه ويويل “تجميع الحقائق”، وهو عمل إبداعي يقوم به العالِم، وهو ابتكار النظرية. بعد ذلك تؤكَّد النظرية عن طريق الاختبار، حيث يوضع المزيد من الحقائق في إطار النظرية، والتي تسمى “توافق الاستقراءات”. شعر ويويل أن هذا هو المنهج الذي يمكن من خلاله اكتشاف قوانين الطبيعة الحقيقية: توضيح المفاهيم الأساسية، والابتكار الذكي للتفسيرات، والاختبار الدقيق. ويبدو أن مِل، في نقده لويويل وآخرين ممن عدّوا ويويل رائد المنظور الفرضي الاستنباطي، قد قلل من أهمية مرحلة الاكتشاف هذه في فهم ويويل للمنهج Snyder 1997a, b, 1999) سنايدر). وسيُميز التقليل من أهمية مرحلة الاكتشاف منهجية أوائل القرن العشرين (انظر القسم الثالث).
قدّم مل في كتابه (نظام المنطق system of logic)، رؤية أضيق للاستقراء باعتباره جوهر المنهج العلمي. فبالنسبة لمِل يعد الاستقراء هو البحث عن الانتظام بين الأحداث أولاً، ومن بين هذه الانتظامات، بعض منها سيستمر في الانطباق على ملاحظات لاحقة، لتكتسب في النهاية مكانة القوانين. ويمكن للمرء أيضًا أن يبحث عن الانتظامات بين القوانين المكتشفة في مجال ما، أي “قانون للقوانين”، وسيستمر قانون القوانين اعتماداً على الوقت والمجال وهو مفتوح لإعادة النظر. وأحد الأمثلة على ذلك هو قانون العلة الكونية، وقد قدّم مِل مناهج محددة لتحديد هذه العلل -تُعرف الآن بمناهج مِل. تبحث هذه المناهج الخمسة عن الظروف المشتركة بين الظواهر محل البحث، وتلك التي تكون غائبة عند حدوث الظواهر، أو تلك التي تختلف في الحالتين. لا يزال يُنظر إلى مناهج مِل على أنها تمسك بالبديهيات الأساسية حول المناهج التجريبية الخاصة بإيجاد العوامل التفسيرية ذات الصلة (نظام المنطق (1843)، انظر إدخال مِل) في النهاية، تبدو المناهج التي دافع عنها ويويل ومِل متماثلة. إذ يتضمن كلاهما التعميم الاستقرائي لتغطية القوانين. ومع ذلك، يختلفان بشكل كبير فيما يتعلق بضرورة المعرفة التي يتم التوصل إليها؛ أي على المستوى ما وراء المنهجي (انظر المداخل حول ويويل ومِل).
- منطق المنهج وردود نقدية
كان للثورتين الكمومية والنسبية في الفيزياء في أوائل القرن العشرين تأثير بالغ على المنهجية. حيث أُخذت الأسس المفاهيمية لكلتا النظريتين لإظهار إمكانية إبطال الحدوس الأكثر إحكاماً على ما يبدو حول المكان والزمان والأجسام. ولذلك عُدّ يقين المعرفة حول العالم الطبيعي بعيد المنال. عوضاً عن ذلك، تم السعي إلى إعادة تجديد التجريبية التي عُدّت العلم عرضة للخطأ ولكنه لا يزال مبررًا عقلانيًا.
ظهرت تحليلات لاستدلالات العلماء، والتي بموجبها كانت وسائل اختبار وتأكيد النظريات هي الجوانب الأهم في المنهج العلمي. ووضع تمييز منهجي بين سياقي الاكتشاف والتبرير. يمكن استخدام التمييز كرابط بين حيثيات التوصل إلى النظريات أو الفرضيات وكيفيته، من ناحية، والاستدلال الأساسي الذي يستخدمه العلماء (سواء كانوا على دراية به أم لا) عند تقييم النظريات والحكم على كفايتها بناءً على الأدلة المتاحة. بوجه عام، في معظم القرن العشرين، ركزت فلسفة العلم على السياق الثاني، على الرغم من اختلاف الفلاسفة حول ما إذا كان يجب التركيز على التأكيد أو التفنيد وعلى العديد من التفاصيل كذلك حول كيفية تقديم التأكيد أو التفنيد، وبحلول منتصف القرن العشرين، تعرضت هذه المحاولات لتعريف طريقة التبرير وتمييز السياق نفسه إلى ضغوط وخلال المدة نفسها، تطورت فلسفة العلم بسرعة، ومن القسم الرابع سوف يتحول هذا المدخل من المعالجة التاريخية الأساسية للمنهج العلمي إلى المعالجة الموضوعية بشكل رئيس.
- البنائية المنطقية والإجرائية
حمل التقدم في المنطق والاحتمالات وعداً بإمكانية إعادة بناء محكمة للنظريات العلمية والمنهج التجريبي، وأفضل مثال على ذلك هو كتاب البنية المنطقية للعالم لرودولف كارناب (1928). حاول كارناب أن يبيّن إمكان إعادة بناء النظرية العلمية كنظام بدهي شكلاني -وهو المنطق، ويمكن أن يشير هذا النظام إلى العالم لأن بعض جمله الأساسية يمكن تأويلها باعتبارها ملاحظات أو عمليات يمكن للمرء القيام بها لاختبارها، أما بقية النظام النظري، بما في ذلك الجمل التي تستخدم المفردات النظرية أو غير القابلة للملاحظة (مثل الإلكترون أو القوة) ستكون عندئذ إما ذات معنى لأنها يمكن ردها إلى الملاحظات، أو أنها تحتوي على معانٍ منطقية خالصة (وتسمى التحليلية، مثل الهويات الرياضية). تمت الإشارة إلى ذلك على أنه معيار التحقق من المعنى. وفقًا لهذا المعيار، فإن أي جملة غير تحليلية أو لا يمكن التحقق منها تكون بلا معنى، وبالرغم من أن كارناب أيّد هذا الرأي في عام 1928، إلا أنه رأى -في وقت لاحق-أنه مقيد للغاية (كارناب 1956). إجرائية بيرسي وليام بريدجمان هي نسخة أخرى مألوفة من هذه الفكرة. ففي كتاب منطق الفيزياء الحديثة (1927) أكد بريدجمان أن كل مفهوم فيزيائي يمكن تعريفه من حيث العمليات التي سيجريها المرء للتحقق من تطبيق هذا المفهوم، ومع ذلك، فإن التوظيف الإجرائي لمفهوم ما حتى لو كان بسيطًا مثل الطول، يمكن أن يصبح معقدًا جداً بكل سهولة (لقياس أطوال صغيرة جدًا، على سبيل المثال) أو غير عملي (قياس مسافات كبيرة مثل السنوات الضوئية).
كان لانتقادات (كارل همبل Carl Hempel’s1950, 1951) لمعيار التحقق من المعنى تأثيراً هائلاً، وقد أشار إلى أن التعميمات الكُليّة، مثل معظم القوانين العلمية، لم تكن ذات معنى بحسب هذا المعيار، وبدا أن كلاً من قابلية التحقق والإجرائية مقيدين للغاية لاستخلاص الأهداف والممارسات العلمية القياسية. انتقدت الرابطة الهشة بين عمليات إعادة البناء هذه والممارسة العلمية الفعلية بطريقة أخرى، ففي كلا الأسلوبين، يعاد صياغة المناهج العلمية في الأدوار المنهجية، فعلى سبيل المثال، كان ينظر إلى القياسات باعتبارها طرقاً لإعطاء معاني للمفردات، ولم يكن هدف فيلسوف العلم فهم المناهج في حد ذاتها، ولكن توظيفها في إعادة بناء النظريات ومعانيها وعلاقتها بالعالم. عندما يقوم العلماء بهذه العمليات، فإنهم لن يقولوا إنهم يقومون بذلك لإعطاء معنى للمفردات في نظام بدهي شكلاني، ويبدو أن هذا الانفصال بين المنهجية وتفاصيل الممارسة العلمية الفعلية ينتهك التجريبية التي التزم بها الوضعيون المنطقيون وبريدجمان. سُميت وجهة النظر القائلة بأن المنهجية يجب أن تتوافق مع الممارسة (إلى حد ما) بالتاريخانية، أو الحدسية. سنتوجه إلى هذه الانتقادات والردود في القسمين الرابع والخامس.
كان على الوضعية أيضًا أن تقر بأن النهج الاستقرائي الصّرف، على غرار بيكون نيوتن مِل، لم يكن ممكناً. بدايةً، لم تكن هناك ملاحظة خالصة، فكل الملاحظات محملة بالنظرية، والنظرية مطلوبة لإجراء أي ملاحظة؛ ولذا لا يمكن اشتقاق النظرية بمجملها من الملاحظة وحدها. (انظر المدخل حول النظرية والملاحظة في العلم). وكما أشار هيوم بالفعل، حتى بضمان أساس ملاحظي فإنه لا يمكن للمرء تبرير الاستنتاجات الاستقرائية بشكل استنباطي دون المصادرة على المطلوب بافتراض نجاح المناهج الاستقرائية. وبالمثل، فإن المحاولات الوضعية لتحليل كيفية تأكيد التعميم من خلال ملاحظات حالاته كانت عرضة لعدد من الانتقادات، ويشير كل من غودمان (1965) وهيمبل (1965) إلى مفارقات متأصلة في تصورات التحقق القياسية. ستناقش المحاولات الأخيرة لشرح كيفية عمل الملاحظات على تأكيد نظرية علمية في القسم الرابع أدناه.
- المنهج الفرضي الاستنباطي كمهج للتحقق
تُعرف نقطة البداية القياسية للتحليل غير الاستقرائي لمنطق التحقق باسم المنهج الفرضي الاستنباطي Hypothetico-Deductive (HD). وفي أبسط أشكالها، فإن جملة من النظرية التي تعبر عن فرضية معينة يتم التحقق منها عبر نتائجها الحقيقية. وكما لوحظ في القسم الثاني، قدّم ويويل هذا المنهج في القرن التاسععشر، ونيكود (1924) وآخرين في القرن العشرين. ويوضّح عادة وصف همبل (1966) للمنهج الفرضي الاستنباطي بالإجراءات الاستدلالية المتبعة في حالة سملويس) (Semmelweiss في تحديد سبب حمى النفاس، كتصور رئيس لـلفرض الاستنباطي وأيضاً لإحباط نقد التصور الفرض استنباطي في التدليل (انظر، على سبيل المثال إلى مناقشة ليبتون للاستدلال على أفضل تفسير (2004)؛ وأيضاً المدخل الخاص بالتحقق). وصف همبل إجراء سيملسويس بأنه فحص فرضيات متعددة تفسر سبب حمى النفاس. تتعارض بعض الفرضيات مع الوقائع التي يمكن ملاحظتها ويمكن رفضها على الفور باعتبارها باطلة. ووجب إخضاع فرضيات أخرى إلى اختبار تجريبي عبر استنباط الأحداث القابلة للملاحظة التي يجب أن تتبع إذا كانت الفرضية صحيحة (ما سماه همبل باسم مترتبات اختبار الفرضية)، ثم إجراء تجربة ومراقبة حدوث مترتبات الاختبار من عدمه، إذا أظهرت التجربة أن مترتبات الاختبار باطلة، يمكن رفض الفرضية، وإذا أظهرت التجربة أن مترتبات الاختبار صحيحة؛ فإن هذا لا يثبت صحة الفرضية. تأكيد نواتج الاختبار لا يثبت الفرضية، على الرغم من أن همبل سمح بأنه “يوفر -على الأقل-بعض الدعم، أو بعض التعزيز والتأكيد له” (همبل 1966: 8)؛ ولذا تعتمد درجة هذا الدعم على كمية وتنوع ودقة الأدلة الداعمة.
- بوبر والقابلية للتكذيب
تُعد العقلانية النقدية أو القابلية للتكذيب لكارل بوبر(بوبر 1959، 1963) نهجاً آخر انطلق من الصعوبات التي واجهت الاستدلال الاستقرائي. وتُعد القابلية للتكذيب منهجا استنباطيا ومشابها للمنهج الفرض استنباطي من حيث إنه يتضمن استنباط العلماء لمترتبات ملاحظية من الفرضية قيد الاختبار، ولكن بالنسبة لبوبر، لم تكن النقطة المهمة هي درجة التأكيد التي يقدمها التنبؤ الناجح لفرضية ما، ولكن الشيء الحاسم هو اللاتماثل المنطقي بين التدليل القائم على الاستدلال الاستقرائي، والقابلية للتكذيب، الذي يمكن أن يقوم على الاستدلال الاستنباطي. (شكك لاكاتوش وآخرون في هذا التضاد -في وقت لاحق-. انظر مدخل النظريات التاريخية للعقلانية العلمية)
شدّد بوبر على أنه بغض النظر عن مقدار الأدلة المؤكدة، لا يمكننا أبدًا أن نتيقن من صحة الفرضية دون الوقوع في مغالطة إثبات التالي. عوضاً عن ذلك، قدم بوبر فكرة التعزيز كمقياس لمدى نجاح النظرية أو الفرضية في اجتياز الاختبارات السابقة -ولكن دون أن يتضمن ذلك كونه مقياساً لاحتمال صحتها أيضاَ.
كان بوبر أيضًا مدفوعًا بشكوكه حول الوضع العلمي لنظريات مثل النظرية الماركسية للتاريخ أو نظرية التحليل النفسي، وهكذا أراد رسم حدودٍ بين العلم والعلوم الزائفة. ورأى بوبر هذا تمييزًا مهمًا مختلفًا عن رسم الحدود بين العلم والميتافيزيقيا. وقد كان التمييز الأخير هو الشاغل الأهم للعديد من التجريبيين المنطقيين. وعوضاً عن ذلك وظف بوبر فكرة قابلية التكذيب لرسم خط بين العلم والعلم الزائف. وكان العلم علماً لأن منهجه يتضمن تعريض النظريات لاختبارات صارمة توفر احتمالية فشل عالية وبذلك تُدحض النظرية.
كان الالتزام بخطر الفشل مهماً. وكان يمكن تجنب التكذيب بسهولة بالغة. فإذا كانت نتيجة نظرية ما غير متوافقة مع الملاحظات، فيمكن إضافة استثناء عبر تقديم فرضيات مساعدة مصممة -بشكل واضح-للحفاظ على النظرية، وتسمى التعديلات الأدهوكية، وهذا ما رأى بوبر أنه يحدث في العلوم الزائفة حيث بدت النظريات الأدهوكية قادرة على تفسير أي شيء في مجال تطبيقها. في المقابل، العلم محفوف بالمخاطر. إذا أظهرت الملاحظات أن تنبؤات نظرية ما خاطئة، فستدحض النظرية. ومن ثم، يجب أن تكون الفرضيات العلمية قابلة للتكذيب. فلا يجب أن يكون هناك فقط بعض الجمل الملاحظية المحتملة التي يمكنها تكذيب الفرضية أو النظرية، إذا تمت ملاحظتها، (يسمي بوبر هذه الفرضيات باسم المُكذِّبات المحتملة) بل من المهم جداً لمنهج بوبر العلمي أن تتم محاولات التكذيب هذه على أساس منتظم.
كلما زاد عدد المكذِّبات المحتملة لفرضية ما، تكون أكثر قابلية للتكذيب، وازداد مقدار ما تزعمه الفرضية. وعلى العكس من ذلك، فإن الفرضيات التي لا مكذبات لها تزعم القليل جدًا أو لا تزعم شيئًا على الإطلاق. وفي الأصل، اعتقد بوبر أن هذا يعني أن تقديم فرضيات أدهوكية فقط لحفظ نظرية ما لا ينبغي أن يُعد منهجاً علمياً جيداً. لأنها ستقوض قابلية النظرية للتكذيب. ومع ذلك، أدرك بوبر لاحقًا أن إدخال التعديلات (التحصينات، كما أسماها) كان في الغالب جزءًا مهمًا من التطور العلمي. فغالبًا ما ولّدت الاستجابة لملاحظات مفاجئة أو مكذِّبة رؤى علمية جديدة ومهمة. كان مثال بوبر الخاص هو الحركة الملاحظة لأورانوس التي لم تتفق في الأصل مع تنبؤات نيوتن. وفسرت الفرضية الأدهوكية حول وجود كوكب خارجي التعارض وأدت إلى مزيد من التنبؤات القابلة للتكذيب. ورأى بوبر تسوية هذا الرأي من خلال طمس التمييز بين ما هو قابل للتكذيب وما هو غير قابل للتكذيب، والحديث عن درجات القابلية للاختبار عوضاً عن ذلك (Popper 1985: 41f.)
- ما وراء المنهج ونهاية المنهج
منذ الستينيات وإلى الآن، ظهر نقد ما وراء منهجي متواصل وجّه التركيز الفلسفي بعيدًا عن المنهج العلمي. فيما يلي نظرة سريعة على تلك الانتقادات، مع توصيات لقراءة أوسع في نهاية المدخل.
يبدأ كتاب توماس كون بنية الثورات العلمية (1962) بإشارة تحذيرية شهيرة لفلاسفة العلم:
إذا نظرنا إلى التاريخ باعتباره شيئاً آخر أكثر من الحكايات وسير الأحداث في تتابع زمني، فقد ينتج عن ذلك تحول حاسم في صورة العلم التي نحتازها الآن. (1962: 1)
كانت الصورة التي اعتقد كون أنها بحاجة إلى تغيير هي الصورة التي رآها العديد من الوضعيين المنطقيين، والخاصة بإعادة البناء العقلاني والتاريخي، على الرغم من أن كارناب وغيره من الوضعيين كانوا في الواقع متعاطفين تمامًا مع آراء كون. (انظر المدخل الخاص بحلقة فيينا). يتشارك كون مع معاصريه الآخرين، مثل فييرابند ولاكاتوش، التزامًا بمقاربة تجريبية أكثر لفلسفة العلم. وتحديداً، يوفر تاريخ العلم بيانات مهمة وفحوصات ضرورية لفلسفة العلم، بما في ذلك أي نظرية للمنهج العلمي.
وفقًا لكون، يُظهر تاريخ العلم، أن التطور العلمي يحدث في مراحل متعاقبة. فأثناء العلم العادي، يلتزم أعضاء المجتمع العلمي بالنموذج المعمول به. يعني التزامهم بالنموذج الالتزام بالألغاز التي يجب حلها والطرق المقبولة لحلها. تبقى الثقة في النموذج إذا أحرز تقدم ثابت في حل الألغاز المشتركة. يعمل المنهج في هذه المرحلة العادية ضمن مصفوفة (مفهوم كون لاحقًا للنموذج) تتضمن معايير لحل المشكلات، وتحدد نطاق المشكلات التي يجب أن يطبق عليها المنهج. مجموعة القيم التي توفر معايير وأهداف المنهج العلمي هي جزء مهم من المصفوفة، والقيم الرئيسة التي يحددها كون هي التنبؤ وحل المشكلات والبساطة والاتساق والمعقولية.
تراكم الألغاز التي لا يمكن حلها بموارد النموذج الحالي هو من النواتج الثانوية المهمة لمرحلة العلم العادي، وما أن يصل تراكم هذه الحالات الشاذة إلى المرحلة الحرجة، يمكن أن يُحدث تحولا جماعياً إلى نموذج جديد ومرحلة جديدة من العلم العادي. وبشكل هام، قد تتغير القيم التي توفر معايير وأهداف المنهج العلمي في هذه الأثناء؛ ولذلك قد يكون المنهج نسبياً فيما يتعلق بالمجال أو الزمان أو المكان.
حدد فييرابند أيضًا أهداف العلم على أنها التقدم، لكنه جادل بأن أي وصفة منهجية لن تؤدي إلا إلى كبح هذا التقدم (فييرابند 1988). وتقوم حججه إلى إعادة النظر في “الأساطير” المقبولة حول تاريخ العلم. حيث يتم إظهار أبطال العلم، مثل جاليليو، على أنهم يعتمدون على الخطابة والإقناع كما يعتمدون على العقل والبرهنة تماماً، ويتم إظهار آخرين، مثل أرسطو، على أنهم أكثر منطقية وأوسع أفقاً، ونتيجة لذلك، كانت القاعدة الوحيدة التي يمكن أن توفر ما عُدّه حرية كافية هي القاعدة الفارغة “أي شيء يُقبل”. وبشكل أعم، حتى التقييد المنهجي الذي يقضي بكون العلم أفضل طريقة لطلب المعرفة وزيادة المعرفة يكون مقيداً للغاية. واقترح فييرابند عوضاً عن ذلك أن العلم، قد يكون في الواقع تهديدًا للمجتمع الحر، لأنه هو وأسطورته أصبحا مهيمنين (فييرابند 1978).
قدّم العديد من علماء اجتماع العلوم منذ السبعينيات ضرباً آخراً من النقد أكثر جوهرية، حيث رفضوا منهجية تقديم تصورات فلسفية للتطور العقلاني للعلم والتصورات الاجتماعية للأخطاء اللاعقلانية. بدلاً عن ذلك، التزموا بأطروحة التماثل التي يجب بمقتضاها أن يكون أي تفسير سببي لكيفية تأسيس المعرفة العلمية متماثلًا في تفسير الصدق والبطلان، والعقلانية واللاعقلانية، والنجاح والأخطاء، من خلال العوامل السببية نفسها (انظر على سبيل المثال، بارنز وبلور. 1982، بلور 1991). أدت الحركات في علم اجتماع العلوم، مثل البرنامج القوي، أو في الأبعاد الاجتماعية وأسباب المعرفة بوجه عام إلى دراسة موسعة ودقيقة لدراسات الحالة التفصيلية في العلوم المعاصرة وتاريخها. (انظر المداخل حول الأبعاد الاجتماعية للمعرفة العلمية ونظرية المعرفة الاجتماعية). ويبدو أن الدراسات الشهيرة التي أجراها لاتور وولجار Latour and Woolgar (1979/1986))، كنور سيتينا Knorr-Cetina 1981)) ، بيكرينغ (Pickering 1984) ، وشابين وشافر) (Shapin and Schaffer 1985 تبين أن الأيديولوجيات الاجتماعية (على المستوى الكلي) أو التفاعلات والظروف الفردية (على نطاق صغير) هي العوامل السببية الأولية في تحديد أي المعتقدات اكتسبت مكانة المعرفة العلمية؛ وعليه لم تكن التوجهات التفسيرية للمنهج العلمي قائمة على أسس تجريبية كما رأى المذكورون.
جاءت من داخل العلم نفسه انتقادات متأخرة وغير متوقعة إلى حد كبير للمنهج العلمي. ابتدأً مع بداية القرن الحادي والعشرين، حيث لم يتمكن عدد من العلماء من محاولة تكرار نتائج التجارب المنشورة. ربما يكون هناك ارتباط مفهومي وثيق بين قابلية التكرار والمنهج. فعلى سبيل المثال، إذا كانت قابلية التكرار تعني أن المناهج العلمية نفسها يجب أن تنتج النتيجة ذاتها، وأن جميع النتائج العلمية يجب أن تكون قابلة للتكرار، فإن كل ما يتطلبه الأمر لإعادة تكرار نتيجة علمية يجب أن يسمى منهجاً علمياً. وهنا تجدر ملاحظة أنه بقدر ما تكون قابلية التكرار نتيجة مرغوبة للمنهج العلمي الملائم، فإنها ليست جزءًا بحتاً من المنهج العلمي. (انظر المدخل الخاص بإعادة إنتاج النتائج العلمية.)
وبحلول نهاية القرن العشرين، تراجع البحث عن المنهج العلمي. إذ قدم نولا وسانكي (2000b) مجلدهما عن المنهج بملاحظة مفادها أنه “بالنسبة للبعض، تعد فكرة المنهج العلمي برمتها جدلاً من الماضي …”.
- الأساليب الاحصائية لاختبار الفرضيات
على الرغم من الصعوبات العديدة التي واجهت الفلاسفة في محاولتهم تقديم منهجية واضحة للتحقق (أو التفنيد)، فإن تقدما مهماً قد أُحرز في فهم الكيفية التي يمكن للملاحظة وفقها أن تقدم دليلاً على نظرية معينة، وقد كان العمل في الإحصاء جوهريا لفهم كيفية اختبار النظريات تجريبيًا، وطوِّرت في العقود الأخيرة أدبيات ضخمة تحاول إعادة صياغة التحقق بمصطلحات البايزية) (Bayesian. وهنا يمكن تغطية هذه التطورات بإيجاز فقط، وسنحيل إلى مدخل التحقق للحصول على مزيد من التفاصيل والمراجع.
لعب الإحصاء دوراً متزايد الأهمية في منهجية العلوم التجريبية منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن. في ذلك الوقت، قامت نظرية الإحصاء والاحتمالات بدورٍ منهجي كتحليل الاستدلال الاستقرائي، واستمرت محاولات تأسيس عقلانية الاستقراء في بديهيات نظرية الاحتمالات طوال القرن العشرين وحتى الوقت الحاضر. وفي غضون ذلك، كان للتطورات في نظرية الإحصاء نفسها تأثير مباشر وهائل على المنهج التجريبي، بما في ذلك أساليب قياس عدم اليقين في الملاحظات مثل طريقة المربعات الصغرى التي طورها ليجيندر وجاوس في أوائل القرن التاسع عشر ، ومعايير رفض القيم المتطرفة التي اقترحها بيرس بحلول منتصف القرن التاسع عشر، واختبارات الأهمية التي طورها جوست (المعروف أيضًا باسم “الطالب”) و فشر، و نيومان وبيرسون وآخرون في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين (انظر -على سبيل المثال- إلى سوينجك ( 1987 Swijtink) لنظرة تاريخية موجزة؛ وكذلك مدخل( سي. اس. بيرسC.S Pierce).
قادت هذه التطورات في الإحصاء بدورها إلى نقاشات فكرية بين علماء الإحصاء وفلاسفة العلم حول كيفية تصور عملية اختبار الفرضيات: سواءً ما إذا كانت استنتاجًا إحصائيًا صارمًا يمكن أن يوفر تعبيرًا رقميًا عن درجة الثقة في الفرضية محل الاختبار، أو ما إذا عُدّت قرارًا بين مسارات أفعال مختلفة تتضمن بدورها أيضًا مكونًا قيمياً. أدى هذا إلى جدل كبير بين فيشر من جهة ونيمان وبيرسون من جهة أخرى (انظر –تحديداً-فيشر 1955، نيمان 1956 وبيرسون 1955، وبالنسبة لتحليلات الجدل، انظر على سبيل المثال، هوي (2002 Howie)، ماركس (Marks 2000)، ولينارد (Lenhard 2006). من وجهة نظر فيشر، كان اختبار الفرضيات عبارة عن منهجية لتحديد متى تُقبل أو تُرفض فرضية إحصائية، وتحديداً أنه يجب رفض الفرضية بناءً على الأدلة إذا كان من غير المرجح أن لهذا الدليل علاقة بالنتائج المحتملة الأخرى، على اعتبار أن الفرضيات الأخرى صادقة. في المقابل، من وجهة نظر نيمان وبيرسون، يجب أن تلعب عواقب الخطأ أيضاً دورًا عند الاختيار بين الفرضيات. وبتقديم التمييز بين خطأ رفض فرضية صحيحة (خطأ من النوع الأول) وقبول فرض خاطئ (خطأ من النوع الثاني)، جادل الاثنان بأن الأمر يعتمد على عواقب الخطأ في تقرير ما إذا كان الأهم هو تجنب رفض فرض صحيح أو قبول فرضية كاذبة. بالتالي، كان هدف فيشر هو نظرية في الاستدلال الاستقرائي تمكّن من التعبير العددي عن الثقة في الفرضية. بالنسبة له، كانت النقطة المهمة هي البحث عن الحقيقة، وليس المنفعة. في المقابل، قدم نهج نيومان وبيرس استراتيجية للسلوك الاستقرائي لاتخاذ القرار بين مسارات أفعال مختلفة. وهنا، لم تكن النقطة المهمة هي ما إذا كانت الفرضية صحيحة، ولكن ما إذا كان ينبغي للمرء أن يتصرف كما لو كانت الفرضية صحيحة.
توجد مناقشات مماثلة في الأدب الفلسفي. فمن ناحية، جادل تشيرسمان Churchman 1948)) ورودنر (Rudner 1953) أنه نظرًا لأن الفرضيات العلمية لا يمكن التحقق منها تماماً، فإن التحليل الكامل لمناهج الاستدلال العلمي يتضمن أحكامًا أخلاقية يجب أن يقرر فيها العلماء ما إذا كان الدليل قويًا بما يكفي أو أن الاحتمال مرتفع بشكل كافٍ لضمان قبول الفرضية، وهو ما سيعتمد مرة أخرى على أهمية ارتكاب خطأ في قبول أو رفض الفرضية. لم يوافق آخرون على ذلك، مثل جيفري (1956) وليفي (1960)، وعوضاً عن ذلك دافعوا عن وجهة نظر في العلم تكون محايدة قيمياً وبموجبها يتوجب على العلماء إقصاء نزوعاتهم وتفضيلاتهم وأمزجتهم وقيمهم عند تقييم صحة استنتاجاتهم. لمزيد من التفاصيل حول هذا المثال الخالي من القيم في فلسفة العلم وتطوره التاريخي، انظر دوغلاس (Douglas 2009) ، وهوارد (Howard 2003).. للحصول على مجموعة واسعة من دراسات الحالة التي تبحث في دور القيم في العلوم، انظر -على سبيل المثال-إلى إليوت وريتشاردز( Elliott & Richards 2017)
في العقود الأخيرة، ركزت المناقشات الفلسفية لتقويم الفرضيات الاحتمالية عبر الاستدلال الإحصائي إلى حد كبير على النظرية البايزية التي تعتبر الاحتمال مقياساً لدرجة اعتقاد الشخص في حدث ما، بالنظر إلى المعلومات المتاحة، والتكرارية التي تعتبر الاحتمال تكراراً طويل الأجل لحدث قابل للتكرار؛ وبذلك، تشير الاحتمالات بالنسبة لأنصار النظرية البايزية إلى حالة المعرفة ، أما بالنسبة لأنصار التكرارية تشير الاحتمالات إلى تكرار الأحداث (انظر على سبيل المثال ، سوبر 2008 ، الفصل الأول للحصول على مقدمة مفصلة عن البيزنية والتكرار إضافةً إلى الاحتمالية). وتسعى البيزنية إلى تقديم تمثيل خوارزمي قابل للقياس الكمي لمراجعة المعتقدات، حيث تكون مراجعة الاعتقاد دالة للمعتقدات السابقة (أي الخلفية المعرفية) والأدلة القادمة. تستخدم البايزية قاعدة تستند إلى مبرهنة بايز، وهي مبرهنة في حساب الاحتمالات التي ترتبط بالاحتمالات الشرطية. حيث تؤول احتمالية صحة فرضية معينة على أنها درجة الاعتقاد أو الثقة للعالمِ. وسيكون هناك أيضًا احتمال ودرجة من الاعتقاد بأن الفرضية ستكون صادقة بشرط توفر دليل معين (كملاحظة صادقة-على سبيل المثال-). وبحسب البايزية للعالِم أن يقوم بتحديث اعتقاده بشكل عقلاني في الفرضية إذا تبين أن الدليل قد تمت ملاحظته في الواقع (انظر-على سبيل المثال-سبرينغر وهارتمان (Sprenger & Hartmann 2019) للحصول على معالجة شاملة لفلسفة العلوم البايزية). يهدف التكرار الذي نشأ في عمل نيومان وبيرسون إلى توفير الأدوات لتقليل معدلات الخطأ على المدى الطويل، مثل النهج الإحصائي للخطأ الذي طوره مايو 1996 والذي يركز على كيفية تجنب المجرِّبين لأخطاء النوع الأول والنوع الثاني من خلال بناء عتاد من الإجراءات التي تكتشف الأخطاء إذا وفقط إذا ظهرت هذه الأخطاء. تطورت البايزية والتكرارية بمرور الوقت، ويقدم أنصارهما المتعددون تأويلات مختلفة لهما، وينظر المؤيدون والنقاد إلى علاقاتهما بالنقد السابق لمحاولات تعريف المنهج العلمي بشكل مختلف. الأدبيات والدراسات الاستقصائية والمراجعات والنقد في هذا المجال شاسعة ونحيل القارئ إلى المداخل حول نظرية المعرفة البايزية والتحقق.
- المنهج في الممارسة
كما رأينا، ليس الاهتمام بالممارسة العلمية جديدًا في حد ذاته. ومع ذلك، يمكن اعتبار التحول إلى الممارسة في فلسفة العلم مؤخرًا بمثابة تصحيح للتشاؤم فيما يتعلق بالمنهج في فلسفة العلم في الفترات اللاحقة من القرن العشرين، وفي محاولة للتوفيق بين التفسيرات الاجتماعية والعقلانية للمعرفة العلمية. يعتبِر جزء كبير من هذا العمل أن المنهج عبارة عن إجراءات مفصلة وسياقية لحل مشكلة محددة، وأن التحليلات المنهجية تكون وصفية ونقدية واستشارية في الوقت ذاته (للاطلاع على عرض لهذا الرأي أنظر نيكلز 1987). يحتوي القسم التالي على مسح لبعض محاور الممارسة. في هذا القسم ننتقل -بشكل كامل -إلى الموضوعات عوضاً عن التسلسل الزمني.
- الممارسات الابداعية والاستكشافية
مشكلة التمييز بين سياقات الاكتشاف والتبرير التي هيمنت بوضوح على فلسفة العلم في النصف الأول من القرن العشرين(انظر القسم الثاني) هي عدم إمكانية رؤية هذا التمييز بوضوح في النشاط العلمي (انظر Arabatzis2006). وهكذا، في العقود الأخيرة، تم التوصل إلى أن دراسة الابتكار والتغيير المفاهيمي لا ينبغي لها أن تقتصر على علم النفس وعلم اجتماع العلوم، لكنها أيضًا جوانب مهمة من الممارسة العلمية التي يجب أن تتناولها فلسفة العلم (انظر أيضًا مدخل الاكتشاف العلمي). أدى البحث عن الممارسات التي تقود الابتكار المفاهيمي إلى قيام الفلاسفة بمعاينة ممارسات العلماء الاستدلالية والنطاق الواسع للممارسات التجريبية التي لا تستهدف اختبار الفرضيات على نحو ضيق، أي القيام بالتجارب الاستكشافية.
بدراسة الممارسات الاستدلالية للعلماء التاريخيين والمعاصرين، جادلت نارسيسن Nersessin(2008) بأن المفاهيم العلمية الجديدة يتم بناؤها كحلول لمشاكل محددة من خلال الاستدلال المنهجي، وأن القياس التناظري والتمثيل البصري والتجارب الفكرية تعد من بين ممارسات التفكير الهامة المستخدمة. هذه الأشكال الشائعة من التفكير هي طرق موثوقة -ولكنها أيضًا مناهج غير معصومة من الخطأ-للتطور والتغيير المفاهيمي. وبحسب تصورها، يتكون التفكير القائم على النموذج من دورات بناء ومحاكاة وتقييم وتكييف للنماذج التي تعمل كتفسيرات مؤقتة للمشكلة المستهدفة التي يتعين حلها، وغالبا ما ستؤدي هذه العملية إلى تعديلات أو امتدادات، ودورة جديدة من المحاكاة والتقييم. ومع ذلك، تؤكد نرسيسيان أيضًا على أنه:
لا يمكن تطبيق التفكير الإبداعي القائم على النموذج كوصفة بسيطة، وهو ليس منتجا للحلول دائماً، وحتى استخداماته النموذجية يمكن أن تقود إلى حلول غير صحيحة. (نرسيسيان 2008: 11)
وهكذا، بالرغم من اتفاقها مع العديد من الفلاسفة السابقين على عدم وجود منطق للاكتشاف، إلا أن الاكتشافات يمكن أن تنبثق عن عمليات استدلالية، مثل جزء كبير ومتكامل من الممارسة العلمية، بحيث يكون ابتكار مفاهيم يمكن من خلالها فهم الظواهر الفيزيائية وتركيبتها والتواصل حولها هو الجزء الرئيس والأكبر. (نرسيسيان 1987: 11)
وبشكل مماثل، يُقدم العمل على أساليب الاكتشاف وبناء النظرية من قبل علماء مثل داردين Darren 1991))، وبيتشل وريتشاردسون Bechtel & Richardson) 1993) العلم باعتباره حلاً للمشكلات وبحثاً في حل المشكلات العلمية كحالة خاصة من حالات حل المشكلات بوجه عام. وبالاعتماد إلى حد كبير على حالات من العلوم البيولوجية، وكان الكثير من تركيزهم منصباً على استراتيجيات توليد وتقييم وإعادة النظر في التفسيرات الآلية للأنظمة المعقدة.
وبتناول جانبٍ آخر من تمييز السياق، -وتحديداً -الرؤية التقليدية التي تعتبر أن الدور الأساسي للتجارب هو اختبار الفرضيات النظرية وفقًا للنموذج الفرضي الاستنباطي، جادل فلاسفة آخرون في العلوم لصالح أدوار إضافية يمكن للتجارب أن تؤديها. وقُدّمت فكرة التجريب الاستكشافي لوصف التجارب التي توجهها الرغبة في الحصول على انتظامات تجريبية وتطوير المفاهيم والتصنيفات التي يمكن من خلالها وصف هذه الانتظامات ستاينل (Steinle 1997, 2002;)؛ بوريان Burian 1997؛ ووترز Waters 2007). ولكن لا ينبغي النظر إلى الفرق بين التجريب القائم على النظرية والتجريب الاستكشافي على أنه تمييز واضح، فليست التجاربُ الموجَّهة بالنظريةَ موجهة دائمًا إلى اختبار الفرضية، ولكن يمكن أيضًا توجيهها إلى أنواع مختلفة من جمع الحقائق، كتحديد العوامل العددية، وعلى عكس ذلك، فإن التجارب الاستكشافية عادة ما تتزود بمعلومات من النظرية بطرق مختلفة؛ ولذلك لا تكون خالية من النظرية، عوضاً عن ذلك، في التجارب الاستكشافية، يتم التحقق من الظواهر دون تقييد للنواتج المحتملة للتجربة بناءَ على النظرية الموجودة حول الظواهر.
أدى تطوير الأجهزة عالية الكفاءة في البيولوجيا الجزيئية والمجالات المقاربة لها إلى ظهور نوع خاص من التجارب الاستكشافية التي تجمع وتحلل كميات كبيرة جدًا من البيانات ، وغالبًا ما يُقال إن مجالات “ أوميكس omics” الجديدة هذه تمثل قطيعة مع العلم المثالي الموجَّه بالفرضيات (Burian 2007; Elliott 2007; Waters 2007; O’Malley 2007) وبدلاً من ذلك يوصف بأنه بحث مدفوع بالبيانات Leonelli 2012; Strasser 2012) أو نوع خاص من “التجارب الملائمة” التي يتم فيها إجراء العديد من التجارب لمجرد كونها ملائمة جداً للقيام بها ( كروز Krohs 2012).).
- المناهج الحاسوبية و”الطرق الجديدة” لممارسة العلوم
أصبح مجال أوميكس الذي وصفناه للتو ممكناً بسبب قدرة الحواسيب على معالجة كميات ضخمة من البيانات المطلوبة في مدة زمنية معقولة. تسمح أجهزة الحواسيب بإجراء تجارب أكثر تفصيلاً (سرعة أعلى، تصفية أفضل، متغيرات أكثر، تنسيق وتحكم متطور)، ولكنها من خلال النمذجة والمحاكاة قد تشكل أيضًا أحد أشكال التجربة نفسها. هنا، يمكننا أيضاً طرح نسخة من السؤال العام حول المنهج مقابل الممارسة: هل تُحدث ممارسة العلم باستخدام الحواسيب تغيرًا جذريًا في المنهج العلمي، أم أنها توفر فقط وسائل أكثر كفاءة لتنفيذ الأساليب القياسية؟
ونظرًا لإمكان توظيف الحواسيب في تحويل القياسات والحسابات والتحليلات الإحصائية إلى عمليات مأتمتة، حيث لا يمكن لأسباب عملية إجراء هذه العمليات بطريقة أخرى، فإن العديد من الخطوات المتضمنة في الوصول إلى استنتاج على أساس تجربة يتم إجراؤها الآن داخل “صندوق أسود”، دون تدخل مباشر من الإنسان أو الوعي بشري. ولهذا الأمر تداعيات معرفية، فيما يتعلق بما يمكننا معرفته وكيفية معرفتنا به. ولضمان الثقة في النتائج، تخضع مناهج الحاسوب لاختبارات التحقق والمصادقة.
يُعد التمييز بين التحقق والمصادقة أسهل في حالة المحاكاة الحاسوبية. في سيناريو المحاكاة الحاسوبية النموذجي، تُستخدم الحواسيب للقيام بتكامل المعادلات التفاضلية عدديًا التي لا يتوفر لها حل تحليلي. وهذه المعادلات هي جزء من النموذج الذي يوظفه العالم لتمثيل ظاهرة أو نظام قيد التحقيق. التحقق من محاكاة الحاسوب يعني التحقق من مقاربة معادلات النموذج بشكل صحيح، أما المصادقة على صحة المحاكاة يعني التحقق من كون معادلات النموذج مناسبة للاستدلالات التي يريد المرء إجراءها بناءً على هذا النموذج.
أثيرت العديد من الإشكالات المرتبطة بالمحاكاة الحاسوبية. إذ انتقِد تحديد التحقق والمصادقة كمنهجين للاختبار. أثار أورسيك وآخرون Oreskes et al. 1994) ) مخاوفاً من أن “التحقق” قد يؤدي إلى ثقة مفرطة في نتائج عمليات المحاكاة، بحكم إيحائه بالاستدلال الاستنباطي، ولعل التمييز في حد ذاته جليٌ للغاية، لأن الممارسة الفعلية في اختبار المحاكاة تمزج الاثنين وتنتقل بينهما). ويبدو أن للمحاكاة الحاسوبية طابعاً غير استقرائي، على اعتبار أن المبادئ التي تعمل من خلالها قد تم بناؤها من قبل المبرمجين، وأي نتائج للمحاكاة تتبع تلك المبادئ المضمنة بحيث يمكن من حيث المبدأ استنتاجها من كود البرنامج ومدخلاته؛ ولذلك وضعت المحاكاة باعتبارها تجارب في موضع الفحص. انظر (Kaufmann and Smarr 1993; Humphreys 1995; Hughes 1999; Norton and Suppe 2001). تتناول هذه الأدبيات نظرية المعرفة لهذه التجارب: ما يمكن تعلمه عن طريق المحاكاة، وكذلك أنواع التبريرات التي يمكن تقديمها عند تطبيق تلك المعرفة على العالم “الحقيقي”. (مايو 1996؛ باركر 2008 ب). كما أشرنا، يعود جزء من ميزة محاكاة الحاسوبية إلى حقيقة إمكان إجراء عدد كبير من العمليات الحسابية دون الحاجة إلى ملاحظة مباشرة من قبل المجرب / المحاكي، وفي الوقت ذاته، فإن العديد من هذه الحسابات عبارة عن تقديرات تقريبية للحسابات التي ستجرى مباشرة في وضع مثالي. ويثير كلا العاملين شكوكًا في الاستدلالات المستسقاة مما لوحظ في المحاكاة.
وللعديد من الأسباب المشار إليها أعلاه، لا يبدو أن عمليات المحاكاة الحاسوبية تنتمي-بشكل واضح -إلى المجال التجريبي أو النظري. بل يبدو أنها تتضمن قطعياً جوانب من كليهما. وقد أدى هذا ببعض الكُتّاب، مثل فوكس كيلر ((Fox Keller 2003: 200 إلى القول بأنه يجب علينا اعتبار محاكاة الكمبيوتر “طريقة مختلفة كيفياً لممارسة العلوم”. تميل الأدبيات بوجه عام إلى اتباع كوفمان وسمر Kaufmann and Smarr 1993) ) في الإشارة إلى المحاكاة الحاسوبية باعتبارها “طريقة ثالثة” للمنهج العلمي (التفكير النظري والممارسة التجريبية هما أول طريقتين). وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن النقاشات حول هذه القضايا تميل إلى التركيز على شكل المحاكاة الحاسوبية النموذجية في العلوم الفيزيائية، حيث تقوم النماذج على المعادلات الديناميكية، وقد لا تواجه الأشكال الأخرى من المحاكاة المشكلات ذاتها، أو ربما تواجه مشكلاتها الخاصة بها (انظر المدخل الخاص بالمحاكاة الحاسوبية في العلوم).
في السنوات الأخيرة، دفع التطور المتسارع في تقنيات التعلم الآلي ببعض العلماء إلى اقتراح أن المنهج العلمي “قد عفا عليه الزمن” (أندرسون 2008، كارول وجودستاين 2009). مما أثار جدلا شديد حول جدارة الأبحاث القائمة على البيانات والأبحاث القائمة على الفرضيات (انظر -على سبيل المثال-مازوكي (Mazzocchi 2015) أو سوتشي وكوفيني Succi and Coveney 2018)). وللحصول على معالجة تفصيلية لهذا الموضوع، نحيل إلى مدخل البحث العلمي والبيانات الضخمة.
- نقاشات حول طبيعة العلم
على الرغم من الخلافات الفلسفية، لا تزال فكرة المنهج العلمي تحتل مكانة بارزة في الخطاب المعاصر حول العديد من المواضيع المختلفة، سواءً داخل العلم أو في المجتمع ككل. غالباً ما يشار إلى المنهج العلمي بطرق تعكس أسطورة منهج واحدة عالمي مميز لكل العلوم، أو تمنح امتيازًا لمنهج معين أو مجموعة من المناهج باعتبارها “ معيارًا ذهبيًا ” خاصًا، وغالبًا مع الإشارة إلى فلاسفة معينين لتسويغ هذه المزاعم. وعادةً ما يثار النقاش حول المنهج العلمي عندما تكون هناك حاجة للتمييز بين العلم والأنشطة الأخرى، أو لتبرير الوضع الخاص الذي يتمتع به العلم. في هذه المجالات، ترتبط المحاولات الفلسفية لتحديد مجموعة من المناهج المميزة للمساعي العلمية ارتباطًا وثيقًا بالمشكلة الكلاسيكية في فلسفة العلم وهي مشكلة التمييز بين العلم واللاعلم (انظر المدخل الخاص بالعلم والعلوم الزائفة) والتحليل الفلسفي للبعد الاجتماعي للمعرفة العلمية ودور العلم في المجتمع الديمقراطي.
- “المنهج العلمي” في تدريس العلوم وكما يراه العلماء
يُعد تعليم العلوم أحد المواضع التي كانت فيها أسطورة المنهج العلمي الموحد العالمي قوية بشكل خاص (انظر على سبيل المثال: بور( , (Bauer 1992 ويفغ وألكن) ; McComas 1996 ; (Wivagg & Allchin 2002 غالبا ما يقدم “المنهج العلمي” في الكتب المدرسية وصفحات الويب التعليمية كإجراء ثابت من أربع أو خمس خطوات يبدأ من الملاحظات ووصف الظاهرة وتتقدم بصياغة فرضية تفسر الظاهرة، وتصميم وإجراء التجارب لاختبار الفرضية، وتحليل النتائج وانتهاءً بالوصول إلى استنتاجات، ويمكن العثور على مثل هذه الإشارات إلى منهج علمي عالمي في المواد التعليمية على مستويات التعليم العلمي كافة ((Blachowicz 2009 ، وقد أظهرت دراسات عدة أن فكرة المنهج العلمي العام والشامل غالبًا ما تشكل جزءًا من تصور الطلاب والمعلمين عن العلم (انظر-على سبيل المثال- ايكينهد اوزبورن وآخرون) Aikenhead 1987; Osborne et al. 2003). ورداً على ذلك، جادل بعضهم أن تعليم العلوم يحتاج إلى التركيز بشكل أكبر على تدريس طبيعة العلم، بالرغم من اختلاف الآراء حول ما إذا كان من الأفضل القيام بذلك من خلال الأبحاث التي يقودها الطلاب، أو القضايا المعاصرة، أو القضايا التاريخية(Allchin, Andersen & Nielsen 2014)
وعلى الرغم من صياغتها أحيانًا بالإشارة إلى المنهج الفرضي الاستنباطي، إلا أن الجذور التاريخية المهمة لأسطورة وجود منهج علمي عالمي واحد في التعليم العلمي ترجع إلى تصور الفيلسوف الأمريكي وعالم النفس ديوي في كتابه كيف نفكرHow We Think 1910)) وإلى تصور عالم الرياضيات البريطاني كارل بيرسون Karl Pearson) ( للعلوم في كتاب قواعد العلوم (1892 ( Grammar of Science . وبحسب تصور ديوي، ينقسم البحث إلى خمس خطوات تتضمن:
- استشعار صعوبة، (2) تحديد موقع الصعوبة وتعريفها، (3) اقتراح حل ممكن، (4) التطوير من خلال التفكير في تأثير الاقتراحات، (5) مزيد من الملاحظة والتجربة التي تؤدي إلى قبولها أو رفضها. (ديوي 1910: 72)
وبالمثل، وفقًا لتصور بيرسون، تبدأ التحقيقات العلمية بقياس البيانات ومراقبة تصحيحها وتسلسلها الذي يمكن من خلاله اكتشاف القوانين العلمية بمعونة الخيال الإبداعي، ويجب أن تخضع هذه القوانين للنقد، وسيكون قبولها النهائي ذا صلاحية متساوية “لكافة العقول المؤسسة بشكل طبيعي “. يتوجب النظر إلى تصورات ديوي وبيرسون على أنها تجريدات عامة للاستقصاء وليست مقتصرة على مجال العلوم -على الرغم من أن كلا من ديوي وبيرسون أشارا إلى تصوريهما باعتبارهما “المنهج العلمي”.
في بعض الأحيان، يدلي العلماء بتصريحات عامة حول المنهج العلمي البسيط والمتميز، كما يظهر -على سبيل المثال-في النسخة المبسطة التي قدمها فاينمان لمنهج التخمين والتفنيد في آخر محاضراته في جامعة كورنيل مسنجر عام 1964.مع ذلك، يتوصل العلماء -في كثير من الأحيان-إلى النتيجة ذاتها التي توصلت إليها فلسفة العلم الحديثة بعدم وجود أي منهج علمي فريد سهل الوصف. وعلى سبيل المثال، وصف الفيزيائي واينبرغ الحائز على جائزة نوبل في بحث بعنوان “مناهج العلم … وتلك التي نحيا بها” (1995) كيف أن
حقيقة تغير معايير النجاح العلمي بمرور الوقت لا تجعل فلسفة العلم فقط صعبة فحسب؛ بل تثير مشكلات في فهم الجمهور للعلم. ليس لدينا منهج علمي ثابت يمكننا التمسك به والدفاع عنه. (1995: 8)
تُظهر دراسات المقابلات مع العلماء حول مفهومهم للمنهج أنهم غالبًا ما يجدون صعوبة في معرفة ما إذا كانت الأدلة المتاحة تؤكد فرضيتهم، وعدم وجود ترجمات مباشرة بين الأفكار العامة حول المنهج والاستراتيجيات الموجهة لكيفية إجراء البحث. (Schickore & Hangel 2019, Hangel & Schickore 2017)
- المناهج العلمية المتميزة و”المعايير الذهبية”
غالبًا ما تستخدم الإشارة إلى المنهج العلمي للدفاع عن الطابع العلمي أو الوضع الخاص لنشاط محدد. والمواقف الفلسفية التي تجادل لصالح منهج علمي بسيط وفريد من نوعها كمعيار للتمييز بين العلم واللاعلم، مثل منهج قابلية التكذيب البوبري، غالبًا ما تجتذب الممارسين الذين يشعرون بحاجتهم للدفاع عن مجال ممارستهم. على سبيل المثال، تعد الإشارات إلى التخمينات والدحض باعتبارها منهجاً علمياً وفيرة في الكثير من الأدبيات حول الطب التكمِيلي والبديل (CAM) -إلى جانب الموقف المنافس الذي يعتبر أن الطب التكمِيلي والبديل، كبديل للطب الحيوي التقليدي، بحاجة إلى تطوير منهجية خاصة به تختلف عن منهجية العلم.
وضمن الاتجاه السائد للعلم، يشار إلى المنهج العلمي في الحجج المتعلقة بالتراتبية الهرمية الداخلية للتخصصات والمجالات. ثمة حجة تتكرر باستمرار تفيد بأن البحث القائم على طريقة النموذج الفرضي الاستنباطي أفضل من البحث القائم على الاستقراء من الملاحظات؛ لأنه في الاستدلالات الاستنباطية تتبع النتيجة بالضرورة من المقدمات. (انظر -على سبيل المثال-بارسكندولا Parascandola 1998) ) لتحليل كيفية تقديم هذه الحجة لتقليل مكانة علم الأوبئة مقارنة بالعلوم المخبرية.) وبالمثل، بناءً على معاينة ممارسات مؤسسات التمويل الرئيسة مثل المعاهد الوطنية للصحة (NIH)، والمؤسسة الوطنية للعلوم (NSF)) وأبحاث العلوم الطبية الحيوية (BBSRC) في المملكة المتحدة، جادل أومالي وآخرون O’Malley et al. 2009)) أن وكالات التمويل تمِيل إلى التمسك بالرأي الذي يعتبر النشاط الأساسي للعلم هو اختبار الفرضيات، في حين يُنظر إلى الأبحاث الوصفية والاستكشافية على أنها مجرد أنشطة تحضيرية تكون ذات قيمة فقط ما دامت تغذي البحث الموجه بالفرضيات.
في بعض مجالات العلم، تُنظّم المنشورات العلمية بطريقة قد تعكس انطباعًا عن وجود عملية استقصاء منظمة وخطية من طرح سؤال، وإعداد منهج يجيب عنه، وجمع البيانات، إلى استخلاص النتيجة من تحليل البيانات. على سبيل المثال، وُصف التنسيق المقنن للمنشورات في معظم المجلات الطبية الحيوية والمعروف باسم تنسيق IMRAD (المقدمة، المنهج، النتائج، التحليل، المناقشة) بوجه صريح من قبل محرري المجلة على أنه “ليس تنسيق نشر اعتباطي بل انعكاس مباشر لعملية الاكتشاف العلمي “(انظر إلى ما يسمى” توصيات فانكوفر “، ICMJE2013: 11). ومع ذلك، فإن المنشورات العلمية لا تعكس بشكل عام العملية التي تم من خلالها إنتاج النتائج العلمية المبلغ عنها. على سبيل المثال، جادل مدور تحت العنوان المثير “هل الورقة العلمية احتيالية”، بأن الأوراق العلمية تحرّف بشكل عام كيفية التوصل إلى النتائج. (Medawar 1963/1996) ثمة آراء مماثلة قدمها فلاسفة ومؤرخون ومتخصصون بعلم اجتماع العلوم ((Gilbert 1976; Holmes 1987; Knorr-Cetina 1981; Schickore 2008; Suppe 1998 الذين جادلوا عن كون ممارسات العلماء التجريبية ممارسات فوضوية ولا تتبع في الغالب أي نمط معروف. كما جادلوا أيضاً عن كون منشورات نتائج البحث إعادة بناء بأثر رجعي لهذه الأنشطة التي غالبًا لا تحافظ على الترتيب الزمني أو منطقي لهذه الأنشطة، ولكنها عوضاً عن ذلك تُعد من أجل حجب النقد المحتمل (انظر Schickore 2008لمراجعة هذا العمل).
- المنهج العلمي في قاعة المحكمة
حضرت المواقف الفلسفية حول المنهج العلمي إلى قاعة المحكمة أيضاً، وخاصة في الولايات المتحدة حيث استعان القضاة بفلسفة العلم في تقرير متى يمنحون وضعًا خاصًا لشهادة الخبراء العلميين. القضية الرئيسة هي دوبرت ضد ماريل دو للصناعات الدوائية (92–102, 509 U.S. 579, 1993).. في هذه القضية، جادلت المحكمة العليا في حكمها لعام 1993 بأنه يجب على قضاة المحكمة التأكد من موثوقية شهادة الخبراء، وأنه عند القيام بذلك، يجب على المحكمة أن تنظر إلى منهجية الخبير لتحديد ما إذا كان الدليل المقدم هو في الواقع معرفة علمية. علاوة على ذلك، في إشارة إلى أعمال بوبر وهيمبل، أقرت المحكمة أنه:
عادة، يكون السؤال الرئيسي الذي يجب الإجابة عليه في تحديد ما إذا كانت نظرية معينة أو تقنية ما معرفة علمية … هو ما إذا كان يمكن اختبارها (وتم اختبارها). (القاضي بلاكمون، دوبرت ضد ماريل دو للصناعات الدوائية، راجع مصادر الإنترنت الأخرى للحصول على رابط للرأي)
ولكن كما جادلت هاك (2005a,b ، 2010) وفوستر وهوبنر (Foster & Hubner 1999)) ، أن المحكمة من خلال المماهاة بين السؤال حول ما إذا كانت الشهادة موثوقة مع السؤال حول ما إذا كانت الشهادة علمية بحسب ما يشير إليه منهج معين تنتج مزيجاً غير متسق من فلسفات بوبر وهيمبل، وهذا ما أدى لاحقًا إلى ارتباك كبير في أحكام القضية اللاحقة التي استندت إلى قضية دوبير (انظر هاك 2010 Hack للاطلاع على شرح مفصل).
- الممارسات المنحرفة
تنعكس الصعوبات حول تحديد مناهج العلم أيضًا في صعوبات تحديد إساءة الممارسة العلمية في شكل تطبيق غير لائق لمنهج أو مناهج العلم. كانت إحدى المحاولات الأولى والأكثر تأثيرًا في تعريف إساءة ممارسة العلم هو التعريف الأمريكي لعام 1989 الذي عرّف إساءة الممارسة العلمية بأنها:
التلفيق أو التزييف أو الانتحال أو أي ممارسات أخرى تنحرف بشكل خطير عن تلك المقبولة عمومًا في المجتمع العلمي. (قانون اللوائح الفيدرالية، الجزء 50، الجزء الفرعي أ، 8 أغسطس 1989، تمت الإضافة بالخط المائل)
ومع ذلك، انتقد بند “الممارسات الأخرى التي تنحرف بشكل خطير” بشدة؛ لأنه يمكن استخدامه لقمع العلم الإبداعي أو الجديد. فعلى سبيل المثال، ذكرت الأكاديمية الوطنية للعلوم في تقريرها ” العلوم المسؤولة ” (1992) أنها
ترغب في إمكانية تجنب تقديم شكوى حول إساءة الممارسة ضد العلماء بناءً على استخدامهم لأساليب بحث جديدة أو غير تقليدية. (NAS: 27)
لذلك حُذف هذا البند لاحقًا من التعريف. للحصول على مدخل إلى الأدبيات الفلسفية الرئيسة حول السلوك في العلم، انظر، شامو ورِزنك Shamoo & Resnick 2009))
- الاستنتاج
كان السؤال عن مصدر نجاح العلم في صميم الفلسفة منذ بداية العلم الحديث. فإذا نظرنا إليه باعتباره مسألة معرفية في العموم، فإن المنهج العلمي هو جزء من تاريخ الفلسفة برمته. خلال ذلك الوقت، تغيرت العلوم والمناهج التي يوظفها ممارسوه بشكل كبير. اليوم، اتجه العديد من الفلاسفة نحو التعددية أو الممارسة للتركيز على الفحوصات الدقيقة ومحدودة السياق للمنهج العلمي. ويأمل آخرون في تغيير وجهات النظر من أجل تقديم تصور عام جديد لما يميز النشاط الذي نسميه العلم.
قدم هويننجن هوين Hoyningen-Huene 2008, 2013)) مؤخراً منظوراً مشابهاً، إذ جادل من تاريخ فلسفة العلم عن أنه بعد ثلاث مراحل طويلة من توصيف العلم من خلال منهجه، نحن الآن في مرحلة تلاشى فيها الاعتقاد في وجود المنهج العلمي الإيجابي، وما تبقى لتمييز العلم هو فقط قابليته للخطأ. كانت المرحلة الأولى من أفلاطون وأرسطو حتى القرن السابع عشر حيث ظهرت خصوصية المعرفة العلمية في اليقين المطلق المؤسس بالبرهان القائم على البديهيات الواضحة. تلتها المرحلة التي استمرت حتى منتصف القرن التاسع عشر حيث عُمّمت وسائل إثبات اليقين في المعرفة العلمية لتشمل الإجراءات الاستقرائية أيضًا. في المرحلة الثالثة، التي استمرت حتى العقود الأخيرة من القرن العشرين، تم الاعتراف بكون المعرفة التجريبية غير معصومة من الخطأ لكنها لا تزال تتمتع بمكانة خاصة بسبب أسلوب إنتاجها المميز. ولكن الآن في المرحلة الرابعة، وفقًا لـهويننجن هوين، أظهرت الدراسات التاريخية والفلسفية كيف أن “المناهج العلمية بالخصائص التي تم طرحها في المرحلتين الثانية والثالثة غير موجودة” (2008: 168) ولم يعد هناك أي إجماع بين فلاسفة ومؤرخي العلم حول طبيعة العلم. بالنسبة لـ لـهويننجن هوين، هذا موقف سلبي للغاية، ولذلك يحث على إعادة طرح السؤال حول طبيعة العلم من جديد. إجابته الخاصة على هذا السؤال هي أن “المعرفة العلمية تختلف عن الأنواع الأخرى من المعرفة، خاصة المعرفة اليومية، من خلال كونها في المقام الأول أكثر منهجية” (Hoyningen-Huene 2013:14 ). ويمكن أن يكون للمنهجية عدة أبعاد مختلفة: من بينها اعتماد المنهجية بشكل أكبر في التوصيفات، والتفسيرات، والتنبؤات، والدفاع عن المزاعم المعرفية، والترابط المعرفي، ومثال الكمال، وتوليد المعرفة، وتمثيل المعرفة والخطاب النقدي. ومن ثم، فإن ما يميز العلم هو الاهتمام الأكبر باستبعاد التفسيرات البديلة، والتوضيح الأكثر تفصيلاً فيما يتعلق بالبيانات التي تستند إليها التنبؤات، والاهتمام الأكبر باكتشاف وإزالة مصادر الخطأ، والمزيد من الارتباطات المفصلة بأجزاء المعرفة الأخرى، الخ. وفي هذا الموقف، ما يميز العلم ليس كون المناهج المستخدمة فريدة من نوعها بالنسبة للعلم، بل توظيف المناهج المستخدمة بعناية أكبر.
مقاربة أخرى مماثلة قدمتها سوزان هاك (2003). ومثل هويننجن هوين، تنطلق من عدم الرضا عن الصدام الأخير بين ما تسميه “التبجيل القديم” و “التهكم الجديد”. الموقف التبجيلي القديم هو أن العلم يتقدم استقرائياً من خلال مراكمة النظريات الصادقة التي أكدتها الأدلة التجريبية أو بشكل استنباطي عبر اختبار التخمينات مقابل الإقرارات الأساسية؛ في حين أن موقف التهكم الجديد هو أنه ليس للعلم سلطة معرفية ولا منهج عقلاني فريد وهو مجرد سياسة. تصر هاك على أنه خلافًا لآراء المتشائمين الجدد، هناك معايير معرفية موضوعية، وأن هناك شيئاً خاصاً من الناحية المعرفية حول العلم، على الرغم من أن المؤيدين القدامى تصوروا هذا بطريقة خاطئة. وبدلاً من ذلك، فإنها تقدم تصوراً جديدًا لـلحس البدهي النقدي حول أي معايير الجودة والقوة والمدعمة بالدليل والإجراء جيد التنفيذ والصادق والشامل والمبتكر لا يقتصر على العلوم، بل المعايير التي نحكم من خلالها على جميع أشكال البحث. بهذا المعنى، لا يختلف العلم نوعًا عن أنواع الاستقصاء الأخرى، ولكنه قد يختلف في الدرجة التي يتطلب بها معرفة خلفية واسعة ومفصلة وإلمامًا بالمفردات التقنية التي قد لا يتمتع بها سوى الخبراء فقط.
قائمة المصادر والمراجع
- Aikenhead, G.S., 1987, “High-school graduates’ beliefs about science-technology-society. III. Characteristics and limitations of scientific knowledge”, Science Education, 71(4): 459–487.
- Allchin, D., H.M. Andersen and K. Nielsen, 2014, “Complementary Approaches to Teaching Nature of Science: Integrating Student Inquiry, Historical Cases, and Contemporary Cases in Classroom Practice”, Science Education, 98: 461–486.
- Anderson, C., 2008, “The end of theory: The data deluge makes the scientific method obsolete”, Wired magazine, 16(7): 16–07
- Arabatzis, T., 2006, “On the inextricability of the context of discovery and the context of justification”, in Revisiting Discovery and Justification, J. Schickore and F. Steinle (eds.), Dordrecht: Springer, pp. 215–230.
- Barnes, J. (ed.), 1984, The Complete Works of Aristotle, Vols I and II, Princeton: Princeton University Press.
- Barnes, B. and D. Bloor, 1982, “Relativism, Rationalism, and the Sociology of Knowledge”, in Rationality and Relativism, M. Hollis and S. Lukes (eds.), Cambridge: MIT Press, pp. 1–20.
- Bauer, H.H., 1992, Scientific Literacy and the Myth of the Scientific Method, Urbana: University of Illinois Press.
- Bechtel, W. and R.C. Richardson, 1993, Discovering complexity, Princeton, NJ: Princeton University Press.
- Berkeley, G., 1734, The Analyst in De Motu and The Analyst: A Modern Edition with Introductions and Commentary, D. Jesseph (trans. and ed.), Dordrecht: Kluwer Academic Publishers, 1992.
- Blachowicz, J., 2009, “How science textbooks treat scientific method: A philosopher’s perspective”, The British Journal for the Philosophy of Science, 60(2): 303–344.
- Bloor, D., 1991, Knowledge and Social Imagery, Chicago: University of Chicago Press, 2nd edition.
- Boyle, R., 1682, New experiments physico-mechanical, touching the air, Printed by Miles Flesher for Richard Davis, bookseller in Oxford.
- Bridgman, P.W., 1927, The Logic of Modern Physics, New York: Macmillan.
- –––, 1956, “The Methodological Character of Theoretical Concepts”, in The Foundations of Science and the Concepts of Science and Psychology, Herbert Feigl and Michael Scriven (eds.), Minnesota: University of Minneapolis Press, pp. 38–76.
- Burian, R., 1997, “Exploratory Experimentation and the Role of Histochemical Techniques in the Work of Jean Brachet, 1938–1952”, History and Philosophy of the Life Sciences, 19(1): 27–45.
- –––, 2007, “On microRNA and the need for exploratory experimentation in post-genomic molecular biology”, History and Philosophy of the Life Sciences, 29(3): 285–311.
- Carnap, R., 1928, Der logische Aufbau der Welt, Berlin: Bernary, transl. by R.A. George, The Logical Structure of the World, Berkeley: University of California Press, 1967.
- –––, 1956, “The methodological character of theoretical concepts”, Minnesota studies in the philosophy of science, 1: 38–76.
- Carrol, S., and D. Goodstein, 2009, “Defining the scientific method”, Nature Methods, 6: 237.
- Churchman, C.W., 1948, “Science, Pragmatics, Induction”, Philosophy of Science, 15(3): 249–268.
- Cooper, J. (ed.), 1997, Plato: Complete Works, Indianapolis: Hackett.
- Darden, L., 1991, Theory Change in Science: Strategies from Mendelian Genetics, Oxford: Oxford University Press
- Dewey, J., 1910, How we think, New York: Dover Publications (reprinted 1997).
- Douglas, H., 2009, Science, Policy, and the Value-Free Ideal, Pittsburgh: University of Pittsburgh Press.
- Dupré, J., 2004, “Miracle of Monism ”, in Naturalism in Question, Mario De Caro and David Macarthur (eds.), Cambridge, MA: Harvard University Press, pp. 36–58.
- Elliott, K.C., 2007, “Varieties of exploratory experimentation in nanotoxicology”, History and Philosophy of the Life Sciences, 29(3): 311–334.
- Elliott, K. C., and T. Richards (eds.), 2017, Exploring inductive risk: Case studies of values in science, Oxford: Oxford University Press.
- Falcon, Andrea, 2005, Aristotle and the science of nature: Unity without uniformity, Cambridge: Cambridge University Press.
- Feyerabend, P., 1978, Science in a Free Society, London: New Left Books
- –––, 1988, Against Method, London: Verso, 2nd edition.
- Fisher, R.A., 1955, “Statistical Methods and Scientific Induction”, Journal of The Royal Statistical Society. Series B (Methodological), 17(1): 69–78.
- Foster, K. and P.W. Huber, 1999, Judging Science. Scientific Knowledge and the Federal Courts, Cambridge: MIT Press.
- Fox Keller, E., 2003, “Models, Simulation, and ‘computer experiments’”, in The Philosophy of Scientific Experimentation, H. Radder (ed.), Pittsburgh: Pittsburgh University Press, 198–215.
- Gilbert, G., 1976, “The transformation of research findings into scientific knowledge”, Social Studies of Science, 6: 281–306.
- Gimbel, S., 2011, Exploring the Scientific Method, Chicago: University of Chicago Press.
- Goodman, N., 1965, Fact, Fiction, and Forecast, Indianapolis: Bobbs-Merrill.
- Haack, S., 1995, “Science is neither sacred nor a confidence trick”, Foundations of Science, 1(3): 323–335.
- –––, 2003, Defending science—within reason, Amherst: Prometheus.
- –––, 2005a, “Disentangling Daubert: an epistemological study in theory and practice”, Journal of Philosophy, Science and Law, 5, Haack 2005a available online. doi:10.5840/jpsl2005513
- –––, 2005b, “Trial and error: The Supreme Court’s philosophy of science”, American Journal of Public Health, 95: S66-S73.
- –––, 2010, “Federal Philosophy of Science: A Deconstruction-and a Reconstruction”, NYUJL & Liberty, 5: 394.
- Hangel, N. and J. Schickore, 2017, “Scientists’ conceptions of good research practice”, Perspectives on Science, 25(6): 766–791
- Harper, W.L., 2011, Isaac Newton’s Scientific Method: Turning Data into Evidence about Gravity and Cosmology, Oxford: Oxford University Press.
- Hempel, C., 1950, “Problems and Changes in the Empiricist Criterion of Meaning”, Revue Internationale de Philosophie, 41(11): 41–63.
- –––, 1951, “The Concept of Cognitive Significance: A Reconsideration”, Proceedings of the American Academy of Arts and Sciences, 80(1): 61–77.
- –––, 1965, Aspects of scientific explanation and other essays in the philosophy of science, New York–London: Free Press.
- –––, 1966, Philosophy of Natural Science, Englewood Cliffs: Prentice-Hall.
- Holmes, F.L., 1987, “Scientific writing and scientific discovery”, Isis, 78(2): 220–235.
- Howard, D., 2003, “Two left turns make a right: On the curious political career of North American philosophy of science at midcentury”, in Logical Empiricism in North America, G.L. Hardcastle & A.W. Richardson (eds.), Minneapolis: University of Minnesota Press, pp. 25–93.
- Hoyningen-Huene, P., 2008, “Systematicity: The nature of science”, Philosophia, 36(2): 167–180.
- –––, 2013, Systematicity. The Nature of Science, Oxford: Oxford University Press.
- Howie, D., 2002, Interpreting probability: Controversies and developments in the early twentieth century, Cambridge: Cambridge University Press.
- Hughes, R., 1999, “The Ising Model, Computer Simulation, and Universal Physics”, in Models as Mediators, M. Morgan and M. Morrison (eds.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 97–145
- Hume, D., 1739, A Treatise of Human Nature, D. Fate Norton and M.J. Norton (eds.), Oxford: Oxford University Press, 2000.
- Humphreys, P., 1995, “Computational science and scientific method”, Minds and Machines, 5(1): 499–512.
- ICMJE, 2013, “Recommendations for the Conduct, Reporting, Editing, and Publication of Scholarly Work in Medical Journals”, International Committee of Medical Journal Editors, available online, accessed August 13 2014
- Jeffrey, R.C., 1956, “Valuation and Acceptance of Scientific Hypotheses”, Philosophy of Science, 23(3): 237–246.
- Kaufmann, W.J., and L.L. Smarr, 1993, Supercomputing and the Transformation of Science, New York: Scientific American Library.
- Knorr-Cetina, K., 1981, The Manufacture of Knowledge, Oxford: Pergamon Press.
- Krohs, U., 2012, “Convenience experimentation”, Studies in History and Philosophy of Biological and BiomedicalSciences, 43: 52–57.
- Kuhn, T.S., 1962, The Structure of Scientific Revolutions, Chicago: University of Chicago Press
- Latour, B. and S. Woolgar, 1986, Laboratory Life: The Construction of Scientific Facts, Princeton: Princeton University Press, 2nd edition.
- Laudan, L., 1968, “Theories of scientific method from Plato to Mach”, History of Science, 7(1): 1–63.
- Lenhard, J., 2006, “Models and statistical inference: The controversy between Fisher and Neyman-Pearson”, The British Journal for the Philosophy of Science, 57(1): 69–91.
- Leonelli, S., 2012, “Making Sense of Data-Driven Research in the Biological and the Biomedical Sciences”, Studies in the History and Philosophy of the Biological and Biomedical Sciences, 43(1): 1–3.
- Levi, I., 1960, “Must the scientist make value judgments?”, Philosophy of Science, 57(11): 345–357
- Lindley, D., 1991, Theory Change in Science: Strategies from Mendelian Genetics, Oxford: Oxford University Press.
- Lipton, P., 2004, Inference to the Best Explanation, London: Routledge, 2nd edition.
- Marks, H.M., 2000, The progress of experiment: science and therapeutic reform in the United States, 1900–1990, Cambridge: Cambridge University Press.
- Mazzochi, F., 2015, “Could Big Data be the end of theory in science?”, EMBO reports, 16: 1250–1255.
- Mayo, D.G., 1996, Error and the Growth of Experimental Knowledge, Chicago: University of Chicago Press.
- McComas, W.F., 1996, “Ten myths of science: Reexamining what we think we know about the nature of science”, School Science and Mathematics, 96(1): 10–16.
- Medawar, P.B., 1963/1996, “Is the scientific paper a fraud”, in The Strange Case of the Spotted Mouse and Other Classic Essays on Science, Oxford: Oxford University Press, 33–39.
- Mill, J.S., 1963, Collected Works of John Stuart Mill, J. M. Robson (ed.), Toronto: University of Toronto Press
- NAS, 1992, Responsible Science: Ensuring the integrity of the research process, Washington DC: National Academy Press.
- Nersessian, N.J., 1987, “A cognitive-historical approach to meaning in scientific theories”, in The process of science, N. Nersessian (ed.), Berlin: Springer, pp. 161–177.
- –––, 2008, Creating Scientific Concepts, Cambridge: MIT Press.
- Newton, I., 1726, Philosophiae naturalis Principia Mathematica (3rd edition), in The Principia: Mathematical Principles of Natural Philosophy: A New Translation, I.B. Cohen and A. Whitman (trans.), Berkeley: University of California Press, 1999.
- –––, 1704, Opticks or A Treatise of the Reflections, Refractions, Inflections & Colors of Light, New York: Dover Publications, 1952.
- Neyman, J., 1956, “Note on an Article by Sir Ronald Fisher”, Journal of the Royal Statistical Society. Series B (Methodological), 18: 288–294.
- Nickles, T., 1987, “Methodology, heuristics, and rationality”, in Rational changes in science: Essays on Scientific Reasoning, J.C. Pitt (ed.), Berlin: Springer, pp. 103–132.
- Nicod, J., 1924, Le problème logique de l’induction, Paris: Alcan. (Engl. transl. “The Logical Problem of Induction”, in Foundations of Geometry and Induction, London: Routledge, 2000.)
- Nola, R. and H. Sankey, 2000a, “A selective survey of theories of scientific method”, in Nola and Sankey 2000b: 1–65.
- –––, 2000b, After Popper, Kuhn and Feyerabend. Recent Issues in Theories of Scientific Method, London: Springer.
- –––, 2007, Theories of Scientific Method, Stocksfield: Acumen.
- Norton, S., and F. Suppe, 2001, “Why atmospheric modeling is good science”, in Changing the Atmosphere: Expert Knowledge and Environmental Governance, C. Miller and P. Edwards (eds.), Cambridge, MA: MIT Press, 88–133.
- O’Malley, M., 2007, “Exploratory experimentation and scientific practice: Metagenomics and the proteorhodopsin case”, History and Philosophy of the Life Sciences, 29(3): 337–360.
- O’Malley, M., C. Haufe, K. Elliot, and R. Burian, 2009, “Philosophies of Funding”, Cell, 138: 611–615.
- Oreskes, N., K. Shrader-Frechette, and K. Belitz, 1994, “Verification, Validation and Confirmation of Numerical Models in the Earth Sciences”, Science, 263(5147): 641–646.
- Osborne, J., S. Simon, and S. Collins, 2003, “Attitudes towards science: a review of the literature and its implications”, International Journal of Science Education, 25(9): 1049–1079.
- Parascandola, M., 1998, “Epidemiology—2nd-Rate Science”, Public Health Reports, 113(4): 312–320.
- Parker, W., 2008a, “Franklin, Holmes and the Epistemology of Computer Simulation”, International Studies in the Philosophy of Science, 22(2): 165–83.
- –––, 2008b, “Computer Simulation through an Error-Statistical Lens”, Synthese, 163(3): 371–84.
- Pearson, K. 1892, The Grammar of Science, London: J.M. Dents and Sons, 1951
- Pearson, E.S., 1955, “Statistical Concepts in Their Relation to Reality”, Journal of the Royal Statistical Society, B, 17: 204–207.
- Pickering, A., 1984, Constructing Quarks: A Sociological History of Particle Physics, Edinburgh: Edinburgh University Press.
- Popper, K.R., 1959, The Logic of Scientific Discovery, London: Routledge, 2002
- –––, 1963, Conjectures and Refutations, London: Routledge, 2002.
- –––, 1985, Unended Quest: An Intellectual Autobiography, La Salle: Open Court Publishing Co..
- Rudner, R., 1953, “The Scientist Qua Scientist Making Value Judgments”, Philosophy of Science, 20(1): 1–6.
- Rudolph, J.L., 2005, “Epistemology for the masses: The origin of ‘The Scientific Method’ in American Schools”, History of Education Quarterly, 45(3): 341–376
- Schickore, J., 2008, “Doing science, writing science”, Philosophy of Science, 75: 323–343.
- Schickore, J. and N. Hangel, 2019, “‘It might be this, it should be that…’ uncertainty and doubt in day-to-day science practice”, European Journal for Philosophy of Science, 9(2): 31. doi:10.1007/s13194-019-0253-9
- Shamoo, A.E. and D.B. Resnik, 2009, Responsible Conduct of Research, Oxford: Oxford University Press.
- Shank, J.B., 2008, The Newton Wars and the Beginning of the French Enlightenment, Chicago: The University of Chicago Press.
- Shapin, S. and S. Schaffer, 1985, Leviathan and the air-pump, Princeton: Princeton University Press.
- Smith, G.E., 2002, “The Methodology of the Principia”, in The Cambridge Companion to Newton, I.B. Cohen and G.E. Smith (eds.), Cambridge: Cambridge University Press, 138–173.
- Snyder, L.J., 1997a, “Discoverers’ Induction”, Philosophy of Science, 64: 580–604.
- –––, 1997b, “The Mill-Whewell Debate: Much Ado About Induction”, Perspectives on Science, 5: 159–198.
- –––, 1999, “Renovating the Novum Organum: Bacon, Whewell and Induction”, Studies in History and Philosophy of Science, 30: 531–557.
- Sober, E., 2008, Evidence and Evolution. The logic behind the science, Cambridge: Cambridge University Press
- Sprenger, J. and S. Hartmann, 2019, Bayesian philosophy of science, Oxford: Oxford University Press.
- Steinle, F., 1997, “Entering New Fields: Exploratory Uses of Experimentation”, Philosophy of Science (Proceedings), 64: S65–S74.
- –––, 2002, “Experiments in History and Philosophy of Science”, Perspectives on Science, 10(4): 408–432.
- Strasser, B.J., 2012, “Data-driven sciences: From wonder cabinets to electronic databases”, Studies in History and Philosophy of Science Part C: Studies in History and Philosophy of Biological and Biomedical Sciences, 43(1): 85–87.
- Succi, S. and P.V. Coveney, 2018, “Big data: the end of the scientific method?”, Philosophical Transactions of the Royal Society A, 377: 20180145. doi:10.1098/rsta.2018.0145
- Suppe, F., 1998, “The Structure of a Scientific Paper”, Philosophy of Science, 65(3): 381–405.
- Swijtink, Z.G., 1987, “The objectification of observation: Measurement and statistical methods in the nineteenth century”, in The probabilistic revolution. Ideas in History, Vol. 1, L. Kruger (ed.), Cambridge MA: MIT Press, pp. 261–285.
- Waters, C.K., 2007, “The nature and context of exploratory experimentation: An introduction to three case studies of exploratory research”, History and Philosophy of the Life Sciences, 29(3): 275–284.
- Weinberg, S., 1995, “The methods of science… and those by which we live”, Academic Questions, 8(2): 7–13.
- Weissert, T., 1997, The Genesis of Simulation in Dynamics: Pursuing the Fermi-Pasta-Ulam Problem, New York: Springer Verlag.
- William H., 1628, Exercitatio Anatomica de Motu Cordis et Sanguinis in Animalibus, in On the Motion of the Heart and Blood in Animals, R. Willis (trans.), Buffalo: Prometheus Books, 1993.
- Winsberg, E., 2010, Science in the Age of Computer Simulation, Chicago: University of Chicago Press.
- Wivagg, D. & D. Allchin, 2002, “The Dogma of the Scientific Method”, The American Biology Teacher, 64(9): 645–646
[1] – اسم الكتاب هو (Novum Organon renovatum) –المترجِمة.
Hepburn, Brian and Hanne Andersen, “Scientific Method”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2021 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2021/entries/scientific-method/>.