مجلة حكمة
فلسفة اللغة من منظور نسوي

فلسفة اللغة من منظور نسوي

مدخل فلسفي شامل حول فلسفة اللغة من منظور نسوي، ناقداً للغة وفلسفتها كونها أداةً لإخفاء المرأة وجعل الذكورة هي القاعدة؛ نص مترجم لد. جينيفر سول وإيسا دياز-ليون، ترجمة: نوف العنزي، مراجعة: علي الزايد، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة. نسخة PDF


تعريف اللغة في الفلسفة النسوية

قطعت الفلسفةُ اللغويةُ في منظورها النسويّ شوطًا طويلًا في غضونِ فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ جدًا، وهو الأمرُ الذي أفضى بدوره إلى تمايزٍ بين تيارين نسويين ينظران إلى اللغةِ نظرةً متشاكسةً؛ حيث كانت السمةُ القارةُ التي تطبعُ معظمَ الأعمالِ في هذا الحقل بادئ الأمر، تتسمُ بروحٍ نقديةٍ، تدعو صراحةً إلى إعمالِ التغييرِ، إما في اللغةِ ذاتها، أوفي كيفيةِ تعاطينا مع قضايا فلسفة اللغة. ولكنّ أمدَ هذه المرحلة لم يدمْ طويلًا، وذلك بعد ظهورِ العديدِ من المناشط البحثيةِ المعتدلةِ من داخلِ الحقلِ الفلسفي النسويّ، والتي تُعنى حصرًا بالمسألةِ اللغويةِ. يناقشُ هذا المدخل ابتداءً تلك الانتقادات التي طبعتْ المرحلة الأولى من البحث النسوي في المسألة اللغوية، وذلك قبلَ الانتقالِ إلى مشاغلَ بحثيةٍ احتلتْ موقعَ الصدارةِ مؤخرًا في الحقلِ النسويّ ذي الطبيعةِ اللغويةِ. يرتكزُ الحجاجُ في هذا المدخلِ بعمومه على التقليدِ التحليلي في المباحثِ الفلسفيةِ. لتتبعِ المقاربات القارية للفلسفةِ اللغويةِ في جانبها النسويّ، انظر المداخل الخاصة بـ المقاربات النسوية والتي تتقاطع مع الفلسفة التحليلية والفلسفة القارية، وانظر أيضًا تلك المداخل التي عُنيت بالنهجِ النسويّ في تقاطعه مع البراغماتية والفلسفة القارية.

  • 1. في نقد اللغة وفلسفتها
  • .1.1الحياد المخاتل بين الجنسين
  • 1.2 إخفاء المرأة
  • 1.3 الذكورة كقاعدة
  • 1.4 الوَسْم الجنسي
  • 1.5 ترميز النظرة الذكورية للعالم
  • 1.6 جهود الإصلاح: النجاحات والقيود
  • 1.7 اللغة بوصفها ترميزا للذكورة
  • 1.8 المجاز
  • 1.9 فلسفة اللغة
  • 2. برامج البحث الإيجابية في فلسفة اللغ
  • 2.1 النسوية ونظرية أفعال الكلام
  • 2.2 حول معنى “المرأة”
  • 2.3 المشاريع التحسينية والهندسة المفاهيمي
  • 2.4 الظلم التأويلي
  • 2.5 الخطابات التعميمية
  • قائمة المراجع
  • أدوات أكاديمية
  • مصادر أخرى على الإنترنت
  • مداخل ذات صلة

في فلسفة اللغة ونقدها

1.1 الحياد المخاتل بين الجنسين

كان هناك قدر كبير من القلق النسوي بشأن الاستخدام المفترض لمصطلحات من قبيل “هو” و “الإنسان” على أنها محايدة جنسانيًا. و كما هوفي العرف الدارج، يصح اعتبار هذه المصطلحات بأن لها دلالات مخاتلة؛ فقد تأتي تارة للدلالة على معانٍ تشفُ حصرًا عن صفة الجنس، كما هو الحال في جمل من قبيل (1) و (2)؛ وقد تأتي تارة أخرى لتشف عن دلالات محايدة بين الجنسين (باللغة الإنجليزية)، كما هو الحال في الجملتين (3) و .(4)

  1. شَرِبَ الخمر.
  2. ذهب رجل إلى حانة.
  3. عندما يدلف الطالب إلى غرفة الدرس، ينبغي عليه أن يحصل على نسخة من ملخص الدرس.
  4. الإنسان كائن ينتمي إلى الرئيسيات.

ومع ذلك، فقد أشار النسويات إلى أن حتى المعاني التي يفترض فيها الحياد بين الجنسين لهذه المصطلحات، ليست في حقيقتها محايدة. وعلى سبيل المثال، تقدم كلا من جانيس مولتن (١٩٨١) وأديل مرسييه (١٩٩٥) أمثلة لا شك فيها أن المعنى المحايد بين الجنسين هو المقصود بها للوهلة الأولى، ولكن بعد التدقيق يبدو أن هذا المعنى غير موجود. ونتيجة لذلك، تبدو الجمل التالية غير صحيحة:

  • الإنسان كائن ثنائي الجنس؛ ويتفرع عن هذا التصنيف وجود الإناث.
  • من سمات الإنسان أنه يرضع أطفاله.

وعليه، فنحن هنا إزاء خطأ تصنيفي إذا ادعينا أن مفردة” الإنسان” والضمير “هو” يصح اعتبارها بأنها مصطلحات محايدة بين الجنسين. ولتجنب الوقوع في مثل هذا الخطأ التصنيفي، فإننا بحاجة إلى القيام بمزيد من العمل الدقيق بشأن معاني هذه المصطلحات وتمثلاتها في الواقع. فربما لا يكون معنى “هو” الذي يُدمغ عادة بأنه “محايد بين الجنسين” في الحقيقة محايدًا بين الجنسين، ولكنه في حقيقة الأمر يستحيلُ إلى معنى أكثر تعقيدًا.

 تقترح ميرسيه، على سبيل المثال، بالقول بأننا يجب أن نفهم الاستخدام “المحايد جنسانيًا” لكلمة “إنسان” على أنه يشير إلى إما (i) شخص أو أشخاص من جنس غير معروف؛ أو ii)) تنصرف دلالاته للذكور، أو مجموعة من الذكور والإناث. وهذا يفسر سبب كون مفردة الإنسان التي تتكرر في كل من (5) و (6) تتوافر على دلالات تستعصي على التفسير عبر كوة البداهة المحضة: بمعنى آخر، فهي لا تتلاءم مع القاعدة المطردة في الاستخدام، حيث أن استخدام هذين المصطلحين ينصرف حصريا للإشارة إلى جنس الإناث.

وبالتالي، فإن المعنى “المحايد جنسانيًا” المفترض لهذه المصطلحات لا يصح اعتباره بأنه حيادي بين الجنسين. ولكن هذا في حد ذاته، لا يُظهر وجود مشكلة في حد ذاتها على تلك الاستخدامات التي تم تصنيفها تقليديًا على أنها محايدة بين الجنسين، كما هو الحال في الجمل (3) و (4). وعليه فإنه يصح القول هنا بأن اكتشاف خطل رؤيتنا النحوية في تصنيف صفة على أنها ظرف، لن يُظهر أي خطأ في الاستخدامات الفعلية للمصطلح المعني، وهذا بدوره يشف عن حاجة أكيدة لبحث مزيد من الأسباب التي يصح إبرازها هنا للاعتراض على استخدام هذه المصطلحات.

1.2 إخفاء المرأة و فلسفة اللغة النسوية

تتجاوز الاهتمامات النسوية مجرد التصنيف، ومع هذا فقد جادل الفكر النسوي بأن ألفاظ من قبيل “هو” و “إنسان” تسهم في إخفاء المرأة – أي إخفاء أهمية المرأة وصرف الانتباه عن وجودها المحض-، وهو عين المشروع النسوي الذي يهدف في المقام الأول إلى محاربة السردية التي تسهم في إخفاء المرأة.[2] وهذا بدوره أفضى إلى القول بأن اللغة التي تجعل المرء أقل احتمالية للتفكير في المرأة، تسهم بشكل واضح في عملية الإخفاء هذه. وعلى التعيين توجد أدلة نفسية لغوية لها وجاهة، تقول بأن أولئك الذين يواجهون بجمل من قبيل (3) و (4) عبر توظيف ألفاظ من قبيل “هو” و “إنسان”، فإن أول ما يدور في خلدهم هو رسم الذكر لا الأنثى.[3] وإذا كان هذا بالفعل واقع الحال، فيصح اعتبار استخدام هذه الكلمات بأنه مساهم في عملية إخفاء المرأة؛ وهو الأمر الذي يعطي بدوره النسويات سببًا وجيهًا للاعتراض على الاستخدام “المحايد جنسانيًا” لهذه المصطلحات.

1.3 الذكورة كقاعدة

إذا كان القلق الوحيد الذي يساور المرء يتعلق بالتعتيم على وجود المرأة، فإنه سيكون من الصعب الاعتراض على بعض المصطلحات الأخرى التي تعترض عليها النسويات عمومًا: لنأخذ على سبيل المثال تلك المصطلحات المهنية والتي تختص بالنوع الاجتماعي مثل “ المديرة ” (وهي لفظة لا تزال شائعة في المملكة المتحدة، ولكن ليس الأمر بتمامه في الولايات المتحدة)، أو “السيدة الطبيبة”؛ فهذه المصطلحات لا تسهم بالتأكيد في إخفاء المرأة، ولكنها بدلا عن ذلك تلفت الانتباه إلى وجود المرأة. أضف إلى هذا، فإن هذه المصطلحات تلفت الانتباه إلى وجود المرأة في مناصب السلطة (الطبيب والمدير). ومع ذلك، فإن معظم النسويات المشتغلات بالهم اللغوي يرفضن هذه المصطلحات.

أوضَح سبب للاعتراض على ألفاظ من قبيل “المديرة” و “السيدة الطبيبة” هو أن استخدام هذه المصطلحات يبدو وكأنه قائم على فكرة أن الذكورة هي القاعدة، وأن النساء اللواتي يشغلن هذه الوظائف هن إلى حد ما نسخ محرفة عن الأطباء/ المدراء، مما يستتبع القول بأن هذا أيضًا يصح أن يكون اعتراضا رئيسيا على استخدام “هو” و “الإنسان” في سياق المعنى المحايد جنسياً السابق ذكره. قدمت مولتن (١٩٨١) شرحا لهذه المصطلحات بالمقارنة مع أسماء العلامات التجارية -مثل علاماتي “Hoover” أو “Scotch tape” اللتان أصبحتا مصطلحات عامة ترمز لنوع منتج- مفاده أن الرسالة التي تنطوي عليها هذه المصطلحات هو القول بأفضلية العلامة التجارية المعنية، أوعلى الأقل فلنقل هي القاعدة المؤسسة. وفقًا لمولتن، فإن مصطلحات من قبيل “هو” و “الإنسان” تعمل بنفس الطريقة: فهي مصطلحات خاصة بنوع الجنس الرجالي، تم توسيع استخدامها ليشمل الرجال والنساء على حد سواء. تجادل مولتن بأن هذا يحمل رسالة مفادها أن الذكورة هي القاعدة. ونتيجة لذلك، فإن استخدام هذه المصطلحات باعتبارها محايدة جنسانياً يشكل نوعاً من الإهانة الرمزية للمرأة. عارض كلا من لورنس هورن وستيفن آر كلايندلر (2000) هذه السردية، مشيرين إلى أن لفظة “الإنسان” man)) لم تنشأ ابتداء كنوع من الجنس، ثم امتدت لتشمل كلا من النساء والرجال، بل إن مبتدأها كان وصفا محايدا بين الجنسين، ومن ثم اكتسبت لاحقًا معنى محددًا للجنس فقط. وعليه، نخلص بالقول هنا بأن التسلسل الزمني لا يصح اعتباره بأنه يدعم الادعاء القائل بأن مصطلحا خاصا بالجنس قد تم توسيعه دلاليا ليشمل كلا الجنسين. ومع ذلك، يتفق كلا من هورن وكلايندلر على أن استخدام ألفاظ من قبيل “هو” و “الإنسان” باعتبارها محايدة جنسانياً، يعزز الفكرة المرفوضة بأن الرجال هم القاعدة للوجود الانساني.

1.4 الوَسْم الجنسي

تتطلب اللغة الإنجليزية مثل معظم اللغات -خلا بعض الاستثناءات-، قدرًا كبيرًا مما تسميه مارلين فري “الوسم الجنسي”[4]. وعلى سبيل المثال، فليس في مكننا استخدام الضمائر للإشارة إلى شخص معين دون معرفة جنسه، وهي سردية دمغتها فراي بالتهافت (على غرار معظم النسويات في أوائل الثمانينيات، فإن مارلين فري تضرب صفحا عن قضايا المتحولين جنسياً. كما أنها لا تأخذ بعين الاعتبار احتمالية أن تكون الضمائر مثل “هو” و “هي” مسألة تتعلق بالجندر وليس الجنس)

"إذا كُنتُ أكتب مراجعةً لكتاب، فإن استخدام الضمائر الشخصية للإشارة إلى المؤلف يتطلب حاجة مسبقة إلى معرفة ما إذا كانت الخلايا التناسلية لهذا الشخص من النوع الذي ينتج البويضات أو النوع الذي ينتج الحيوانات المنوية".[5]

تجادل فري بأن استخدام الضمير الشخصي الفردي يكاد يستحيل دون معرفة جنس الشخص محل النقاش، بل وفي كثير من الحالات يكون الجنس غير ذي صلة بالنقاش على الإطلاق. تعتبر فري هذا مثالًا على وجود ميل عام لجعل الجنس مدار نقاش دائم، دونما وجود حاجة أكيدة تستدعي ذلك، وهو صنيع تعتبره سمة أساسية لفعل التمييز على أساس الجنس. وبالإضافة إلى ذلك، تقترح فري أن الحاجة المستمرة لمعرفة الجنس والإشارة إليه تساعد على تكريس القناعة بأن الجنس يكتسب مكانة عالية الأهمية على كل الأصعدة. بالنسبة لفري، فإن هذا الصنيع يصح اعتباره بأنه عامل أساسي في إدامة هيمنة الذكور، إذ يتطلب التسليم بالسردية القائلة بهيمنة الذكور، أن يؤمن الفرد بأهمية اختلاف الرجال والنساء عن بعضهم البعض. وعليه، فإن أي شيء يسهم في تطبيع أهمية الاختلافات بين الجنسين، هو بالتالي صنيع يسهم في هيمنة الذكور.

1.5 ترميز النظرة الذكورية للعالم

يصح القول بأن السردية القائلة بأن المصطلحات التي ترمز إلى منظور ذكوري للعالم هي فكرة محيرة بادئ الأمر. هذه السردية تنطلق من مسلمة تقول بأن هناك دلالات لألفاظ مخصوصة تتمايز وفقا للتقسيم الجندري، بحيث تبدو وكأنها تقسم العالم إلى كفة تميل أكثر إلى الرجال منها إلى النساء.

أحد الأدلة الشافّة على هذا التمايز، مصطلحات من قبيل “المداعبة” و “الجنس”. فالجنس” يُفهم منه هنا على أنه ذلك الفعل المحدد الذي يتم تعريفه اتساقًا مع النشوة الجنسية التي يتمتع بها الذكور حصرا دون النساء، في حين أن الأنشطة الجنسية التي تتحصل من خلالها العديد من النساء على النشوة الجنسية ليست إلا من قبيل الحالات التي يصح اعتبارها بأنها حالات هامشية، والتي يُشار إليها عادة بمصطلحات من قبيل “المداعبة”.

وعليه، فإنه يصح اعتبار هذه المصطلحات بأنها تتأسس على منظور ذكوري للجنس (من الجدير بالذكر أن ادعاء “المنظور الذكوري” هذا لا يجب أن يرتكز على الفكرة (غير المعقولة) بأن هذا المنظور يتشاركه جميع الرجال). وعليه قد يصح القول بأن هذا المنظور قد يُؤخذ على أنه النمط السائد الذي يطبع جنس الرجال، أو فلنقل بأنه المنظور الوحيد الذي من خلاله يمكن لنا أن نحوز فهما لبعض المفاهيم، والتي لا مندوحة أن تُدرس إلا عبر كوة الجنس الذكوري.

استتباعا لهذا، فقد تكون هذه المصطلحات بمثابة حاجز كثيف أمام التواصل الدقيق، أو حتى التفكير الناجع حول النساء وتجاربهن في الجنس[6]. أحد تجليات هذا التفكير ما ذهب إليه كل من كاثرين ماكينون وسالي هاسلانجر في نقاشهم للتعريفات القانونية لـ “الاغتصاب” (من بين عدة أشياء أخرى) باعتباره ذلك الصنيع الذي يتجاوز المستوى الطبيعي من الإكراه والقسر؛ وهو فهم يبدو ملتزمًا بفكرة تقول بأن هناك مستوى معينا من القوة، يصح قبوله في العلاقات الجنسية.[7]

أحد السمات التي يصح وصم اللغات بها هو القول بأنها لا تتوافر على مصطلحات قد تهم الجنس الأنثوي؛ وعطفا على هذا، فإنه يمكن أن نخلص إلى القول بأن هذا الحال قد أسهم في تطبيع الفكرة القائلة بأن اللغة وتمثلاتها ليست إلا استجابة لرؤية ذكورية قارة. وعلى سبيل المثال، فإن مصطلحا من قبيل “التحرش الجنسي” لم يكن إلا ابتكارا نسويا حديثا، حيث أدت مداولات النساء حول تجاربهن إلى إيجاد رؤية مشتركة حول العديد من مشاكلهن، مما أفضى في نهاية الأمر إلى ابتكار مصطلح “التحرش الجنسي”. وعليه فإنه بمجرد تحديد المشكلة، عبر كوة اجتراح مصطلحات لغوية، أضحت مكافحة التحرش أسهل بكثير، وذلك إما عبر الفحص القانوني/القضائي، أومن خلال القيام بمهمة تثقيفية تستهدف عموم المستفيدين.[8] وعطفا على هذا، فإن ميراندا فريكر دمغت ثغرات من قبيل تلك التي كانت موجودة قبل اختراع مصطلح “التحرش الجنسي” بأنها شكلٌ من أشكال الظلم التأويلي.

وعلى وجه التقريب، فإن هذا الصنيع -أعني الظلم التأويلي- هو عين ما يحدث في الواقع المعاش، وليس هذا إلا عندما “يُمارس نوع من الحجب والتعمية لتجارب اجتماعية تبدو مهمة لآحاد الناس، وذلك عبر حجبها عن الفهم الجمعي في قاعدته العريضة”؛ ومأتى هذا السلوك يعود في أساسه إلى أن العدة اللسانية المفهومية في غالبها العمومي تعاني من فجوات يطال أوارها ضربا من التشكيلات المجتمعية التي يصح وصمها بأنها تعاني من حرمان التمثيل المجتمعي. هذه الثيمة انتقلت بها ميراندا فريكر في كتابها الموسوم [9] “Epistemic Injustice” “الظلم المعرفي” نقلة معرفية أعلى، حيث قامت بربطها بمسائل الأخلاق ونظرية المعرفة-التي أولتها اهتماما معتبرا- بغية حيازةٍ لبرهانٍ على وجود شكل من أشكال الظلم المعرفي الذي يلف هذه المسألة. سنعرض لنقاش كل هذا بالتفصيل في الجزء ٢.٤ من هذا المدخل.

1.6 جهود الإصلاح في فلسفة اللغة النسوية: النجاحات والقيود

يبدو أنه من السهل نسبيا القول بأنه في مكننا تمييز بعض من الإشكالات التي مررنا بها للتو، مما يستتبع القول بأنه أيضا من السهل نسبيا العمل على تصحيح بعض التشوهات، وذلك عبر كوة اجتراح مصطلحات جديدة أو إيجاد مفردات بديلة؛ وهذا عين ما ذهب إليه النشاط النسوي في نسخته اللغوية، حيث كان العمل جار على اقتراح سلسلة متنوعة من الإصلاحات، والتي تروم تصحيحا للمسألة اللغوية. [10] . واحدة من أنجع الجهود الإصلاحية التي لقيت استحسانًا كبيرا هوذلك الجهد الذي انصرف لتأطير الاستخدام المفرد لضمير الجموع المحايد جنسيا، والذي ينصرف دلالاته إلى تعيين شخص ثالث غير المتحدث والمخاطب، وذلك من قبيل قولنا “هم” -بدلاً من “هو”- كما في الجملة أدناه:

ترك شخص ما سترته    Somebody left their sweater behind =

أحد الأسباب التي قد نستحضرها هنا لشرح كنه هذا النجاح يعود إلى تاريخ المفردة “هم”. وعلى التعيين، فإن استخدام هذه المفردة يمتد إلى تاريخ طويل كما ألمحت آن بودين (1975 [1998])، حيث أن هذه المفردة قد استقرت دلالاتها، و لم تتعرض لمحكات نقدية إلا مع تباشير القرن التاسع عشر؛ ولكن رغما عن كل الجهود التي بذلها النحويون المعياريون، فقد ظل استخدامها شائعا في مدارج الكلام. لكن هذا الأمر لم يدم طويلا، حيث أضحى النحويون المعياريون أكثر الناس قبولا لها، وذلك حصرا بتأثير من المشاغل البحثية اللغوية التي تصدى لها منظرو النسوية اللغوية. ومع تصرم الأيام والسنين، أضحى استخدام مفردة “هم” بمثابة ضمير نحوي له صفة الحق المشاع الذي يحوزه المرء أيا كان جنسه، وقد يبرز حينا استخدام خيار لغوي يأخذ موقف الحياد من قبيل مفردة زي “[11] “Ze”.[12]

لكن جهود الإصلاح هذه لم تكن لتسير وفق المأمول، حيث ما فتأت المصاعب تطل برأسها، حتى عند بعض ممن اشتهروا بالعمل الكثيف حول هذه المسألة، حيث أن جهودهم لم تحقق النتائج المأمولة. وعلى سبيل المثال، تناقش سوزان إيرليش وروث كينج (1992 [1998])) قضية “الرئيس” “Chairperson”، التي تهدف إلى أن تكون بديلاً محايدًا جنسانيًا لـ “الرئيس” “Chairman” .بدلاً من ذلك، فإنه غالبًا ما يتم استخدام  “Chairperson”في العديد من الأماكن للإشارة إلى النساء اللاتي يشغلن منصب الرئيس، بينما يشار إلى الرجال باسم “Chairman”. وفقا لكل من إيرليش وكينج، فإن هذا المثال يصح استدعاؤه للقول بأن الإصلاحات المرجوة لا يمكن أن تنجح ما لم يستتبع هذا التغيير تغيرا في التوجهات المجتمعية.

على الضفة الأخرى، فإنه يصح القول بأن بعض الصعوبات عصية على الحل، وهذا عين ما ذهب إليه البحث اللساني في نسخته النسوية، الذي ألمح إلى حقيقة وجود صعوبات لا يمكن ببساطة حلّها عبر إصلاحات لغوية مجزأة، إذ أن بعض الصعوبات التي أُثيرت، تتجاوز إلى حد بعيد مسألة المصطلحات أو الثغرات الإشكالية. وللتدليل على هذا، تقدم ديبورا كاميرون أمثلة مثيرة للاهتمام حول أسلوب الكتابة الذي يعتمد الذكورة كقاعدة للانطلاق، وذلك دون اللجوء إلى مصطلحات قد يعترض عليها المرء، كما في المثال التالي الذي أوردته -صحيفة صندي تايمز-:

"يتفاقم نقص الحيوية بسبب وجود عدد قليل جدًا من الشباب الأصحاء؛ لقد ذهبوا جميعًا إلى العمل أو البحث عن عمل، تاركين وراءهم كبار السن والمعوقين والنساء والأطفال".[13]

وفقا لكاميرون، فإن استخدام عبارة من قبيل ” الشاب البالغ القادر جسديًا” ليست إلا صياغة أسلوبية تستبعد جنس النساء. علاوة على ذلك، فإن أمثلة مثل هذه -وأخرى تذكرها كاميرون- تمر دون أن يلحظها أحد، سواء من محرري الصحف أو القراء. من الواضح إذن أن هناك مشكلة، لكنها ليست مشكلة يمكن تحديدها من خلال اختيار مصطلح بعينه باعتباره مصطلحا مرفوضًا، والقول بأنه بحاجة إلى الإصلاح. وعليه فإنه يصح القول هنا بأن القضاء على استخدام اللغة الذي يأخذ الذكورة كقاعدة للانطلاق، يجب أن يتضمن إجراءات تتجاوز مسألة تغيير بعض المصطلحات أو قواعد الاستخدام.

1.7 اللغة بوصفها ترميزا للذكورة

تجادل بعض النسويات من أمثال جوليا بينيلوب وديل سبندر[14] بأن اللغة الإنجليزية بعمومها ليست إلا لغة تحمل وسم الذكورة؛ وهو ملحظٌ قيل بأنه يصدق على اللغات الأخرى. تنصرف هذه السردية إلى القول بأن اللغة الإنجليزية تحمل في ثناياها وسم الذكورة، وذلك بطريقة تشبه قولنا بأن مفردات أو مصطلحات قد تتوافر عليها لغة ما ليست إلا ذكورية بحتة؛ حيث أسهم هذا الصنيع في تبني تلك الرؤية القائلة بأن اللغة ليست إلا معنية بتكريس رؤية ذكورية قارة، وهو الأمر الذي أسهم بدوره في إخضاع النساء وإخفائهن، عبر التوسل بسردية تقول بأن الذكورة هي مناط اللغة وقاعدته. هذه السردية تؤطرها منهجية عنيت بادئ الأمر بفحص كميات كبيرة من المفردات، بغية تحديد أنماط التحيز الذكوري التي قد تحويها هذه المفردات. خلصت هذه المنهجية إلى استنتاج مفاده أن التحيز الذكوري الذي يطبع اللغة الإنجليزية واسع الانتشار، لدرجة يصعب معها القول بأن المشكلة ليست في أساسها إلا بضع كلمات، بل يصح القول بأن الصبغة الذكورية تطبع اللغة الإنجليزية بكليتها. من نافل القول بأن هذا النوع من الحجاج في سبر التحيز الذكوري في قالبه اللغوي عملية طويلة ومعقدة. من بين الحجج التي شملها هذا السبر الطويل -بالإضافة إلى ما ذكر آنفا-ما يلي:

  • القول بأن اللغة الإنجليزية تتوافر على عدد كبير من المفردات الذكورية التي تحمل في ثنايها دلالات إيجابية، وهو صنيعٌ لا مثيل له إذا استحضرنا العنصر النسائي .[15]
  • القول بأن تلك المفردات التي تتوافر دلالاتها على إشارة إلى العنصر النسائي، تحمل في طياتها صفة تبخيسية، هذا على الرغم من أن استخدام عين هذه المفردات يلفه التغيير الدلالي الذي يأخذ مأخذا إيجابيا، عندما يكون ممهورا بالعنصر الذكوري؛ وهذا الصنيع يطبع التأويلات الدلالية التي تلف على سبيل المثال كلا من مفردتي “العانس” و “الأعزب”[16].
  • (ج) القول بأن الكلمات التي تختص بالعنصر النسائي تحمل في غالبها الأعم دلالات جنسية، وهذا ضدا على تلك المفردات التي تُستدعى للإشارة إلى العنصر الرجالي؛ وهو أمر يصدق حتى على الكلمات المحايدة، خصوصا عند يتم إنزالها على العنصر النسائي.

وللتدليل على هذا، تناقش ديل سبندر، نقلاً عن جورج لايكوف[17] مفردة من قبيل “المحترف”، وتقارن بين قولنا “هو محترف” و “هي محترفة”، مشيرةً إلى أن لفظة الاحتراف هنا عندما تتساوق مع العنصر النسائي، فإن المعنى ينصرف للدلالة على صفة العهر، وهومعنى لا يكاد يستبين عندما تتماهى هذه المفردة مع العنصر الرجالي. وعليه فإنه يصح القول بأن إضفاء الطابع الجنسي على الكلمات الخاصة بالعنصر النسائي يعد مسألة بحثية محورية من لدن العديد من النسويات، واللاتي يعتبرن التشييء الجنسي عنصرًا حاسمًا -إن لم يكن جذريًا- في عدم المساواة بين النساء والرجال.[18]

ومما سبق نخلص إلى نتيجة مفادها بأن هذا الترميز الواسع الانتشار، والذي يرفد التحيز الذكوري في جانبه اللغوي -وفقًا لمنظرين مثل سبندر- هو بالضبط ما يجب أن نتوقعه، وهذا يعود في أساسه إلى أن العنصر الذكوري يتمتع -خلا بعض الحالات-بسلطة أكبر في المجتمع، مما يعزز قدرتهم وقوتهم على فرض نظرتهم على العالم عبر كوة اللغة.

"هناك تمييز جنسي يأخذ اللغة كقاعدة للانطلاق، وهو صنيع أسهم في تعزيز مكانة الذكور، الأمر الذي أدى إلى سيطرتهم على إنتاج الأشكال الثقافية".[19]

وفقا لسبندر فإن هذا التوجه يقدم دليلا -يصح اعتباره بأنه ظرفي- على أن “الذكور قد قاموا بترميز التحيز الجنسي في اللغة لتعزيز مزاعم تفوقهم”[20]؛ ولكن سبندر تعود تارة أخرى قائلة بأن هذا الدليل أبعد من أن يكون دليلا ظرفيا؛ ولدعم هذه الدعوى بعدم ظرفية توجه الترميز الذكوري للغة، انصرفت سبندر لنقاش جهود علماء النحو المعياريين. والتي اشتملت على جهود من قبيل دعاوى تقول بأن الذكور يجب أن يُدرجوا قبل الإناث، ومأتى هذا الخيار هو القول بأن “الجنس الذكري يعد جنسا أكثر قيمة”[21]؛ هذا مع استصحاب تلك الجهود التي كنا قد طرقناها آنفا، والتي تعنى بتأسيس تلك السردية التي تقول بأن الضمير “هو” يصح اعتباره بأنه ضمير محايد بين الجنسين، و الذي يمكن استدعاؤه في اللغة الإنجليزية للإشارة إلى شخص ثالث غير المتحدث و المخاطب.

وفقًا لمنظرين نسويين مثل سبندر، فإن قدرة الرجال على التحكم في اللغة تمنحهم قوة كبيرة بالفعل، و هذا عين ما قد رأيناه في نقاشنا آنف الذكر، حيث أنهم قد اجترحوا طرقا متعددة كان في استطاعتها أن تسهم في خلق فيما اصطلحنا عليه بالقول ” بذكورية اللغة”، وهي سردية تقول بإخفاء المرأة، وذلك عبر التوسل الحصري بألفاظ و مفردات من قبيل قولنا (“هو” و” الإنسان”). وإذا ضربنا الصفح عن ذكورية اللغة وذلك بالنظر حصرا في بعض الألفاظ، فإن المرء سيقف مشدوها كيف للغة بقدرتها الكليانية أن تسهم إسهاما كبيرا في إخفاء النساء و إقصاءهن. أحد دلائل هذا الصنيع يمكن أن نجده له أثرا عند الذكورية اللغوية، وسعيهم لاجتراح طرائق تجعل من الصعب على النساء أن يعبرن عن أنفسهن. وعلى سبيل المثال، فإنه عندما نفتقر إلى كلمات معينة لها القدرة على وصف تجارب مهمة للعنصر النسائي كما هو الحال مع مفهوم التحرش الجنسي، فإن النساء سيجدن صعوبة أكبر في وصف العناصر الأساسية الممثلة لوجودهن. وبالمثل، فإن هذا الحكم ينسحب على مفردات من قبيل – “المداعبة” – وهي منهجية تعمل عملها في إحداث ذلك التشويه الممنهج لتجارب النساء الحياتية، مما يفضي إلى القول بأن النساء سيواجهن صعوبة جمة في نقل حقائق حياتهن بدقة. و عليه فإنه يصح القول هنا بأننا إن ذهبنا أبعد من سبر مصطلحات محددة بعينها، وذلك عبر البحث في دهاليز اللغة، فيمكننا القول عندها بأن الافتراض السائد لن يكون إلا القول بأن النساء يلفهن الصمت إلى حد كبير، فهن عاجزات عن التعبير بدقة عن العناصر الأساسية في حياتهن، وغير قادرات على إيصال الجوانب المهمة من أفكارهن. هذه الذكورية اللغوية،كما -تقترح سبندر وآخرون -تسهم إسهاما كبيرا في تقييد عملية التفكير، وتفرض وجهة نظر ذكورية للعالم علينا جميعًا، بل و تجعل من اجتراح روئ بديلة للواقع أمرا مستحيلا، أوعلى الأقل يصعب التعبير عنها. غالبًا ما تستند هذه الحجج إلى ما يسمى بفرضية سابير-وورف[22] في الحجاج اللساني المعاصر، و ي فرضية قد صيغت بصورة غامضة للغاية، ولكن يبدو أنها ترقى تقريبًا إلى الفرضية القائلة بأن “نظرتنا للعالم تحددها هياكل اللغة الخاصة التي نتحدث بها”.[23][24]

يقترح البعض بأن سلطة الذكور على اللغة لم تسمح للرجال فقط بتشكيل الفكر، بل إن الواقع بكليته لم يسلم من هذا التشكيل الذكوري. وعلى سبيل المثال، ترى سبندر بأن الرجال قد “خلقوا اللغة والفكر والواقع”[25]، وهذه في حقيقة الأمر نسخة قوية جدًا مما أسمته هاسلانجر “بالبنائية الخطابية”.[26]، التي عرفتها بالقول بأنها منهجية:

يتم بناء الشيء فيها بشكل استطرادي بناءً على ما هو عليه، إما بسبب ما يُنسب إليه، أو بسبب ما ينسبه هو لنفسه. [27]

تجادل النسويات من أمثال سبندر وكاثرين ماكينون (1989) بأن سلطة الذكور على اللغة سمحت لهم بخلق الواقع، وهذا يعود بشكل جزئي إلى حقيقة أن تصنيفاتنا للواقع تعتمد بشكل حتمي على منظورنا الاجتماعي: “لا يوجد واقع غير جنساني أومنظور غير جنساني”، هكذا قالت هاسلانجر، وهي حجة تناولتها بالتفصيل في إسهامها عام1995)).

بشكل عام، فإن الحل الذي جرى اقتراحه هو عدم جدوى محاولة إنشاء لغة محايدة، نستطيع من خلالها أن نصور الواقع تصويرا دقيقا، وهو هدف يصح اعتباره بأنه من اللغو الذي لا فائدة من وراءه. بدلاً من ذلك، يجب أن نهدف إلى خلق واقع جديد أكثر ملاءمة للمرأة. وهذا عين ما ذهبت إليه بعض النسويات، حيث جادلن بالقول بأن الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي أن تقوم النساء بخلق لغتهن الخاصة بهن، إما عن طريق إعادة تعريف المصطلحات المستخدمة في الواقع، أو عن طريق ابتكار لغة جديدة، وما يستتبع هذا الابتكار من خلق كلمات جديدة و قواعد جديدة. بهذه الطريقة فقط -كما يقترحن- ستتمكن النساء من التحرر من قيود اللغة الذكورية والفكر الذكوري، وذلك بغية خلق سردية عولمية منافِسة، ومن ثم العمل على تحقيقها.[28] انظر لين تيريل (١٩٩٣) في مناقشة لهذه الفكرة، والتي فيها من البراعة والتعقيد الشي الكثير.

يصح القول هنا بأن الادعاءات التي أبرزنها للتو حول ذكورة اللغة الإنجليزية وأسبابها وآثارها ليست بمنأى عن الجدل، وما هذا إلا لأن أصداء التحيز الذكوري في اللغة أمر قابل للنقاش. قد نتفق هنا بأن هناك الكثير مما يدعو الفلسفة النسوية للقلق بشأن مجموعة واسعة من المصطلحات والاستخدامات المحددة، إلا أنه من غير الواضح مطلقا كيف يصح لنا أن نطوح بالادعاء بأن اللغة الإنجليزية متحيزة للذكور بمعنى شامل؛ كما أنه من غير الواضح بالضبط ما هو طبيعة هذا الادعاء. وعلى التعيين، فإن كان هذه الادعاء ينصرف إلى القول بأن كل مفردة لغوية هي بالضرورة متحيزة للذكور، فهذا ادعاء لا يمكن التسليم بمعقوليته، حيث أننا لو سلمنا بهذا، فلا مندوحة عن القول بأن مفردات من قبيل “البيانو” و ” النظائر” يلفها التحيز الذكوري. أما إذا كان الادعاء ينصرف ببساطة إلى القول بأن هناك الكثير الذي يصح الاعتراض عليه من قبل النسويات، فهذا أمر لا نزاع حوله؛ ولكن على الرغم من هذا، فإن التركيز العائم على مثل هذه الادعاءات ليس مفيدا بحد ذاته، فالفائدة تنعقد حين يتم التركيز و بكثافة على مشاكل و تعقيدات محددة بعينها، بغية إيجاد حلول ممكنة لها.[29]

وعلى هذا، فإنه يصح القول بأن القوة التي مارسها الرجال بشكل لا سبيل لإنكاره في المجتمع (وهم في ذلك متمايزون عند الحديث عن مفهوم القوة هنا) لا يستتبع بالضرورة القول بأن هذه القوة قد أحكمت سيطرتها على اللغة، فاللغة شيء يصعب التحكم به، وهذا أمر ملاحظ مشهود، كما هو صنيع أولئك الذين اجترحوا لغات كانوا قد تعلموها. وعليه فإن القوة الأساسية التي يتمتع بها الرجال حصرا دون النساء ترتبط بوضع القواميس وأدلة الاستخدام والقوانين المرعية. ومع أهمية هذه العناصر المهمة في تشكيل أفكارنا التي ترتبط بالواقع اللغوي، إلا أن القفزة المنطقية الكبرى تتمثل في تطويح الادعاء القائل بأن العنصر الذكوري يمارس تأثيرا متجاوزا على الواقع اللغوي، الأمر الذي مكنهم من “خلق اللغة والفكر والواقع”.

 لا تخلو تلك الآثار المزعومة – والتي يزعم أن للجنس الذكوري دورا في إحداثها على اللغة -من إشكالات. فلقد رأينا آنفا إشكالات تكتنف الرؤية القائلة بأن الجنس الذكوري يُعملون تأثيرهم على اللغة، و الحال الإشكالي يصدق بتمامه على تلك السردية التي تقول بأن الجنس الذكوري يتحكمون بالواقع عبر تشكيله و قولبته . وعلى التعيين، فإن قدرة النسويات على الاشتباك الواعي مع تلك الطرائق الذي يُظن بأنها مارست تعمية و اخفاء عبر كوة اللغة، يصح اعتبارها بأنها سيف مصلت على ذلك الادعاء العائم بأن الجنس الذكوري قد أعملوا سيطرتهم على الفكر [30]. و كما جادلت هاسلانجر (١٩٩٥) بشيء من التفصيل، فإن البناء الخطابي الذي قد يصيغوه تيار ما ( ولنقل الذكورية اللغوية هنا) حول الواقع لا يمكن أن يتصف بصفة الديمومة. ولكن عودا على ذي بدء، فإن وجود مفردات عينية متحيزة للجنس الذكوري ما تزال تمثل إشكالا لازبا، وهو إشكال يجعل المهمة التواصلية للعنصر النسوي أمرا يكتنفه شيء من الصعوبة، خصوصا إذا نقلنا هذه الإشكالية إلى مدارات أخرى تتعلق بقضايا تنصرف إلى كيفية التواصل والتفكير حول محددات حياتية محورية في حياة العنصر النسوي [31]. هذه الإشكالات تستحيل إلى صعوبات يصح وصفها بأنها نوع من الإسكات الجزئي الذي يكتنفه ذلك التقييد الجزئي للتفكير، وقد يستحيل الأمر برمته إلى ممارسة لظلم تأويلي يقع على جنس النساء؛ كل هذه الإشكالات سنعرض لها بالتفصيل الكامل في الجزء 2.4 من هذا المدخل[32].

 و عليه يصح القول هنا بأنه إذا كانت الانتقادات المذكورة لها وجه من الصحة، فإن النساء على التحقيق لسن في حاجة إلى اجتراح لغة خاصة بهن، خصوصا بأن هذا الانتقاد قد لقي استحسانا من لدن الكثير، وماتى هذا الاستحسان هو القول بأن اجتراح لغة خاصة بالنساء ستعلب دورا كبيرا في تهميش أفكار المرأة، وهو الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى إعاقة تقدم العنصر النسوي بكليته. زد عليه فإن اجتراح لغة مشتركة نسوية خالصة تغفل حقيقة أن النساء يختلفن عن بعضهن البعض بشكل كبير[33] (انظر القسم الموسوم بالنسوية، ونقاشه عن الطيف التنوعي الذي تحضى به جنس النساء، وذلك ضمن المدخل الذي ناقش الفلسفة النسوية). وفي ختام هذا الجزء من المدخل، يصح صوغ السؤال التالي: إذا لم يكن بمقدور النساء أن يستخدمن نفس اللغة التي يستخدمها أمثالهم من الرجال، فما الداعي للافتراض بأن النساء سيتمكنون من مشاركة اللغة بنجاح؟

1.8 المجاز في فلسفة اللغة

 انصرف الاهتمام النسوي في طابعه اللغوي بقدر وافر من الجهد إلى أحد الجوانب اللغوية المهمة، و نعني بهذا الاستخدام المجازي للغة (انظر قسم النقد النسوي ومفاهيم الموضوعية في المدخل الذي يعنى بفلسفة العلم و نظرية المعرفة من منطور نسوي؛ و انظر كذلك المدخل الذي يعنى بالنهج النسوي في تقاطعه مع البراغماتية والفلسفة القارية). وعلى التعيين، كان هذا الهم البحثي منصبا على الكيفية التي يتم من خلالها استخدام الاستعارات الجندرية في الفلسفة والعلوم.[34] تقدم إميلي مارتن- (1991 [1996]) -على سبيل التمثيل- أمثلة حية في معرض نقاشها لاستخدام الاستعارات الجندرية، والتي يتم استدعاؤها لتوصيف سردية التكاثر البشري:

“في أقصى حدودها، تأخذ العلاقة الأزلية ما بين البويضة والحيوانات المنوية مظهرًا ملكيًا أو دينيًا. وعلى التعيين، يُطلق على غلاف البويضة، وصف الحاجز الواقي، وفي بعض الأحيان وسم “الرداء”، وهو مصطلح تنصرف دلالاته عادةً إلى اللباس الديني المقدس. ويقال إن البويضة لها “إكليل”، وتاج، وذلك بالتساوق مع “خلايا مصاحبة لها”. إنها مقدسة ومنعزلة ويجللها السمو، بل يصح دمغها بأنه ملكة، وذلك بالمجاراة مع صفة الملك التي حازتها نظيراتها من الحيوانات المنوية. ولكن البويضة رغم ملكوتها تتسم بصفة السلبية أيضًا، مما يستلزم القول بأنها يجب أن تعتمد على الحيوانات المنوية بحثا عن الخلاص. تشبّه كلا من جيرالد شاتن وهيلين شاتنال الدور الذي تلعبه البويضة بالدور الذي تعلبه الحسناء النائمة في القصة الأسطورية الشهيرة: “عروس نائمة تنتظر قبلة رفيقها السحرية، والتي بدورها تغرس تلك الروح التي تعيدها إلى الحياة”. على النقيض من ذلك، فإن الحيوانات المنوية لديها “رسالة” يتوجب علبها الوفاء بها، وذلك حصرا عبر القيام “بالتحرك في دهاليز الجهاز التناسلي للأنثى، بحثًا عن البويضة”. تقول إحدى الروايات الشائعة أن الحيوانات المنوية تقوم “برحلة تحفها المخاطر” عابرة ذلك “الظلام الدافئ”، وهي في طريقها هذا، يسقط البعض منها “منهكين”، أما “الناجون منهم فمهمتهم الأصيلة “مهاجمة” البويضة؛ وفي ختام هذه المهمة يصح إعلان من ظفر بالجائزة الختامية، فالمرشحون الناجحون وحدهم هم من “يحيطون بالجائزة”.[35]

يصح القول هنا بإنّ رؤية التكاثر المقترحة أعلاه ليست بتلك الدقة المتوخاة، حيث أن الحيوان المنوي عادة ما يفشل في القيام بالتصرف بطريقة أحادية. بدلًا من ذلك:

"فإن الحركة الجانبية لذيل الحيوان المنوي تجعل الرأس يتحرك بشكل جانبي، وذلك بقوة تعدل حركته للأمام بعشر مرات؛ وفي الواقع، فإن أقوى حيدة له بمقدار عشرة أضعاف، إنما تكون عند حالته في وضعية الهروب، وذلك في محاولة منه لإبعاد نفسه عن البويضة".[36]

والحال ينطبق سواء بسواء عل فعل البويضة، فهي ليست بتلك السلبية: حيث تلعب الجزيئات اللاصقة الموجودة على سطحها دورًا مهمًا في التغلب على انزياح تلك الحيوانات المنوية، والتي تعمل جاهدة على إبعاد نفسها.[37] وفقا لمارتن فإن جهود العلماء كان قد شابها البطء في اكتشاف هذه الحقائق، ويرجع هذا الصنيع جزئيًا إلى الاستعارات التي استخدموها؛ وحتى عندما يستبطنون هذه الحقائق ويدركون كنهها، فإن جهودهم قد اكتنفها البطء مرة أخرى فيما يتعلق بتحديث استعاراتهم حولها. تقترح مارتن بدورها بالقول بأن القوالب النمطية الجندرية يمكن أن تضعف فهمنا للتكاثر – وذلك عبر توجيه العلماء إلى استخدام استعارات مضللة تختفي معها الحقيقة-، حيث أن استخدام القوالب النمطية الجندرية في الصور العلمية تسهم إسهاما كبيرا في تخليد الصور النمطية المُدمِرة. وعلى سبيل المثال، فإن هذه الصورة النمطية المدمرة تتضح جليا في تعزيز تلك الرؤية التي تصم الجنس الأنثوي بوسم السلبية. وعلى الرغم من هذا، فإن رؤية مارتن لم تسلم من الثلم، حيث تعقب بول جروس (1998) رؤيتها بالنقاش، ملمحا بصراحة بأن العلماء لم يكونوا بالبطء في استكناه أمر هذه السرديات كما زعمت مارتن. وعليه فإن كان جروس محقا في تقييمه، فإن الاستعارات الإشكالية لم تؤثر على عمل العلماء بالكيفية التي اقترحتها مارتن (على الرغم من أنه يصح القول بأنها فيما يبدو أنها قد أعملت تأثيرها على الكتابة الشعبية حول هذا الموضوع).

لم تنحصر استخدام الاستعارات الجندرية في قضايا عينية مخصوصة، بل أنها قد انتقلت لتشمل مستويات مختلفة من النقاشات، تستوي في ذلك المجالات الأكثر عمومية. أحد الموضوعات المهمة التي شكلت هاجسا لدى الحركة النسوية ذلك الاتجاه التاريخي الذي يسعى لوسم التصور العلمي عبر كوة سرديةٍ جندرية. واحدة من أوضح الأمثلة في هذا الباب ما سطّره فرانسيس بيكون، وهو مثال قد استفاض في نقاشه كل من إيفلين فوكس كيلر وجنيفيف لويد:

"بالنسبة إلى بيكون، يتم التعبير عن ذلك العائد المجزي الذي يزجيه العلم بأنه " فعل يقودك إلى الطبيعة برفقة جميع أطفالها، وذلك بغية القيام على خدمتك، حصرا عبر جعلها عبدة لك".[38]

إنّ الميل إلى وصف الطبيعة بمصطلحات أنثوية لا يصح وصفه بأنه أمر طارئ في عمر الزمن، بل هو فعل طويل الأمد و واسع الانتشار، وهي قضية قد تتبعتها بالتوثيق لويد .(1984) وفقا لسردية لويد هذه، فإن هذا الصنيع تؤطره سردية تسعى إلى إسباغ صفة الذكورية على كل تلك القدرات التي يؤسسها العقل و المنطق، و هذا ضدا على الصبغة الأنثوية التي يصح حصرها في باب العواطف و الأجساد. وفقا للويد، فإن هذه الاستعارات تلعب دورًا قويًا في تاريخ الفلسفة، بل إنها تشكّل -وفي أحايين كثيرة- تشوّه منظورنا عن المنطق والعقل والعاطفة والجسد، وما يستتبع هذا من آثار على منظورنا نحو الرجل والمرأة. لمزيد استقصاء حول الاستعارات الجندرية في الفلسفة، انظر (إيريجاري ١٩٧٤ [١٩٨٥أ]، ١٩٧٧ [١٩٨٥ب])، لو دوف (١٩٨٠ [١٩٩٠])، وناي (١٩٩٠،١٩٩٢).

1.9 فلسفة اللغة

انصرفت الفلسفة النسوية اللغوية في بداية نشأتها بقدر وافر من جهودها البحثية لتلك المواضيع التي تمتل إشكالا لفلسفة اللغة من وجهة نظر نسوية. كان أحد أوجه النقد هو أن فلسفة لغة ما، كالإنجليزية على سبيل المثال، تظهر تحيزًا ذكوريا لا يخفى. أما النقد الآخر فكان ببساطة ينصرف إلى القول بأن فلسفة اللغة بعمومها لا تتوافر على عدة معرفية في مكنها تحقيق أهداف نسوية إضافية؛ لم يقترح أولئك الذين يوجهون هذه الانتقادات أن نتخلى عن فلسفة اللغة بكليتها، بل بالأحرى يجب أن نستصلحها، وذلك عبر تطهيرها مما لحق بها من تحيز ذكوري، بغية تحويلها إلى نظام يمكننا من تحقيق الغايات النسوية.

يثور سؤال هنا: ما الأسباب التي تؤطر الافتراض القائل بأن فلسفة اللغة في وضعها الآني غير مناسبة لتحقيق غايات نسوية؟ كانت هناك مجموعة متنوعة من الأسباب،[39] لكن هناك خيط ناظم يجمعها يتمثل في القول بأن فلسفة اللغة هي فلسفة مفرطة في الفردانية؛ ونقد الفردانية كمفهوم فلسفي شائع معلوم في كثير من الدوائر المعرفية النسوية. في بادئ الأمر، يصح القول هنا بأن مفهوم الفردانية يختلف اختلافا كبيرا وذلك تبعا للجال الفلسفي قيد النقاش، هذا إذا استصحبنا اهتمامات الناقد التي تلقى بآثارها على استكناه هذا المفهوم. (لمزيد نقاش حول ما تعنيه النسويات بـ “الفردانية”، انظر أنتوني 1995.) وعليه، فلن نسعى هنا لتقديم مقاربة تعريفية لمفهوم الفردانية، كما هو صنيع أولئك الذين يثيرون مخاوفا من هذا القبيل. ومع ذلك، سنتولى بالنقاش ما نتعقد بأنه أس الانتقاد الذي يطبع البحث النسوي. وعلى التعيين، فإن الفكرة النقدية التي يصح إبرازها هنا تتمثل في قول البعض بأن فلسفة اللغة ترتكز بشكل مفرط على الحالات الذهنية للمتحدثين بآحادهم، وهو اهتمام ينصب بشكل رئيس على نوايا المتحدثين.[40] أحد الأمثلة المؤسسة التي أبرزتها جينيفر هورنزبي لهذا الاتجاه يتمثل في إسهام هربرت بول جرايس؛ وهو إسهام يصح وصفه بأن مهمته الرئيسية هو تحليل المعنى التي يجترحه المتحدث، و الذي يتأسس هو بدوره على سردية تتأخذ من النوايا كنقطة للانطلاق ( هذا إذا استدركنا بالقول بأن تحليل جرايس لمعنى الجملة لا يتأسس حصرا على نوايا المتحدثين، بل يتضمن بحث عناصر اجتماعية، و الذي يستلزم بدوره القول بأن وجود كلا من المتحدث و المستمع ضروري لتحقيق مفهوم كان قد سكّه غرايس، و أطلق عليه وسم    ” الاقتضاء التخاطبي”. (لمزيد نقاش حول هذه المسألة، انظر (Saul 2002))، ومن جانب آخر، فإن مفهوم الدلالة عند البعض ينصرف إلى مفهوم الإحالة الذي يتحقق في حال صدقه على أفراد بعينهم [41]؛ وهي مسألة تتأسس على مفهوم الصدق كما عند تارسكي (انظر تارسكي 1956؛ او انظر أيضًا المدخل الذي يعنى بتعريفات تارسكي حول مفهوم الصدق؛ و إسهامات اللساني/المنطقي ريتشارد مونتيغايو (توماسون 1974).

 هذه النسخة بعينها من الفلسفة الفردانية لم تسلم من الثلم، وذلك لعدة أسباب. واحدة من أبرز النقودات الموجهة هو القول بأن هذا النوع من الفردانية يطبعه تفكير ذكوري خالص، حيث يميل الرجال وفقا إلى هذه السردية، إلى إزجاء الاهتمام للأفراد بأعيانهم وآحادهم؛ و هذا ضدا على صنيع العنصر الأنثوي التي تنصرف اهتماماته إلى قضايا من قبيل التواصل والعلاقات. وعليه، فإن هذه الممايزة التي تحدثها هذه الفلسفة الفردانية للغة يصح اعتبارها بأنها طريقة ذكورية في التفكير في العالم. ولكي تكون فلسفة اللغة عادلة في رد النصاب المستحق لتجارب الرجل والنساء واستخداماتهم للغة، فيتوجب على هذه الفلسفة أن تسد النقص الذي يلف الفلسفة الفردانية في جانبها الذكوري، أو أن تستبدلها بنسخة أكثر ملاءمة للتفكير الأنثوي[42]. وكما لاحظت هاسلانجر (2000) وآخرون، فإن الادعاءات التي تؤطر عملية التفكير لكل من الذكور والإناث ليست من قبيل الدعاوى القوية التي يأنس بها الباحث؛ زد على هذا، فإن أي محاولة لإبراز تعميمات علمية حول النساء وتفكيرهن باعتبارهن كتلة واحدة ليس بالأمر الموثوق، بل هو أمر يلفه الشك والريبة”.[43]

لا تعتمد الاعتراضات الأخرى على الفردانية على مزاعم نفسية مثيرة للجدل، حول الاختلافات بين النساء والرجال. عوضا عن هذا، فإن الهم النسوي يرى بأن المشكلة الحقيقية في الفردانية تكمن في فشلها في تقدير أهمية المجتمع، وهذا أمر مفهوم، حيث يعد المجال الاجتماعي -بطبيعة الحال- مجالا مهما يستدعي القلق عند مناقشة السياسة وعلاقات القوة. وعلى التعيين، فإن فهم كيفية سيطرة الناس على بعضهم البعض، وكيف تعمل هذه الهيمنة بالضبط، هي مشاريع مهمة للنسويات. فاللغة بادئ الرأي جزء مهم في المجال الاجتماعي، حيث أن فهم الأدوار التي تلعبها اللغة في التواصل والتلاعب والسيطرة (على سبيل المثال لا الحصر) هو بالتأكيد أمر حيوي من أجل فهم طريقة عمل السلطة (انظر، على سبيل المثال، آراء ماكينون حول الخطاب، ماكينون 1993). وعليه يقترح العديد من النسويات أن فلسفة اللغة المناسبة لفهم التفاعلات التواصلية في العالم الاجتماعي يمكن أن تكون أداة قيمة للفعل النسوي، مما يستتبع القول بأن الفردانية، والتي تجلل فلسفة اللغة في وضعها الراهن، تمنعها من أداء هذه الوظيفة.[44]

وعلى التحقيق، فإن التهمة العامة التي تُطوح عادة بالقول بأن فلسفة اللغة لا تولي سوى النزر القليل من الاهتمام للمجال الاجتماعي هي تهمة لا يتفق معها جميع النسويات، و هذا يستتبع القول بأنه من الصعب، الاعتماد على هذا الزعم، في ظل بروز نماذج نظرية قديمة تعنى بهذه القضايا؛  وعلى سبيل المثال، إسهام شاول كريبك حول النظرية السبيبة للإحالة (1972؛ انظر أيضًا القسم 2 من المدخل على المرجع)، و حجج هيلاري بوتنام حول العنصر الاجتماعي ( و دوره في تقسيم العمل اللغوي) و اجتراح المصطلحات الي تنصرف دلالاتها إلى النوع (1975؛ انظر أيضًا القسم 3 من المدخل عند المرجع)، و نظرية الخطاب كما عند جرايس (1975 [1989])، وعمل ديفيد لويس حول المواضعات (1969)، ونظرية أفعال الكلام كما عند (جون لانجشو أوستن) (1962 [1975]). وعلى الرغم من هذا، فإن الزعم الشائع الذي يصح إبرازه هنا القول بأن اشتباك علماء الفلسفة اللغوية مع المجال الاجتماعي لم يكن أمرا يشغل بال البحث اللساني في جانبه النسوي، و هذا يبدو جليا إذا استحضرنا حقيقة إن النظرية السبيبة للإحالة تتضمن بلا شك إحالات مجتمعية، لكن فيما يبدو بأن هذه الإحالة المجتمعية ليست من القضايا التي تهم النسويات؛ في حين أن تقسيم العمل اللغوي لبوتنام يتضمن بعض علاقات القوة (و هذا وفقا لسردية تقول بأن الخبراء يتمتعون بنوع خاص من القوة اللغوية التي يفتقر إليها غير الخبراء)، ولكن القول الذي ينبغي إبرازه هنا بأن هناك تجاهل واضح للجوانب السياسية التي تؤسس علاقات القوة. من جانب آخر، تنتقد أندريا ناي فلسفة اللغة السائدة على هذه الأسس تقريبًا، وذلك اعتمادا على الحجة القائلة بأن العمل على الترجمة الراديكالية للمخاوف السياسية لم يكن حساسًا بدرجة كافية (لمفهوم الترجمة الراديكالية، انظر القسم الخاص بالمعنى والحقيقة في مدخل دونالد ديفيدسون).

انصرفت فلسفة اللغة الإنجليزية، والتي تتمتع بعدة تحليلية تقنية عالية الجودة، إلى الإشكالات التي تكتنف إمكانية الترجمة الراديكالية من مجتمع لغوي ما إلى مجتمع لغوي آخر، وذلك توسلا بمخططات مفاهيمية بديلة وغير قابلة للقياس، مما أفضى إلى صعوبة إنشاء مرجع متفرد بوسعه اختراق “عوالم مختلفة”، وهو الأمر الذي أسهم في عدم وجود إشارات تشير إلى الإخفاقات الفعلية في التواصل أو سبر إشكاليات الجندر.”[45]

جادلت لويز أنتوني مؤخرا بقولها بأنه من الخطأ افتراض وجود أي منهج خاص وصريح يعنى بفلسفة اللغة سواءً كان نسويًا أومناهضًا للنسوية، وهو موقف يأخذ إسهام هورنزبي كنقطة للانطلاق – على الرغم من أن حججها هذه قد تنطبق على نطاق أوسع-، ملمحة بأن مثل هذه الاستراتيجيات “لا تحترم، بل وتقصي النسويات اللواتي يدعمن وجهات النظر البديلة”.[46]

2. برامج البحث الإيجابية في فلسفة اللغة

 لم تدم هذه المباحث طويلا في حقل فلسفة اللغة، وهو حقل ما فتأ يعمل التغيير الدائم؛ و عليه فإنه يصح القول بأن فلسفة اللغة في وضعيتها الراهنة لديها من الرؤى و الأفكار ما يمكن معها أن ترفد بإيجابية البحث النسوي في نسخته اللغوية، هذا مع استحضار إمكانية القول بأن البحث النسوي يمكن أن يقدم شيئا قمينا بالتداول حول فلسفة اللغة، وهو أمر ليس بذاك الذيوع المنتشر. وعلى الرغم من هذا، يصح القول هنا بأن فلسفة اللغة النسوية أضحت الآن مجالًا واعدًا، وهو مجال يرفده العديد من برامج البحث الإيجابية، والتي يصح وصمها بأنها إسهامات جوهرية مهمة.

2.1 النسوية ونظرية أفعال الكلام

يصح القول هنا بأن أول برنامج بحثي تحليلي جوهري في إطار الفلسفة النسوية للغة بدأ مع كل من راي لانجتون وهورنزبي في جهودهم البحثية، والتي توسلت كنقطة للانطلاق بنظرية أفعال الكلام لأوستن، وذلك بغية استكناه رؤية كانت قد تبنتها لانجتون، والتي تقول بدور الإباحية في إعمال ذلك الصمت المطبق الذي يلف النساء، بل والعمل على التكريس لتبعيتهن؛ وهو رؤية أخذت تتطور مع تصرم السنين. لإعطاء القارئ لمحة حول هذه الرؤية، سنناقش فيما يلي بشئ من الاقتضاب رؤية لانجتون حول مفهوم “الإسكات” .

وفقًا للانجتون (1993)، فإن انتشار المواد الإباحية تعمل على التمهيد لفعل الاغتصاب، وهذا الصنيع يأتي في إيهاب محددين: عن طريق الأفعال الإنجازية الظاهرة والأفعال الإنجازية المضمرة، وذلك باعتبارهما محددات لفظية يتم من خلالها القيام بإسكات النساء. وعلى خطى أوستن في إسهامه حول أفعال الكلام، يميز لانجتون بين ثلاثة أنواع من أفعال الكلام: الأفعال الإنجازية الظاهرة  الأفعال الإنجازية المضمرة و كيفية فعل التلفظ. فالأفعال الإنجازية الظاهرة تنصرف إلى تلك الأفعال اللفظية التي تقال فتفهم بمعناها المعين المستقر، وهذا ضدا على الأفعال الإنجازية المضمرة والتي تُعنى بإحداث ذلك الأثر الذي يتوسل بالألفاظ؛ أما الفعل الإنجازي الذي ينصرف إلى كيفية التلفظ ابتداء فهذه مناطه سبر كيفية التلفظ، عبر معرفة كيف للفظة ما أن تقال بادئ الأمر. و لمزيد تبيان و إيضاح، فإن تلفظ جينيفر ساول في أحد الأيام بهذه العبارة “أتعهد بالولاء لصاحبة الجلالة الملكة اليزابيث وجميع ورثتها”، كان يحمل في طياته عدة محددات لفظية؛ وعلى التعيين، كان الفعل الإنجازي الظاهري ينصرف إلى مجرد النطق بالعبارة سالفة الذكر، و هذا مع استصحاب حقيقة أن هذا الفعل اللفظي لم يكن محض تلفظ، بل حمل في ثناياه فعلا تأثيريا متجاوزا، حيث أتاح لها فرصة الحصول على الجواز البريطاني، بل و جعلها تستشعر بعض الانزعاج للتعبير عن هذه المشاعر الملكية، و الموجهة في أساسها إلى الملكة، وهو الأمر الذي دفعها للتساؤل عما إذا كانت هذه الجمهورية، في حالة خلافة الملكة، ستعتبر وريثا معتبرا. بعبارة واحدة، كان أحد تجليات الفعل الإنجازي الظاهر الذي قامت به هو حيازتها لحق المواطنة البريطانية.

وفقا لانجتون، فإن هناك أشكالًا من الإسكات الذي يُمارس على جنس النساء، والذي يصح القول بأنها أشكال تتوافق مع كل ألوان الطيف التي تتوافر عليها تقسيمات أفعال الكلام التي أتينا علينا آنفا. وعلى التعيين، فإن الأنثى قد تمنع من الكلام أو يمارس عليها نوعا من الإرهاب الذي يمنعها من مجرد الاتيان به، وذلك حصرا عبر إعمال الرأي في كيفية صياغة اللفظ ابتداء. وقد يأتي فعل الإسكات هذا عبر بالتوسل بالفعل اللفظي المضمر، وهذا عبر كبتٍ للأثر الذي قد يحدثه مثل هذا التلفظ. وقد يأتي إسكات الشخص عن طريق إعمال التأثير في القول، فتستحيل الكلمات إلى موات لا روح فيها. أحد الاهتمامات الذي انصرف إليها لانجتون في اهتمامه البحثي هو الدور الذي قد يلعبه الإسكات في إحداث فعل الاغتصاب عن عبر كوة كل من الأفعال الإنجازية الظاهرة والأفعال الإنجازية المضمرة. فالمرأة التي ترفض ممارسة الجنس يتم إسكاتها عن طريق فعل التأثير، بالقول بأنها قد أُجبرت على ممارسة الجنس، حتى مع الاعتراف بأنها رافضة لهذا الصنيع؛ وفي بعض الأحايين، حتى لو تم محاولة إسكات هذه الأنثى لرفضها ممارسة الجنس، فإن هذه المحاولة لا تلقى الاذان الصاغية، حتى في وجود رفض لفظي صريح. (لمزيد نقاش حول دور المواضعات اللفظية حول هذا الفعل اللفظي الذي يستتبع فعلا، انظر وايت 2009.) وفقًا للانجتون، فإن هذه الحالات اللفظية لا يصح عدها بأنها تمثل رفضا، مما يستتبع القول بأن ضخ المواد الإباحية يلعب دورًا رئيسًا في جعل الرجال أقل قدرة على الاعتراف برفض النساء، باعتباره رفضًا صريحا، مما يؤدي إلى وجود قابلية من لدن الرجال لاغتصاب النساء، حتى مع يقينهم بأنهن لسنا على وفاق مع هذا الصنيع. و عليه يصح القول هنا بأن المواد الإباحية تفضي إلى عملية إسكات النساء عن طريق إعمال كل من الفعل القولي الصريح وفعل التأثير الذي يتوسل باللفظ؛ هذه الثنائية أداة تحليلية مهمة و فقا للنتجون، حيث أن الفعل الاغتصاب يتم بادئ الأمر عبر كوتها .

يمكن لسردية أفعال الكلام هذه أن تمدنا في تبني رؤية تقول بأن بعضا من أوجه الفردانية لا يمكن بحال الاستغناء عنها في البحث النسوي (لمزيد من الحجج حول هذا التأثير، انظر .(Antony 1995 وعلى التعيين، فلو قلنا بالافتراض القائل بأن الحجج التي أوردها لانجتون صحيحة، فإنه في مكننا أن نتلمس دورًا مهمًا للفلسفة الفردانية للغة في البحث النسوي. يصح القول هنا بأن التركيز الحصري على نوايا المتحدثين الفرديين سيمنعنا من رؤية بعض الحقائق المهمة (كما تجادل هورنزبي 2000)، إلا أنه من الضروري أيضًا إدراك أهمية إيلاء بعض الاهتمام لنوايا المتحدثين بآحادهم. وعلى التعيين، فإنه من أجل فهم الخطأ الذي حدث في الفعل اللفظي اللامقول الموصوف أعلاه، فإنه لا مندوحة للمرء إلا أن يدرك أن رفض ممارسة الجنس كان يدور في خلد الأنثى بادئ الأمر؛ و بالمثل، من أجل فهم الخطأ الذي حدث في مثال الإسكات عن طريق فعل التأثير بالقول، يحتاج المرء أن يفهم أن المرأة قصدت برفضها القول بأنها لم تمارس الجنس. و بشكل عام، فإن المعضلة هي أن تعيش في سياق يستحيل فيه أن تكون مفهوما، وهي معضلة تفضي إلى خلق سردية التبعية، كما لاحظ العديد من النسويات. وعلى هذا، فإن أولى الأولويات في هذا المقام -إذا ما أردنا أن نخلق سياقات مفهومة- هو أن نتلمس مقاصد المتحدثين بأعيانهم، عبر بحثها و سبر أفهام الناس حولها، و أين يكمن منبت الخلاف؛ بمعنى آخر، لا مناص للمرء إلا أن يبحث في الحالات الذهنية في تمظهراتها الفردية.

وعلى التحقيق، فإن هذه السرديات التي ألمحنا إليها للتوقد خلفت الكثير من الأدبيات التي لا يمكن الاستهانة بها. فيما يلي، نقدم إشارة لم تستنفذ الوسع حول هذه الأدبيات.

  • وفقا لبعض النقاد (على سبيل المثال، دوكن 1991، 1993؛جاكوبسون 1995) فإن ممارسة الإسكات الذي قد يستتبع الغوص في المواد الإباحية ليست من الممارسات التي يصح اعتبارها بأنها تقع ضمن قانون حرية التعبير الذي يجب حمايته و الدفاع عنه. (لمزيد استقصاء حول النقودات التي وجهت إلى مثل هذه السردية، انظر Hornsby and Langton 1998؛ Langton 2009a؛ and West 2003).
  • جادل آخرون (مثل، ليزلي جرين 1998)، بأن المواد الإباحية ليس لها تلك السلطة الفارضة والتي تستتبع بالضرورة القيام بأعمال التبعية والإسكات؛ تعقبت لانجتون (2009 ب) هذا النوع من الحجاج بالنقاش و الاستدراك .
  • وفقا لماري كيت ماكجوان(2003)، فإن السلطة اللفظية المتوهمة لتشريع الأفعال أمر مبالغ فيه، بل هو إلى التواضع الحجاجي أقرب، فالأمر لا يعدو كونه ممارسة محضة لسلطة خطابية لا تحدث أثرا. تعتقد نيللي ويلاند (2007) -مثل ماكجوان- بأن لا وجود لحاجة ملحة لافتراض هذا النوع من السلطة الذي يقلق جرين. ومع ذلك، فإنها عادت مرة أخرى للقول بأن رواية لانجتون تنطوي على خطر مضمر: إلا وهو إعفاء المغتصبين من اللوم على جرائمهم (يثير جاكوبسون 1995 أيضًا مسألة هذا القلق حول اطراح المسؤولية الذي قد يلف هذه السردية)؛ تعقبت ماكجوان ومايترا هذا الأمر بالنقاش (2010)، و نجد عين النقاش هذا يتكرر عند ماكجوان، وأدلمان، وهيلمرز، وستولزنبرج (2010).
  • تشعر جينيفر شاول (2006a) بالقلق إزاء ادعاء لانجتون بقولها أن المواد الإباحية بحد ذاتها هي فعل قولي، مجادلة بأن الأقوال -إذا استحضرنا سياقات معينة- هي التي يصح اعتبارها بأنها أفعال كلام. علاوة على ذلك، تقترح أنه في حال أجرينا بعض التعديلات على سردية لانجتون بالقول بأن الادعاء يصح امضاؤه ليشمل فقط مشاهدة أو عرض المواد الإباحية، فستفقد حينها سردية لانتجون أسس معقوليتها. تعقبت كلوديا بيانكي (2008) هذه الرؤية بالنقد، و أسهمت ماري ميكولا بدورها(2008) بنقاش حول الأمر.
  • أثارت تيريل (2010) بدورها قلقا يختص بالسياق؛ وعلى التعيين، فهي ترى بأن سردية ماكينون تمنح المواد الإباحية سلطة قوية لدرجة تجعل معها قدرة النساء على التعبير عن تجاربهن أشبه بالمستحيل. و عليه فإنها تقترح بالقول بأن سردية ماكينون هذه بحاجة إلى المراجعة، وذلك بغية إفساح المجال للتواصل الناجح من داخل المجمع النسوي.
  •  ثمة مخاوف أثارها كل من ألكساندر بيرد (2002) ودانييل جاكوبسون (1995) وإيشاني ميترا (2009) بشأن تمييز أوستن بين الفعل اللفظي في صيغته ذي الدلالة المستقرة، و بين فعل التأثير التي يتوسل باللفظ، و عن دوره في حجة الإسكات (وعلى وجه الخصوص، فإن أس الإشكال ينصرف إلى متطلب يقول بوجوب أن تكون الأفعال اللفظية الصريحة مفهومة، حتى تؤدي مهمتها التواصلية بكل نجاح). لم تكن رؤية كل من بيرد وجاكوبسون إيجابية، حيث أنهما أظهرا ممانعة لسردية أوستن، مما أفضى بدوره إلى رفض حجة الإسكات بكليتها؛ لكن ميترا بدورها أعادت تأطيرها عبر كوة المصطلحات الجرايسية (نسبةً لجرايس). وفقا لأنجيلا جرونبيرج (2014) فإن حجة الإسكات تستلزم إعادة صياغة بغية التركيز ليس على الإسكات اللفظي الصريح، ولكن على الإسكات اللفظي الذي يحدث أثرا، وهي رؤية كما تزعم تفسح المجال أمام مقاربة مرضية لمثل تلك الانتقادات التي وجهها كلا من بيرد وجاكوبسون. دافعت ميكولا (2011a) بدورها عن سردية لانجتون-هورنزبي، وذلك ضدا على سدرية كل من بيرد وجاكوبسون.
  •  أبرزت جوديث بتلر (1990) عدة اعتراضات على حجة الإسكات هذه، أهمها (أ) أنها تفترض صورة غير معقولة عن استخدام اللغة؛ و (ب) أن فعل الإسكات ليس بتلك الهالة التي يصورها كل من لانجتون وهورنزبي.؛ تعقبت لانجتون بدورها (2009c) هذه الرؤية بالنقاش .
  • وفقا لأليكس ديفيز (2016) فإن المواد الإباحية في ذاتها قد لا تعمل فقط التغيير في القوة اللفظية الصريحة التي قد تجترحها المرأة، بل قد تمنعها من التعبير عن المحتوى الذي تريده. أحد الأمثلة المركزية التي اعتمد عليها أليكس في زعمه هذا يتمثل في السرديات الأسطورية حول الاغتصاب والتي تؤسسها ابتداء المواد الإباحية؛ وهي مسألة وفقا لأليكس تجعل من المستحيل على النساء

-خصوصا في تلك المسائل التي تتطلب فحصا قضائيا- أن يعبرن بحقيقة تشف عن تجاربهن، والتي تعج بها أروقة المحاكم.

يصح القول هنا بأن توظيف نظرية أفعال الكلام كان بحق أولى المداميك التي أسست للنظر النسوي في الطبيعة اللغوية، وهو الأمر الذي أكسب الفلسفة النسوية حضورا لا يمكن إنكاره، مما أفضى إلي تظافر الجهود بغية دراستها و تدريسها على أوسع نطاق. لكن في الآونة الأخيرة، بدأت الأصوات النسوية الناقدة لهذا التوجه في الظهور. وعلى سبيل المثال، جادلت كلا من نانسي باور (2015) ولورنا فينلايسون (2014) -وفقا لتأطيرات مختلفة -بأن الأدبيات النسوية حول أفعال الكلام والمواد الإباحية مضللة للغاية. تتمثل اعتراضات باور على عدة وجه؛ أحدها القول بأنه من المضلل التعامل مع المواد الإباحية على أنها محض كلام. وعلى غرار النقاد الآخرين المذكورين أعلاه، فهي ترى بأنه لا ينبغي اعتبار المواد الإباحية بأنها لها تلك السلطة على النفوس. أحد النقودات التي أبرزتها باور والتي يصح وصفها بأنها أكثر جوهرية من سابقتها، هو القول بأن الأدبيات السابقة لم تعير الاهتمام اللازم لتلك الحقائق المؤسسة لكل من المواد الإباحية و عملية الاخضاع التي تتعرض لها المرأة، حيث أنها لم تنخرط بشكل كاف مع ظاهرة الإباحية هذه، وهو انخراط يستلزم بالضرورة سبر كل الوسائل و الطرائق الثقافية التي يتم من خلالها عملية الاخضاع النسوي؛ حيث أن جهودهم لم تذهب أبعد من بحث أفعال الرفض التي قد تطوح بها النساء، وهو صنيع قد أسهم في تجريد الطابع الإنساني الذي يكتنف عملية الاعتداء الجنسي بذاتها. و هذا الانتقاد الذي طوحت به باور يصح اعتباره بأنه نقد يصدق على مقولات أوستن حول أفعال الكلام، بل و يتعدى ذلك ليشمل الفلسفة التحليلية بكليتها. تذهب فينلايسون إلى أبعد من ذلك، حيث ترى بأن عمل أوستن قد أسيء استخدامه من قبل النسويات، و كان الأولى من قبلهن ألا يتم توظيف مقولات أوستن بالكلية، حيث أنه لم يكن هناك حاجة ماسة لهذا الصنيع، هذا مع استصحاب القول بأن مقاربتهم للمواد الإباحية في هذا السياق كان فعلا بحثيا مضللا.

 وعلى الرغم من هذه النقودات، كانت هناك أيضًا تطورات جوهرية للغاية، والتي تأسست في منشأها على الاستخدام النسوي لنظرية الكلام، بل و شملت قضايا من قبيل الخطاب العنصري، وخطاب الكراهية على وجه العموم. وعلى التعيين، تقر ماكجوان (2009a) بوجود نوع مختلف من الإسكات و الذي تتسبب به المواد الإباحية؛ عادت الكرة قائلة في إسهاماها عام (2009b)، بالقول بأن الكلام قد لا يُحسب فقط على أنه إسكات أو إخضاع، بل أيضًا يصح وصمه أيضا بأنه فعل قمعي. علاوة على ذلك، تشير ماكجوان إلى احتمالية أن يكون هذا الخطاب القمعي له حضور كبير، وهي سردية تم تطويرها بشكل أكبر في (McGowan 2012)، حيث يصح وصف هذه السردية بأنها تهدف بشكل كبير إلى سبر الخطاب العنصري، كما هو الحال في إسهام (Sympson 2013) . و بالمثل، قاربت ميترا بدورها (2012) أفكارا نسوية خالصة بغية معرفة كيف يتأتى لخطاب ما أن يخضع لخطاب آخر، وهي سردية ما فتأت لانجتون وهي تحاول لفت الانتباه إليها على نطاق أوسع، و ظهر هذا جليا في ورقتها عام 2012؛ هذه الورقة على التعيين جديرة بالوقوف عندها وذلك لتركيزها البارز على دور البراغماتية في تشكيل المواقف بخلاف الاعتقاد. تلقفت راشيل ماكيني (2016)، هذا الأدبيات بغية استكناه ما وصفته “بالكلام المستخرج” “Extracted Speech”، وهي في فعلها البحثي هذا تهدف إلى استكشاف الطرق التي يمكن من خلالها استخراج الكلام بشكل غير عادل بدلاً من إسكاته (كما هو الحال، على سبيل المثال، في الحالة النموذجية للاعترافات الكاذبة لـ Central Park Five). تقدم ريبيكا كوكلا بدورها مفهوم الظلم الخطابي، وذلك بغية مناقشة مجموعة أوسع من الطرق، والتي “من خلالها يعاني مجموعة من المهمشين من عجز منهجي، يتسبب في الاحجام عن إنتاج نوع معين من فعل الكلام، الذي يحق لهم القيام به” (2014: 440)، وهو صنيع غالبًا ما يتخذ شكل أداء فعل مختلف و مخاتل عن الذي يقصدونه. وعلى الرغم من أن اعتمادها المطلق على إسهام كل من لانجتون وهورنزبي، إلا أنها ضربت الصفح عن تركيزهما على الفعل اللفظي الصريح، وفعل التأثير الذي يتوسل باللفظ، وركزت بدلاً من ذلك على القوة الأدائية. تستكشف مارينا سبيسا (1999) بدورها دور الافتراضات المسبقة في الإقناع السياسي وذلك بالنظر أيضًا إلى دور البراغماتية في الفعل السياسي ( وهي سردية عملت على تطويرها بشكل مستقل عن لانجتون وهورنزبي)، أخيرًا، يعتمد جايسون ستانلي (2015) بشكل كبير على عمل لانجتون وهورنزبي في تطوير رؤيته حول الدعاية ( أو بشكل أمثل، يصح القول بأن اهتمامه ينصب على التركيز على الدعاية العنصرية من بين مسائل أخرى).

2.2 حول معنى “المرأة” في فلسفة اللغة النسوية

في ورقتها الرائدة بعنوان “الجندر والعرق: (ما) هما؟ وما هو التكييف المبتغى لدلالاتهما؟ ” (2000 b)، تهدف هاسلانجر إلى تقديم وصف لطبيعة الجندر، بالإضافة إلى تقديم وصف للمعنى الدلالي الذي ينصرف إلى لفظة “المرأة”. بادئ الأمر، ففي ورقتها هذه تأخذ التمييز الكلاسيكي بين الجنس و الجندر كتكئة أولية، حيث تفترض أن مفهوم الجنس ينصرف عادة إلى تلك الخصائص البيولوجية أو التشريحية التي تميز الذكور عن الإناث (مع أن هذا التمييز -كما ترى- يتصف بوصف المرونة بل و تتخلله العوامل الاجتماعية والسياسية أيضًا)، أما مفهوم الجندر فهو ينصرف إلى تلك العوامل الاجتماعية أو الثقافية التي تميّز الرجال عن النساء (انظر المدخل الخاص بوجهات النظر النسوية حول الجنس و الجندر). تتمثل إحدى المزايا الرئيسة لمقال هاسلانجر هذا هوقدرته العالية على الشرح بوضوح كبير ذلك النهج المنهجي الذي يؤيده؛ وعلى سبيل المثال: تتميز هذه الورقة بكونها جمعت بذكاء بين المشروع الوصفي، و الذي يهدف إلى الكشف عن المفهوم الذي نستخدمه بالفعل، أو الخاصية التي نزجيها للمصطلح عند استخدمنا له، و بين المشروع التحليلي -أو المشروع التحسيني، كما أسمته في Haslanger 2006))- والذي يهدف إلى الكشف عن المفهوم الذي يجب أن نستخدمه، أو المعنى الذي يجب أن نزجيه للمصطلح، و هذا عبر النظر مليا في أغراضنا؛ تتبع هاسلانجر النهج التحليلي أو التحسيني، مستصحبة هدفا واضحا و صريحا يتمثل في تقديم وصف لمعنى كل من “النوع الاجتماعي/الجندر” و “المرأة؛ وهو صنيع بحسبها يمكن أن يكون أداة مفيدة في محاربة التمييز الجنسي، بل و اعتباره عنصرا مساعدا لتحقيق العدالة الاجتماعية . مع وضع هذا الغرض في عين الاعتبار، سكّت هاسلانجر التعريف التالي لمصطلح “امرأة”، باعتباره نوعا معينا من الجنس:

{س} هي امرأة إذا تم إخضاع {س} بشكل منهجي، وذلك تحت يافطات (اقتصادية، و سياسية، و قانونية، و اجتماعية، وما إلى ذلك) حيث يتم وسم (س )على أنها هدف حصري لهذه المعاملة، وذلك بسبب السمات الجسدية المرصودة أو الموهومة، والتي يُفترض على أنه دليل ينهض على وجود ذلك الدور البيولوجي، و الذي يُعزى للأنثى في عملية التكاثر. 2000:39))

و كما يتبدى و بكل وضوح، فإن الفكرة الرئيسية لنهج هاسلانجر هي القول بأن الجندر ليس إلا هيكل اجتماعي هرمي، حيث يتوافر بعض الأعضاء فيه على موقع امتيازي، بينما يسقط أعضاؤه الآخرين في شرك التبعية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية، بل و يتعداها إلى الأبعاد الثقافية، وذلك بحكم دورها البيولوجي الحقيقي أو المتخيل في عملية التكاثر. وبشكل أكثر تحديدًا، فكون آحاد الناس ينتمي إلى جنس المرأة، فهذا يستتبع بالضرورة احتلال درجة معينة من التبعية في سلم الهيكل الاجتماعي، وذلك يعود حصرا إلى امتلاك تلك السمات الجسدية الأنثوية البيولوجية، والتي يصح اعتبارها بأنها مفترضة حينا، و متخيلة في أحيان أخرى.

أثار اقتراح هاسلانجر نقاشًا مثريا حول مزايا النهج التحسيني هذا، بل تعدى النقاش ليشمل تلك المزايا و الإشكالات الذي تكتنف هذا النوع من الاطروحات بشكل عام. وعلى سبيل المثال، ترى سول (Saul 2006b) بأن هذا الاستخدام المقترح لمصطلح “امرأة” يمكن أن ينتج عنه بعض الإشكالات، أحدها تخريبي، حيث أننا لو سلمنا بسردية هاسلانجر، فستكون المهمة النسوية ليست إلا محض مهمة يكون هدفها الرئيس القضاء على الوجود الأنثوي برمته، حيث أن تعريف هاسلانجر يرمي إلى القضاء على تبعية الأفراد، وذلك فقط استتباعا مع الدور البيولوجي في عملية التكاثر، و الذي يعزى بدوره إلى الجنس الأنثوي . و لهذا السبب، ترى سول بأن هذه السردية لا يصح اعتبارها بأنها أكثر الأدوات التحليلية فائدة، خصوصا عند الحديث عن مصطلح “امرأة”، هذا مع استحضار حقيقة أن المفهوم الشعبي أو العادي “للمرأة” -كما ترى سول- لا يميز حقًا بين الجنس كسمة بيولوجية والجندر كسمة اجتماعية أو ثقافية. تبعتها في هذه السردية ميكولا (2011b)، والتي صرحت بقولها بأنه قد يكون من المكلف للغاية إحداث تغيير على المعنى المعياري و المتوافق عليه لـمفهوم “المرأة”، وذلك وفقا للسردية المتجاوزة التي سكتها هاسلانجر آنفا، لأن هذا قد يعرض مفهوم التواصل بذاته للخطر، خصوصا إذا ما علمنا بأن مفهوم “امرأة” يشكل مصدرًا للهوية، بل و الفخر لكثير من النساء. وعلى هذا، فإن وصف المرأة باعتباره ملازما للتبعية، كما تفعل هاسلانجر، لا يحقق هدفا نسويا مفيدا خصوصا إذا استحضرنا الشق السياسي. قدمت ميكولا بدورها (2011b) معنىً بديلاً لـ “المرأة ” لا يؤيد التمييز بين الجنس / الجندر: بدلاً من ذلك، اقترحت نموذجا للتمييز بناء على السمة / المعيار، وهو نموذج يفضي إلى القول بأن بوجود سمات معيارية يتمايز حولها النساء و الرجال في سياقات معلومة؛ وهي سياقات يتم العمل وفق إطارها بموجب العادة و رسم التكرار. ومع ذلك، يصح القول هنا بأن السمات التي تمايز بين الرجال و النساء تعتمد بشكل كبير على السياق الذي يلفه المرونة، وعليه كان من الاستحسان العمل على مراجعة قوائم السمات هذه، إذا أخذنا عوامل كثيرة في الحسبان من قبيل الاعتبارات الأخلاقية و السياسية.

في الآونة الأخيرة، ظهرت سرديات نسوية تقول بحتمية الفشل الذي قد يكتنف رؤية هاسلانجر آنفة الذكر؛ وعلى التعيين، أحد إشكالات رؤية هاسلانجر حول مفهوم المرأة أنها لا محالة ستقصي أولئك النساء المتحولات جنسيا، وهي فئة بزعمهم يجب أن تكون هدفا مركزيا للهم النسوي. وعلى سبيل المثال، ترى ساول (2012) بأنه لا الاعتبارات المعيارية القائمة على الجنس ولا الاعتبارات المعيارية القائمة على النوع الاجتماعي (الجندر) ستنصرف دلالاتها بشكل تلقائي إلى النساء المتحولات جنسيًا، مما يستتبع القول بأن مصطلح ” المرأة” لن يشمل النساء المتحولات، هذا إذا توسلنا فقط بالتعريف البيولوجي للفظة، أو ببعض العوامل الاجتماعية والثقافية، والتي عادة ما تُنسب إلى الإناث من الناحية البيولوجية. و كبديل لهذه السردية، طرحت سول وجهة نظر بديلة محتملة، وهي وجهة نظر يصح القول بأنها تستصحب السياق في تعريفها للفظة “المرأة”، وذلك على النحو الآتي:

{س امرأة }هي عبارة صحيحة في سياق مخصوص، و نرمز لهذا السياق بالرمز {ج}؛ و هذه الكيفية تصدق فقط في حال إن كان الرمز {س} يحمل وسم الانسان و صفته، بل و يتماهى متشابها (وفقا لاعتبارات السياق التي تلف {ج} ) مع كل أولئك الذين يمتلكون جميع العلامات البيولوجية التي تحمل وسم الجنس الأنثوي. (2012: 201).

وفقًا لهذه الرؤية، فإن دلالة لفظة ” امرأة” ستنصرف دلالاتها لتشمل في سياقات معلومة كل من يحمل رسم التشابه البيولوجي مع الجنس الأنثوي. و هنا يجب التأكيد على أن إيراد مفهوم ” السياقات المعلومة” مهم جدا، حيث أن معايير التشابه المفترضة ترتكز في أساسها على سياق ما، مما يستتبع القول بأن هذه المعايير قد يكتنفها التغير تبعا لسياقات معلومة. وفقا لسول، يبدو بأن هذا التكييف التعريفي يفضي إلى نتيجة مرضية للوهلة الأولى، حيث أنه سيدخل النساء المتحولات ضمن تعريف النساء بشكله الأعم، وذلك عبر إدخال كل السياقات المتعددة التي قد تصدق على هذا التوسيع التعريفي، حيث أن ما يهم في هذا الموضع هو أن هذا التعريف يضمن لمن أعلن هويته الأنثوية، بأن يتلقى معاملة على هذا الأساس. ولكن هذه السردية المتفائلة لا تستقيم عند البحث المفصل في سياقات أكثر خصوصية. وعلى سبيل المثال، تعاني النساء المتحولات في المجتمعات المحافظة بعدم السماح لهن باستخدام مراحيض النساء، و السبب الرئيس خلف هذا الصنيع هو القول بأن هذا النوع الاجتماعي لا ينطبق عليه وسم الأنوثة، مما يستتبع القول بأن التشابه مع العنصر الأنثوي في السياقات المحافظة يؤطره وجود كروموسومات معينة أو سمات تشريحية معينة، وهي خصيصة لا تتوافر عليها بعض النساء المتحولات. ردًا على هذه الإشكالية، ترى إيزا دياز ليون (2016) بأنه يمكننا فهم وجهة النظر السياقية بطريقة تتجنب هذا الاعتراض. وعلى التعيين، فإنه في مكننا فهم معايير التشابه في سياق مخصوص إذا استحضرنا تلك المعايير التي يصح وصمها بأنها أكثر فائدة في المجال السياسي، وذلك حصرا عبر كوة الأهداف الأخلاقية التي تتوافر عليها سياقات مخصوصة. وعلى سبيل المثال، فإنه يصح القول هنا بأن ممانعة السياقات المحافظة لاستخدام المراحيض النسائية من قبل المتحولات يؤطره في الأساس اعتراضات أخلاقية، يتم توجيهها أصالة لمن أعلن هويته الأنثوية بلا مواربة، و ليس الأمر في هذا السياق ينصرف إلى دلالات تختص بامتلاك و عدم امتلاك سمات بيولوجية معينة. و هنا نستطيع القول بأن المعيار المخصوص هو الذي يصح استحضاره في هذا السياق، بالقول بأن مسألة التشابه مع العنصر الأنثوي تتحدد دلالةً وفقا لسياق مخصوص.

بيتشر (2013) بدورها ترى أن التفسيرات التحسينية لمعنى “المرأة” يجب أن تأخذ في عين الاعتبار أهداف النساء المتحولات؛ وعلى التعيين، فإن وجود وجهات نظر ذات بعد دلالي أحادي لمعنى الأنثى -و الذي يتم بموجبه تعميم هذا الصنيع ليشمل جميع المتحدثين وفي كل السياقات- هو أمر لا يقدم خدمة جليلة لتلك السردية التي تروم إدخال عصر المتحول الجنسي في طابعه الأنثوي إلى عموم جنس الإناث. بدلاً من ذلك، ترى بيتشر بأن أسلم حل للخروج من هذا المأزق هو اجتراح رؤية دلالية تقول بتعدد المعاني، والتي تنصرف إلى مفردة الأنثى، وذلك بالاعتماد حصرا على العديد من الدلالات الموجودة سلفا، والتي يجود بها مجتمعنا؛ وهي دلالات تستبطن رؤية كونية، و تثير إشكالات أخلاقية و سياسية، و يصح وصفها في هذا السياق بأنها مضللة من الناحية الواقعية، وذلك من جنس استخدامنا لمفردة “المرأة” بطريقة تستبعد المرأة المتحولة جنسيا. و لهذا السبب، يصح القول هنا بأن لدينا أسباب وجيهة لاستخدام مفردة “امرأة”، والتي تتعدى دلالاتها لتشمل أيضا النساء المتحولات؛ وهو صنيع تلك المجتمعات التي اتخذت موقفا توافقيا من وجود المتحولين جنسيا. وفي ختام سرديتها، ترى بيتشر بأنه من المفيد في هكذا وضعية اللجوء إلى الحدس بغية فرز الفروقات و المتشابهات، ولكنها تعود كرة أخرى للقول بأنه “من غير المناسب استبعاد الطرق البديلة التي تُستخدم فيها هذه المصطلحات من داخل الثقافات الفرعية؛ حيث يجب أن يؤخذ هذا الاستخدام في الاعتبار كجزء من عملية التحليل “(2013: 235)

كاثرين جينكينز (2016) بدورها ألمحت مؤخرا بالقول بأن سردية هاسلانجر لا يمكن لها أن تستقيم، حيث أنها سردية قصرت عن توسيع دلالة الأنوثة لتشمل النساء المتحولات وهو موقف يصح اعتباره بأنه يمثل معضلة أخلاقية و سياسية. وعلى التعيين، فإن قدر النساء المتحولات لم يكن يسمح لهن بإعلان الهوية الأنثوية برسم الولادة و التكوين الجنيني، و هذا يستتبع القول بأن النساء المتحولات لا يمكن اعتبارهن بأنهن يتماهون مع سردية هاسلانجر بالقول بأنه خضوعهن لتبعية ما ليس إلا بسبب امتلاكهن لسمات جسدية متصورة آو متخيلة، خصوصا تلك السمات التي ينصرف دلالتها لتعيين الأنثى في شكلها البيولوجي و دورها في عملية التكاثر. و هذا الأمر بتمامه لا يصدق على النساء المتحولات، حيث أنهن لا يلعبن ذلك الدور الذي يقمن به الإناث أصالة في عملية التكاثر، وذلك لافتقادهم للأساس البيولوجي الذي يقوم بهذه المهمة. و هنا يتبين خطل رؤية هاسلانجر بالقول بأنها رؤية تضرب الصفح عن مسألة الهوية الذاتية للنساء المتحولات، باعتبارهن عنصرا نسويا برسم الهوية المتشكّلة، مما يستتبع القول بأن سردية هاسلانجر عن الإخضاع لا ينطبق عليهن بادئ الأمر، وما هذا إلا لأن هذا العنصر الاجتماعي على التعيين لا يمكن إدخاله كعنصر نسوي خالص كما ورد في تعريف هاسلانجر آنف الذكر. ومن أجل حل هذه المعضلة، تقترح جينكينز رؤية بارعة لحلحلة مفهوم الجندر باعتباره ذلك المفهوم الذي يتوافر على عنصرين: الجندر كطبقة اجتماعية، والجندر كهوية اجتماعية؛، حيث ينصرف العنصر الأول إلى ذلك الطيف الاجتماعي و الذي يحتل مكانا أصيلا في سلم البنية الاجتماعية، بينما ينصرف العنصر الثاني من مفهوم الجندر إلى ذلك الطيف الاجتماعي و الذي يتشكل تبعا لتصوراتنا الخاصة حول الجندر باعتباره بنية اجتماعية. وعلى خطى رؤية هاسلانجر (2005) حول الهوية العرقية، تقترح جينكينز وصفًا للهوية الجنسية باعتبارها خريطة ذهنية تعمل عملها في توجيه سلوكنا ومعاييرنا وتوقعاتنا داخل الدوائر الاجتماعية التي نعيش فيها. ( لم تسلم رؤية جينكينز من الثلم، وذلك باعتبارها سردية لم تبذل الوسع الكافي لإدخال عنصر المتحول جنسيا ضمن الهياكل الاجتماعية في منظورها الأنثوي؛ لمزيد توسع حول هذا الأمر، انظر Andler 2017.)

وفي ختام هذا القسم من هذا المدخل، نخلص بالقول بأن الاهتمام الأصيل هنا كان منصرفا إلى تلك التفسيرات الدلالية التي تلف مفهوم “المرأة”، وهو اهتمام ضيق جدا إذا أخذنا بعين الاعتبار ذلك الكم الهائل من الأدبيات المكتظة، والتي تروم مقاربة لأسئلة لها علاقة بقضايا من قبيل ميتافيزيقيا الجندر باعتباره طبقة اجتماعية، و قضايا من قبيل موضوع الجنس البيولوجي باعتباره ذلك التصنيف الذي لم يستقر بعد، بل و يدور حوله هالة كثيفة من النزاع و النقاش؛ وهي نقاشات يصح القول هنا بأن لها تبعات دلالية على مصطلحات من قبيل لفظتي “امرأة” و “أنثى”. وعلى سبيل التمثيل، قدمت كل من سراي ايالا وناديا فاسيليفا (2015) وصفًا للجنس البيولوجي باعتباره ذلك الصنف الذي يحوز سمات بيولوجية ممتدة و مرنة، وهي سمات رغم القول بأنها سمات يتمايز فيها الذكور و الإناث، إلا أنها قد تتغير تبعا للسياق، وذلك بالاعتماد على أهدافنا وأغراضنا، حيث يمكن استخدام هذه الميزات البيولوجية الموسعة لتضمين تلك الميزات التي قد تجترحها البيئة والسمات الجسدية المصطنعة، وما إلى ذلك. على الضفة الأخرى، ترى هيلين دايل (2015) بأن هذا الحال ينظر بإعجاب لتلك السرديات التي لا تقيم ذلك الحد الفاصل بين كل من لفظتي “أنثى” و “امرأة”، وهي سردية تمهد بدورها الطريق في نهاية الأمر إلى القول بفعل التماهي التي قد تشترك فيه اللفظتين؛ وفي غياب هذا التماهي المبتغى، فإننا سنقع مجددا في شرك بعض الإشكاليات السياسية و الأخلاقية. ترى جينيفر ماكيتريك (2015) بدورها بأن ميل عنصر اجتماعي إلى القيام بسلوكيات معينة هو تصرف يصح اعتباره بأنه ناجع على المستوى السياسي، بل و يصح وصمه بأنه سلوك يخدم أهداف النساء المتحولات. أخيرًا، دافعت هاسلانجر (2016) عن رؤية سياقية لمفهوم الجنس، وذلك بالقول بأن هذا المفهوم قد تنشطر دلالاته إلى معان مختلفة، وذلك عبر كوة أهداف و غايات مخصوصة، والتي تمارس اشتغالها هي الأخرى في سياقات مخصوصة/معلومة.

2.3 المشاريع التحسينية والهندسة المفاهيمية

كما رأينا في القسم السابق، فإن يصح القول بأن إسهام هاسلانجر (b2000) لعب دورا كبيرا في لفت الانتباه إلى تلك الحاجة الماسة لاجتراح مناهج تحسينية/تنقيحية من داخل الفلسفة النسوية، و هذا ضدا على سردية كان أولى اهتماماتها ينصرف بالدرجة الأولى إلى سبر المقاربات المفاهيمية أو الوصفية البحتة، وهي مقاربات تعطي الاهتمام المطلق للمفاهيم، أو السرديات الموضوعية في بنيانها. وعلى الرغم من حقيقة بأن هذه الجهود التحسينية لتحليل المفاهيم ليست فكرة جديدة، بل لها تاريخ كبير و مؤثر من الداخل الفلسفي بشكل عام، إلا أن جهود هاسلانجر كان بمثابة تذكير بأهمية استهداف المفاهيم، والتي من شأنها أن تخدم أغراضنا وأهدافنا على أفضل وجه، ضدا على من مجرد الكشف عن المفاهيم العادية التي لدينا، وهي المهمة التي يبدو أن العديد من المشاريع في الفلسفة التحليلية السائدة قد أولت اهتمامًا بها. ألهم عمل هاسلانجر الكثير من المشاريع التحسينية المثيرة للاهتمام في فلسفة الجندر والعرق والفلسفة الاجتماعية بشكل عام (انظر على سبيل المثال Glasgow 2006 و 2009 و Mallon 2006 حول “العرق” و Barnes 2016 حول “الإعاقة” و Dembroff 2016 حول “التوجه الجنسي”، بالإضافة إلى العديد من الأوراق حول “المرأة” و “الجنس” و “الجندر” المذكورة في القسم السابق). كما ألمحنا للتو، فإن فكرة المشروع التحسيني في الفلسفة ليست جديدة، ولكن من وجهة نظرنا، فإن الدافع الذي شهد انبعاث هذا الخط المنهجي في الفلسفة مؤخرًا يدين بالكثير للدور المركزي التي لعبه هذا المفهوم في التطورات الأخيرة في فلسفة الجندر والعرق، وذلك على مدى العقدين الماضيين.

ونظرًا لأن المشاريع التحسينية أصبحت أكثر شيوعًا في الفلسفة التحليلية السائدة، فقد أفضى هذا الصنيع إلى اجتراح سرديات عنيت بفحص دقيق للأسس المنهجية والجوانب الميتافيزيقية والدلالية والمعرفية للنهج التحسيني، فضلاً عن سبر آثاره الأخلاقية والسياسية. وعلى سبيل المثال، قام أليكس برجيس ودافيد بلينكت (2013a,b) بمسح بحثي مفيد لهذه القضايا، والقضايا ذات الصلة المتعلقة بالمشاريع التحسينية في الفلسفة، وصاغوا تسمية جديدة اطلقوا عليها: “الأخلاق المفاهيمية”؛ وهو مصطلح ينصرف إلى الإشارة إلى التفكير الفلسفي حول المصطلحات والمفاهيم التي يجب أن نستخدمها في مجالات مختلفة، مع الأخذ في عين الاعتبار أفضل ما حازه تفكيرنا المعياري، هذا مع استصحاب تلك القضايا المنهجية والفلسفية التي قد تستتبع هذه المشاريع. أحد الأمثلة التي يصدق عليها هذا التوصيف -للتدليل لا الحصر- تلك المشاريع البحثية والتي تعنى بطبيعة القيم والاعتبارات المعيارية التي ينبغي أن توجه اختيارنا للمصطلحات والمفاهيم، والتي تولي كذلك عناية بالأسئلة الدلالية حول طبيعة وإمكانية التغيير المفاهيمي والمراجعة المفاهيمية. و يصح القول هنا بأن إحدى المزايا التي تستتبع اجتراح “الأخلاق المفاهيمية” هو القول بأن نقاشاتنا -والتي تتلمس الفعل المعياري الذي يلف حديثنا و أفكارنا- قد استحالت إلى قضايا يسوسها خط ناظم منهجي واحد، و هذا ضدا على الوضعية السابقة التي كانت تفتقد لمثل هذا النظر المنهجي الواحد.

 مصطلح ” الهندسة المفاهيمية” هو الآخر أضحى من المفاهيم البارزة في هذا المجال، وهو مفهوم ينصرف دلالاته إلى تلك المشاريع التحسينية والتي تستهدف مراجعة لمفاهيمنا الحالية، بل و اجتراح مفاهيم جديدة يمكنها أن تخدم أغراضنا الرئيسية بشكل أفضل. نشأ هذا المصطلح بعيد تلك المناقشات التي استتبعت رؤية منهجية كان قد عرض لها كارناب (انظر على سبيل المثال French 2015 لماقشة وافية)، ولكن المصطلح بعمومه و شموليته لم يُلتفت إليه إلا مؤخرا، وذلك بعد نقاش فلسفي أفضى إلى القول بأنه في مكننا فهم العديد من النقاشات التقليدية التي طبعت الفلسفة، باعتبارها في الأساس على ذلك الحجاج حول الأخلاق المفاهيمية/الهندسة المفاهيمية (انظر على سبيل المثال Floridi 2011 و Plunkett 2015).

2.4 الظلم التأويلي

كما قد ألمحنا آنفا، تري فريكر (2007) بأن هناك نوعًا مميزًا من الظلم ينصرف دلالاته إلى عدم القدرة على فهم الجوانب المهمة للتجربة الاجتماعية للفرد و نقلها بشكل صحيح: وهي تسمي هذا الصنيع “الظلم التأويلي”. وفقًا لفريكر، يُمنع الأشخاص الذين يحتازون مكانا في الهامش من إنشاء المفاهيم والمصطلحات والموارد التمثيلية الأخرى، والتي يمكن استخدامها من أجل فهم تجاربهم الخاصة و خلق التصورات حولها، لا سيما أولئك الأفراد الذي لا مندوحة لهم سواء التعايش مع فعل التهميش هذا. وعلى الضد، يميل الأشخاص الذين هم في موقع قوة إلى إنشاء مفاهيم وتمثيلات لغوية تساعدهم على تصور التجارب والظواهر التي تهمهم، في إقصاء واضح و جلي لتجارب الأفراد المهمشين. و لهذا السبب، قد يعاني أفراد الفئات المهمشة من ثغرة في الموارد التمثيلية المتاحة لهم، بل وقد يفتقرون إلى المفاهيم والمصطلحات التي من شأنها أن تسمح لهم بفهم تجاربهم ومن ثم نقلها للعموم. لتوضيح هذه الظاهرة، يركز فريكر (2007) على عدة أمثلة، مثل التعبير عن مصطلح “التحرش الجنسي”، حيث افتقر ضحايا التحرش الجنسي -قبل صياغة المصطلح- إلى اللغة التي تشرح تجاربهم في حال تعرضهم إلى مقدمات جنسية غير مرغوب فيها، وذلك عبر طريقة توضح بالتحديد ما هو المعيب في عملية التحرش هذه، و كيف أنها فعل خاطئ بادئ الأمر.

 في الأدبيات المتنامية حول الظلم التأويلي، ركز الفلاسفة بشكل أساسي على السؤالين المحوريين التاليين: أولاً، كيف نفهم بشكل صحيح ظاهرة الظلم التأويلي (أي ما هو التمييز/التكييف المعرفي الذي يجعله مفارقا لأنواع الظلم الأخرى؟، وما الذي يجعل هذا الظلم التأويلي غير عادل بادئ الأمر؟)؛ وثانيها، كيف يتأتى لنا مقاومة هذا النوع من الظلم، وذلك عبر سد تلك الفجوات المفاهيمية واللغوية في فهمنا الجمعي لحالات التهميش؟

فيما يتعلق بالسؤال الأول، ترى لورا بيبي (2011) بأن المفهوم ذي الصلة بالظلم التأويلي هو مفهوم يركز ابتداء على ذلك الوضع المعرفي، و الذي يتمثل في الافتقار إلى المفاهيم والمصطلحات ذات الصلة، وهو أمر لا دخل للظروف و الخلفية الاجتماعية للفرد في تكوينها و شيوعها. وعلى سبيل التعيين، لنأخذ حالة التحرش الجنسي كمثال هنا، والتي ترى لورا بأن أوار الظلم التأويلي الذي يلف هذا الصنيع، يشمل كلا من المتحرش و الضحية، وما ذاك إلا لأن كلا الطرفين ينطلقان من مواقف معرفية متشابهة: أي يتوافرون على فجوات معرفية مماثلة، والتي تقف سدا منيعا دون فهم ما يجري. و هذا يستتبع القول -وفقا لبيبي- أن نقدم وصفا للظلم التأويلي عبر كوة الوضع المعرفي للذات، وذلك عبر سبر تلك الفجوات المفاهيمية. وفي حالة اتباع هذه المنهجية التحليلية، سنخلص للقول بأن كلا من المُتحرِّش والمُتحرَّش به يقعان في حالة من الظلم التأويلي؛ ولكن يبدو أن هذا التشخيص ليس في حالة وئام مع ادعاء فريكر بأن الضحية هي فقط من يطالها أوار الظلم التأويلي. ومع ذلك، كما تؤكد بيبي، يمكن للمرء أن يرد قائلا بأن هناك أشخاص مخصوصون -وفقًا لـفريكر- يتوافرون على موقع قوة يتمتعون من خلالها بميزة معرفية: أي لديهم القدرة على إنشاء مفاهيم ومصطلحات مفيدة، وذلك بغية اجتراح عملية الفهم و الذي يستتبع بالضرورة القدرة على إيصال الأفكار عبر تفاعلات اجتماعية يصح القول بأنها مهمة لهم؛ وهذا الصنيع بلا شك يتناقض مع وضع المهمشين الذين يفتقرون إلى هذه القدرة.

ومع ذلك، فإن الفكرة القائلة بأن المهمشين يفتقرون إلى القدرة على تصور تجاربهم الخاصة وتوصيلها قد تم نقضها أيضًا من قبل فلاسفة مثل ريبيكا ماسون (2001)، وكريستي دوتسون (2012)، وجيل بولهاوس (2012)، وخوسيه ميدينا (2013). وعلى سبيل المثال، يرى كل من ماسون (2001) ومدينا (2013) بأن سردية فريكر لها شيء من الوجاهة، وذلك بالقول بأن الأشخاص الذين يقعون في حالة من التهميش قد لا يتمكنون من الوصول إلى الشروط المشتركة علنًا من أجل توصيل تجاربهم لمن هم في موقع سلطة، ولكنهم رغما عن هذا، فإنه باستطاعتهم اجتراح طرائق يتمكنون من خلالها من فهم تجاربهم الخاصة بطريقة مفيدة، حتى قبل نقل هذه التجارب عبر كوة المفاهيم اللغوية. وعـــلى التعيين، لنأخذ حالة التحرش الجنسي هنا كمثال، حيث يصح القول هنا بأنه في مكن بعض ضحايا التحرش الجنسي من حضور اجتماعات توعية للنساء، والتحدث مع بعضهن البعض حول تجاربهن المماثلة، مما يستتبع القول بأنهن بهكذا نشاط استطاعوا أن يفهمن تجاربهن، بل أصبح لهن القدرة على إيصالها إلى أولئك الأشخاص الذين وقعوا في نفس المأزق؛ كل هذا حتى قبل اجتراح مصطلح من قبيل “التحرش الجنسي”. وعلى هذا، ترى ماسون (2011) بأن الأمر أضحى مؤاتيا هنا للقول بأن أعضاء المجموعات المهمشة يتوافرون بالفعل على بعض الموارد المفاهيمية التي تمكنهم من فهم تجاربهم الاجتماعية الخاصة؛ وعلى التحقيق، فإن مايفتقرون إليه في الواقع هو القدرة على إدخال هذه المعاني في سلم الفهم الجمعي وهو أمر غير عادل بطبيعة الحال، مما يفضي إلى حقيقة أن المجموعات المهيمنة لديها فهم مشوه للتجارب الاجتماعية لتلك المجموعات المهمشة. في المقابل، ترى بولهاوس (2012) بأن الأشخاص المهمشين هم في وضع أفضل لملاحظة الفجوات التي تتوافر عليها مواردنا المعرفية الجماعية، مما يستتبع القول بأن هذه المجموعات المهمشة لها القدرة على الوصف و التصوير الدقيق لتجارب أولئك المضطهدين اجتماعياً. علاوة على ذلك، يمكن أن تعمل هذه الموضوعات بشكل تعاوني مع موضوعات أخرى واقعة في نفس المأزق، وذلك من أجل تطوير موارد معرفية جديدة، يمكنها التعامل مع تلك المجالات من الفضاء الاجتماعي، والتي لا يهتم بها عادة الأشخاص في موقع الهيمنة. ومع ذلك، كما تجادل بولهاوس، سيكون من الصعب إقناع من له حضوة تأويلية بتوظيف تلك الموارد المعرفية الجديدة التي طورها المهمشون، و عين هذه الممانعة هي ما اصطلحت على تسميته بولهاوس “بالجهل التأويلي المتعمد”

علاوة على ذلك، سكّت دوتسون (2012) نوعًا جديدًا من الظلم المعرفي، بالإضافة إلى ظلم الشهادة والظلم التأويلي، اطلقت عليه “الظلم المشترك”، وهو نوع من الظلم المعرفي الذي لا يتعلق فقط بظاهرة التجاهل المتعمد للموارد المعرفية التي طورها المهمشون، ولكنه ظلم ينصرف دلالاته إلى ذلك الاستخدام المستمر للموارد المعرفية المشوهة التي طورها من هم في موقع السلطة، دون الالتفات إلى تجارب المهمشين. يعمل هذا الاستخدام للموارد المفاهيمية الخاطئة على منع استيعاب الموارد المفاهيمية الجديدة التي طورها المهمشون، مما يؤدي إلى مزيد من سوء الفهم. بالإضافة إلى ذلك، يقر ميدينا (2013) بحقيقة أن المهمشين لديهم القدرة على فهم تجاربهم الخاصة ونقلها إلى بعضهم البعض، وهي بحسبه خطوة قبلية وضرورية من أجل اجتراح مفاهيم و مصطلحات جديدة و أكثر تعقيدًا. في لغتنا المشتركة، وفقًا لميدينا، فإن هذا الصنيع يمكن أن يساعدنا على الاجابة عن سؤالنا الثاني الذي ذكرناه آنفا، وعلى التعيين كيفية مقاومة الظلم التأويلي: فهو يقترح بالقول بأن على المهمشين دورا كبيرا في هذا السياق، حيث يجب عليهم أن يكونوا أكثر حساسية للمحاولات غير المكتملة للتواصل مع أشخاص في وضع التبعية، وذلك بغية الوصول إلى المفاهيم المشتركة، بغية وضع تصور صحيح لتلك الجوانب من تفاعلاتنا الاجتماعية. أخيرًا، يجترح ديريك إي أندرسون (2017) نوعًا جديدًا من الظلم المعرفي، وهو ظلم الكفاءة المفاهيمي، وهو مفهوم ينصرف دلالاته إلي ذلك السياق حينما لا يكون المفهوم قمين بانطباقه على فرد مهمش، و هذا إما بسبب نقص المصداقية اللغوية أو المفاهيمية، في حين أنهم في الواقع يتمتعون بكفاءة تامة. يجادل أندرسون بأن هذا يختلف عن الظلم التأويلي، لأنه في حالات الظلم التأويلي، يفتقر الأشخاص المهمشون إلى بعض المفاهيم المهمة لأسباب هيكلية، بينما في حالات ظلم الكفاءة المفاهيمية، يمتلكون المفاهيم بكليتها، ولكن يُنظر إليهم عادة على أنهم متحدثون غير أكفاء. ومع ذلك، يرتبط هذا النوع من الظلم ارتباطًا وثيقًا بمفهوم دوتسون عن الظلم المشترك، لأنه في تلك الحالات التي يستخدم فيها الأشخاص المتميزون موارد تأويلية مشوهة أو متحيزة، فمن المرجح عندها أن يمسهم الشك حول الكفاءة المفاهيمية للأفراد المهمشين (حتى لو كانت هذه الكفاءة المفاهيمية ناضجة في الواقع)، وهو الأمر الذي يصح وصفه بأنه يرقى إلى مستوى ظلم الاختصاص المفاهيمي، مما يستتبع القول بأن الموارد المفاهيمية للمهمشين بدورها ستكون أقل عرضة للاستيعاب، وهوما يرقى إلى مستوى الظلم المشترك.

وفي نهاية هذا الجزء من المدخل، يثور سؤال هنا يتعلق بماهية الموارد المفاهيمية التي يصح اجتراحها بغية سد الفجوات التأويلية في فهمنا الجِمْعي. وفقا لكومارين رومدنه-روملوك (2016) فإن ما نحتاجه في هذا السياق ليس إلا سكّ مصطلحات ومفاهيم جديدة، تتسم بوجود آلية تقييمية صحيحة، هذا مع استصحاب وجود آلية وصفية صحيحة بادئ الأمر. وعلى سبيل المثال، كان إدخال مصطلح “التحرش الجنسي” مفيدًا جدًا لأن المصطلح الجديد يشير بطريقة ما إلى أن التحرش الجنسي فعل خاطئ، في حين أن المصطلحات السابقة من قبيل قولهم “المغازلة غير المؤذية” لا تحمل في تلافيفها على آلية تقييم سلبية مناسبة في هذا المقام. وبالمثل، كما يرى ميدينا (2013)، فإن تخصيص مصطلحات مثل ‘gay’ “مثلي” و ‘queer’ “كوير” من قبل مجتمع LGBT يصح اعتباره بأنها استراتيجية للتغلب على حالة الظلم التأويلي، حيث جاءت هذه المصطلحات للتعبير عن مفاهيم جديدة و تحمل دلالات إيجابية، وذلك للدلالة على وجود ذلك الميل الجنسي إلى أفراد يحملون وسم الجنس ذاته، وذلك على عكس تلك المفاهيم القديمة التي تحمل وسم المرض أو الانحراف لوصم هذه الممارسات. بالإضافة إلى ذلك، يرى جورج هال – في إسهام سيصدر قريباً- بأن رفع الوعي مهم للغاية، ليس فقط كوسيلة للتغلب على الظلم التأويلي، ولكن “يمكن أن يكون في حد ذاته طريقة للتغلب على الظلم التأويلي” (2016: 13). و للتدليل على هذا، يستحضر هال حالة السود في جنوب إفريقيا أثناء فترة الفصل العنصري، و يرى، بالاعتماد على أعمال منظري الوعي السود مثل بي. بيكو ون. بيتيانا، بأنهم كانوا عرضة لعدم التوفيق بين تجاربهم التي خاضوها مع العنصرية و الأعمال القمعية، و بين الموارد التفسيرية الجماعية التي كانت متوافرة لهم. و لهذا السبب، يمكن أن يساعد رفع الوعي في تصحيح المفاهيم و الصور الخاطئة أو المشوهة عن أنفسهم، وتطوير أدوات مفاهيمية جديدة، بغية فهم تلك الجوانب من حياتهم. علاوة على ذلك، يرى تشارلي كرير (Charlie Crerar) (2016) بأن الظلم المرتبط بنقص الموارد التأويلية لا يحدث فقط في حالات الغياب المفاهيمي (أي الثغرات المفاهيمية) أو عدم كفاية المفاهيم (أي عدم وجود مفاهيم ذات دلالات مناسبة)، ولكنه يحدث أيضًا في تلك الحالات التي تتوافر على ذخيرة مفاهيمية غنية، ولكن المحرمات أو الممارسات الاجتماعية الأخرى، تقف حاجزا منيعا ضد المهمشين لمناقشة بعض الأمور التي تهمهم. لذلك -كما يرى هال- “فنحن بحاجة إلى الوصول إلى بيئة حرة بشكل صريح لا لبس فيه، وذلك بغية وضع هذه المفاهيم موضع التنفيذ: وذلك عبر اجتراح سياق اجتماعي منفتح و متقبل، يمكن فيه مناقشة تجربة معينة، يكون فيها للأفراد أو الجماعات في مجتمع ما، مصلحة كبيرة في فهمها عبر كوة طرق تأويلية مؤاتية”(2016: 205).

2.5 الخطابات التعميمية

 يصح القول في ختام هذا المدخل بأن تلك العبارات العامة من قبيل قولنا “تتوافر القطط على الفرو”، تتوافر القطة على الفرو”، لا تستحيل إلى تعميمات يصح اعتبارها بأنها قارة ليس لها صفة الاستثناء (فهناك قطط بلا فرو)، و لا يصح اعتبارها أيضا بأن لها صفة التعميم الوجودي (وهو ادعاء يحمل صفة القوة الحجاجية المتجاوزة). وعلى التعيين، فإن الاهتمام هنا ينصرف إلى حقيقة القول بأن هذه القضايا و مثيلاتها مازالت تثير الأحجيات، والتي انصرف إليها اهتمام كل من اللسانين و الفلاسفة (لمزيد استقصاء و نقاش حول الخطابات التعميمية، انظر المدخل الخاص حول الخطابات التعميمية) . ينصب تركيزنا في هذا الجزء الختامي من المدخل على تلك الأدبيات التي ينصرف اهتمامها إلى سبر الحمولة الاجتماعية و السياسية للخطابات التعميمية، والتي قيل بأن لها انعكاسات على بعض التمثيلات المجتمعية؛ وهي أدبيات تتخذ إسهام سارة-جين ليزلي كنقطة انطلاق (ليزلي 2015؛ ووداك وليزلي ورودس 2015). ما يهمنا في هذا الصدد أمثلة عينية من قبيل قولنا “لا يبكي الأولاد” أو  ” يضع النساء العاملات عائلاتهن من -حيث الأهمية- في درجة تسبق حياتهن المهنية”، حيث جرى استخدام خطابات تعميمية من هذا النوع على أنها مجرد سرديات وصفية بحته؛ وعلى سبيل المثال، فوصف البكاء في المثال الأول ينصرف دلالاته إلى القول بأن فعل البكاء ليس فعلا يشترك فيه جمع الأولاد بعمومهم، ولكن رغما عن هذا، قد يتم توظيف هذا النوع من الخطابات التعميمية لاجتراح سرديات معيارية توجيهية، مهمتها توجيه السلوك حول ما يجب وما لا يجب. يقترح ووداك وليزلي ورودس (2015) بأنه “يمكننا فهم الفرق بين التعميمات المعيارية والوصفية عبر كوة المفاهيم التي تختزلها العبارة الأسمية في الخطابات التعميمية محل النقاش”. (ووداك وآخرون. 2015: 629). وعلى هذا، يمكننا القول بأن أحد المفاهيم التي تختزلها لفظة ” امرأة” في المثال الثاني تنصرف دلالاته إلى تقعيد معياري يقول بأن اهتمام المرأة العاملة الأصيل عادة ما ينصرف إلى أسرتها، بدلا عن مهامها الوظيفية؛ أما في التعميم الوصفي، فتستحيل الجملة بكليتها إلى وصف لجنس النساء بأنهم يمارسون هذا الصنيع ( بمعنى أن اهتمامهم ينصرف أصالة إلى أسرهم، و يستبقون القليل لأعمالهم). توظف ليزلي هذه السردية كأساس تحليلي لشرح أقوال من قبيل قولنا ” تعد هيلاري كلينتون الرجل الوحيد في الإدارة الأمريكية، أثناء تواجد الرئيس أوباما على سدة حكم البيت الأبيض “، مما يعني هنا أن لفظة “الرجل” تنصرف دلالاتها إلى الرجولة بمعناها المعياري؛ وهو أمر يصح اعتباره بأنه يمثل جزءا من ضمن مشروع عمومي يحمل تلك الآثار الضارة على الإدراك المجتمعي العام. . تناقش ليزلي (في إسهام سيصدر قريبا) بدورها ما تسميه “بتعميم الصفات التمييزية”، وهي تعميمات تحمل في تلافيفها صفات خطرة، تُنسب عادة إلى مجموعات معينة بذاتها– وذلك مثل قولنا “السود خطرون” أو “المسلمون إرهابيون” . وفقا لليزلي، تقوم هذه الصفات التمييزية بدور كبير في تكريس التحيز و تفاقمه، حيث أنها خطابات تمتاز بأنه لها صفة الثبات: فهي عند إطلاقها، لا تُراعى فيه كل الحالات التي قد يصدق عليه هذا الوصف بتمامه (على افتراض استيفاء بعض الشروط الأخرى، هذا إذا ما أريد لهذا الوصف أن يكون له صفة العمومية). (للاطلاع على بعض الانتقادات الموجهة إلى ليزلي حول تعاطيها مع سردية تعميم الصفات التمييزية، انظر Saul forthcoming and Sterken 2015a,b.)

وعلى خطى إسهام ليزلي، ترى هاسلانجر بأن الخطابات التعميمية غالبًا ما تحمل في تلافيفها استلزامات خطابية تؤطر طبائعنا نحن بنو البشر، مما يستتبع القول بأنها يمكن أن تُوظف في هذا السياق باعتبارها آلية تُجترح بغية تثبيت دعائم تلك الهياكل الاجتماعية الغير عادلة. أحد التأويلات التي طبعت إسهام ليزلي هو القول بأن سردية تعميم الصفات التمييزية قد يفهم منها أن لها وجه من الصحة؛ تقترح هاسلانجر بدورها بالقول بأنه مهما كان وجه الصحة الذي يلف هذه السردية، فإنه لا مندوحة لنا إلا أن نرفضها، حتى لو استلزم الأمر التوسل بآليات تتجاوز الطابع اللغوي (Horn 1985)، وهو صنيع بحسبها ضروري جدا، لأن هذه التعميمات تحمل مضامين خاطئة في أساسها، مما يستتبع القول بأن الآلية النفي هذه ستلعب دورا في تعطيل عمل تلك الأيديولوجيات التي أحكمت قبضتها علينا (لمزيد استدراك حول هذه الرؤية، انظر Saul في إسهام قادم).


قائمة المراجع

  • Anderson, Derek E., 2017, “Conceptual Competence Injustice”, Social Epistemology, 31(2): 210–223. doi:10.1080/02691728.2016.1241320
  • Andler, Matthew, 2017, “Gender Identity and Exclusion: A Reply to Jenkins”, Ethics, 127(4): 883–895.
  • Ang, Ien, 1995, “I’m a Feminist but … ‘Other’ Women and Postnational Feminism”, in B. Caine and R. Pringle (eds.), Transitions: New Australian Feminisms, Sydney: Allen and Unwin, pp. 57–73.
  • Antony, Louise, 1995, “Sisters, Please, I’d Rather Do It Myself: A Defense of Individualism in Feminist Epistemology”, Philosophical Topics, 23(2): 59–94. doi:10.5840/philtopics19952322
  • –––, 2012, “Is There a ‘Feminist’ Philosophy of Language?” in Crasnow and Superson 2012: 245–285. doi:10.1093/acprof:oso/9780199855469.003.0011
  • Austin, J L., 1962 [1975], How To Do Things With Words: he William James Lectures delivered at Harvard University in 1955, second edition, J.O. Urmson and Marina Sbisà (eds), Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780198245537.001.0001
  • Ayala, Saray and Nadya Vasilyeva, 2015, “Extended Sex: An Account of Sex for a More Just Society”, Hypatia, 30(4): 725–742. doi:10.1111/hypa.12180
  • Baker, Robert, 1992, “‘Pricks’ and ‘Chicks’: A Plea for ‘Persons’”, in Janet A. Kourany, James P. Sterba, and Rosemarie Tong (eds.), Feminist Philosophies, Englewood Cliffs, NJ; London: Prentice Hall, pp. 49–59.
  • Barnes, Elizabeth, 2016, The Minority Body: A Theory of Disability, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780198732587.001.0001
  • Baron, Dennis E., 1986, Grammar and Gender, New Haven and London: Yale University Press.
  • Bauer, Nancy, 2015, How to Do Things With Pornography, Cambridge: Harvard University Press.
  • Beeby, Laura, 2011, “A Critique of Hermeneutical Injustice”, Proceedings of the Aristotelian Society, 111(3): 479–486. doi:10.1111/j.1467-9264.2011.00319.x
  • Bennett, Jessica, 2016, “She? Ze? They? What’s in a Gender Pronoun”, New York Times, 31 January 2016, page ST2, available online).
  • Bettcher, Talia Mae, 2013, “Trans Women and the Meaning of ‘Woman’”, in Nicholas Power, Raja Halwani, and Alan Soble (eds.), The Philosophy of Sex, sixth edition, Lanham, MD: Rowman & Littlefield, pp. 233–249.
  • Bianchi, Claudia, 2008, “Indexicals, Speech Acts and Pornography”, Analysis, 68(4): 310–316. doi:10.1093/analys/68.4.310
  • Bird, Alexander, 2002, “Illocutionary Silencing”, Pacific Philosophical Quarterly, 83(1): 1–15. doi:10.1111/1468-0114.00137 [Bird 2002 preprint available online]
  • Bodine, Ann, 1975 [1998], “Androcentrism in Prescriptive Grammar”, in Cameron 1998: 124–138.
  • Burgess, Alexis and David Plunkett, 2013a, “Conceptual Ethics I”, Philosophy Compass, 8(12): 1091–1101. doi:10.1111/phc3.12086
  • –––, 2013b, “Conceptual Ethics II”, Philosophy Compass, 8(12): 1102–10. doi:10.1111/phc3.12085
  • Butler, Judith, 1990, Gender Trouble: Feminism and the Subversion of Identity, NY and London: Routledge.
  • Cameron, Deborah, 1985, Feminism and Linguistic Theory, Basingstoke and London: MacMillan.
  • –––, 1995, Verbal Hygiene, London: Routledge.
  • –––, 1998a, The Feminist Critique of Language, second edition, London and New York: Routledge.
  • –––, 1998b, “Feminist Linguistic Theories”, in Stevi Jackson and Jackie Jones (eds.), Contemporary Feminist Theories, Edinburgh: Edinburgh University Press, pp. 147–161.
  • Cole, C. Maureen, Frances A. Hill, and Leland J. Dayley, 1983, “Do Masculine Pronouns Used Generically Lead to Thoughts of Men?” Sex Roles, 9: 737–749. doi:10.1007/BF00289802
  • Crasnow, Sharon L. and Anita M. Superson (eds.), 2012, Out From the Shadows: Analytical Feminist Contributions to Traditional Philosophy, New York: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780199855469.001.0001
  • Crenshaw, Kimberlé, 1991, “Mapping the Margins: Intersectionality, Identity Politics, and Violence Against Women of Color”, Stanford Law Review, 43(6): 1241–1299.
  • Crerar, Charlie, 2016, “Taboo, Hermeneutical Injustice, and Expressively Free Environments”, Episteme, 13(2): 195–207.
  • Daly, Helen L., 2015, “Sex, Vagueness, and the Olympics”, Hypatia, 30(4): 708–724. doi:10.1111/hypa.12184
  • Daly, Mary and Jane Caputi, 1987, Websters’ First New Intergalactic Wickedary of the English Language, Boston: Beacon Press.
  • Davies, Alex, 2016, “How to Silence Content with Porn, Context, and Loaded Questions”, European Journal of Philosophy, 24(2): 498–522.
  • De Gaynesford, Maximilian, 2009, “Illocutionary Acts, Subordination and Silencing”, Analysis, 69(3): 488–490. doi:10.1093/analys/anp068
  • Dembroff, Robin A., 2016, “What is Sexual Orientation?” Philosophers’ Imprint, 16(3): 1–27. [Dembroff 2016 available online]
  • Dembroff, Robin, and Daniel Wodak, 2017, “The Problem with Pronouns”, available online.
  • Diaz-Leon, E., 2016, “Woman as a Politically Significant Term: A Solution to the Puzzle”, Hypatia, 31(2): 245–258. doi:10.1111/hypa.12234
  • Dotson, Kristie, 2012, “A Cautionary Tale: On Limiting Epistemic Oppression”, Frontiers, 33(1): 24–47. doi:10.5250/fronjwomestud.33.1.0024
  • Dworkin, Ronald, 1991, “Liberty and Pornography”, The New York Review of Books, August 15, 1991, 12–15.
  • –––, 1993, “Women and Pornography”, The New York Review of Books, October 21, 1993.
  • Ehrenreich, Barbara, 1992, “The Challenge for the Left”, in Debating PC: The Controversy Over Political Correctness on College Campuses, Paul Berman (ed.), NY: Laurel, pages 333–. Cited in Cameron 1995.
  • Elgin, Suzette Haden, 1985, A First Dictionary and Grammar of Láadan, Madison: Society for the Furtherance and Study of Fantasy and Science Fiction.
  • Erlich, Susan and Ruth King, 1992 [1998], “Gender-Based Language Reform and the Social Construction of Meaning”, in Cameron 1998: 164–179.
  • Farley, Lin, 1978, The Sexual Shakedown: the Sexual Harassment of Women on the Job, New York: McGraw-Hill.
  • Fausto-Sterling, Anne, 1992, Myths of Gender, New York: Basic Books.
  • Finlayson, Lorna, 2014, “How to Screw Things with Words”, Hypatia, 29(4): 774–789. doi:10.1111/hypa.12109
  • Floridi, Luciano, 2011, “A Defence of Constructionism: Philosophy as Conceptual Engineering”, Metaphilosophy, 42(3): 282–304. doi:10.1111/j.1467-9973.2011.01693.x
  • French, Christopher F., 2015, “Rudolf Carnap: Philosophy of Science as Engineering Explications”, in Uskali Mäki, Ionnis Votsis, Stéphanie Ruphy, and Gerhard Schurz (eds.), Recent Developments in Philosophy of Science: EPSA13 Helsinki, Springer, pp. 293–303. doi:10.1007/978-3-319-23015-3_22
  • Fricker, Miranda, 2007, Epistemic Injustice: Power and the Ethics of Knowing, Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/acprof:oso/9780198237907.001.0001
  • Fricker, Miranda and Jennifer Hornsby (eds.), 2000, The Cambridge Companion to Feminism in Philosophy, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CCOL0521624517
  • Frye, Marilyn, 1983, The Politics of Reality: Essays in Feminist Theory, Freedom, Trumansburg, NY: The Crossing Press.
  • Garry, Ann, and Marilyn Pearsall (eds.), 1996, Women, Knowledge and Reality: Explorations in Feminist Philosophy, NY and London: Routledge.
  • Gastil, John, 1990, “Generic Pronouns and Sexist Language: The Oxymoronic Character of Masculine Generics”, Sex Roles, 23(11): 629–643. doi:10.1007/BF00289252
  • Glasgow, Joshua, 2006, “A Third Way in the Race Debate”, Journal of Political Philosophy, 14(2): 163–185. doi:10.1111/j.1467-9760.2006.00238.x
  • –––, 2009, A Theory of Race, London: Routledge.
  • Green, Leslie, 1998, “Pornographizing, Subordinating, Silencing”, in Robert Post (ed.), Silencing: Practices of Cultural Regulation, Getty Research Institute, pp. 285–311.
  • Grice, Paul, 1975 [1989], “Logic and Conversation”, in Studies in the Way of Words, Cambridge, MA: Harvard University Press, pp. 22–40.
  • Gross, Paul A., 1998, “Bashful Eggs, Macho Sperm, and Tonypandy”, in Noretta Koertge (ed.), A House Built on Sand: Exposing Postmodernist Myths About Science, New York: Oxford University Press, pp. 59–70. doi:10.1093/0195117255.003.0005
  • Grünberg, Angela, 2014, “Saying and Doing: Speech Actions, Speech Acts and Related Events”, European Journal of Philosophy, 22(2): 173–199. doi:10.1111/j.1468-0378.2011.00481.x
  • Haslanger, Sally, 1995, “Ontology and Social Construction”, Philosophical Topics, 23(2): 95–125. doi:10.5840/philtopics19952324
  • –––, 2000a, “Feminism in Metaphysics: Negotiating the Natural”, in Fricker and Hornsby 2000: 107–126. doi:10.1017/CCOL0521624517.007 [Haslanger 1995 available from the author (PDF)]
  • –––, 2000b, “Gender and Race: (What) Are They? (What) Do We Want Them to Be?” Noûs, 34(1): 31–55. doi:10.1111/0029-4624.00201

–––, 2005, “You

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up this entry topic at the Indiana Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت حول فلسفة اللغة النسوية

[Please contact the author with suggestions.]

مداخل ذات صلة بـ وفلسفة اللغة النسوية

Davidson, Donald | feminist philosophy, approaches: intersections between analytic and continental philosophy | feminist philosophy, approaches: intersections between pragmatist and continental philosophy | feminist philosophy, interventions: epistemology and philosophy of science | feminist philosophy, interventions: metaphysics | feminist philosophy, interventions: social epistemology | feminist philosophy, topics: perspectives on sex and gender | feminist philosophy, topics: perspectives on trans issues | generic generalizations | Grice, Paul | implicature | meaning, theories of | reference | Tarski, Alfred

إقرار

We are very grateful to David Braun, Ray Drainville, Sally Haslanger, Chris Hookway, Jules Holroyd, and Nancy Tuana for their invaluable help with this entry. We would also like to thank Kathrin Gluer-Pagin for spotting some misidentified sentences in an earlier version of this entry, and Erik Tellgren for alerting us to Paul Gross’s response to Emily Martin. Special thanks are due to Mary Kate McGowan for her extremely helpful advice on the 2010 update to this entry, and to Ann Garry and Heidi Grasswick for their very useful comments on the 2017 update.


الهوامش

[1] Saul, Jennifer and Esa Diaz-Leon, “Feminist Philosophy of Language”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2018 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2018/entries/feminism-language/>.

[2] انظر: النسوية التحليلية؛ وجهات النظر النسوية على الذات؛ الأخلاق النسوية والنسوية تاريخ الفلسفة.

[3] انظر: Erlich & King 1998: 168؛ جاستيل 1990؛ مارتينا 1978؛ مولتون وروبنسون وإلياس 1978؛ Wilson & Ng 1988. كانت هناك بعض الانتقادات لهذا البحث في Cole، Hill، & Dayley 1983. لكن انظر أيضًا الرد على هذه الانتقادات في Gastil 1990.

[4] (Frye 1983)

[5] (Frye 1983: 22).

[6] (Cameron 1985؛ Moulton 1981b؛ Spender 1980 [1985]).

[7] (Haslanger 1995: 109; MacKinnon 1989: 173).

[8] (Farley 1978; Speender 1985).

[9] Miranda Fricker (2007: 155).

[10] (انظر، على سبيل المثال، ميلر وسويفت ١٩٧٦،١٩٨٠، والأوراق في الجزء الثاني لكاميرون ١٩٩٨).

[11] “زي” هو ضمير يستخدم بدلاً من “هو” أو “هي” للإشارة إلى شخص من جنس غير محدد أو غير ثنائي الجنس، حيث يتم ذكره مسبقًا في مدارج الكلام، مما يفضي إلى القول بأنه في مكننا أن نتعرف على المخاطب بسهولة.

[12] (Bennett 2016; Dembroff and Wodak 2017)  .

[13] (Cameron 1985: 85).

[14] (Penelope 1990; Spender 1985).

[15] (Speender 1985: 15, citing Julia Stanley 1977).

[16] (Spender 1985: 17).

[17] Lakoff (1975).

[18] (For more on such examples, see also Baker 1992).

[19] (Spender 1985: 144).

[20] (Speender 1985: 144).

[21] (Spender 1985: 147, emphasis hers).

[22] (Sapir 1921; Whorf 1956).

[23] (Cameron 1998b: 150).

[24] هناك جدل كبير حول ما تعنيه هذه الفرضية، وحول دقة نسبه إلى سابير أم وورف، لكن هذا الجدل ليس وثيق الصلة بالمدخل الحالي.

[25] (1985: 143).

[26] . For more on discursive constructivism, see also the section on Feminist Postmodernism in the entry on feminist epistemology and philosophy of science.

[27] (Haslanger 1995: 99).

[28] (Daly and Caputi 1987; Elgin 1985; MacKinnon 1989; Penelope 1990; Spendeer 1985).

[29] (Cameron 1998b).

[30] (Cameron 1998b).

[31] (Hornsby 1995).

[32] (Fricker 2007).

[33] )Crenshaw 1991؛ Lugones and Spelman 1983؛ Spelman 1988).

[34] See also the section on Feminist Critiques and Conceptions of Objectivity in the entry on feminist epistemology and philosophy of science.

[35] (Martin 1996: 106).

[36] (Martiin 1996: 108).

[37] (Martin 1996: 108).

[38] (Keller 1996: 36.).

[39] (Hintikka and Hintikka 1983; Hornsby 2000; Nye 1996, 1998).

[40] (Hornsby 2000).

[41] (Hintikka and Hintikka 1983).

[42] (Hintikka and Hintikka 1983; Hornsby 2000).

[43] (Ang 1995, Lorde 1983, Lugones and Spelman 1983; Moody-Adams 1991).

[44] (Hornsby 2000).

[45] (Nye 1998: 266).

[46] (2012: 277).