مجلة حكمة
لا مفر من الميتافيزيقيا

لا مفر من الميتافيزيقيا: أنت تمارس الميتافيزيقيا، حتى لو لم تلحظ ذلك

الكاتبروبرت ستيرن
ترجمةعبدالله سليمان

تم انتقاد الميتافيزيقيا على أنها غير علمية، ومحيرة، وزائدة عن الحاجة بين العلوم الأخرى،  لكن أي ناقد للماورائيات ينتهي حتمًا بتقديم ادعاءات ميتافيزيقية خاصة به. الميتافيزيقيا، أو دراسة الماورائيات،  في الواقع لا مفر منها، كل تفكيرنا مدعوم به، وأولئك الذين يتجاهلونها يتبنون ببساطة ميتافيزيقيا غير مفحوصة وربما خاطئة، كما يجادل روبرت ستيرن في مقاله 


 

قبل سقوطها من أيام مجدها، تعامل معها الفلاسفة على أنها الفلسفة الأولى، ولكن نتعامل معها الآن كأنها الخادمة للعلوم الطبيعية، إلى أن تم نبذها مؤخرًا على أنها كلام لا معنى له وهرطقة لا فائدة منها، ولهذا قد يبدو نظام الميتافيزيقيا الذي كان له مكانته المميزة، أصبح اليوم في طريقه إلى الانهيار النهائي. في حين أن هدفها هو إخبارنا بالطبيعة الأساسية للواقع، إلا أنها تُتهم الآن بشكل شائع بالاعتماد على مفاهيم العالم وأساليب التحقيق التي تم تجاوزها، وأنه على الرغم من أنه قد يكون هناك ما يبرر الثقة بها، لا يمكن أن يكون هذا هو الحال اليوم.  على سبيل المثال، لم يعد بإمكاننا مشاركة الإيمان بالكون الذي تم تنظيمه من قبل إله عقلاني وخيّر،  والذي ربما كان في السابق أساس هذا النوع من التنظير الميتافيزيقي العقلاني لليبنتز (Leibniz). لذلك قد يبدو أمرًا لا مفر منه، وأن الميتافيزيقا هي جزء من الفلسفة يجب أن نتخلى عنه الآن.

بالطبع يختار البعض الدفاع عن دراسة الماورائيات من خلال الرد على أنها لا تعتمد في الواقع على أي من هذه الأسس التوحيدية، ويمكن متابعتها بشكل مفهوم من خلال رؤية أكثر حداثة للعالم، ولكن في الواقع، لا تزال الميتافيزيقا لديها بعض المؤيدين البارزين.

هناك مقولة شهيرة لإتيان جيلسون التي تقول: “الفلسفة تُدفن دائمًا من تعّهد بحمايتها،” أود أن أتخذ هنا خيارًا أكثر راديكاليًا: أي أن هناك شيئًا مدمرًا للذات أو غير متماسك أثناء محاولة الاستغناء عن الميتافيزيقيا، والنتيجة أن الميتافزيقيا ودراستها ستكون دائمًا قادرة على أن تستمر أكثر من أولئك الذين يحاولون التخلص منها. في هذا المقال أخذت بالاعتبار حجتين: الأولى هي أن انتقاد الميتافيزيقيا حتمًا يعتمد على ادعاءات ميتافيزيقية معينة والانغماس في أشكال مختلفة من التنظير الميتافيزيقي، مما يجعل الميتافيزيقا منيعة بحد ذاتها؛ والثاني هو أن الأفكار الميتافيزيقية تدعم كل تفكيرنا، مما يجعل التفكير الميتافيزيقي في تلك الأفكار أمرًا لا غنى عنه

إذا كنت تعارض الميتافيزيقيا، فأنت تمارس الميتافيزيقيا

يتبنى نقاد الميتافيزيقا عادة منظور بعض التخصصات الأخرى (عادة العلوم التجريبية) للادعاء بأن النظرة الكلية للأمور التي تعتمد عليها الماورائيات قد تم تجاوزها، مما يجعل هذا العلم غير ضروري، فإذن هناك رد واحد لهذه المسألة: أيًا كان هذا التخصص، فهو إما يدّعي تقديم صورة للعالم بنطاق كافي ليرتقي في حد ذاته إلى ميتافيزيقيا، أو أنه ليس كذلك، وفي هذه الحالة يجب أن يترك مجالًا للميتافيزيقا، لأن نظرتها الخاصة للعالم تظل ضيقة جدًا بحيث لا يمكنها استبعاد ذلك أو التصرف كمنافس، وعلى هذا الأساس، يمكننا أن نجادل بأن المفهوم العلمي الذي يتضمن بحد ذاته بعض الالتزامات غير العلمية الإضافية، وبالتالي فإن الالتزامات ميتافيزيقية يمكن في الواقع أن تمثل تحديًا لادعاءات وحجج الميتافيزيقيين.  إذا أكد شخصٌ ما أن العلم يدحض وجود إله، فهو في الواقع يتخطى العلم ويغامر بالميتافيزيقا، وبالمثل، إذا كان العلم صامتًا بشأن قضية وجود إله، فهذا يعني أنه لا يزال هناك مساحة للتنظير الميتافيزيقي. إذن الفكرة هي أن العلم لا يمكن أن يقلب الميتافيزيقيا، لأنه بمحاولة القيام بذلك، ينتهي العلم بتقديم ادعاءات نظرية وتجريدية مما يعني أنه في الواقع يصبح شكلاً من أشكال الميتافيزيقيا نفسها.

من المؤكد أن هذه الاستراتيجية الدفاعية لها سحرها، وقد يكون الأمر كذلك أن بعض نقاد الميتافيزيقيا قد تجاوزوا أعمالهم وانخرطوا في أشكال مختلفة من التنظير الميتافيزيقي بأنفسهم. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تقوم على افتراض أن التحدي للميتافيزيقا يجب أن يأتي في شكل نقد مباشر، والذي ينطوي على التزامات ميتافيزيقية، لكن التحدي يمكن أن يتخذ أيضًا شكلًا مختلفًا لا يتضمن أي التزامات من هذا القبيل، أي ما قد يسمى بالإهمال الحميد.  وهذا يعني أن ناقد الميتافيزيقا يمكنه ببساطة تجنب الأشكال المختلفة للتنظير الميتافيزيقي الواسع، والالتزام بحدود تخصصه، إذ يمكن للناقد، على سبيل المثال، أن يتساءل عما إذا كانت بعض القوانين تتفق مع الضرورة التجريبية في هذا العالم وعوالم أخرى مشابهة، ولا يجب عليه التساؤل عما إذا كان تمسك بالضرورة الميتافيزيقية في جميع العوالم الممكنة؛ أو السؤال عن العمليات التي تقوم عليها الحياة البشرية في هذا العالم، وعدم التكهن كيف يمكن أن تكون الحياة ممكنة في العالم التالي. بمعنى آخر، هذه الاستراتيجية تترك الميتافيزيقيا غير مدحضة، ولكنها كاستراتيجية، يمكن أن تكون مثل تفنيد لها، وكأننا نترك الميتافزيقيا كفاكهة تذبل وهي ما زالت معلقة على الشجرة. 

يمكن أن يكون رد الميتافيزيقي حينئذٍ أن البشر لا يمكنهم الابتعاد عن هذا النوع من الأسئلة، فتجاهلهم لهذه الأسئلة ليس خيارًا حقًا، وبالتالي فإن التأملات الميتافيزيقية لن تختفي أبدًا، ولكن، يعارض الناقد ويذكر أن المشكلة في هذه الأنواع من الاستفسارات الميتافيزيقية، حتى لو نستطع أن نقاومها، أنها لا يبدو أنها تسفر عن أي نتائج، ويجادل الناقد بأن التأملات الميتافزيقية هي مجرد تخمينات، وبالتالي علينا أن نتنقل إلى مساعي فكرية أكثر إنتاجية وأشكال بحث يمكن أن تؤدي إلى نتائج، ويتابع الناقد أنه إذا كان البعض منا لا يسعه إلا أن يستمر في التأمل في الأسئلة الميتافيزيقية، فهذا ليس دليلًا لصالح الميتافيزيقيا، إنه بالأحرى دليل ضد الحكمة الفكرية لأولئك الذين يتفكّرون. 

وهكذا، على ما يبدو، يمكن أن يتدخل ناقد الميتافيزيقيا في الحجة من عدم القدرة على التنفيس على أساس أن الميتافيزيقيا هي تساهل اختياري قد نضطر إلى تعلم الاستغناء عنه، نظرًا لافتقارها إلى التقدم.

إذن، كما يبدو لنا، يمكن لناقد الميتافزيقيا أن يتجنب حجة مناعة الميتافزيقيا على أساس أن الميتافزيقيا هو استرسال اختياري، قد نضطر إلى تعلم الاستغناء عنه، نظرًا لافتقاره التقدم في المجال. لكن هل يمكننا فعلاً الاستغناء عنها؟ وهنا يمكنني أن آخذ بالاعتبار الحجة الثانية، وهي الحجة صعوبة الاستغناء عن الميتافزيقيا، وأعتقد أنه هذه الحجة موجودة في أعمال البراغماتي الأمريكي سي إس بيرس (C. S. Peirece) في القرن التاسع عشر الميلادي، وقبله في أعمال الفيلسوف الألماني المثالي (Idealist)، هيغل (Hegel). 

يجادل كل من هيغل وبيرس أن كل تفكيرنا، حتى من النوع العادي والمبتذل، يتم تصويره من خلال افتراضات ميتافيزيقية مختلفة

أنت تمارس الميتافيزيقيا، حتى لو لم تلحظ ذلك

كان كل من بيرس وهيغل على دراية كاملة بالحالة النقدية المستمرة ضد الميتافيزيقيا، بالنسبة لبيرس، استقبل نقدًا للماورائيات الذي قدمه زملاؤه المعاصرين البراغماتيين مثل ويليام جيمس، وبالنسبة لمعاصري هيغل، أفضل نقد للميتافزيقيا كان من إيمانويل كانط. بينما قبِل كلاً من بيرس وهيغل قوة هذه الانتقادات للميتافزيقيا، أدركا أن الميتافيزيقيا لا يمكن أن تستمر كما كانت من قبل، إلا أنهما احتفظا بالاعتقاد بأن الميتافيزيقيا لا يمكن التخلي عنها، وأولئك الذين يعتقدون أنها يمكن التخلي عنها، يخدعون أنفسهم ويرتكبون خطأ جسيمًا. يجادل كل من هيغل وبيرس أن كل تفكيرنا، حتى من النوع العادي والمبتذل، يتم تصويره من خلال افتراضات ميتافيزيقية مختلفة، نظرًا لأن كل تفكيرنا يرتكز على مفاهيم ميتافيزيقية مختلفة تشكل طريقة تفكيرنا في العالم: الوجودية، والسببية، والمادية، والكلية، والجوهرية وما إلى ذلك، كلها فئات ميتافيزيقية. نحن نأخذ هذه الفئات الأساسية من المسلّمات؛ لكن نتيجة هذا الموقف غير التأملي يمكن أن تكون مليئة بالحيرة والأخطاء العميقة، ليس فقط في الفلسفة ولكن أيضًا في الحياة العادية. لأن تصنيفاتنا الأساسية لهذه الفئات يمكن أن تكون غير كافية بطرق مختلفة، ومن ثم فإن المهمة الحيوية للميتافيزيقي هي التفكير فيها بعمق أكبر، وربما تغيير الطريقة التي نتصور بها هذه الأفكار. 

 إذن على هذا المنوال، هناك طريقتان نحن لا غنى فيهما عن الميتافيزيقيا: أولاً، نحن مخلوقات ميتافيزيقية في الجوهر، إذ أننا جميعًا لدينا مخطط أساسي للتفكير حول العالم، وأنطولوجيتنا تستخدم المصطلحات الفلسفية، وكوّنا مفهومنا الخاص عن الوجود وماهيّته. بالتالي، لا يمكننا الاستغناء عن هذه الأمور طالما نتفاعل مع العالم بتفكيرنا. ثانيًا، يجب أن ننخرط في تحقيق ميتافيزيقي، إذ يجب أن نستمر في التفكير في هذا المفهوم، وإذا لم نفعل ذلك، فلن نكون قادرين على تجنب الطرق التي نُضلل بها. وبالتالي، نظرًا لأننا مخلوقات ميتافيزيقية، لا يمكننا بضمير حي أن نتخلى عن التفكير الميتافزيقي. 

ويمثل بيرس هذا الرأي بوضوح كالتالي: 

ابحث عن رجل علمي يقترح التعايش دون أي الرجوع إلى فكر ميتافيزيقي، حينها، ستجد شخصًا عقائده مشوبة تمامًا بسبب الميتافيزيقيا بدائية وجافة التي لا ينتقدها أحد، وهذا ليس بأي حال من الأحوال إزدراءً لكل من تمسك بالمنطق الميتافزيقيين، وكما قال عالم الطبيعة العظيم، أرسطو، يجب علينا أن نتفلسف، حتى إن كان السبب هو تجنب التفلسف. 

كل شخص منا لديه ميتافيزيقيا الخاصة به، ويجب أن يكون لديه واحدة التي تؤثر على حياته بشكل كبير، لذا من الأفضل  أن يتم انتقاد تلك الميتافيزيقيا وعدم السماح لها بالمرور،  قد يقول شخص ما “سأكتفي بالحس السليم،” ولكن لنقل إني أنا ،على سبيل المثال، أتفق معه في هذه النقطة بشكل رئيسي،  سأوضح لماذا لا أعتقد أنه يمكن أن يكون هناك أي فائدة معرفية من وراء هذا الحس السليم، بمعنى أن هذا الحس السليم، هي الأفكار والمعتقدات التي يفرضها  الإنسان على نفسه تمامًا بسبب الظروف الذي يُفرض عليها الإنسان. سنرى لاحقًا بشكل أكثر تحديدًا ما هو المقصود. على سبيل المثال، أتفق على أنه من الأفضل أن ندرك أن بعض الأشياء حمراء اللون والبعض الآخر زرقاء، وضد ما يقوله الفلاسفة البصريون، أن بعض الألوان هي مجرد صدىً لموجات قصيرة والبعض الآخر طويلة. لكن الصعوبة تكمن في تحديد الماهية، وما هو ليس قرارًا موثوقًا به للحس السليم،  وما هو مجرد رأي عابر غير ملزم. باختصار، لا مفر من الحاجة إلى فحص نقدي “للمبادئ الأولى” [1]. 

إن الحجة المركزية لبيرس هو أنه لا يوجد مواقف، سواء في “الحس السليم” أو حتى في العلوم التجريبية، خالية من الافتراضات والالتزامات الميتافزيقية بمختلف أنواعها، وفي حين أن ذلك يمكن أن يكون غير ضار تمامًا، إلا أنه يمكن أن يسبب لنا مشاكل ما لم نقف على استعداد لفحص تلك الافتراضات والالتزامات بشكل نقدي، وبالتالي الانخراط في الماورائيات. وهكذا، يحذرنا بيرس: “أولئك الذين يهملون الفلسفة لديهم نظريات ميتافيزيقية مثل نظريات أخرى، ولكن فقط لديهم نظريات وقحة، وخاطئة، وكلامية” [2].

وفضلًا على ذلك، وبالرغم من أن بيرس لا يشير إليه صراحةً في هذا السياق، فإن وجهة نظر مماثلة موجودة في كتابات هيغل، إذ يقول: 

كل شخص يمتلك ويستخدم تصانيف وجودية مجرّدة بالكامل. الشمس في السماء، هذا العنب ناضج، وهكذا إلى ما لا نهاية، أو في مجال أعلى من التعليم، ننتقل إلى العلاقة بين السبب والنتيجة والقوة ومظاهرها، وإلخ. إن كل معرفتنا وأفكارنا متشابكة مع ميتافيزيقيا كهذه وتحكمها؛ إنها الشبكة التي تجمع كل المواد الملموسة التي تشغلنا في عملنا وسعينا، لكن هذه الشبكة وعُقدها غارقة في وعينا العادي تحت طبقات عديدة من الأشياء التي تتضمن على اهتماماتنا المعروفة والأشياء الموجودة أمام أذهاننا، بينما تظل الخيوط الكلية للشبكة بعيدة عن الأنظار ولا يتم جمعها لموضوع تفكيرنا بشكل صريح. 

بناء على ما ذكره هيغل، فإن كل فكرة أو ادعاء نطرحه حول العالم، من أبسطها مثل “الشمس في السماء” إلى أكثرها أهمية مثل “لا يوجد شيء مثل المجتمع،” أو “التطور يجعل التفكير الغائي زائدة عن الحاجة،” أو “هيكل الدماغ يتحكم في السلوك” يمر من خلال افتراضات ميتافيزيقية المتعلقة بطبيعة الأفراد، والأسباب، والأسس، والعلاقات، وما إلى ذلك. وإذا لم نفكر في ذلك بشكل جدي، وبذلنا جهودًا لتصحيح الميتافزيقيا، فإننا نجازف بنوع من الأخطاء العلمية، والاجتماعية، والأخلاقية التي يصنفها هيغل مطولًا في كتابه،  “فينومينولوجيا الروح،” وكتاباتٍ أخرى. مثل بيرس، يرفض هيغل بازدراء محاولات التجريبيين المعاصرين ليقولوا إنهم لا يحتاجون إلى الاهتمام بالميتافيزيقا، إذ يمكنهم تجنب أي من هذه الافتراضات: “صحيح أن نيوتن حذر الفيزياء صراحةً من علم ما وراء الطبيعة،  ولكن احترامًا له، لنقل إنه لم يتصرف وفقًا لهذا التحذير على الإطلاق. فقط الحيوانات هم  الفيزيائيين الحقيقيين بهذا المعيار، لأنها لا تفكر؛ وعلى النقيض من ذلك، البشر هم كائنات مفكرة، وولدوا ميتافيزيقيين. [4] 

الهدف ليس مجرد وصف مفاهيمنا الميتافيزيقية، ولكن لمعرفة ما هي أوجه القصور فيها، ونتيجة لذلك، العمل على تحسينها

الميزة الواضحة لهذه الحجة، بأن الميتافزيقيا لا غنى عنها على حجة أنها منيعة مسبقًا، هي أنه لا يمكن ببساطة تجاهل الميتافيزيقا لصالح نهج آخر، لأن الميتافيزيقا مرتبطة بأي نظام قد يخطر ببال أحد. علاوة على ذلك، فإنه يترك الميتافيزيقيا أقل عرضة للقلق بشأن عدم تقدمها. إذا فهمنا أن الميتافيزيقيا تعمل دائمًا في خلف كواليس أي ادعاء أو حجة، فيمكننا أن نكون متفائلين بأن التفكير بشكل مختلف حول فئات رئيسية معينة قد أدى إلى رؤى للعالم تعطي معنى أفضل للأشياء، كما يجادل هيجل، جعلت فئة الشخص من الممكن معاملة البشر بمساواة لم تكن ممكنة من قبل، أو في حالات حديثة، كانت هناك حاجة إلى مفاهيم جديدة للسببية لفهم نظرية الكم.

يمكن القول  أن هذا المسعى ليس ميتافيزيقيا حقًا، لأنه مجرد تحديد لمخططنا المفاهيمي البشري، وليس أي صراع كبير مع الوجود في حد ذاته. أطلق بي. إف. ستراوسون على هذا المسعى الأكثر تواضعًا اسم “الميتافيزيقيا الوصفية” ، كمحاولة “لوصف البنية الفعلية لفكرنا عن العالم” [5] ، ولكن دون الادعاء بذلك لإخبارنا بأي شيء أساسي عن العالم نفسه. وبالمثل، وصف كانط مشروعه بأنه استبدال “الاسم الفخور لعلم الوجود” بـ “العنوان المتواضع لمجرد تحليل للفهم الخالص” [6]. ومع ذلك، فإن هذا النهج يتجاهل العنصر الأهم الذي يعتقد بيرس وهيغل أنه أساسي في بحثنا عن هذه المفاهيم، مما يجعلها تنقيحية وليست وصفية. لأن الهدف ليس مجرد وصف مفاهيمنا الميتافيزيقية، ولكن لمعرفة ما هي أوجه القصور فيها، ونتيجة لذلك، العمل على تحسينها. إذا كان من الممكن تنفيذ هذه العملية، فما السبب الذي جعلنا نمتلك، غير الشك العقائدي غير المحفز، الاعتقاد بأن المخطط الذي ننتهي به ليس صحيحًا للواقع نفسه؟ 

المراجع

  • [1] C. S. Peirce Collected Papers (Harvard University Press, 1931–58) 1.129.
  • [2] Peirce, Collected Papers 7.579.
  • [3] G. W. F. Hegel, Introduction to the Lectures on the History of Philosophy, trans T. M. Knox and A. V. Miller (Oxford University Press, 1985), pp. 27–8.
  • [4] Hegel, Encyclopedia Logic, §98 Addition
  • [5] P. F. Strawson, Individuals (Methuen, 1959), p. 9.
  • [6] Immanuel Kant, Critique of Pure Reason, A247/B303

المصدر