بات من المعروف الآن أن بعض أعظم الفلاسفة المعاصرين كان لديهم آراء عنصرية. جون لوك (1632-1704) ، ديفيد هيوم (1711-1776) ، إيمانويل كانط (1724-1804) ، جي دبليو إف هيجل (1770-1831) وآخرين اعتقدوا أن السود والسكان الأصليين في جميع أنحاء العالم كانوا همجاً، دونيين ومحتاجين للتنوير الأوروبي ليهذبهم . لا يوجد فيلسوف جاد اليوم يدافع عن هذه الآراء العنصرية الصريحة ، لكن لسبب وجيه ، استمروا في دراسة كتابات هؤلاء المؤلفين. من أجل التمسك بالرؤى الفلسفية ، يميل العلماء إلى التمييز بين العنصرية الفردية وتلك الكامنة في الأنظمة الفلسفية. ربما كان هيجل مخطئاً في كتاباته العنصرية عن الأفارقة وغيرهم ، لكن هذا لا يخبرنا أي شيء عن الميتافيزيقيا التأملية.
على هذا النحو يمضي النقاش. لكن إذا كنا تعلمنا أي شيء عن العنصرية على مدى العقود القليلة الماضية ، فهو أن التركيز على التعبيرات العنصرية الفردية يمكن أن يحجب الطرق التي تستمر بها العنصرية في النظم. ففي حين أن القوانين في الولايات المتحدة ، على سبيل المثال ، لم تعد تحرم الملونين صراحة ، إلا أنها لا تزال تسمح بالقمع من خلال الاعتقال الجماعي. هل ثمة أي نُذر بحدوث شيء كهذا في الفلسفة –أنه بالتركيز على إدانة العنصرية الفردية للفلاسفة قد سمحنا للعنصرية الفلسفية النسقية أن تبقى على حالها؟
دعونا ننظر بشيء من التفصيل في حالة هيجل، الذي يمكن القول إنه مبدع الفلسفة الأكثر منهجية في الفكر الحديث. كان هيجل عنصرياً صريحاً بالتأكيد. كان يعتقد ، على سبيل المثال ، أن الأفارقة السود هم “جنس من الأطفال لايزالون غارقين في حالة من السذاجة”. وكتب كذلك أن الشعوب الأصلية تعيش في “حالة من الهمجية وانعدام الحرية”. وفي فلسفة الحق (1821) ، قال إن هناك “حقاً للأبطال” في استعمار هؤلاء الناس من أجل تضمينهم في عملية التنوير الأوروبي.
ومع ذلك ، ليس من الجلي أي أثر تركت هذه الملاحظات العنصرية على نظام هيجل الفلسفي. في كتاباته الموسوعية حول الميتافيزيقيا وعلم الجمال والتاريخ والسياسة وحتى علم النبات والجاذبية ، عمل على إظهار أن ثمة عملية عالمية للتحول الديالكتيكي. ديالكتيك هيجل معقد بشكل ملحوظ ، ولكن يمكننا تعريفه تقريباً أنه جمع بين الأضداد من أجل إظهار كيف تنهار التناقضات بين الأشياء في النهاية وتسفر عن خلق فكرة أكثر صدقًا وشمولية. أحد الأمثلة المتواترة هو ما يُسمى أحياناً “جدلية السيد والعبد” ، وهي مناقشة لمسار العلاقات المتساوية بين شخصين والتي أدرجها هيجل في كتابات مختلفة. يوضح هيجل في هذه المقاطع كيف أن التعارض بين السيد والعبد يعزز ظروفاً لا تطاق وغير مستقرة لا بد أن تنهار في النهاية وتؤدي إلى التمرد ، على أمل أن تخلق نظاماً من المتكافئين.
من هذا المثال ، قد يستنتج المرء بشكل معقول أن نظام هيجل الفلسفي لا يمكن أن يكون عنصرياً. ذهبت المنظرة النقدية سوزان باك-مورس إلى حد القول بأن هيجل كان يكتب الثورة الهايتية في فلسفته من خلال ديالكتيك السيد والعبد. حتى لو كان يحمل وجهات نظر عنصرية ، فإن سعي هيجل الفلسفي للحقيقة دفعه إلى الدفاع عن العدالة العالمية من خلال النضال الثوري. إذا كان هذا هو الحال ، فمن المنطقي أن يُنظر إلى نظامه الفلسفي على أنه يتعارض مع عنصريته. وبسبب هذا التنافر تحديداً ، يبرر المعلقون التمييز بين عنصرية هيجل الصريحة ومعنى نظامه الفلسفي.
ومع ذلك ، فإن هذا التمييز ينهار إذا نظرنا بعمق أكثر إلى حيث نشأت فكرة هيجل عن الديالكتيك. عند القيام بذلك ، سنجد أن العنصرية الاستعمارية تُفيدنا مباشرة عن مفهوم الديالكتيك ذاته. تماماً مثل العنصرية النسقية في العالم اليوم ، لا يمكن فهم العنصرية النسقية للفلسفة بمجرد النظر إلى فرد واحد أو مجموعة من المعتقدات. يتوجب أن نفهم السياق التاريخي للأفكار ، وكيف أن العنصرية وسمت نشأة تلك الأفكار ، وكيف تستمر تلك العنصرية في هيكلة تفكيرنا اليوم بطرق قد لا ندركها تماماً.
سيكون من الخطأ القول إن تاريخ الديالكتيك بأكمله مشبع بالتفكير العنصري. الديالكتيك السقراطي ، على سبيل المثال ، يدور في المقام الأول حول التناقضات الداخلية وإمكانيات المفاهيم التي يجب استخلاصها من خلال الحوار. هناك أيضاً ما يسمى أحيانًا بـ “الديالكتيك البوذي” ، والذي يرتبط غالباً بالتفسير التيبتي لعمل ناغارجونا[1] (150-250م)، والذي يعمل على إظهار الفراغ المطلق –الافتقار إلى الماهية- لجميع الكيانات الواقعية التقليدية. جذور تفكير هيجل حول هذا الموضوع تشمل قراءاته لأفلاطون والأفلاطونية المحدثة (وربما الفلسفة الهندية) ، بالإضافة إلى دراسته لعلم المغناطيسية – فكرة الأقطاب المتعارضة التي تبني عالماً طبيعياً منظماً. في الواقع ، بالنسبة لهيجل ، تجري العملية الديالكتيكية في كل مكان. تماماً مثلما لا يمكننا فهم كل شيء عن نظام السجون الحالي من خلال العنصرية ، فإن فلسفة هيجل أكثر من ذلك. ولكن من الصحيح أيضاً أننا لا نستطيع فهم نظام السجون أو نظام هيجل دون الإحالة إلى العنصرية.
إذا نظرنا إلى اثنين من أسلاف هيجل المباشرين في المنهج الديالكتيكي – جان جاك روسو (1712-1778) وفريدريك شيلر (1759-1805) – يمكننا أن نرى كيف تأثرت الطريقة نفسها بالتاريخ الاستعماري بقدر تأثرها بأفلاطون أو المغناطيسية. كان لروسو تأثير عميق على هيجل. وكان ، مثل هيجل ، قارئاً نهماً لروايات علماء الإثنوغرافيا والمبشرين الاستعماريين. على عكس هيجل ، اعتقد أنه كان يقرأ عن أناس يعيشون حيوات مثالية. في خطابه حول أصل وأسس عدم المساواة بين الرجال (1755) ، اعتمد روسو على روايات تبشيرية من أماكن مثل جزر الأنتيل ليصف كيف عاش السكان الأصليون في الأمريكتين في ظل مساواة وهدوء شبه مثاليين. في حين أصبح الأوروبيون أكثر عزلة وظلماً، رأى روسو أن المساواة السهلة كانت الطريقة الطبيعية للحياة في الأمريكتين.ٍ
ومع ذلك ، لم يكن يعتقد أن الأوروبيين يجب أن يعودوا إلى طريقة العيش الطبيعية هذه ، ولا أن شعوب الأمريكتين يمكن أن يظلوا في حالتهم الطبيعية المفترضة وقد اتصلوا بالأوروبيين الآن. يجب أن يصبح “الكاريبيون” ، كما أطلق عليهم روسو ، أكثر عقلانية ، بينما يتعين على الأوروبيين أن يصبحوا أكثر غريزية. “الكاريبي” هي فئة من إثنوغرافيا الحقبة الاستعمارية تجمع مجموعات مختلفة في جزر الأنتيل ، لذلك من الصعب استبدالها بمصطلح أكثر صحة. كان العديد من الناس الموصوفين قد أطلقوا على أنفسهم اسم Kalinago. وبعبارة أخرى ، سيتعين على الكاريبيين والأوروبيين الجمع بين العناصر المتعارضة – الغريزة والعقل – والجمع بينهما بطريقة جديدة للوجود – أي أن يصبحوا عقلانيين فطرياً – الأمر الكفيل بالتغلب على مشاكل كل منها في النمط الثالث الجديد للوجود. أطلق روسو على ذلك اسم “همجي مهيأ ليعيش في المدن”. هل يبدو هذا مألوفاً؟ ما يبدو أنه نقيضان يتحدان ليخلقا شيئاً جديداً: هذا طليعة الديالكتيك.
لنرى بتفصيل أفضل المنطق العنصري الصريح الذي سيصبح لاحقاً مجرداً في نظام الديالكتيك ، يمكننا أن نفكر في طرفة شهيرة من مقالة روسو حول رجل يقايض أرجوحته في الصباح لمستعمر فرنسي ثم يريد استعادتها في الليل. يكتب روسو:
روحه أي [الكاريبي] ، مهتاجة من لاشيء ، يقودها الشعور الفردي بوجوده الحالي ، دون أي فكرة عن المستقبل ، مهما كان قريباً، ومشاريعه محدودة مثل رؤاه، بالكاد تمتد إلى نهاية اليوم. هكذا هو مدى بصيرة الكاريبي. في الصباح يبيع سريره القطني ، وفي المساء يعود باكياً لشرائه لعدم توقع أنه سيحتاجه في تلك الليلة.
تستند هذه الحكاية إلى قصة رواها المبشر جان بابتيست دو تيرتر في روايته لعام 1667 عن شعوب جزر الأنتيل. كان دو تيرتر مقيماً في ما يعرف اليوم بجوادلوب. ما هو جدير بالملاحظة في روايته للقصة هو أنه يعطينا سياقاً لها لم يفعله روسو. وفقًا لدو تيرتر ، لا تكمن المشكلة في أن الأشخاص الذين يلتقي بهم غير قادرين على التفكير في المستقبل ؛ الأمر ببساطة ، وعلى نحو منطقي أكثر، أن لديهم مفهوم تبادل مختلف عن مفهوم الفرنسيين. في حين أن التجارة بالنسبة للفرنسيين نهائية ، هي مؤقتة فقط بالنسبة لهم. يكتب دو تيرتر: “يأمل الكاريبيون أن يكون للفرنسيين الموقف الذي يتبنونه فيما بينهم. وهذا يعني أن الفرنسيين يجب أن يقدموا بسخاء كل ما يطلب منهم”. في هذا الحساب ، يكون الفرنسيون حمقى ليتاجروا بأرجوحة شبكية أثناء النهار ، عندما لا تكون ذات فائدة تذكر. إنه لمن دواعي السذاجة أيضاً ألا يبادل الفرنسيون كرم الكاريبيين عندما يكونون في أرضهم.
يختفي كل هذا السياق من سرد روسو. هؤلاء البشر الآخرون ، بأخلاقياتهم المتطورة في التبادل وتقديم الهدايا ، أصبحوا شخصيات أحادية البعد ليس لديها مفهوم للوقت. ما يهم في تاريخ الديالكتيك هو ما يفعله روسو فلسفياً بناءً على هذا الخطأ العنصري. روسو يحسد هؤلاء الرجال المخترعين وينتقدهم. وهو يعتقد أن معظم البؤس البشري يأتي بالتحديد من التفكير في المستقبل:
البصيرة! البصيرة ، التي تأخذنا إلى ما وراء أنفسنا بلا توقف وغالباً ما تضعنا في مكان لن نصل إليه أبداً … أيها الرجل ، ارسم وجودك داخل نفسك ، ولن تكون بائساً بعد الآن …
لأنه يعتقد أن الكاريبيين ليس لديهم بصيرة يقول إنهم سعداء و مهتاجون من لا شيء.
لكن روسو يعرف أيضاً أنه بدون التفكير الموجه نحو المستقبل ، لا يمكن أن يكون هناك تخطيط أو تقدم. تتطلب الحياة الاجتماعية منا أن نستبدل “العدالة بالفطرة” ، كما يقول في العقد الاجتماعي (1762). بطريقة ما ، وفقاً لروسو ، يجب أن نجد طريقة لامتلاك التفكير المستقبلي الذي يجعل العدالة ممكنة ، دون أن نفقد الشعور بالوجود الذي يجلب لنا الراحة والفرح. بعبارة أخرى ، يجب أن نتعلم الجمع بين مصطلحات الغريزة والعقلانية التي تبدو متعارضة من أجل توليف طريقة للوجود في العالم بحيث لا نكون مستغرقين جداً في الحاضر بحيث نهمل المستقبل ولا ننأى عن الحاضر إلى حد تدمير سعادتنا. بعبارة أخرى ، نحتاج إلى عملية جدلية بين الفرنسيين والكاريبيين. وهذه الطريقة الكلية في التفكير ، هذا الأساس للفكر الديالكتيكي ، لها أصل أساسي في أفكار روسو العنصرية حول كيف أن شعوب الأنتيل أغبياء جداً بحيث لا يعرفون في الصباح أنهم ، في المساء ، سيحتاجون إلى أرجوحة ليناموا عليها.
ربما يقول القارئ المتشكك أن هذه مجرد مشكلة مع روسو. لا علاقة لها بالديالكتيك بحد ذاته ، وليس ثمة علاقة واضحة بالأشياء العنصرية التي يكتبها هيجل. لكن إذا تابعنا تاريخ الديالكتيك أثناء انتقاله من روسو إلى الفكر الألماني ، سيتبين بسرعة أنه على الرغم من تعميمه بشكل متزايد ، فإن هذه العنصرية الاستعمارية تأتي معه. كان شيلر ، الشاعر الفيلسوف ، أحد مفاصل العملية الديالكتيكية قبل هيجل. في رسائل حول التعليم الجمالي للإنسان (1795) ، وهو نص مهم جداً لفلسفة هيجل الديالكتيكية ، يتولى شيلر بشكل صريح مهمة روسو في محاولة إيجاد طريقة لربط الغريزة والعقلانية عبر الثقافات.
اعتقد شيلر ، مثل روسو ، أن فجوة قد تشكلت بين الحياة الغريزية “للإنسان الطبيعي” والحياة العقلانية للأوروبيين. ومثل روسو ، أراد أن يجد طريقة لدمج ما هو جيد بالفطرة مع ما هو جيد في العقلانية. إن تحقيق هذا هو:
مسألة تجريد الشخصية الجسدية للإنسان من تعسفها، وتجريد شخصيته الأخلاقية من حريتها. إنه مسألة جعل الأولى متوافقة مع القوانين وجعل الثانية معتمدة على انطباعات الحس .. [والجمع بينها] بهدف خلق شخصية ثالثة.
على الرغم من أن لغة شيلر أكثر تجريدية من لغة روسو ، إلا أن افتراضاته العنصرية هي نفسها: هناك بعض الناس تسيطر عليهم الغريزة ( “الهمج ” الخارجون عن القانون) والبعض الآخر ضائع جداً في المنطق (الأوروبيون عديمي الشعور) ، والهدف هو دمج كل من أفضل الأجزاء و نفي الأسوأ.
كان هيجل مفتوناً بالكلمة التي استخدمها شيلر لوصف عملية الجمع عن طريق النفي هذه: الكلمة الألمانية Aufhebung تُرجمت غالباً إلى sublation والتي تعني أن تلغي وأن تتجاوز في آن معاً. في كتابات هيجل ، تعاريف sublation غالبًا ما تكون كثيفة ومجردة. (مثلاً، في إلغاء وتجاوز الوجود والعدم : الوجود هو الوجود والعدم هو العدم فقط في تمايزهما عن بعضهما البعض، لكن في حقيقتهما، في وحدتهما اختفيا بوصفهما هذه المحددات وأصبحا الأن شيئاً آخر).
فعل “الرفع” هذا هو ما أراد روسو أن يفعله للكاريبيين: أن يلغي افتقارهم إلى البصيرة ، وأن يحافظ على وعيهم للحاضر وبالتالي رفعهم إلى شكل من الحياة أكثر تنظيماً وسعادة وعدالة. لقد أراد الشيء نفسه بالنسبة للأوروبيين: إلغاء بعد نظرهم المفرط ، والحفاظ على تركيزهم على العدالة ، وبالتالي الارتقاء بهم إلى شكل أسعد للحياة يحافظ على النظام والعقل. تطلبت هذه العملية في نهاية المطاف الجمع بين عناصر كل ثقافة: “شخصية شيلر الثالثة” – “الهمجي المهيأ لسكن المدن”.
قد تكون الجاذبية وأفلاطون في ذهن هيجل بينما كان يطور نظامه الديالكتيكي المتسامي ، لكن لا مفر من حقيقة أن فلسفته الديالكتيكية المتعلقة بالتفاعل البشري لا تنفصل عن العنصرية التي ورثها وناصرها، حتى عندما جعلها مجردة و نسقية. يمكننا أن نرى هذه العملية في العمل إذا عدنا إلى جدلية السيد والعبد. في نسخة من هذه القصة ، استخدمها هيجل في محاولة شرح أصل الوعي بالذات. يضع القصة صراحةً في سياق “حالة الطبيعة” ، الحالة التي من المفترض أن يكون كاريبيو روسو عالقين فيها. يريد أن يفهم كيف ينقلهم “الوعي بالذات ” من حالة الغرق في الرغبة والتفرد إلى حالة عالمية. بعبارة أخرى ، كيف أصبح بعض النوع البشري الذي بدأ مع أشخاص مثل كاريبيي روسو ، فلاسفة مثل روسو وشيلر وهيجل؟ كيف انتقلوا من كونهم عالقين في الحاضر إلى القدرة على التحدث عن حقائق عالمية في كل الأوقات؟
وفقاً لهيجل ، في مرحلة ما ينكسر الانغماس عندما يتواجه شخصان فجأة ، كانا في البرية وحيدين في السابق. تؤدي رؤية إنسان آخر إلى احتمالية أن يُنظر إلي كشيء. من أجل تأكيد ذاتيتي وتجنب أن أصبح موضوعاً للآخر ، أحاول أن أجعله موضوعاً أولاً. هذا هو أصل السيادة والعبودية – من يكسب الصراع يصبح السيد الأول. ومع ذلك ، بمرور الوقت ، من خلال جعل شخص آخر موضوعاً (شيئاً) ، يفقد الفائز جوهر ذاتيته: إمكانية التعرف عليه من قبل شخص آخر. لن يكون الوعي الذاتي الحقيقي ممكناً إلا عندما يتم التغلب على العبودية حيث يمكن لندين متساويين التعرف على بعضهما البعض. في هذه العملية ، يتم إلغاء السمات السلبية ، والحفاظ على رؤى الذاتية ، ورفع كلا الموضوعين إلى وعي ذاتي جديد متساوق.
تكمن المشكلة في أن هيجل يعتقد أن السود والسكان الأصليين لديهم جدلية “كامنة” ،أنهم عالقون في الطبيعة ، وبالتالي لا يمكنهم بدء العملية الديالكتيكية نحو حرية الوعي بالذات. هذا هو السبب في قوله إن هناك “حق للأبطال” في الاستعمار – فقط من خلال الاستعمار من قبل الأوروبيين يمكن للآخرين أن يصبحوا جزءاً من مسيرة الحرية الإنسانية. وهكذا، إذا ما اقتفينا باك مورس ، فإن الثورة الهايتية لهيجل هي ببساطة عندما تحقق المثل الأوروبية الحرية للآخرين من خلال الاستعمار:
في هاييتي شكلوا أي (السود) دولة على المبادئ المسيحية. ومع ذلك ، لا يظهرون أي ميل داخلي للثقافة. في وطنهم [إفريقيا] يسود الاستبداد الأكثر إثارة للصدمة … روحهم هاجعة تماماً ، تظل غارقة في نفسها ، ولا تحرز أي تقدم.
هنا يمكننا أن نرى بوضوح تلازم العنصرية الاستعمارية ونظام الديالكتيك ، وكيف ينظّر هيجل المفاهيم “المجردة” مثل الوعي الذاتي والتقدم والحرية. تكافؤ الحريات قد تكون نتيجته جيدة ، لكن الحركة الكلية لنظام هيجل نحو هذه الغاية تبدأ بالأفكار العنصرية لروسو وادعاءاته حول الافتقار للفكر من قبل الشعوب الأصلية المفترض أنها محاصرة في “حالة الطبيعة” حتى وصول الأوروبيين. يصبح الفكر الديالكتيكي نظاماً عاماً، كما تحدده أعمال هيجل الناضجة التي تشير إلى الشعوب المتحضرة والهمجية أقل مما تفعل خلال الأفكار المجردة مثل الوجود والعدم. ومع ذلك ، فإن مهمة فهم العنصرية النسقية للفلسفة هي متابعة الحركة من العنصرية الصريحة إلى العنصرية البنيوية. تكمن المشكلة، على عكس ما يقوله بعض المدافعين عن هيجل ، في تجريد أفكاره العنصرية في نظام فكري عالمي يخفي هذه الأصول العنصرية. إن استخدام الديالكتيك دون الاعتراف بهذا التاريخ ينطوي على خطر حمل هذه العنصرية عن غير قصد في مفاهيمنا ، وبالتالي في معتقداتنا وممارساتنا. هل هناك طريق مناهض للعنصرية لهذه الرؤى الديالكتيكية حول المساواة العالمية؟
بعد الحرب العالمية الثانية ، جلس الفيلسوف والشاعر والسياسي البارز في المارتينيك ، إيمي سيزير (1913-2008) ، ليقرأ تحفة هيجل الفلسفية “فينومينولوجيا الروح” (1807)، عند الانتهاء منها، أظهرها بحماس لصديقه ليوبولد سنغور (1906-2001) – وهو أيضًا فيلسوف وشاعر وقائد سينغالي قديم : استمع إلى ما يقوله هيجل يا ليوبولد: للوصول إلى الكوني ، يجب على المرء أن ينغمس في الخاص! في فلسفة هيجل المجردة ، وجد سيزير شريكاً فلسفياً في مشروع(زنوجة) Négritude ، وهي حركة مناصرة للفكر وعلم الجمال الأسودين ساعد سنغور وسيزير في تأسيسها في باريس في الثلاثينيات. أوضحت فلسفة هيجل نفس النقطة التي أثاروها: أن احتضانهم للسود كان جزءاً من حركة التقدم البشري العالمي ، وليس استسلاماً لهوية ضيقة. لم يكن سيزير وسنغور وحيدين بين المفكرين المناهضين للاستعمار الباحثين عن المعنى في عمل هيجل ، وخاصة هذه الفلسفة الديالكتيكية التي يمكن أن تجد فيها الأضداد ظاهرياً – مثل “العالمية” و “الخصوصية” – أرضية مشتركة بينها من خلال توليفة جديدة. القادة والكتاب الثوريون فرانز فانون (1925-1961) وسي إل آر جيمس (1901-1989) وأميلكار كابرال (1924-1973) سيجدون أيضاً معنى في عمل هيجل. ماذا يعني التاريخ الذي أوردته لسنغور وسيزر وفانون وآخرين في استخدامهم للديالكتيك؟ هل حملوا عن طريق الخطأ عنصرية هيجل في أفكارهم؟
لا أعتقد أنهم فعلوا ذلك. على الرغم من أن هؤلاء المفكرين لم يتطرقوا بشكل مباشر إلى التاريخ العنصري للديالكتيك الذي يعود إلى روسو ، إلا أنهم أدركو االمشكلة المركزية للفكر الهيجلي. يمكننا أن نرى هذا حيث انتقدوا المنطق العنصري الكامن ، في حين احتفظوا في الوقت ذاته بقيمة الفكر الديالكتيكي. هذه ، بالطبع ، طريقة جدلية للغاية للتعامل مع عنصرية الديالكتيك. إنها تسعى إلى نفي التناقض العنصري في قلب الديالكتيك من أجل خلق طريقة جديدة للتفكير يمكنها في الواقع دفع التاريخ إلى الأمام. على خلاف ما اعتقده هيجل ، لم يكن الأفارقة والكاريبيون هم من علقوا في التاريخ ، وإنما هيجل نفسه مع نظرته العنصرية للعالم. دفع التاريخ إلى الأمام يعني العمل بنشاط ضد العنصرية. هذا هو تسامي الديالكتيك ذاته، ما يخلق مساراً مناهضاً للعنصرية للحفاظ على أفكار هيجل وإلغائها والارتقاء بها.
حقق سنغور وسيزير وفانون هذه الحركة الديالكتيكية من خلال رفض أساس الإثنوغرافيا العنصرية لروسو. لقد استعادوا ما عرفه حتى المبشر دي تورتر ، لكن الفلاسفة لم يعرفوه: أن شعوب الأمريكتين وأفريقيا كان لها حياتها المعقدة ومنطقها. كتب سيزر:
اللوم الكبير الذي وجهناه عن وجه حق إلى أوروبا هو أنها كسرت زخم الحضارات التي لم تصل بعد إلى وعدها الكامل ، ولم تسمح لها بالتطور وتحقيق الثراء الكامل للأشكال الموجودة في داخلها.
وسنغور:
أعتقد … أن “الزنوجة جدلية” ؛ لا أعتقد أنها سوف “تتنازل عن مكانتها لقيم جديدة”. بتعبير أدق ، أعتقد … [أنها] تشكل … مجموعة من المساهمات الأساسية.
وفانون:
إن الديالكتيك الذي يقدم الضرورة كدعم لحريتي يقصيني عن نفسي … لا يدعي وعيي الأسود أنه خاسر. هو كذلك. إنه متناغم مع نفسه… لأنه ليس هناك زنجي واحد- ثمة العديد من الزنوج.
في حين افترض روسو وهيجل أن السكان الأصليين والسود لم يكونوا ديالكتيكيين بأنفسهم ، أصر سنغور وسيزير وفانون على أن الديالكتيك ، المُتخيل على نحو صحيح ، لا يمكن أن يبدأ إلا إذا فهمنا التعقيد الداخلي لجميع الشعوب. بمجرد تحقيق ذلك ، يمكننا الانتقال من المنطق الاستعماري للاختلاف الثقافي إلى ما أسماه سيزير وسنغور “موعد العطاء والتلقي” بين الثقافات. على سبيل المثال ، بدلاً من أن يفرض الفرنسيون نموذجهم التجاري على جزر الأنتيل ، كان بإمكان كلا الشعبين التعرف على نماذج مختلفة من بعضهما البعض. بدلاً من العملية الديالكتيكية التي لا يمكن إحضارها إلا من أوروبا إلى أي مكان آخر ، يتيح هذا النموذج البديل مجموعة أكثر ثراءً وتطوراً من الاحتمالات لكيفية ترتيب الحياة البشرية. العبودية والعنصرية والكراهية في هذا النظام غير مبررة أبداً، ولكن يتم الحفاظ على التقدم الديالكتيكي نحو مزيد من الحرية والمساواة. وكما يوضح هؤلاء الكتاب ، فإن التفكير الديالكتيكي ليس عنصريًا بطبيعته ، ولا ينبغي بالضرورة نبذه باسم فهم فلسفي آخر للتاريخ. ومع ذلك ، يحتاج الفلاسفة إلى الاعتراف بأن الأصول الحديثة للفكر الديالكتيكي يمكن إرجاعها مباشرة إلى العنصرية الصريحة للفلاسفة مثل روسو وهيجل.
هذه العنصرية الصريحة ، كما هو شائع ، أصبحت ضمنية عندما تم تجريدها في المفاهيم التي طورها هؤلاء الفلاسفة. عندما نستخدم الفكر الديالكتيكي اليوم – حتى في خدمة مناهضة العنصرية – فإننا نجازف بحمل هذا التاريخ العنصري في تفكيرنا إذا لم نعترف به ونتقبله.
قد يساعد القياس مع الصفقة الجديدة[2] في الولايات المتحدة في توضيح ما أعنيه بهذا. كما أظهر المؤرخ إيرا كاتسنلسون بإسهاب ، كانت الصفقة الجديدة نجاحاً اقتصادياً هائلاً للمجتمعات التي دعمتها. ومع ذلك ، إلى حد كبير ، لم تشمل الأمريكيين السود في سخائها. كان سجلها مع الشعوب الأصلية مختلطاً أيضاً ؛ ومع الأمريكيين اليابانيين ، كان الوضع سيئاً بالطبع. وكانت النتيجة أن دولة الرفاهية الأمريكية الحديثة قد تركت أثرها على عدم المساواة الاقتصادية العامة مع تفاقم عدم المساواة العرقية. التعامل مع هذا الإرث يعني تصحيح الظلم العنصري ، وليس التخلي عن التقدم الاقتصادي. وبالمثل ، مع الديالكتيك ، فإن الهدف هو استئصال ظلمه العنصري ووضع المفهوم على أساس أكثر أماناً ، وليس التخلي عنه ككل.
إذا كنا ملتزمين حقًا بمناهضة العنصرية في الفلسفة ، فسنحتاج بالتأكيد إلى التعامل مع العنصرية الواضحة للمفكرين الأفراد ، ونقص التنوع في مناهج الفلسفة ، ونقص التنوع في أعضاء هيئة التدريس والطلاب في الفلسفة. لكن سيتعين علينا أيضاً أن نلقي نظرة فاحصة على الأشكال الأكثر دقة للعنصرية التي ترشدنا إلى مفاهيمنا وأفكارنا. الديالكتيك ليس المفهوم الوحيد الذي تطور من خلال العنصرية في عصره. أفكار الاستقلالية والجماليات وحتى الحرية نشأت أيضاً من خلال نفس العملية مُظهرةً كيف كانت الحياة الأوروبية مختلفة عن حياة أولئك الذين تم اعتبارهم متوحشين. كما يوضح سنغور وسيزير وفانون ، فإن هذا لا يعني أنه يجب التخلص من هذه المفاهيم ، فقط سيتعين علينا إفراغها من تاريخها العنصري ووضعها على أسس أكثر عدالة.
والنتيجة ليست خسارة القانون الغربي ، بل التحسين الفعلي للفكر الفلسفي. يمكن أن تكون النظم الفلسفية أدوات قوية لإرشادنا بعيداً عن خراب الحاضر نحو تعويضات المستقبل. لكن لا يمكننا القيام بهذه الخطوة دون أن نتصالح أولاً مع عنصريتها المنهجية.
افرام ألبرت محاضر في برنامج برينستون للكتابة ومؤلف كتاب الأصول العالمية للذات الحديثة ، من مونتين إلى سوزوكي (2019) وتنوير جزئي: ما يمكن للأدب الحديث والبوذية أن يعلمانا إياه عن العيش الجيد (سيصدر قريباً).
[1]-كان Nagarjuna (حوالي القرن 2 م) من بين أعظم الآباء البوذية في ماهايانا . العديد من البوذيين يعتبرون ناجارجونا “بودا ثانيا”. كان تطوره لعقيدة sunyata ، أو الفراغ ، معلما بارزا في تاريخ البوذية. ومع ذلك ، لا يعرف إلا القليل عن حياته. يتم تذكر Nagarjuna بشكل رئيسي كمؤسس لمدرسة Madhyamika من الفلسفة البوذية. من بين العديد من الأعمال الكتابية المنسوبة إليه ، يعتقد العلماء أن عددًا قليلاً فقط من أعمال ناجارجونا الأصيلة. من بين هؤلاء ، أشهرها “Mulamadhyamakakarika” ، “آيات أساسية على الطريق الوسطي”.
2 -الصفقة الجديدة أو الاتفاق الجديد هي مجموعة من البرامج الاقتصادية التي أُطلقت في الولايات المتحدة بين عامي 1933 و1936. تضمنت هذه البرامج مراسيم رئاسية أو قوانين قام بإعدادها الكونغرس الأمريكي أثناء الفترة الرئاسية الأولى للرئيس فرانكلين روزفلت. جاءت تلك البرامج استجابة للكساد الكبير وتركزت على ما يسميه المؤرخون الألفات الثلاثة وهي “الإغاثة والإنعاش والإصلاح”. وتشير تلك النقاط الثلاث إلى إغاثة العاطلين والفقراء وإنعاش الاقتصاد إلى مستوياته الطبيعية وإصلاح النظام المالي لمنع حدوث الكساد مرة أخرى.