حول الميتا-أخلاق أو ما وراء الأخلاق، الوجوب والكينونة وحجة السؤال المفتوح، وإبستمولجيا الأخلاق، وحول الحرية والمسؤولية؛ نص مترجم للـد. جيف ساير-ماكورد والمنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة. نسخة PDF
الميتا-أخلاق أو “ماوراء الأخلاق” Metaethics هي محاولة فهم الافتراضات المسبقة والالتزامات الميتافيزيقية والإبستمولوجية والسيمانطيقية والسيكولوجية التي يحملها كل من التفكير والكلام والممارسة الأخلاقية ، كما تتضمن الميتا-أخلاق في حدودها مجموعةً واسعةً من الأسئلة والإشكالات، مثل السؤال هل الأخلاق مسألة أذواق أكثر من كونها مسألة حقيقة؟ أو هل المعايير الأخلاقية نسبية حسب الثقافة؟ أو هل هناك حقائق أخلاقية أصلًا؟ وإن كانت هناك حقائق أخلاقية، فما مصدرها؟ و كيف تضع معيارًا مناسبًا لسلوكنا؟ و كيف ترتبط الحقائق الأخلاقية بالحقائق الأخرى (كالتي عن السيكولوجيا أو السعادة أو الأعراف الإنسانية مثلًا…)؟ وإن كانت الحقائق الأخلاقية موجودة فكيف نَعرِفها؟ هذه الأسئلة تقودنا بطبيعة الحال إلى إشكالات متعلّقة بمعنى الادّعاءات الأخلاقية وأخرى متعلّقة بالحقيقة الأخلاقية و مسوِّغات التزاماتنا الأخلاقية . تبحث الميتا-أخلاق كذلك في العلاقة بين القِيَم ومسوّغات الفعل والدافع الإنساني، إذ تسأل كيف تعطينا المعايير الأخلاقية مسوّغاتٍ للفعل أو الامتناع حسب ما تأمر أو تنهى، وتعالج أيضًا كثيرًا من القضايا المتعلقة بطبيعة الحرية وأهميتها (أو عدم أهميتها) للمسؤولية الأخلاقية . [i]
-
ملاحظات عامة
-
معضلة “يوثيفرو”
-
الطبيعانيّة، اللاطبيعانيّة، ومذهب ما فوق الطبيعيّة
-
الوجوب والكينونة و حُجَّة السؤال المفتوح
-
إبستمولوجيا الأخلاق
-
الأخلاقيّات والدوافع والمسوِّغات
-
الحريّة والمسؤولية
-
المبادئ الأخلاقية والأحكام المحدَّدة
-
المصادر
-
مصادر أخرى على الإنترنت
-
ملاحظات متعلّقة بالترجمة
-
ملاحظات
1. ملاحظات عامة
إن مجموعة القضايا والإشكالات والأسئلة التي تقع ضمن مجال الميتا-أخلاق تجريديّة دائمًا، فهي تعكس محاولة الميتا-أخلاق أخذ خطوة إلى الوراء من النقاشات الواقعية المحددة داخل الأخلاق لتسأل عن الآراء والافتراضات والالتزامات التي يشترك فيها من يدخلون هذه النقاشات. بشكل عام، إنّ القضايا الميتا-أخلاقية التي تظهر كنتيجة لعملية الخطو إلى الوراء هذه يمكن معالجتها دون اتّخاذ موقف معيّن من القضايا الأخلاقية المحددة التي بدأت منها العملية. لقد بدا للكثيرين في الحقيقة أنّ الميتا-أخلاق تقدّم خلفية محايدة يجب وضع الرؤى الأخلاقية المختلفة أمامها إن كانت لِتُقَيَّمَ بشكل صحيح. بعض المشتغلين بـ الميتا-أخلاق ذهبوا لدرجة القول إنّ كتاباتهم لم تتضمّن افتراضات أخلاقية محددة ولم يكن لها أي مؤدّيات عملية[ii]، وبشأن أي رؤية من الرؤى التي ما زال يُعترَف بها كرؤية لوضع الأخلاق وطبيعتها، فإنّ قدرتها على أن تكون محايدةً عمليًّا هي موضع شك. ولكن لا شكّ أنّ الميتا-أخلاق مهما كانت افتراضاتها الأخلاقية التحديدية ومؤدّياتها العملية فإنّها تشتمل على النظر في الافتراضات المسبقة والالتزامات التي عند من يدخل في التفكير والكلام والممارسة الأخلاقية ، فهي تجريديّة بعيدًا عن أي أحكام أخلاقية محددة.
النظر في هذه الافتراضات والالتزامات يكشف بسرعة إلى أي مدىً يمكن لجوانب الأخلاق المختلفة أن تُعتَبَرَ إشكاليّةً عقليًّا وعمليًّا، فعلى المستوى العقليّ قد خشي كثيرون أنه لا يمكن الدفاع عن الافتراضات والالتزامات التي تحملها الأخلاق. يجادل البعض بأنّ الأخلاق خرافة، ويجادل غيرُهم بأنّ المبادئ المختلفة التي يتم تقديمها كمعايير ذات سلطة شرعيّة للجميع هي في الواقع مجرد تعبيرات عن عواطف، أو إسقاطات للمواقفِ الخاصّةِ بمن يدعون إلى تلك المبادئ، ويجادل غيرهم كذلك بأنّ الأخلاق ليست ما تزعمه وليس فيها ما يلزمها لتكون لها شرعيّة. أما على المستوى العملي فقد أشار كثيرون إلى أنه من الصعب جعل الناس يحكمون على أنفسهم وعلى غيرهم بإنصاف، و قد خشي غيرهم أننا بينما لدينا مصلحة في إقناع الآخرين بالالتزام بالأخلاق فإننا أنفُسُنا نادرًا ما يكون لدينا أي سبب للاتزام بها، فيما اعتقد آخرون أنّ الإنسان لا يمتلك الحرية بالصورة التي تفترضها الأخلاق.
بالطبع إنّ هذه التحفُّظات والحجج تجد دائمًا ما يقابلها على الطرف الآخر، إذ هناك من يرى أنّ الأخلاق -إن فُهِمَت بشكل صحيح- ليست خرافةً، و أنّ مزاعمها يمكن الدفاع عنها، وأنّ لدينا سببًا كافيًا لنتبنّى الأخلاق ونلبّي مطالبها، وأنّ الناس أو على الأقل بعضهم في ظروف معيّنة يمتلكون الحريّة بالصورة التي تتطلّبها الأخلاق.
لا يمكن لأي من الحجج على أيٍّ من الطرفين أن تُدحَضَ بسرعة أو بسهولة، وكلها تعتمد أوّلًا على تحديد الافتراضات والالتزامات المختَلَفِ عليها والدفاع عنها، وثانيًا على إثبات إمكانية أو عدم إمكانية الدفاع عنها. إن الأمر الذي على المحك هنا هو -على الأقل- فهمُنا لجزءٍ مهمٍّ من حياة معظم الناس، ولكنّ هناك الكثير كذلك مما سيكون على المحك بقدر ما يتضح وجود شك في الافتراضات والالتزامات التي يأخذها الناس كمسلّمات، وعندئذٍ لن يتعرض للتهديد فهمُنا لذلك الجزء من حياتنا فحسب، بل يمكن لإحساسنا بأهميته أن يتلاشى كذلك.
بالرغم من طبيعة الميتا-أخلاق التجريدية والجدلية بشكل كبير، فإنّ مسائل اهتمامها الرئيسيّة تنشأ بشكل طبيعي – ولربما بشكل محتوم- عند نظر المرء بعين النقد في قناعاته الأخلاقية ، فليس من المفاجأة أنّ ادّعاء بوليمارخوس Polemarchus – في جمهورية أفلاطون- عن كون عدالة المرء تُحسّن حياته قد تطوّر بسرعة إلى نقاشٍ ميتا-أخلاقي تمامًا عن مصدر العدالة وطبيعتها. يدافع تراسيماخوس Trasymachusعن فكرة أنّ العدالة هي ما يصب في مصلحة الأقوى، قائلًا إنّ الأخلاق من صنع الإنسان وإنّها قد صممها الأغنياء والأقوياء للتحكم بالناس واستغلالهم، فهو يجادل أنّها خرافة لضعفاء العقول وُضِعَت لمصلحة القلّة، وأنّها تفرض عبئًا على الناس لدى غالبهم ما يسوّغ تركه. يتابع غلوكون Glaucon النقاش في الكتاب الثاني ببديل أقل تشاؤمًا، فبينما يرى هو الآخر أنّ الأخلاق صنيعة بشرية، يرى أنها حل مفيد للمشاكل الجدّية التي سنواججها بغياب الأخلاق، ويجادل أنّ الناس بطبيعة الحال يجدون أنفسهم غير قادرين على أن يضمنوا نفاذ إرادتهم وهم يتأثّرون بإرادة الآخرين في الوقت ذاته، فهو يرى أنّ مبادئ العدالة يضعها الجميع بشكل معقول كطريقة جيّدة لضمان السلام والاستقرار في المجتمع. سقراط Socrates في المقابل يرفض الفكرة القائلة بأنّ العدالة اختراع بشريّ، ويجادل بدلًا من ذلك بأنّ العدالة توفّر معايير ثابتة يمكن من خلالها الحكم على الممارسات والأعراف والعادات الإنسانية. قد يكون لهذه الرؤى المختلفة مؤدّياتها لقيمة العدالة، ولكن بالإضافة إلى ذلك، إنّ قبول رؤية معيّنة لطبيعة العدالة سيتوافق مع مجموعة من الرؤى التحديديّة عن جوهر العدالة وعن قيمتها.
2. معضلة “يوثيفرو”
بالنسبة لكثيرين يتناسب موقف سقراط مع مزاعم الأخلاق، وهو يتناسب كذلك مع فكرة أنّ أيّ معيار يضعه الإنسان فهو خاضع للنقد الأخلاقي. وبالطبع فإنّ موقف سقراط يفتح الباب لمجموعة من الإشكالات المتعلّقة بطبيعة تلك المعايير المتعالية، فما مصدرها؟ ومن أين تستمدّ شرعيّتها؟
اعتقد كثيرون أنّ الإجابات الصحيحة على هذه الأسئلة تكمن في الاحتكام إلى الإله، فالمبادئ الأخلاقية بتصوّرهم هي تعبير عن إرادة الإله، أي هي أوامره لنا، وهي تستمدّ شرعيتها من مصدرها. ولكنّ هذا ينقل الإشكالات خطوةً إلى الوراء فقط، فإنّ أي مشكلة يجدها المرء في قبول فكرة المعايير المتعالية سيعود ليجدها في تقبّل فكرة كائن متعالٍ يصدر أوامر، وكما أكّد أفلاطون Plato في حواره “يوثيفرو” Euthyphro، فإنّ المرء سيجد أنّه من الصعب إثبات شرعية أوامر الإله.
إحدى الإجابات المعقولة قد تكون أنّ معرفة الإله الكاملة بالصواب والخطأ أو كماله الأخلاقي هو نفسه يبيّن لماذا تكون أوامره شرعيّة كمعايير لنا، ولكنّ هذه الإجابة تفترض أن معايير الأخلاق موجودة بشكل مستقلّ عن إرادة الإله (إما كأشياء يعرفها أو كمعايير يُعتبَر هو وفقها كاملًا أخلاقيًّا)، وفي هذه الحالة فإنّ الحديث عن الأخلاق على أنها أوامر للإله لن يبيّن مصدر هذه المعايير المستقلة أو طبيعتها.
يمكن للمرء بدلًا من ذلك ان يتجنّب الاحتكام إلى معرفة الإله أو خيريّته، ويدّعي أن ليس هناك معيار مستقل لإرادة الإله وطبيعته، ولكنّ ذلك يترك المجال لإشكالية متعلقة بشرعيّة المبادئ الأخلاقية ، فإذا رفضنا الفكرة القائلة بأنّ أوامر الإله تعكس معرفته بالصواب والخطأ، ورفَضنا كذلك فكرة أنّ الإله خيّر بشكل كامل، فإنّه يبدو لمن المعقول أن نتسائل لماذا تكون لأوامره أيُّ شرعية خاصة. [iii]
يمكن هنا الإشارة إلى قوة الإله وقدرته على العقاب أو إلى دوره في الخلق، ولكن لا يبدو أنّ أيًّا من هذين الاعتبارين يكفي ليؤسّس شرعيّةً صحيحة، وبشكلً عامّ فإنّ امتلاك أحدٍ للقوّة اللازمة لفرض أوامره لا يؤسّس لشرعيّة هذه الأوامر ولا ينتج عنه أنّ لديه الحق في معاقبة من يخالفونها، وبالمثل فإنّ مجرّد خلق شيءٍ لا يثبت لخالقه صلاحية التحكم المطلق به. بالطبع تبقى هناك مساحة للقول إنّ في أوامر الإله شيئًا مختلفًا يجعل أوامره شرعيّةً بشكل فريد، وهذا القول يحتاج إلى تصوُّر يبين هذا الشيء المختلف، وفي هذا السياق فإنّه يجب أن يكون تصوُّرًا يبين كيف تكون لأوامر الإله شرعيّةٌ بخلاف الأوامر التي قد يصدرها غيره. بالإضافة إلى ذلك، إن كان الاحتكام إلى الإله سيحلّ الإشكالية الميتا-أخلاقية التي يطرحها حوار يوثيفرو، فإنّ الإجابة يجب أن لا تستند هي نفسها إلى المعايير المتعالية أو تفترضها مسبٌقًا.
3. مذاهب الطبيعانية، اللاطبيعانية، ،وما فوق الطبيعيّة
إن أحد ميزات تصوُّر غلوكون عن الأخلاق كعرفٍ فيه مصالح متبادلة هو أنّه يجعل مصدر الأخلاق وطبيعتها غير غامضين. بحسب هذا التصوّر لا تغدو الحقائق الأخلاقية أكثر إشكاليّةً من الحقائق التي عمّا هو قانوني أو مهذّب، ففي كلتا الحالتين يعتمد حكم سلوك معيّن ( أي كونُه أخلاقيًّا أو قانونيًّا أو مهذّبًا) على توافقه أو تعارضه مع معايير مختلفة تم وضعها. يوضح غلوكون كذلك لماذا يمكن للناس أن يهتموا لشأن مطالب الأخلاق (وإن كان هناك في حالاتهم الخاصة ما يغريهم لانتهاكها إذ يرون أنهم محصنون)، ففي الأعراف الأخلاقية مصالح متبادلة.
بَيد أنّ الرؤى العرفية conventionalist كرؤية غلوكون تواجه صعوبات حقيقية في التوافق مع الفكرة الشائعة القائلة إنّ المبادئ الأساسية للأخلاق هي مبادئ كونيّة، فالأعراف في نهاية الأمر هي صنائع مشروطة تختلف من مكان إلى مكان، وهي تدخل وتخرج من حيّز الوجود، وكذلك يبدو أنّ الأعراف عرضةٌ للاعتباطبية بما يمكن أن يُضعِف ادّعاءها للشرعية ما لم يُنظَر إليها (ضمنيًّا على الاقل) على أنها تحقّق معيارًا مستقلًّا عن الأعراف. يبدو أنّ مطالب عُرفٍ ما لا تعطي مسوّغًا لتلبيتها إلّا عندما يكون هذا العرف نفسه عادلًا أو معقولًا أو خيرًا بشكلٍ ما، وهذا يشير إلى أنّ القواعد والمعايير الأخلاقية المحددة مهما كانت ناتجةً عن العُرف فإنّ ادّعاءها للشرعيّة يعتمد على معايير لا تنتج عن العُرف.
بالتأكيد ليست هذه الاعتبارات حاسمة، وأولئك الذين يرون الأخلاق كنوع من العُرف لديهم طرق معقولة لمعالجة التحفّظات المذكورة، وبذلك تبقى لتلك الرؤية جاذبيّتها. مع ذلك إنّ الكثيرين –حتى ممّن يرون الاحتكام إلى العُرف ضروريًّا لفهم الأخلاق- يعنقدون أنّ التصوُّر الصحيح عن الأخلاق لا يمكن أن يكون مسألة أعراف بالكُلِّيّة[iv]، ولكنّ ذلك لا يعني أنهم يرون أنّ المعايير التي تبرّر مطالب الأعراف أو بعضِها هي أمورُ مبهمة، فبعضهم مثلًا يقول بأنّ ما يجعل عرفًا ما خيّرًا، وبذلك يبرّر مطالبه، هو مساهمته في السعادة العامة، بينما يرى غيرهم أنّ مقياس تقييم الأعراف هو في قدرتها على تعزيز مصالح كُلِّ شخصٍ على حدة، ويرى آخرون أنّ قيمة الأعراف هي في قدرتها على ضمان قبول من ينظرون إليها بإنصاف. في كل هذه التصوُّرات تكون القيمة مستقلّة عن العرف، ولكنّها مع ذلك ليست مبهمةً ميتافيزيقيٍّا، فكُلٌّ منها يصوٍّر القيمة بشكلٍ أساسيّ كجزءٍ مألوفٍ وطبيعيٍّ تمامًا من العالم. كذلك بالرغم من أنّه بناءً على هذه التصوُّرات سيكون من الصعب تأسيس ادّعاءات معيّنة عن القيمة وستكون هذه الادّعاءات جدليّةً، فإنّه مع ذلك لن تكون هناك إشكاليّةٌ في ما نحاول اكتشافه أو في ما سنعتبره دليلًا ذا صلة.
كل هذه الرؤى، بالعرفيّ منها وغير العُرفيّ، تعرّف الخصائص الأخلاقية المتعدّدة بأنّها أجزاء طبيعية وغير إشكالية من العالم، و نتيجةً لذلك تُعتَبَرُ عادةً صورةً من صور الطبيعيانيّة أو المذهب الطبيعي naturalism، وتُعتَبَرُ نقيضًا للرؤى اللاطبيعانية non-naturalist التي ترى أنّ الأخلاق تفترض أو تُلزِمُ نفسها بوجود خصائص متجاوِزةٍ لتلك التي يعترف بها العلم الطبيعي. يميّز اللاطبيعانية عبئان عليها هما أ. أن تبين كيف تنسجم الخصائص الأخلاقية مع الخصائص الطبيعية المألوفة، و ب. أن توضح كيف أننا نستطيع معرفة هذه الخصائص الأخلاقية ، أمّا الطبيعانية في المقابل فتتجنّب هذين العبئين الميتافيزيقي والإبستمولوجي.
بالرغم من ميزات الطبيعانية، فإنّه يصعب عليها تمثيل ما يعتبره الناس طبيعة الأخلاق الحقيقية، فعند القول إنّ شيئًا ما هو خيرٌ أو شرٌّ أو من الفضيلة، يبدو أننا نقول شيئًا أكثر من (أو مختلفًا عن) ما كنا لِنقوله إذا أردنا وصف الشيء من حيث امتلاكه خصائص طبيعية معيّنة، وبالاتفاق مع ذلك فإنّه لا يبدو أنّ أيّ قدرٍ من البحث التجريبي يمكنه أن يحسم سؤالًا أخلاقيًّا وَحدَه دون افتراضٍ أخلاقيٍّ مسبق.
4. الوجوب والكينونة و حُجَّة السؤال المفتوح
لقد بدا أنّ هذه النقاط كانت في بال ديفد هيوم David Hume حين رأى أنّ “يَجِبُ” (العبارة المعياريّة) لا يمكن استنتاجها من عبارة “إنّ” (الكينونة)[v]، وهناك اختلاف أساسي على ما كان يعنيه هيوم، وكذلك اختلاف أساسي عمّا إذا كان مصيبًا، ولكنّ جزءًا على الأقل من تحفّظ هيوم بدا أنّه لا يمكن لأيّ مجموعة من حقائق الواقع (ادّعاءات الكينونة) أن تستلزم ادّعاءات قيميّة (ادّعاءات وجوب)، فكما يبدو قد رأى هيوم أنّه لا يمكن للمرء أن يستنتج الثانية من الأولى إلّا إن كان لديه –بالإضافة إلى المقدّمات المتعلقة بحقائق الواقع- مقدمة قيمية واحدة على الأقل. مثلًا إن استنتج المرء من أنّ شيئًا سيئًا يحدث من حقيقة كون شخصٍ يتألّم، فهو يفترض مسبقًا على الاقل أنّ الالم سيء، وهذا الافتراض المسبق بدوره ليس يَلزَمُ عن أيِّ ادّعاء متعلّقٍ بحقائق الواقع. إن كان هيوم محقًّا، فكل حُجَّةٍ صحيحةٍ لاستنتاج قيميّ إمّا أنّها تتضمن مقدّمة قيميّةً أو تفترضها مسبقًا، وبذلك فليس لنتيجةٍ قيميّة حُجَّةٌ محايدةٌ قيميًّا.
قارب جورج إدوارد مور G.E Moore (في بدايات القرن العشرين) المسائل نفسها من ناحية أخرى، فقال بأنّه لا يمكن لأيّ تصوُّر طبيعانيّ عن الأخلاق أن يُنصِفَ حقيقة ما نفكّر فيه أو ندّعيه عندما نطلق أحكامًا أخلاقيّة [vi]. كان في بال مور مجموعةٌ من الرؤى الطبيعانية التي كانت أكثر التصوُّرات لطبيعة الأخلاق لفتًا للانتباه في ذلك الوقت، وبينما اختلفت هذه الرؤى فيما بينها على مَكمَن الخير والصواب والفضيلة والعدل، فإنّها جميعها التزمت برؤية الأخلاق كظاهرة طبيعية كُلِّيًّا ورأت أنّ الأحكام الأخلاقية مسألة تحديد صفات طبيعيّة معيّنة لأفعال أو تقاليد أو شخصيات. وفقًا لهذه الرؤى، فإنّ الخصائص الأخلاقية تتحدّد بخصائص طبيعية (مثل ما فيه لذّة، أو ما يرضي الرغبة، أو ما يتوافق مع قواعد اجتماعية معمولٍ بها).
إذ نظر مور بشكل خاص إلى الرؤى التي تعرّف الخير إمّا باللذّة أو بتحقيق الرغبة، فإنّه قال إنّ تلك الرؤى تخلط بين خاصية الخير وخاصيّةٍ أخرى قد تمتلكها الأشياء الخيّرة. وليدعم ادّعاءه فقد طرح مور اختبارًا بسيطًا، خذ أيّ تصوُّر تريده، تصوُّرًا يعرّف الخير باللذّة مثلًا، وفكّر، إن كان هناك شخصٌ يفهم المصطلحات ذات الصلة ويعرف أن شيئًا معيّنًا فيه لذّة، فهل يمكن له بشكل معقول أن يسأل عمّا إذا كان هذا الشيء خيرًا؟ يبدو أنّه يستطيع ذلك، و يبدو كذلك أنّه بسؤاله هذا لا يُظهِرُ أيّ نوعٍ من النقص أو التشوّش في الفهم. على حدّ تعبير مور، السؤال سؤالٌ مفتوح بحق، ولكن بذلك فإنّ علينا التسليم بأنّ اعتبار شيءٍ ما لذيذًا لا يطابق اعتباره خيرًا، وإلّا فإنّ التساؤل بشأن شيءٍ لذيذٍ أهو خيرٌ أم لا سيكون تساؤلًا لا معنى له، تمامًا كالتساؤل بشأن شيءٍ لذيذٍ عمّا إذا كان لذيذًا. ولكن إن كان اعتبار شيءٍ ما خيرًا مختلفًا عن اعتباره لذيذًا، فإنّه يجب لهذه التوصيفات أن تَنسِبَ خصائص مختلفة عن بعضها.
لقد أشار مور بسرعة إلى أنّ التسليم بِكَون السؤال مفتوحًا بالمعنى الذي تفترضه حُجَّتُه لا يتعارض مع احتمال اكتتشافنا أنّ كل ما فيه لذّةٌ هو في الحقيقة خيرٌ كذلك. لقد كانت نقطة مور أنّ السؤال ليس محسومًا (ليس مغلقًا) من حيث المفهوم (بينما سيكون محسومًا لو أنّ اعتبار شيءٍ خيرًا كان مجرّد مسألة اعتباره لذيذًا). ولأنّ الأسئلة المماثِلَةَ تظلّ مفتوحةً لكل الطروحات الطبيعانية الممكنة، فقد جادل مور بأنّه لا يمكن الدفاع بشكل معقولٍ عن أيٍّ من تلك الطروحات كحقيقة نظريّة، وأنّها كلها فشلت في التمثيل الدقيق لما نفكّر فيه عندما نفكّر في كون شيءٍ خيرًا.
لقد كان لحُجَّة مور أثر كبير، إذ جعلت أغلب الناس في ذلك الوقت يقطعون بها، وكنتيجةٍ لذلك فقد أُعيدَ إحياءُ اللاطبيعانية بعددٍ من الذين اشتغلوا في الميتا-أخلاق محاولين صياغة ومنهجةَ (والدفاع عن) تصوُّرات الأخلاق التي قاومت إغراء تعريف الخصائص الأخلاقية بالخصائص الطبيعية[vii]. جاء كثير من الاهتمام ممّن أصبحوا يسمّون بالبدهيّين intuitionists، للدفاع عن الفكرة القائلة بأنّ المعرفة الأخلاقية مع أنّها لا ترتكز على الحواس وعلى المعطيات التجريبية التي نجمعها، فهي بالرغم من ذلك تقف راسخة مثل معرفتنا بالرياضيات أو بالمفاهيم الأساسية (كالسببية والضرورة) التي تؤدّي دورًا مهمًّا في العلم. كثير من الكتابات في الميتا-أخلاق سلكت طريق إيجاد “رفقاء مماثلين في الذنب”، فحاولت أن تُظهِرَ أنّ اعتبار الخصائص الأخلاقية لاطبيعيةً ومؤدّيات ذلك لما نفترضه عن طبيعة الدليل الأخلاقي –إن وُجِدَ- لا تجعل الأخلاق أسوأ حالًا من أيِّ مجال معرفيّ آخر.
بَيد أنّ انتقال مور بتلك البساطة من ادّعاءات عمّا نفكّر فيه إلى طبيعة الخصائص الأخلاقية التي ننسبها إذ نفكّر في ذلك، قدّم نقطة مقاومة مهمة، فكما رأى مور فإنّ الادّعاء الأخلاقي هو تعبير عن اعتقادٍ عن الواقع (قد يكون صحيحًا أو خاطئًا) من نوع فريدٍ، وهو بالتحديد تعبير عن الاعتقاد بأنّ سلوكًا ما أو تقليدًا أو سمةً شخصيّةً تحمل خاصية كونها صوابًا أو خيرًا أو فضيلةً. يكمن التحدي (كما افترض مور) في أن نجد ما هي الخاصية التي نراها في شيءٍ عندما نعتبره صوابًا أو خيرًا أو فضيلةً، ورأى مور أنّ المكان المناسب للبحث هو في مضمون اعتقاداتنا.
بالنسبة لكثيرين، بينما يثبت سؤال مور المفتوح open question argument بالفعل أنّ التفكير الأخلاقي فريدٌ وأنّه لا يُفتَرَض التعامل معه كجزء أو قِسم من التفكير في غير المسائل الأخلاقية ، فإنّ مور كان مخطئًا في اعتباره أنّ الفرق المهم هو في طبيعة الخصائص التي نعتبر الأشياء تحملها. بالنسبة لبعض هؤلاء الناقدين، يَكمن خطأ مور في ظنّه أننا ننسب خصائص أصلًا عندما نرى شيئًا صوابًا أو خيرًا أو فضيلًا، وبالنسبة لغيرهم فإنّ خطأه يكمن في ظنّه أنّ كيفية رؤيتنا لخاصيةٍ تكشف طبيعتها الحقيقية. [viii]
ظهر أول خط من النقد بُعَيد تقديم مور حجّة السؤال المفتوح، بفلاسفة يقولون إنّنا في النفكير الأخلاقي ربما لا ننسب أيّ خصائص أصلًا.[ix] بينما أقرّوا بأنّ مور أخطأ في اعتبار الادّعاءات الأخلاقية تنسب خصائص طبيعية للأشياء، يقول أتباع المدرسة اللامعرفية non-cognitivism إنّ خطأ مور كان في ظنّه أنّ الادّعاءات الأخلاقية تَنسِب أيّ نوع من الخصائص للأشياء، وبذلك فقد كان مخطئًا أيضًا في اعتقاده أنّ للادّعاءات الأخلاقية مضمونًا تقريريًّا (خبريًّا) وأنّها تعبّر عن اعتقادات حقيقية. السؤال المفتوح مفتوح دائمًا على حدّ قولهم، لا لأنّنا ننسب خاصيّة لاطبيعيةً للأشياء عند وضع ادّعاء أخلاقي، بل لأنّنا لا ننسب أي خاصية أصلًا، فنحن لا نقول أيّ شيءٍ يحتمل الصواب والخطأ، ولا نعبّر عن اعتقاد، و إنّما نقوم بشيءٍ مختلف تمامًا؛ إنّنا نتّخذ موقفًا، أو نعبّر عن عاطفة، أو نُملي بأمر. بحسب هذه التصوّرات، تعبّر الأحكام الأخلاقية عن موقفٍ ما غير الاعتقاد، و تفتقد إلى المضمون العقليّ الذي يجعلها تحتمل الصواب والخطأ.
وجّه اللامعرفيون أنظارهم منذ البداية إلى 1. المواقف غير المعرفية التي يُعَبَّرُ عنها في الادّعاءات الأخلاقية و2. ما يقوم به الناس في وضعهم ادّعاءات أخلاقية. عند التركيز على الأولى، فإنّهم يشدّدون على أنّ العبارات الأخلاقية لا تأخذ معناها من ارتباطها باعتقادات لما عليه العالم، بل من ارتباطها بمواقف غير معرفية، كردود الفعل ممّا عليه العالم أو كرغبات لما يمكن أن يكون عليه العالم مثلًا. في تقديم تصوُّرٍ ل”معنى” العبارات الأخلاقية ، يكمن اهتمامهم في الارتباط المتعارف عليه لهذه العبارات بمواقف معيّنة. (يمكن للناس بالتأكيد أن يستخدموا عبارة أخلاقية دون أن يتخذوا الموقف المرتبط بها، ولكنّ فهمَ العبارةِ هو مسألةُ استصلاح للعبارة بأنّها مناسبة لغويًّا للتعبير عن الموقف). أمّا عند التركيز على الثانية، فإنّ اللامعرفيّين يشددون على دور اللغة الأخلاقية كأداةٍ للتأثير على الآخرين، وينصبّ اهتمامهم في كون الناس إذ يدّعون أن شيئًا ما خطأٌ أخلاقيًّا، لا يعبّرون باستمرار عن معارضتهم له وحسب، بل يطلبون من غيرهم ألّا يفعلوه كذلك، أو يحاولون إقناعهم بالامتناع عنه، أو يحاولون بطريقةٍ ما توجيه أفعالهم. تسير الفكرتان بطبيعة الحال جنبًا إلى جنب، فإن كانت الأولى صائبة فإنّ ذلك سيساعد على تفسير سبب قدرة الناس على استخدام اللغة الأخلاقية وقيامهم بذلك بالطريقة التي تتحدث عنها الفكرة الثانية. ولكن يمكن فصل الفكرتين، ويرى الكثيرون أنّ الفكرة التعبيريّة (تبعًا للمذهب التعبيري expressivism) التي تعزّزها الأولى هي في لبّ المسألة، بينما يرون أنّ التركيز على الاستخدام التوجيهيّ أو الإملائي (إملاء الأوامر) للّغة الأخلاقية هو أمر ثانوي في أحسن الأحوال.
بغض النظر عن التفاصيل، يتفق اللامعرفيون على الفكرة القائلة بأنّه يمكن للمرء أن يسلّم بلذّة شيءٍ ما، أو بكونه موضوعَ رغبة، أو بأنّه يتوافق مع قاعدة معمول بها، ولا يتخذ المرء مع ذلك موقفًا تجاهه، أو لا تكون لديه عاطفة معيّنة تجاهه، أو لا يكون لديه أيّ اهتمام في إملاء أمرٍ متعلّق به. برأيهم، إنّ السؤالَ المفتوحَ مفتوحٌ تحديدًا لأنّ المواقف التي يعبِّر عنها حُكمٌ أخلاقيّ كلها تتضمن شيئًا أكثر من مجرّد الاعتقاد باتّصافه بخصائص معيّنة (أكانت طبيعية أم لا). وفي الوقت ذاته، يتفق الطرح اللامعرفيّ مع التسليم بما ادّعاه هيوم من فجوة بين الكينونة والوجوب، فمهما كان ما يراه المرء كحقائق كينونة، لا يوجد تعارُضٌ منطقيٌّ في عدم اتخاذه موقفًا متّصلًا بها، أو عدم التعبير عن عاطفة تجاهها، أو عدم إملاء امرٍ متعلّق بها، فليست هناك علاقةُ ضرورةٍ أو تلازم بين اعتقاداتنا والمواقف الأخرى التي قد نشكّلها.
بالتأكيد إن اللامعرفيين بحاجة لأن يبيّنوا لِمَ يبدو من المعقول إلى درجة كبيرة أن نرى الأحكام الأخلاقية كتعبيرات عن الاعتقادات وكمسألة نَسبِ خصائص للأفعال والتقاليد والشحصيات، وهُم بحاجة كذلك لأن يبيّنوا لِمَ يبدو التفكير الأخلاقي خاضعًا لقواعد المنطق بشكل مناسب، في حين أنّ المواقف المختلفة التي لها دور رئيسيّ في التصوُّرات اللامعرفية تبدو خارج هذا النطاق. في مواجهة التحدي، وتحت راية “شبه الواقعية” quasi-realism، جعلت بعض الصور الجديدة من التعبيرية مشروعها الرئيس هو أن يبيّنوا على أُسُسٍ لامعرفية كيف و لِمَ تبدو على اللغة الأخلاقية سمات المعرفية والواقعية (cognitivist and realist). تبدأ هذه الرؤى بتخيُّل العالم خاليًا من الخصائص الأخلاقية ومن أناس يعتقدون بالخصائص الأخلاقية (ولكن عندهم اعتقادات أخرى)، ثمّ تُبَيِّنُ كيف يمكن أن تنشأ بشكل طبيعيٍّ ومتناسبٍ ممارسةٌ من التفكير والكلام عن الخصائص الأخلاقية والاعتقادات الأخلاقية والحقائق الأخلاقية العقلية والواقعية. الفكرة الرئيسة هي أنّنا يمكن أن نرى تفكيرنا وكلامنا الأخلاقيّين في الأساس مسألة تعبير عن مواقفنا والتزاماتنا العاطفية بما يمكن له أن يُنتِجَ كلامًا وتفكيرًا معقولَينِ في تلك الخصائص والاعتقادات والحقائق العقلية والواقعية. هناك خطوتان تحميان هذه الفكرة، أُولاهما الاعتقاد بأنّ الكلام عن الخصائص والاعتقادات والحقائق العقلية والواقعية يأتي بسهولة، فحين يعتقد المرء بحقٍّ أنّ “الكذب خطأ”، فإنّه لن يكون هناك أيّ التزامٍ إضافي في قوله “للكذب خاصيّةُ كونه خطأ” أو “أعتقد أنّ الكذب خطأ” أو ” صحيحٌ أنّ الكذب خطأ” أو “إنّ كونَ الكذب خطأً هو حقيقةٌ”. كل هذه في الواقع مجرّد طرق مختلفة لقول الشيء ذاته، وإن كان قول “الكذب خطأ” مسألة تعبير عن موقف أو التزام فكذلك هذه الطرق البديلة لقول الشيء ذاته. أما الخطوة الثانية التي تحمي شبه الواقعية فهي أنّ السؤال عن معقوليّة الخطاب المعرفي والواقعي هو في نفسه سؤال تقييميّ يمكن الحكم عليه في ضوء مواقف المرء والتزاماته. بحسب هذه الرؤية، لا يوجد معيار مستقل ل”مطابقة العالم” يمكن اختياره دون ان يكون المرء باختياره له يُعَبِّرُ عن مواقفه والتزاماته.[x]
إنّ الصورً العديدة من اللامعرفية، وبالتحديد صور التعبيرية شبه الواقعية quasi-realist expressivism، تظلّ من أكثر الطرق جاذبيةً لمقاومة المؤديات اللاطبيعانية لحُجَّةِ مور السؤال المفتوح[xi]، ولكنّها ليست الخيار الوحيد. يجادل كثيرون بأنّ حُجَّةَ مور بينما تثبت أنّ الاعتقاد بكون شيءٍ خيرًا يختلف عن الاعتقاد بكونه لذيذًا (أو موضوعَ رغبة، أو متوافقًا مع مبدأٍ معمولٍ به)، فإنّها لا تثبت أنّ كون الشيء خيرًا يختلف عن كونه لذيذًا (أو موضوع رغبة، أو متوافقًا مع مبدأٍ معمولٍ به). يشيرون إلى أنّه في نهاية الأمر يختلف الاعتقاد بأنّ سائلًا ما هو H2O عن الاعتقاد بأنّه ماء، ويمكن للمرء بشكل معقول أن يتسائل عمّا يعتبره ماءً أهو بالفعل H2O، ولكنّ ذلك لا يثبت أنّ كون الشيء ماءً يختلف عن كونه H2O، بل هو بعيد عن أن يثبت ذلك، فاختلاف الاعتقادّين لا ينتج عنه اختلافٌ في الخصائص. إذًا مع ما تثبته حُجَّةُ السؤال المفتوح، فقد يظهر أنّ تصوّرًا طبيعانيًّا لطبيعة الأخلاق قد يكون صحيحًا. لا يمكن الدفاع عن التصوُّر الطبيعاني كحقيقة نظرية وحسب، بل هو كذلك لا يمكن رفضه باعتباره تصوُّرًا يخلط بين خاصية معيّنة (الخاصية الطبيعية) وأخرى (الخاصية الأخلاقية) كما ظنّ مور. هذه الصورة من المعرفية لا تواجه مشكلةً في أن تبيّن لِمَ يبدو من المعقول أن نرى الحكم الأخلاقي تعبيرًا عن الاعتقاد ونراه مسألة نَسبِ خصائص للأفعال والتقاليد والشخصيات. بحسب هذه النوع من التصوُّرات فإنّ الأحكام الأخلاقية هي في الواقع تعبيرٌ عن الاعتقاد وهي تتضمّن نَسبَ خصائص للأفعال والتقاليد والشخصيات (مع أنّ هذا التصوُّر يرى أنّ الطبيعة الحقيقية للخاصية التي نقوم بنسبها قد تكون مفاجَئةً للبعض). كذلك تُبَيِّنُ هذه الصورة من المعرفيّة لِمَ يبدو التفكير الأخلاقي خاضعًا لقواعد المنطق بشكل مناسب: إنّه يبدو خاضعًا لقواعد المنطق لأنّه كذلك بالفعل (أي لأنّه بالفعل خاضع لها). لكن تظهر بعض المشكلات عندما يتعلّق الأمر بتفسير طبيعة التفكير الأخلاقي التي تبدو مميزةً، فإن كان اعتبار شيءٍ خيرًا أو صوابًا مسألةَ نسب خاصية طبيعية للشيء، فما الذي يفسّر الطبيعة التي تبدو مميزةً للتقكير الأخلاقي؟
يواجه المعرفيون واللامعرفيون تحدّيًا مشتركًأ، ألأ وهو توصيف طبيعة التفكير والكلام الأخلاقيّين بما يُنصِفُ طبيعتهما المميزة دون أن ينسى إدراك الصور المهمة لاتصالهما مع التفكير والكلام غير الأخلاقيّين. يسهل نسبيًّا على المعرفيّة أن تستوعب الاتصالية بين التفكير والكلام الأخلاقيّ وبين غير الأخلاقي، ولكنها تواجه تحدّيًا حقيقيًّا في تمثيل الطبيعة المميزة للتفكير والكلام الأخلاقيّين، خاصّةً عند الجمع بينها (المعرفية) وبين الطبيعانية، أمّا اللامعرفية فلا تجد صعوبةً في استيعاب الطبيعة المميزة للتفكير والكلام الأخلاقيّين، ولكنها تجد صعوبةً في استيعاب الاتصالية.
إنّ الأمر الذي كان دومًا جاذبًا في لاطبيعانية مور هو قدرتها على الجمع بين الاتصالية والافتراق في صورة متماسكة منطقيًّا. هناك متّسع على الأقل لتبيين اتصالية التفكير الأخلاقي مع غيره من التفكير من خلال التأكيد على أنّه كله مسألة نَسبِ خصائص للأشياء (وإن كانت خصائص مختلفة النوع)، وهناك مجالٌ كذلك لتحديد كون الطبيعة المميزة للتفكير الأخلاقي هي في الشرعيّة المدّعاة للخصائص التي يتم نسبها. بالتأكيد إنّ ترك المجال لاستيعاب تصوُّرٍ ليس هو تقديم تصوُّر، ومور نفسه في الحقيقة لا يقدّم الكثير من حيث تبيين الشرعية المعيارية (كما تمكن تسميتها) للخصائص الأخلاقية . على أيّ حال، إنّ الأمر الذي كان دومًا مشكلةً في طرح مور هو أنّ الصورة المتّسقة التي تنشأ منه تفترض مسبقًأ (i) وجود خصائص مشكوكٍ فيها ميتافيزيقيًّا تقع خارج العلاقة السببية، وبذلك فإنّه (ii) سيكون من الغامض تمامًا كيف يمكن أن نعرف أيّ شيءٍ عنها بثقة تامّة (أي عن هذه الخصائص إن كانت موجودةً). يحاول مور والبدهيّون الذين جاؤوا بعده معالجةَ هذه التحفّظات بطرق مختلفة، أمّا أتباع نظرية الغلط error theory في المقابل فيرون أنّ الصورة المتّسقة التي رسمها مور هي -تقريبًا على الأقلّ- التصوُّر الصحيح لما يتضمنّه التفكير والكلام الأخلاقيّين، ولكنّهم يجادلون بأنّ المؤدّيات الميتافيزيقية والإبستمولوجية الإشكاليّة لتلك الصورة تُضعِفُ معقوليّتها بحقّ، ويقولون بأنّ لدينا أسبابًا مقنعةً لرفض الافتراضات المسبقة للتفكير الأخلاقيّ.[xii]
إنّ موقف أتباع نظرية الغلط فيما يتعلّق بالتفكير الأخلاقيّ هو نظير موقف الملحد فيما يتعلّق بالتصوّرات التي عن إرادة الإله وحُكمِه، فالنقطة في كلتا الحالتين هي أنّ الأفكار في الموضوع تتضمّن سوءَ فهمٍ أو افتراضًا مسبقًا باطلًا، وأنّها لذلك لا يمكن أن تكون صائبةً. جدير بالذكر أنّ موقف من يتبع نظرية الغلط يتطلّب إثبات ادّعائين واجها مُعاكَسَةً، أوّلهما أنّ للتفكير الأخلاقيّ فعلًا الافتراضات التي يشير إليها أتباع نظرية الغلط، وثانيهما أنّ هذه الافتراضات هي كما يقول أتباع نظرية الغلط، لا يمكن الدفاع عنها عقلانيًّا. ولكن في الوقت ذاته فإن كان أيّ أحدٍ يأمل أن يدافع عن التفكير الأخلاقيّ فإنّ عليه البيّنة ليثبت أنّ افتراضات التفكير الأخلاقيّ ومؤدّياته يمكن في نهاية الأمر الدفاع عنها.
5. إبستمولوجيا الأخلاق
يحتاج أيّ شخصٍ يبتغي دفاعًا مثل ذلك أن يبيّن كيف يمكن أن نسوّغ مجموعة أحكام أخلاقية معيّنة بدل غيرها. فيما يتعلّق بالأخلاق، ما الذي يُعتَبَرُ أساسًا كافيًا للأخذ برأيِ دون الآخر؟ وما نوع الدليل الذي يمكن أن يوجد؟ إن كان هيوم ومور محقّين، فإنّه لا يمكن أن يكفي أيُّ دليلٍ يحتكم إلى اعتباراتٍ غير قيميّةٍ فقط (إلّا إن افترضنا بشكلٍ مسبقٍ مبدأَ استدلالٍ يربط المقدّمات غير الأخلاقية بالنتائج الأخلاقية). ولكن إن كان علينا أن نستند إلى مقدّمات أو مبادئ قيميّة للوصول إلى استنتاجات أخلاقيّة محدّدة من مقدّمات غير أخلاقيّة (مثل مقدّمات غير أخلاقيّة حيال أثر فعلٍ على اللذّة أو على تحقيق المصالح الإنسانية)، فإنّ السؤال يظهر، “كيف يمكن لنا أن نسوّغ المقدّمات والمبادئ الاخلاقية ؟”
اقترحت إحدى الإجابات أنّه على مستوىً مناسب من التجريد هناك مقدّمات ومبادئ يوافق الجميع عليها في الواقع، ربّما يكون منها: “القتل خاطئٌ” أو “الألم سيّءٌ” أو “يجب أن يُعامَلَ الجميع بتساوٍ”، ولكنّ ادّعاءات كهذه بالطبع لا تقدّم الكثير، فهناك أسئلةٌ تطرأ مباشرةً، فمتى يكون القتل جريمةً؟ وكيف تجب مقارنة الآلام المختلفة؟ و ما الذي يُعتَبَرُ معاملةً للناس بالتساوي؟ إنّ الادّعاءات الأخلاقية التي تُقَدَّمُ كادّعاءاتٍ يتفق عليها الجميع أو الغالبية العظمى، لا يمكن لأيٍّ منها أن يكون محدّدًا بما يكفي لاستقرارنا على رأيٍ دون الآخر بكونه مسوَّغًا أكثر.
في ضوء ذلك يمكن للمرء أن يقدّم مبدأً أكثر تحديدًا، لا كمبدأٍ يتّفق عليه الجميع بل كمبدأ يلتزم به الجميع في الحقيقة (وإن كانوا قد لا يدركون ذلك). تفتح هذه الطريقة إمكانيّة الإشارة إلى مبدأٍ غنيّ المضمون ليكون هو الأساس المسوِّغَ للأحكام الأخلاقية الاخرى، ولكنّ ذلك يتطلّب إثبات كون ذلك المبدأ مسوِّغًا بالفعل للأحكام الأخلاقية المحدّدة التي يُفتَرَضُ ان يدعمها. كذلك يجب على من ينتهج هذا الطريق أن يبرّر الادّعاء القائل بأنّ الناس في الحقيقة ملتزمون بالمبدأ أصلًا، وهذا يثير الشكّ بأنّ ادّعاء وجود مبادئ يلتزم بها الجميع إنّما ينقل الإشكالَ الأصلَ ولا يواجهه فعليًّا.
على أيّ حال، حتى وإن كانت هناك مبادئ محدّدة إلى درجةٍ مناسِبةٍ يلتزم بها الناس، وكان يمكن إثبات ذلك، وحتى إن كان يمكن إثبات أنّ تلك المبادئ (إن كانت صحيحة) تسوّغ أحكامًا أخلاقيّةً أكثر تحديدًا، فإنّه يمكن للمرء بشكل معقولٍ أن يتساءل عن حالة البناء الناتج؛ لِمَ لا نراها قلعةً في السماء، بناءً بلا أساسٍ كافٍ؟ في نهاية الأمر إنّ كونَنا نقبل بمبدأٍ ما أو نلتزم بقبوله يبدو بعيدًا عن إثبات صحّته أو صوابيّته.
يبدو أنّ أحكامنا الاخلاقية (سواءً عن حالات معيّنة أم عن مبادئ عامة) منفصلةٌ بطريقةٍ مُشكِلَةٍ عن مصادرنا المعتادة للأدلّة فيما يتعلّق بطبيعة العالم. لا نستطيع أن نرى أو نلمس أو نذوق أو نشمّ القيمة أو الصواب (الأخلاقيّ) أو الفضيلة، وإن كنّا نرى أو نلمس أو نتذوّق أو نشمّ بعض الأشياء التي تحمل قيمةً أو هي صائبةُ أو تُجَسِّدُ فضيلةً. كيف نعرف إذًا عن القيمة والصواب والفضيلة ذواتهم؟ ما هو الأساس الذي عليه نعتقد أنّ أحكامنا الأخلاقية المتعدّدة ترتبط بطريقة مناسبة مع ما تحكُمُ عليه؟
بالتأكيد ليست الأحكام الأخلاقية الأحكام الوحيدة التي تواجه تحدّيًا كهذا، فكذلك تواجه كثيرٌ من الأحكام الرياضية والصوريّة والدينيّة تحدّيًا مماثلًا، فكلّها كما يبدو تتعلّق بموضوعات غامضةِ بأشكالٍ عدّة، وغيرِ محسوسة بشكلٍ مباشر، وذلك يشكّل وجود بعض الرفقاء في الذنب، ولكنّه كذلك يعطي أملًا في أنّه إن كانت هناك تصوُّراتٌ معقولةٌ تبيّن كيف أنّنا يمكن (أو لا يمكن) أن نعرف عن الأعداد أو الاحتمالات أو الضرورة أو الإله، فإنّها ستفيد في استبصار الأدلّة التي يمكننا أن نصل إليها (إن وُجِدَ) فيما يتعلّق بالأخلاق.
يجدر التأكيد على أنّ النظريات الوصفيّة positive theories لإبستمولوجيا الأخلاق مرتبطة لا محالة بتصوّرات طبيعة الحكم الأخلاقيّ وبالافتراضات والالتزامات الميتافيزيقية لتلك التصوُّرات. حسب بعض الطروحات، ليس هناك شيءٌ لنعرفه وليست هناك حاجةٌ لنظرية إبستمولوجية أصلًا، وحسب أخرى فإن كان هناك فهمٌ للاحكام الأخلاقية بشكل صحيح، فإنّه سيَظهَرُ أنّ تسويغها هو كمثل تسويغ الأحكام الأخرى التي لدينا (أو نأمل أن تكون لدينا) إبستمولوجيا معقولة لها، فتكون إبستمولوجيا الأخلاق في اتّصالية مع النظريات الإبستمولوجيّة للمجالات الاخرى. وبالنسبة لطروحات أخرى، تتطلّب الأحكام الأخلاقية نظريةً إبستمولوجيّةً فريدةً تفهم قدرتنا على التوصّل إلى معرفة أخلاقية. ومهما يكن ما نختاره من هذه الطروحات، تَلُوح الشكوكيّة الإبستمولوجية كاحتمالٍ حقيقيّ، وفي الحالة الأولى التي مؤدّاها أن لا يوجد شيءٌ لنعرفه لا تلوح الشكوكيّة skepticism فحسب، بل تنتج بشكل حتميّ. وحتى إن استطاع المرء أن يطوّر نظرية وصفيّة لإبستمولوجيا الأخلاق تكون بحسبها المعرفة الأخلاقية ممكنة، فإنّه سيبقى صعبًا التحدّي لإثبات أنّه تم التوصل إلى معرفة.
في الوقت ذاته يبدو أنّ جزءًا كبيرًا من الأخلاق مسألة معرفةِ كيفيةٍ، أي كيف نستجيب لحاجة الآخرين، أو كيف نستجيب للتهديدات، أو كيف نتصرّف قي الحالات المختلفة، وليس بشكلٍ أساسيٍّ مسألة معرفة أنّ شيئًا ما هو الواقع. بلا شكّ إنّ التركيز على “معرفة كيف” بدلًا من “معرفة أنّ” لا يعالج الشكوكيّة تجاه الادّعاءات التي يمكن ان نقدّمها عن معرفة الكيفيات أيّها يكون مُعتَبَرًا أخلاقيًّا، ولكنّ الاهتمام بسؤالِ إلى أيّ درجةٍ يُعتَبَرُ الناس أخلاقيّين (أو لاأخلاقيّين) بحسب سلوكهم لا بحسب ما يدّعون أو يعتقدون هو أمرٌ مهمٌّ لفهم طبيعة الأخلاق وما يجب أن يغطّيه أيُّ تَصَوُّرٍ معقولٍ للمعرفة الأخلاقية .
6. الأخلاقيّات والدوافع والمسوّغات
يتّفق الجميع على أنّ من السمات التي تميز الأخلاق صلتها القريبة بالأفعال. مثلًا عند إطلاق حكمٍ أخلاقيٍّ يبدو أنّنا نقدّم ادّعاءً لو كان صحيحًا فإنّه يعطي لأحدٍ ما سببًا كافيًا للتصرّف بطريقة معيّنة أو لاتّباع حالٍ معيّن، وهذا يشكّل فرقًا مهمًّا بين الادّعاءات الأخلاقية والادّعاءات المتعلّقة باللون مثلًا، فالادّعاء بأنّ شيئًا ما أحمر وإن كان صحيحًا لا يرتبط بإعطاء أحدٍ سببًا يوجب التصرّف بطريقةٍ معيّنة أو اتّباعَ حالٍ معيّنٍ إلّا بشكلٍ مشروط، بينما إن كان شيءٌ معيّنٌ خيرًا أخلاقيًّا فيبدو أنّ الجميع لديه على الأقلِّ مسوّغٌ لكي يروّج له أو يتبعه أو يحميه أو يحترمه، إن كان يدرك أنّه خير على الأقل (قد يمكن رفض المسوِّغ أو تجاهله، ولكّنه يظلُّ مسوِّغًا). وقد اعتقد كثيرون أنّ حُكمَ المرء على شيءٍ بأنّه خير (أكان محقًّا أم لم يكن) يعني وجود دافعٍ عنده للدعوة إليه أو اتّباعه أو حمايته او احترامه (يمكن رفض الدافع كذلك أو تجاهله ولكنّه يظلّ دافعًا).
يبدو إذًا أنّ هناك ترابطاتٍ ضروريّة بين الخصائص الاخلاقية ومسوِّغات الفعل، وكذلك بين الأحكام الاخلاقية والدوافع. رأى البعض كذلك أنّ هناك ارتباطًا ضروريًّا بين الأحكام الأخلاقية و مسوّغات الفعل، بحيث أنّه حين يحكم شخصٌ بأنّ شيئًا ما خيرٌ أو صوابٌ أخلاقيًّا (أكان محقًّا أم لم يكن) فذلك يشكّل له سببًا يسوِّغ تصرّفه بطريقة معيّنة أو اتّباعه حالًا معيّنًا. ورأى آخرون أنّ هناك ارتباطًا ضروريًّا كذلك بين وجودٍ مسوَّغٍ لأحدٍ ما ليتصرّف بطريقةً ما أو يتبع حالًا ما وبين وجود دافع معيّن لدى ذلك الشخص أو قابليّته لوجود ذلك الدافع.[xiii] هذا الاقتراح الأخير القائل بانّه لا يمكن أن يكون هناك مسوّغٌ يُوجِب فعلَ شيءٍ إلّا ما يمكن أن يكون لدى المرء دافعٌ لفعله، هو قولٌ له مؤدّياته كذلك لما يمكن أن يُعتَبَرَ خيرًا، إذا كان من الضروريّ لكون شيءٍ خيرًا أن يُوجَد مسوّغٌ يوجب على المرء التصرّف بطريقةٍ معيّنة حياله.[xiv]
كُلٌّ الارتباطات الضروريّة المدّعاة جدليّةٌ، ومع ذلك كُلَّها تم اعتبارها في صلب ما يميز الأخلاق. في الوقت ذاته، تتلاءم الارتباطات المدّعاة بدرجات مختلفة مع تصوُّراتٍ مختلقة عن الأخلاق، وبعضها على الأقلّ يتعارض بشكلٍ صريحٍ مع بعض التصوُّرات عن الأخلاق، ولذا فإنّ الصور من اللامعرفيّة التي ترى الحُكمَ الأخلاقيّ مسألة تعبيرٍ عن موقفٍ دافعٍ لدى المرء يَسهُل عليها أن تبيّن الارتباط الداخليّ (إن وُجِدَ) بين إطلاق حُكمٍ أخلاقيٍّ بصدقٍ ووجود دافعٍ متناسبٍ معه لدى المرء، بينما أنّ بعض الطروحات الطبيعانيّة المعرفيّة (naturalist cognitivist)، كتلك التي تعرّف الخيريّة بالقدرة على ضمان القبول ممّن لديه علمٌ تام، يَلزَم في ضوءها أنّه يمكن لشخصٍ الحُكمُ بصدقٍ على شيءٍ بأنّه سيضمن القبول دون أن يكون لذلك الشخصِ أيُّ دافعٍ من تلك الحقيقة.[xv]
إنّ تحديد الشكل الذي يؤثّر به وجودُ فهمٍ صحيحٍ للعلاقات بين الأخلاق والمسوّغات والدوافع على تقييد وإثراء تصوُّرٍ عن الأخلاق هو أمرٌ كان ولم يزل مسألةً رئيسيّةً في الميتا-أخلاق. في الحقيقة إنّ طرح غلوكون الأصليّ بشأن طبيعة الأخلاق (الذي يعتبر الأخلاق حلًّا عُرفيًّا للمشاكل التي كنّا لنواجهها) قد تمّ تقديمه لإبداء تحفُّظٍ عن الأخلاق؛ فهي تزعم أنّها تعطي مسوّغًا للجميع، ويُفتّرّض أن تكون الفضيلة غايةً لذاتها، ويٌطلب من المرء أن يفعل الصواب لأنّه الصواب لا لأنّه ينتظر منه منفعةً، ولكن في مواجهة ما تطالب به الأخلاق أحيانًا، فإنّ هذه الإدّعاءات عن طبيعتها وقيمتها تبدو موضع شكّ. وعلى وجه التحديد، إن كانت الأخلاق (كما يعتبرها طرح غلوكون) تتكوّن من مجموعة قواعد عُرفيّة نضعها لنستفيد من ضبط الأخرين، فإنّه يبدو أنّ المسوّغ الوحيد (والدافع الوحيد) للامتثال إلى القواعد سيكون في النتائج التي نرتجيها من هذا الامتثال، وفي الحالات التي نستطيع فيها نيل المصالح دون الامتثال (عندما نضمن أنّه لن يتمّ كَشفُنا مثلًا)، لن يكون لدينا مسوَّغٌ ولا دافعٌ لعدم خرق القواعد. إذًا فإن كان مور مصيبًا بشأن طبيعة الأخلاق، فإنّ الأخلاق (إن فُهِمَت بشكلٍ صحيح) لن تعطي مسوِّغًا للاتباع إلّا للبعض، وذلك في ظروفٍ معيّنة، ولن تعطي مسوِّغًا للجميع لاتباعها في كل وقت. كذلك لن تكون الفضيلة غايةً لذاتها، ولن تكون الأخلاق في صورةٍ تجعل من المعقول لشخصٍ أن يفعل الصواب (الذي تحدّده القواعد الموضوعة) لذاته، لأنّ القيمة الوحيدة للقواعد هي في المصالح من امتثال الآخرين لها.
لقد كان هدف غلوكون الأساسيّ هو أن يأخذ من سقراط تصوُّرًا عن الأخلاق –بعكس تصوُّره هو- يسوّغ مزاعم الأخلاق. لقد افترض أنّه إن لم يكن تصوُّرٌ كهذا ليظهر فإنّ ذلك سيُضعِفُ ادّعاء الأخلاق لحقّها في إلزامنا حتى إن بقيت لدينا أسبابنا الخاصة للاستمرار في الخرافة وللعمل على امتثال الآخرين لقواعدها. ذهب جزء كبير من كتاب الجمهورية في محاولة سقراط أوّلًا وضع تصوُّرٍ لطبيعة الأخلاق (بالتحديد طبيعة العدالة)، وثانيًا للمجادلة بأنّ كون المرء أخلاقيًّا هو أمرٌ ذا قيمةٍ بغض النظر عن النتائج. في إثبات قيمة كون المرء أخلاقيًّا، كان اهتمام سقراط هو في إثبات كونه ذا قيمةٍ للشخص الأخلاقيّ، وكون صاحب الفضيلة يستفيد من فضيلته وأنّ الفضيلة لا تقتصر على الآخرين. إنّه يحاول بالتأكيد أن يثبت أنّ الأخلاقية ذات قيمةٍ للشخص الأخلاقيّ، وأنّه مهما كانت نتائج الظلم ومهما عظمت المصلحة فيه، فلن تكون لها قيمةٌ كافيةٌ لتفوق المخاسر في البعد عن الفضيلة.
إنّ تصوّر سقراط للدعائم الميتافيزيقيّة والإبستمولوجية لرؤيته (احتكامه إلى المثل الأفلاطونية الثابتة غير المادية وإلى إدراكنا العقليّ لهذه المثل) يُلزِمُه بشكلٍ جليٍّ باللاطبيعانيّة وبشيءٍ كالبدهيّة. ولكنّ تصوُّره لطبيعة العدالة ولسماتها المحدّدة -الذي يعَتَبِرُ هو أنّها تُثبِتُ قيمتها-، كلّه يحتكم إلى اعتباراتٍ متاحةٍ للطبيعانيّ كما هي متاحةٌ للّاطبيعانيّ.
على أيّ حال، لقد كان السؤال الذي يتضمنّه تَحَفُّظُ غلوكون “لِمَ عليّ أن أكون أخلاقيًّا؟” دائمًا في لُبِّ محاولات تبيين العلاقة بين الاخلاق وما هناك مسوِّغٌ لفعله.[xvi] لقد جادل البعضُ بأنّ السؤال في غير محلّه، على الأقلّ إن كان يفترض أنّه يجب وجودُ سببٍ أو مسوّغ غير أخلاقيّ لنكون أخلاقيّين، وقد رأى آخرون أنّ السؤال تُمكِنُ إجابته على أساس أنّ كَونِ فعلٍ ما واجبًا أخلاقيًّا مثلًا يَلزَمُ منه أنّ هناك مسوّغًا يوجب على المرء فعله. ورأى آخرون غيرهم أنّ السؤال يضع أهمّ تَحَدٍّ على الإطلاق لشرعيّة الاخلاق، إذ إنّ ادّعاء الأخلاق لاستحقاق التزامنا يعتمد على وجودِ مسوّغٍ يوجب علينا الامتثال لمطالبها، ولكنّ إثبات ذلك صعبٌ جدًّا.
مهما يكن الرأي الذي يتبنّاه المرء بشأن الارتباطات الموجودة (أو غير الموجودة) بين الخصائص الأخلاقية والأحكام الاخلاقية ومسوّغات الفعل والدوافع المؤثّرة، فإنّه لا يمكن لتصوُّرٍ أن يكون معقولًا كدفاعٍ عن الأخلاق إلّا إن كان يبيّن كيف و لِمَ تَجِبُ الاعتبارات الأخلاقية في التفكير العمليّ الذي ينتج عنه قرارٌ أو فِعلٌ. إنّ تبيين هذا بشكلٍ صحيح لا يتعارض -من حيث المبدأ- مع الاعتقاد بأنّ الأحكام الاخلاقية لا تشكّل دائمًا مسوّغاتٍ للفعل، وهو كذلك لا يتعارض مع القول بأنّ الاحكام الأخلاقية تفشل أحيانًا في إعطاء دافعٍ، وهي أخيرًا لا تتعارض مع الفكرة القائلة بأنّه يمكن أن يكون هناك مسوّغٌ ليفعل المرء شيئًا ليس لديه دافعٌ لفعله. بالتأكيد إنّ هذه الأقوال كُلَّها جدليّةٌ إلى حدٍّ كبير، وهي تنطوي على رفضٍ لما اعتبره آخرون حقائق ضروريّة.
7. الحرية والمسؤولية
إنّ فهم وتبيين أن كيف تَجِبُ أو تهمّ الاعتبارات الأخلاقية في التفكير العمليّ، مُهِمٌّ خاصّةً في تبيين متى وأين ولِمَ يُعتَبَرُ الناس مسؤولين عمّا يفعلونه أو لا يفعلونه، بعض هذا التبيين مسألةٌ متعلّقةٌ بالنظرية الأخلاقية، وليس مسألة ميتا-أخلاق، وهو يتضمّن معرفة ما هي الأعذار الجيّدة، والتبريرات المعقولة، والأعباء ذات الصلة. وتستند أيّ نظريّة عن المسؤولية الأخلاقية لا محالة إلى نظريّة أخلاقيّة تحديديّة.
بَيد أنّ هناك إشكالاتٍ ميتا-أخلاقية مرتبطةٌ بطرحِ تصوُّرٍ عن المسؤوليّة الأخلاقية ، وتنشأ الإشكالات بأعنف شكلٍ حين ينظر المرء في طبيعة المسؤولية وأهمّيّتها، فهل تفترض المسؤوليّة حرّيّة الإرادة؟ وإن كانت تفترضها، فمتى يُعتَبَر المرء ذا إرادةٍ حرّة؟ لا يمكن أن يكون الأمر مجرّد مسألة كَونِ إرادته ليست مُسَبَّبَةً. في نهاية الامر، إنّ شخصًا إرادته عشوائيّةُ تمامًا لا تعتمد عليه ولا على مسوّغات قيامه بالأفعال، لن يكون أكثر حرّيّةً (بالمعنى الذي نتحدث عنه) من شخصٍ يتحكم بإرادته شخصٌ آخر بشكلٍ كامل ومباشر كما يتحكم بالدُّمى مُحَرِّكُ الدُّمى. ما الذي يتطلّبه الأمر حتّى تُعتَبَرَ إرادته خاضعةً بما يكفي عليه أو على المسوّغات التي لديه؟ هل خضوعها الكافي هذا مسألة كونِ إرادته لا يتم تحديدها، أو كونِ أشياء معيّنة هي ما يحدّدها أو كونِها يتم تحديدها بطريقةٍ معينة؟ على أيّ حال، إن كان عند المرء الإرادة الحرة بالصورة التي تتطلّبها الاخلاق (مهما كانت)، فكيف لنا أن نفهم العلاقة ما بين الإرادة وما يؤثّر فيها من جهةٍ، والمُسَبِّبات السيكولوجيّة والمادّية المختلفة التي تحدّد كما يبدو السلوكَ الذي يُعتَبَرُ هو الفعل الإراديّ، من جهةٍ أخرى؟ كيف يمكن وجود فاعِلِين ذوي إرادةٍ حُرَّةٍ في عالَمٍ طبيعيٍّ؟
بما لا مفاجأة فيه، إنّ مجموعة الإجابات التي تمّ طرحها لهذه الأسئلة تغطّي طيفًا واسعًا جدًّا. يرى البعض أنّ المسؤولية الأخلاقية تتطلّب الحرّية بصورةٍ معيّنةٍ ويجادلون بأنّنا نفتقر إلى الحرّيّة بتلك الصورة، أو يقولون بدلًا من ذلك إنّنا نمتلكها أحيانًا على الأقل. ويرى آخرون أنّ الحرية لا علاقة لها بالمسؤولية، وأنّ يكفي لاعتبار الناس مسؤولِين أخلاقيًّا أن تكون إرادتهم غير محتمة. وهناك آخرون لا يعرّفون الإرادة الحرّة بإرادةٍ غير محتمة، بل بإرادةٍ محتمة يحدّدها العقل، ويقول أخرون غيرهم إنّ الفهم الصحيح للمسؤولية الأخلاقية سيُظهِرُ أنّ الأسئلة الميتافيزيقيّة بشأن طبيعة الإرادة لا علاقة لها بالمسؤولية الأخلاقية .
8. المبادئ الأخلاقية والأحكام المحدّدة
إنّ تاريخ النظرية الأخلاقية تاريخٌ من المحاولات لتعريف وصياغة (والدفاع عن) المبادئ الأخلاقية العامة التي تبيّن متى ولِمَ تُعتَبَرُ الأنواع المختلفة من الفعل والتقاليد والشخصيّات صائبةً أو خاطئةً (أخلاقيًّا)، أو عادلةً أو ظالمةً، أو فضيلةً أو رذيلةً. لقد كان الافتراض باستمرارٍ هو أنّ هناك تصوُّرًا عامًّا ومبادئيًّا عن الأخلاق ليتم تقديمه، وقد بقي هذا الفتراض بالرغم من أنّه لا يرى كثيرون أنّ أيّ مجموعةٍ من المبادئ التي نجحنا في صياغتها مناسبةٌ تمامًا. ما الذي يفسّر هذا الافتراض؟ لِمَ لا نقول –كما يقول الانصرافيّون particularists- إنّه من الممكن ألّا تكون هناك أصلًا مجموعة مبادئ عامة مناسبةً كفايةً لتضع تمييزاتٍ أخلاقيّة؟ أو لِمَ لا نعتبر –كما يعتبر الشكوكيّون- أنّ فشلنا المتكرّر في تحديد مبادئ مناسبة تمامًا يُثبِتُ أنّ الأخلاق عبارةٌ عن “كيميرا”؟ (الكيميرا حيوان أسطوريّ تأتي أجزاؤه من عدّة حيوانات).
إنّ مواجهة هذه الأسئلة يعيد المرء فورًا ومباشرةً إلى التساؤل عن طبيعة الأخلاق وعن الدور الذي يُفتَرَض أن تؤدّيه في حياة الإنسان. أيُّ شيءٍ عن طبيعةِ أو دورِ الأخلاق يَجعلُ من المعقول فكرة أنّ المبادئ العامة أساسيّةُ للأخلاق؟ لِمَ لا نفترض أنّه يمكن لحالةٍ معيّنةٍ من الوحشيّة أن تكون خاطئةً ولغيرها أن لا تكون خاطئةً، دون أن يكون هناك أساسٌ ليسوّغ التعامل معهما على أنّهما مختلفتَين؟ لِمَ هو طبيعيّ جدًّا أن نفترض أنّ هناك بالتأكيد اختلافًا آخر –كاختلافٍ في نتائجهما أو اختلافٍ في ما أدّى إلى فعل الوحشيّة- يدعم ويسوّغ الاعتقاد بأنّ إحداهما خاطئة دون الأخرى؟ لِمَ لا نفترض أنّ إحدى الحالتين صدف أنّها خاطئةٌ وصدف أنّ الأخرى ليست كذلك؟ أليس من الممكن أنّه يصدف أنّ الخصائص الأخلاقية مصنفة بطريقة عشوائية، حيث إنّه في نهاية الأمر ليس هناك ما يسوّغ كون فعلٍ معيّن له صفة أخلاقيّة معيّنة بينما أنّ فعلًا آخرَ لا يختلف عنه إلّا بالصفة الأخلاقية ، له صفة أخلاقيّة مختلفة؟ هذه الاحتمالات المقترحة ليست احتمالات حقيقيّة أبدًا كما أعتقد، فكُلٌّ منها يلزَم منه أنّ مطالب الأخلاق اعتباطيّةٌ بشكلٍ أساسيّ، بما يجعلها تتعارض مع ادّعاء الأخلاق للشرعيّة. ولكن ما الذي يمنع أن تكون الأخلاق بشكل أساسي اعتباطية؟ أظنّ أن إجابةً جيّدةً ستُبعِدُ عن الفكرة القائلة إنّ الخصائص الأخلاقية هي ببساطةٍ موجودةٌ في العالم، بشكل مستقلٍّ تمامًا عن مخاوفنا وممارساتنا. ولكنّنا نحتاج إجابةً جيّدة، ولا تُعطى إجابةٌ جيّدةُ بمجرّد أن يُقَدِّمَ المرء –إن استطاع- مجموعةً متّسقةً ومتينةٍ من المبادئ نجحت في منهجة الأحكام الأخلاقية المحدّدة للأفعال والتقاليد والشخصيّات، فلا يكمن التحدي ببساطةٍ في إثبات وجود نموذج تتبعه الأحكام الأخلاقية ة، وإنّما يكمن التحدّي في إثبات كون هذا النموذج، أي المبادئ التي تتوافق معها الأحكام الأخلاقية ، يبيّن ويسوّغ أهمّيتها.
المصادر
- Ayer, A. J., 1946. “A Critique of Ethics,” in Language, Truth and Logic, London: Gollanz, pp. 102–114.
- Blackburn, Simon, 1993. Essays in Quasi-Realism, Oxford: Oxford University Press.
- Boyd, Richard, 1988. “How to Be a Moral Realist,” in Essays on Moral Realism, edited by G. Sayre-McCord, pp. 181–228.
- Brink, David, 1989. Moral Realism and the Foundations of Ethics, Cambridge: Cambridge University Press.
- Dancy, Jonathan, 1993. Moral Reasons, Oxford: Blackwell.
- Falk, W. D., 1947. “‘Ought’ and Motivation,” in Proceedings of the Aristotelian Society, 48: 492–510
- Firth, R., 1952. “Ethical Absolutism and the Ideal Observer,” Philosophy and Phenomenological Research, 12: 317–345.
- Foot, Philippa, 1958, “Moral Beliefs,” Proceedings of the Aristotelian Society, 59: 83–104.
- –––, 1972, “Morality as a System of Hypothetical Imperatives” The Philosophical Review, 81: 305–316.
- Frankena, William, 1939. “The Naturalistic Fallacy,” Mind, 48: 464–477.
- Gauthier, David, 1986. Morals by Agreement, Oxford: Clarendon Press.
- Geach, Peter, 1964. “Assertion” Philosophical Review, 74: 449–465.
- Gibbard, Allan, 1990. Wise Choices, Apt Feelings, Cambridge: Harvard University Press.
- –––, 2003. Thinking How to Live, Cambridge: Harvard University Press.
- Hampton, Jean, 1998. The Authority of Reason, Cambridge: Cambridge University Press.
- Hare, R. M., 1952. The Language of Morals, Oxford: Oxford University Press.
- –––, 1963. Freedom and Reason, Oxford: Clarendon Press.
- Harman, Gilbert, 1975. “Moral Relativism Defended,” Philosophical Review, 84: 3–22.
- –––, 1977. The Nature of Morality, New York: Oxford University Press.
- Hobbes, Thomas, 1651. The Leviathan, Oxford: Clarendon. 1909 reprint.
- Huemer, Michael, 2005. Ethical Intuitionism, New York: Palgrave Macmillan.
- Hume, David, 1739. The Treatise Concerning Human Nature, Edited by L.A. Selby-Bigge. Oxford: Oxford University Press. (Edited by L.A. Selby-Bigge, 1888.)
- –––, 1751. An Enquiry Concerning the Principles of Morals, Edited by L. A. Selby-Bigge. Oxford: Oxford University Press. (Edited by L. A. Selby-Bigge, 1902.)
- Jackson, Frank, 1998. From Metaphysics to Ethics: A Defence of Conceptual Analysis, Oxford: Clarendon Press.
- Joyce, Richard, 2001. The Myth of Morality, Cambridge: Cambridge University Press.
- Kant, Immanuel, 1785. Grounding for the Metaphysics of Morals, Translated by James W. Ellington. Indianapolis: Hackett Publishing Company, 1993.
- Korsgaard, Christine, 1996. The Sources of Normativity, New York: Cambridge University Press.
- Mackie, J. L., 1977. Ethics: Inventing Right and Wrong, London: Penguin Books.
- McDowell, John, 1978. “Are Moral Requirements Hypothetical Imperatives?” Proceedings of the Aristotelian Society, 52: 13–29.
- –––, 1987. Projection and Truth in Ethics, Kansas: Lindley Lecture.
- McKeever, Sean, and Michael Ridge, 2006. Principled Ethics, Oxford: Oxford University Press.
- Mill, John Stuart, 1843. A System of Logic, London: John W. Parker.
- Moore, G. E., 1903. Principia Ethica, Cambridge: Cambridge University Press.
- Nagel, Thomas, 1970. The Possibility of Altruism, Oxford: Clarendon Press.
- Ogden, C. K. and I. A. Richards, 1923. The Meaning of ‘Meaning’, New York, Harcourt, Brace & World, Inc.
- Perry, R. B., 1926. General Theory of Value, New York: Longmans, Green and Co.
- Platts, Mark, 1979. “Moral Reality,” in Ways of Meaning, London: Routledge and Kegan Paul.
- Plato, Republic, Translated by G. M. A. Grube, revised by C. D. C. Reeve. Indianapolis: Hackett, 1992.
- Prichard, H. A., 1912. “Does Moral Philosophy Rest on a Mistake”, in Mind, 21: 21–37.
- Railton, Peter, 1986. “Moral Realism,” Philosophical Review, 95: 163–207.
- Ross, W. D., 1930. The Right and the Good, Oxford: Oxford University Press.
- Sayre-McCord, Geoffrey, 1988. Essays on Moral Realism, Ithaca: Cornell University Press.
- –––, 1988. “Moral Theory and Explanatory Impotence,” Midwest Studies in Philosophy, XII: 433–57.
- –––, 1991. “Being a Realist About Relativism (in Ethics),” Philosophical Studies, 61: 155–176.
- Scanlon, Thomas, 1998. What We Owe to Each Other, Cambridge, MA: Harvard University Press.
- Schroeder, Mark, 2008. Being For: Evaluating the Semantic Program of Expressivism, Oxford: Oxford University Press.
- Shafer-Landau, Russ, 2003. Moral Realism: A Defense, Oxford: Oxford University Press.
- Sinnott-Armstrong, Walter and Mark Timmons, 1996, Moral Knowledge?, Oxford: Oxford University Press.
- –––, 2006. Moral Skepticisms, Oxford: Oxford University Press.
- Smith, Michael, 1994. The Moral Problem, Oxford: Blackwell.
- Stevenson, Charles, 1937. “The Emotive Meaning of Ethical Terms,” Mind, 46: 14–31.
- –––, 1944. Ethics and Language, New Haven: Yale University Press.
- –––, 1963. Facts and Values, New Haven: Yale University Press.
- Sturgeon, Nicholas, 1985. “Moral Explanations,” in Morality, Reason, and Truth, David Copp and David Zimmerman (eds.), Totowa, N.J.: Rowman and Allanheld, pp. 49–78.
- Wedgwood, Ralph, 2007. The Nature of Normativity, Oxford: Clarendon Press.
- Williams, Bernard, 1981. Moral Luck, Cambridge: Cambridge University Press.
- –––, 1985. Ethics and the Limits of Philosophy, London: Fontana.
- Wong, David, 1984. Moral Relativity, Berkeley: University of California Press.
مصادر أخرى على الإنترنت
- Bibliography on Moral Relativism (in PDF), by Jörg Schroth (Philosophisches Seminar, Georg-August-Universität Göttingen).
- Metaethics Bibliography, by James Lenman (Philosophy Department, University of Sheffield).
ملاحظات متعلّقة بالترجمة
- فرّقت بين “اللاأخلاقيّ” بِكَونه ما يُخالف الصواب من الأخلاق، وبين “غير الأخلاقيّ” بِكَونِه ما ليس عن الأخلاق من حيث موضوعه أو ليس من ضمنها كموضوع.
- فرّقت في الترجمة بين ال”اللامعرفي” و “غير المعرفي”، فالأولى وصفٌ للقول ( أو للطرح أو للشخص.. إلخ) بِكَونِه تابعًا للمذهب اللامعرفيّ non-cognitivism، والثانية وصفٌ للأفكار والأقوال من حيث كونِها ليست خبريّةً أو تقريريّةً.
- فرّقت كذلك بين “الأخلاق” كترجمةٍ لmorality، وبين ال”الأخلاقيّات” كترجمة لmorals.
- اشتملت عبارة “المُسَوِّغ” في معناها على المبرّرات والموجِبات على حدٍّ سواء، وكان يُقصَدُ أحدهما أو كلاهما حسب السياق.
- في سياق ما تمّ ذكره في فصل “إبستمولوجيا الأخلاق”، إنّ كَون نظريّةٍ “وصفيّةً” يعني أنّها نظريّة واصفة، أي بعكس كّونِها معياريّةً، ويجب التفريق بين الوصفيّة بهذا المعنى وبين مذهب الوصفيّة descriptivism الذي يرى أنّ العبارات الأخلاقيّة تحاول وصف العالّم.
ملاحظات
[1] Sayre-McCord, Geoff, “Metaethics”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2014 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2014/entries/metaethics/>.
[i] مع أنّه جدير بالذكر أنّ الأسئلة المتعلّقة بالحريّة والمسؤولية عادةً ما تُعتَبَرُ موضوعات لسيكولوجيا الاخلاق أكثر من كونها موضوعات للميتا-أخلاق، إلّا أنّه بقدر ما تلتفت هذه الأسئلة إلى ما تفترضه المسؤولية وإلى مدى توافق هذه الافتراضات (مثلًا) مع الحتميّة determinism، فإنّ المرء يبقى في نطاق الميتا-أخلاق بالتأكيد.
[ii] انظر مثلًا كتاب آير A.J. Ayer، Language, Truth, and Logic، وكتاب ستيفنسون C.L Stevenson
The Emotive Meaning of Ethical Terms
[iii] كذلك هناك ما جادل به ليبنتز Leibniz: “في القول إنّ الأشياء ليست خيرًا وفقًا لأيّ معيار للخير بل ببساطة وفقًا لإرادة الإله، يبدو لي أنّ المرء يهدم بذلك كلّ حبّ الإله وكلّ جلاله دون أن يدرك ذلك؛ فلماذا نمجّده لما يفعل إن كان يستحق التمجيد بنفس القدر لو فعل العكس؟ أين هي عدالته وحِكمته إن كان لديه سلطة طاغية فقط، و كانت الإرادة الاعتباطيّة تحلّ محلّ المعقوليّة، وكانت العدالة كما يتفق مع تعريف الطواغيت، تكمُنُ في ما يرضي الأقوى؟ كما أنّه يبدو أنّ كُلَّ عمليّة إرادةٍ تفترض مسوّغًا لتلك الإرادة، وبالطبع إنّ هذا المسوّغ يجب أن يسبق عمليّة الإرادة.
Discourse on Metaphysics II, trans. by George R. Montgomery (Open Court, 1902).
[iv] ممّن قدّموا تصوُّراتٍ عُرفيّة عن الاخلاق: هوبز Hobbes، في The Leviathan، و هيوم Hume في A Treatise of Human Nature، وكذلك مؤخّرًا David Gauthie مثلًا، في Morals by Agreement. وقد قدّم غلوكون Glaucon صياغةً مبكّرةً في الكتاب الثاني Book II من جمهورية أفلاطون Republic
[v] انظر كتابه A Treatise of Human Nature, Book III, Part I, Section I, p. 469.
[vi] انظر كتابه Principa Ethica.
[vii] انظر – مثلًا- Ross (1930) and Huemer (2005).
[viii] يميّز الخط الأول من النقد بمن يدافعون عن صورةٍ ما من اللامعرفية non-cognitivism (مثل ستفينسون Stevenson، وآير Ayer، وهير Hare، وبلاكبيرن Blackburn، وغيبارد Gibbard)، بينما يتبنّى الثاني عادةً معرفيّون cognitivists مائلين للّاطبيعانية naturalism.
[ix] انظر: Ogden and Richards, The Meaning of ‘Meaning’ (1923)
وكذلك C. L. Stevenson (1937) and Ayer (1946).
وقد دافع جون ستيوارت ميل John Stuart Mill عن رؤيةٍ مشابهةٍ بشكل لافت في:
A System of Logic, Book VI, Chapter XII
[x] بالاستناد إلى فريجه Frege، أشار كيج Geach (1964) إلى الفكرة متحدّيًا اللامعرفيّين ليبيّنوا صحة استدلالات من مثل: “إذا كان الكذب على أخي يؤلمه، فالكذب على أخي خطأ”، “والكذب على أخي يؤلمه”، “إذًا فالكذب خطأ”.
يبدو الاستدلال صحيحًا تمامًا، ولكنّه لا يكون صحيحًا إلّا إن كانت عبارة “(هو) خطأ”، تحمل في المقدّمة الأولى نفس المعنى الذي تحمله في النتيجة، ولكن بحسب التصوُّرات اللامعرفيّة يبدو أنّها لا تحمل نفس المعنى في الحالتين، إمّا لأنّها في الحالتين لا معنى لها، أو لأنّها إن كان لها معنى (كطريقةٍ للتعبير عن موقف أو عاطفة أو إملاء أمرٍ) فهو يختلف في المقدّمة عنه في النتيجة، وذلك لأنّني في قبول المقدّمة لست بالضرورة أتّخذ أيّ موقفٍ محدّد بشأن الكذب على أخي، بينما أنّ قبول النتيجة هو بالتحديد اتّخاذٌ لموقفٍ محدّد تجاه الكذب على أخي. إذا كانت المقدّمتين تَلزَمُ منهما النتيجة كما تشير صحّة الحجّة الظاهرة، فكيف يمكن هذا إن لم تكن المقدمتين ( كما يقول المعرفيّون) تشتلزمانها بفضل الأقوال اللاتي تعبّران عنها؟
[xi] لطروحات مفصّلة من التعبيرية expressivism، انظر خصوصًا: Simon Blackburn (1993)
و Allan Gibbard (1990) and (2003)، و Mark Schroeder (2008).
[xii] انظر: J. L. Mackie (1977)، و Richard Joyce (2001).
[xiii] إنَّ الادّعاء بوجود ارتباطاتٍ ضروريّةٍ كهذه يُعتَبَرُ صورةً من صور ما أصبح يسمّى بالداخليّانيّة internalism. من الصعب تحديد سبب كون الناس يصفون الارتباطات الضروريّة ذات الصلة بأنّها “داخليّة”. قد يكون ذلك لأنّ ضرورة وجود الرابط –كالرابط مثلًا بين كون الشيء خيرًا وبين كونه مسوّغًا- يُفتَرَضُ أن تُفَسرّها فكرةُ أنّ مفهوم كون شيءٍ خيرًا يشتمل في داخله على لزوم أن يكون هذا الشيء مسوَّغًا. أو يمكن بدلًا من ذلك أن يكون السبب هو أنّ كثيرًا من الارتباطات المُفتَرَضة يُعتَقَدُ أنّها ارتباطاتُ بين أشياء داخليّةٍ في الفاعل الأخلاقيّ أو من يضع حكمًا أخلاقيًّا، أو أنّها على الأقلّ تربط بين أشياء قد تكون خارجةً عن الفاعل (ككون شيءٍ خيرًا) وأشياءٍ داخليّة فيه (ربّما كحالته من حيث الدافع). على أيّ حال، إنّ مجموعة الارتباطات مُفتَرَضة الضروريّة التي قد تم طرحها على أنّها تختصّ بالأخلاق، متعدّدةٌ كثيرًا إلى درجة أنّه من الأفضل للمرء النظر في كُلِّ طرحٍ على حدة بدلًا من مناقشة “الداخليّانيّة الأخلاقيّة” كما لو أنّها اسمٌ لرؤيةٍ واحدة.
[xiv] انظر: W. D. Falk (1947)، و Bernard Williams (1981)، و Michael Smith (1994).
[xv] يعتمد هيوم Hume (1739) بشكلٍ كبيرٍ على الارتباط بين الحكم الأخلاقيّ والدافعيّة عندما ينتقد التصوُّرات
العقلانيّة rationalist عن الأخلاق، التي لا يمكن لها –حسب قوله- أن تفسّر الأثر العمليّ للأخلاق، ولكنّه من المهم ذكر كَونِه رأى أنّ المرء يمكن له أن يدّعي حُكمًا أخلاقيًّا بصدقٍ دون أن يشعر بدافعٍ ليتصرّف وفقه.
[xvi] انظر كلام هوبز Hobbes عن المغفّل الذي “قال في نفسه أنّ وضع العهود أو عدم وضعها، والوفاء بها أو عدم الوفاء بها، ليس ضد المنطق حين يصبّ في مصلحة المرء. هو لا ينكر بذلك أنّ هناك عهودًا، وأنّها يُخلَفُ بها أحيانًا ويوفى بها أحيانًا، وأنّه يمكن وصفُ نَبذِها بالظلم ويمكن وصف حِفظِها بالعدالة، ولكنّه يشكّ أنّ الظلم –بعيدًا عن خشية الله (فالمغفّل ذاته لا يؤمن بالله)- قد يوافق ذلك المنطقَ أحيانًا، المنطق الذي يُملي على كل إنسانٍ بمصلحته، خاصّةً عندما يصبّ الظلم في مصلحته هذه، بحيث تضعه في حالةٍ لا تدعو لتجاهل الذمّ والشتم فحسب، بل لتجاهل سلطة الآخرين كذلك”.
[(1839), Part I, chapter XV.]
انظر أيضًا ملاحظة هيوم Hume بأنّ “ماكرًا عاقلًا قد يرى في بعض الأحيان أنّ فعلًا من الإثم أو الكفر سيزيد في ثروته بشكلٍ كبير دون أن يشكّل خرقًا كبيرًا في للوصائل والاتحاد المجتمعيّ. قد تكون قاعدةً عامّةً جيّدةً أنّ الصدق أفضل السبل، ولكنّها عُرضةٌ لكثير من الاستثناءات، وقد يُرى أنّ من يمتثل للقاعدة العامّة ويستغلّ كذلك استثناءاتها فهو يتصرّف بدرجةٍ عاليةٍ من الحكمة”.
[(1751) Section IX, Part II.]