مجلة حكمة
حياة غير مفحوصة سقراط

حياة غير مفحوصة، ليست جديرة بأن تُعاش

الكاتبإبراهيم جركس

“حياةً غير مفحوصة، ليست جديرة بأن تُعاش”، أو هذا ما أخبرنا به سقراط على الأقل.

سقـــراط هو فيلسوف الاستبطان وفحص الذات بامتياز. لقد طلب منّا التحدّث بانتظام مع أنفسنا ومع الآخرين، وإعادة النظر في القيم التي تُرشِد حياتنا. اثنان من أهم معتقداته الأساسية -“الحياة غير المَفحوصة غير جديرة بأن تُعاش”، وأنَّ الحياة الطيّبة هي حياةٌ أخلاقية- تحدّدان ماذا يعني أن نعيش حياةً فلسفيّة. إنّهما يقدّمان لنا تحدّياً جريئاً لنعيش حياتنا بقناعة من خلال إعادة النّظر في الحقائق والقيم التي نعتبرها من المسلّمات ووضعها موضع الفَحص والاختبار. ومن خلال تحديد معتقداتنا ومعرفة سبب إيماننا بما نعتقد به، نفهم ما نعتبره مهمّاً بالنسبة إلينا، وما الذي يجعلنا نعيش حياةً جديرة بأن تُعاش. الفحص الذاتي وإعادة تقييم الذات يسمحان لنا أن نعيش حياةً هادفة. وبدونها لن نعرف مَن نحن حقّاً، أو ما معنى حياتنا وقيمتها.

حتّى يتمكّن من تكريس وقته للتعلّم والتّعليم، اعتنق سقراط حياة الزّهد. على عكس معظم مواطنيه من الأثينيين، لم يكُن سقراط مهتمّاً بمراكمة الثروة أو السعي وراء السلطة، بل صَبّ اهتمامه على اكتساب الحكمة، وما يعنيه أن يعيش المرء حياةً طيّبة، فقد قال: ((ليس الأهم هو الحياة بحدّ ذاتها، بل الحياة الطّيبة)). بالنّسبة للجميع، بدا سقراط أحمقاً. كان يسير حافي القدمين، أشعَث، ذو أنفٍ أفطس، وغير جذّابٍ إلى حَدٍ ما، كان السهل يظنّه المرء متشرّداً أو مجنوناً. طبعاً، لقد وصفه الفيلسوف فريدريك نيتشه على النّحو التالي: ((كان سقراط مهرّجاً يأخذ نفسه على مَحمَل الجِدّ)). لكنّ سقراط أثار غضب أكثر الرجال سلطة وثراء في أثينا. لقد شعروا بالتهديد من قبَله بسبب ممارساته غير التقليدية للفحص الذاتي، واستعداده للتضحية بملذّاته المادّية في سبيل مُثُلِهِ العُليا. كما أنَّهم كانوا قلقين من تعاليمه، وأن يكون لها تأثيرٌ على شباب أثينا. لقد تحدّى استجوابه المستمرّ ودعوته للعناية بالنفس التقاليد الأثينية الراسخة، والأهمّ من ذلك، شكّل تقييمه النقدي للذات تحدّياً لسلطة من هم في السلطة. وهو الذي قال لأحدهم ذات مرّة: ((آهٍ يا صديقي، لماذا أنت مهتمٌ كثيراً، بصفتك مواطناً في مدينة أثينا العظيمة والقويّة والحكيمة، بجمع أكبر قدرٍ من المال والشرف والسمعة، ولا تهتمّ بالسعي وراء الحكمة والحقيقة وتسامي الروح التي لَم تلاحظها أن تقدّرها حَقّ قدرها من قبل؟ ألا تَخجل من نفسك؟))

لقد أخضَعَ سقراط نفسه للاستبطان والفحص الذاتي المستمرّ، وأجبَرَ كلّ مَن حوله على فعل الشيء نفسه. فبدون الفحص الذاتي أو تقييم للذات لا يمكن أن تقوم للنّزاهة قائمة: الوعي بالذات من خلال الفحص الذاتي هو السبيل إلى حياةٍ رَضيّة طيّبة. يشبّه سقراط نفسه بالقابلة، لمساعدتنا على توليد الحكمة ومعرفة الذات. إنّه يطلب منّا أن نفكّر في أنفسنا، وأن نعيش بشكلٍ فاضل ونبيل: ((إذ أنّي أتجوّل في الأنحاء لا أفعل شيئاً سوى إقناع الشباب والمسنّين بينكم بعدم الاهتمام بأجسادكم أو ثرواتكم… بل إيلاء اهتمامٍ أكبر لأرواحكم)). وخلال رحلته هذه، جَعَلَ لنفسه عدداً كبيراً من الأعداء.

اجتذبت شخصيّة سقراط الساحرة ومشروعه لفحص الذات أبناء النّخبة للاستماع إلى خطابه. قد يكون ذلك جزئياً هو السبب في اتّهام الأثينيين الأثرياء له بإفساد عقول الشباب وادّعاء معرفة كل شيء. ولكن بالنسبة لسقراط، كان الاستجواب أسلوب حياة. لم يتّخذ أيّ شيءٍ كأمرٍ مُسَلَّمٍ به، وافترض أنّ جميع المعارف السابقة كانت ملوَّثة بالسياسة أو الاقتصاد أو الأعراف. وفي سعيه وراء المعرفة، وجد أنَّ أولئك الذين اشتهروا بالحكمة والمعرفة غالباً ما ظهروا كذلك أمام أنفسهم والآخرين، لكنّهم في الحقيقة لم يعرفوا شيئاً. ((لذلك تركته ومضيت، قائلاً لنفسي: حسناً، مع أنّني لا أفترض أنَّ أيّاً منّا يعرف أي شيء مفيد وصالح حقاً، إلا أنّني أفضلُ حالاً منه لأنَّه لا يعرف شيئاً، ويظن نفسه أنّه يعرف. أنا لا أعرف ولا أعتقد بأنّني أعرف)).

أصبحت طريقة السؤال السقراطية تُعرَف بالمنهج السقراطي _وهي طريقة تهدف إلى تحفيز مَلَكَة التّفكير النّقدي عن طريق تبادل الأفكار أخذاً وردّاً للتأكّد من أنّها متّسقة وقادرة على الصّمود أمام امتحان العقل. وبهذه الطريقة، تمكّن سقراط من فضح تناقضات خصومه، وعدم وجود أيّ أساسٍ منطقيّ يدعم أفكارهم. مرتبكين من أسلوبه وأسئلته، غالباً ما كان يتدافع الأثينيون الذين يُفتَرض أنّهم حكماء هَرَباً لحماية سمعتهم. الأمر الذي أدّى إلى وصفه بأنّه عقلٌ خطير. ومع ذلك، لم يكن هدفه كسب النّقاش وهزيمة خصمه، إنّما إظهار مدى تفاهة الحكمة الإنسانية وضآلتها أمام المشهد الكبير للأشياء. قد يكون هذا هو السبب في أنّ عرّافة دلفي العظيمة أطلقت عليه لقب “أحكم رجلٍ في أثينا”. ((ما هو محتمل، أيّها السّادة، هو أنَّ الإله حكيمٌ في الواقع، وأنَّ ردّه الإلهي يعني أنّ الحكمة البشرية ذات قيمة ضئيلة أو مَعدومة، وبالكاد تساوي شيئاً، وأنَّه عندما يتكلّم هذا الرجل، سقراط، فإنّه يستخدم اسمي كمثال، كما لو كان يقول: “هذا الرجل بينكم، أيّها الفانون، هو الأحكَم ذاك الذي يفهم، مثل سقراط، أنّ حكمته لا قيمة لها ولا تساوي شيئاً”)).

مُدرِكاً لحدود معرفته، يظلّ سقراط فضولياً إلى الأبد، ومنفتحاً على التعلّم من الآخرين. مُدركاً أنّ حكمته تكمن في وعيه بافتقاره إلى المعرفة، يُشرع في طريقٍ لا نهاية له نحو إمكانيات وطرق جديدة للفهم. عندما ندرك بأنّنا لا نعرف شيئاً، فإنّنا ننفتح على المجهول، ومن ثمّ النّمو والارتقاء. في الواقع، إنّ معرفتنا تافهة جداً مقارنةً بكلّ ما هنالك لنعرفه. عندما ادّعى الآخرون أنَّهم يعرفون أموراً لا يعرفون عنها شيئاً أصلاً، ادّعى سقراط بحكمة أنَّه لا يعرف شيئاً: ((قد أكون اكثر ذكاءً منه بعض الشيء لدرجة انّني لا أعتقد بأنّني أعرف شيئاً لم أكُن أعرفه)). يعلّمنا سقراط أنّ الحياة الجيّدة والطّيّبة تتحدّد بكيفيّة عيشنا، وليس بما نعرفه أو ما نملكه. إنّه لا يهتمّ بمراكمة المعارف، إنّما بتغيير طريقة تفكير النّاس وأسلوب حياتهم.

يشبّه سقراط نفسه باليعسوب الذي أرسلته الآلهة ليوقظ الأثينيين من سباتهم العميق، ويعلّمهم بأنَّ السعادة لن تتحقّق إلا من خلال الوعي بفعل الشيء الصحيح: ((لا أتوقّف أبداً عن إيقاظ كل واحدٍ منكم، لتقريعكم وإقناعكم طوال اليوم… قد تتضايقون منّي بسهولة كما ينزعج المرء عندما يوقَظُ من قيلولة هانئة، وقد تضربونني؛ إذا أقنعكم أنيتوس، عندئذٍ يمكنكم قتلي بسهولة، وبعد ذلك يمكنكم متابعة النّوم لبقيّة حياتكم ما لَم يُرسل لكم الإله، متغمّداً برعايته الخاصّة، شخصاً آخر)). يمكننا أن نختار إمّا السير نياماً في الحياة، ونهتم بالمكاسب المادية وما يخبرنا الآخرون بأن نهتمّ به، أو نتصرّف مثل سقراط، نفحص بأنفسنا ماذا يعني أن نعيش حياةً جيّدة وفاضلة.

كان سقراط أمّياً ولم يدوّن شيئاً. فبفضل تلميذه أفلاطون، الذي صوّر سقراط كبطلٍ في حواراته الفلسفية، بات لدينا سردٌ لأسلوب سقراط الجدلي في البحث عن الحقيقة. يصف سقراط في “حكاية الكهف” لأفلاطون صعوبة إيقاظ الناس على الحقيقة. فهو يصوّر مجموعة من السجناء في كهفٍ تحت الأرض، محبوسين هناك منذ طفولتهم، مُغَلّلين بالسلاسل في أرجلهم وأعناقهم. ولأنّهم لم يكونوا قادرين على النظر إلى الخلف، لم يتمكّنوا من رؤية الظلال التي يُلقيها على الحائط محرّك الدّمى غير المرئي خلفهم. إنّهم يأخذون هذه الظلال والصور المُسقَطة كحقيقة واقعية: ((بالنسبة لهم، الحقيقة هي مجرّد ظلالٍ حرفياً)). يشغل السجناء أنفسهم بتسمية هذه الظلال وتحديد أنماطها _حتى أنّهم يخوضون نقاشات وجدالات حول من يمكنه التعرّف عليها أوّلاً. إنّهم لا يطرحون أبداً أسئلة حول بيئتهم أو عالمهم أو كيفية وصولهم إلى هنا، او ما هم عليه، إنّهم يقبلون ببساطة الحياة التي تُمنَح لهم.

يوضح سقراط سرد تفاصيل القصّة أنّه في يومٍ من الأيام أطلِقَ سجينٌ من هؤلاء السجناء. وخوفاً من مغادرة مكانه المألوف، احتاج إلى مساعدة شخصٍ ما لدفعه لمغادرة الكهف. وعندما خرج من الكهف، حاول ضبط بصره ليألف النور. في البداية، نظر إلى أسفل، وشاهد الظلال التي كان يراها أثناء رقوده في الكهف. ثمّ رفع عينيه لرؤية انعكاس الأشياء في الماء، وأخيراً نظر إلى الأشياء نفسها. وفي النّهاية، حوّل نظره إلى الشمس، وأدرك أنّها المصدر الذي ينير كل ما يراه. هنا، يستخدم أفلاطون رمز الشمس دلالَةً على نور العقل وقدرته على تجاوز المعرفة التي اكتسبها عن طريق الحواس، والتفكير في الحقيقة المطلقة والقصوى.

تهدف “حكاية الكهف” إلى توجيهنا نحو الأعلى، والاتقاء بأرواحنا. بالنّسبة لسقراط، ما يهمّ حقاً لا يمكن رؤيته أو قياسه مادياً من خلال السعادة التي نحصل عليها عن طريق حواسنا. من المهمّ أن نعيش حياةً أخلاقية وصالحة. هذه الصحوة جذريّة، وتتطلّب تحوّلاً جذرياً للروح: يعادل هذا التحوّل رحلة السجين الصّعبة للخروج من الكهف المظلم. سيبقى بعضنا في الكهف طوال حياته، يؤمن فقط بما يراه أو يُقَدّم له على أنّه الحقيقة، دون أن يشكّ في ما يراه أو يسمعه. وعلى غرار سجناء الكهف، فإنّنا نبقى في الظلام بينما نسمح لأصحاب السلطة بملء رؤوسنا بالأفكار. في الحقيقة، قد تضعنا الصّحوة في حياة مبدئية صالحة، الأمر الذي يجعلنا غير متّسقين أو متّفقين مع القيم المادّية التي ينادي بها مجتمعنا. لهذا السبب يتطلّب الأمر إعادة تقييم وفحص للذات، بشكلٍ جريءٍ ومستقلٍ عن القطيع، والتصرّف وفقاً لما نعتقد أنّه الصواب. يتخيّل سقراط أنّ السجين إذا عاد إلى الكهف من أجل تحرير الآخرين من ظلماته، فإنّه سيُعتَبَر عدوّاً. ((أمّا بالنسبة لأولئك الذين يحاولون تحريرهم وإرشادهم إلى الأعلى، ألَن يقتلوه إذا تمكّنوا منه بطريقةٍ ما؟)). في الحقيقة، هذا بالضبط ما حَدَث لسقراط بالنهاية.

لإسكاته، حوكِمَ سقراط بتهَمٍ زائفة مادها انّه يُفسد عقول الشباب ويؤمن بآلهة باطلة. أثار بحقه عن الحقيقة أمام الحقائق الراسخة والمعتقدات الثابتة منذ فترةٍ طويلة غضب الطغمة الحاكمة في أثينا، والذين حكموا عليه بالإعدام في النهاية. ومع أنّه أتيحت له الفرصة للاستئناف، وحتى للفرار والنجاة بحياته، وقضاء بقية عمره في المنفى، إلا أنّه رفض. فقد بقيَ مخلصاً لمبادئه وأفكاره. وأخبر سقراط هيئة المحلّفين بأنّه من المحتمل أن يَلقى نفس المصير في المنفى، لأنّه لن يتوقّف أبداً عن مهمته في إيقاظ الآخرين وإخراجهم من ظلمات الكهف. قال سقراط أنّه لم يعرف أبداً ما كان يجهله، ولم يخشَ الموت، ذلك المجهول العظيم. ما كان يخشاه حقاً هو أن يعرف بأنّه كان على خطأ: حياةً غير مفحوصة وغير أخلاقيّة. ((لا تكمن الصّعوبة، يا أصدقائي، في تجنّب الموت والهروب منه، بل تجنّب الظلم؛ لأنّ ذلك أسرع من الموت)). في الواقع، رحَّبَ سقراط بالموت، مُعلناً أنّه إذا كانت الحياة الآخرة موجودة، فستتاح له الفرصة لفحص العقول العظيمة في الماضي واستجوابها. ((كلا، إذا كان هذا صحيحاً، دعوني أموت مراراً وتَكراراً… سأكون قادراً على مواصلة بحثي عن المعرفة الصحيحة والتمييز بينهما وبين المعرفة المزيّفة؛ كما في هذا العالم، كذلك في العالم الآخر. سأكتشف من هو الحكيم ومَن يَدّعي الحكمة… يا لها من بهجة عارمة عند التحدّث مع هؤلاء ومساءلتهم!)).

يطلب سقراط منّا أن نجد مصدر السعادة في الحياة النبيلة. إنّه لا يهتمّ بالمتع والملذّات المادّية، ما يهمه حقاً هو الحكمة والفضيلة. ومن المفارقات العجيبة أنّه حقّق أعظم معايير نيتشه لتأكيد الحياة: إنّه لا يريد أن تكون حياته مختلفة. فمن خلال إثبات أنّه سيفعل في الآخرة ما فعله عندما كان على قيد الحياة _يسأل الناس عن حياتهم الروحية وتقييمها_ فإنّه بذلك يثبت قيمة حياته. اختار سقراط بوعي تام أن يعيش حياةً آمَنَ بأنّها جميلة، وأتقّنّ فَنَّ الموت دون ندم. في سن السبعين، كان محاطاً بأصدقائه وتلاميذه في زنزانته، وشرب كوباً من الشوكران، وحَدّدَ مصيره إلى الأبد كأول شهيدٍ للفلسفة _محبّة الحكمة (فيلو-صوفيا).

أين يضعنا هذا في عصرنا الحالي؟

يريدنا سقراط أن نعيش حياة قناعة. إنّه يوقظنا من روتيننا اليومي من خلال دفعنا لإعادة النظر في حياتنا وتقييمها باستخدام أداة الفحص الذاتي. فحص الذات هو الطريق نحو معرفة الذات. يتطلّب الأمر استبطانا عميقاً وحديثاً صادقاً مع النفس _حِوار بين الأفكار ووجهات النظر المختلفة. لا أن نتجاهل اللحظات التي تجعلنا نتوقّف ونعيد النظر في حياتنا. وأن نستيقظ على القيم والحقائق التي تحدّد حياتنا، ونعيش بأكبر قدرٍ ممكنٍ من الوعي الذاتي. يتيح لنا التدقيق في معتقداتنا وفحص أفكارنا والتفكير فيها بالعيش في ضوء قناعاتنا الخاصّة دون أعذار. علينا أن نوجّه انتباهنا بعيداً عن قيم الثروة والسلطة والشهرة، نحو الارتقاء بأنفسنا. إنّ معرفة أنفسنا وما تمثّله تعني عيش حياةٍ أكثر إرضاءً واقتناعاً. ومن خلال التأمّل الذاتي الذي يسترشد بالالتزام والصّدق بعيش حياة أفضل وممارسة أنشطة فاضلة، يمكننا إضفاء معنى وقيمة على حياتنا. فبالنسبة لسقراط، إنّ الفضيلة والسعادة وجهان لعملةٍ واحدة.

لنفكّر في اللغز الذي قدّمه لنا سقراط: إنّه الأحكم لأنّه يدرك تماماً بأنّه لا يعرف شيئاً، وانّ الحكمة البشرية لا قيمة لها، ولا تعني شيئاً على خلفية عظائم الأمور. ظاهرياً، قد تبدو هذه مفارقة، وكلاماً لا يخلو من تناقض. إلا أنّ سقراط قد أظهر أنّ أهمّ شيءٍ هو ما نعتقد بأنّنا نعرفه. لا أن نغلق عقولنا ونقصرها على إجابات واستنتاجات راسخة. بل أن نفتح عقولنا للأفكار الجديدة ونوسّع آفاقنا من خلال السؤال والاستجواب والجدل مع أنفسنا ومع الآخرين. تكمن الحكمة في معرفة ما لا نعرفه. وعندما ندرك جهلنا، نكون مستعدّين للتعلّم من التجارب ومن الآخرين. يريدنا سقراط أن نكون قادرين على الموت بسلام، مُدركين بأنّنا عشنا حياةً يَقِظة وفاضلة، وبالتالي خالية من النّدم. فكّروا فيما إذا كان بإمكاننا أن ندّعي بثقة، كما فعل سقراط، بأنّنا سنفعل بالضبط ما كنّا سنفعله في الحياة الآخرة، إذا كانت موجودة حقاً. إنّ عيش حياتنا بعيون مصوّبة نحو الموت سوف يقودنا إلى عيش حياة لا تخلو من هدف أو قيمة.

لنتأمّل الأسئلة التالية:

  • _هل تأخذون وقتاً لتقييم حياتكم ومعرفة ما إذا كنتم تعيشونها كما تستحق؟
  • _هل اخترتم حياتكم مع هدف أو غاية؟
  • _هل سألتم أنفسكم ما معنى أن نعيش حياةً فاضلة وطيّبة؟
  • _هل قضيتم أوقاتكم سعياً وراء اشياء مادية، أو بحثاً عن الطريقة السقراطية في العيش: أن تعيشوا حياة الحكمة والفضيلة من خلال التساؤل الدائم والفحص الذاتي؟
  • _هل تتّبعون خلال حياتكم خططاً موضوعة مسبقاً أو إرشادات من أجل العيش، وتبنّي قيم وصلتكم عبر الزمن بدون سؤال أو إعادة النّظر فيها؟
  • _ما هي القيم التي تسترشدون بها والتي تضفي على حياتكم معنى وقيمة؟
  • _هل لديكم ثقة بالطريق الذي تسيرون عليه والذي اخترتموه لأنفسكم، ثقة متولّدة عن إعادة نظر وتقييم وفحص للذات والقيم والأفكار؟
  • _هل تمنعون أنفسكم عن التعلّم لأنّكم تعتقدون أنّكم تعرفون كل شيء أصلاً؟
  • _كيف يمكن أن تعيشوا حياتكم بشكلٍ مختلف لو اعتنقتم الطريقة السقراطية في العيش؟
  • _ما هي الدروس التي تعلّمتموها من أخطائكم وزلاتكم؟
  • _هل أنتم راضون وسعداء بحياتكم التي تعيشونها، وهل ستختارون عيش نفس الحياة مرّة أخرى في حياة آخرة إذا أتيحت لكم الفرصة؟.