مجلة حكمة
الاستخلاص الاستدلال الاستقراء abduction موسوعة ستانفورد

الاستخلاص – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: عبد الله الشبيلي، وجدان الأصقه


مدخل فلسفي شامل حول الاستخلاص والاستدلال والاستقراء والاستنباط، والانتقادات والرد عليها؛ نص مترجم لد. إيغور دوفين، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


يستخدم مصطلح «الاسـتخلاص[1] Abduction» في الأدبيات الفلسفية في معنيين مختلفين لكنهما في الوقت نفسه متصلان. يشير المصطلح في كلا المعنيين إلى أحد أشكال المنطق التفسيري. مع ذلك، يشير الاستخلاص بالمعنى الأول التاريخي إلى مكانة المنطق التفسيري في توليد الفرضيات، بينما يشير في المعنى الثاني المستخدم بكثرة في الأدبيات الحديثة إلى مكانة المنطق التفسيري في تبرير الفرضيات. غالبًا ما يطلق على الاستخلاص بمعناه الأخير مصطلح «الاستدلال إلى التفسير الأفضل».

يعنى هذا المدخل بالاستخلاص بمعناه الحديث حصرًا، على الرغم من إرفاق ملحق عن الاستخلاص بمعناه التاريخي، الذي ترجع جذوره إلى أعمال تشارلز ساندرز بيرس Charles Sanders Peirce – انظر ملحق بيرس عن الاستخلاص (مرفق في آخر المقال). أيضًا، انظر مدخل الاكتشاف العلمي، على وجه التحديد القسم الخاص بالاكتشاف باعتباره استخلاصًا.

يؤيد معظم الفلاسفة الفكرة القائلة إن الاستخلاص (بوصفه استدلالًا إلى التفسير الأفضل) نوع من الاستدلال الموظف بكثرة، بشكل أو بآخر، في كل من المنطق اليومي والعلمي. مع ذلك، ما يزال الشكل الدقيق للاستخلاص إلى جانب حالته المعيارية موضعا جدل. يقارن هذا المدخل الاستخلاص بأنواع الاستدلال الأخرى؛ إذ يشير إلى الاستخدامات البارزة له، داخل الفلسفة وخارجها؛ وينظر في الأقاويل الأخرى العديدة له، الأقل دقة والأكثر دقة على حد سواء؛ ويناقش حالته المعيارية؛ ويسلط الضوء على الارتباطات المحتملة بين الاستخلاص ونظرية التأكيد البايزية Bayesian confirmation theory.

 

 

  • 1

    – الاستخلاص: الفكرة العامة

    • 1- 1 الاستنباط والاستقراء والاستخلاص

    • 1- 2 انتشار الاستخلاص

  • 2- تفسير الاستـخلاص

  • 3- مكانة الاستخلاص

    • 3- 1 الانتقادات

    • 3- 2 الرد على الانتقادات

  • 4- الاستخـلاص مقابل نظرية التأكيد البايزية

  • المراجع

  • الأدوات الأكاديمية

  • مصادر الإنترنت الأخرى

  • مداخل ذات صلة

  • ملحق بيرس عن الاستخلاص


 

 

  • 1- الاستخلاص: الفكرة العامة

حدث أن علمت بنشوب خلاف كبير بين تيم وهاري ما أدى إلى نهاية صداقتهما. يأتي شخص الآن ليخبرك برؤيته إياهما للتو يمارسان الهرولة معًا. أفضل تفسير قد يتبادر إلى ذهنك هو تصالحهما، تخلص بالتالي إلى أنهما قد عادا صديقين من جديد.

دخلت المطبخ ذات صباح لتجد طبقًا وكوبًا على المائدة، مع فتات خبز منتثر وقالب زبدة يعلو الطاولة، محاط بجرة من المربى، وصرة سكر وعلبة حليب فارغة. تستنتج من ذلك أن أحدًا في المنزل استيقظ ليلًا ليصنع لنفسه وجبة خفيفة في منتصف الليل، وأنه كان متعبًا فتكاسل عن تنظيف الطاولة. يشكل هذا الاستنتاج حسب اعتقادك أفضل تفسير ممكن للمشهد السابق. بطبيعة الحال، من الممكن أن شخصًا ما قد سطا على المنزل وتوقف قليلًا للأكل أثناء سطوه، أو من الممكن أن أحدًا في المنزل قد رتب الأشياء بهذا الشكل على الطاولة لإيهامك بأن شخصًا ما قد تناول وجبة خفيفة في منتصف الليل. لكنك تصدم بهذه الفرضيات لاحتوائها الكثير من تفسيرات البيانات المفتعلة بالمقارنة مع التفسير الذي استنتجته.

وأنت تمشي على طول الشاطئ، تراءى لك ما يبدو كصورة ونستون تشرشل على الرمال، وكما في الصفحات الافتتاحية لكتاب هيلاري بوتنام (Putnam, 1981)، من المحتمل أن ما تراه ناتج في الواقع عن أثر نملة تزحف على الشاطئ. لكن يتمثل التفكير الأبسط، بالتالي التفكير (الذي تراه) الأفضل، في أن شخصًا ما قد رسم صورة تشرشل عمدًا على الرمال. على أي حال، هذا ما تؤمن به.

لا تأتي الاستنتاجات في الأمثلة السابقة منطقيًا من المقدمات. على سبيل المثال، لا تتبع نتيجة «عودة تيم وهاري صديقين مجددًا» منطقيًا مقدمات «هرولتهما معًا بعد انتهاء صداقتهما إثر خلاف حاد»؛ ولا تتبع حتى، حسب افتراضنا، أيًا من المعلومات التي تملكها عن تيم وهاري. علاوة على ذلك، لا تمتلك أي بيانات إحصائية مفيدة حول علاقات الصداقة والخلافات الحادة وممارسي الهرولة، من شأنها تسويغ الاستدلال من المعلومات التي تملكها عن تيم وهاري لتخلص إلى عودتهما صديقين مجددًا، ولا حتى لتخلص إلى إمكانية (باحتمالية معينة) عودتهما صديقين مجددًا. ما يقودك لاستنتاج عودة تيم وهاري صديقين من جديد، وما قد يسوغ هذا الاستنتاج وفقًا لعدد معتبر من الفلاسفة، هو أن هذا الاستنتاج، في حال صحته، يمثل أفضل تفسير لحقيقة رؤيتهما يهرولان معًا. (يؤخذ في الاعتبار شرط اعتبار الفرضية صحيحة في حال تفسيرها أي شيء من هنا فصاعدًا). تنطبق ملاحظات مماثلة على المثالين الآخرين. يدعى نوع الاستدلال المعروض هنا بالاستخلاص Abduction أو، ما يستخدم بشكل أكثر شيوعًا اليوم، الاستدلال إلى التفسير الأفضل Inference to the Best Explanation.

 

  • 1- 1 الاستنباط والاستقراء والاستخلاص

ينظر إلى الاستخلاص عادةً باعتباره واحدًا من أنواع الاستدلال الرئيسية الثلاثة، يمثل الاستنباط والاستقراء النوعين الآخرين. يتوافق التمييز بين الاستنباط من جهة، والاستقراء والاستخلاص من جهة أخرى مع التمييز بين الاستدلال اللازم وغير اللازم. في الاستدلال الاستنباطي، يصح الاستدلال لزومًا إذا كانت المقدمات المستدل منها صحيحة؛ أي أن صحة المقدمات تضمن صحة الاستنتاج. تشمل أكثر الأمثلة الشائعة الاستدلال بإنشاء مثيل للمخطط التالي:

كل A هي B

a هي نوع من A

إذن، a هي B

مع ذلك، لا تندرج كل الاستدلالات ضمن هذا النوع. على سبيل المثال، انظر إلى استدلال «جون غني» لأن «جون يعيش في تشيلسي» و «معظم الأشخاص الذين يعيشون في تشيلسي أغنياء». إن صحة الجملة الأولى هنا غير مضمونة (لكنها تصبح محتملة فقط) بواسطة الصحة المشتركة للجملتين الثانية والثالثة. بعبارة أخرى، ليس بالضرورة أن تكون النتيجة صحيحة إذا كانت المقدمات كذلك؛ فمن الممكن منطقيًا انتماء جون إلى الأقلية غير الغنية من سكان تشيلسي. تشبه هذه الحالة استدلالك المفضي إلى استنتاج «عودة تيم وهاري صديقين مجددًا» بناءً على المعلومات التي تقول بأنهما شوهدا يهرولان معًا. من الممكن أن تيم وهاري شريكين سابقين في عمل تجاري ما وما زال عليهما مناقشة بعض الشؤون المالية، وبقدر رغبتهما في تجنب اللقاء، فقد قررا دمجه مع تمرينهما اليومي؛ يتوافق هذا مع قرارهما الحازم بعدم التصالح.

يمثل جمع الاستدلالات غير الملزمة في الاستدلالات الاستقرائية والاستخلاصية إحدى الممارسات النموذجية. تشكل الاستدلالات الاستقرائية بدورها فئة غير متجانسة بعض الشيء، لكن للأهداف الحالية يمكن وصفها بأنها الاستدلالات القائمة بشكل حصري على البيانات الاحصائية، مثل التكرارات الملاحظة لحدوث خاصية معينة في مجتمع معين. مثال على هذا الاستدلال:

يتحدث 96% من طلاب كلية فلمنكية اللغة الهولندية والفرنسية.

لويز طالبة في كلية فلمنكية.

إذن، تتحدث لويز اللغة الهولندية والفرنسية.

مع ذلك، قد تكون المعلومات الاحصائية ذات الصلة مبهمة بشكل أكبر، كما في مقدمة «معظم سكان تشيلسي أغنياء». (يوجد مناقشة أكبر حول إمكانية التعبير عن استنتاج حجة استقرائية بعبارات نوعية بحتة، أو ما إذا يجب أن تكون كمية – على سبيل المثال، احتمالية تحدث لويز الهولندية والفرنسية هي 96% – أو ما إذا أمكن أحيانًا التعبير بمصطلحات نوعية، على سبيل المثال، إذا كان احتمال صحتها مرتفع بدرجة كافية – وأحيانًا لا. انظر الفصل الرابع من (Kyburg, 1990) من أجل المزيد حول هذه المسائل وغيرها من المسائل المتعلقة بالاستقراء. تجدر الإشارة إلى أن هارمان (Harman, 1965) يرى الاستقراء كنوع خاص من الاستخلاص. انظر أيضًا وينتروب (Weintraub, 2013) لمزيد من النقاشات).

إن الحقيقة المجردة لاعتماد الاستدلال على البيانات الإحصائية غير كافية لتصنيف هذا الاستدلال على أنه استقرائي. من الأرجح أنك شاهدت الكثير من الفيلة الرمادية دون ملاحظة أي فيل غير رمادي، وهو ما يدفعك إلى استنتاج أن جميع الفيلة رمادية، إذ يوفر لك هذا التفسير الأفضل عن سبب رؤيتك الكثير من الفيلة الرمادية دون ملاحظة أي فيل غير رمادي. يشكل هذا أحد الأمثلة على المنطق الاستخلاصي. تتمثل أفضل طريقة للتمييز بين الاستقراء والاستخلاص حسب هذا المنظور فيما يلي: يعد كلاهما توسعيًا ampliative، إذ تتجاوز الاستنتاجات (منطقيًا) ما هو محتوى في المقدمات (لهذا السبب يعتبران من أنواع الاستدلال غير الملزم)، لكن يضم الاستخلاص احتكامًا ضمنيًا أو صريحًا للاعتبارات التفسيرية، بينما لا يشمل الاستقراء ذلك؛ لا يوجد في الاستقراء سوى احتكام واحد فقط للتكرارات أو الاحصائيات المرصودة. (أؤكد على «فقط»، إذ قد يحتوي الاستخلاص على احتكام إلى التكرارات أو الاحصائيات، كمثال الفيلة السابق).

السمة الجديرة بالملاحظة للاستخلاص، والتي تشترك مع الاستقراء دون الاستنباط، هي انتهاك الرتابة monotonicity. يعني ذلك أنه من الممكن استدلال استنتاجات معينة استخلاصيًا من مجموعة فرعية من مجموعة S للمقدمات، التي لا يمكن الاستدلال إليها استخلاصيًا من مجموعة S الكلية. على سبيل المثال، إضافة المقدمة القائلة «إن تيم وهاري شريكان سابقان في عمل تجاري وما يزال عليهما مناقشة بعض القضايا المالية»، إلى المقدمات القائلة «حدث بينهما خلاف حاد منذ وقت مضى ثم شوهدا يهرولان معًا» قد لا تبرر استدلالك بأنهما عادا صديقين مجددًا، حتى لو افترضنا أن المقدمتين الأخيرتين وحدهما تبرران هذا الاستدلال. يتمثل السبب في نقض ما يعتبر أفضل تفسير لهرولة تيم وهاري معًا في ضوء المقدمات الأصلية بمجرد إضافة معلومات حول شراكتهما التجارية ونقاشهما في القضايا المالية.

 

  • 1- 2 انتشار الاستخلاص

يبدو نوع الاستدلال المذكور في الحالة الموضحة في بداية هذا المدخل مألوفًا تمامًا. يميل الفلاسفة وعلماء النفس إلى تأييد الفكرة القائلة إن الاستخلاص موظف بشكل متكرر في التفكير اليومي. يظهر اعتمادنا على التفكير الاستخلاصي في بعض الأحيان بشكل واضح وصريح. لكنه يبدو في بعض الممارسات اليومية روتينيًا وتلقائيًا إذ يمر بسهولة دون ملاحظته. من أبرز الأمثلة على ذلك ثقتنا في شهادة الآخرين، التي يعتقد أنها تستند إلى التفكير الاستخلاص؛ انظر هارمان (Harman, 1965)، أدلر (Adler, 1994)، فريكر (Fricker, 1994)، وليبتون (Lipton, 1998) المدافعين عن هذا الادعاء. على سبيل المثال، وفقًا لجوناثان أدلر (Adler, 1994:274f)، «يتمثل أفضل تفسير لتأكيد المخبر على P  عادةً … في اعتقاده صحة ذلك لأسباب مسؤولة على نحو واف …. وعزمه على جعلي أصدقها أيضًا»، يفسر ذلك عادةً تبريرنا الوثوق بشهادة المخبر. قد يكون هذا صحيحًا، على الرغم من عدم إدراك المرء بأي تفكير استخلاصي يجري في ذهنه عندما يثق بشهادة شخص ما. قد تنطبق ملاحظات مماثلة على ما يراه البعض كدور آخر للاستخلاص، وربما أكثر جوهرية، في الممارسات اللغوية، أي دوره في تحديد ما يعنيه المتحدث بالكلام. على وجه التحديد، يعتبر فك تشفير الكلام مسألة استدلال إلى التفسير الأفضل لسبب قول شخص ما مقولته في السياق الذي نطقه فيه. بشكل أكثر تحديدًا، اقترح الباحثون الذين يعملون في مجال البراجماتية استخدام المستمعين لمبادئ الجرايسية[2] للمحادثة لمساعدتهم في الخلوص إلى أفضل تفسير لنطق المتحدث عند عدم استيفاء المحتوى النطق الدلالي معلومات الغرض من المحادثة، أو على النقيض احتوئه معلومات زائدة، أو كان خارج الموضوع، أو غير قابل للتصديق، أو غريب أو غير ملائم؛ انظر على سبيل المثال (Bach and Harnish, 1979:92f)، (Dascal, 1979:167)، (Hobbs, 2004). بشكل مماثل للحالات البارزة في الثقة بشهادة المتحدث، من الواضح حدوث التفكير الاستخلاصي المطلوب عادةً في مستوى اللاوعي.

لا يقتصر التفكير الاستخلاصي على السياقات اليومية. على العكس تمامًا: اعتبر فلاسفة العلم الاستخلاص بمثابة حجر الأساس في المنهجية العلمية؛ انظر على سبيل المثال (Boyd, 1981, 1984)، (Harré, 1986, 1988)، (Lipton, 1991, 2004)، (Psillos, 1999). وفقًا لتيموثي ويليامسون (Williamson, 2007) «المنهجية الاستخلاصية هي أفضل ما يوفره العلم»، ويصل إرنان ماكمولين (McMullin, 1992) إلى أبعد من ذلك ليسمي الاستخلاص «الاستدلال الذي يصنع العلم». لتوضيح استخدام الاستخلاص في العلم، سننظر في هذين المثالين:

اكتشف في بداية القرن التاسع عشر أن أورانوس، أحد الكواكب السبعة المعروفة في ذلك الوقت، قد غادر المدار مخالفًا بذلك التوقعات المستندة إلى نظرية إسحاق نيوتن في الجاذبية الكونية والافتراض المساعد بعدم وجود كواكب إضافية في المجموعة الشمسية. تمثلت إحدى التفسيرات المحتملة في كون نظرية نيوتن خاطئة. ونظرًا إلى نجاحاتها التجريبية العظيمة (في ذلك الوقت) لأكثر من قرنين، لم يكن هذا تفسيرًا جيدًا. بدلًا من ذلك، افترض عالما الفلك جون كوش آدامز John Couch Adams  وأربان ليفيرييه Urbain Leverrier (بشكل مستقل عن بعضهما البعض ولكن في الوقت نفسه) وجود كوكب ثامن غير مكتشف بعد في المجموعة الشمسية؛ بالتالي، اعتقدا أن هذا أفضل تفسير مطروح لانحراف مدار أورانوس. بعد فترة قصيرة، اكتشف هذا الكوكب الذي يعرف الآن باسم «نبتون».

يشمل المثال الثاني ما يعرف اليوم باكتشاف الإلكترون بواسطة الفيزيائي الإنجليزي جوزيف جون طومسون Joseph John Thomson. أجرى طومسون تجاربه على أشعة الكاثود لتحديد ما إذا كانت هذه الأشعة تيارات من الجسيمات المشحونة. وقد خلص إلى أنها بالفعل كذلك، مستدلًا بما يلي:

نظرًا لأن أشعة الكاثود ذات شحنة كهربائية سالبة، فإنها تنحرف بقوة الكهرباء الساكنة كما لو كانت مكهربة سلبًا، كما تتأثر بقوة مغناطيسية بنفس الطريقة التي تؤثر بها هذه القوة على جسم مكهرب سلبًا متحرك على طول مسار هذه الأشعة، فأجد أنه لا بد لي من استنتاج أنها عبارة عن شحنات كهربائية سالبة محمولة بواسطة جزيئات المادة (طومسون، مقتبس من (Achinstein, 2001:172)).

إن الاستنتاج القائل بأن أشعة الكاثود متكونة من جزيئات سالبة الشحنة غير نابع منطقيًا من النتائج التجريبية المرصودة، ولا يمكن لطومسون الاعتماد على أي بيانات إحصائية ذات صلة. ولكن «يجد أنه لا بد من الاستنتاج»، إذ يشكل هذا الاستنتاج أفضل تفسير –من المحتمل أنه المعقول الوحيد حتى في هذه الحالة- لنتائجه التي باستطاعته التفكير فيها.

لقد ناقشت الأدبيات العديد من الأمثلة العلمية لاستخدامات الاستخلاص؛ انظر على سبيل المثال (Harré, 1986, 1988) و(Lipton, 1991, 2004). يعتقد أيضًا أن الاستخلاص يمثل النمط السائد للتفكير في التشخيص الطبي: يميل الأطباء إلى الفرضيات التي من شأنها الوصول إلى أفضل تفسير لأعراض المريض (انظر (Josephson and Josephson, 1994:9-12)؛ وانظر أيضًا (Dragulinescu, 2016) وآخر يصدر قريبًا، حول التفكير الاستخلاصي في سياق الطب).

أخيرًا وليس آخرًا، يلعب الاستخلاص دورًا مركزيًا في بعض النقاشات الفلسفية المهمة. انظر إلى (Shalkowski, 2010) و (Bigelow, 2010) حول مكان الاستخلاص في الميتافيزيقا، وانظر إلى (Krzyżanowska, Wenmackers, and Douven, 2014) و (Douven, 2016a) حول الدور الممكن للاستخلاص في الدلالات الشرطية، وانظر إلى Williamson (يصدر قريبًا) حول تطبيقات الاستخلاص في فلسفة المنطق. مع ذلك، يمكن القول إن للاستخلاص دور فلسفي بارز في نظرية المعرفة وفلسفة العلم، إذ يذكر في كثير من الأحيان في الاعتراضات على ما يسمى بحجج نقص الإثبات underdetermination arguments. تبدأ حجج نقص الإثبات عمومًا من مقدمة أن عددًا من الفرضيات المعطاة متكافئة تجريبيًا، التي يعتقد مؤلفوها أن الدليل – في الواقع، أي دليل قد نمتلكه في أي وقت – غير قادر على تفضيل أي منها على الآخر. وعلى هذا، من المفترض استنتاج عدم استطاعة المرء تبرير تصديقه لأي فرضية معينة. (يعد هذا تقريبيًا، لكنه يصح مع الأهداف الحالية؛ انظر (Douven, 2008) و (Stanford, 2009) للحصول على المزيد من التفسيرات التفصيلية حول حجج نقص الإثبات). تتمثل إحدى الأمثلة البارزة لهذا النوع من الحجج في حجة ديكارت للشكية العالمية، وفقًا لهذه الحجة، تكافئ الفرضية القائلة «إن الواقع يمثل بصورة أو بأخرى الطريقة التي نراه فيها عادة» تجريبيًا المجموعة المتنوعة التي تدعى بالفرضيات الشكية (مثل خداعنا بواسطة شيطان شرير، أو أننا أدمغة في أوعية متصلة بحاسوب ضخم، انظر على سبيل المثال (Folina, 2016)). قدمت حجج مماثلة لدعم اللاواقعية العلمية، التي لا يمكن بموجبها تبرير الاختيار بين المنافسين المتكافئين تجريبيًا فيما يتعلق بما يكمن وراء الجزء القابل للملاحظة من الواقع (van Fraassen, 1980).

عادة ما تشير الردود على هذه الحجج إلى حقيقة إهمال مفهوم التكافؤ التجريبي للاعتبارات التفسيرية بشكل غير مبرر، على سبيل المثال، من خلال تعريف المفهوم بدقة من حيث صناعة الفرضيات لنفس التنبؤات. وردًا على ذلك يجادل البعض بأنه حتى في حال تقديم بعض الفرضيات لنفس التنبؤات بالفعل، فقد يشكل أحدها التفسير الأفضل للظواهر المتوقعة. بالتالي، في حال وجود دور للاعتبارات التفسيرية في تحديد الاستدلالات التي يحق لنا القيام بها – كما هو الحال بالنسبة للمدافعين عن الاستخلاص لديهم – فقد نجد ما يمكّننا من تبرير الإيمان بحقيقة (أو حقيقة محتملة، أو جزء منها، اعتمادًا – كما سنرى لاحقًا – على صيغ الاستخلاص المفترضة من قبل المرء) واحدة من بين عدد من الفرضيات التي تقدم جميعها نفس التنبؤات. لجأ كثير من علماء المعرفة بعد صدور كتاب برتراند راسل (Russell, 1912:Ch. 2) إلى الاستخلاص في الجدال ضد الشكية الديكارتية، واستند ادعائهم الرئيسي إلى أنه على الرغم من تقديم الفرضيات الشكية نفس التوقعات من خلال البناء، كما في الفرضية القائلة «إن الواقع يمثل بصورة أو بأخرى الطريقة التي نراه فيها عادة»، إلا أنها ليست تفسيرات جيدة بنفس القدر المتوقع، على وجه التحديد، يقال إن الفرضيات الشكية بسيطة للغاية مقارنة بفرضية «العالم العادي». انظر إلى (Harman, 1973: Chs. 8, 11)، (Goldman, 1988:205)، (Moser, 1989:161)، (Vogel, 1990, 2005)؛ وانظر إلى (Pargetter, 1984) في الرد الاستخلاصي على وجه التحديد للشكية المتعلقة بالعقول الأخرى. على نحو مماثل، جادل فلاسفة العلم بوجود ما يبرر لنا الإيمان بنظرية النسبية الخاصة Special Relativity Theory على عكس نسخة لورنتز Lorentz من نظرية الأثير aether theory. على الرغم تقديم هذه النظريات نفس التنبؤات، إلا أن النظرية الأولى متفوقة تفسيريًا على الثانية. (ترجع معظم الحجج المقدمة لهذا الادعاء الجدال القائل إن نظرية النسبية الخاصة شحيحة من الناحية الوجودية بالمقارنة مع منافستها، التي تفترض وجود الأثير. انظر (Janssen, 2002) للحصول على مناقشة ممتازة عن مختلف أسباب تفضيل فلاسفة العلم نظرية آينشتاين على نظرية لورنتز).

 

  • 2- شرح الاستخلاص

يندر وجود عبارات دقيقة فيما يتعلق بالاستخلاص في الأدبيات. (اقترح بيرس على الأقل إحدى العبارات الدقيقة إلى حد ما، ولكن كما هو موضح في ملحق هذا المدخل، إلا أنها لم تستوف ما يفهم عن الاستخلاص في يومنا هذا). ويقال غالبًا أن لب الفكرة متمثل في امتلاك الاعتبارات التفسيرية أثرًا تأكيديًا نظريًا، أو أن التفسيرات الناجحة (التي ليست بالضرورة ثابتة) هي علامة الحقيقة. مع ذلك، من الواضح أن هذه الصياغات مجرد شعارات في أحسن الأحوال، ولا يتطلب الأمر جهدًا كبيرًا لنرى أنه بالإمكان صرفها في مجموعة كبيرة ومتنوعة من الطرق المعقولة المفترضة مبدئيًا. ننظر هنا في عدد من هذه التفسيرات الممكنة، بدءًا بما يمكن للمرء تسميته «صيغة الكتب التعلمية للاستخلاص»، التي تعد، كما سنرى، منقوصة بشكل واضح، ثم نكمل لننظر في مختلف التحسينات الممكنة لها. إن ما تشترك فيه هذه الصيغ – وليس من المستغرب – هو اعتبارها جميعًا قواعد استدلال، تتطلب مقدمات تشمل اعتبارات تفسيرية، وتسفر عن استنتاج من شأنه الإدلاء ببعض العبارات حول حقيقة الفرضية. تتعلق الاختلافات بالمقدمات المطلوبة، أو ما هو مسموح لنا باستنتاجه منها تحديدًا (أو كليهما).

غالبًا ما يصادف المرء في الكتب التعليمية عن نظرية المعرفة أو فلسفة العلم شيئًا عن الاستخلاص من قبيل الصياغة التالية:

الصيغة الأولى ABD1

 بالنظر في الدليل E والتفسيرات المرشحة  H1,…, Hn للدليل E ، نستنتج حقيقة أن Hi  هي أفضل تفسير للدليل E.

تتمثل إحدى الملاحظات المتكررة حول هذه القاعدة، التي تشير إلى مشكلة محتملة فيها، في افتراضها المسبق لمفاهيم التفسير المرشحة والتفسير الأفضل، دون وجود تفسير مباشر لأي منهما. في حين ما يزال البعض يأمل توضيح الأولى بمصطلحات منطقية بحتة، أو على الأقل صورية بحتة، كثيرًا ما يقال إنه على الأخيرة الاحتكام إلى ما يسمى بالفضائل النظرية، مثل البساطة والعموم والتماسك مع النظريات الراسخة؛ من ثم يتمثل أفضل تفسير في الفرضية التي تعمل، على العموم، بشكل أفضل فيما يتعلق بهذه الفضائل. (انظر على سبيل المثال (Thagard, 1978) و(McMullin, 1996)). تكمن المشكلة بعدم الفهم الجيد لأي من تلك الفضائل المذكورة في الوقت الحاضر. (حتى أن جيري Giere، في (Callebaut, 1993:232)، يؤيد الادعاء الراديكالي بأن الفضائل النظرية مفتقرة إلى المحتوى الحقيقي وأنها لا تعلب أي دور سوى الدور البلاغي في العلم. في ضوء العمل المنهجي المجرى مؤخرًا على كل من البساطة والتماسك -على سبيل المثال، انظر إلى (Forster and Sober, 1994)، (Li and Vitanyi, 1997)، (Sober, 2015) بشأن البساطة. وانظر إلى (Bovens and Hartmann, 2003) و(Olsson, 2005) بشأن التماسك- أصبح من الصعب الحفاظ على الجزء الأول من هذا الادعاء؛ يقدم أيضًا كل من (Schupbach and Sprenger, 2011) رؤية للخير التفسيري مباشرة من الناحية الاحتمالية. يلقي الدليل النفسي بدوره بظلال من الشك على الجزء الثاني من الادعاء. على سبيل المثال، انظر إلى (Lombrozo, 2007) عن دور البساطة في تقييمات الناس للخير التفسيري، وانظر إلى (Koslowski et al., 2008) بشأن دور الاتساق مع المعرفة الأساسية في تلك التقييمات).

علاوة على ذلك، الكثير ممن يرون أن الصيغة ABD1 تتقدم المسارات الصحيحة يعتقدون أنها قوية للغاية. ويرى البعض أن الاستخلاص من شأنه تبرير الاستدلال إلى الحقيقة المحتملة لأفضل تفسير فقط، في حين يعتقد آخرون أن من شأنه تبرير الاستدلال إلى الحقيقة التقريبية لأفضل تفسير فقط، ويرى قسم ثالث أنه يبرر الاستدلال إلى الحقيقة التقريبية المحتملة فقط.

ومع هذا، فإن المشكلة الحقيقية مع الصيغة ABD1 أعمق من ذلك. نظرًا لأن الاستخلاص يتسم بالتوسيع -كما هو موضح سابقًا- لا يمكن اعتباره قاعدة سليمة للاستدلال بالمعنى المنطقي الصارم، مع ذلك، يعد مفسَرًا تمامًا. إلا أنه ما يزال موثوقًا فيما يتعلق بوصوله غالبًا إلى استنتاجات حقيقية كلما كانت المقدمات صحيحة. يكمن الشرط الضروري الواضح لتكون ABD1 موثوقة بهذا المعنى، في الغالب، في صحة تشكيل الفرضية H أفضل تفسير للدليل E، وأن الدليل E صحيح، عندها تكون الفرضية H صحيحة أيضًا (أو صحيحة تقريبًا، أو صحيحة احتماليًا، أو صحيحة تقريبيًا احتماليًا). إلا أن ذلك لا يعد كافيًا لتكون ABD1 موثوقة. تتخذ ABD1 كمقدمة لها فقط أن بعض الفرضيات هي أفضل تفسير للدليل بالمقارنة مع الفرضيات الأخرى في مجموعة معينة. بالتالي، في حال أمكن الاعتماد على القاعدة فيجب أن تستصحب، على الأقل نموذجيًا، أفضل تفسير نسبة لمجموعة من الفرضيات التي نعتبرها الأفضل مقارنة مع أي فرضيات أخرى يمكن تصورها (ولكن لضيق الوقت أو الإبداع، أو لسبب آخر لم نتصورها). بعبارة أخرى، يجب أن تنص على أن أفضل تفسير على الإطلاق للدليل بين مجموعة مرشحة من التفسيرات التي توصلنا إليها، وإلا قد تقودنا ABD1 للاعتقاد بـ «أفضل الأشياء السيئة» (van Fraassen, 1989:143).

ما مدى معقولية افتراض استيفاء هذا المطلب الإضافي عادة؟ غير وارد على الإطلاق، من المفترض. الاعتقاد بخلاف ذلك، إذ علينا افتراض نوع من الامتياز من جانبنا مفاده أننا عندما ننظر في التفسيرات الممكنة للبيانات، فإننا نميل بطريقة ما إلى الوصول، من بين أمور أخرى، إلى أفضل تفسير على الإطلاق لتلك البيانات. وفي نهاية المطاف، من الصعب جدًا أن نكون قد فكرنا، أو أننا قادرين حتى على التفكير، في جميع التفسيرات المحتملة. وكما أشار فان فراسن (van Fraassen, 1989:114)، من غير المحتمل بديهيًا أن نعتقد امتلاكنا تلك الامتيازات.

وردًا على ذلك، قد يجادل المرء بالتحدي المتمثل في إظهار أن أفضل تفسير بين مجموعة فرضيات معتبرة دائمًا أو غالبًا يمكن تلبيته دون الحاجة إلى افتراض شكل من أشكال الامتياز (انظر (Schupbach, 2014) للحصول على رد مختلف، وانظر (Dellsén, 2017) للمناقشة). بالنظر في الفرضيات التي تمكنا من التوصل إليها، فإننا نستطيع دائمًا توليد مجموعة فرضيات بحيث تستنفد بشكل مشترك المساحة المنطقية. لنفترض أن H1,…,Hn  هي التفسيرات المرشحة التي تمكنا حتى الآن من تصورها. نعرف من ثم Hn+1 := ¬H1 ∧⋯∧ ¬Hn  ونضيف هذه الفرضية الجديدة كتفسير إضافي مرشح للتفسيرات التي لدينا سابقًا. من الواضح أن المجموعة {H1,…,Hn+1} شاملة، إذ يجب أن يكون أحد عناصرها صحيحًا. يبدو أن اتباع هذا في الإجراء البسيط كافيًا لنتأكد من عدم تفويتنا أفضل تفسير على الإطلاق. (انظر (Lipton, 1993) للحصول على مقترح على هذا المنوال).

ولكن للأسف، هناك مشكلة. على الرغم من إمكانية وجود العديد من الفرضيات Hj  التي تشير ضمنيًا إلى Hn+1 ، ففي حال صياغتها، ستقيّم على أنها أفضل تفسير للبيانات من بين التفسيرات المرشحة التي بدأنا بها، كما تصبح Hn+1 نفسها بالكاد مفيدة بشكل عام. في الواقع وبشكل عام، لن تكون نتائجها التجريبية حتى واضحة. لنفترض، على سبيل المثال، لدينا تفسيرات متنافسة لنظرية النسبية الخاصة ونسخة لورنتز من نظرية الأثير. ومن ثم، وبحسب المقترح المذكور أعلاه، يمكننا الإضافة إلى التفسيرات المرشحة أن أيًا من هاتين النظريتين غير صحيح. لكن من المؤكد أن هذه الفرضية الإضافية سوف تصنف في مرتبة منخفضة للغاية من حيث التفسير – في حال صنفت على الإطلاق، وهو ما يبدو مشكوكًا فيه، نظرًا إلى عدم وضوح ماهية نتائجها التجريبية تمامًا. لا يعني هذا أن الإجراء المقترح قد لا يعمل أبدًا. تتمثل الفكرة من ذلك أنه بشكل عام، لن يعطي ضمانًا كبيرًا على وجود أفضل تفسير بين التفسيرات المرشحة التي ننظر فيها.

تبدأ إحدى الردود الواعدة على «حجة الشيء السيئ» المذكورة أعلاه بملاحظة تحقيق الحجة الاستفادة القصوى من عدم التماثل الغريب أو التناقض في الصيغة ABD1. تمنح القاعدة تسويغًا لاستنتاج مطلق -وهو أن فرضية معينة صحيحة- على أساس مقدمة مقارنة، وهي أن هذه الفرضية بالذات أفضل تفسير للأدلة المتعلقة من الفرضيات الأخرى المتاحة، انظر (Kuipers, 2000:171). لا يمكن تجنب هذا التناقض باستبدال «الحقيقة» بـ «الحقيقة المحتملة» أو «الحقيقة التقريبية». من أجل تجنب ذلك، يوجد أمام المرء خيارين عامين.

الخيار الأول هو تعديل القاعدة بحيث تتطلب مقدمة مطلقة. على سبيل المثال، بعد آلان موسغريف (Musgrave, 1988) أو بيتر ليبتون (Lipton, 1993)، قد لا يطلب المرء الفرضية التي تستنتج حقيقتها من أفضل التفسيرات المحتملة المتاحة فحسب، بل وأن تكون أيضًا مرضِية (Musgrave) أو جيدة بما فيه الكفاية (Lipton)، وهو ما يضيف التغيير التالي على الصيغة الأولى ABD1:

 

الصيغة الثانية ABD2

بالنظر في الدليل E والتفسيرات المرشحة  H1,…, Hn للدليل E ، نستنتج حقيقة أن Hi  هي أفضل تفسير للدليل E، شريطة أن تكون Hi  مرضية/ جيدة بما يكفي للتفسير.

بالطبع، تحتاج ABD2 إلى استكمالها بمعيار إرضاء التفسيرات، أو أن تكون جيدة بما فيه الكفاية، مع ذلك، ما زلنا نفتقر لذلك.

ثانيًا، يمكن للمرء بناء صيغة متماثلة أو متطابقة من الاستخلاص بجعله يقر باستنتاج مقارن في ضوء مقدمة مقارنة؛ يمكن تحقيق هذا الخيار أيضًا بأكثر من طريقة. فيما يلي إحدى طرق القيام بذلك، التي اقترحت في أعمال ثيو كويبرز Theo Kuipers الذي دافع عنها وأيدها، على سبيل المثال (Kuipers, 1984, 1992, 2000).

 

الصيغة الثالثة ABD3

بالنظر في الدليل E والتفسيرات المرشحة  H1,…, Hn للدليل E، إذا كانت Hi  تفسر E بشكل أفضل من الفرضيات الأخرى، نستنتج حقيقة أن Hi  هي أقرب للحقيقة من أي فرضية أخرى.

من الواضح أن الصيغة ABD3 تنشد تفسيرًا يقترب من الحقيقة، لكن يتوفر العديد من مثل هذه التفسيرات اليوم، انظر على سبيل المثال (Niiniluoto, 1998).

من السمات الجديرة بالملاحظة للصيغ المتطابقة عن الاستخلاص التي ينظر فيها هنا أنها غير معتمدة على افتراض امتياز غير قابل للتصديق من جانب العقل الذي تعتمد عليه الصيغة الأولى ضمنًا، كما رأينا في السابق. تتمثل سمة أخرى في أنه إذا أمكن للمرء أن يكون على يقين على الرغم من وجود العديد من التفسيرات المرشحة للبيانات التي قد تفوته، فليس بوسعه امتلاك أفضل من تلك التي فكر فيها، بالتالي، تسمح الصيغ المتطابقة بالاستدلال كما تفعل الصيغة الأولى بالضبط (بافتراض أن المرء لن يكون متأكدًا من عدم وجود تفسير محتمل جيد مثل أفضل تفسير فكر به في حال كان هذا الأخير غير مرض أو جيد بما فيه الكفاية).

وكما أشرنا، يوجد اتفاق واسع النطاق على اعتماد الناس الكبير على الاستدلال الاستخلاصي. يكمن السؤال هنا: أي القواعد المذكورة بالضبط يعتمد عليها الناس؟ أو هل هناك قواعد أخرى يعتمدون عليها؟ أو هل يعتمدون على إحدى الصيغ في بعض السياقات، وعلى صيغ أخرى في سياقات أخرى (Douven, 2017)؟ إن الجدل الفلسفي غير قادر على الإجابة على هذه الأسئلة. وقد بدأ علماء النفس التجريبيون في السنوات الأخيرة ببذل المزيد من الاهتمام حول الدور الذي يعطيه البشر للاعتبارات التفسيرية في التفكير. على سبيل المثال، أشار تقرير تانيا لومبروزو ونيكولاس غوين (Lombrozo and Gwynne, 2014) إلى التجارب المتعلقة بكيفية شرح خاصية من فئة معينة من الأشياء بالنسبة لنا -سواء ميكانيكيًا بالإشارة إلى الأجزاء والعمليات، أو وظيفيًا بالإشارة إلى الوظائف والأغراض– لمعرفة مدى احتمال تعميمنا تلك الخاصية إلى فئات أخرى من الأشياء، انظر أيضًا (Sloman, 1994) و (Williams and Lombrozo, 2010). يقدم إيغور دوفين وجوناه شوبباخ (Douven and Schupbach , 2015a, 2015b) دليلًا تجريبيًا على ميل المستجدات الاحتمالية للأشخاص إلى التأثر بالاعتبارات التفسيرية بطرق من شأنها الانحراف عن المستجدات البايزية الصارمة (انظر أدناه). ويظهر دوفين (Douven, 2016b) أنه في التجارب المذكورة أعلاه، أظهر المشاركون الذين أعطوا وزنًا أكبر للاعتبارات التفسيرية ميلًا أكبر إلى الدقة، كما هو محدد من حيث قاعدة التسجيل القياسية Standard scoring rule. انظر (Lombrozo, 2012, 2016) للحصول على لمحات عامة مفيدة عن الأعمال التجريبية الأخيرة ذات الصلة بالتفسير والاستدلال. ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن أي شيء يمكن العثور عليه في أدبيات علم النفس من شأنه إعطاء إشارة إلى ما ينبغي أن تكون عليه الإجابات على الأسئلة المذكورة سابقًا.

فيما يتعلق بالسؤال المعياري حول ما يجب علينا الاعتماد من القواعد (إذا كان علينا الاعتماد على أي شكل من أشكال الاستخلاص)، إذ ينبغي أن تكون الحجة الفلسفية قادرة على المساعدة، فإن الحالة ليست بأفضل من ذلك. في ضوء حجة الشيء السيئ، لا تبدو الصيغة الأولى جيدة. تزعم حجج أخرى ضد الاستخلاص أنها مستقلة عن التفسير الدقيق لهذه القاعدة؛ لاحقًا سنجد أن هذه الحجج قاصرة. ومن ناحية أخرى، فإن الحجج المقدمة لصالح الاستخلاص -التي سيناقش بعضها لاحقًا أيضًا- غير قادرة على التمييز بين صيغ محددة. لذا، إذا افترضنا اعتماد الناس بالفعل وبشكل عام على الاستخلاص، يجب اعتبار ذلك سؤالًا مفتوحًا حول أي صيغة (صيغ) للاستخلاص يعتمدون عليها. بالمثل، إذا افترضنا أنه من المنطقي اعتماد الناس على الاستخلاص، يجب اعتبار ذلك سؤالًا مفتوحًا بشأن أي صيغة، أو ربما صيغ، الاستخلاص التي ينبغي لهم الاعتماد عليها، أو على الأقل المسموح لهم بالاعتماد عليها.

 

  • 3-  مكانة الاسـتخلاص

حتى لو صحَ اعتمادنا بشكل روتيني على التفكير الاستخلاصي، فقد يظل السؤال عما إذا كانت هذه الممارسة عقلانية. على سبيل المثال، أظهرت الدراسات التجريبية أنه عندما يكون الناس قادرين على التفكير في تفسير حدث محتمل ما، فإنهم يميلون إلى المبالغة في تقدير احتمال وقوع هذا الحدث بالفعل. انظر إلى (Koehler, 1991) للحصول على مسح لبعض هذه الدراسات، وانظر أيضًا إلى (Brem and Rips, 2000). يشير لومبروزو (Lombrozo, 2007) إلى ميل الناس إلى المبالغة، في بعض المواقف، في تقدير احتمالية التفسيرات الأبسط مقارنة بالتفسيرات الأكثر تعقيدًا. على الرغم من ذلك، لا تعنى هذه الدراسات مباشرةً بالاستخلاص بأي شكل من الأشكال المناقشة حتى الآن، لكنها تقترح أن مراعاة الاعتبارات التفسيرية في منطق الفرد قد لا تكون دائمًا للأفضل. (تجدر الإشارة إلى أن تجارب لومبروزو معنية بشكل مباشر ببعض المقترحات المقدمة لشرح الاستخلاص في إطار بايزي؛ انظر القسم 4). مع ذلك، توجد الملاحظات الأكثر صلة بموضوع الوضع المعياري للاستخلاص حتى الآن في الأدبيات الفلسفية. يناقش هذا القسم الانتقادات الرئيسية الموجهة ضد الاستخلاص، فضلًا عن أبرز الحجج المقدمة في الدفاع عنه.

 

  • 3- 1 الانتقادات

لقد واجهنا بالفعل ما يسمى حجة الشيء السيئ، التي رأيناها صالحة كنقد لـلصيغة ABD1، بيد أنها عاجزة ضد مختلف (ما نسميه) القواعد الاستخلاصية المتطابقة. ننظر هنا في اعتراضين افترض أنهما أكثر عمومية. يدعي الأول أنه يتحدى الفكرة الجوهرية الكامنة وراء الاستخلاص؛ بينما لا يعد الثاني عامًا تمامًا، لكنه ما يزال يهدف إلى تقويض فئة واسعة من التفسيرات المرشحة للاستخلاص. يرجع كلا الاعتراضين إلى باس فان فراسن.

ينطوي الاعتراض الأول على المقدمة التي مفادها أن الاستخلاص جزء من معنى «التفسير»، ما يعني أنه في حال كانت إحدى النظريات أكثر تفسيرًا من الأخرى فهي عندئذ أكثر إفادة، انظر على سبيل المثال (van Fraassen, 1983: Sect. 2). ومن ثم، تكمن المشكلة المزعومة في أنها «نقطة منطقية أولية مفادها أن النظرية الأكثر إفادة لا يمكن أن تكون على الأرجح صحيحة [وبالتالي] تحاول وصف الدعم الاستقرائي أو الدليلي من خلال الميزات التي تتطلب معلومات (مثل: الاستدلال على أفضل تفسير)، لذلك إما أنهم يناقضون أنفسهم أو يراوغون» (van Fraassen, 1989:192). من المفترض أن تكون النقطة المنطقية الأولية «الأكثر [وضوحًا] … في الحالة النموذجية التي تكون فيها إحدى النظريات امتدادًا لأخرى: من الواضح أن الامتداد له طرق أكثر ليخطئ» (van Fraassen, 1985:280).

مع ذلك، من المهم ملاحظة أنه في أي نوع آخر من الحالات خلاف حالة «النموذج»، فإن النقطة الأولية المفترضة ليست واضحة على الإطلاق. على سبيل المثال، من غير الواضح تمامًا معنى أن النظرية النسبية الخاصة «لديها العديد من الطرق لتكذب» من نسخة نظرية الأثير للورنتز، على الرغم من تقديمهما نفس التنبؤات. ومع ذلك، ينظر للأولى بشكل عام على أنها متفوقة، باعتبارها أفضل تفسيرًا من الثانية. (إذا كان اعتراض فان فراسن على أن الأولى ليست حقًا أكثر إفادة من الأخيرة، أو على أي حال ليست أكثر إفادة بالاتجاه المناسب – مهما كان ذلك – فيجب علينا بالتأكيد رفض المقدمة القائلة كي تكون النظرية أكثر تفسيرًا يجب أن تكون أكثر إفادة).

يتوجه الاعتراض الثاني المذكور في (Van Fraassen, 1989:Ch. 6)، إلى الصيغ الاحتمالية للاستخلاص. يفترض هذا الانتقاد أن على هذه القواعد إما الارتقاء إلى مستوى قاعدة بايز، بالتالي تصبح فائضًا عن الحاجة، أو التباين عنها، ما يجعلها غير متماسكة احتماليًا، وفقًا لحجة الكتاب الهولندية الديناميكية لـ لويس، كما ورد في (Teller, 1973)، ما يعني أنها قد تؤدي إلى تقييم عدد من الرهانات بوصفها عادلة مع ضمان حدوث خسارة مالية في الوقت نفسه، بغض النظر عما سيحدث؛ يجادل فان فراسن بأنه من غير المنطقي اتباع قاعدة بهذه الميزة.

مع ذلك، لا يعد هذا الانتقاد أفضل من سابقه. فمن ناحية، كما أشار باتريك ماهر (Maher, 1992) وبريان سكيرمز (Skyrms, 1993)، يقابل الخسارة في جانب ما ترجيح ميزة في جانب آخر. قد تعمل، على سبيل المثال، بعض الصيغ الاحتمالية للاستخلاص بشكل أفضل بكثير، على الأقل في عالمنا، مقارنة بقاعدة بايز، إذ أنها في المتوسط تقترب من الحقيقة بشكل أسرع، بمعنى أنها أسرع في تعيين احتمالية عالية (تفهم على أنها احتمالية أعلى من قيمة بداية معينة) للفرضية الصحيحة، انظر (Douven, 2013) و (Douven and Wenmackers, forthcoming)؛ انظر (Climenhaga, forthcoming) للمناقشة. إن صح ذلك، فإن اتباع هذه القاعدة بدلاً من قاعدة بايز قد يظهر مزايا لا يمكن التعبير عنها بسهولة من ناحية مالية، التي يجب النظر فيها عند تحديد القاعدة المتبعة. باختصار، ليس من الواضح تمامًا ما إذا كان اتباع قاعدة غير متماسكة احتماليًا أمرًا غير عقلاني.

من جهة أخرى، يجادل دوفن (Douven, 1999) بعدم إمكانية تسوية مسألة ما إذا كانت القاعدة الاحتمالية متماسكة بشكل مستقل دون النظر في القواعد المعرفية الأخرى ونظرية القرار المنشورة معها؛ يجب أن يفهم التماسك على أنه خاصية لحزم من القواعد المعرفية ونظرية القرار، وليس ضمن عزلة القواعد المعرفية (مثل القواعد الاحتمالية لتغيير المعتقد). وصفت، في نفس الورقة، حزمة متماسكة من القواعد المتضمنة لصيغ احتمالية من الاستخلاص. انظر (Kvanvig,1993)، (Harman, 1997)، (Leplin, 1997)، (Niiniluoto, 1999)، (Okasha, 2000) للاطلاع على ردود مختلفة على نقد فان فراسن للصيغ الاحتمالية للاستخلاص.

 

  • 3- 2 الرد على الانتقادات

يندر في الوقت الحاضر رغبة أي شخص في تأييد مفهوم الحقيقة الذي يفترض وجود صلة لازمة بين القوة التفسيرية والحقيقة – على سبيل المثال، لأنه ينص على ضرورة التفوق التفسيري من أجل الحقيقة. نتيجة لذلك، يبدو أن الردود البديهية عن الاستخلاص غير واردة. في الواقع، تتسم جميع الردود المقدمة حتى الآن بالطبيعة التجريبية، فيما يتعلق بلجوئها إلى البيانات التي من المفترض أنها داعمة للادعاء القائل إن الاستخلاص (في شكل ما) قاعدة موثوقة للاستدلال.

طورت الحجة الأشهر من هذا النوع على يد ريتشارد بويد في الثمانينيات، انظر (Boyd, 1981, 1984, 1985)، والتي تبدأ بتأكيد الاعتمادية النظرية للمنهج العلمي، شاملةً طرق تصميم التجارب، وتقييم البيانات، والاختيار بين الفرضيات المتنافسة وما إلى ذلك. على سبيل المثال، عند النظر في العوامل المربكة المحتملة التي يجب حماية النظام التجريبي منها، يعتمد العلماء بشكل كبير على النظريات المقبولة بالفعل. تلفت الحجة الانتباه بعد ذلك إلى الموثوقية الواضحة لهذه المنهجية، التي أسفرت في نهاية المطاف وما تزال تسفر عن نظريات دقيقة بصورة مدهشة. على وجه الخصوص، استطاع العلماء من خلال الاعتماد على هذه المنهجية لبعض الوقت العثور على نظريات أكثر ملاءمة من الناحية العملية من أي وقت مضى. بالتالي، يجادل بويد بأن أفضل طريقة لتفسير موثوقية المنهجية العلمية تكمن في افتراض أن النظريات المعتمدة عليها صحيحة على الأقل بشكل تقريبي. إستنادًا إلى ذلك وإلى حقيقة أن التوصل لتلك النظريات في الغالب كان عن طريق الاستدلال الاستخلاصي، يخلص بويد إلى وجوب اعتبار الاستخلاص قاعدة موثوقة للاستدلال.

لاقت هذه الحجة اتهامات النقاد بأنها حلقية. على وجه التحديد، قيل إن الحجة تقوم على فرضية – أن المنهجية العلمية مستوحاة من النظريات الخلفية للحقيقة تقريبًا – المستندة بدورها إلى استنتاج التفسير الأفضل لمعقوليتها. ويقع الرهان في هذا النوع من الاستدلال على موثوقيته. انظر، على سبيل المثال (Laudan, 1981) و(Fine, 1984).

لهذا، استجاب ستاثيس بسيلوس (Psillos, 1999:Ch. 4) من خلال التذرع بالتمييز المنسوب إلى Richard Braithwaite والذي يمييز بين حلقية الفرضية وحلقية القاعدة. حيث تكون الحجة فرضية حلقية إذا كان استنتاجها من بين مقدماتها. وعلى النقيض من ذلك، فإن حجة القاعدة الحلقية هي التي تؤكد استنتاج شيء ما حول القاعدة الاستنتاجية المستخدمة في نفس الحجة. يدافع بسيلوس عن حجة بويد بأنها قاعدة حلقية، وليست فرضية حلقية وحججًا تعميمية، ويؤكد أنه لا يلزم أن تكون حلقية بصورة معممة (على الرغم من أن حجة الفرضية الحلقية دائمًا ما تكون حلقية بصورة معممة). لكي نكون أكثر دقة، في رأيه، فإن حجة موثوقية قاعدة معينة R معتمدة بشكل أساسي على R كمبدأ استنتاجي ليست مفرغة، بشرط أن لا يضمن استخدام R نتيجة إيجابية حول موثوقية R. يدعي بسيلوس استيفاءه هذا الشرط في حجة بويد. فبينما يخلص بويد إلى أن النظريات الخلفية التي تعتمد عليها المنهجية العلمية صحيحة تقريبًا على أساس خطوة استخلاصية، فإن استخدام الاستخلاص بحد ذاته لا يضمن حقيقة استنتاجه. في النهاية، لا تضمن موافقة استخدام الاستخلاص أن أفضل تفسير لنجاح المنهجية العلمية هو الحقيقة التقريبية للنظريات الخلفية ذات الصلة. بالتالي، يخلص بسيلوس إلى بقاء حجة بويد قائمة.

حتى عندما يؤدي استخدام الاستخلاص في حجة بويد إلى استنتاج مفاده أن الاستخلاص غير موثوق به، فقد يظل المرء قلقًا بشأن كون الحجة حلقية. لنفترض أن بعض الأوساط العلمية لم تعتمد على الاستخلاص ولكن على قاعدة قد نطلق عليها «الاستدلال على أسوأ تفسير Inference to the Worst Explanation» ويرمز لها اختصارًا بـ (IWE)، تجيز هذه القاعدة الاستدلال إلى أسوأ تفسير للبيانات المتاحة. قد نفترض بحذر أن استخدام هذه القاعدة سيؤدي إلى تبني نظريات فاشلة للغاية، غالبًا. مع ذلك، قد يبرر المجتمع المذكور استخدامه لـ «الاستدلال على أسوأ تفسير» من خلال المنطق التالي: (تميل النظريات العلمية إلى أن تكون غير ناجحة إلى حد كبير. استطعنا التوصل إلى هذه النظريات من خلال تطبيق IWE. يعد «الاستدلال على أسوأ تفسير» قاعدة موثوقة للاستدلال – أي قاعدة استدلال تقود في الغالب من مقدمات حقيقية إلى استنتاجات حقيقية – هي بالتأكيد أسوأ تفسير لحقيقة أن نظرياتنا فاشلة للغاية. بالتالي، من خلال تطبيق «الاستدلال على أسوأ تفسير»، قد نستنتج أن IWE قاعدة موثوقة للاستدلال). على الرغم من اعتبار هذا استنتاجًا سخيفًا تمامًا، لا يمكن إدانة الحجة المؤدية إليه بأنها حلقية بشكل شرس أكثر من حجة بويد حول موثوقية الاستخلاص (إذا كان بيسلوس على حق). إذن، يبدو من الواجب أن هناك شيء خاطئ آخر مع حلقية القاعدة.

تجدر الملاحظة أنه بالنسبة إلى بيسلوس، فإن حقيقة عدم ضمان حجة حلقية القاعدة استنتاجًا إيجابيًا حول القاعدة المعنية غير كافية لتكون هذه الحجة صحيحة. يتمثل شرط ضروري آخر في «أنه لا ينبغي أن يكون لدى المرء سبب للشك في موثوقية القاعدة – في إشارة إلى عدم وجود أي شيء متاح حاليًا من شأنه جعل المرء مرتابًا في القاعدة» (Psillos, 1999:85). هناك الكثير من الأسباب للشك في موثوقية «الاستدلال على أسوأ تفسير»؛ في الواقع، تفترض الحجة أعلاه أنه لا يمكن الاعتماد عليها، يقودنا هذا إلى طرح سؤالين. أولًا، لماذا نقبل الشرط الإضافي؟ ثانيًا، ألا نملك بالفعل سببًا للشك في موثوقية الاستخلاص؟ من المؤكد أن بعض الاستدلالات الاستخلاصية التي نصنعها تقود إلى قبول الأكاذيب. لا توجد إجابات واضحة للتساؤلات حيال:  عدد الأكاذيب التي قد نقبلها على أساس الاستخلاص قبل البدء بشكل مشروع في عدم الثقة في هذه القاعدة؟

على هذا النحو، حتى لو لم تكن حلقية القواعد باطلة أو إشكالية، قد يبقى المرء متسائلًا عن كيفية تبديل حجة بويد لانتقاد الاستخلاص، بالنظر إلى اعتمادها على الاستخلاص. لا يكمن الهدف من الجدل الفلسفي دائمًا، ولا يلزم أن يكون على أي حال، في إقناع الخصم بموقفه، كما يوضحه بيلوس. في بعض الأحيان، يكون الهدف أكثر اعتدالًا من خلال تأكيد المرء لذاته أو طمأنتها بأن الموقف الذي يؤيده، أو يميل إلى تأييده، صحيح. في الحالة التي نحن بصددها، لا حاجة للتفكير في حجة بويد كمحاولة لإقناع الخصم باستخلاص موثوقيتها. بدلاً من ذلك، قد ينظر إليه كتبرير للقاعدة من منظور شخص مؤيد بالفعل للاستخلاص؛ انظر (Psillos, 1999:89).

كما ظهرت محاولات عديدة للدفاع عن الاستخلاص بطريقة أكثر وضوحًا، من خلال الاستقراء الاحصائي. تتمثل الفكرة الشائعة لهذه المحاولات في قدرة كل تطبيق ناجح مسجل حديثًا للاستخلاص – مثل اكتشاف نبتون، الذي افترض وجوده على أسس تفسيرية (انظر القسم 1- 2) – على إضافة مزيد من الدعم للفرضية القائلة إن الاستخلاص قاعدة موثوقة للاستدلال، بالطريقة التي يضيف بها كل غراب أسود مرصود حديثًا بعض الدعم إلى الفرضية القائلة إن جميع الغربان سوداء. لا يشمل هذا النوع من الحجة تفكيرًا استخلاصيًا، فمن المرجح أيضًا أن يجذب المشككين في الاستخلاص. انظر (Harré, 1986 , 1988)، (Bird, 1998:160)، (Kitcher, 2001)، (Douven, 2002) للحصول على اقتراحات حول هذه الاتجاهات.

 

  • 4 الاستخلاص مقابل نظرية التأكيد البايزية

أثبتت نظرية التأكيد البايزية في العقد الماضي نفسها بقوة؛ بوصفها وجهة النظر المهيمنة على التأكيد، حاليًا لا يمكن للمرء مناقشة قضية التأكيد التنظيري confirmation-theoretic جيدًا دون توضيح ما إذا كان، ولماذا إذا كان، موقف المرء بشأن هذه القضية منحرفًا عن التفكير القياسي البايزي. يحدد الاستخلاص، في أي صيغة له، دور التأكيد التنظيري للتفسير: تساهم الاعتبارات التفسيرية في جعل بعض الفرضيات أكثر مصداقية، والبعض الآخر أقل مصداقية. على النقيض من ذلك، لا تشير نظرية بايزي التوكيدية على الإطلاق إلى مفهوم التفسير. هل يعني هذا أن الاستخلاص على خلاف مع العقيدة السائدة في النظرية التوكيدية؟ جادل العديد من المؤلفين مؤخرًا بأن الاستخلاص ليس متوافقًا مع البايزية فقط، بل هو مكمل ضروري للغاية لها. أوضح ليبتون (Lipton ,2004: Ch. 7) الرد الكامل عن وجهة النظر هذه؛ يجب على البايزيين أن يكونوا «تفسيريين» (اسم أطلقه على مناصري الاستخلاص). للاطلاع على ردود أخرى، انظر (Okasha, 2000)، (McGrew, 2003)، (Weisberg, 2009)، (Poston, 2014:Ch. 7)؛ وللمناقشة، انظر (Roche and Sober, 2013, 2014)، (McCain and Poston, 2014).

يتطلب هذا بعض التوضيح. ماذا يعني أن يكون البايزي تفسيريًا؟ من أجل تطبيق قاعدة بايز وتحديد احتمال H بعد الحصول على E، سيتعين على الشخص البايزي تحديد احتمال H مشروطًا بـ E. لذلك، يحتاج إلى تعيين احتمالات غير مشروطة لـ H و E بالإضافة إلى احتمال إلى E معطى H؛ يطلق على النوعين الأولين في الغالب «احتمالات قبلية» (أو فقط «قبليات») على التوالي، H و E ، والأخير «احتمالية» H على E. (هذه هي قصة بايزي الرسمية. وليس كل المؤيدين للنظرية البايزية مؤيدين لهذه القصة. وفقًا للبعض، على سبيل المثال، الأكثر معقولية هو الاعتقاد أن الاحتمالات الشرطية أساسية وأننا نستمد منها احتمالات غير مشروطة؛ انظر (Hájek, 2003) والمراجع الواردة فيها). كيف يمكن للبايزي تحديد هذه القيم؟ كما هو معروف جيدًا، لا تعطينا نظرية الاحتمالات احتمالات من الصفر، بل تمنحنا المزيد من الاحتمالات بمجرد أن يكون لدينا بعض منها. بالطبع، عندما يشير H إلى E أو نفي E، أو عندما تكون H فرضية إحصائية تمنح فرصة معينة على E، فإن الاحتمال يتبع «بشكل تحليلي». (يفترض هذا الادعاء بعض صيغ مبدأ لويس الرئيسي (1980)، ويثير هذا المبدأ الجدل حول ما إذا كان تحليليًا أم لا؛ ومن هنا تأتي اقتباسات المراوغة). لكن هذا ليس هو الحال دائمًا، وحتى لو كان كذلك، يبقى هناك سؤال حول كيفية تحديد القبليات. وفقًا ليبتون، هذا هو المكان الذي يأتي فيه الاستخلاص. في اقتراحه، يجب على البايزيين تحديد احتمالاتهم القبلية، وإذا أمكن، الاحتمالات على أساس الاعتبارات التفسيرية.

تحديدًا، كيف تكون الاعتبارات التفسيرية لتوجيه اختيار القبليات؟ الإجابة على هذا السؤال ليست بالبساطة التي تتصورها في البداية. لنفترض أنك تفكر في تحديد القبليات لمجموعة من الفرضيات المنافسة وترغب في اتباع اقتراح ليبتون. كيف تستطيع فعل هذا؟ قد تبدو الإجابة واضحة – رغم أنها ما تزال غامضة إلى حد ما – كما يلي: مهما كانت القبليات الدقيقة التي تريد تعيينها ، يجب عليك تعيين أعلى واحدة للفرضية التي تشرح البيانات المتاحة بصورة أفضل من منافسيها (بشرط أن يكون هناك أفضل تفسير). مع ذلك، لاحظ أن جارك البايزي الذي يعتقد أن التأكيد لا علاقة له بالتفسير، قد يعين تفسيرًا قبليًا لأفضل تفسير أعلى من التفسير الذي عينته لهذه الفرضية. في الواقع، قد تكون قبلياته لأفضل التفسيرات أعلى باستمرار من قبلياتك، ليس لأن التفسير من وجهة نظره مرتبط بالتأكيد بطريقة ما – إذ أنه ليس كذلك كما يعتقد – ولكن، لمجرد ذلك. في هذا السياق، يعد «لمجرد ذلك» سببًا مشروعًا تمامًا، إذ يعتبر أي سبب لتحديد القبليات شرعيًا وفقًا لمعايير بايز. وفقًا لنظرية المعرفة البايزية السائدة، فإن القبليات (وأحيانًا الاحتمالات) في متناول اليد، ما يعني أن تعيين واحدة من القبليات جيد كالآخرى، بشرط أن يكون كلاهما متماسكًا (أي أنهما يتبعان بديهيات نظرية الاحتمالات). توصية ليبتون للبايزي بأن يكون مفسرًا تعني أن يكون عامًا كليًا. يبقى التساؤل حيال، ما الذي يجب على جارك فعله بشكل مختلف إذا أراد اتباع التوصية؟ هل يجب عليه إعطاء نفس القبلية لأي تفسير أفضل تعطيه أنت بوصفك تفسيريًا، أي يقليل قبلياته لأفضل التفسيرات؟ أم هل ينبغي عليه، عوضًا عن ذلك، إعطاء قبليات أعلى لأفضل تفسيرات من تلك التي قدمها بالفعل؟

قد لا يهدف اقتراح ليبتون إلى مخاطبة أولئك الذين عينوا بالفعل أعلى القبليات لأفضل التفسيرات، حتى لو فعلوا ذلك على أسس لا علاقة لها بالتفسير. قد تكون الفكرة أنه طالما عيّن المرء أعلى القبليات لتلك الفرضيات، فإن كل شيء على ما يرام، أو على الأقل أدق مما لو لم يفعل ذلك، بغض النظر عن أسباب المرء وراء تعيين تلك القبليات. يفترض أن تكون الإجابة على السؤال المتعلق بكيفية توجيه الاعتبارات التفسيرية لاختيار المرء للقبليات أنه يجب على المرء تعيين أعلى قبلية لأفضل تفسير مقارنة بمنافسيه، في حال لم يكن هذا ما يفعله بالفعل. إذا كان الأمر كذلك، يجب على المرء الاستمرار في فعل ما يفعله.

 (من زاوية ما، يجب ملاحظة أنه وفقًا للاستخدام القياسي لبايزي، لا يشير المصطلح «قبليات» بالضرورة إلى درجات الاعتقاد التي يعينها الشخص قبل تلقي أي بيانات. في حال وجود بيانات بالفعل، فمن الواضح استطاعة المرء تعيين قبليات أعلى للفرضيات التي تفسر البيانات المتاحة في ذلك الوقت على أفضل وجه. مع ذلك، يمكن للمرء التحدث بشكل منطقي عن «أفضل التفسيرات» حتى قبل معرفة أي بيانات. على سبيل المثال، يمكن الحكم على فرضية واحدة بأنها تفسير أفضل من منافسيها لأن الأولى تتطلب رياضيات أقل تعقيدًا، أو لأنها مذكورة من حيث المفاهيم المألوفة فقط، وهذا لا ينطبق على الأخرى. بشكل عام، قد تستند هذه الأحكام إلى ما يسميه كوسو (Kosso, 1992:30) السمات الداخلية للفرضيات أو النظريات، أي السمات التي «يمكن تقييمها دون الحاجة إلى مراقبة العالم»).

الإجابة الأكثر إثارة للاهتمام على السؤال السابق حيال كيفية التفسير لتوجيه اختيار القبليات كانت من قبل جوناثان ويسبرغ (Weisberg, 2009). قلنا أن التيار البايزي الرئيس يعتبر أن تعيينًا واحدًا للاحتمالات القبلية يكون جيدًا مثل أي تعيين آخر. مع ذلك، لا يأخذ من يطلق عليهم البايزية الموضوعية بذلك. يعتقد هؤلاء البايزيون وجوب اتباع القبليات مبادئ تتجاوز البديهيات الاحتمالية حتى تكون مقبولة. ينقسم البايزيون الموضوعيون فيما بينهم حول المبادئ الإضافية التي يجب اتباعها، بيد أنهم متفقون، على الأقل لفترة من الوقت، على مبدأ اللامبالاة Principle of Indifference. ينص هذا المبدأ بشكل تقريبي على أنه، في حالة عدم وجود سبب مخالف، فإننا نعطي قبليات متساوية للفرضيات المتنافسة. كما هو معروف جيدًا، قد يؤدي مبدأ اللامبالاة في صورته الأصلية إلى تعيينات غير متسقة للاحتمالات، بالتالي يصعب الإعلان عنه كمبدأ للعقلانية. تكمن المشكلة في وجود طرق مختلفة عادةً لتقسيم المساحة المنطقية التي تبدو معقولة بالنظر إلى المشكلة المطروحة، إذ لا تؤدي جميعها إلى نفس التعيين الاحتمالي القبلي، حتى بافتراض مبدأ اللامبالاة. يرقى اقتراح ويسبرغ إلى مستوى الادعاء بأن الاعتبارات التفسيرية قد تفضل بعض هذه الأقسام على الأخرى. ربما لن ينتهي بنا المطاف دائمًا بتقسيم فريد يطبَّق عليه مبدأ اللامبالاة، لكنه يشكل تقدمًا بالفعل عند انتهاء الأمر بعدد قليل من الأقسام. ما يزال بإمكاننا الوصول بطريقة محفزة إلى احتمالاتنا القبلية، من خلال المضي قدمًا في خطوتين، أي من خلال تطبيق مبدأ اللامبالاة أولًا على الأقسام بشكل منفصل، بالتالي احتمالية الحصول على تعيينات قبلية مختلفة، ومن ثم أخذ متوسط ​​مرجح من القبليات التي حصلنا عليها بهذه الطريقة، إذ تعتمد الأوزان أيضًا على اعتبارات تفسيرية. تتمثل النتيجة مرة أخرى في دالة احتمالية – دالة الاحتمال القبلي صحيحة بشكل فريد، تبعًا لـ ويسبرغ.

يعد الاقتراح مثيرًا للاهتمام بقدر ما يذهب، بيد أنه في شكله الحالي لا يذهب بعيدًا، كما يقر ويسبرغ. يرجع ذلك لسبب واحد، ليس من الواضح كيفية تحديد الاعتبارات التفسيرية لتحديد الأوزان المطلوبة للخطوة الثانية من الاقتراح. من ناحية أخرى، من غير المفيد أن نأمل في أن يؤدي بنا أخذ الاعتبارات التفسيرية في الحسبان، بشكل عام، إلى ترك مجموعة من الأقسام القابلة للتحكم، أو حتى لو حدث ذلك، لن يرجع هذا ببساطة إلى حقيقة تجاهلنا عددًا كبيرًا جدًا من الأساليب المعقولة البديهية لتقسيم المساحة المنطقية ابتداءً. (النقطة الأخيرة هي صدى لحجة الحظ السيء، بالطبع).

اقتراح آخر حيال العلاقة بين الاستخلاص والاستدلال البايزي – يمكن العثور عليه في (Okasha, 2000) و (McGrew, 2003) و (Lipton, 2004:Ch. 7) – هو أن الاعتبارات التفسيرية قد تمثل إرشادًا لتحديد، ولو بشكل تقريبي، القبليات والاحتمالات في الحالات التي قد لا نمتلك فيها أدنى فكرة ولا يسعنا سوى التخمين. يعتبر هذا الاقتراح حساسًا للحقيقة المعترف بها جيدًا القائلة إننا غير قادرين دائمًا على تعيين مقدمة لكل فرضية ذات أهمية، أو تحديد مدى احتمال اشتراط دليل معين بفرضية معينة. بالتالي، قد يساعدنا النظر في القوة التفسيرية لهذه الفرضية، على استنتاج، ربما ضمن حدود معينة فقط، ما الذي سبق تعيينه لها، أو ما هي احتمالية تعيينه لها في الدليل المعطى.

قد يرغب البايزيون، الأكثر اعتدالًا منهم على وجه الخصوص، في الرد بأنه يجب اتباع إجراء بايزي إذا وإذا فقط، (a) أمكن تحديد القبليات والاحتمالات ببعض الدقة والموضوعية، أو (b) أمكن تحديد الاحتمالات ببعض الدقة ومن المتوقع أن «تتلاشى» القبليات مع تراكم المزيد والمزيد من الأدلة، أو (c) من المتوقع تلاشي القبليات والاحتمالات. في الحالات المتبقية – قد يقال – علينا ببساطة الامتناع عن تطبيق المنطق البايزي. بالأحرى، لا توجد حاجة إلى بايزية مدعومة بالاستخلاص في هذه الحالات. تشير بعض النتائج الرياضية التي لا جدال فيها إلى أنه في الحالات الواقعة تحت البند (a) أو (b) أو (c)، فإن احتمالاتنا متقاربة مع الحقيقة على أي حال. وبالتالي، في تلك الحالات، لا توجد حاجة لنوع من الاستدلال الاستخلاصي الذي يقترحه المؤلفون المذكورون أعلاه أيضًا. يثير (Weisberg, 2009: Sect. 3.2) مخاوف مماثلة.

يقترح بيسلوس (Psillos, 2000) طريقة أخرى يمكن من خلالها استكمال الاستخلاص لنظرية بايز التوكيدية، تتماشى هذه الطريقة إلى حد كبير مع مفهوم بيرس للاستخلاص. تتلخص فكرتها بقدرة الاستخلاص على مساعدتنا في اختيار مرشحين معقولين للاختبار، إذ يتمثل الاختبار الفعلي بعد ذلك في اتباع خطى بايز. مع ذلك، يقر بيسلوس (Psillos, 2004) أن هذا الاقتراح يعطي دورًا للاستخلاص من شأنه التأثير على التفسيريين الملتزمين باعتباره محدودًا للغاية.

أخيرًا، يوجد احتمال لم تأخذه الأدبيات في الاعتبار حتى الآن، وهو أن الاستخلاص والبايزية لا يعملان كثيرًا جنبًا إلى جنب – كما تتصور المقترحات المذكورة أعلاه – إضافة إلى أنهما يعملان في أنماط مختلفة من التفكير؛ يمثل كل من البايزي والمفسر شخصيتين منتميتين إلى مسرحيتين مختلفتين، إذا جاز التعبير. من المقبول على نطاق واسع حديثنا عن معتقداتنا والتفكير فيها بصورة جازمة، بينما في أوقات أخرى نتحدث عنها ونفكر فيها بصورة متدرجة. من غير الواضح بعد كيفية ارتباط هذه الطرق المختلفة للتحدث والتفكير حول المعتقدات – نظرية المعرفة للاعتقاد ونظرية المعرفة لدرجات الاعتقاد؛ لاستخدام مصطلحات ريتشارد فولي (Foley, 1992) – ببعضها البعض. في الواقع، يوجد سؤال مفتوح عما إذا كان هناك أي اتصال مباشر بين الاثنين، أو حتى ما إذا كان هناك اتصال على الإطلاق. مهما يكن، نظرًا إلى عدم إمكانية إنكار التمييز، يعد اقتراحًا معقولًا وجود طرق مختلفة للتحدث والتفكير حول تنقيح المعتقدات تمامًا كما توجد طرق مختلفة للتحدث والتفكير حول المعتقدات. على وجه الخصوص، يمكن أن تمتد جذور للاستخلاص في نظرية المعرفة للاعتقاد، ويمكن استدعاؤه كلما فكرنا في معتقداتنا بصورة جازمة، في نفس الوقت، قد تمتد جذور قاعدة بايز في نظرية المعرفة لدرجات الاعتقاد. قد يصر البايزيون المتشددون على أنه أيًا كان المنطق الذي يحدث في الوضع القاطع، يجب أن يكون مبررًا في نهاية المطاف بمصطلحات بايزية، بيد أن هذا يفترض مسبقًا وجود مبادئ رابطة بين نظرية المعرفة للاعتقاد ونظرية المعرفة الخاصة بدرجات الاعتقاد – وكما ذكرنا، من غير الواضح ما إذا كانت هذه المبادئ موجودة في الوقت الحاضر.


المراجع (الاستخلاص):

  • Achinstein, P., 2001. The Book of Evidence, Oxford: Oxford University Press.
  • Adler, J., 1994. “Testimony, Trust, Knowing,” Journal of Philosophy, 91: 264–275.
  • Bach, K. and Harnish, R., 1979. Linguistic Communication and Speech Acts, Cambridge MA: MIT Press.
  • Bird, A., 1998. Philosophy of Science, London: UCL Press.
  • Bigelow, J., 2010. “Quine, Mereology, and Inference to the Best Explanation,” Logique et Analyse, 212: 465–482.
  • Bovens, L. and Hartmann, S., 2003. “Solving the Riddle of Coherence,” Mind, 112: 601–633.
  • Boyd, R., 1981. “Scientific Realism and Naturalistic Epistemology,” in P. Asquith and R. Giere (eds.), PSA 1980, (vol. II), East Lansing MI: Philosophy of Science Association, pp. 613–662.
  • –––, 1984. “The Current Status of Scientific Realism,” in J. Leplin (ed.), Scientific Realism, Berkeley CA: University of California Press, pp. 41–82.
  • –––, 1985. “Lex Orandi est Lex Credendi,” in P. Churchland and C. Hooker (eds.), Images of Science, Chicago IL: University of Chicago Press, pp. 3–34.
  • Brem, S. and Rips, L. J., 2000. “Explanation and Evidence in Informal Argument,” Cognitive Science, 24: 573–604.
  • Callebaut, W. (ed.), 1993. Taking the Naturalistic Turn, Chicago IL: University of Chicago Press.
  • Campos, D., 2011. “On the Distinction Between Peirce’s Abduction and Lipton’s Inference to the Best Explanation,” Synthese, 180: 419–442.
  • Climenhaga, N., forthcoming. “Inference to the Best Explanation Made Incoherent,” Journal of Philosophypreprint available online.
  • Dascal, M., 1979. “Conversational Relevance,” in A. Margalit (ed.), Meaning and Use, Dordrecht: Reidel, pp. 153–174.
  • Dellsén, F., 2017. “Reactionary Responses to the Bad Lot Objection,” Studies in History and Philosophy of Science, 61: 32–40.
  • Douven, I., 1999. “Inference to the Best Explanation Made Coherent,” Philosophyof Science, 66: S424–S435.
  • –––, 2002. “Testing Inference to the Best Explanation,” Synthese, 130: 355–377.
  • –––, 2008. “Underdetermination,” in S. Psillos and M. Curd (eds.), The Routledge Companion to the Philosophy of Science, London: Routledge, pp. 292–301.
  • –––, 2013. “Inference to the Best Explanation, Dutch Books, and Inaccuracy Minimisation,” Philosophical Quarterly, 63: 428–444.
  • –––, 2016a. The Epistemology of Indicative Conditionals, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2016b. “Explanation, Updating, and Accuracy,” Journal of Cognitive Psychology, 28: 1004–1012.
  • –––, 2017. “What Is Inference to the Best Explanation? And Why Should We Care?” in T. Poston and K. McCain (eds.), Best Explanations: New Essays on Inference to the Best Explanation, Oxford: Oxford University Press, in press.
  • Douven, I. and Schupbach, J., 2015a. “The Role of Explanatory Considerations in Updating,” Cognition, 142: 299–311.
  • –––, 2015b. “Probabilistic Alternatives to Bayesianism: The Case of Explanationism,” Frontiers in Psychology, 6: 459, doi:10.3389/fpsyg.2015.00459
  • Douven, I. and Wenmackers, S., forthcoming. “Inference to the Best Explanation versus Bayes’s Rule in a Social Setting,” British Journal for the Philosophy of Science, first online 31 July 2015, doi:10.1093/bjps/axv025
  • Dragulinscu, S., 2016. “Inference to the Best Explanation and Mechanisms in Medicine,” Theoretical Medicine and Bioethics, 37(3): 211–232.
  • –––, forthcoming. “Inference to the Best Explanation as a Theory for the Quality of Mechanistic Evidence in Medicine,” European Journal for Philosophy of Science, first online 13 October 2016. 10.1007/s13194-016-0165-x
  • Fann, K. T., 1970. Peirce’s Theory of Abduction, The Hague: Martinus Nijhoff.
  • Fine, A., 1984. “The Natural Ontological Attitude,” in J. Leplin (ed.), Scientific Realism, Berkeley CA: University of California Press, pp. 83–107.
  • Foley, R., 1992. “The Epistemology of Belief and the Epistemology of Degrees of Belief,” American Philosophical Quarterly, 29: 111–124.
  • Folina, J., 2016. “Realism, Skepticism, and the Brain in a Vat,” in S. Goldberg (ed.), The Brain in a Vat, Cambridge: Cambridge University Press, pp. 155–173.
  • Forster, M. and Sober, E., 1994. “How to Tell when Simpler, More Unified, or Less Ad Hoc, Theories will Provide More Accurate Predictions,” British Journal for the Philosophy of Science, 45: 1–36.
  • Frankfurt, H., 1958. “Peirce’s Notion of Abduction,” Journal of Philosophy, 55: 593–596.
  • Fricker, E., 1994. “Against Gullibility,” in B. K. Matilal and A. Chakrabarti (eds.), Knowing from Words, Dordrecht: Kluwer, pp. 125–161.
  • Goldman, A., 1988. Empirical Knowledge, Berkeley CA: University of California Press.
  • Hájek, A., 2003. “What Conditional Probability Could Not Be,” Synthese, 137: 273–323.
  • Harman, G., 1965. “The Inference to the Best Explanation,” Philosophical Review, 74: 88–95.
  • –––, 1973. Thought, Princeton NJ: Princeton University Press.
  • –––, 1997. “Pragmatism and Reasons for Belief,” in C. Kulp (ed.), Realism/Antirealism and Epistemology, Totowa NJ: Rowman and Littlefield, pp. 123–147.
  • Harré, R., 1986. Varieties of Realism, Oxford: Blackwell.
  • –––, 1988. “Realism and Ontology,” Philosophia Naturalis, 25: 386–398.
  • Hobbs, J. R., 2004. “Abduction in Natural Language Understanding,” in L. Horn and G. Ward (eds.), The Handbook of Pragmatics, Oxford: Blackwell, pp. 724–741.
  • Janssen, M., 2002. “Reconsidering a Scientific Revolution: The Case of Einstein versus, Lorentz,” Physics in Perspective, 4: 421–446.
  • Josephson, J. R. and Josephson, S. G. (eds.), 1994. Abductive Inference, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Kitcher, P., 2001. “Real Realism: The Galilean Strategy,” Philosophical Review, 110: 151–197.
  • Koehler, D. J., 1991. “Explanation, Imagination, and Confidence in Judgment,” Psychological Bulletin, 110: 499–519.
  • Koslowski, B., Marasia, J., Chelenza, M., and Dublin, R., 2008. “Information Becomes Evidence when an Explanation Can Incorporate it into a Causal Framework,” Cognitive Development, 23: 472–487.
  • Kosso, P., 1992. Reading the Book of Nature, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Krzyżanowska, K, Wenmackers, S., and Douven, I., 2014. “Rethinking Gibbard’s Riverboat Argument,” Studia Logica, 102: 771–792.
  • Kuipers, T., 1984. “Approaching the Truth with the Rule of Success,” PhilosophiaNaturalis, 21: 244–253.
  • –––, 1992. “Naive and Refined Truth Approximation,” Synthese, 93: 299–341.
  • –––, 2000. From Instrumentalism to Constructive Realism, Dordrecht: Kluwer.
  • Kvanvig, J., 1994. “A Critique of van Fraassen’s Voluntaristic Epistemology,” Synthese, 98: 325–348.
  • Kyburg Jr., H., 1990. Science and Reason, Oxford: Oxford University Press.
  • Laudan, L., 1981. “A Confutation of Convergent Realism,” Philosophy of Science, 48: 19–49.
  • Lewis, D., 1980. “A Subjectivist’s Guide to Objective Chance,” in R. Jeffrey (ed.), Studies in Inductive Logic and Probability, Berkeley CA: University of California Press, pp. 263–293.
  • Li, M. and Vitanyi, P., 1997. An Introduction to Kolmogorov Complexity and its Applications, New York: Springer.
  • Lipton, P., 1991. Inference to the Best Explanation, London: Routledge.
  • –––, 1993. “Is the Best Good Enough?” Proceedings of the Aristotelian Society, 93: 89–104.
  • –––, 1998. “The Epistemology of Testimony,” Studies in History and Philosophy of Science, 29: 1–31.
  • –––, 2004. Inference to the Best Explanation, (2nd ed.), London: Routledge.
  • Lombrozo, T., 2007. “Simplicity and Probability in Causal Explanation,” Cognitive Psychology, 55: 232–257.
  • –––, 2012. “Explanation and Abductive Inference,” in K. Holyoak and R. Morrison (eds.), Oxford Handbook of Thinking and Reasoning, Oxford: Oxford University Press, pp. 260–276.
  • –––, 2016. “Explanatory Preferences Shape Learning and Inference,” Trends in Cognitive Sciences, 20: 748–759.
  • Lombrozo, T. and Gwynne, N. Z., 2014. “Explanation and Inference: Mechanistic and Functional Explanations Guide Property Generalization,” Frontiers in Human Neuroscience, 8. doi:10.3389/fnhum.2014.00700
  • Maher, P., 1992. “Diachronic Rationality,” Philosophy of Science, 59: 120–141.
  • McAuliffe, W., 2015. “How Did Abduction Get Confused with Inference to the Best Explanation?” Transactions of the Charles S. Peirce Society, 51: 300–319.
  • McCain, K. and Poston, T., 2014. “Why Explanatoriness is Evidentially Relevant,” Thought, 3: 145–153.
  • McGrew, T., 2003. “Confirmation, Heuristics, and Explanatory Reasoning,” British Journal for the Philosophy of Science, 54: 553–567.
  • McMullin, E., 1992. The Inference that Makes Science, Milwaukee WI: Marquette University Press.
  • –––, 1996. “Epistemic Virtue and Theory Appraisal,” in I. Douven and L. Horsten (eds.), Realism in the Sciences, Leuven: Leuven University Press, pp. 13–34.
  • Moore, G. E., 1962. “Proof of an External World,” in his Philosophical Papers, New York: Collier Books, pp. 126–149.
  • Moser, P., 1989. Knowledge and Evidence, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Musgrave, A., 1988. “The Ultimate Argument for Scientific Realism,” in R. Nola (ed.), Relativism and Realism in Science, Dordrecht: Kluwer, pp. 229–252.
  • Niiniluoto, I., 1998. “Verisimilitude: The Third Period,” British Journal for the Philosophy of Science, 49: 1–29.
  • –––, 1999. “Defending Abduction,” Philosophy of Science, 66: S436–S451.
  • Okasha, S., 2000. “Van Fraassen’s Critique of Inference to the Best Explanation,” Studies in History and Philosophy of Science, 31: 691–710.
  • Olsson, E., 2005. Against Coherence, Oxford: Oxford University Press.
  • Pargetter, R., 1984. “The Scientific Inference to Other Minds,” Australasian Journal of Philosophy, 62: 158–163.
  • Peirce, C. S. [CP]. Collected Papers of Charles Sanders Peirce, edited by C. Hartshorne, P. Weiss, and A. Burks, 1931–1958, Cambridge MA: Harvard University Press.
  • Poston, T., 2014. Reason and Explanation, Basingstoke: Palgrave Macmillan.
  • Psillos, S., 1999. Scientific Realism: How Science Tracks Truth, London: Routledge.
  • –––, 2000. “Abduction: Between Conceptual Richness and Computational Complexity,” in A. K. Kakas and P. Flach (eds.), Abduction and Induction: Essays on their Relation and Integration, Dordrecht: Kluwer, pp. 59–74.
  • –––, 2004. “Inference to the Best Explanation and Bayesianism,” in F. Stadler (ed.), Induction and Deduction in the Sciences, Dordrecht: Kluwer, pp. 83–91.
  • Putnam, H., 1981. Reason, Truth and History, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Roche, W. and Sober, E., 2013. “Explanatoriness is Evidentially Irrelevant, or Inference to the Best Explanation Meets Bayesian Confirmation Theory,” Analysis, 73: 659–668
  • –––, 2014. “Explanatoriness and Evidence: A Reply to McCain and Poston,” Thought, 3: 193–199.
  • Russell, B., 1912. The Problems of Philosophy, Oxford: Oxford University Press.
  • Schupbach, J., 2014. “Is the Bad Lot Objection Just Misguided?” Erkenntnis, 79: 55–64.
  • Schupbach, J. and Sprenger, J., 2011. “The Logic of Explanatory Power,” Philosophy of Science, 78: 105–127.
  • Schurz, G., 2008. “Patterns of Abduction,” Synthese, 164: 201–234.
  • Shalkowski, S., 2010. “IBE, GMR, and Metaphysical Projects,” in B. Hale and A. Hoffmann (eds.), Modality: Metaphysics, Logic, and Epistemology, Oxford: Oxford University Press, pp. 169–187.
  • Skyrms, B., 1993. “A Mistake in Dynamic Coherence Arguments?” Philosophy of Science, 60: 320–328.
  • Sloman, S., 1994. “When Explanations Compete: The Role of Explanatory Coherence on Judgments of Likelihood,” Cognition, 52: 1–21.
  • Sober, E., 2015. Ockham’s Razor: A User’s Manual, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Stanford, K., 2009. “Underdetermination of Scientific Theory,” in Stanford Encyclopedia of Philosophy(Winter 2009 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2009/entries/scientific-underdetermination/>.
  • Teller, P., 1973. “Conditionalization and Observation,” Synthese, 26: 218–258.
  • Thagard, P., 1978. “The Best Explanation: Criteria for Theory Choice,” Journal of Philosophy, 75: 76–92.
  • van Fraassen, B., 1980. The Scientific Image, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 1983. “Glymour on Evidence and Explanation,” in J. Earman (ed.), Testing Scientific Theories, Minneapolis: University of Minnesota Press, pp. 165–176.
  • –––, 1985. “Empiricism in the Philosophy of Science,” in P. Churchland and C. Hooker (eds.), Images of Science, Chicago IL: University of Chicago Press, pp. 245–308.
  • –––, 1989. Laws and Symmetry, Oxford: Oxford University Press.
  • Vogel, J., 1990. “Cartesian Skepticism and Inference to the Best Explanation,” Journal of Philosophy, 87: 658–666.
  • –––, 2005. “The Refutation of Skepticism,” in M. Steup and E. Sosa (eds.), Contemporary Debates in Epistemology, Oxford: Blackwell Publishing, pp. 72–84.
  • Weintraub, R., 2013. “Induction and Inference to the Best Explanation,” Philosophical Studies, 166: 203–216.
  • Weisberg, J., 2009. “Locating IBE in the Bayesian Framework,” Synthese, 167: 125–143.
  • Williams, J. and Lombrozo, T., 2010. “The Role of Explanation in Discovery and Generalization: Evidence from Category Learning,” Cognitive Science, 34: 776–806.
  • Williamson, T., forthcoming. “Semantic Paradoxes and Abductive Methodology,” in B. Armour-Garb (ed.), The Revenge of the Liar, Oxford: Oxford University Press, preprint available online.

أدوات أكاديمية

 

How to cite this entry.

 

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

 

Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).

 

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

 

مصادر أخرى على الإنترنت حول الاستخلاص

[Please contact the author with suggestions.]


مداخل ذات صلة بـ الاستخلاص

epistemology: Bayesian | induction: problem of | Peirce, Charles Sanders | scientific explanation | scientific realism | simplicity | skepticism | underdetermination, of scientific theories


الهوامش:

[1] نأمل الرجوع إلى مقال “لماذا ترجمنا Abduction بـ الاستخلاص؟” لمعرفة مسوغات هذه الترجمة.

[2]  نسبة إلى هربرت بول جرايس Herbert Paul Grice.

[3]  نسبة إلى تشارلز ساندرز بيرس Charles Sanders Peirce.

[4] يوضح المخطط المنطقي للاستخلاص أن هناك حقيقة مدهشة (س) غير مبررة بحسب معارفنا، وأن الفرضية (أ) قد تفسر الحقيقة المدهشة (س)، وبالتالي يجب التحقق من صحة الفرضية (أ).