مجلة حكمة
مجموعات الواتساب العائلية

مجموعات الواتساب العائلية: 4 قواعد اجتماعية تحتاج إلى إعادة نظر

الكاتببوعز مزراحي
ترجمةعبير الجربوع

رغم أن مجموعات الواتساب العائلية تتحول أحيانا إلى مصدر إزعاج، إلا أنه يُتوقع منا أن نكون متابعين لها طوال الوقت، ورغم أننا نشعر أحيانا بالضيق من وظائفنا، إلا أنه يُتوقع منا أن نبتسم طوال الوقت. ربما لا توجد طريقة سلوك مناسبة لكل شخص في كل موقف، فكيف لنا أن ننظم قراراتنا المتعلقة بالظروف؟ 4 عادات توضح ذلك.

     تنص المقولة الشائعة على أن “القوانين وُضعت لتُكسر“، لكن الحقيقة أن القوانين وُضعت لنتصرف وفقها بهدف تحقيق النظام. فهذه المقولة مثلا ليست استراتيجية ناجحة تُتبع إذا أردنا اتخاذ قرار أمام لافتة تمنع إشعال النار وسط الغابة، أو لافتة تمنع النزول إلى الشاطئ الصخري وقت ارتفاع المد. هذه قوانين لم توضع لكي تخرق.

     ومع ذلك، لم تُصمم القوانين بشكل متساوٍ. ورغم أنها لم توضع لتُكسر، إلا أنها أيضا لم تصمم بطريقة تخدمنا بشكل فردي كما في حالة السلامة الشخصية مثلا. كما ذكرنا، فإن القوانين وُضعت لتخلق نظاما. لكن السؤال هو أي نوع من النظام تخلق؟ ما الذي يخدمه هذا النظام؟ وما المكسب الذي يمكن الحصول عليه من الحفاظ عليها أو خرقها؟ ونظرا لأننا لا نتعامل مع أمور كتدهور الجريمة أو الفوضى العامة، فإننا لا نتحدث عن قوانين نظام تحكم مثل هذه الأمور، بل عن المفهوم العام للقانون، لا سيما الأعراف والعادات التي يُتوقع منا الحفاظ عليها بشكل غير رسمي. وصف مؤلف مدونة For The Interested  جوش سبيكتور هذا الأمر جيدًا في قائمة تضم 20 سببًا لكسر القواعد، أحد الأسباب المثيرة للاهتمام كان السبب رقم 18:

احذر من القواعد غير المكتوبة – هناك سبب لكونها لم تكتب.”

     يتوقع المجتمع منا الشيء الكثير، وهذه التوقعات تعمل عمل القوانين الحقيقية. لكن وفقا لمنظور سبيكتور، علينا أن نسأل أنفسنا متى نحافظ على حدود هذه التوقعات؟ ومتى نتجاوزها؟ إن التركيز على 4 نماذج محددة قد يُلقي ضوءًا جديدًا على طريقة تصرفنا في مواقف الحياة اليومية: طريقة التعامل مع مجموعات الواتساب ضرورية لكنها مزعجة، لماذا لا ينبغي للمرء أن يظهر التواضع دائمًا؟ ما العمل إذا كان من المتوقع منا أن نشارك مع الآخرين معلومات ليست من اهتماماتنا؟ ومتى نتوقف عن الاستماع للأصوات الخارجية التي تدعونا للخروج من دائرة الراحة؟ من هذه الحالات الخاصة نأمل أننا سنتمكن من وضع مبادئ توجيهية عامة يمكن أن تنطبق في مجالات أخرى.

1. مجموعات الواتساب وشعور الاعتزاز مؤشر على أداء اجتماعي صحي

     ربما كان ارتباط كلمة “الاعتزاز” بتصور ذهني سلبي قد علق بها بسبب الكلمات السلبية القريبة منها (الغطرسة والتباهي والغرور) وهذا ما جعلنا نتعلم أن نبتعد عنها. ولكن في حين أن هذه الكلمات قد تخلق العداء، إلا أن شعور الاعتزاز قد يخلق تأثيرًا اجتماعيًا إيجابيًا.  كتبت تايلور راشيل مايرز في BBC Future عن تجربة أظهرت أن الأشخاص الذين يشعرون بالاعتزاز يعبرون عنه بلغة جسد محددة للغاية، حتى لو كانوا مكفوفين منذ الولادة. وقد أدى هذا بالباحثين إلى استنتاج أن الاعتزاز أقل ارتباطًا بالتعلم الاجتماعي، وينبع أكثر من مصدر تطوري. وأوضحت أنه خلال حقبة الصيد والقطف، “كان من الضروري إقناع الآخرين بأن رفاهيتك أمر مهم“. وكانت طريقة القيام بذلك هي أن توضح لمن حولك ما أنت جيد فيه، وإلى أي مدى.

     ولهذا السبب، توجد رابطة وثيقة بين مستوى الاعتزاز الذي نشعر بها تجاه شيء ما، وبين درجة الأهمية التي يعلقها المجتمع عليه. مثلا، إذا كان هناك تنافس رياضي قديم بين مدينتين، فإن الفوز في المباراة النهائية بينهما، يجلب مزيدا من الاعتزاز للاعبين أكثر من الفوز على فرق أخرى. طالما أن الاعتزاز يقع في نطاق التقدير المجتمعي، فسيشكل مكونا مهما في تفاعلنا الاجتماعي، ويساعدنا على تقديم أنفسنا بصورة أصلية. “تبدأ المشكلة عندما يكون إحساسنا بالاعتزاز أكبر من القيمة الاجتماعية الحقيقية لإنجازنا.” ما يحدث بعد ذلك هو في الواقع “إعلان كاذب“. إذ أننا نلفت الانتباه كثيرا لمخرجاتنا التي قد لا تصل لمستوى المعايير التي أعلنَّا عنها، وهذا يمكن أن يسبب تأثيرا عكسيا – ويقلل الإنجاز إلى أدنى من أبعاده الفعلية. ووضحت مايرز أن المفتاح للحفاظ على الاعتزاز كشعور صحي هو “التركيز على تحصيل وتحقيق الأهداف أو الصفات النوعية، بدلاً من محاولة تحقيق الوعي نفسه“.

2. يمكن أن تكون مجموعات الواتساب العائلية أيضا نوعا من الانتباه الاضطرابي

     ننزع أحيانا إلى الخلط بين حب العائلة وقواعد السلوك المقبولة. وهذا بالتأكيد يختلف من عائلة لأخرى ومن شخص لشخص. ولكن كقاعدة – وهذا واضح جدا في المناهج التعليمية الحديثة – هناك اتجاه أُعطي فيه شعار “العائلة قبل الكل” تفسيرا يقول: إن كنا نحب عائلتنا، يجب أن نقول نعم لكل شيء. وقد أنكرت الكاتبة إليزابيث شارمان هذا المنهج في مقال في Aeon، وأشارت إلى ظاهرة محددة: مجموعات الرسائل العائلية. وعرضت مفهوم “الحمل المعرفي” الذي يصف الوضع العقلي الذي نصل إليه عندما نغرق في سلسلة مستمرة من الرسائل. إن ما يميز المجموعات العائلية هو أن التواصل مع أفرادها غالبًا ما يحتل الأولوية العالية. “التزامكم بالعائلة ينظر إليه على أنه التزام طارئ لا يمكن تجنبه، وهو ضروري أكثر من الالتزامات الأخرى، ويضيف عليكم حملا إضافيا.” لكن هل كانت النكتة التي أرسلها أبوك الآن أكثر أهمية من الموعد النهائي في العمل؟

     صحيح أن لأفراد الأسرة نوايا حسنة، لكنهم لا يعرفون دائمًا ما نفعله في الوقت الذي يراسلوننا فيه، أو أين يجب أن يكون تركيزنا، ومدى أهمية أن يبقى تركيزنا في موضوع محدد. وعندما تشدنا مجموعة الواتساب العائلية بجاذبيتها الهائلة باستمرار، قد نصل بمرور الوقت إلى الإرهاق. لهذا السبب خرجت شيرمان من مجموعة الواتساب العائلية، واقترحت على الآخرين الذين يعانون من التواصل بكثافة مرهقة، أن يتصرفوا بطريقة مماثلة، أو على الأقل أن يضعوا حدودًا لذلك.

لا يتعلق الأمر بالحب، بل بحرية الفعل. سنتبرع بكلية لأحد أفراد العائلة إن احتاج لذلك، لكن هذا لا يعني أنه يجب علينا المشاهدة والتعليق كل 10 دقائق على مقاطع فيديو موجودة على الشبكة منذ اليوم الذي تم فيه تشغيل YouTube. علاوة على ذلك، توضح شيرمان أن الباحثين يذكرون بأنه إذا كان هذا النمط موجودًا في وسط اتصالي واحد، فمن المحتمل أن الاتصال المباشر سيكون أكثر إرهاقا، وهو أمر يستحق فحصًا أكثر شمولاً. ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن الالتزام تجاه الأسرة لا يقاس بكمية الابتسامات والقلوب التي نرسلها خلال اليوم.

3. هناك أحوال يجب أن نحتفظ فيها بالمعلومات لأنفسنا

     لا يتعلق الأمر بأسرارنا الشخصية الكبيرة، ولكنه يتعلق بمنطقة يوجد بها اتجاه قوي لمشاركة المعلومات – تحقيق الهدف. سواء أكان الأمر يتعلق بمسألة شخصية مثل فقدان الوزن، أو بشيء في المجال المهني، فإننا نسمع دائما مدى أهمية الإعلان عن أهدافنا. وهذا أمر منطقي، لأن الإعلان عن أهدافنا ينشئ “عقدًا ملزمًا” مع من حولنا، ويساعد على تسخير الأشخاص لنجاحنا وإجراء العصف الذهني. ومع ذلك، تقدم إيمي رجبي على مدونة Trello، تطبيقا لإدارة المشاريع، ينصح بعدم التسرع بإظهار أهدافنا أمام الناس. وتستشهد بخمسة أسباب مدعومة بالبحث حول سبب وجوب الاحتفاظ بأهدافنا لأنفسنا في ظل ظروف معينة.

     أظهرت الدراسة الأولى أن تلقي الثناء المبكر على رغبتنا في تحقيق هدف ما قد يقلل من فرص المثابرة لتحقيق هذا الهدف. في حين أن هذا مخالف لمفهوم “العقد الاجتماعي“، إلا أنه في بعض الظروف يكون المديح بديلا لمكافأة الهدف نفسه، وبعد أن نحصل على “جرعة المدح” يكون هناك انخفاض في الدافع. وأظهرت دراسة ثانية الإشكالية في مدح الإنسان مقابل مدح عملية تحقيق الهدف. فعندما نكون في البداية، لا يوجد مدح لما نقوم به حتى الآن؛ ولذلك يمدح الآخرون الشخص نفسه، لا ما يقوم به. تبدأ المشكلة بالفشل الأول، إذ نشعر حينها أننا لا نفي بحد الثقة الذي يمنحه لنا من حولنا، وهو أمر مدمر للدوافع. الدراسة الثالثة التي تذكرها رجبي تدور حول الأشخاص بمستوى المبتدئين الذين يتخذون خطواتهم الأولى في مجال معين.

في هذه الحالة، تعمل الملاحظات السلبية كمكابح طارئة قد تؤدي إلى التخلي التام عن تحقيق الهدف. السبب الرابع للحفاظ على أهدافنا هو أن الالتزام تجاه الغرباء قد يؤدي إلى تأثير مرتد. أظهرت الدراسات أننا عندما نكون مجبرين على شرح أهدافنا لشخص ليس صديقًا مقربًا، فهذا يجعلنا غير مرتاحين. وفقًا للدراسات، إذا اخترنا استخدام أسلوب العقد، فمن الأفضل القيام بذلك بشكل وثيق مع صديق مقرب أو أحد أفراد الأسرة. وأخيرًا، عندما نعلن عن أهدافنا، من الطبيعي أن يخبرنا الناس ما يعرفونه عن هذا الموضوع، أو من يعرفونهم من الأشخاص الذين لهم علاقة بهذا الموضوع. قد نجد بهذه الطريقة أن مجالنا مشبع بالمنافسة وهذا يمكن أن يردعنا ويخرجنا من المشروع.

4. منطقة الراحة موجودة لسبب وجيه

     من الصعب التحدث عن تحقيق الأهداف دون التطرق إلى الخروج من منطقة الراحة، حيث أن أي تقدم ينطوي على الخروج منها. لكن البروفيسورة ميلودي وايلدنج من قسم علم الاجتماع في جامعة نيويورك تظن أن ترك منطقة الراحة أصبحت تعويذة تُتلى بشكل أعمى كحل لأي مشكلة في الحياة.

عالق في الحياة؟ اخرج من منطقة الراحة.

علاقاتك لا تتطور؟ اخرج من منطقة الراحة.

عالق في موقف مفاجئ؟ اخرج من منطقة الراحة.

ووفقًا لها، فإن الخروج من منطقة الراحة بشكل مكثف قد يكون له عواقب صحية، كما حدث لها. وهذه الوصية تأتي من أستاذة تعمل أيضًا كمدرب شخصي (ليس للياقة البدنية)، وهي المنطقة التي يكون فيها الخروج من منطقة الراحة هو الوصية الأولى. علاوة على ذلك، نحتاج إلى تذكير أنفسنا بأنه في بعض الأحيان يستخدم الناس هذه الحجة – “اخرج من منطقة الراحة الخاصة بك” – فقط لجعلك تفعل شيئًا يخدم منطقة الراحة الخاصة بهم.

     لذلك تطلب ويلدينغ في مقال في صحيفة الغارديان، “توقفوا عن مطالبتي بالخروج من منطقة الراحة. عندما تجاوزت حدود منطقة الراحة الخاصة بي دون إيجاد حلول وسيطة، كما يقترح خبراء القيادة، قادني ذلك مباشرة إلى التآكل.” وكشخصية لديها رغبة في التميز، كان من السهل إقناعها بالعمل بجدية أكبر، بغض النظر عن إنجازاتها التي كانت دائمًا في القمة – من المدرسة إلى الجامعة وحتى حياتها المهنية. لكنها تكتب، “بسبب الضغط على نفسي تحت عنوان “الخروج من منطقة الراحة”، فقد ضحيت بنفسي لدرجة الاستنزاف.” نتيجة لذلك، تغير تصورها لمنطقة الراحة، وبدلاً من رؤيتها كرمز للكسل والركود، فإنها تعدها منطقة محمية، حيث نمتلك فيها سيطرة عالية نسبيًا على مصيرنا. هذا لا يعني أننا يجب ألا نوسعها. ووفقا لها فإنها بدلاً من البحث باستمرار عن قلة الراحة، وجدت منطقة أخرى بجوارها مباشرةً.

يسميها عالم النفس ليف فيجوتسكي (مجال النمو القريب). تتيح مساحة الإدراك الحسي هذه […] نموًا صحيًا وتدريجيًا، بحيث يتعلم الأطفال فيها مهارات جديدة.” ويسمح البقاء في هذه المساحة بتقسيم أكثر توازناً بين السيطرة والابتكار.  فالتعلم مع ضغط أقل سيكون أكثر فعالية.

المصدر