مجلة حكمة
التواصل الاجتماعي الشبكات الاجتماعية ستانفورد الفلسفية

التواصل الاجتماعي والأخلاق

الكاتبشانون فالور
ترجمةرنا الحميدان
مراجعةعبد الله البريدي
تحميلنسخة PDF

مدخل حول وسائل التواصل الاجتماعي، والشبكات الاجتماعية، والفلسفة الكامنة فيها، ونقد المخاوف الفلسفية المرتبطة بها؛ نص مترجم لد. شانون فالور، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التعديل منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، جعلتْ تقنياتُ الوسائط الجديدة للشبكات الاجتماعية مثل: فيسبوك، وماي سبيس، وتويتر، ويوتيوب تُغيِّر الممارسات الاجتماعية والسياسية والمعلوماتية للأفراد والمؤسسات في جميع أصقاع العالم، مما أوجد استجابة فلسفية من الجماعة العلمية للأخلاق التطبيقية وفلاسفة التقنية. في حين ماتزال هذه الاستجابة العلمية تواجه تحديات بسبب الطبيعة السريعة التطور لتقنيات الشبكات الاجتماعية، تتأكد الحاجة الملحة للاهتمام بهذه الظاهرة كونها تعيد تشكيل عدد الأشخاص الذين يبدأون و/أو يحتفظون فعليًا بكل نوع من الروابط الاجتماعية أو الأدوار المهمة أخلاقياً: من صديق إلى صديق، ومن الوالدين إلى الطفل، ومن زميل إلى زميل آخر في العمل، ومن صاحب العمل إلى الموظف ، ومن مدرس إلى طالب، ومن الجار إلى جار، ومن بائع إلى مشترٍ، ومن طبيب إلى مريض؛ لتقديم قائمة جزئية فقط. كما أن الآثار الأخلاقية لهذه التقنيات ليست شخصية بحتة. إذ ستستمر شبكة التفاعلات المعقدة بين مستخدمي خدمة الشبكات الاجتماعية ومجتمعاتهم عبر الإنترنت وخارج نطاق الإنترنت، ومطوري الشبكات الاجتماعية، والشركات، والحكومات والمؤسسات الأخرى – الى جانب الدوافع والمصالح المتنوعة والمتضاربة أحيانًا لأصحاب المصلحة المتعددين – في طلب تحليل فلسفي صارم لعقود قادمة.

 

يستعرض القسم الأول التاريخ والتعريف الإجرائي لخدمات الشبكات الاجتماعية Social Networking Services (يُشار إليها SNS).  يحدد القسم الثاني الأسس الفلسفية المبكرة المتعلقة بالتفكير في أخلاقيات الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت، مما أدى إلى ظهور معايير  الويب.2 “”Web 2.0 (الداعمة لتفاعلات المستخدمين) وSNS المطورة بالكامل. يقدم القسم الثالث الموضوعات الأخلاقية الأساسية التي تقاربت حولها الأفكار الفلسفية المتعلقة بخدمات الشبكات الاجتماعية حتى الآن: الخصوصية، الهُوية والمجتمع، الصداقة، والفضيلة والحياة الطيبة، الديمقراطية، والمجال العام، والجرائم الإلكترونية. وأخيرًا يتناول القسم الرابع بعض القضايا المتعلقة بما وراء الأخلاق (الميتا-أخلاق)، التي يمكن أن تتأثر بظهور خدمات الشبكات الاجتماعية.

 

  -1 تاريخ خدمات الشبكات الاجتماعية (التواصل الاجتماعي) وتعريفاتها

  1. المخاوف الأخلاقية المعاصرة المتعلقة بـ التواصل الاجتماعي وخدمات الشبكات الاجتماعية


 

 

 

  • 1- تاريخ خدمات الشبكات الاجتماعية (التواصل الاجتماعي) وتعريفاتها

يُعد مصطلح “الشبكات الاجتماعية” مصطلحاً غامضاً بطبيعته، مما يجعله بحاجة إلى قدر من الإيضاح. لقد تَشبَّكنا نحن البشر اجتماعيًا بطريقة أو بأخرى طوال فترة وجودنا على هذا الكوكب، ولقد استفدنا تاريخيًا من العديد من التقنيات والأدوات المتتالية؛ لتسهيل تكوين هذه الشبكات والحفاظ عليها. وقد شمل ذلك الانتماءات والمؤسسات الاجتماعية المنظمة مثل النوادي الخاصة والعامة، والمساكن والكنائس، فضلاً عن تقنيات الاتصالات مثل أنظمة البريد والبريد السريع والتلغراف والهواتف. وعندما يتحدث الفلاسفة اليوم عن “الشبكات الاجتماعية والأخلاق”، فإنهم عادة ما يشيرون بشكل أضيق إلى التأثير الأخلاقي لمجموعة متطورة وغير محددة من تقنيات المعلومات، والتي تستند في معظمها إلى معايير برمجيات ” Web 2.0″ والتي ظهرت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

  • 1.1 الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت وظهور “ Web 2.0

قبل ظهور معايير “Web 2.0” استخدم الحاسوب ولعقود كوسيلة لمختلف أشكال الشبكات الاجتماعية، وذلك بدءًا من السبعينيات مع الاستخدامات الاجتماعية لـ “ARPANET” التابع للجيش الأمريكي حيث طُوِّر لتسهيل الآلاف من مجموعات الأخبار على الإنترنت “Internet Newsgroups” والقوائم البريدية الإلكترونية، وأنظمة لوحات الإعلانات “BBS bulletin board systems”، والعوالم الافتراضية متعددة المستخدمين مثل:  “MUDs multi-user dungeons” وغرف الدردشة المخصصة لمجموعة منتقاة من الموضوعات والهويات الاجتماعية (Barnes 2001; Turkle 1995).

كانت هذه الشبكات الاجتماعية الحاسوبية المبكرة عبارة عن أنظمة عضوية النشأة، حيث كانت تعمل كطرق للاستفادة من البرامج التجارية أو الأكاديمية أو غيرها من البرامج المؤسسية لأغراض اجتماعية على نطاق أوسع. وتطورت في المقابل تقنيات Web 2.0″” وذلك لتسهيل محتوى الإنترنت التعاوني والمشترك الذي يُنشئه المستخدمون، حيث كانت الأهداف الأولية لمطوري برامج Web 2.0″ ” ماتزال مؤسسية تجارية إلى حد كبير، وبعد ذلك صُممتْ المعايير الجديدة بشكل صريح بهدف تسخير الإمكانات الخاصة بالإنترنت والداعمة لعملية التواصل الاجتماعي.

جدير بالذكر أن الواجهات الاجتماعية لـ Web 2.0″” أعادت تعريف الطبوغرافيا الاجتماعية للإنترنت، وذلك عبر تمكين المستخدمين من بناء اتصالات سلسة بشكل متزايد بين وجودهم الاجتماعي عبر الإنترنت وشبكاتهم الاجتماعية الحالية في وضع عدم الاتصال بالإنترنت، وهذا التوجه بدأ في تحويل الإنترنت بعيدًا عن وظيفته الأصلية، كونه مثلاً ملاذَ الهٌويات المجهولة إلى حد كبير أو الاسماء المستعارة، والتي تجعل منها شبكات اجتماعية فريدة من نوعها (Ess 2011).

من بين المواقع الإلكترونية الأولى التي استخدمت المعايير الجديدة لدعم أهداف الشبكات الاجتماعية العامةOrkut) و MySpace و LinkedIn و Friendster و Bebo و Habbo و (Facebook. كما تشمل الاتجاهات الحديثة في الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت ظهور المواقع المخصصة لمشاركة الوسائط مثل (YouTube, Flickr, Instagram, Vine) وظهور مواقع المدونات الصغيرة مثل (Tumblr، Twitter)، والشبكات القائمة على الموقع مثل (Foursquare, Loopt, Yelp, YikYak) أو القائمة على الاهتمامات المشتركة (Pinterest).

 

  • 1.2 المعالجة العلمية المبكرة المتعلقة بخدمات الشبكات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي

يمكن اعتبار دراسة الآثار الأخلاقية لخدمات الشبكات الاجتماعية SNS”” جزءًا فرعيًا من أخلاقيات الحاسوب والمعلومات (Bynum 2008). تعد هذه الأخلاقيات بالتأكيد نهجًا متعدد التخصصات، حيث قام العلماء المدربون فلسفياً بتحديد اتجاه هذا المجال ومشكلاته إلى حد كبير. ومع ذلك، لم يكن هذا هو النمط المبكر لأخلاقيات الشبكات الاجتماعية. ويرجع ذلك جزئيًا إلى المصادفة الزمنية لظاهرة الشبكات الاجتماعية مع الدراسات التجريبية الناشئة لأنماط الاستخدام وتأثيرات الاتصال بوساطة الكمبيوتر (CMC)، ويطلق على هذا المجال الآن “دراسات الإنترنت” (Consalvo and Ess, 2011)  ، حيث استهدفتْ الآثار المترتبة على تقنيات الشبكات الاجتماعية في البداية، وفحصها من قبل تحالف فضفاض مكون من علماء الاجتماع، وعلماء النفس الاجتماعي، وعلماء الأنثروبولوجيا ، وعلماء الإثنوغرافيا ، وعلماء الإعلام، وعلماء السياسة  (انظر ، على سبيل المثال ، Giles 2006; Boyd 2007; Ellison et al. 2007; Ito 2009). وتبعاً لذلك كان على هؤلاء الفلاسفة الذين وجهوا انتباههم إلى الشبكات الاجتماعية والأخلاق أن يقرروا ما إذا كانوا سيواصلون استفساراتهم بشكل مستقل، وذلك بالاعتماد فقط على الموارد الفلسفية التقليدية في أخلاقيات الحاسوب التطبيقية وفلسفة التقنية، أو العمل على تطوير آرائهم من خلال الاسترشاد بمجاميع البيانات والاستنتاجات التجريبية التي أنشئتْ بالفعل من قبل التخصصات الأخرى. في حين أن هذا المدخل سيقتصر في المقام الأول على مراجعة الأبحاث الفلسفية الحالية حول أخلاقيات الشبكات الاجتماعية، بينما الروابط بين تلك الأبحاث والدراسات في سياقات تخصصية أخرى لا تزال مهمة للغاية.

  • 2- المخاوف الفلسفية المبكرة المرتبطة بـ الشبكات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي عبر الإنترنت

كان الفلاسفة الفينومينولوجيون للتقنية ألبرت بورغمان Albert Borgmann ، هوبير دريفوس Hubert Dreyfus  من بين الفلاسفة الأوائل الذين اهتموا بالأهمية الأخلاقية للاستخدامات الاجتماعية للإنترنت. وتأثر هؤلاء المفكرون بنظرة هيدجر  Heidegger  (1954/1977) للتقنية، التي تعدها قوة متجانسة ذات تأثير مميز وقوة تميل إلى تقييد أو إفقار التجربة الإنسانية للواقع بطرق معينة. بينما اهتمامات بورغمان وديفوس  تميل الى الاستجابة المباشرة لشبكات”Web 2.0 ” الاجتماعية (على سبيل المثال، غرف الدردشة ومجموعات الأخبار والألعاب عبر الإنترنت والبريد الإلكتروني)، ولذا فإن استنتاجاتهم المتعلقة بتفسير وفهم التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت ذات صلة مباشرة بخدمات الشبكات الاجتماعية SNS””. 

2.1 نقد  بورغمان للواقعية الاجتماعية المفرطة

في نقده المبكر للتقنية الحديثة، تناول بورغمان (1984) ما أسماه نموذج الجهاز، ويوضح فيها تقنيًا الطريقة لمواءمة تفاعلاتنا مع العالَم ومع الاستهلاك السهل للنموذج. وفي عام 1992 عبوراً إلى ما بعد الحداثة أصبح بورغمان  أكثر تركيزًا على التأثير الأخلاقي والاجتماعي لتقنيات المعلومات، مستخدمًا مفهوم الواقعية المفرطة وذلك لنقد (من بين جوانب أخرى لتقنية المعلومات الطريقة التي قد تدمر أو تزيح بها الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت طبيعة الواقع الاجتماعي من خلال السماح للناس “بتقديم نسخ مبسطة لبعضهم البعض من أجل الترفيه العاطفي أو البهيج” (1992, 92) بدلاً من السماح بظهور حقيقة هُوياتهم التي تتمتع بالانفراد والتعقيد. بينما يعترف بورغمان  بأن الواقعية الاجتماعية في حد ذاتها تتسم بالقصور الأخلاقي  (1992, 94) ، حيث يؤكد أن الخطر الأخلاقي للوقائع المفرطة يكمن في الميل إلى تركنا “ممتعضين ومهزومين” عندما نضطر إلى العودة من البريق الزائف الى الواقع الحقيقي، الذي على الرغم من فقره يقر مطالبه علينا بشكل لا مفر منه، وذلك من خلال توفير المهام التي تتطلب الصبر، وتعزز القوه لدى الناس (1992, 96)، حيث لا يزال هذا التناقض بين “بريق الافتراضية” و “صلابة الواقع” حافزًا في كتابه الصادر عام 1999  بعنوان “التشبث بالواقع”، حيث يصف فيه التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت في MUDs “MUDs multi-user dungeons” وهو أحد العوالم الافتراضية متعددة المستخدمين، مقرراً بأنها “ضباب افتراضي” يتسرب إلى جاذبية الروابط البشرية الحقيقية ويحجبها (1999, 190–91).

ومع ذلك، قد يكون ثمة غموض متأصل في تحليل بورغمان ، حيث يخبرنا أن المنافسة مع وجودنا الاجتماعي الطبيعي المتجسد هي التي تجعل البيئات الافتراضية الاجتماعية مصممة للراحة، والمتعة، والتخفيف من المشاكل الأخلاقية؛ مما يجعل الحكم عليها بأنها أكثر إرضاءً من البيئة الاجتماعية ” الحقيقية ”. لكنه يستمر في الادعاء بأن البيئات الاجتماعية عبر الإنترنت هي نفسها معيبة أخلاقياً.

إذا كان الجميع يُعدّون حاضرين بغض النظر عن مكان وجودهم على الكرة الأرضية، فلا أحد موجوداً بشكل مؤكد. فأولئك الذين يصبحون حاضرين عبر رابط الاتصال لديهم حضور متناقص، لأنه يمكننا دائمًا أن نجعلهم يختفون إذا أصبح وجودهم مرهقًا. علاوة على ذلك، يمكننا حماية أنفسنا من الأشخاص غير المرغوب فيهم باستخدام أجهزة الفحص، كما تفصلنا الشبكة التي تتمتع بالذكاء الفائق عن الأشخاص الذين سنلتقي بهم مصادفة في الحفلات الموسيقية والمسرحيات والتجمعات السياسية. كما هو الحال، نحن مرتبطون دائمًا وبالفعل بالموسيقى والترفيه التي نرغب فيها ومصادر المعلومات السياسية. حيث يولد هذا الارتباط الثابت بشبكة الاتصال حرماناً مضاعفاً في حياتنا. إنه يحول بيننا وبين الاستمتاع برؤية الناس، كما أنه يحرمنا من التوجيه الصادر من الاخرين لنا وحكمهم علينا. إنه يسلبنا الصدى الاجتماعي الذي ينشط تركيزنا وفطنتنا عندما نستمع إلى الموسيقى أو نشاهد مسرحية. مرة أخرى يبدو أنه من خلال أعيننا وآذاننا الفائقة الذكاء في كل مكان يمكننا تحقيق المواطنة العالمية من نطاق ودقة لا مثيل لها. لكن العالَم الذي انتشر بذكاء شديد أمامنا فقد قوته ومقاومته. (1992, 105–6)

يرى نقاد بورغمان  أنه تبنى نموذج هيدجر الجوهري المتجانس للتقنية بوصفها قوة فردية وحتمية لشؤون الإنسانية (Feenberg 1999; Verbeek 2005). يمثل هذا النموذج، المعروف باسم الحتمية التقنية، التقنية باعتبارها محركاً مستقلاً للتغيير الاجتماعي والثقافي، وتشكيل المؤسسات والممارسات والقيم البشرية وذلك بطريقة خارجة عن إرادتنا إلى حد كبير. سواء كانت هذه هي وجهة نظر بورغمان  (أو وجهة نظر هيدجر)، فمن المرجح أن تكون استجابة منتقديه من النوع التالي: “بدأت (الواقعية الاجتماعية المفرطة) بالفعل في تحويل النسيج الاجتماعي … كما ستؤدي إلى الانفصال، واللاتجسيد، وخلق نوع من الحياة المشوشة … ومن الواضح أنها تنمو وتتكثف، وتخنق الواقع، وتجعل البشرية أقل وعيًا وذكاءً. ” (Borgmann 1992, 108–9)

يؤكد النقاد أن القوة الأخلاقية لتحليل بورغمان  تعاني من قلة اهتمامه بالاختلافات الجوهرية بين تقنيات شبكات اجتماعية معينة وسياقات استخداماتها المتنوعة، فضلاً عن الدوافع وأنماط الأنشطة المختلفة التي يعرضها المستخدمون الفرديون في تلك السياقات. على سبيل المثال، كما أن بورغمان  متهم بتجاهل حقيقة أن الواقع المادي لا يمكِّن أو يسهِّل دائمًا الاتصال، كما أنه لا يفعل ذلك على قدم المساواة لجميع الأشخاص؛ نتيجة لذلك يدعي” Andrew Feenberg” (1999) أن بورغمان  قد نسى أن الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت ممكن أن توفر مواقع للمقاومة الديمقراطية لأولئك غير المتمكنين جسدياً أو سياسياً من قبل العديد من شبكات “العالم الحقيقي”.

 

  • 2.2 تأملات دريفوس للتواصل الاجتماعي عبر الإنترنت: المجهولية مقابل الالتزام

انضم الفيلسوف دريفوس (2001) الى بورغمان في المشاركة النقدية المبكرة للإمكانيات الأخلاقية للإنترنت. وتبعا لـ بورغمان،  تظهر تأملات دريفوس حول البعد الأخلاقي للتواصل الاجتماعي عبر الإنترنت شكوكًا عامة في مثل هذه الشبكات.

كبديل فقير عن الشيء الحقيقي. وفقاً لـ بورغمان ، تنبثق  شكوك دريفوس أيضًا من جذوره الفينومينولوجية (الظاهراتية)، مما دفعه إلى تركيز انتباهه النقدي على تعليق الإنترنت للوجود المتجسد بالكامل. ولكن بدلاً من الاعتماد على الإطار الميتافيزيقي لـ هيدجر، يعود دريفوس (2004) إلى كيرجارد “Kierkegaard” في تشكيل انتقاداته للحياة على الإنترنت. يقترح دريفوس أن ما تفتقر إليه التفاعلات عبر الإنترنت هو التعرض للمخاطر، إذ بدون مخاطر كما يخبرنا دريفوس لا يمكن العثور على معنى أو التزام حقيقي في المجال الإلكتروني. عوض ذلك، ننجذب إلى البيئات الاجتماعية عبر الإنترنت على وجه التحديد؛ لأنها تسمح لنا بالتلاعب بمفاهيم الهُوية والالتزام والمعنى، دون المخاطرة بالعواقب التي لا رجعة فيها والتي تؤسس الهويات والعلاقات الحقيقية. كما قال  دريفوس “.. شبكة الإنترنت تحرر الناس لتطوير ذوات جديدة ومثيرة. ومن المؤكد أن الشخص الذي يعيش في المجال الجمالي للوجود سيوافق، ولكن وفقًا لـ كيرجارد “من جراء المعرفة وإمكانية وجود كل شيء، فإن المرء يتعارض مع نفسه” (العصر الحالي ، ٦٨). عندما يتحدث من وجهة نظر مجال الوجود الأعلى الموالي، يخبرنا  كيرجارد أن الذات لا تتطلب “التباين والذكاء”، بل “الحزم والتوازن والثبات” (Dreyfus 2004, 75).

بينما يقر دريفوس بأن الالتزام غير المشروط وقبول المخاطرة لا يتم استبعادهما من حيث المبدأ في عملية التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، إلا أنه يصر على أن “أي شخص يستخدم الإنترنت مدفوع للمخاطرة بهويته الحقيقية في العالم الحقيقي، سيتعين عليه التصرف ضد اتجاه ما جذبه أو جذبها إلى شبكة الإنترنت في المقام الأول” (2004, 78).

 

  • 2.3 الارث النقدي الظاهراتي للشبكات الاجتماعية

بينما تستمر آراء بورغمان و دريفوس   في إثراء النقاش الفلسفي حول الشبكات الاجتماعية والأخلاق، فإن كلاً من هذه المعالجات الفلسفية المبكرة حيال الظاهرة تظهر بعض الإخفاقات التنبؤية والتي (ربما لا يمكن تجنبها عند التفكير في أنظمة تقنية جديدة وسريعة التطور). لم يتوقع دريفوس  الطريقة التي ستتحول بها وسائل التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل (Facebook وLinkedIn وGoogle+) بعيدًا عن الأعراف السابقة للإنترنت المتعلقة بالمجهولية والتلاعب بالهُوية، وبدلاً من ذلك، أعطت الهويات الواقعية وجوداً عبر الإنترنت، الذي يكون أبطأ زوالاً قليلاً من الوجود الجسدي (كما يشهد على ذلك أولئك الذين ناضلوا من أجل محو آثار الأعمال السابقة على الإنترنت، أو حذف الملفات الشخصية لأحبائهم المتوفين على Facebook).

 

بالمثل، فإن انتقادات بورغمان لـ “المرفق الثابت” للبيانات المتدفقة عبر الإنترنت لم تتوقع ظهور تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي عبر الهاتف المحمول، التي لا تشجعنا فقط على البحث عن أصدقائنا والانضمام إليهم في نفس الحفلات الموسيقية والمسرحيات والأحداث السياسية، التي صورها لنا، كالاستيعاب سلبي من خلال التغذية الإلكترونية، ولكنها تتيح أيضًا التجمعات المادية التلقائية بطرق لم تكن ممكنة من قبل. ومع ذلك، قد لا تتحول مثل هذه الإخفاقات التنبؤية، في المدى الطويل إلى كونها مُهلكة لأحكامهم. إذ يتعين التذكير بأنه أحد الباحثين الأوائل والأكثر إنجازًا في مجال التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت والذي دافع مبكرًا عن إمكاناته الاجتماعية المحررة (Turkle 1995) التي تم تحديها مباشرة من قبل  دريفوس (2004, 75)، وقد أبان في حينها وجهة نظر أكثر تشاؤمًا لمسار التقنيات الاجتماعية الجديدة (Turkle 2011)، وهي نظرة يتردد صداها الآن في عدة نواحٍ مع مخاوف بورغمان السابقة، وهي حول الشبكات الإلكترونية التي تؤدي بشكل متنام إلى تجارب الاغتراب في التواصل.

 

  • 3- المخاوف الأخلاقية المعاصرة المتعلقة بخدمات الشبكات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي

بينما تميل المعرفة في العلوم الاجتماعية والطبيعية إلى التركيز على تأثير خدمات الشبكات الاجتماعية على المؤشرات النفسية والاجتماعية للسعادة / للرفاهية، أو التكيف النفسي الاجتماعي، أو رأس المال الاجتماعي، أو الشعور بالرضا عن الحياة، فإن المخاوف الفلسفية حول الشبكات الاجتماعية والأخلاق تركز بشكل عام على موضوعات أقل قابلية للقياس التجريبي (على سبيل المثال، الخصوصية، والهُوية، والصداقة، والحياة الجيدة، والحرية الديمقراطية). ترتبط المواضيع المتعلقة “برأس المال الاجتماعي” أو مشاعر “الرضا عن الحياة” ارتباطًا وثيقًا بالاهتمامات التقليدية للنظرية الأخلاقية (مثل الفضائل، والحقوق، والواجبات، والدوافع، والعواقب)، كما ترتبط هذه الموضوعات أيضًا ارتباطًا وثيقًا بالسمات الجديدة والوظائف المميزة لـ خدمات الشبكات الاجتماعية، أكثر من بعض القضايا الأخرى ذات الأهمية في أخلاقيات الحاسوب والمعلومات التي تتعلق بوظائف الإنترنت العامة (على سبيل المثال، قضايا حقوق النشر والملكية الفكرية).

  • 3.1 خدمات الشبكات الاجتماعية والخصوصية

أضافت تقنيات الشبكات الاجتماعية إحساسًا جديدًا بالإلحاح والتعقيد إلى نقاشات الفلاسفة الحالية الدائرة حول الحواسيب وخصوصية المعلومات. ومن أمثلة تلك النقاشات الدائمة ما يتمحور حول ما إذا كان يجب تحديد الخصوصية من حيث التحكم في المعلومات (Elgesem 1996)، أو تقييد الوصول إلى المعلومات (Tavani 2007) أو سلامة السياق (Nissenbaum 2004) حيث يتوجب إعادة فحص الخصوصية في ضوء ممارسات الفيسبوك وتويتر  و خدمات الشبكات الاجتماعية الأخرى الذي أصبح موضع اهتمام نقدي كبير.

تتضمن بعض الممارسات الأساسية المثيرة للقلق ما يلي: التوفر المحتمل لبيانات المستخدمين لأطراف ثالثة لأغراض التسويق التجاري، أو التنقيب عن البيانات، أو الاستخبارات أو المراقبة، أو لإنفاذ القانون. قدرة برنامج التعرف على الوجه تلقائياً على الأشخاص في الصور التي حُمّلتْ، القدرات التطبيقية للطرف الثالث التي تتضمن جمع ونشر بيانات المستخدم دون إذنهم أو معرفتهم، الاستخدام المتكرر من قبل خدمات الشبكات الاجتماعية لعناصر التحكم بالخصوصية التلقائية “للاشتراك”، استخدام “ملفات تعريف الارتباط” لتتبع أنشطة المستخدم عبر الإنترنت بعد تركهم لخدمات الشبكات الاجتماعية، الاستخدام المحتمل للشبكات الاجتماعية القائمة على الموقع للمطاردة أو غيرها من المراقبة غير المشروعة لتحركات المستخدمين الجسدية، مشاركة معلومات المستخدم أو أنماط النشاط مع الجهات الحكومية، وأخيراً وليس آخراً ، قدرة خدمات الشبكات الاجتماعية على تشجيع المستخدمين على تبني ممارسات مشاركة المعلومات الطوعية غير الحكيمة أو غير المدروسة أو غير الأخلاقية ، التي تتعلق بمشاركة بياناتهم الشخصية أو مشاركة البيانات المتعلقة بالأشخاص والكيانات الأخرى. لطالما كانت الممارسات الخاصة بالخصوصية لـلفيسبوك مصدرًا لانتقاد (Spinello 2011) لكنه العضو الأكثر وضوحًا في شبكة أوسع بكثير وأكثر تعقيدًا من الجهات الفاعلة الأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بإمكانية الوصول إلى كميات غير مسبوقة من البيانات الشخصية الحساسة.

يخلق هؤلاء الفاعلون الجدد في بيئة المعلومات مشاكل خاصة فيما يتعلق بمعايير الخصوصية. على سبيل المثال، نظرًا لأن القدرة على الوصول إلى المعلومات التي يشاركها الآخرون بحرية هي التي تجعل وسائل التواصل الاجتماعي جذابة ومفيدة بشكل فريد، والمستخدمون غالبًا ما يقللون أو يفشلون في فهم الآثار المترتبة على مشاركة المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد نجد ذلك مخالفًا لوجهة النظر التقليدية المرتبطة بخصوصية المعلومات، حيث يؤدي ذلك بالواقع إلى منح المستخدمين مزيدًا من التحكم في الممارسات الخاصة بمشاركة المعلومات إلى تقليل الخصوصية لأنفسهم أو للآخرين. علاوة على ذلك، في التحول من المواقع والشبكات التي أنشأها وصانها المستخدمون (أوائل Web 2.0) إلى شبكات اجتماعية مملوكة (أواخر Web 2.0)، لا يزال يتعين على العديد من المستخدمين معالجة إمكانية التعارض بشكل كامل بين دوافعهم الشخصية؛ لاستخدام SNS والدوافع الربحية للشركات التي تمتلك البيانات (Baym 2011). حيث يعكس جيرد لانير ” Jared Lanier ” هذه النقطة بسخرية بقوله: “الأمل الوحيد لمواقع الشبكات الاجتماعية من وجهة نظر الأعمال هو أن تظهر صيغة سحرية تُقبل فيها طريقة ما لانتهاك الخصوصية والكرامة” (Lanier 2010).

يُلاحظ العلماء أيضًا الطريقة التي غالبًا ما تكون بها المعماريات الخاصة لخدمات الشبكات الاجتماعية” SNS” غير متصفة بالحساسية لتفاصيل المجتمع البشري وتقسيماته (Hull, Lipford & Latulipe 2011). وهذا يعني أن مثل هذه البنى تميل إلى التعامل مع العلاقات الإنسانية كما لو كانت موحدة النوع، متجاهلة الاختلافات العميقة بين أنواع العلاقات الاجتماعية (عائلية، مهنية ، جماعية ، تجارية ، مدنية ، إلخ.)؛ نتيجة لذلك غالبًا ما تفشل ضوابط الخصوصية لمثل هذه البنى في مراعاة تنوع معايير الخصوصية داخل المجالات الاجتماعية المختلفة والمتداخلة. من بين التفسيرات الفلسفية للخصوصية، بدت رؤية “Nissenbaum” (2010) المرتبطة بسلامة السياق للكثيرين مناسبة بشكل خاص لشرح تنوع وتعقيد التوقعات المرتبطة بالخصوصية الناتجة عن وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة (انظر على سبيل المثال Grodzinsky and Tavani 2010; Capurro 2011).

تتطلب سلامة السياق أن تَحترم الممارساتُ المعلوماتية معاييرَ الخصوصية الحساسة للسياق، حيث لا يشير “السياق” إلى التمييز المفرط بين “الخاص” و “العام”، ولكن إلى مجموعة أغنى بكثير من الأوساط الاجتماعية التي تتميز بأدوارها ومعاييرها وقيمها المميزة. على سبيل المثال، نجد أن نفس المعلومات التي نُشرتْ “للعامة” في سياق تحديث الحالة للعائلة والأصدقاء في الفيسبوك يمكن اعتبارها معلومات “خاصه” في سياقات أخرى، بمعنى أنها قد لا تتوقع تقديم نفس المعلومات إلى الغرباء الذين يبحثون عن اسمها على محرك قوقل أو لموظفي البنك الذين يفحصون رصيدها.

من ناحية التصميم، فإن هذا التعقيد يعني أن محاولات إنتاج المزيد من عناصر التحكم في الخصوصية “سهلة الاستخدام” تواجه تحديًا صعبًا – ، ولذا يجب أن تكون ثمة موازنه بين الحاجة إلى: البساطة وسهولة الاستخدام، والحاجة إلى تمثيل أفضل للهياكل الغنية والمعقدة لعوالمنا الاجتماعية. ومن ثم فإن السؤال الرئيسي الخاص بالتصميم هو كيف يمكن جعل واجهات الخصوصية لخدمات الشبكات الاجتماعية أكثر سهولة، وأكثر بديهية اجتماعيًا للمستخدمين.

ولاحظ” Hull” وآخرون (2011) الطواعية الواضحة لمواقف المستخدمين حول الخصوصية في السياقات الخاصة بخدمات الشبكات الاجتماعية، والتي اتضحت من خلال نمط الغضب المنتشر على نطاق واسع بشأن ممارسات الخصوصية المتغيرة أو التي تم الكشف عنها حديثًا لمقدمي خدمات الشبكات الاجتماعية، وتبعها بعد ذلك فترة من التكيف مع الممارسات الجديدة وقبولها (Boyd and Hargittai 2010).

أحد المخاوف ذات الصلة هي “مفارقة الخصوصية”، حيث يبدو أن تصرفات المستخدمين التطوعية عبر الإنترنت تتناقض مع قيمهم المعلنة بشأن الخصوصية. وتثير هذه الظواهر العديد من المخاوف الأخلاقية، والتي قد يكون أكثرها عمومية هو: كيف يمكن استخدام المفاهيم المعيارية الثابتة لقيمة الخصوصية لتقييم ممارسات SNS التي تزعزع استقرار تلك المفاهيم ذاتها؟ وفي الآونة الأخيرة، ومن خلال العمل الكتابي المتأخر لـ فوكو اكتشف Hull (2015) الطريقة التي يتجسد بها نموذج “الإدارة الذاتية” لحماية الخصوصية عبر الإنترنت في ممارسات “الإشعار والموافقة” القياسية التي تعزز فقط المفهوم النيوليبرالي الضيق للخصوصية، ولأنفسنا، كسلع جاهزة للبيع والتبادل.

في دراسة مبكرة للمجتمعات عبر الإنترنت، اقترح Bakardjieva  وFeenberg  (2000) أن ظهور المجتمعات القائمة على التبادل المفتوح للمعلومات قد يتطلب منا في الواقع نقل تركيزنا في أخلاقيات المعلومات من مخاوف الخصوصية إلى مخاوف الاغتراب؛ أي استغلال المعلومات لأغراض لا يقصدها المجتمع المعني. يبدو أن المخاوف المتزايدة بشأن التنقيب عن البيانات واستخدامات الأطراف الثالثة الأخرى للمعلومات التي تتم مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي تعطي وزناً أكبر لحجة””Bakardjieva و””Feenberg . مثل هذه الاعتبارات تؤدي إلى احتمال قيام المستخدمين بنشر “تكتيكات حرب العصابات” للتضليل، على سبيل المثال، من خلال تزويد مضيفي خدمات الشبكات الاجتماعية بأسماء، أو عناوين، أو تواريخ ميلاد، أو مدن ، أو معلومات توظيف مزيفة. وتهدف مثل هذه التكتيكات إلى إفساد ظهور “شمولية رقمية” جديدة تستخدم قوة المعلومات بدلاً من القوة المادية كوسيلة تحكم سياسية (Capurro 2011).

أخيرًا، تبرز قضايا الخصوصية المرتبطة بخدمات الشبكات الاجتماعية SNS مشاكل فلسفية واسعه تشمل الأبعاد الثقافية لأخلاقيات المعلومات، حيث لاحظ Rafael Capurro  (2005) الطريقة التي تغطي بها المفاهيم الغربية الضيقة للخصوصية المخاوف الأخلاقية المشروعة الأخرى والمتعلقة بممارسات وسائل الإعلام الجديدة. على سبيل المثال، يشير إلى أنه بالإضافة إلى المخاوف الغربية بشأن حماية المجال الخاص من الانكشاف العام، يجب علينا أيضًا الحرص على حماية المجال العام من التدخل المفرط بالخاصة. على الرغم من أنه وضح هذه النقطة بتعليق حول الاستخدامات التطفلية للهواتف المحمولة في الأماكن العامة (2005, 47)، إلا أن ظهور شبكات التواصل الاجتماعي عبر الهاتف المحمول قد ضاعف هذا القلق من خلال عدة عوامل. فعندما يتعين على المرء التنافس مع الفيسبوك وتويتر  ليس فقط لجذب انتباه رفقاء العشاء وأفراد الأسرة، ولكن أيضًا زملائه السائقين، والمشاة، والطلاب، ورواد السينما، والمرضى، وأفراد الجمهور، هنا ستبدو سلامة المجال العام هشة مثل تلك المرتبطة بالخاص.

 

  • 3.2 أخلاقيات الهُوية والمجتمع في خدمات الشبكات الاجتماعية

تفتح تقنيات الشبكات الاجتماعية نوعًا جديدًا من الفضاء الأخلاقي حيث تُنشأ الهويات الشخصية والمجتمعات، “الحقيقية” والافتراضية، وتقديمها والتفاوض بشأنها وإدارتها وتنفيذها. وفقًا لذلك، قام الفلاسفة بتحليل وسائل التواصل الاجتماعي من حيث استخداماتها كـ “تقنيات الذات” الفوكوية (Bakardjieva and Gaden 2012) التي تُسهَّل بناء الهوية الشخصية وأدائها، وذلك من حيث الأنواع المميزة للمعايير المجتمعية والممارسات الأخلاقية التي تولدها خدمات الشبكات الاجتماعية (Parsell 2008) .

جذبتْ القضايا الأخلاقية والميتافيزيقية الناتجة عن تشكيل الهويات والمجتمعات الافتراضية اهتمامًا فلسفيًا كبيرًا (انظر الىIntrona 2011 وRodogno 2012). حيث أشار Patrick Stokes” ” (2012) إلى أنه على عكس الأشكال السابقة للمجتمع عبر الإنترنت التي كان فيها إخفاء الهوية وبناء الذات المتغيرة أمرًا نموذجيًا، فإن خدمات الشبكات الاجتماعية “”SNS مثل الفيسبوك تعمل بشكل متزايد على ترسيخ هويات الأعضاء واتصالاتهم بأنفسهم الحقيقية والمتجسدة وشبكات “العالم الحقيقي” غير المتصلة بالإنترنت. ومع ذلك، لا تزال خدمات الشبكات الاجتماعية تمكن المستخدمين من إدارة عروضهم التقديمية الذاتية وشبكاتهم الاجتماعية بطرق غير متاحه في كثير من الأحيان في الفضاءات الاجتماعية غير المتصلة بالإنترنت مثل المنزل أو المدرسة أو العمل. والنتيجة هي هُوية متأصلة في الواقع المادي للشخص ولتجسيده ولكنها أكثر وضوحًا “وانعكاسية وطموحة” (Stokes 2012, 365) في عرضها. يثير ذلك عددًا من الأسئلة الأخلاقية: أولاً، ما هو مصدر التوجيه المعياري أو القيمة التي يستمدها المحتوى الطموح لهوية مستخدم خدمات الشبكات الاجتماعية بشكل أساسي؟ وهل تمثل عروض الهوية عموما على خدمات الشبكات الاجتماعية “SNS” نفس التطلعات؟ وهل تعكس نفس ملامح القيم للمستخدمين كما في وضع عدم الاتصال؟ وهل تعرض أي اختلافات ملحوظة عن الهويات الطموحة لغير مستخدمي SNS””؟ هل القيم والتطلعات الموضحة في سياقات خدمات الشبكات الاجتماعية أكثر أو أقل تغايرًا في الأصل من تلك التي يتم التعبير عنها في السياقات الأخرى؟ وهل تؤدي عروض الهوية الأكثر طموحًا والصريحة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تشجيع المستخدمين على اتخاذ خطوات معينه لتجسيد هذه التطلعات فعليًا في وضع عدم الاتصال، أم أنها تميل إلى إضعاف الحافز للقيام بذلك؟

وهناك ظاهرة أخرى وذات صله على مواقع التواصل الاجتماعي وهي استمرار إحياء ذكرى جماعية لملفات تعريف الفيسبوك  بعد وفاة المستخدم؛ حيث لا يؤدي هذا إلى تنشيط عدد من الأسئلة الأخلاقية الكلاسيكية حول واجباتنا الأخلاقية لتكريم وتذكر الموتى فحسب، بل إنه يجدد أيضًا أسئلة حول ما إذا كانت هوياتنا الأخلاقية يمكن أن تستمر بعد انتهاء هوياتنا المتجسدة، وما إذا كان للموتى اهتمامات مستمرة في المثول الاجتماعي أو الشهرة (Stokes 2012).

أثار Mitch Parsell” ” (2008) مخاوف بشأن الإغراءات الفريدة لمجتمعات الشبكات الاجتماعية “ذات البث المحدود” التي “تتكون من أشخاص مثلك تمامًا، بغض النظر عن رأيك أو شخصيتك أو تحيزاتك”. (41) حيث يقلق من أن من بين ما توفره أدوات Web 2.0  ثمة ميل إلى تقييد هوياتنا بمجموعة مغلقة من المعايير المجتمعية التي تديم الاستقطاب الزائد والتحامل والعُزلة. كما يعترف من الناحية النظرية بأن علاقات الاشخاص بالأشخاص أو علاقات الشخص بالأشخاص التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي تسمح بالتعرض لمجموعة أكبر من الآراء والمواقف، ولكن من الناحية العملية، يخشى” “Parsell من أن يكون لها غالبًا تأثير معاكس. وبناء على “de Laat” (2006)، الذي يقترح أن أعضاء المجتمعات الافتراضية يتبنون بشكل واضح أسلوب اتصال شديد النشاط وذلك للتعويض عن الإشارات المعلوماتية المتضائلة، يدعي” Parsell  “أنه في حالة عدم وجود مجموعة كاملة من المعرّفات الشخصية الواضحة من خلال الاتصال وجهاً لوجه، قد تعزز خدمات الشبكات الاجتماعية أيضًا  إمعية الهوية الشخصية من خلال المبالغة في أهمية السمات الفردية المشتركة وتدعيمها (ليبرالي، محافظ، مثلي الجنس، كاثوليكي، إلخ.) مما يقودنا إلى رؤية أنفسنا واتصالاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي بوصفنا ممثلين لمجموعة أكثر من كوننا أشخاصًا فريدين (2008, 46).

يلاحظ”  “Parsell أيضًا وجود هويات ومجتمعات ضارة بطبيعتها التي قد تمكَّن أو تحسَّن بواسطة بعض أدوات Web 2.0، حيث يستشهد بمثال المبتورين “apotemnophiliacs”، أو المبتورين المحتملين الذين يستخدمون هذه الموارد؛ لإنشاء شبكات دعم متبادل يتم فيها التحقق من صحة رغباتهم المدمرة للذات (2008, 48). وقد أثيرت مخاوف ذات صلة حول مواقع “Pro-ANA” الذي يوفر شبكات تدعم بشكل متبادل مرضى فقدان الشهية الذين يبحثون عن معلومات وأدوات تسمح لهم بترسيخ الهويات المضطربة وضبطها (Giles 2006; Manders-Huits 2010). بينما يعتقد” “Parsell أن من إمكانيات Web 2.0 هي أنها تتيح أنواعًا فاسدة ومدمرة من الحرية الشخصية، إلا أنه يدعي أن أدوات Web 2.0 الأخرى تقدم حلولًا مقابلة؛ على سبيل المثال، يصف اعتماد الفيسبوك على الملفات الشخصية طويلة الأجل والمرتبطة بهويات العالم الحقيقي كطريقة لمكافحة عدم التفرقة وتعزيز المساهمات المسؤولة في المجتمع (2008, 54).

ومع ذلك، فإن مثل هذه الأدوات تأتي على حساب استقلالية المستخدم وحريته، وهي قيمة ضرورية في ظروف أخرى تتطلب احترام المطالب الأخلاقية للهوية، وذلك كما لوحظ من قبل 2010 ) “Noemi Manders-Huits”). يستنبط” “Manders-Huits التوتر الحاصل بين الطريقة التي تعامل بها “SNS “المستخدمين على أنهم موصوفون ويمكن الاعتراف بهم نظامياً بوصفهم “كائنات حسابية (خوارزمية)” (2010, 52) وبين ما تقدمه في نفس الوقت لهؤلاء المستخدمين حيث أنها تقدم لهم مساحة جذابة لبناء الهوية المستمرة. وتجادل بأنه يستوجب على مطوري خدمات الشبكات الاجتماعية حماية وتعزيز مصالح المستخدمين عند بنائهم وإدارتهم للهويات الأخلاقية والعملية بشكل مستقل.

كما عبر”Bakardjieva و Gaden”2012) (عن المخاوف الأخلاقية المرتبطة بقيود “SNS” لاستقلالية المستخدم حيث نوَّها ما إذا كانا يرغبان في تشكيل هوياتهما واستخدامها بهذه الطريقة أم لا، لأنهم يرون أن ذوات مستخدمي SNS”” عبر الإنترنت تتكون من فئات حددها مطوري “SNS “، ويتم تصنيفها وتقييمها وفقًا للعملة التي تحرك “الاقتصاد الأخلاقي” الضيق لمجتمعات  “SNS”: الشعبية (2012, 410). لاحظا أيضاً أنه مع ذلك فالمستخدمون لا يصبحون عاجزين تمامًا؛ بسبب هذا المخطط بل يحتفظ المستخدمون ويمارس العديد منهم “الحرية في اتخاذ خيارات واعية والتفاوض على شروط دستورهم الذاتي، والتفاعل مع الآخرين” (2012, 411). سواء عن طريق استخدام وسائل لمقاومة “الضرورات التجارية” لمواقع خدمات الشبكات الاجتماعية (المرجع نفسه. ) أو عن طريق تقييد نطاق ومدى ممارساتهم الشخصية في” SNS”.

ويمكن لشبكات الخدمات الاجتماعية مثل الفيسبوك إتاحة الموثوقية بطرق مهمة. في حين أن ميزة “الجدول الزمني” (الذي يعرض السجل الشخصي الكامل الخاص بي على الإنترنت ليراها جميع أصدقائي) يمكن أن يطالبني بـ “تعديل” محتوى ماضٍ؛ مما يدفعني إلى مواجهة واستيعاب أفكاري وأفعالي المتعلقة بتصور الذات والتي قد تُنسى بسهولة. ويمكن إدارة التصادم الفوضوي بين عائلتي، وأصدقائي، وزملائي في العمل والذي يحدث على الفيسبوك باستخدام أدوات مختلفة يقدمها الموقع؛ مما يسمح لي بتوجيه المنشورات إلى شبكات فرعيه أحددها. لكن الاستراتيجية الأبسط والأقل استهلاكاً للوقت هي التعامل مع التصادم – مما يسمح لكل عضو في الشبكة بالحصول على لمحة عمن أكون للآخرين، سائلاً نفسي في ذات الوقت عما إذا كانت هذه العروض التقديمية الموسعة تصور شخصًا متعدد الأبعاد ومثيراً للاهتمام، أو شخصًا غير صادق بشكل واضح. وذلك كما وصفها Tamara Wandel” و”Anthony Beavers:

وبالتالي، لم أعد حرًا بشكل جذري في الانخراط في إنشاء ذات متخيلة تمامًا، لذا يجب أن أصبح شخصًا حقيقيًا، ولكن ما هو المسموح لي أن أكون، وما هو القابل للتفاوض في ظل ديناميكية دقيقة بين من أريد أن أكون، ومن هم أصدقائي من تلك الفئات الجماهيرية الذين يرونني ويسمحون لي ويريدونني أن أكون (2011, 93).

ومع ذلك، يقول  “Dean Cocking” (2008) إن تضخيم العديد من البيئات الاجتماعية عبر الإنترنت للجوانب النشطة للعرض الذاتي تحت سيطرتنا المباشرة، تقوّض الوظيفة المهمة للأنماط الخفية للعرض الذاتي المتجسّد خارج سيطرتنا الواعية، مثل لغة الجسد، تعبيرات الوجه، والعروض التلقائية للعاطفة (130). حيث يعتبر أن هذه مؤشرات مهمة للشخصية وتلعب دورًا حاسمًا في الطريقة التي يرانا بها الآخرون، وبالتالي التعرف على الكيفية التي نفهم بها أنفسنا من خلال رصد تصورات الآخرين وردود أفعالهم. وفي حال صحة وجهة نظر” Cocking” حيال استمرار “SNS ” في منح امتياز للاتصالات النصية والغير متزامنة، فقد يتم إعاقة قدرتنا على استخدامها لتنمية الهويات الأصلية والتعبير عنها بشكل كبير.

قد يُنظر الى افتراض الانقسام خاطئ بين الهويات على الإنترنت وهوياتنا خارج نطاق الانترنت على أنها أحد الشواغل الأخلاقية والمنبثقة من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على دستورنا وتمثيلنا الذاتي الأصيل؛ فالنظرية المعلوماتية للهوية الشخصية التي قدمها “”Luciano Floridi (2011) تُمشكل هذا التمييز. ويستخدم Soraj” Hongladarom ” (2011) هذه الميتافيزيقيا المعلوماتية لإنكار إمكانية رسم أي حدود واضحة بين أنفسنا خارج نطاق الإنترنت وأنفسنا التي تنمّى عبر خدمات الشبكات الاجتماعية. بدلاً من ذلك، يتم اعتبار هوياتنا الشخصية عبر الإنترنت مشكلة خارجيًا من خلال علاقاتنا المعلوماتية مع الذات ومع الأحداث ومع الأشياء الأخرى.

وبالمثل، يربط” “Charles Ess بين النماذج العلائقية للذات الموجودة في “أرسطو وكونفوشيوس” والعديد من المفكرين النسويين المعاصرين وبين المفاهيم الناشئة عن الذات الشبكية باعتباره “ذاتًا مشوهة” (2010, 111) تشكَّلت من خلال شبكة متغيرة من والعلاقات المعلوماتية. يشير “Ess” إلى أنه من خلال تقويض النموذج الذري والمزدوج للذات الذي تأسست عليه الديمقراطيات الليبرالية الغربية، فإن هذا المفهوم الجديد للذات يجبرنا على إعادة تقييم المقاربات الفلسفية التقليدية للمخاوف الأخلاقية المتعلقة بالخصوصية والاستقلالية – وقد يشجعنا على توليد “أخلاقيات المعلومات العالمية” والتي تشتد الحاجة إليها (2010, 112). ومع ذلك، فهو قلق من أن “ذواتنا المشوهة” قد تفقد الاتساق؛ لأن العلاقات التي تشكلنا تتكاثر بشكل متزايد وتتناثر بين شبكة واسعة وموسعة من القنوات الشبكية. فهل يمكن لمثل هذه الذات أن تحتفظ بقدراتها العقلانية النقدية المطلوبة لممارسة الديمقراطية الليبرالية؟ أو هل ستتسم ذواتنا بشكل متزايد بالشبكية وبالسلبية السياسية والفكرية معوقة في الحكم الذاتي بسبب “فترات الاهتمام القصيرة والقدرة الاقل على التعامل مع الحجج النقدية” (2010, 114)؟ ويقترح “Ess ” أننا نأمل ونعمل على تمكين ظهور “الذوات الهجينة” التي تنمي الفضائل الأخلاقية والعملية الفردية اللازمة للازدهار داخل علاقاتنا المترابطة والمتجسدة (2010, 116).

 

  • 3.3 الصداقة والفضيلة والحياة الجيدة على خدمات الشبكات الاجتماعية

تسهّل خدمات الشبكات الاجتماعية العديد من أنواع الاتصالات العلائقية: فمثلا يشجع اللينكدن “LinkedIn” العلاقات الاجتماعية المنظمة حول حياتنا المهنية ، ويفيد تويتر  في إنشاء خطوط اتصال بين الأفراد العاديين والشخصيات ذات النفع العام ، كما كان ماي سبيس لفترة من الوقت وسيلة شائعة للموسيقيين للترويج لأنفسهم والتواصل مع معجبيهم ، وشهد الفيسبوك  – الذي بدأ كوسيلة لربط مجموعات جامعية وربط الناس الآن في جميع أنحاء العالم – زيادة في ملفات تعريف الأعمال التي تهدف إلى إنشاء روابط للعملاء الحاليين والمستقبليين. ومع ذلك، فإن المفهوم العلائقي الشامل في عالم” SNS” كان ولا يزال “الصديق”، وذلك كما يتضح من الاستخدام الشائع الآن لهذا المصطلح كفعل يشير إلى أفعال التحريض أو التأكيد على العلاقات الموجودة في “SNS”.

أثار هذا التخصيص والتوسع لمفهوم “الصديق” من قبل” SNS” قدرًا كبيرًا من الاهتمام الأكاديمي من الفلاسفة وعلماء الاجتماع، أكثر من أي اهتمام أخلاقي آخر ربما باستثناء الخصوصية. ركزت المخاوف المبكرة حول بناء الصداقات في ” SNS” على توقع استخدام مثل هذه المواقع بشكل أساسي لبناء صداقات “افتراضية” بين أفراد منفصلين جسديًا يفتقرون إلى اتصال “العالم الحقيقي” أو “وجهاً لوجه”. كما أن هذا التصور المفاهيمي مستنبط من الأنماط السابقة للتواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، وتلك الأنماط هي التي أثارت مخاوف فلسفية حول ما إذا كانت الصداقات عبر الإنترنت يمكن أن تكون في يوم من الأيام “جيدة مثل الشيء الحقيقي” أو محكوم عليها أن تكون بدائل باهتة للاتصالات المتجسدة “وجهًا لوجه” ( Cocking and Matthews 2000). ويعارض هذا الرأي بشدة “Adam Briggle  ” (2008) حيث أشار إلى أن الصداقات عبر الإنترنت قد تتمتع ببعض المزايا الفريدة. على سبيل المثال، يؤكد “Briggle” أن الصداقات المكوّنة عبر الإنترنت قد تكون أكثر مصداقية من الصداقات المتشكّلة خارجها، وذلك بفضل الشعور بالأمان الذي توفره المسافة المادية (2008, 75). كما يشير إلى الطريقة التي يمكن بها للاتصالات الكتابية غير المتزامنة أن تعزز عمليات التبادل المدروسة والعميقة (2008, 77).

 

والتساؤلات المتنوعة حول كيفية قياس الصداقات عبر الإنترنت مع الصداقات المكونة خارجها، وما إذا كانت الصداقات عبر الإنترنت تكون على حساب  التزام المستخدمين بتجسيد علاقاتهم مع الأصدقاء، وأفراد الأسرة، والمجتمعات في “العالم الحقيقي”، عملت على تحديد المبادئ الأخلاقية لمشكلة الصداقة عبر الإنترنت التي بدأت مع ظهور خدمات الشبكات الاجتماعية. لكن لم تستغرق الدراسات التجريبية المتخصصة في الاتجاهات استخدام خدمات الشبكات الاجتماعية الفعلية وقتاً طويلاً لتقرر إعادة التفكير العميق في مساحة هذه المشكلة. وفي غضون الخمس سنوات من إطلاق الفيسبوك، كان من الواضح أن غالبية كبيرة من مستخدمي” SNS “كانوا يعتمدون على هذه المواقع في المقام الأول للحفاظ على العلاقات وتعزيزها مع أولئك الذين لديهم أيضًا اتصال قوي خارج هذه المنصة بما في ذلك أفراد الأسرة المقربين، والمدرسة الثانوية، والكلية الأصدقاء، وزملاء العمل (Ellison, Steinfeld and Lampe 2007; Ito et al. 2009; Smith 2011). كما أن خدمات الشبكات الاجتماعية لا تُستخدم لتسهيل عمليات التبادل البحتة عبر الإنترنت، حيث يعتمد العديد من مستخدمي مواقع الشبكات الاجتماعية اليوم على وظائف تلك المواقع؛ لتنظيم كل شيء من حفلات الكوكتيل إلى ليالي الأفلام والنزهات إلى الأحداث الرياضية، أو الثقافية، ولَمِّ شمل الأسرة، والاجتماعات المجتمعية.

تعمل تطبيقات خدمات الشبكات الاجتماعية للهاتف الجوال مثل “Foursquare” و”Loopt “و “Google Latitude “على توسيع هذا النوع من الوظائف بشكل أكبر، من خلال تمكين الأصدقاء من تحديد موقع بعضهم البعض في مجتمعهم وفي الوقت الفعلي؛ مما يتيح عقد اجتماعات عفوية في المطاعم، والحانات، والمحلات التجارية والتي قد تحدث بالصدفة.

ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف أخلاقية مستمرة بشأن الطريقة التي يمكن أن تصرف بها خدمات الشبكات الاجتماعية انتباه المستخدمين عن احتياجات أولئك الموجودين في محيطهم المادي المباشر (ضع في اعتبارك الاتجاه المؤسف لنطاق واسع من المستخدمين المهووسين بتفقد موجزات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم أثناء العشاء العائلي، واجتماعات العمل، والمواعيد الرومانسية، والعروض الموسيقية). ويقلق العلماء مثل”Sherry Turkle  ” (2011) من مثل هذه الظواهر والتي تشير إلى ظهور تسامح ثقافي متزايد لظاهرة “الوحيدون معا”؛ مما يجلب تعقيدًا جديدًا للمخاوف الفلسفية السابقة حول ظهور لعبة محصلتها صفر بين العلاقات خارج المنصات الإلكترونية ومنافسيهم خدمات الشبكات الاجتماعية الافتراضية. لقد دفعوا أيضًا إلى تحول التركيز الأخلاقي بعيدًا عن مسألة ما إذا كانت الصداقات عبر الإنترنت تعتبر صداقات “حقيقية” (Cocking and Matthews 2000)، إلى مسألة إلى أي مدى يتم خدمة الصداقات الحقيقية التي نحضرها إلى خدمات الشبكات الاجتماعية (Vallor 2012). ويستمر الجدل حول قيمة وجودة الصداقات عبر الإنترنت (Sharp 2012; Froding and Peterson 2012; Elder 2014) إلى حد كبير؛ لأن النمط المعتاد لتلك الصداقات يستمر في التطور وذلك تبعا لمعظم ظواهر الشبكات الاجتماعية.

تتقاطع مثل هذه الاهتمامات مع الأسئلة الفلسفية الأوسع حيال ما إذا كان بالإمكان أن ينخرط النموذج الأخلاقي الكلاسيكي “للحياة الجيدة” في القرن الحادي والعشرين وكيف يمكن ذلك. يدّعي” Pak-Hang Wong” أن هذا السؤال يتطلب منا توسيع النهج القياسي لأخلاقيات المعلومات والتحول من التركيز الضيق على “الحق / العادل” (2010, 29) الذي يحدد الإجراء الأخلاقي بشكل سلبي (على سبيل المثال، فيما يتعلق بانتهاكات الخصوصية، حقوق التأليف والنشر ، وما إلى ذلك) إلى إطار يتصور مسارًا أخلاقيًا إيجابيًا لخياراتنا التكنولوجية. ويقترح Edward” “Spence  (2011) كذلك أنه لمعالجة أهمية خدمات الشبكات الاجتماعية وتقنيات المعلومات والاتصالات ذات الصلة من أجل حياة جيدة بشكل مناسب، يجب علينا أيضًا توسيع نطاق البحث الفلسفي إلى ما وراء اهتمامه الحالي بالأخلاقيات الشخصية الضيقة ليشمل السؤال الأخلاقي الأكثر عالمية وهي الحكمة الحصيفة. هل تساعدنا وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات ذات الصلة على تنمية الفضيلة الفكرية الأوسع لمعرفة ما هو العيش بشكل جيد، وماهي أفضل طريقة للوصول لذلك؟ أم أنها تميل إلى عرقلة تطورها؟

وهذا القلق بشأن الحكمة الحصيفة والحياة الجيدة هو جزء من الاهتمام الفلسفي المتزايد بتوظيف مصادر أخلاقيات الفضيلة الكلاسيكية لتقييم تأثير “SNS “والتقنيات ذات الصلة، سواء كانت هذه المصادر أرسطو (Vallor 2010)، الكونفوشيوسية (Wong 2012) أو كليهما (Ess 2008). كما يشجع برنامج البحث التساؤل عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تنمية الفضيلة الحصيفة، وعن تنمية مجموعة من الفضائل الأخلاقية والتواصلية الأخرى، مثل الصدق، والصبر، والعدالة، والولاء، والإحسان، والتعاطف.

 

  • 3.4 الديمقراطية والحرية وخدمات التواصل الاجتماعي في المجال العام

وكما هو الحال مع الخصوصية، والهوية، والمجتمع، والصداقة على مواقع التواصل الاجتماعي، يجب النظر إلى المناقشات الأخلاقية حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الخطاب المدني والحرية والديمقراطية في المجال العام على أنها امتدادات لنقاش أوسع حول الآثار السياسية للإنترنت التي تسبق معايير Web 2.0. حيث تركز الكثير من الأدبيات حول هذا الموضوع مركزة على مسألة ما إذا كان الإنترنت يشجع أو يعيق الممارسات الحرة للعقل العام التداولي بطريقة مستنيرة، وذلك من خلال وصف هبرماس “Jürgen Habermas”  (1992/1998) لأخلاقيات الخطاب والديمقراطية التداولية في المجال العام (Ess 1996 and 2005b; Dahlberg 2001; Bohman 2008). وأحد الموضوعات ذات الصلة والمثيرة للقلق هي قدرة الإنترنت على تجزئة المجال العام من خلال تشجيع تكوين مجموعه متعددة من “غرف الصدى” و “فقاعات الاقصاء”: الصوامع المعلوماتية للأفراد ذوي التفكير المماثل الذين يحمون أنفسهم عمدًا من التعرض لآراء بديلة. والقلق هنا هو أن مثل هذه العزلة سوف تعزز التطرف وتعزيز الآراء التي لا أساس لها، بينما تمنع مواطني الديمقراطية من الاعتراف بمصالحهم وخبراتهم المشتركة (Sunstein 2008). وأخيرًا، هناك تساؤل حيال مدى قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على تسهيل النشاط السياسي، والعصيان المدني والثورات الشعبية التي تؤدي إلى الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية. وتشمل الأمثلة الشائعة المشار إليها ثورات شمال إفريقيا عام 2011 م في مصر وتونس، والتي ارتبطت بها الفيسبوك وتويتر على التوالي (Marturano 2011; Frick and Oberprantacher 2011).

عندما يُنظر في خدمات الشبكات الاجتماعية على وجه الخصوص في ضوء هذه الأسئلة، تظهر بعض الاعتبارات المميزة. أولاً: أن المواقع مثل الفيسبوك وتويتر تسهل المشاركة والتعرض الى مجموعة متنوعة للغاية من أنواع الخطاب (على عكس أدوات خدمات الشبكات الاجتماعية الضيقة مثل LinkedIn). قد يواجه مستخدم الفيسبوك في أي يوم تغذية إخباريه متضمنة رابطًا لمقال في مجلة سياسية محترمة متبوعًا بفيديو لقط في زي سخيف، متبوعًا برابط لدراسة علمية جديدة، مصحوباً بعرض مطول لحالة حديثه نشرها أحدهم بشأن غدائه ، بجانب صورة لشخصية سياسية مشهورة، مضافاً إليها تعليق ذكي وهدام. كما تمتزج صور الإجازات بالصخب السياسي والدعوات إلى الأحداث الثقافية والرسائل التذكيرية بأعياد الميلاد والرسوم البيانية القائمة على البيانات التي تم إنشاؤها لتقويض السياسة العامة، أو الأخلاقية، أو الاقتصادية المشتركة. وهكذا في حين أن المستخدم يتمتع بقدر كبير من الحرية في اختيار أشكال الخطاب التي يجب أن يوليها اهتمامًا أكبر، والأدوات التي يمكن من خلالها إخفاء أو إعطاء الأولوية لمنشورات أعضاء معينين في شبكته، حيث لا يمكنه بسهولة أن يحمي نفسه على الأقل من المعرفة السطحية لمجموعة متنوعة من الاهتمامات الخاصة والعامة لزملائه. وهذا من شأنه أن يوفر على الأقل قدرًا من الحماية ضد الانعزالية الشديدة، والتجزئة الشديدة للخطاب الذي لا يتوافق مع المجال العام.

ثانيًا: بينما يمكن للمستخدمين في كثير من الأحيان “إلغاء صداقة” أو حجب منشورات أولئك الذين يميلون إلى الاختلاف معهم أو إخفائها بشكل منهجي، فإن الرؤية العالية والقيمة المتصورة للروابط الاجتماعية على هذه المواقع تجعل هذا الخيار أقل جاذبية كاستراتيجية متسقة.  وغالبًا ما يتحدث فلاسفة التقنية عن إمكانيات أو تدرجات تقنيات معينة في سياقات معينة (Vallor 2010) طالما أنها تقدم أنماطًا معينة من الاستخدام أكثر جاذبية أو أكثر ملائمة للمستخدمين (مع عدم جعل الأنماط البديلة مستحيلة).

في هذا الصدد، قد يُنظر إلى الشبكات الاجتماعية مثل تلك الموجودة على الفيسبوك، والتي يجب على المستخدمين فيها اتخاذ إجراءات تتعارض إلى حد ما مع غرض الموقع من أجل حماية أنفسهم بشكل فعال من الآراء غير المرغوب فيها أو المخالفة، على أنها ذات تدرج ديمقراطي متواضع مقارنة بالشبكات التي تم إنشاؤها عمداً حول قضية أو هوية سياسية معينة. ومع ذلك، قد يقوّض هذا التدرج عبر الخوارزميات الخاصة لـ الفيسبوك ، التي تنظم خلاصة الأخبار الخاصة بالمستخدمين بطرق غامضة، التي من المؤكد تقريبًا أنها تعطي الأولوية لجاذبية “تجربة المستخدم” على المنفعة المدنية أو سلامة المجال العام.

ثالثًا: يجب على المرء أن يسأل عما إذا كان بإمكان وسائل التواصل الاجتماعي أن تتجنب مخاطر نموذج الاستفتاء للخطاب الديمقراطي، حيث تتشتت أصوات الأقليات بشكل حتمي ويغرقها الكثيرون. وبالتأكيد، مقارنةً بقنوات الاتصال “واحد الى كثير” والتي تفضلها وسائل الإعلام التقليدية، تسهل “SNS “نموذج اتصال “متعدد إلى كثير” الذي يبدو أنه يقلل من الحواجز التي تحول دون المشاركة في الخطاب المدني للجميع، بما في ذلك المهمشين. ومع ذلك، إذا كان لدى الشخص عدد كافٍ من “أصدقاء الفيسبوك” أو أشخاص “تتابعهم”، فقد تظل آراء الأقلية مسموعة كأصوات وحيدة في البرية، وربما قد تكون ذات قيمة لتوفير بعض “التوابل” والجدة للمحادثة الأوسع ولكنها تفشل في تلقي اهتمام عام جاد بمزاياها. حيث تفتقر وسائل التواصل الاجتماعي الحالية إلى الهياكل المؤسسية اللازمة لضمان تمتع أصوات الأقليات ليس فقط بالحرية، ولكن المساواة النوعية في الوصول إلى الوظيفة التداولية للمجال العام.

رابعًا: يجب على المرء أيضًا أن يأخذ في الاعتبار جودة التبادلات المعلوماتية على وسائل التواصل الاجتماعي ومدى تعزيزها لمجال عام حواري حقيقي يتميز بممارسة العقلانية النقدية. وعلى الرغم من أننا لاحظنا أعلاه أن التعرض لآراء مستنيرة ومصادر أدلة موثوقة يسرت من خلال العديد من أشهر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن التعرض لا يضمن الاهتمام أو الاستهلاك. على سبيل المثال، عدد جهات الاتصال في شبكة المستخدم العادي في الفيسبوك كبير بما يكفي لاستحالة رؤية كل منشور ذي صلة حتى تلك التي تختارها خوارزمية الفيسبوك لموجز الأخبار الخاص بهم، حيث يستعرض عدد ضئيل منها عن كثب أو يُرد عليها. ويشعر العديد من العلماء بالقلق من أنه في بيئات” “SNS، حيث إن المساهمات الجوهرية للخطاب المدني تعمل على نحو متزايد كالحطام على بحر افتراضي من المحتوى المسلي أو الضحل بشكل تافه؛ مما يضعف العادات والممارسات المدنية للعقلانية النقدية والتي نحتاجها؛ لكي نعمل كمواطنين ديمقراطيين مطلعين ومسؤولين (Carr 2010; Ess 2010). إضافة على ذلك، في حين أن أكثر وسائل التواصل الاجتماعي شيوعًا تروج لمعايير الممارسة المراعية، فإن هذه المعايير تميل إلى تفضيل الإيجاز والتأثير الفوري على الجوهر والعمق في الاتصال؛ كما يشير”Vallor”  (2012) إلى أن هذا الشيء لا يبشر بالخير خصوصاً فيما يتعلق بزراعة تلك الفضائل التواصلية الضرورية لازدهار المجال العام. ويتعزز هذا القلق من خلال البيانات التجريبية التي تشير إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تديم ظاهرة “دوامة الصمت” التي تؤدي إلى القمع السلبي لوجهات النظر المتباينة بشأن المسائل السياسية أو المدنية ذات الأهمية (Hampton et. al. 2014). وفي نقد ذي صلة، يزعم Frick”  وOberprantacher “(2011) أن قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على تسهيل “المشاركة” العامة يمكن أن تحجب الغموض العميق بين المشاركة باعتبارها “عملية تشاركية واعدة” و”أفعال متداخلة ومفككة من التوافه المشتركة. ” (2011, 22)

 

وتتعلق القضية الخامسة للديمقراطية عبر الإنترنت بالنقاش المثير للجدل الذي ينشأ على منصات وسائل التواصل الاجتماعي حول المدى الذي يجب أن يتم فيه التسامح مع الخطاب المثير للجدل أو الذي لا يحظى بشعبية أو معاقبة من الجهات الفاعلة الخاصة، خاصة عندما تظهر العواقب في السياقات والأماكن التقليدية خارج الانترنت مثل الجامعة. على سبيل المثال، زُعزعتْ معايير الحرية الأكاديمية في الولايات المتحدة إلى حد كبير بسبب “قضية Salaita ” والعديد من الحالات الأخرى التي تم فيها لوم الأكاديميين أو معاقبتهم من قبل مؤسساتهم نتيجة منشوراتهم المثيرة للجدل على وسائل التواصل الاجتماعي. ويبقى أن نرى ما هو التوازن الذي يمكن إيجاده بين التحضر وحرية التعبير في المجتمعات التي تتوسط فيها اتصالات خدمات الشبكات الاجتماعية بشكل متزايد.

ويضاف إلى ذلك إن ثمة تساؤلاً خاصاً فيما إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي ستحافظ بالضرورة على روح الديمقراطية؛ وذلك لأنها تعكس بشكل متزايد شبكات اجتماعية دولية تعددية. كما أن الانقسام الحالي بين شبكات مثل الفيسبوك وتويتر المهيمنة في المجتمع الليبرالي الغربي و الشبكات الاجتماعية الموجودة في الصين مثل (RenRen) وروسيا مثل (VKontakte) ومع الأنظمة الأكثر شيوعية و / أو استبدادية قد لا يستمر  ؛ وإذا أصبحت خدمات الشبكات الاجتماعية على نحو متزايد متعددة الجنسيات أو عالمية النطاق ، فهل تميل تلك التنمية إلى نشر وتعزيز القيم والممارسات الديمقراطية ، أو تخفيفها وإضعافها، أوهل تميل إلى أن تعجل بإعادة صياغة سياق القيم الديمقراطية الليبرالية في “أخلاقيات عالمية” جديدة (Ess 2010)؟

والتساؤل الأكثر إلحاحًا هو ما إذا كان الخطاب المدني والنشاط على مواقع التواصل الاجتماعي سيتعرضان للخطر أو التلاعب بهما من قبل المصالح التجارية التي تمتلك حاليًا البنية التحتية التقنية وتديرها. حيث هذا القلق مدفوع بالقوة الاقتصادية المتزايدة، والتأثير السياسي للشركات في قطاع التكنولوجيا، والآثار التي يحتمل أن تؤدي إلى حرمان وإضعاف حقوق النموذج الاقتصادي والذي يلعب فيه المستخدمون دورًا سلبيًا بشكل أساسي (Floridi 2015). وفي الواقع، أصبحت العلاقة بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ومقدمي الخدمات مثيرة للجدل بشكل متزايد، حيث يكافح المستخدمون للمطالبة بمزيد من الخصوصية وأمن بيانات أفضل وحماية أكثر فعالية من المضايقات عبر الإنترنت في سياق اقتصادي يتمتعون فيه بقدرة تفاوضية قليلة أو معدومة. وتم توضيح هذا الخلل بقوة من خلال الكشف في عام 2014 عن قيام باحثي” الفيسبوك بإجراء تجارب نفسية متأنية على المستخدمين دون علمهم، والتلاعب بمزاجهم عن طريق تغيير توازن العناصر الإيجابية أو السلبية في موجز الأخبار الخاص بهم (Goel 2014). كما تضيف الدراسة بعدًا آخر للمخاوف المتزايدة بشأن أخلاقيات وصحة أبحاث العلوم الاجتماعية التي تعتمد على البيانات أنشئت بواسطة الشبكات الاجتماعية (Buchanan and Zimmer 2012).

ومن المفارقات في الصراع على السلطة بين المستخدمين ومقدمي خدمات الشبكات الاجتماعية، أصبحت منصات الشبكات الاجتماعية نفسها ساحة المعركة الرئيسية، حيث يقوم المستخدمون بالتنفيس عن غضبهم الجماعي في محاولة لإجبار مقدمي الخدمة على الاستجابة لمطالبهم. حيث تكون النتائج في بعض الأحيان إيجابية، كما حدث عندما قام مستخدمو تويتر بعد سنوات من الشكوى أخجلت الشركة في عام 2015 م ودفعتها لتقديم أدوات إبلاغ أفضل عن التحرش عبر الإنترنت. ومع ذلك فإن العملية بطبيعتها فوضوية ومثيرة للجدل في كثير من الأحيان، كما هو الحال في وقت لاحق من ذلك العام، عندما نجح مستخدمو Reddit” “في المطالبة بإسقاط الرئيس التنفيذي  “Ellen Pao” ، حيث إدارة   “Reddit” بحظر بعض منتديات “subreddit” الأكثر إثارة للاشمئزاز (مثل “الكراهية للبدانة “، المكرسة لتشهير ومضايقة الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن.)

والإجماع الواضح الوحيد الناشئ عن الاعتبارات الموضحة هنا هو أنه إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي ستسهل أي تعزيز للمجال العام الهابرماسي، أو الفضائل والممارسات المدنية للخطاب العقلاني الذي يجب أن يفترضه أي مجال عام فاعل، فسيكون على المستخدمين حشد جهودهم بنشاط لاستغلال هذه الفرصة (Frick and Oberprantacher 2011). وقد يعتمد هذا الحشد على مقاومة “الإحساس الزائف بالنشاط والإنجاز” (Bar-Tura, 2010, 239) الذي قد يأتي من مجرد النقر على “أعجبني” ردًا على أفعال خطاب سياسي ذي مغزى، او إعادة توجيه المكالمات لتوقيع العرائض التي لا يلتف المرء أبدًا للتوقيع عليها، أو ببساطة “متابعة” ناقد اجتماعي صريح على تويتر تغرق دعواته “على تويتر” للعمل في موجة من إعلانات الشركات، وتأييد منتجات المشاهير والتعليقات الشخصية. وجادل البعض بأنه سيتطلب أيضًا تنمية معايير وفضائل جديدة للعقلية المدنية عبر الإنترنت، والتي بدونها ستظل “الديمقراطيات” عبر الإنترنت عرضة للتدمير الذاتي والطغيان الغير العقلاني للسلوك الغوغائي (Ess 2010).

 

  • 3.5 خدمات الشبكات الاجتماعية والجرائم الإلكترونية

تعد خدمات الشبكات الاجتماعية كالمضيف لمجموعة واسعة من “الجرائم الإلكترونية” والجرائم ذات الصلة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر: التنمر الإلكتروني / والتحرش الإلكتروني، والمطاردة الإلكترونية، واستغلال الأطفال، والابتزاز الإلكتروني، والاحتيال الإلكتروني، والمراقبة غير القانونية ، وسرقة الهُوية ، وانتهاكات الملكية الفكرية، وحقوق النشر ، والتجسس الإلكتروني ، والتخريب الإلكتروني و الإرهاب الإلكتروني. كل شكل من أشكال السلوك الإجرامي أو غير الاجتماعي له تاريخ يسبق معايير” Web 2.0″، وربما نتيجة لذلك ، مال الفلاسفة إلى ترك العلاقات المحددة بين الجرائم الإلكترونية وخدمات الشبكات الاجتماعية كمسألة تجريبية لعلماء الاجتماع ، والمكلفين بإنفاذ القانون و شركات أمن الإنترنت للتحقيق. ومع ذلك تعد الجرائم الإلكترونية موضوعًا دائمًا ذا أهمية فلسفية للمجال الأوسع لأخلاقيات الكمبيوتر، ويثير الانتقال إلى مثل هذه الجريمة وتطورها على منصات SNS قضايا أخلاقية جديدة ومميزة. ومع ذلك تعد الجرائم الإلكترونية موضوعًا دائمًا ذا أهمية فلسفية للمجال الأوسع لأخلاقيات الكمبيوتر، كما انتقال هذه الجريمة وتطورها على منصات” SNS” يثير قضايا أخلاقية جديدة ومميزة.

من بين تلك التساؤلات والتي لها أهمية أخلاقية هو التساؤل الخاص بالكيفية التي يجب أن يستجيب بها مقدمو خدمات الشبكات الاجتماعية عند مطالب الحكومة لبيانات المستخدم لأغراض التحقيق أو مكافحة الإرهاب. كما إن مقدمي خدمات الشبكات الاجتماعية عالقون بين المصلحة العامة في منع الجريمة وحاجتهم إلى الحفاظ على ثقة وولاء مستخدميهم، وكثير منهم ينظر إلى الحكومات على أنها بالغت في محاولاتها لتأمين سجلات النشاط عبر الإنترنت، كما اختارت العديد من الشركات تفضيل أمان المستخدم من خلال استخدام التشفير التام بين الأطراف لمبادلات خدمات الشبكات الاجتماعية؛ مما أثار استياء الوكالات الحكومية التي تصر على الوصول من “الباب الخلفي” أي إلى بيانات المستخدم لصالح السلامة العامة والأمن القومي (Friedersdorf 2015).

 

وثمة قلق أخلاقي آخر ناشئ هو الطابع السياسي المتزايد للتحرش الإلكتروني والمطاردة عبر الإنترنت. وفي الولايات المتحدة، كانت النساء اللواتي يتحدثن عن نقص التنوع في صناعات التقنية وألعاب الفيديو أهدافًا خاصة، حيث يجبرن في بعض الحالات الى إلغاء مظاهر التحدث أو مغادرة منازلهن بسبب التهديدات الجسدية بعد نشر عناوينهن ومعلومات شخصية أخرى عبر الإنترنت (ممارسات تعرف باسم ” doxxing”). كما ظهرت لغة سياسية عامية جديدة بين الوحدات عبر الإنترنت مثل “MRAs” (نشطاء حقوق الرجال)، الذين يرون أنفسهم محاصرين في معركة أيديولوجية شرسة ضد من يسمونهم بسخرية بأنهم “SJWs” (“محاربو العدالة الاجتماعية”): الأشخاص الذين يدافعون عن المساواة والأمن والتنوع من خلال وسائط الإنترنت. وبالنسبة لضحايا الاستقصاء عن المعلومات “doxxing” والتهديدات الإلكترونية المرتبطة بالعنف الجسدي، حيث تقدم هيئات إنفاذ القانون التقليدية حماية ضئيلة؛ وذلك لأن هذه الوكالات غالبًا ما تكون غير مجهزة أو غير محفزة لضبط الحدود الضبابية بين الأذى الفعلي والافتراضي.

 

  • 4- خدمات الشبكات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي وقضايا ما وراء الأخلاق

تطرح ماوراء الأخلاق عدداً كبيراً من التساؤلات إزاء الظهور السريع لـخدمات الشبكات الاجتماعية كوسيط مهيمن للتواصل بين الأشخاص. على سبيل المثال، تقدم خدمات الشبكات الاجتماعية بيانات جديدة للنقاش الفلسفي الحالي (Tavani 2005; Moor 2008) حول ما إذا كانت التقاليد الأخلاقية الكلاسيكية مثل النفعية أو الأخلاق الكانطية أو أخلاق الفضيلة تمتلك مصادر كافية لإلقاء الضوء على الآثار الأخلاقية لتقنيات المعلومات الناشئة، أو ما إذا كنا بحاجة الى إطار أخلاقي جديد للتعامل مع مثل هذه الظواهر. وأحد الأساليب الجديدة المستخدمة بشكل شائع لتحليل خدمات الشبكات الاجتماعيه (Light, McGrath and Gribble 2008; Skog 2011) هي أخلاقيات الإفشاء “Philip Brey” ((2000. حيث يهدف هذا الإطار الأخلاقي متعدد التخصصات إلى تحليل كيفية تضمين قيم أخلاقية معينة في تقنيات معينة؛ مما يسمح بالكشف عن الميول المبهمة لتقنية ما؛ وذلك لتشكيل الممارسة الأخلاقية. واقترح “Ess”  (2006) أن “أخلاقيات المعلومات العالمية” الجديدة والتعددية قد تكون هي السياق المناسب الذي يمكن من خلاله تتم مشاهدة تقنيات المعلومات الناشئة. كما اقترح باحثون آخرون أن تقنيات مثل” SNS” تستدعي اهتمامًا متجددًا للمناهج الأخلاقية الحالية مثل البراغماتية (van den Eede 2010) ، أخلاقيات الفضيلة (Vallor 2010) النسوية أو أخلاقيات الرعاية (Hamington 2010; Puotinen 2011) والتي غالبًا ما توجهلت من قبل علماء الأخلاق التطبيقية لصالح المصادر النفعية والأخلاقية التقليدية.

وأحد المشاريع ذات صله بما وراء الاخلاق والمرتبطة بـ SNS هو التطوير الصريح لأخلاقيات المعلومات المتعددة الثقافات (Ess 2005a; Capurro 2008; Honglaradom and Britz 2010). فخدمات الشبكات الاجتماعيه وتقنيات المعلومات الناشئة الأخرى لا تحصر نفسها بشكل موثوق في الحدود الوطنية أو الثقافية، وهذا يخلق تحديًا خاصًا لعلماء الأخلاق التطبيقية. فمثلاً، يجب تحليل الممارسات في مختلف البلدان مقابل الخلفية المفاهيمية التي تعترف وتستوعب الاختلافات المعقدة في المعايير والممارسات الأخلاقية ذات الصلة، ومثال على ذلك الخصوصية (Capurro 2005; Hongladarom 2007). وتشمل ظواهر خدمات الشبكات الاجتماعية الأخرى والتي قد يتوقع المرء الاستفادة من جراء التحليل المتعدد الثقافات والمرتبط بالاعتبارات الأخلاقية الموضحة في القسم رقم ٣: الأنماط الثقافية المتنوعة والتفضيل / التسامح مع العرض العاطفي والحجج والنقاش، والتجريب الشخصي، والتعبير عن النقد السياسي، والنقد بين العائلات أو النقد الثقافي، والتعبير الديني، ومشاركة الملكية الفكرية. بدلاً من ذلك إمكانية وجود أخلاقيات معلومات تتمتع بالتماسك يعتبر تحديًا، على سبيل المثال ومن وجهة نظر بنائية مفادها أن الممارسات الاجتماعية والتقنية الناشئة مثل” SNS” تعمل على إعادة تعريف المعايير الأخلاقية باستمرار بحيث لا يقتصر دور تحليل شبكات الخدمات الاجتماعيه والتقنيات ذات الصلة على العمل فقط بل يحول هذا التحليل بناءً على الهدف المقصود من التحليل الاخلاقي.

أخيرًا، ثمة مخاوف عملية مُلحة حول ما إذا كان يمكن للفلاسفة أن يكون لهم تأثير فعلي في الملامح الأخلاقية للتقنيات الناشئة مثل “”SNS. حيث إذا كان الفلاسفة يعملون على توجيه تحليلاتهم الأخلاقية إلى فلاسفة آخرين فقط، فإن مثل هذه التحليلات قد تعمل ببساطة كالتشريح الأخلاقي للعلاقات بين الإنسان والتقنية، حيث لا يكون هناك فرصة للاستباق أو للإصلاح أو لإعادة توجيه الممارسات التقنية غير الأخلاقية. ولكن لمن ينبغي توجيه هذه المخاوف الأخلاقية: هل لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي؟ أو للهيئات التنظيمية والمؤسسات السياسية؟ أم لمطوري برامج “SNS”؟ وكيف يمكن جعل المحتوى النظري والاستيراد العملي لهذه التحليلات في متناول هذه الجماهير المتنوعة؟ ما هي القوة المحفزة التي يتوقع أن تكون لديهم؟ ويصبح الإلحاح العميق لمثل هذه الأسئلة واضحًا بمجرد إدراكنا أنه على عكس المعضلات الأخلاقية الخاصة بـ “الحياة أو الموت” والتي ينشغل بها علماء الأخلاق التطبيقيون (على سبيل المثال، الإجهاض والقتل الرحيم وعقوبة الإعدام)، فإن تقنيات المعلومات الناشئة مثل SNS تعاملت في وقت قصير مع النسيج الأخلاقي اليومي لكل حياتنا تقريبًا، لديها في غاية الأهمية، مما أدى إلى تغيير المشهد الاجتماعي، والعادات والممارسات الأخلاقية التي نتعامل معها. والاهتمامات الأخلاقية التي سُلط الضوء عليها هنا هي في حقيقة الامر، أي شيء عدا “الأكاديمية”، والتي لا يطيق الفلاسفة ولا المجتمع البشري الأوسع تحمل ترف معاملتها على هذا النحو.

 

 


 ببليوغرافيا (التواصل الاجتماعي):

  • Bakardjieva, M. and Feenberg, A., 2000, “Involving the Virtual Subject,” Ethics and Information Technology, 2(4): 233–240.
  • Bakardjieva, M. and Gaden, G., 2012, “Web 2.0 Technologies of the Self,” Philosophy and Technology, 25(3): 399–413.
  • Bar-Tura, A., 2010, “Wall-to-Wall or Face-to-Face,” in Facebookand Philosophy, D.E. Wittkower (ed.), Chicago: Open Court, pp. 231–239.
  • Barnes, S.B., 2001, Online Connections: Internet Interpersonal Relationships, Cresskill, NJ: Hampton Press.
  • Baym, N.K., 2011, “Social Networks 2.0,” in The Handbook of Internet Studies, M. Consalvo and C. Ess (eds.), Oxford: Wiley-Blackwell, pp. 384-405.
  • Bohman, J., 2008, “The Transformation of the Public Sphere: Political Authority, Communicative Freedom and Internet Publics,” in Information Technology and Moral Philosophy, J. van den Hoven and J. Weckert (eds.), Cambridge UK: Cambridge University Press, pp. 66–92.
  • Borgmann, A., 1984, Technology and the Character of Contemporary Life, Chicago: University of Chicago Press.
  • –––, 1992, Crossing the Postmodern Divide, Chicago: University of Chicago Press.
  • –––, 1999, Holding On to Reality: The Nature of Information at the Turn of the Millenium, Chicago: University of Chicago Press.
  • Boyd, D., 2007, “Why Youth (Heart) Social Networking Sites: The Role of Networked Publics in Teenage Social Life,” in Youth, Identity and Social Media, D. Buckingham (Ed.), Cambridge MA: MIT Press, pp. 119–142.
  • Boyd, D. and Hargittai, E., 2010, “Facebook Privacy Settings: Who Cares?” First Monday, 15(8): 13–20.
  • Brey, P., 2000, “Disclosive Computer Ethics,” Computers and Society, 30(4): 10–16.
  • Briggle, A., 2008, “Real Friends: How the Internet can Foster Friendship,” Ethics and Information Technology, 10(1): 71–79.
  • Buchanan, E.A. and Zimmer, M., 2012, “Internet Research Ethics,” The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2015 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL=<https://plato.stanford.edu/archives/spr2015/entries/ethics-internet-research/>
  • Bynum, T., 2011, “Computer and Information Ethics,” The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2011 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL=<https://plato.stanford.edu/archives/spr2011/entries/ethics-computer/>
  • Capurro, R., 2005, “Privacy. An Intercultural Perspective,” Ethics and Information Technology, 7(1): 37–47.
  • –––, 2008, “Intercultural Information Ethics,” in Handbook of Information and Computer Ethics, K.E. Himma and H.T. Tavani (eds.), Hoboken, NJ: Wiley and Sons, pp. 639–665.
  • Carr, N., 2010, The Shallows: What the Internet is Doing to Our Brains, New York: Norton and Co.
  • –––, 2011, “Never Enter Your Real Data,” International Review of Information Ethics, 16: 74–78.
  • Cocking, D., 2008, “Plural Selves and Relational Identity,” in Information Technology and Moral Philosophy, J. van den Hoven and J. Weckert (eds.), Cambridge UK: Cambridge University Press, pp. 123–141.
  • Cocking, D. and Matthews, S., 2000, “Unreal Friends,” Ethics and Information Technology, 2(4): 223–231.
  • Consalvo, M. and Ess, C., 2011, The Handbook of Internet Studies, Oxford: Wiley-Blackwell.
  • Dahlberg, L., 2001, “The Internet and Democratic Discourse: Exploring the Prospects of Online Deliberative Forums Extending the Public Sphere,” Information, Communication and Society, 4(4): 615–633.
  • de Laat, P. 2006, “Trusting Virtual Trust,” Ethics and Information Technology, 7(3): 167–180.
  • Dreyfus, H., 2001, On the Internet, New York: Routledge.
  • –––, 2004, “Nihilism on the Information Highway: Anonymity versus Commitment in the Present Age,” in Community in the Digital AgePhilosophy and Practice, A. Feenberg and D. Barney (eds.), Lanham, MD: Rowman & Littlefield, pp. 69–81.
  • Elder, A., 2014, “Excellent Online Friendships: An Aristotelian Defense of Social Media,” Ethics and Information Technology, 16(4): 287–297.
  • Elgesem, D., 1996, “Privacy, Respect for Persons, and Risk,” in Philosophical Perspectives on Computer-Mediated Communication, C. Ess (ed.), Albany, NY: SUNY Press, pp. 45–66.
  • Ellison, N.B., Steinfeld, C. and Lampe, C., 2007, “The Benefits of Facebook “Friends”: Social Capital and College Students’ Use of Online Social Network Sites,” Journal of Computer-Mediated Communication, 12(4): article 1.
  • Ess, C., 1996, “The Political Computer: Democracy, CMC and Habermas,” in Philosophical Perspectives on Computer-Mediated Communication, (C. Ess, ed.), Albany, NY: SUNY Press, pp. 197–230.
  • –––, 2005a, “Lost in Translation? Intercultural Dialogues on Privacy and Information Ethics,” Ethics and Information Technology, 7(1): 1–6.
  • –––, 2005b, “Moral Imperatives for Life in an Intercultural Global Village,” in The Impact of the Internet on our Moral Lives, R.J. Cavalier (ed.), Albany NY: SUNY Press, pp. 161–193.
  • –––, 2006, “Ethical Pluralism and Global Information Ethics,” Ethics and Information Technology, 8(4): 215–226.
  • –––, 2010, “The Embodied Self in a Digital Age: Possibilities, Risks and Prospects for a Pluralistic (democratic/liberal) Future?” NordicomInformation, 32(2): 105–118.
  • –––, 2011, “Self, Community and Ethics in Digital Mediatized Worlds,” in Trust and Virtual WorldsContemporary Perspectives, C. Ess and M. Thorseth (eds.), Oxford: Peter Lang, pp. vii-xxix.
  • Feenberg, A., 1999, Questioning Technology, New York: Routledge.
  • Floridi, L., 2011, “The Informational Nature of Personal Identity,” Minds and Machines, 21(4): 549–566.
  • –––, 2015, “Free Online Services: Enabling, Disenfranchising, Disempowering,” Philosophy and Technology, 28: 163–166.
  • Frick, M. and Oberprantacher, A., 2011, “Shared is Not Yet Sharing, Or: What Makes Social Networking Services Public?” International Review of Information Ethics, 15: 18–23.
  • Friedersdorf, C., 2015, “How Dangerous is End-to-End Encryption?,” The Atlantic, July 14, 2015, available online.
  • Froding, B. and Peterson, M., 2012, “Why Virtual Friendship is No Genuine Friendship,” Ethics and Information Technology, 14(3): 201–207.
  • Giles, D., 2006, “Constructing Identities in Cyberspace: The Case of Eating Disorders,” British Journal of Social Psychology, 45: 463–477.
  • Goel, V., 2014, “Facebook Tinkers with Users’ Emotions in News Feed Experiment, Stirring Outcry,” The New York Times, June 29, 2014, available online.
  • Grodzinsky, F.S. and Tavani, H.T., 2010, “Applying the ‘Contextual Integrity’ Model of Privacy to Personal Blogs in the Blogosphere,” International Journal of Internet Research Ethics, 3(1): 38–47.
  • Habermas, J., 1992/1998, Between Facts and Norms: Contributions to a Discourse Theory of Law and Democracy, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Hamington, M., 2010, “Care Ethics, Friendship and Facebook,” in Facebookand Philosophy, D.E. Wittkower (ed.), Chicago: Open Court, pp. 135–145.
  • Hampton, K., Rainie, L., Lu, W., Dwyer, M., Shin, I. and Purcell, K., 2014, “Social Media and the ‘Spiral of Silence’,” Pew Research Center, Published August 26, 2014, available online.
  • Heidegger, M., 1954/1977, The Question Concerning Technology and Other Essays, New York: Harper and Row.
  • Honglaradom, S., 2007, “Analysis and Justification of Privacy from a Buddhist Perspective,” in S. Hongladarom and C. Ess (eds.), Information Technology Ethics: Cultural Perspectives, Hershey, PA: Idea Group, pp. 108–122.
  • –––, 2011, “Personal Identity and the Self in the Online and Offline World,” Minds and Machines, 21(4): 533–548.
  • Hongladarom, S. and Britz, J., 2010, “Intercultural Information Ethics,” International Review of Information Ethics, 13: 2–5.
  • Hull, G., 2015, “Successful Failure: What Foucault Can Teach Us about Privacy Self-Management in a World of Facebook and Big Data,” Ethics and Information Technology, online. doi:10.1007/s10676-015-9363-z
  • Hull, G., Lipford H.R. and Latulipe, C., 2011, “Contextual Gaps: Privacy Issues on Facebook,” Ethics and Information Technology, 13(4): 289–302.
  • Introna, L., 2011, “Phenomenological Approaches to Ethics and Information Technology,” The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2011 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL=<https://plato.stanford.edu/archives/sum2011/entries/ethics-it-phenomenology/>
  • Ito, M. et al., 2009, Hanging Out, Messing Around, Geeking Out: Living and Learning with New Media, Cambridge, MA: MIT Press.
  • Lanier, J. 2010, You Are Not a Gadget: A Manifesto, New York: Knopf.
  • Light, B., McGrath, K. and Griffiths, M., 2008, “More Than Just Friends? Facebook, Disclosive Ethics and the Morality of Technology,” ICIS 2008 Proceedings, Paper 193, available online.
  • Manders-Huits, N., 2010, “Practical versus Moral Identities in Identity Management,” Ethics and Information Technology, 12(1): 43–55.
  • Marturano, A., 2011, “The Ethics of Online Social Networks—An Introduction,” International Review of Information Ethics, 16: 3–5.
  • Moor, J., 2008, “Why We Need Better Ethics for Emerging Technologies,” in Information Technology and Moral Philosophy, J. van den Hoven and J. Weckert (eds.), Cambridge: UK: Cambridge University Press, pp. 26–39.
  • Nissenbaum, M., 2004, “Privacy as Contextual Integrity,” Washington Law Review, 79(1): 119–157.
  • –––, 2010, Privacy in Context: Technology, Policy, and the Integrity of Social Life, Palo Alto, CA: Stanford University Press.
  • Parsell, M., 2008, “Pernicious Virtual Communities: Identity, Polarisation and the Web 2.0,” Ethics and Information Technology10(1): 41–56.
  • Puotinen, S., 2011, “Twitter Cares? Using Twitter to Care About, Care for and Care With Women Who Have Had Abortions,” International Review of Information Ethics, 16: 79–84.
  • Rodogno, R., 2012, “Personal Identity Online,” Philosophy and Technology, 25(3): 309–328.
  • Sharp, R., 2012, “The Obstacles Against Reaching the Highest Level of Aristotelian Friendship Online,” Ethics and Information Technology, 14(3): 231–239.
  • Skog, D., 2011, “Ethical Aspects of Managing A Social Network Site: A Disclosive Analysis,” International Review of Information Ethics, 16: 27–32.
  • Smith, A., 2011, “Why Americans Use Social Media,” Pew Internet and American Life Projectavailable online.
  • Spinello, R.A., 2011, “Privacy and Social Networking Technology,” International Review of Information Ethics, 16: 41–46.
  • Stokes, P., 2012, “Ghosts in the Machine: Do the Dead Live on in Facebook?,” Philosophy and Technology, 25(3): 363–379.
  • Sunstein, C., 2008, “Democracy and the Internet,” in Information Technology and Moral Philosophy, J. van den Hoven and J. Weckert (eds.), Cambridge UK: Cambridge University Press, pp. 93–110.
  • Tavani, H.T., 2005, “The Impact of the Internet on our Moral Condition: Do we Need a New Framework of Ethics?” in The Impact of the Internet on our Moral Lives, R.J. Cavalier (ed.), Albany, NY: SUNY Press, pp. 215–237.
  • –––, 2007, “Philosophical Theories of Privacy: Implications for an Adequate Online Privacy Policy,” Metaphilosophy, 38(1): 1–22.
  • Turkle, S., 1995, Life on the Screen: Identity in the Age of the Internet, New York: Simon and Schuster.
  • –––, 2011, Alone Together: Why we Expect More from Technology and Less from Each Other, New York: Basic Books.
  • Vallor, S., 2010, “Social Networking Technology and the Virtues,” Ethics and Information Technology, 12 (2): 157–170.
  • –––, 2012, “Flourishing on Facebook: Virtue Friendship and New Social Media,” Ethics and Information Technology, 14(3): 185–199.
  • van den Eede, Y., 2010, “‘Conversation of Mankind’ or ‘Idle Talk’?: A Pragmatist Approach to Social Networking Sites,” Ethics and Information Technology, 12(2): 195–206.
  • Verbeek, P., 2005, What Things Do: Philosophical Reflections on Technology, Agency and Design, University Park, PA: Pennsylvania State University Press.
  • Wandel, T. and Beavers, A., 2011, “Playing Around with Identity,” in Facebookand Philosophy, D.E. Wittkower (ed.), Chicago: Open Court, pp. 89–96.
  • Wong, P.H., 2010, “The Good Life in Intercultural Information Ethics: A New Agenda, ” International Review of Information Ethics13: 26–32.
  • –––, 2012, “Dao, Harmony and Personhood: Towards a Confucian Ethics of Technology,” Philosophy and Technology, 25(1): 67–86.

أدوات أكاديمية

 

How to cite this entry.

 

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

 

Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).

 

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

   

مصادر أخرى على الإنترنت حول التواصل الاجتماعي


المداخل ذات الصلة بـ التواصل الاجتماعي

Aristotle, General Topics: ethics | character, moral | computer and information ethics | computing: and moral responsibility | ethics: virtue | Habermas, Jürgen | information technology: phenomenological approaches to ethics and | personal identity: and ethics | الخصوصيةpublicity | technology, philosophy of


[1] Vallor, Shannon, “Social Networking and Ethics”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2016 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/ win2016/entries/ethics-social-networking/>.