مجلة حكمة
ترجمة Abduction الاستخلاص

لماذا ترجمنا Abduction بـ الاستخلاص؟ – أ.د. عبدالله البريدي، عبدالله الشبيلي، وجدان الأصقه


41 مايو 2021 – ترجمة Abduction


تشير كلمة Abduction في قاموس اللغة الإنجليزية العام إلى معنى “الاختطاف”، في سياقات مشبعة بأوضاع لها علاقة بالتهديد والعنف وما إلى ذلك من المعاني النافرة عن سياقنا الإبستمولوجي. كان أول ظهور للمصطلح في السياق العلمي عام 1597م عندما ترجم جوليوس باسيوس مفهوم Apagoge الأرسطي، والذي يعني القيادة بعيدًا (Timmermans & Tavory, 2012). يشير مصطلح الـ Abduction في سياق البحث العلمي إلى عملية استدلالية إبداعية تنتج فرضيات ونظريات جديدة استنادًا إلى أدلة بحثية “عرضية” أو “طارئة” أو “مفاجئة”، مما يستلزم مجافاة الباحث عن الرؤى النظرية القديمة، ليصل من ثمَّ إلى رؤى جديدة (Timmermans & Tavory, 2012). ومع ذلك، فقد ظل مصطلح الـ Abduction خاملًا طيلة ثلاثة قرون تقريبًا، حتى جاء تشارلز بيرس (1839-1914) وتبنى الرأي الذاهب إلى أنه وسيلة الاستدلال الحقة الوحيدة لتوسيع المعرفة، وأنه سيكون مختلفًا بشكل قاطع عن الأنواع الأخرى من الاستدلال المنطقي، أي الاستنباط والاستقراء (Reichertz, 2007).

ويمكن للباحث عبر نظرة سريعة إدراك التباين في ترجمة Abduction في الأدبيات العربية. ومن ذلك، أنه تُرجم إلى قياس احتمالي (مجمع اللغة العربية في القاهرة، 1981، ص 143)، كما ترجم إلى إنتاج نموذج جديد (الصالح، 1999، ص 21)، وإلى الاستدلال التعليلي (الحصادي، 2003، ص 1088)، وإلى احتمال / تمشٍ احتمالي (الناهي وآخرون، 2012، ص 632)، وأشار حمّو النقاري (2018) إلى أنه “عزل أمر من الأمور بقصد الوقوف على تابعه وعلى ما يؤدي إليه” مؤكدًا أنه بات “فعلًا من الأفعال الرئيسة المنجزة في عملية الكشف العلمي” لاعتماده على استدلال وفرضيات وتخمينات في “أفق استخلاص أفضل تفسير”. يشير هذا التباين إلى عدم الاستقرار في ترجمة هذا المصطلح النامي إبستمولوجيًا في أدبياتنا العربية، وهو ما يوجب علينا العودة إلى أصل المصطلح باللغة الإنجليزية، والنظر في مدلوله، ومن ثم إيجاد الدال المناسب له في اللغة العربية.

يشير مصطلح الـ Abduction إلى عمليات ذهنية تبدأ بملاحظة حقائق طارئة أو مفاجئة لا يملك الباحث لها تفسيرات واضحة أو مقنعة. وبالتالي، يسعى الباحث إلى إيجاد تفسيرات (فرضيات) معقولة لتلك الحقائق. وحيث إن المعقولية هي شرط القبول المبدئي للتفسيرات، فسيظهر الكثير منها، والتي تتفاوت في درجة صحتها. ولهذا، على الباحث المفاضلة فيما بينها وانتخاب أفضلها. ويمكن تلخيص هذه العمليات الذهنية في الخطوات التالية: (1) اندهاش من الواقع. (2) ترشيح مجموعة من التفسيرات المعقولة. (3) المفاضلة بين تلك التفسيرات. (4) اختيار أفضل تفسير. ومن هنا، نلحظ اشتمال الخطوات السابقة على تلخيص لمجموعة من التفسيرات (كما في الخطوة رقم 2)، وتخلّصٍ من سقيمها (كما في الخطوة رقم 3)، والخُلُوص إلى أفضلها (كما في الخطوة رقم 4).

وهذا ما شجعنا على اقتراح “الاستخلاص” لتأمين المعاني العميقة لهذا المصطلح، وذلك لعدة حيثيات دلالية. ومن ذلك، أنه ورد في معجم الرائد: “خلَص الشيء: صار خالصًا صافيًا. خلص إلى الشيء: وصل إليه. خلص منه: انفصل عنه”. وهذا موافق لدلالة مفهوم الـ Abduction من حيث إنه يقدم خلاصة من التفسيرات المعقولة، ويتخلّص من الأقل تفسيرًا، ليخْلُص إلى أفضل تفسير، ويخلص من ويبتعد عن التفسيرات (النظريات والفرضيات الحالية) التي عجزت عن تفسير الواقع المدهش. ولقد وردت مثل هذه المعاني في معاجم أخرى، كما في المعجم الوجيز: “استخلصه: اختاره”، والمعجم الوسيط: “أخلص الشيء: صفاه ونقاه من شوبه. استخلصه: أخلصه واختاره، وميزه عن غيره. وخُلاصة الكلام ما استُخلِص فيه معنى العبارة مجردًا عن الزوائد والفضول”، ومعجم اللغة العربية المعاصرة: “خلَصَ: يخلُص، خُلُوصًا وخَلاصًا، فهو خالِص، والمفعول مخْلُوص إليه. خلصت المهمة: انتهت. خلص إلى هدفه: بلغه، وصله، وانتهى إليه. استخلاص: مصدر استخلص. استخلص يستخلص، استخلاصًا، فهو مستخلص، والمفعول مستخلَص. استخلص صديقًا: اختاره واختصه بدخيلة نفسه. استخلص الشيء من الشيء أي استخرجه. استخلص الفكرة الأساسية من النص: استنتجها وتوصل إليها”.

يضاف إلى ذلك اتسام كلمة “الاستخلاص” بسمة الاقتصاد مقارنة بالاجتهادات الأخرى من قبيل “إنتاج نموذج جديد” و”الاستدلال التعليلي”. وثمة أمر صرفي له قيمته في هذا السياق، فالاستخلاص هو على وزن الفعل استفعل ومصدره استفعال، وفيه معنى المكابدة في العمل البحثي والاجتهاد في الوصول إلى نتائجه، كما أن في ذلك موافقة ومجاراة لأوزان المناهج التي تتكامل مع الاستخلاص، وهي : الاستنتاج/الاستنباط والاستقراء، مما يحافظ على الموسيقى الدلالية في هذه الباقة المفاهيمية. وثمة  أمر نشير إليه وله ربما دلالة تطبيقية، وهو أن ترجمة هذا المدخل يأتي في إطار برنامج الدكتوراه في فلسفة إدارة الأعمال في كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة القصيم، حيث احتاج المترجمان إلى هذا المفهوم ليقوما بتفعيله في النظرية المجذرة بوصفها المنهجية البحثية المقرة في بحثهما.


المراجع:

Reichertz, J. (2007). Abduction: The logic of discovery of grounded theory (pp. 214-228). London: Sage.

Timmermans, S., & Tavory, I. (2012). Theory construction in qualitative research: From grounded theory to abductive analysis. Sociological theory, 30(3), 167-186.

الحصادي، نجيب . (2003). دليل أكسفورد للفلسفة.

الصالح، مصلح أحمد. (1999). الشامل قاموس مصطلحات العلوم الاجتماعية.

عمر، مختار أحمد. (2008). معجم اللغة العربية المعاصرة، (ص 678-680).

مجمع اللغة العربية في القاهرة. (1981). مجموعة المصطلحات العلمية والفنية التي أقرها المجمع، المجلد الخامس، (ص 143).

مجمع اللغة العربية في القاهرة. المعجم الوسيط، الطبعة الثانية، (صفحة 249).

مجمع اللغة العربية. (1994). المعجم الوجيز، (ص 207).

مسعود، جبران. (1992). الرائد معجم لغوي عصري. الطبعة السابعة، (صفحة 342).

الناهي، هيثم وشري، هبة وحسنين، حياة. (2012). مشروع المصطلحات الخاصة بالمنظمة العربية للترجمة. المنظمة العربية للترجمة.

النقاري، حمّو. (2018). مفاهيم التفلسف الغربي، المؤسسة العربية للفكر والإبداع. بيروت- لبنان.

ترجمة Abduction