مجلة حكمة
النساء المفقودات

معاودة النساء المفقودات – أمارتيا سن / ترجمة: فاطمة الشملان


يشير مفهوم “النساء المفقودات” والذي قُدم كافتتاحية كتبتها لهذه المجلة قبل 11 عاما إلى النقص الفظيع في النساء في أجزاء معتبرة من آسيا وشمال أفريقيا، والذي ينبثق من التحامل المبني على الجنس في الرعاية النسبية.1 الأرقام كبيرة جدا بالفعل. فباستخدام معيار مقارنة معدل الإناث إلى الذكور 1:022 المُلاحظ في جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى مثلا (بما أن النساء في تلك المنطقة يحظين بمعاملة أقل تحيزا)، وجدتُ أن عدد النساء المفقودات في الصين 44 مليونا و37 مليونا في الهند وهكذا دواليك، بمجموع يتجاوز في العالم 100 مليون بسهولة، وهذا قبل عقد من الزمن أو ما يقاربه. استخدم آخرون طرقا مختلفة وحصلوا على أرقام مختلفة نوعا ما – ولكنها جميعها أرقاما ضخمة جدا (نتج عن نموذج ستيفن كلاسن الديموغرافي 89 مليونا للدول محل السؤال).2

كيف مضت الأمور حديثا؟ على صعيد ما هي لم تتغير كثيرا. فمعدل النساء إلى الرجال في مجموع السكان لم يتغير جذريا على الرغم من تغيره البطيء في تلك البلدان (أسوأ قليلا في الصين وأفضل قليلا في الهند وبنغلاديش وباكستان وغرب أسيا). وعلى الرغم من أن عدد النساء المفقودات استمر في النمو (89 مليونا التي خرج بها كلاسن هي الآن 93 مليونا لنفس البلدان و101 مليونا للعالم أجمع3)، نتج هذا عن النمو المطلق للسكان بالأساس.4

بيد أن تغيرا مهما وجذريا حصل في العقد الماضي.5،6 جرت حركتان متضادتان: انخفضت وفيات النساء المحرومات بشكل معتبر، غير أنها توازنت في المقابل مع حرمان جديد للأنثى – في نسبة المواليد – عبر الإجهاض المنتقي للجنس والمستهدف للجنين الأنثى. جعلت إتاحة التقنيات الحديثة لتحديد جنس الجنين من الإجهاض المنتقي للجنس ممكنا وسهلا، وهو مستخدم بشكل واسع في العديد من المجتمعات. فبمقارنة المعدل الطبيعي لـ 95 فتاة مولودة مقابل 100 فتى (وهو المُلاحظ في أوروبا وشمال أفريقيا)، تملك سنغافورة وتايوان 92 وجنوب كوريا 88 والصين 86 فتاة لكل 100 فتى. وبأخذ النقص في تسجيل المواليد في الهند، فمن الصعب إحصاء هذا المعدل، ولكن بأخذ المعدل القريب له للفتيات مقابل الفتيان في الأطفال الصغار (أقل من 6) نجد بأن معدل الإناث إلى الذكور انخفض من 94 فتاة لكل فتى في التعداد السكاني لعام 1991 (وهو مقارب للمعدل في أوروبا وشمال أفريقيا) إلى 92.7 فتاة لكل 100 فتى في التعداد السكاني لعام 2001.

قد لا يبدو هذا الانخفاض مرتفعا (خصوصا بمقارنته مع الصين أو كوريا)، غير أنه توجد أسسا للاهتمام بالأمر. قد تكون تلك “أيام خوالٍ” ومن المحتمل أن حين يصبح تحديد جنس الجنين أكثر شيوعا سيستمر المعدل الهندي بالانخفاض. هذا محتمل جدا على الرغم من حقيقة أن البرلمان الهندي منع تحديد جنس الجنين (عدا حين يكون متطلبا طبيا) وذلك لمنع استغلاله تحديدا في الإجهاض المنتقي للجنس. ثانيا، التباينات ضممن الهند مهولة، ومتوسط كل الهند يخفي حقيقة أن في ولايات عدة – شمال وغرب الهند – معدل الإناث للذكور في الأطفال أقل بكثير من المتوسط الهندي وأقل حتى من الأرقام الصينية والكورية.

من الجدير بالاهتمام، أن الانقسام المذهل يجري عبر الهند قاسما إياها إلى نصفين متطابقين تقريبا.6،7 فباستخدام المعدلات الأوروبية للإناث مقابل الذكور في الأطفال (استخدم الرقم الألماني 94.8 للفتيات لكل 100 فتى كحد فاصل، امتلكت كل الولايات في الشمال والغرب معدلات منخفضة جدا عن الرقم المرجعي، تقودها البنجاب وهارياتا ودلهي وغوجارات (بين 79.3 و87.8 فتاة لكل 100 فتى). أما في الجهة الأخرى من الانقسام، مالت الولايات في شرق وجنوب الهند إلى امتلاك معدلات مساوية أو تتجاوز الرقم المرجعي 94.8، بقيادة كيرلا وأندهرا براديش وغرب البنغال وأسام بمعدل 96.3 و96.6 فتاة لكل 100 فتى. كانت الاستثناء الوحيد في هذا النصف هي تامل نادو بمعدل أقل بقليل من 94، غير أنه مقارب جدا للخط الأوروبي الفاصل 94.8 وأعلى بكثير من كل رقم في الولايات الشمالية والغربية.

لا يمكن شرح الحدوث المرتفع للإجهاض المحدد بالجنس في الشمال والغرب بعلة وجود مصادر طبية (لا تملك كيرلا أو غرب البنغال أقل من تلك الموجودة في بيهار أو مادهيا براديش). لا يقع الاختلاف في الخلفية الثقافية كذلك، إذ أن الهندوس والمسلمين موزعون عبر البلاد، ويحتكم سلوك كلا المجموعتين إلى النمط المحلي للمنطقة. كما لا يمكن تفسيره عبر المستوى الدخل (بما أن قائمة الولايات القاصرة تشمل الأغنى كالبنجاب وهاريانا والأفقر كذلك كمادهيا براديش وأتر براديش). ولا يمكن شرحها بالتنوع في النمو الاقتصادي (والذي يشمل غوجارات سريعة النمو وبيهار الساكنة كذلك). لا يبدو حتى تعليم الإناث البالغ الأهمية في تقليص التحامل الجنسي في الوفيات يحمل نفس التأثير في تقليل التحامل الجنسي في نسبة المواليد (كما هو جلي من القصور في الولايات ذات التعليم العالي كهيماتشال أوماهاراشترا أو غوجارات ناهيك عن الصين أو كوريا الجنوبية أو سنغافورة أو تايوان).

إن الانقسام المذهل في الهند (انقسام البلاد إلى نصفين منفصلين) مربك خصوصا. هل ثمة اختلافات متوارية في القيم الثقافية التراثية؟ هل ثمة أي أهمية ثقافية أو سياسية عميقة في حقيقة أن الأحزاب المبنية على الدين تمكنت من التفشي أكثر في الشمال والغرب تحديدا ولكن ليس في الشرق أو الجنوب؟ أيمكن رؤية دلالة بسيطة وإنما منقوصة لهذا في حقيقة أن الانتخابات العامة الأخيرة (أُقيمت 1999)، انتُخب 169 من 197 عضو برماني من الأحزاب الهندوسية اليمينية تحديدا من الولايات الشمالية والغربية؟ أم أن كل هذا محض صدفة، خصوصا وأن صعود السياسة المتمركزة حول الدين وانبثاق قتل الأجنة الإناث جديدان نسبيا في أجزاء الهند حيث غدتا شائعتان فجأة. لا نعرف الإجابة لأي من تلك الأسئلة، ولا لأخرى أكثر منها يمكن طرحها عقلانيا. يستدعي التحامل الجنسي في نسبة المواليد إلى بحث مكثف اليوم بذات الطريقة التي بُحث بها التحامل الجنسي للوفاة – المصدر السابق لـ “نساء مفقودات” – قبل عقد مضى حين حظيت بشرف كتابته في هذه الصفحات

المصدر


المراجع:

  1. Sen AK. Missing women. BMJ 1992;304: 586-7. [PMC free article] [PubMed] [Google Scholar]
  2. Klasen S. Missing women reconsidered. World Dev 1994,22: 1061-71. [Google Scholar]
  3. Klasen S, Wink C. Missing women: revisiting the debate. Feminist Econ 2003;9: 263-300. [Google Scholar]
  4. Klasen S, Wink C. A turning-point in gender bias in mortality? An update on the number of missing women. Population and Development Review 2002;28: 285-312. [Google Scholar]
  5. Sen AK. Many faces of gender inequality. New Republic 2001;(17 September): 35-40.
  6. Sen AK. Many faces of gender inequality. Frontline2001; 19 November;18:4-14. www.hinduonnet.com/fline/fl1822/18220040.htm (accessed 15 Sep 2003).
  7. Dreze J, Sen AK. India: development and participation. Delhi: Oxford University Press, 2002: 257-62.