مجلة حكمة
الفيلسوف ارسطو معلومات عن ارسطو

تراث الفيلسوف ارسطو: أهمّية التأثير الذي خلّفه بعد وفاته – كريستوفر شيلدز


الفيلسوف أرسطو

  • مقدمة

من الصعب عدم المبالغة في أهمّية التأثير الذي خلّفه الفيلسوف ارسطو. فبعد وفاته استمرّت مدرسته (اللوقيون) لمدّة من الزمن لا يمكن تحديدها بدقّة. لكن يبدو أنّ كتاباته غابت عن التداول في القرن الذي تلا وفاته، ثمّ ظهرت مرّة أخرى في القرن الميلادي الأوّل،. لتبدأ بعدها بالانتشار على نطاق ضيّق في أوّل الأمر، ثمّ اتّسع انتشارها أكثر من ذلك بكثير في ما بعد،. وانتهى بها المطاف كمرتكز للفلسفة لحوالي سبعة قرون من الفلسفة من خلال ما اعتاده الفلاسفة من كتابة الشروح عليها،. فجاء معظم فلسفة هذه القرون السبعة من خلال إطار عمل أرسطي واسع.

  • الفيلسوف أرسطو

لقد أدّت فلسفة أرسـطو دورًا عظيمًا، وإن كان ثانويًا، في الفلسفة الأفلاطونية المحدثة لأفلوطين وفرفوريوس. وبعد ذلك، في الحقبة الممتدّة من القرن السادس حتّى نهاية القرن الثاني عشر. ومع أنّ القسم الأكبر من النصوص الأرسطية قد ضاع في الغرب، فلقد تلقّت هذه النصوص عناية مكثّفة من الفلسفة البيزنطية،. والفلسفة العربية، حيث بلغ الفيلسوف ارسطو من المكانة المرموقة حدًّا جعلته يعرَف باسم (المعلّم الأوّل) دون الحاجة إلى ذكر اسمه. (راجع المدخل المتعلّق بـ تأثير الفلسفة العربية والإسلامية على الغرب اللاتيني في موسوعة ستانفورد للفلسفة). وضمن هذه الحقبة، ظهرت الشروح التوضيحية المتينة المتميّزة التي فسّر بها ابن سينا وابن رشد آراء أرسطو وطوّراها على نحو مبهر. ولقد كان لهذه الشروح تأثير فائق في التقبّل الأوّلي للنصوص الأرسطية عند الغرب اللاتيني في القرن الثاني عشر.

  • معلومات عن أرسطو

من بين أعظم المفسّرين ممن شرحوا نصوص أرسطو في أوائل حقبة إعادة تقديمه للغرب: ألبرتوس ماگنوس، ثمّ تلميذه توما الأكويني الذي تفوّق على كلّ من ظهر من المفسّرين في هذه الحقبة. وقد سعى للتوفيق بين فلسفة أرسطو والفكر المسيحي. ويوجد من الأرسطيين من يزدري الأكويني بتهمة الحطّ من شأن الفيلسوف ارسطو. ويوجد من المسيحيين من يتبرّأ من الأكويني بتهمة التمكين للفلسفة الوثنية، وبين المعسكرين،. توجد الكثير من الأصوات الأخرى التي تتبنّى رؤية أكثر إيجابية، فتنظر إلى التومائية باعتبارها توليفًا عبقريًا جمع سنّتين بارزتين. وقد يحاجج البعض في أنّ الشروح الحادّة التي كتبها الأكويني في نهاية حياته لا تهدف إلى التوليف بقدر ما هي تفسير. وشرح مباشر، وليس يوجد سوى قليل من الحالات المشابهة لذلك على امتداد تاريخ الفلسفة.

ومن هنا، ظهرت أسباب كثيرة جعلت من الفلسفة الأرسطية إطار عمل للفلسفة المسيحية من القرن الثاني عشر حتّى نهاية القرن السادس عشر، منها اهتمام الأكويني بها. مع أنّ هذه الحقبة الغنية قد احتوت، ولا شك، على نطاق عريض من النشاط الفلسفي الذي يتفاوت في قربه وبعده من المواضيع الأرسطية. وإذا أردنا أن نبيّن المدى الذي وصل إليه التأثير الأرسطي في هذه الحقبة، فيكفينا أن نشير إلى المفهومين. اللذين شكّلا ما عرف بـ”الزوج الأشهر” (binarium famosissimum)،. أي: المادّصورية الشاملة وعقيدة تعدّد الأشكال، والتي جاءت صيغهما الأولى في النصوص الأرسطية.

ولم يقلّ الاهتمام بـ الفيلسوف ارسطو في عصر النهضة، حيث أصبح يعرف هذا الاهتمام باسم (أرسطانية النهضة). وأبرز الأسماء في هذه الحقبة تلتقي مع آخر الأسماء التي ظهرت في مرحلة. السكولاستية الأرسطية في العصر الوسيط، حيث وصلت إلى نهاية غنية وشديدة التأثير مع سواريز الذي انتهت حياته مع ظهور ديكارت. ومنذ نهاية السكولاستية المتأخّرة مرّت على دراسة النصوص الأرسطية. حقب متنوّعة منها ما أهمل هذه النصوص ومنها ما اهتمّ بها بشدّة، لكنّها استمرّت دون انقطاع حتّى أيّامنا هذه.

  • تأثير أرسطو اليوم

اليوم، نجد الفلاسفة، بتنوّع مشاربهم، يستمرّون في الاسترشاد بـ أرسطو واستلهامه في الكثير من المجالات المختلفة. بدءًا من فلسفة الذهن، وحتّى نظريات اللامتناهي،. وإن كان تأثير الفيلسوف ارسطو ربّما يبدو بأكثر صوره صراحة وعلنية في عودة الأخلاق الفضائلية للظهور في النصف الأخير من القرن العشرين.

وربّما ليس يوجد ما يمنع من القول في هذه المرحلة التاريخية بأنّ حالة الاهتمام بـ أرسطو ليس من المحتمل أن تتناقص في الألفية الجديدة. وإذا أردنا أن نتبيّن الاتّجاه الذي ستسلكه يكفينا أن نلقي نظرة سريعة على عناوين مداخل موسوعة ستانفورد للفلسفة، لنجد أنّ. “أرسطو” و”الأرسطية” أكثر ورودًا من غيرهما من الفلاسفة والفلسفات، ولا يقاربهما في هذا الشأن سوى أفلاطون وتراثه.