مجلة حكمة
العدالة و الرعاية الصحية موسوعة ستانفورد

العدالة وإمكانية الحصول على الرعاية الصحية – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: إبراهيم سعد الفواز


مدخل حول العدالة وإمكانية الحصول على الرعاية الصحية، هل تتطلب العدالة إمكانية شاملة للحصول على الرعاية؟ وما نوع ال الرعاية الصحية التي ندين بها لبعضنا البعض؟ نص مترجم لد. نورمان دانيالز، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


توفّر عديد من المجتمعات، من ضمنها جلّ الدول الغنية والمتقدمة، تغطية شاملة لعديد من خدمات الصحة العامة والخدمات الطبيّة الشخصية. هل تغطية كهذه مطلب أساسي للعدالة الاجتماعية، أم أنها ببساطة سياسة اجتماعية تتبنّاها دول دون الأخرى؟ إن كانت مطلبا للعدالة الاجتماعية، فيجب علينا أن نوضّح أنواع الرعاية التي ندين بها للناس، وكيف نتبيّن أي رعاية ندين بها للناس في حال لا يمكننا تلبية جميع الاحتياجات الطبية، كما يمكننا القول عن أي مجتمع. يجب أن نحدّد بوضوح ما يشكّل الحصول الملائم على الرعاية، نظرًا للحواجز المتنوعة لإمكانية الحصول عليها. علينا أن نوضّح لم ندين بهذه الأشياء كمسألة للعدالة، وبالطبع، ستقدم حسابات مختلفة للعدالة الاجتماعية حلولاً مختلفة.

فيما يلي، سنعالج هذه الأسئلة بالترتيب التالي. في القسم الأول، نصف بإيجاز ما تفعله بعض المجتمعات لتضمن الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية الصحية. ومع أن الرعاية الصحية موزّعة بتساوٍ أكثر، في هذه المجتمعات، من السلع الاجتماعية الأخرى، لكن تستمر عدم المساواة بالتواجد عبر الجماعات الديموغرافية. يدّل هذا على سؤال يجب معالجته: إن كانت الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية لا تضمن المساواة في الحالة الصحيّة، لأن هناك محددات اجتماعية مهمة أخرى لصحة السكان وتوزيعها، فهل هي مطلب أساسي للعدالة أصلًا؟ سنعالج أيضًا عواقب الإمكانية غير المتساوية للحصول على الرعاية، لأنها قد تفاقم آثار التوزيع غير العادل للمحددات الأخرى للصحة. في القسم الثاني، نستكشف بدقّة أكبر مفهوم إمكانية الحصول على الرعاية. على سبيل المثال، كيف نتبيّن إن كانت إمكانية الحصول على الرعاية متساوية أم عادلة. لنضع مشكلة قياس إمكانية الحصول على الرعاية جانبًا، قد نعتقد أن مفهوم الإمكانية المتساوية للحصول على الرعاية قد يحلّل بشكل مباشر، بينما يعتمد مفهوم الإمكانية العادلة بشكل أكثر تعقيدًا على أنواع عدم المساواة المسموحة في إمكانية الحصول على الرعاية. سنرى، على أية حال، أن اعتبارات العدالة تؤثر على الأحكام المتعلقة بالإمكانية المتساوية، كما في الإمكانية العادلة. في القسم الثالث، نستكشف ثلاث خطوط جدلية للإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية. في القسم الرابع، ندرس أي أنواع من الرعاية توحي هذه الآراء، خاصة الرأي القائم على الفرصة التي توحي بأننا ندين به لبعضنا. في القسم الخامس، ندرس ما إذا كنّا نملك حقًا في الصحة أو الرعاية الصحية، في ضوء هذه الآراء حول العدالة، وأي استحقاقات تترتب على حقٍّ كهذا إن وجد.

 

  • ١. ما تفعله المجتمعات حيال إمكانية الحصول على الرعاية

  • ٢. تصوّر وقياس إمكانية الحصول على الرعاية

    • ١.٢ متى تكون إمكانية الحصول على الرعاية متساوية

    • ٢.٢ تصوّر وقياس الإمكانية العادلة للحصول على الرعاية

  • ٣. هل تتطلب العدالة إمكانية شاملة للحصول على الرعاية الصحيّة؟

    • ١.٣ الصحة، والفرصة، والإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية

    • ٢.٣ الإمكانية الشاملة للحصول على رعاية معرّفة بحصافة

    • ٣.٣ إمكانية الحصول على حد أدنى لائق من الرعاية الصحية

    • ٤.٣ دروس حول مبررات الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية

  • ٤. ماهي أنواع الرعاية الصحية التي ندين بها لبعضنا البعض؟

  • ٥. هل هناك حق للصحة أو للرعاية الصحية؟

  • مصادر

  • أدوات أكاديمية

  • مصادر أخرى

 

 

 

 

 

١. ما تفعله المجتمعات حيال إمكانية الحصول على الرعاية

لعلّنا نلتمس التوجيه من ضمان بعض المجتمعات لإمكانية الحصول على الرعاية، مع الأخذ بالاعتبار أن ما تفعله هذه المجتمعات لا يتطابق مع ما يجب أن يفعلوه كمسألة عدالة. على أية حال، إن كان هناك إيمان شائع بأن البشر يدينون لبعضهم البعض بإمكانية الحصول على بعض أنواع الرعاية، ويتجسّد هذا الإيمان في مؤسسات تسعى للقيام بذلك، ربما نستخلص بعض الدلائل على ما يعتقد الناس أنهم يدينون به لبعضهم البعض. بالطبع، نجد أحكام مؤسساتية مختلفة لإمكانية الحصول على الرعاية في أوضاع مختلفة، وهذه الاختلافات قد لا تعكس اختلافات في الاعتقاد بقدر ما تعكس اختلافات في الثروات أو في التاريخ الاجتماعي.

توفّر جلّ الدول المتقدمة لكل سكانها إمكانية الحصول على مجموعة واسعة من التدخلات الصحية العامة والفردية. إمكانية الحصول على الرعاية مضمونة في هذه الدول بغض النظر عن عدم المساواة في الدخل والثروة، من خلال أنظمة صحيّة مغطاة بشكل شامل. تختلف كثيرًا طرق تمويل هذه الأنظمة، كما تختلف هياكلها التنظيمية. تموّل بعض هذه الأنظمة من عائدات الضرائب العامة، كما في كندا، وتموّل أنظمة أخرى من ضرائب الأجور، كما في عدة دول أوروبية، بينما تموّلها بعض الدول كهجين من أنظمة التأمين العامة والخاصة، كما هو الحال في ألمانيا. بالتالي، بعض هذه الأنظمة مموّلة بتقدّمية أكثر من غيرها، لأن عوائد الضرائب العامة أكثر تقدميّة من الضمان الاجتماعي وضرائب الأجور، وهذان بدورهما هما أكثر تقدميّة من أقساط التأمين. (في نظام الضرائب التقدمي، تزداد نسبة الضريبة بازدياد المبلغ الخاضع للضريبة). لدى بعض الأنظمة ملكية عامة للمستشفيات، يعمل بها الأطباء والممرضين كموظفين للنظام العام، كما في المملكة المتحدة أو النرويج. بينما تحتوي أنظمة أخرى على هجين من المؤسسات العامة والخاصة، مع تنظيم عام مفصّل لحزم الفوائد المتاحة للناس، كما في ألمانيا. لا تسمح بعض الأنظمة بأنظمة تأمين عدا نظام التغطية الشاملة، كما في كندا وإلى فترة قريبة النرويج؛ بينما تسمح أنظمة أخرى بتأمينات مكمّلة، كما في المملكة المتحدة.

 

بالرغم من أن جميع أنظمة الرعاية الصحية هذه تضمن إمكانية الحصول على الرعاية لجميع مواطنيها، إلا أن حزم فوائدها تختلف. تظهر هذه الاختلافات أحيانًا في مستوى العلاج المحدد. على سبيل المثال، قد يقرر نظام ما أن عقارا معيّنا لعلاج ألزهايمر لا يستحق التكلفة، بينما قد توفّره أنظمة أخرى. تنطوي هذه الاختلافات أحيانا على أصناف كاملة من الخدمة. يشترط القانون الوطني الكندي، مثلًا، تغطية شاملة لأدوية المريض الداخلي، لا الخارجي؛ توفّر مناطق مختلف مستويات مختلفة من التغطية لما استثناه النظام الوطني. بالمثل، الرعاية المديدة لا يضمنها النظام الكندي الوطني، بينما توفّرها بعض المناطق الكندية. يوفّر النظام الأمريكي للرعاية الصحية تغطية شاملة، تقريبًا، للمسنين الأمريكيين، لكن حتّى 2006، عندما دخل قانون تحديث الرعاية الصحيّة للعام 2003 حيز التنفيذ، كان النظام يستثني الأدوية من حزم فوائده (Medicare 2003). تستثني كل أنظمة التغطية الشاملة بعض أصناف الخدمة، مثل العمليات التجميلية ( في مقابل العمليات الترميميّة). بالتالي، عندما توفّر بعض الأنظمة إمكانية شاملة للحصول على الرعاية، فهي إمكانية الحصول على مجموعة محددة من الفوائد التي تختلف من دولة لأخرى، وليس إمكانية للحصول على أي خدمة يحتاجها الناس أو يريدونها.

 

ليست الدول الغنية والصناعية هي وحدها من يضمن إمكانية شاملة للحصول على مجموعة من الخدمات الصحية الشخصية. تبنّت مؤخرا دول متوسطة الدخل ككوريا الجنوبية وتايوان أنظمة تأمين شاملة. وأضافت تايلاند والمكسيك أيضًا أنظمة تأمين تستهدف تغطية النصف الأخر من سكانهما الذين لم يستفيدوا من أنظمة الضمان الاجتماعي وأنظمة التأمين الأخرى المستخدمة من قبل الموظفين الحكوميين والشركات الكبرى. لا تستوي، عادة، حزم الفوائد في هذه الأنظمة المختلفة عبر عناصر النظام الصحي، لكن الهدف المرجو هو سد فجوات إمكانية الحصول على الرعاية، والاقتراب تدريجيًا من المساواة.

 

توصي منظمة الصحة العالمية بالإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط كما في الدول الأغنى (WHO 2010). إحدى المشاكل الرئيسية في هذه الجهود هي شمولية حزمة الفوائد، والتي في بعض الجهود الإصلاحية هي حزمة فوائد “رقيقة” قد لا تغطي العديد من الخدمات المطلوبة، وتتطلب مصاريف كبيرة، حتى مقابل الخدمات المغطاة. يجب أن يعالج، أي نقاش عن السياسات، جهود “تثخين” حزمة الفوائد بأبعادها الثلاث: عدد الناس المستفيدين، وأنواع الخدمات المغطاة، ومقدار المصاريف المدفوعة أو القابلة للخصم على الخدمات المغطاة. ستكون الخلافات مع التوجيه الأخلاقي، الذي قدمته منظمة الصحة العالمية حول كيفية “تثخين” حزمة الفوائد بلا شك جزءًا من النقاش حول هذه السياسة. سيختلف العقلاء عن كيفية مقايضة تحسينات لإحدى الأبعاد في مقابل الأخرى، وسنحتاج عملية لحل هذه الخلافات. يوجد مشكلة ذات صلة، ما إذا كان النظام الصحي قادرًا باستدامة على تقديم حزمة الفوائد التي يلتزم نظام التأمين بتقديمها.

لسنوات عديدة، انفردت الولايات المتحدة، من بين الدول المتقدمة والغنية، في عدم توفيرها لتغطية شاملة من خلال أي شكل من أشكال التأمين الصحي. اعتبارًا من 2010، لا يملك خمسون مليون شخصًا تأمينا صحيا، غالبيتهم من الفقراء وشبه الفقراء الموظفين (Selden and Sing 2008)، ( ننوّه إلى أن هذا العدد أكبر من عدد سكان كوريا الجنوبية، التي توفّر رعاية صحية شاملة). لا يُستبعد غير المأمنين من الرعاية الصحية تمامًا، يمكنهم الحصول على الرعاية في المستشفيات العامة (EMTALA 1986) وعيادات الأحياء السكنية، لكن، وفقًا لمعهد الطب (IOM 2002)، الرعاية الصحية التي يتلقّونها “ضئيلة وبعد فوات الأوان.”. تلقّي الرعاية عندما يشتدّ المرض، أو الاستمرار المنقطع للرعاية يؤثر كثيرًا على صحتهم، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات المرض والوفيات، ناهيك عن التكلفة الأكبر للرعاية.

أقرّ، على أية حال، في عام 2010، قانون حماية المريض والرعاية الصحية ميسورة التكلفة، من خلال قانون الوساطة. يحتوي القانون أمرًا مستقلًا يلزم جميع الأفراد بشراء بوليصة تأمين صحي وإلا سيتوجب عليهم دفع ضريبة خاصة، ويوسّع تغطية ميديكيد (وهو برنامج إعانة، يوفّر تأمين صحي للفقراء بتمويل مشترك من الولايات والحكومة الفيدرالية) ليشمل ١٦ مليون مستفيد، وينشئ تبادل تأميني لبيع التأمين، جلّه مدعوم، إلى ١٦مليون مستفيد آخر، ويمنع شركات التأمين من رفض التغطية بسبب الحالة الصحيّة للمريض، ويسمح للأطفال بالاستفادة من تأمين والديهم حتى سن السادسة والعشرين. أيّد قرار المحكمة العليا ( قضية الإتحاد الوطني للأعمال المستقلة ضد سيبيلس، وزير الصحة والخدمات الإنسانية، عام 2012) الأمر المستقل، لكن قضى بأن للولايات الحق في توسيع برنامج ميديكيد، وأن هذا التوسّع لا يجب أن يُشترط من قانون الرعاية الصحية ميسورة التكلفة. إن الفشل في توسيع برنامج ميديكيد في بعض الولايات، ومعارضتهم المستمرة لقانون الرعاية الصحية ميسورة التكلفة، يعني أن توسيع التغطية لم يصل للـ ٣٢ مليون مستفيد المنصوص عليهم. توسيع التغطية لم يشمل الاثنا عشر مليون مهاجرًا غير مصرح بهم، من لا تشملهم أنظمة التأمين الشامل في غالب الدول. نظرًا إلى أن كثير من الاثنا عشر مليون مهاجرًا غير مصرح في الولايات المتحدة، يحسبون كأعضاء من المجتمع، حتى لو لم يكونوا مواطنين، فإن التغطية في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى لو طبّق قانون حماية المريض والرعاية الصحية ميسورة التكلفة بحذافيره، لن تكون تغطية شاملة بحق. على أية حال، يملك المهاجرون غير المصرح بهم في الولايات المتحدة إمكانية الحصول على الرعاية الصحية الطارئة في كل مستشفيات الولايات المتحدة، بسبب قانون العمل والعلاج الطبي الطارئ (EMTALA).

كانت هناك جهود من إدارة ترامب، بعدما تقلّد الرئاسة عام 2017، والكونجرس ذو الغالبية الجمهورية، لإبطال و إبدال قانون الرعاية الصحية ميسورة التكلفة. أقرّ مجلس النواب، ذو الأغلية الجمهورية الساحقة، بأغلبية ضئيلة، قانون الرعاية الصحية الأمريكية عام 2017. لكنّ فشلت نسخة مجلس الشيوخ منه في حصد الأغلبية لإقرار القانون، كما فشلت الجهود الرامية لإبطال قانون الرعاية الصحية ميسورة التكلفة وإبداله بخطة يُعمل عليها لاحقًا. ولأن الرئيس ترامب استمرّ بتهديد قانون الرعاية الصحية ميسورة التكلفة، ووضع القيادات الجمهورية في المجلسين على رأس أولوياتهم إبدال قانون الرعاية الصحية ميسورة التكلفة، إذ أن مستقبل قانون الرعاية الصحية ميسورة التكلفة وهدفه من تقليل عدد غير المأمنين ليس مضمونًا، اعتبارًا من صيف 2017. (نعود لنناقش في القسم الثاني، الشكل الجمهوري للتغطية الشاملة، باعتماده على حق اختيار عدم التأمين.)

 

فضلًا عن الحواجز المالية التي تحول دون إمكانية الحصول على الرعاية، ثمة عدة حواجز مهمة لا تتعلق بالمال. وتتضمن هذه الحواجز أشكال التمييز والإقصاء، كالعنصرية والتحيز الجندري؛ والحواجز الجغرافية؛ والحواجز اللغوية والثقافية، بما في ذلك المواقف الثقافية تجاه المرض والرعاية الطبية. في الولايات المتحدة، مثلًا، نعرف أن بعض الحالات الصحيّة تنتشر عند الأمريكيين من أصل إفريقي، أكثر من الأمريكيين البيض. بالنظر للتغطية التأمينية والدخل وفروقات التعليم، لا يزال الأمريكيون من أصل إفريقي أقل احتمالًا لتلقي علاجات مهمة لمجموعة من الأمراض الخطيرة، بما في ذلك أمراض القلب وأنواع معينة من فشل الأعضاء (IOM 2002). إن كيفية تفسير هذه الفوارق في الاستخدام هي مسألة بحث مستمر بحد ذاته، يركز بعضها على المواقف الواعية واللاواعية والقوالب النمطية العرقية. وإلى أن ضغطت مجموعات دعم النساء، مثل التحالف الوطني لسرطان الثدي، بنجاح لتغيير سياسة تمويل البحث، كانت بعض أمراض النساء تعاني من نقص التمويل بشكل منهجي في الولايات المتحدة، وبالمثل، ثمة اختلافات كبيرة في إمكانية الحصول على الرعاية، تنم عن سوء التوزيع الجغرافي لمقدمي الرعاية، كالأطباء والخدمات. وهكذا يركز الأطباء ممارساتهم في المناطق الحضرية والضواحي الأكثر ثراء، تاركين المناطق القروية والريفية الفقيرة تعاني من نقص الخدمات. كما تواجه العديد من المستشفيات مشكلة التغلب على الحواجز اللغوية بسبب كثرة الجاليات المهاجرة من مناطق مختلفة، الذين يأتون طلبًا للخدمة، وتزخر العديد من الأمثلة اللافتة بالفشل في تلبية الاحتياجات الصحية بسبب الآراء الثقافية حول المرض والرعاية الطبية (Fadiman 1997).

تحول كل هذه الحواجز لإمكانية الحصول على الرعاية دون تقديم رعاية صحيّة كافية في الولايات المتحدة والعديد من الدول النامية. إن كان توفير الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية الصحيّة مطلب للعدالة، فيجب معالجة هذه الحواجز كمسألة عدالة. تستمر بعض هذه الحواجز، كالحواجز الجغرافية والثقافية، في الظهور حتى في الأنظمة التي تهدف لتقديم الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية. فيجب معالجة كلٌ من هذه الحواجز على حدة في إطار أي جهد لدفع النظام الأمريكي نحو توفير الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية.

قد يُعتقد أن توفير الإمكانية الشاملة للحصول على مجموعة من خدمات الصحة العامة والخدمات الطبية الشخصية من شأنه أن يقطع شوطًا كبيرًا نحو الحد من عدم المساواة بين الجماعات المختلفة، سواءً العرقية أو المقسمة حسب الوضع الاجتماع -اقتصادي. لكن، أظهرت الدراسات الدقيقة في عدة بلدان، خاصة في المملكة المتحدة، أن عدم المساواة الصحية بناءً على الطبقة لم تتضاءل في ظل توفّر التغطية الشاملة من خلال هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية (Marmot 2004). أظهرت دراستان طوليّتان لموظفي الخدمة المدنية البريطانيين، المعروفة بدراسات وايتهول، وجود تدرج اجتماعي واقتصادي واضح للصحة عبر فئات مختلفة من العمال: كلما ارتفعت الحالة المهنية للعامل، كلما كانت حياته أطول وأصح. بالإضافة إلى ذلك، لا يُفسَّر هذا الاختلاف بعوامل الخطر المرتبطة بالحالة المهنية، مثل معدلات التدخين أو مستويات الدهون أو “خيارات نمط الحياة” الأخرى. كما أن التدرج ليس نتيجة “الحرمان” – حيث لا يوجد أي من موظفي الخدمة المدنية من الفقراء أو ممن يفتقرون إلى التعليم الأساسي أو الرعاية الطبية- والتدرج موجود في جميع المستويات المهنية.

نتائج وايتهول قوية جدًا وتكشف عن تدرّج جليّ للصحة عبر مجموعة واسعة من مقاييس المرض والوفيات. كما أنها تتوافق مع النتائج الموجودة في عديد من البلدان، سواء كانت توفّر التغطية الشاملة أم لا. تُظهر جميع هذه النتائج تأثيرًا قويًا للمحددات غير المتعلقة بالصحة على الرعاية الصحية: الدخل والثروة والتعليم والإدماج والاستبعاد، بما في ذلك التمييز ضد المرأة ومجتمع الميم والتماسك الاجتماعي وغيرها. يركز البحث على شرح الآليات التي قد تكون فعالة في خلق أشكال عدم المساواة الصحية. أصدرت لجنة منظمة الصحة العالمية المعنية بالمحددات الاجتماعية للصحة تقريراً نهائياً في عام 2008 دعا إلى اتخاذ تدابير سياسية مختلفة لتحسين الظروف المعيشية اليومية وتوزيع المزيد من الأموال والسلطة والموارد بشكل أكثر إنصافاً، فضلاً عن القيام بأبحاث تقيس تأثير هذه العوامل بشكل أفضل وتقيّم أثر التدابير لإعادة توزيع محددات الصحة هذه بعدالة أكثر (CSDH 2008).

على أية حال، ما نستخلصه من المؤلفات حول المحددات الاجتماعية لصحة السكان، لأغراضنا الخاصة، هو أنه لا يمكننا أن نتوقع أن تختفي أشكال عدم المساواة الصحية فقط نتيجة لتوفير الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية. ليست الرعاية الصحية هي العامل الوحيد الذي يحدد اجتماعيًا ويؤثر على صحة السكان وتوزيعهم. هذا يتركنا أمام سؤال يجب أن نتناوله: إذا كانت عوامل أخرى غير الرعاية الصحية هي محددات مهمة للصحة، فهل التركيز على توفير الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية الصحية هو تركيز في غير محله؟ حتى إن كانت العدالة تتطلب منا تعزيز الصحة أو حمايتها، فهل تتطلب منا فعل ذلك من خلال توفير الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية الصحية، أم يجب علينا الآن تعديل رؤيتنا لأهمية الرعاية الصحية في ضوء ما تعلمناه من علم الأوبئة الاجتماعي؟ نعود لمعالجة هذه المشكلة في القسمين الثالث والرابع.

 

سيساعدنا تلخيص النقاط الرئيسية التي تنبثق من هذه الصورة الأولية لما تفعله المجتمعات المختلفة لتوفير إمكانية الحصول على الرعاية الصحية.

 

  • إذا ركزنا على البلدان المتقدمة، نجد التزامًا شبه عالمي بضمان إمكانية شاملة للحصول على الرعاية في شكل تغطية شاملة. قد تختلف طرق التمويل والتنظيم، وقد تختلف الأنواع الفعلية للرعاية المقدمة إلى حد ما، ولكن هناك إقرار مفاده أن الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية هي التزام اجتماعي، بل حق، وهناك مؤسسات تقارب مثل هذه التغطية. من المؤكد أن بعض الحواجز التي تحول دون إمكانية الحصول على الرعاية لا تزال قائمة حتى في هذه البلدان، لا سيما سوء التوزيع الجغرافي للخدمات وعدم المساواة في إمكانية الحصول على الرعاية بالنسبة لبعض مجموعات السكان الأصليين أو الأقليات.

  • لا تزال توجد بعض القيود المفروضة على إمكانية الحصول على الرعاية في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، إذ لا تزال في بعضها حواجز مالية. على سبيل المثال، لا يستطيع الاثنا عشر مليون مهاجر غير المصرح بهم في الولايات المتحدة وأماكن أخرى شراء تأمين هو في المقابل مضمون للآخرين. في جميع البلدان، هناك حواجز غير مالية للرعاية، غالبًا ما تكون جغرافية، ولكن في العديد منها حواجز عرقية أيضًا.

ج) لا يقتصر الالتزام بتوفير الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية في البلدان المتقدمة، فالعديد من البلدان متوسطة الدخل وفرت مؤخرًا الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية (مثل تايوان والمكسيك) أو حاولت القيام بذلك بشكل تدريجي، وهناك جهد أخير لإدراج البلدان منخفضة الدخل في جهد لتأمين التغطية الشاملة.

د)  مع ذلك، فإن التفسيرات الفعلية قد تكون متنوعة لسبب تطوير المؤسسات التي تقدم محاولات تقريبية للإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية مثل التواريخ الاجتماعية المحلية لهذه البلدان، وليس هناك طريقة بسيطة للاستدلال من وجود هذه المؤسسات إلى استنتاج أنها جهود لتعزيز مفاهيم العدالة الاجتماعية.

هـ)  على الرغم من الاعتقاد الذي ربما صاحب تقديم الإمكانية الشاملة، أي أنها ستقلل من عدم المساواة الصحية بين السكان، فإننا نعلم من الأدبيات الوبائية الاجتماعية أن عدم المساواة الصحية لا تزال قائمة، وأنها مرتبطة بتوزيع مجموعة واسعة من سلع لا تتعلق بالرعاية الصحية، وأنها موجودة عبر مجموعة واسعة من السكان.

 

٢. تصوّر وقياس إمكانية الحصول على الرعاية

يمكن القول أن هدف الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية الصحية، كما هو مجسد في النظم الصحية في جميع البلدان المتقدمة تقريبًا، هو ضمان الإمكانية المتساوية، أو المنصفة – على الأقل – للحصول على الرعاية اللازمة. كيف يمكننا معرفة ما إذا كانت إمكانية الحصول على الرعاية متساوية أم لا؟ ما الذي يجب أن نعدّه إمكانية عادلة، إن كانت هذه تختلف عن الإمكانية المتساوية؟ قد نأمل أن تحديد الإمكانية المتساوية للحصول على الرعاية هو أمر غير إشكالي، كما هو الحال، على سبيل المثال، مع الدخل، وأن الإمكانية العادلة تنطوي على عدم مساواة مسموحة أو مبررة. لكن، كما سنرى في هذا القسم، أن تقديم حساب للإمكانية المتساوية للحصول على الرعاية، ناهيك عن العادلة، ليس بهذه السهولة.

إن تصوّر وقياس إمكانية الحصول على الرعاية هي مهمة أكثر تعقيدًا مما قد تبدو عليه في البداية. ويرجع ذلك، جزئيًا، إلى أن الرعاية الصحية غير متجانسة في وظيفتها، لأنها تؤدي أشياء مختلفة لنا. بالإضافة إلى ذلك، ثمة خلاف حول طبيعة الرعاية الصحية كسلعة اجتماعية: يعتقد البعض أنها مجرد سلعة، يتم شراؤها في السوق مثل السلع الأخرى؛ يدّعي آخرون أن لها أهمية أخلاقية خاصة تميزها عن بعض سلع السوق الأخرى. إذا أردنا أن نفهم الادعاءات التي تنص على أننا مدينون لبعضنا البعض بإمكانية متساوية، أو – على الأقل – عادلة للحصول على الرعاية، وهذا يعني أنه يجب علينا التغلب على مختلف الحواجز التي تحول دون إمكانية الحصول على الرعاية، و التي تخلق الإمكانية غير العادلة، فعندئذ علينا أن نكون واضحين في كيفية تحديد متى تكون إمكانية الحصول على الرعاية غير متساوية، أو غير متساوية بلا مبرر.

 

١.٢ متى تكون إمكانية الحصول على الرعاية متساوية

من المغري التفكير في أنه يمكننا تقديم تعريف لا يثير جدلًا أبدًا للإمكانية المتساوية للحصول على الرعاية– كما هو الحال مع المساواة في الدخل- ونحتفظ بكل الجدل للمناقشات حول الانحرافات عن المساواة، المتوافقة مع مبادئ العدالة المقبولة. إذا كان أ يجني $10,000 أقل من ب، فقد يعتقد البعض أن عدم المساواة فيما بينهما عادلة إذا كان ب يعمل لفترة أطول أو بجد أكثر من أ، وقد يعتقد آخرون أن عدم المساواة فيما بينهما عادلة إذا كانت مهارات ب لها قيمة سوقية أعلى من أ، وآخرون سيعتقدون أنها عادلة إذا كان ب يحتاج أكثر من أ. تظهر هنا خلافاتنا الأخلاقية حول مبادئ التوزيع الملائمة كخلافات حول التوزيع الحق أو العادل للدخل، على الرغم من عدم وجود جدل حول ما إذا كانت الدخول متساوية.

 

يمكن القول إن الوضع مختلف بالنسبة لمفهوم الإمكانية المتساوية للحصول على الرعاية الصحية: لتصوّر مفهوم المساواة في الإمكانية، نكون قد اتخذنا، قبلًا، قرارات مختلفة حول الاعتبارات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان في الحكم على ما إذا كانت الإمكانية متساوية. تعكس هذه القرارات هدفنا أو مصلحتنا في إصدار حكم بشأن المساواة، وبعض هذه التمييزات هي في حد ذاتها أخلاقية. لذا فإن الاعتبارات الأخلاقية مضمّنة بالفعل في مواصفات الإمكانية المتساوية، ولا يتم تعليقها حتى نصل إلى قرارات بشأن العدل.

لتتضح لك المسألة، ضع في اعتبارك ما قد يبدو على أنه مثال تافه. هل هناك إمكانية متساوية بين زملاء القسم للحصول على القهوة في الصالة التي ليست بالبعيدة عن مكتب الأستاذ أ؟ إذا لم يوجد مسار يسمح للكراسي المتحركة بالدخول للصالة، فيمكن لزميلة مصابة بشلل نصفي أن تدّعي بسهولة أن إمكانية الحصول ليست متساوية – وهذا الادعاء له قوة حتى إذا كانت تشرب القهوة بقدر ما تريد لأن شخصًا ما مستعد لإحضارها لها. ماذا يجب أن نقول عن حقيقة أن القهوة تبعد عشرة أقدام فقط من مكتب الأستاذ أ، لكن ثلاثين قدمًا من مكتب زميله؟ هل يهم إذا كان أحد الزملاء يكره لون الطلاء في الصالة بعكس الآخرين؟ هل يهم إن كان أحد الزملاء قد مر بتجربة سلبية في صالة القهوة في وظيفة سابقة ولكن زملاء آخرين لم يمروا بذلك؟ إذا رأينا أن الحصول على القهوة يلبي حاجة مهمة، فقد نقلق بشأن المسافات غير المتساوية أو العبء النفسي لطلب القهوة، ولكن إذا كنا نعتقد أن القهوة ليست سوى وسيلة راحة (اترك الإدمان جانباً)، فقد لا نهتم بشأن هذه القضايا الأخرى، حتى لو أدت إلى اختلافات في تفضيلات الحصول على القهوة واستهلاك القهوة. تهمّنا طريقة تفكيرنا بأهمية القهوة لنا عند الأخذ بالاعتبار ما إن كانت إمكانية الحصول عليها متساوية.

تنطبق نفس النقطة على الأحكام المتعلقة بالمساواة في إمكانية الحصول على الرعاية الصحية: مثل هذه الأحكام تفترض مسبقًا بعض وجهات النظر حول الأهمية الأخلاقية للرعاية الصحية. ومع ذلك، ربما يكون من الإنصاف أن نقول أن كل ما يفكر فيه معظم الناس عندما يتحدثون عن المساواة في إمكانية الحصول على الرعاية الصحية هو معيار سلبي، على وجه التحديد أن بعض القيود التقليدية المفروضة على إمكانية الحصول على الرعاية، بشكل رئيسي مالية أو جغرافية أو تمييزية، يجب أن تلعب دورًا ضئيلًا في تحديد ما إذا كان الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية صحية يحصلون عليها. قد يكون هناك ضمنيًا مثال إيجابي في هذا الوصف السلبي – على سبيل المثال، “أي شخصان يتمتعان بحالة صحية قابلة للمقارنة ويريدان الرعاية المناسبة سيكون لديهما فرص متساوية للحصول عليها”. ولكن قد لا توجد خطة في ذهن أي شخص على الإطلاق؛ قد تكون هناك شكوى أخلاقية فقط ضد عدم مساواة معينة. وهكذا يوجد في كثير من الحالات اتفاق حول ما يمكن تسميته بالإمكانية المتساوية في الحصول فقط لأنه يوجد اتفاق على عدم قبول نوع معين من عدم المساواة.

 

٢.٢ تصوّر وقياس الإمكانية العادلة للحصول على الرعاية

يعتمد المفهوم السائد للإمكانية العادلة في الحصول على الرعاية الصحية بين الباحثين في مجال الخدمات الصحية على فكرة أن استخدام الخدمات يجب أن يعكس الاحتياجات الفعلية للرعاية (Aday and Anderson 1974, 1975, Aday 1975, Aday, Anderson and Fleming 1980, Aday 2001, Aday et al. 2004). أما وجهة النظر المنافسة البارزة، وخاصة في الولايات المتحدة، هي وجهة نظر معدلة للسوق تركز على توفّر الحد الأدنى الأساسي من الرعاية في السوق (cf. Enthoven 1980). لا يجب الخلط بين وجهة النظر هذه، وبين وجهة نظر السوق الصرفة التي تسمح بتحديد كل الرعاية من قبل قوى السوق، مما قد يعني أن بعض الأشخاص لن يحصلوا حتى على الحد الأدنى الأساسي من الرعاية. ومع ذلك، حتى وجهة النظر المعدلة للسوق هذه، تسمح بالعديد من أوجه عدم المساواة في إمكانية الحصول على الرعاية التي يمكن اعتبارها غير عادلة من وجهة نظر الاستخدام حسب الحاجة. يمكن اشتقاق نموذج ثالث من الإمكانية الشاملة المتساوية في الحصول على الرعاية من بعض الأشياء التي قالها الجمهوريون العازمون على تطوير نموذج الإمكانية الشاملة الذي يعتمد على “خيار” شراء التغطية (Bump 2017). بدلاً من حصول الجميع على تغطية تأمينية كنموذج للإمكانية الشاملة والمتساوية في الحصول على الرعاية، فإن “اختيار” شراء التغطية في هذا النموذج هو المحدد الرئيسي للشمول. سيكون من المفيد دراسة الآثار المترتبة على هذه الآراء الثلاثة البارزة حول المساواة في إمكانية الحصول على الرعاية.

فكر أولاً في وجهة نظر الاستخدام حسب الحاجة. من وجهة النظر هذه، لا ينبغي أن يُشتت الاستخدام حسب الحاجة بسبب بعض السمات الهيكلية للنظام الصحي، مثل توزيع مقدمي الخدمات أو المرافق أو المواقف الإقصائية التي يؤويها، أو عن طريق العوامل المعطّلة أو الممكّنة للأفراد، مثل معلوماتهم حول الرعاية الصحية أو عدم قدرتهم على التواصل مع مقدمي الخدمات، أو دخلهم، أو من خلال “متغيرات العملية” مثل السفر ووقت الانتظار. يسمح لنا هذا النهج باختبار ما إذا كانت إحدى العوامل، مثل وقت الانتظار على، توثّر فعلًا على الاستخدام الفعلي للخدمات حيث تكون الحاجة ثابتة. متى ما أظهرت العوامل المشتتة أن استخدام الخدمات لا يتحدد حسب الحاجة، فإن وجهة نظر الاستخدام حسب الحاجة تحكم على إمكانية الحصول بأنها غير عادلة. بهذه الطريقة، يمكن استخدام وجهة النظر هذه تحليليًا لاختبار مدى أهمية بعض عوامل إمكانية الحصول المحتملة، ويمكن استخدامها بشكل معياري لإصدار أحكام حول عدالة إمكانية الحصول.

يعتبر نهج الاستخدام حسب الحاجة حساسًا للمقاييس الفعلية لكل من الحاجة والانتفاع. إحدى متغيرات العملية – على سبيل المثال، الوقت المقضي في غرفة الانتظار – قد يكون له تأثير كبير على مقاييس الرضا عن الرعاية (مقياس ذاتي للإمكانية الفعلية للحصول على الرعاية)، ولكن له تأثير ضئيل نسبيًا على معدلات الانتفاع (مقياس موضوعي للإمكانية الفعلية للحصول على الرعاية). لذا فإن اختيار مقاييس موضوعية أو ذاتية للإمكانية المتحققة للحصول على الرعاية قد يؤدي إلى تقييمات مختلفة لأهمية متغير العملية، وفي النهاية، تقييمات مختلفة للعدل في إمكانية الحصول على خدمات الرعاية الصحية. حتى إن كنا نميل إلى استخدام مقياس موضوعي على أية حال، يهمنا أيهم سنختار. على سبيل المثال، المواقف الثقافية تجاه الدخول في دور مريض قد يكون لها تأثير أكبر على أيام الإعاقة، كمقياس للحاجة ، أكثر من تأثيرها على مستوى الحاجة الأكثر خطورة، أيام الإعاقة في الفراش.
يجادل منتقدو توجّه الاستخدام حسب الحاجة بأن بعض متغيرات العملية هي محددات مهمة لعدالة إمكانية الحصول على الرعاية حتى لو لم يكن لها تأثير كبير على الانتفاع من الخدمات .(Sloan and Bentkover 1979) على سبيل المثال، حتى لو لم يتعارض وقت الانتظار مع الانتفاع، فقد يفرض عبئًا كبيرًا على أولئك الذين قد يبتغون الرعاية، وقد يكون هذا العبء غير عادل. هناك انتقاد آخر لتوجّه الاستخدام حسب الحاجة وهو الادعاء بأن توحيد معدلات الانتفاع ليس شرطًا ضروريًا لتحقيق المساواة في إمكانية الحصول على الرعاية. قد يكون البعض مطّلعون، ولكنهم عازفون عن الانتفاع من الخدمات الطبية، بالتالي، فإن الاختلافات في معدل انتفاعهم عن الآخرين يجب ألا تُحسب على أنها عدم مساواة في إمكانية الحصول على الرعاية. هناك اعتراض آخر هو أن هذا النهج يجرّد فعالية الرعاية – لا ينظر إلى الحالة الصحية على أنها نتيجة، بل الانتفاع من الخدمات فقط. قد يكون للأشخاص الذين لديهم معدلات انتفاع مختلفة نفس الحالة الصحية كنتيجة لمجرد أن الرعاية التي حصلوا عليها كانت غير فعالة، لذا فإن قياس معدل الانتفاع لا يخبرنا ما هو المهم حقًا.

قد يستدعي الأساس المنطقي لوجهة نظر الاستخدام حسب الحاجة حجة وظيفية من النوع الآتي: “الوظيفة (الرئيسية) لخدمات الرعاية الصحية هي الوقاية من المرض وعلاجه، أي تلبية احتياجات الرعاية الصحية. وبالتالي، فإن توزيعًا لخدمات الرعاية الصحية لم يُحدد من خلال توزّع احتياجات الرعاية الصحية هو أمر غير معقول بمعنى هام. إحدى هذه المعاني، الذي يكون فيها غير معقولًا، هي أنه سيبطل الغرض من تلبية الاحتياجات الصحية بتوفيره إمكانية الحصول على الرعاية بطرق لا يحددها مستوى أو أنواع الاحتياجات التي يمتلكها الناس. وإحدى المعاني الأخرى غير المعقولة هي أنه يتجاهل التشابهات والاختلافات – في الحالة الصحية – بين الأشخاص، اللاتي، بالنظر إلى وظيفة الرعاية الصحية، يجب أن يكنّ على صلة بتحديد توزيع الرعاية المعقول. تجاهل مثل هذه التشابهات والاختلافات ذات الصلة يعني أن يكون التوزيع غير عادل”. نسخة من هذه الحجة تُنبأت بوضوح في مناقشة برنارد ويليامز (1971: 27) التي أصبحت الآن مناقشة تقليدية للمساواة خلص فيها إلى أنه “إذا تركنا الطب الوقائي جانباً، فإن الأساس الصحيح لتوزيع الرعاية الطبية هو الصحة؛ هذه حقيقة ضرورية “.
لسوء الحظ، تعجز هذه الحجة الوظيفية عن تقديم أساس لوجهة نظر الاستخدام حسب الحاجة. تتمثل وظيفة معالجات الأغذية في تلبية احتياجات معالجة الأغذية، ولكن لا أحد يعتقد أن الاستعداد لدفع ثمن معالجات الأغذية أساس غير مناسب لتوزيعها وأنه يجب علينا القيام بذلك بما يتناسب مع وجود احتياجات تقطيع الخضار عند السكان. المشكلة هنا هي أن تلبية بعض الاحتياجات، ولكن ليس غيرها، أمر يهم العدالة أو الإنصاف. في القسم التالي، سنعود للبحث عن أسس أكثر إقناعًا لوجهة نظر الاستخدام حسب الحاجة.

فكر بعد ذلك في وجهة النظر المعدلة للسوق، والتي بموجبها تتحقق العدالة في إمكانية الحصول على الرعاية الصحية عندما يتوفر حد أدنى لائق للجميع في السوق. على عكس نهج معدل الانتفاع، فإن وجهة نظر السوق ليست في الواقع موقفًا ممثلًا في الأدبيات التجريبية حول إمكانية الحصول على الرعاية، بل بالأحرى مجموعة مركبة مستخرجة من وجهات النظر الشائعة في أدبيات التخطيط الاقتصادي والصحي. تكمن أهمّيتها في الحدود المختلفة التي تضعها على مفهوم إمكانية الحصول العادل على الرعاية وبسبب النظرة الأساسية المختلفة للرعاية الصحية والعدالة التوزيعية.

أشرت سابقًا إلى أن أحد الاعتراضات على نهج معدل الانتفاع هو أن التشابه في معدلات الاستخدام حسب الحاجة بين المجموعات ليس شرطًا ضروريًا لإمكانية الحصول العادلة (أو التوزيع العادل). أحد الأساسات المنطقية لهذا الادعاء هو الرأي القائل بأن خدمات الرعاية الصحية هي سلع مثل أي شيء آخر. من وجهة النظر هذه، لا يوجد شيء “خاص” في هذه الخدمات لا يمكن استيعابه من خلال السماح لسوق لها بالاستجابة لتفضيلات الأشخاص لها. في وجهة نظر كهذه، تُضمن المساواة في إمكانية الحصول إذا ضُمنت ثلاثة شروط رئيسية: (1) يجب أن تكون السلعة متوفّرة بتكلفة كـ “التكلفة الاجتماعية الحقيقية”. (2) الأفراد قادرون على اتخاذ قرارات عقلانية (مطّلعة) حول استخدام النظام؛ (3) يجب أن يكون توزيع الدخل عادلاً (تقريبًا). يتطلب الشرط الثاني توفر معلومات حول البدائل – على سبيل المثال، العلاجات أو خطط التأمين – وأن يكون الأشخاص أكفاء ومطّلعين بما يكفي للاستفادة من المعلومات. تنشأ بعض حالات عدم المساواة في إمكانية الحصول عندما لا يتم استيفاء هذا الشرط ويجب معالجتها من خلال السياسات العامة. (سنرى كيف تؤثر هذه الشروط على الحجج الفلسفية حول التأمين الاحترازي في القسم 3).

وبصرف النظر عن مشكلة الإعانات المقدمة للفقراء لضمان التوزيع العادل للدخل، فإن المشاكل المركزية في إمكانية الحصول على الرعاية هي تلك التي سببها انحراف السوق الطبية عن المثل الأعلى للسوق التنافسية الحقيقية (Arrow 1963). على وجه الخصوص قد يكون هناك العديد من التشوهات في جانب العرض والتي تنبع من عدم تقديم السوق للخدمات “بتكلفتها الاجتماعية الحقيقية”. على سبيل المثال، قد لا يتمكن سكان الريف أو الأقليات الداخلية في المدينة من الحصول على الرعاية التي يريدونها ويمكنهم تكلّفها. قد لا يتمكنون من الحصول عليها بالكميات المطلوبة، أو في الأوقات المرغوبة بالخصائص التي يريدونها.

عندما ينظر لها كهذا، فالمشكلة هي أن السوق لا تستجيب لتفضيلات المستهلكين في جانب العرض وقد نحتاج للتدخّل لتصحيح المشكلة من خلال معالجة المشاكل الهيكلية في سياسة الإنفاق الرأسمالي. إحدى المشاكل المركزية هنا هي الطريقة التي يرتبط بها اختيار خطة التأمين الصحي بميزات التوظيف وعدم توفر مجموعة كافية من الخطط – على سبيل المثال، الخطط التي تغطي الأشخاص في فترة انتقالهم من وظيفة إلى أخرى. تتعلق القضايا المركزية لإمكانية الحصول على الرعاية و مساواتها بأعطال التوريد هذه في السوق. (في القسم 3 ، سنرى كيف يحاول دوركين (1994 ، 2000) تجنب قيود السوق هذه.)

نادرًا ما يُعالج الشرط الثالث لتوزيع الدخل العادل في هذه الأدبيات. إذا كانت إعادة توزيع الدخل سترفع الناس إلى مستوى الفقر المحدد رسميًا فقط، فمن الواضح أنها ليست كافية لتغطية تكاليف الحد الأدنى الأساسي من الرعاية (سيتم مناقشة هذا المفهوم لاحقًا في هذا القسم). إذا كان التحوّل يقل عن هذا، فإنه غير عادل. لذا، فإن وجهة النظر المعدلة للسوق التي أرسمها ليست وجهة نظر الليبرتاري الصرف الذي قد يرفض كل هذه التحوّلات، بل وجهة نظر يكون فيها قبول ضمني لبعض المطالبات الأخلاقية المهمة التي يمكن وصفها بشكل فضفاض بأنها “حقوق الرفاهية”.

إن ضمان إمكانية الحصول العادل على الرعاية بالطرق التي يحددها نهج السوق يترك مجالًا واسعًا لجميع أنواع حالات الانحراف عن إمكانية الحصول العادل على الرعاية كما يعرّفها نهج الاستخدام حسب الحاجة. بالتأكيد، قد تكون هناك اختلافات في وسائل الراحة التي ترافق خدمات الرعاية الصحية، إن كنّا سننظر هكذا إلى (بعض) متغيرات العملية مثل وقت الانتظار. الجودة المتساوية في هذه الأبعاد ليست مطلوبة أكثر من تفضيل جودة متساوية في السيارات، على سبيل المثال. وبالمثل، قد تختلف معدلات الاستخدام حسب الحاجة مع متغيرات مثل الدخل أو العرق ومع ذلك لا تشير إلى أي عدم مساواة في إمكانية الحصول على الرعاية، على عكس صيغة الاستخدام حسب الحاجة. بدلاً من ذلك، يمكن النظر إلى التوزيع غير المتكافئ للرعاية الصحية من حيث الكم والجودة على أنه مجرد تعبير عن منحنيات تفضيلية مختلفة، تمامًا كما قد تختلف ميزانيات الطعام بين مستفيدي الإعانات الاجتماعية وعامل المصنع وصناعي ثري. إذا اعتبرنا توزيع الدخل الحالي مقبولًا أخلاقياً، فإن تمظهره من حيث الانتفاع من الخدمات الصحية يحتاج إلى أن ينم عن عدم وجود لا مساواة.

إذاً، باختصار، فإن نهج السوق الذي أتناوله هنا يتلخّص كما يلي: تكون إمكانية الحصول على الرعاية الصحية عادلة إذا وفقط إذا لم تكن هناك حواجز معلوماتية، أو حواجز مالية، أو حالات شاذة في العرض تمنع إمكانية الحصول على حد أدنى معقول أو لائق من خدمات الرعاية الصحية. إن مدى معقولية مثل هذا الحساب يعتمد على وصف الحد الأدنى اللائق والحجج الأخلاقية التي تصادق على أن توفير مثل هذا الحد الأدنى هو كل ما تتطلبه العدالة أو الإنصاف. وبالتالي، يبدو أن المشكلة التي تواجه مؤيد “السوق” هي الجانب الآخر من المشكلة ذاتها التي تواجه وجهة نظر الاستخدام حسب الحاجة. إذا كانت وجهة نظر السوق تشير إلى أننا مدينون لبعضنا البعض على أساس العدالة بحد أدنى لائق، فإن وجهة نظر الاستخدام حسب الحاجة تشير إلى أننا مدينون أكثر بكثير – وكلاهما يتطلبان مبررات واضحة. كانت إحدى المشاكل المركزية في وجهة النظر تلك هي افتراضها المبسط أن الرعاية الصحية متجانسة نسبيًا في الوظيفة وأن الأساس الملائم لتوزيعها يجب أن يكون تحقيق هذه الوظيفة. هناك أيضًا مشكلة أخرى متعلّقة بوجهة النظر تلك تتمثل في افتراضها أن إمكانية الحصول على الرعاية يمكن أن يكون عادلاً فقط إذا وُزّعت جميع الخدمات التي يقدمها النظام وفقًا للحاجة. لكن إذا أردنا أن نتعامل مع خدمات الرعاية الصحية على أنها غير متجانسة من حيث الوظيفة، وكنّا على استعداد لتبرير مطالبات العدل بالإشارة فقط إلى بعض خصائص بعض تلك الخدمات، فإننا ندين ببيان كيفية رسم الخطوط الفاصلة.

يوجد ثلاثة طرق لتوضيح مفهوم الحد الأدنى الأساسي اللائق: (1) توفير معيار عام بالرجوع إليه يمكننا معرفة ما إذا كانت الخدمات ضمن الحد الأدنى أو أعلى منه ؛ (2) سرد بسيط لأنواع الخدمات المدرجة ؛ أو (3) وصف إجراء عادل لتحديد الحد الأدنى. لا توجد في أدبيات السوق – في معظم أدبياته بحق – محاولة جادة لتوفير معيار عام، أو لوصف إجراء ملائم عادل. كل المحاولات التي اطلعنا عليها كانت غامضة للغاية. يقترح تشارلز فريد، في جهد مبكر للتوصيف (1976: 32) ، أن “الحد الأدنى اللائق يجب أن يعكس بعض المفاهيم لما يشكل آفاق حياة مقبولة بشكل عام. يجب أن يشير بشدة إلى أشياء مثل صحة الأم والطفل التي تحدد الشروط التي بموجبها يتنافس الأفراد ويتطورون”. لم يُطوّر التوصيف بما يكفي لمعرفة متى تكون الآفاق مقبولة ولمن.

تلجأ الجهود المبذولة لتحديد الحد الأدنى الأساسي اللائق، عمومًا، إلى قائمة من فئات الخدمات أو إلى مستوى “متوسط” من الخدمات في نظام صحي معين. لا يوفر أي من هذين الأسلوبين معيارًا يوضح سبب اعتبار هذه الخدمات لائقة وأساسية. عندما تلجأ لقائمة، كما هو الحال في اقتراح مبكر من قبل إينثوفن (1980)، في ” خطة خيار المستهلك الصحيّة” التي أثرت بشكل كبير على جهود إدارة كلينتون في الإصلاح الصحي، فقد تنبع من جهد سابق في التنظيم، مثل قانون منظمات الحفاظ على الصحة لعام 1973. ومن المعتاد في مثل هذه الجهود عدم وجود سبب منطقي لوجود العناصر في القائمة. إذا تم تضمين خدمات الصحة النفسية، فغالبًا، لا يُوضّح أي خدمات الصحة النفسية يعنون، وقد تُستثنى فئات، مثل رعاية الأسنان، بلا تفسير.

وبالمثل، لا يقدم اللجوء إلى حزم التأمين “المتوسطة” أي أساس واضح لتقرير ما إذا كانت مجموعة من المزايا مناسبة حقًا لأدنى مستوى لائق. إحدى هذه الأسباب، هي أن “المتوسط” قد يعكس ​​العديد من سمات سوق لا تعمل كما يجب، من خلال تضمين الكثير مما لا فائدة منه، أو مما هو غير فعّال، أو مما هو غير لائق في نظام يوفر الرعاية. قد تستثني الحزم المتوسطة بعض السمات الهامة للرعاية، على سبيل المثال، بعض خدمات الصحة النفسية. في الواقع، من خلال التركيز على الخدمات المقدمة داخل نظام معين للمستخدمين “المتوسطين”، يتم تحويل مفهوم ما ندين به للناس، أي ما يعتبر معاملة عادلة، إلى مفهوم “خلالي” تمامًا. يقال لنا، أنه “ضمن حدود هذا النظام، تتطلب العدالة توفير هذه الحزمة، لأنها متاحة في المتوسط” ولكن لا يقال لنا، بشكل عام، أن النظام يوفر للناس ما يجب أن يحصلوا عليه، كمسألة عدالة. يقال لنا، فعليًا، أن النظام الذي يهدف إلى تلبية احتياجات معينة يجب أن يعامل الناس بشكل عادل في تلبية تلك الاحتياجات، لكن لا يقال انا أن النظام العادل يجب أن يفي للناس بحاجات صحية معينة. ولا نُمنح عملية قد تساعدنا في تقرير ما نقدمه كمسألة عدالة عندما قد يكون هناك خلاف حول التغطية العادلة. باختصار، لا القوائم ولا المتوسطات تحل محل اللجوء إلى أساس منطقي يمكن الدفاع عنه أو إلى عملية عادلة لتحديد ما يجب تغطيته. (سننظر في القسم 3 في الكيفية التي تعالج بها نُهُج التأمين لـ دوركين (1994) و جيبارد (1982)  هذه القضايا، نظرًا لأن كل نهج يعد جزءًا من حجة لتبرير اللجوء للإمكانية المتساوية للحصول على الرعاية؛ يسلّم نموذج الاختيار بالإمكانية المتساوية للحصول على الرعاية، و لا يحاول تبريرها، لذلك لا نناقشه في القسم (3).

فكّر الآن في النموذج الثالث لما يجب اعتباره إمكانيةً متساوية للحصول على الرعاية، والذي نشير إليه بنموذج الاختيار. في الواقع، يُصاغ هذا النموذج كنموذج للإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية (في مقابل التغطية الشاملة)، وعلينا أن نستنتج مفهوم المساواة. إذن ما هي التزاماته نحو المساواة في إمكانية الحصول على الرعاية؟ يمكن العثور على الفكرة الأساسية وراء ذلك في كلمات بول رايان، أنه لا ينبغي إجبار أحد على القيام بما لا يريد القيام به. إذا كانت الفكرة تركز على ما يريد أي شخص القيام به، فهناك مخاوف حول المساواة نتيجة لذلك. لا يمكن أن تركّز الفكرة فقط على ما يريد بعض الناس القيام به إن كانوا أغنياء بما يكفي لتتاح لهم خيارات معينة. لأنها تستبعد الاختيار الذي يُفرض على الأفراد بسبب عدم مقدرتهم المادية على القيام بما يفضلون القيام به. كان هذا الاختيار القسري نموذجيًا لما واجهه الناس في سوق التأمين الفردي قبل قانون الرعاية الصحية ميسورة التكلفة إذا اشتروا تأمينًا صحيًا غير كاف ولكن بأسعار معقولة (على سبيل المثال، خطط عالية للخصم أرخص لأنها لا تغطي بعض الخدمات المطلوبة). ليكون اختيار شراء تأمين من عدمه، اختيارًا حقيقيًا، يجب أن يكون كلا الخيارين من الخيارات التي يمكن للأشخاص اختيارها، إن أرادوا ذلك. يستبعد هذا الشرط الاختيار بين خطة تأمين لا يستطيع الناس تكلّفها مقابل واحدة يمكنهم شراؤها. يجب أن تكون الإعانات متاحة لذوي الموارد المحدودة لجعل خياراتهم حقيقية. يجعل الشرط هذا النموذج أكثر تكلفة للتنفيذ من خطط الحزب الجمهوري المسموح بها. للاختيار الحقيقي تكاليف بالنظر إلى عدم المساواة السائدة في الدخل في الولايات المتحدة. تضع هذه التكاليف عبئًا على “المساواة”، حيث أن الجميع متساوون في الخيارات الممكنة لشراء التأمين، ولدى الأفراد مساحة أكبر للتعبير عن أولويات مختلفة عن شراء الرعاية الصحية.

إن اختيارات البعض بالتنازل عن التغطية تجعل، في الواقع، الأمور أسوأ بالنسبة لأولئك الذين يحتاجون إلى التأمين ويفضلون شرائه، وتخلق الحاجة إلى تمويل الإعانات لشراء التأمين المتنازل عنه. يجب أن نطلق لقب “الركاب بالمجّان” على أولئك الذين – لأي سبب من الأسباب – لا يشاركون في تكلفة النظام الصحي ولكن يمكنهم مشاركة فوائده (الرعاية الصحية اللازمة) عند المرض. افترض كذلك أن الركاب بالمجّان يمكنهم مشاركة فوائد النظام الصحي من خلال تكلّف بعض الغرامات المتواضعة لبقائهم بلا تأمين. باختصار، يمكن للركّاب بالمجّان أن يحتفظوا بتكلفة التأمين مطروحًا منه الغرامة، مع الاحتفاظ بإمكانية تلقّي الرعاية عند احتياجهم. بعبارة أخرى، يجب أن يكون النظام الصحي جاهزًا لمعالجة جميع الناس، سواءً كانوا ركابًا بالمجان أم لا، لأن هذا هو اختيار المجتمع. (نحن نفترض أن القليل من الناس سيسمحون للركاب بالمجّان بالموت في الشوارع، وهو ما سيحدث إن لم يُسمح لهم بالحصول على الرعاية عندما يحتاجون إليها ولم يشتروا تأمينًا للرعاية الصحية.) وبالتالي يحصل الركاب بالمجّان على صفقة جيدة – قد يقول البعض أنها حافز لأن يكونوا عبئًا – إذا مُنحوا الرعاية اللازمة بانضمامهم إلى نظام لم يساهموا فيه، باستثناء مواجهة عقوبة متواضعة لعدم الانضمام مبكرًا.

يرفع الركاب بالمجّان تكاليف إبقاء النظام جاهزًا لهم، وهي تكلفة يدفعها جميع الذين يساهمون فيه من خلال الحصول على التغطية. لذا فإن “الاختيار الحقيقي” لأولئك الذين يتنازلون عن التغطية (ويصبحون ركّابًا بالمجان) يؤذي أولئك الذين “يختارون” الدفع مقابل التغطية كل عام. يُشجّع الإضرار بالآخرين عند السماح بهذا الاختيار. تعزز خطط استبدال قانون الرعاية الصحية ميسورة التكلفة مثل هذه الخيارات عبر إلقاء هذه الأضرار على أطراف ثالثة. إنّ ثمن تشجيع بعض الناس على التنازل عن التغطية هو تشجيع الركوب بالمجان وما ينتج عنه من أضرار لأطراف ثالثة.

لاختتام هذا القسم، سننظر بإيجاز فيما يقوله كل من هذه النهج الثلاثة لإمكانية الحصول على الرعاية عن بعض أوجه عدم المساواة العرقية في الصحة والرعاية الصحية الموجودة في الولايات المتحدة. النقطة الأولى التي يجب ملاحظتها هي أن حسابات إمكانية الحصول على الرعاية الصحية هذه لا تخبرنا عن أصول بعض أشكال عدم المساواة الهامة في الصحة. على سبيل المثال، تنتشر بعض الحالات الصحية، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والربو، بين الأمريكيين من أصل إفريقي أكثر من الجماعات العرقية الأخرى في الولايات المتحدة. على حسب الطريقة التي تُرى بأنها الأمثل في توضيح هذه الاختلافات – سواء باختلاف الدخل، أو الاختلافات التعليمية، أو اختلافات طرق المعيشة، أو بالتعرض البيئي للمخاطر، أو الاختلافات البيولوجية في قابلية الإصابة بهذه الأمراض – إذا لم يكن الاختلاف نتيجة الاختلافات في إمكانية الحصول على الخدمات أو العلاجات الوقائية، فإن عدم المساواة في إمكانية الحصول على الرعاية ليس مصدر الاختلاف الصحي. يجب أن يؤدي معدل الانتشار الأعلى – أو الحاجة – إلى معدل استخدام أعلى للخدمات ذات الصلة، وإلا فإن معدلات الاستخدام حسب الحاجة ستختلف بين الأمريكيين من أصل إفريقي والمجموعات الأخرى. ما يرشدنا نهج الاستخدام حسب الحاجة إليه، هو النظر فيما إذا كانت الاختلافات في معدل الاستخدام حسب الحاجة تُعزى إلى بعض السمات الهيكلية للنظام (مثل عدم كفاية الإمدادات من مقدمي الخدمات في المناطق التي يقيم فيها السكان المحتاجون، وتنظيمات للرعاية تؤدي إلى رعاية منقطعة، والمواقف التمييزية لمقدمي الخدمات، بما في ذلك الصور النمطية الواعية أو غير الواعية)، أو إلى تمكين أو تعطيل ميزات الأفراد (فروق الدخل، فروق مستوى التأمين، الفروق التعليمية، الفروق العمرية، المواقف تجاه المرض و العلاج). إذا كانت عوامل أخرى غير الاختلافات في الحاجة تؤثر على معدل الاستخدام حسب الحاجة، فلدينا أسباب قوية للاعتقاد بوجود لا مساواة غير عادلة في الحصول على الرعاية.

كيف ستحكم نظرة السوق المعدلة على مثل هذه الاختلافات؟ قد تُعتبر الاختلافات عبر أنواع التغطية التأمينية (أعلى من المستوى الأدنى الأساسي اللائق) التي قد تعتبرها رؤية الاستخدام حسب الحاجة إشكالية على أنها اختلافات في التفضيلات من قِبَل وجهة نظر السوق المعدلة. تمامًا كما قد تختلف تفضيلات الأسرة وموازناتها للطعام أو الملابس عبر مستويات الدخل والتعليم، لذلك قد يختلف استخدام الخدمات الصحية أيضًا – فوق الحد الأدنى اللائق – بدون نظرات الاستهجان التي تثيرها اللا مساواة غير العادلة. إن كان هناك اختلاف في الجودة – والذي قد يتخذ حتى شكل حماية إضافية ضد المخاطر الصحية من خلال التشخيص الأفضل أو رعاية أدوم – فلن تكون إشكالية لرؤية السوق المعدلة كما ستكون لرؤية الاستخدام حسب الحاجة.

أما بالنسبة لوجهة النظر الثالثة، والتي ترى دعم جميع الخيارات لشراء التأمين، من المفترض أن يؤدي ارتفاع انتشار المرض بين بعض الأقليات في الولايات المتحدة إلى اتخاذهم لقرارت أقل للتخلي عن التغطية وبالتالي شراء التغطية المطلوبة أكثر. يمكن تفسير هذه النتيجة، كما كانت من وجهة نظر السوق، على أنها فرق في التفضيلات عبر المجموعات. على أية حال، لن تؤدي إلى ادعاء الظلم. المعارضة من وجهة نظر الاختيار هي للنطاق الكامل للدعم الذي يجعل الاختيار الحقيقي ممكناً.

٣. هل تتطلب العدالة إمكانية شاملة للحصول على الرعاية الصحيّة؟

سوف ندرس في هذا القسم ثلاث محاججات تهدف إلى إظهار أن الإمكانية الشاملة (على الأقل بعض أشكالها) للحصول على الرعاية الصحية هي من متطلبات العدالة. إذا برهنت إحدى وجهات النظر هذه، أو عدد منها، على ادعاءاتها، فعندئذ يمكن تفسير الممارسات التي لاحظناها في العديد من البلدان لتمويل مؤسسات تهدف لتوفير مثل هذه الإمكانية على أنها محاولات للوفاء بمتطلب للعدالة، مهما قصرت عن ذلك. ولن نقضي وقتًا في تقييم الآراء التي تنكر مثل هذه الادعاءات تمامًا – مع الإشارة فقط إلى أن بعض الحسابات الليبرتارية للعدالة سترفض جهود إعادة التوزيع لتعزيز الصحة تمامًا مثلما ترفض جهود إعادة التوزيع لتعزيز أهداف اجتماعية أخرى.


١.٣ الصحة، والفرصة، والإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية

هناك خط بارز في الجدل لصالح الإمكانية الشاملة للحصول على بعض أشكال الرعاية الصحية يُبنى على مساهمة الصحة – والرعاية الصحية اشتقاقًا – في توفير الفرص للناس. توسع النسخة الأوضح من هذه الحجة استدعاء راولز لمبدأ يضمن المساواة في الفرص (دانييلز 1981 ، 1985 ، 2008). يمكن استنتاج أشكال من هذه الحجة من عمل سين (1980 ، 1992) على القدرات أو من نسخة أرنيسون (1988) وكوهين (1989) من “تكافؤ الفرص للرفاهية أو الامتياز”، على الرغم من أن هناك اختلافات بين هذه المتغيرات في أنواع من الرعاية وتحت أي ظروف.

يمكن تأسيس حجة تكافؤ الفرص العادل للإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية على النحو الآتي:

  • افترض أن الصحة تتكون من الأداء الوظيفي الطبيعي بالنسبة لبعض الفئات المرجعية المناسبة (على سبيل المثال، مجموعة فرعية خاصة بالنوع الجنسي) من الأنواع؛ في الواقع، الصحة هي غياب مرض خطير.

 

  • يساهم الحفاظ على الأداء الوظيفي الطبيعي – أي الصحة – مساهمة كبيرة – مع أنها محدودة – في حماية مجموعة الفرص التي يمكن للأفراد الاستفادة منها بشكل معقول؛ إن الابتعاد عن الأداء الوظيفي الطبيعي يقلل من نطاق خطط الحياة التي يمكن أن نختارها إلى حد أنه يقلل من الوظائف التي يمكننا ممارستها (قدراتنا).

 

  • تساهم العديد من العوامل التي يمكن التحكم فيها اجتماعيًا في الحفاظ على الأداء الوظيفي الطبيعي للسكان وتوزيع الصحة بشكل عادل فيما بينهم، بما في ذلك الصحة العامة التقليدية والتدخلات الطبية، كما يساهم توزيع بعض المحددات الاجتماعية للصحة مثل الدخل والثروة والتعليم والتحكم في الحياة و العمل.

 

  • إذا كانت لدينا التزامات اجتماعية لحماية نطاق الفرص المتاح للأفراد، كما تدعي بعض النظريات العامة للعدالة، مثل نظرية راولز في العدالة كإنصاف، فإننا نلتزم بتعزيز وحماية الأداء الوظيفي الطبيعي للجميع.

 

  • يفي توفير الإمكانية الشاملة للحصول على مجموعة معينة من التدخلات الصحية العامة والطبية جزئيًا بالتزامنا الاجتماعي بحماية مجموعة الفرص المتاحة للأفراد، على الرغم من أن العقلاء قد يختلفون حول ما يُدرج في مثل هذه المجموعة من التدخلات، نظرًا (لحدود) الموارد والتكنولوجيا.

 

 

ستوضح بعض التعليقات النقاط الرئيسية في هذه الصورة الأولية. أولاً، لا يستبعد المفهوم الضيق للصحة النطاق الواسع لمحددات الصحة المذكورة في (3)، فضلًا عن ذلك، يقام هذا المفهوم الأضيق حول ما يقيسه علماء الأوبئة ومخططو الصحة العامة ويهتموا به. يتجنب هذا المفهوم الضيق للصحة الخلط بين الصحة والرفاهية بشكل عام، وهو ما يفعله تعريف منظمة الصحة العالمية للصحة (“الصحة هي حالة من الرفاهية الجسدية والعقلية والاجتماعية الكاملة وليست مجرد غياب المرض أو العجز”) ( منظمة الصحة العالمية 1948). يتّضح، رغم ذلك، أن الأداء الوظيفي الطبيعي يشمل الوظائف الإدراكية والعاطفية لا الصحة البدنية فقط، لأننا حيوانات اجتماعية معقدة. تظل الصحة مفهوم “حد” أو “سقف”، على عكس الدخل، لأننا لا نستطيع زيادة الصحة لمقدار غير محدد، لكن يجب أن نهدف فقط إلى الأداء الوظيفي الطبيعي للجميع.

ثانياً، حماية وتعزيز الأداء الوظيفي الطبيعي ليست العامل الوحيد الذي يؤثر على نطاق الفرص المتاحة للناس. الدخل والتعليم والحريات الأساسية، بالإضافة إلى عوامل أخرى، يؤثرون أيضًا. ومع ذلك، فإن فقدان الأداء الوظيفي أو الوفاة المبكرة التي قد تأتي مع اعتلال الصحة يقلل بشكل واضح من نطاق خطط الحياة التي يمكن للناس أن يختاروها بشكل معقول في مجتمع معين. وعليه، فإن حماية الصحة تحمي الفرص، حتى لو لم تكن الشيء الوحيد الذي يفعل ذلك. السمة الهامة للحجة هي أننا معنيون بصحة الجميع لأننا معنيون بحماية نطاق الفرص للجميع.

ثالثًا، لقد تعلمنا الكثير في العقود العديدة الماضية حول المحددات الاجتماعية الأعم للصحة (انظر مدخل سرينيفاسان عن عدم المساواة الصحية والعدالة)، خاصة أن وجود الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية في المجتمع لا يلغي أو يقلل بشكل كبير من عدم المساواة الصحية فيه.  هل أهمية العوامل الأخرى التي يمكن السيطرة عليها اجتماعيًا والتي تؤثر على صحة السكان وتوزيعها تعني أن توفير الإمكانية الشاملة للحصول على مجموعة مناسبة من خدمات الصحة العامة والخدمات الطبية الشخصية أقل أهمية (انظرSreenivasan 2007)؟ لنفترض أننا علمنا أن بعض التدخلات الفردية باهظة الثمن تساهم بشكل أقل في حماية نطاق الفرص للأفراد من إعادة توزيع بعض السلع المهمة الأخرى التي تعتبر محددات للصحة. قد يعني ذلك أننا يجب أن ننفق أقل على الرعاية الصحية ونعيد تعريف حزمة المزايا التي نقدمها في نظام الإمكانية الشاملة. ولكن لا ينبغي أن يعني ذلك تخلينا عن الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية، حتى لو كان ذلك يعني أنه يتعين علينا تقليص نطاق الخدمات الطبية المتاحة للناس في ضوء طرق أخرى للحد من مخاطر فقدان الأداء الوظيفي. بغض النظر عن مدى عدالة توزيع المحددات الأعم للصحة، سيمرض بعض الناس ولن يمرض بعضهم الآخر. لا تزال الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية المعقولة (نظرًا لفعاليتها النسبية مقارنة بالأشياء الأخرى التي قد نقوم بها) هي الطريقة الوحيدة لطمأنة الناس بأنه يمكن تلبية بعض الاحتياجات الصحية بشكل عادل.

رابعًا، يقدم امتداد نظرية راولز بعض التعديلات في حساب الفرصة، لكن التعديل لا يتعارض مع توجه العدالة كإنصاف. العدالة كإنصاف تجرّد من الحالة الصحيّة اختلافاتها في افتراضها أن الوكلاء يختارون المبادئ لحكم الأشخاص الذين يعيشون بكامل عافيتهم على مدى الحياة الطبيعية. أثار هذا التبسيط انتقادات من آرو (1973) ولاحقًا سين(1980) ، لأنه يعني أن طريقة الحكم على عدم المساواة، مؤشر السلع الاجتماعية الأولية، ستفشل في حساب عدم قدرة الأشخاص في بعض الدول الصحية على تحويل تلك السلع إلى نفس مستوى الرفاهية مثل الأشخاص الذين يعيشون بشكل طبيعي. إن فكرة راولز (1971) عن الفرصة موجهة أساسًا إلى الأهمية الإستراتيجية لإمكانية الحصول على الوظائف والمناصب؛ من الواضح أن الصحة، التي يُنظر إليها على أنها أداء وظيفي طبيعي، لها تأثير على إمكانية الحصول على الوظائف والمناصب، لكننا نحتاج أيضًا إلى حساب أوسع للفرص إذا أردنا معالجة تأثير الصحة على جوانب مهمة أخرى من الحياة. عند استعارة التبرير لمبدأ يضمن المساواة العادلة في الفرص، ثم استخدامه لتطبيق مفهوم أوسع للفرصة، تتضمن الحجة تعديل حجج راولز الخاصة. ومع ذلك، يبدو أنه تبنى وجهة النظر هذه حول كيفية توسيع نظريته (Rawls 1995: 184, n.14; Rawls 2001: 175, n.58).

على الرغم من هذا التعديل، فإن النهج يحافظ على السمة الرئيسية لمثالية راولز الأصلية بلا اعتبار للحالات الصحية: في محاولة للحفاظ على أداء الناس الوظيفي الطبيعي على مدى العمر الطبيعي، نهدف إلى إبقاء العالم الحقيقي أقرب ما يكون إلى المثالية قدر الإمكان. والعاقبة الهامة لذلك هي أننا لا نركز فقط على تكافؤ الفرص، ولكن على تعزيز النطاق الواسع للفرص التي تأتي مع الأداء الوظيفي الطبيعي للجميع. تهدف وجهة النظر هذه إلى تعزيز صحة السكان وليس مجرد المساواة بينها: لا تهدف إلى مساواتهم حتى بالصحة السيئة. بعبارة أخرى، غاية هذه السياسة الصحية هي أن يؤدي الجميع أداء وظيفيًا طبيعيًا: لكن هذا يعني أن غايتها هي المساواة والتحسين على حد سواء (على الرغم من قصرها عن غايتها، فإننا نواجه مقايضات مهمة).

أخيرًا، يجب أن نفكر في كيفية تلبية الاحتياجات الصحية بشكل عادل عندما لا يمكننا تلبيتها جميعًا. السؤال صعب، خصوصًا لأن لدينا خلافات هامة حول أي التدخلات التي يجب تضمينها في نظام الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية، كما أشرنا سابقًا عندما لاحظنا كيف ستنشأ الخلافات الهامة حول المقايضة بين الحماية المالية المحسنة، على سبيل المثال عن طريق تقليل المدفوعات أو الخصومات التي تتطلبها الميزة، وتغطية المزيد من أنواع الخدمات أثناء المداولات حول شمولية حزمة مزايا التغطية الشاملة. هذا صحيح حتى لو قبلنا مبدأ تكافؤ الفرص العادل كمبدأ مناسب للتحكم في الصحة والرعاية الصحية.

المشكلة هي أن مبدأ تكافؤ الفرص العادل هو مبدأ أعم من اللازم وغير محدد للتعامل مع عائلة من “مشاكل التقنين التي لم تُحل” (دانيلز 1993). على سبيل المثال، عندما نفكر في الاستثمار في خدمة أو تقنية جديدة، قد نتفق على أنه يجب أن نعطي أولئك الذين هم في وضع أسوأ صحيًا الأولوية على أولئك الذين هم في وضع أفضل. لكن قد نتساءل عن مدى الأولوية التي يجب أن نعطيها لهم إذا كان بإمكاننا تحقيق تحسن أكبر في الصحة لأولئك الذين هم في وضع أفضل إلى حد ما. وبالمثل، قد نتفق على عدم السماح للعديد من الفوائد الطفيفة بأن تفوق الفوائد المهمة، لكننا قد لا نزال نختلف حول متى تفوق الفوائد المتواضعة لعدد أكبر من الناس الفوائد الكبيرة لعدد أقل من الناس. في هذه المشاكل وغيرها، سيختلف العقلاء – الأشخاص الذين يبحثون عن أسباب يمكن أن تشكل أساسًا لتبرير متفق عليه للسياسة – حول كيفية إجراء المفاضلات بين القيم المتنافسة في موضع البحث، حتى لو وافقوا على أن الهدف العام للسياسة الصحية يجب أن يكون لحماية الفرص. نحن نفتقر إلى اتفاق مسبق على مبادئ أكثر دقة تخبرنا عن أفضل السبل لحماية الفرص في هذا السياق. لأننا نفتقر إلى الإجماع بشأن مثل هذه المبادئ، يجب أن ننخرط في شكل من أشكال العدالة الإجرائية أو عملية منصفة لتحقيق نتائج منصفة.

يُطلق على أحد نسخ هذه العملية اسم “المساءلة عن المعقولية” (دانيلز وسابين 2008). تتطلب هذه العملية البحث عن أسباب متفق عليها، والإعلان عن أسس القرارات، وإعادة النظر في القرارات في ضوء الأدلة والحجج الجديدة، والتأكيد على الالتزام بالعملية. يجب أن تُتبنى السمات المحددة لمثل هذه العملية العادلة من المستوى المؤسسي الذي ستستخدم فيه لاتخاذ قرارات بشأن ما يجب تغطيته. على وجه التحديد، ينبغي تحديد القرارات المتعلقة بمحتوى حزمة مزايا الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية من خلال عملية تداولية عادلة تتوافق مع هذه الشروط العامة. في القسم 5 سنعود للنظر بمزيد من التفصيل في أنواع التدخلات التي يدعمها هذا الحساب بشكل عام.

 

يمكن القول إن المساءلة عن المعقولية هي شكل من أشكال العدالة الإجرائية الخالصة (Rawls 1971) لأننا نفتقر إلى إجماع مسبق على المبادئ الدقيقة اللازمة لحل النزاعات حول قضايا تخصيص الموارد هذه، على الرغم من أننا قد نتوصل إلى مبررات مقبولة للطرفين متفق عليها من خلال المداولات حول حالات محددة. يختلف مثال راولز لقضية العدالة الإجرائية البحتة عن القمار من ناحيتين. أولاً، أن العملية مقيّدة ببعض المبادئ الأخلاقية السابقة. على سبيل المثال، يجب ألا تتعارض النتيجة مع ما تتطلبه المساواة العادلة في الفرص من خلال التمييز ضد مجموعة فرعية معينة على أساس العرق أو النوع. لا يمكن لهيئة صنع القرار المحلية الانخراط في التحيز النوعي أو العرقي واعتبار ذلك نتيجة منصفة. قد يزعم المرء أن نفس القيد ينطبق على حالة المقامرة: إذا كان مسموحًا للبيض فقط، لا للسود، بالمقامرة، فلن تكون نتيجة دوران عجلة الروليت العادلة أيضًا عادلة – على الرغم من أن البعض قد يقول أن هذا قيد على من يلعب اللعبة، وليس حول ما إذا كنا ننظر إلى نتيجة دوران عجلة متوازنة إلى حد ما على أنها نتيجة عادلة. ثانيًا، يمكننا أن نتخيل تبريرًا فلسفيًا يقنعنا بتبني مبدأ يجعل الاحتكام إلى عملية عادلة أمرًا غير ضروري، لكن لا يمكننا تخيل مثل هذا “الدليل” الفلسفي على عدالة نتيجة المقامرة التي من شأنها أن تقودنا إلى اعتبار عجلة الروليت العادلة أو رمية النرد المتوازن غير ضروريتين بنفس الطريقة. على الرغم من أن المساواة أو الفرص العادلة، بما في ذلك عدم التمييز، تقيد النتائج المقبولة من عملية عادلة، إلا أنها فكرة أعم من أن تقدر على تحديد ما يعتبر نتيجة مقبولة. ويتطلب ذلك اتفاقًا، بشكل عام من قبل مجموعة من أصحاب المصلحة، على أسباب التفكير في أن التخصيص طريقة مقبولة لتلبية الاحتياجات بشكل عادل وبالتالي حماية الفرصة لأولئك المعنيين. الهدف من الإصرار على ما نسميه شرط “الملاءمة” هو البحث عن أسباب مبررة متفق عليها للاعتقاد بأن تخصيص موارد معينة هو وسيلة مقبولة لتحقيق تكافؤ عادل في الفرص. يأخذنا هذا الشرط إلى ما هو أبعد من مجرد الاتساق مع تكافؤ الفرص العادل لأن هذا المبدأ لا يحدد ما يجب القيام به في مواجهة الخلافات حول الأولويات والتجميع والمشكلات الأخرى.

حجة الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية التي تم رسمها سابقًا تتبنى بشكل خاص مبدأ راولز لتكافؤ الفرص العادل. وتجدر الإشارة إلى أن الاختلافات في هذه الحجة قد تحتفظ بالخطوات من 1 إلى 3 ولكنها تعدل المبدأ الذي تمت الموافقة عليه في 4، بشرط وجود صلة معقولة بين أي مبدأ تم استبداله والملاحظة المركزية في 3، أي تأثير الصحة على نطاق الفرص المتاحة للناس. على سبيل المثال، جادل سين بأن الهدف الملائم للمخاوف بشأن المساواة هو فضاء القدرات، منظور إليه على أنه وظائف يمكننا اختيار ممارستها. إن المبدأ الذي يتطلب منا حماية مجموعة القدرات للأشخاص (سواء بشكل متساوٍ أو بمستوى كافٍ) من شأنه أن يوفر أيضًا أساسًا للحفاظ على الأداء الوظيفي الطبيعي للناس من خلال الإمكانية الشاملة للحصول على التدخلات التي تقلل المخاطر الصحية عليهم أو تعالجهم عند البعد عن الأداء الوظيفي الطبيعي. على الرغم من أن سين لم يطور هذه الفكرة إلى نظرية للعدالة توضح مجموعة من مبادئ العدالة، فإن النقطة المركزية هنا هي أن الاهتمام بحماية مساحة الوظائف التي يمكننا اختيار ممارستها يعادل تركيز الحجة السابقة حول حماية الفرص التي من المعقول أن يمارسها الناس (دانييلز 2010).

قد تستدعي نسخة بديلة ثالثة من الحجة السابقة (في 4) مبدأ يضمن تكافؤ الفرص للرفاهية أو الامتياز (Arneson 1988; Cohen 1989)، وهي وجهة نظر سُميت فيما بعد بـ “مساواة الحظ”. يمكن القول إن مثل هذا المبدأ من شأنه أن يدعم أيضًا نظام الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية الذي يتضمن مجموعة واسعة من خدمات الوقاية والعلاج. ومع ذلك، سيختلف هذا المبدأ مع الحساب القائم على الفرصة الموصوف سابقًا من حيث ما يتم تغطيته، لأنه يترك مجالًا أكثر صراحةً لاستبعاد تغطية الظروف التي يكون الفرد مسؤولاً عنها بشكل جوهري. تقول هذه النسخة أننا لا ندين لبعضنا البعض بالمساعدة أو التعويض عن حظ “الخيار” السيئ بالطريقة التي ندين بها للحظ “الغاشم” السيئ. في الوقت نفسه، قد تشمل إمكانية الحصول على الخدمات التي تصحح بعض العيوب (مثل البراعة اليدوية الأقل أو الذكاء الأقل) التي يمكن اعتبارها أداء وظيفي طبيعي من قبل الحساب الذي تم رسمه مسبقًا. ومع ذلك، هذا نظام إمكانية شاملة للحصول على الرعاية، حتى لو كان يستثني تغطية الظروف التي يعتبر المجتمع أن الأفراد مسؤولين عنها (انظر دانيلز 2011). ومع ذلك، يرفض بعض دعاة مساواة الحظ استدعاء الفرصة المقترحة في الحساب الموضح هنا (Segall 2010).

 

 ٢.٣ الإمكانية الشاملة للحصول على رعاية معرّفة بحصافة

ثمة خط جدل عام ثانٍ لصالح الإمكانية الشاملة للحصول على بعض أشكال الرعاية الصحية، وهو يعتمد على فكرة أن الأفراد الحذرين سيأمنون أنفسهم ضد احتمال الحاجة إلى أنواع معينة من الرعاية الصحية. سننظر في نسختين من هذه الحجة، جهد دوركين  (1981, 1994, 2000) في توضيح الآثار المترتبة على معاملة الناس باحترام متساوٍ، و استدعاء جيبارد (1982) لمبدأ أمثلية باريتو الأولي مقترنًا بحق مفترض في حد أدنى أساسي لائق من الدخل. كما سنرى، على الرغم من أن كلتا الحجتين تستخدمان افتراضات مختلفة لدعم الإمكانية الشاملة للحصول على حزم مزايا الرعاية الصحية المختلفة، فإن هدفهما الرئيسي هو مواجهة بعض الآراء غير المعقولة حول الفوائد التي يجب تضمينها في نظام الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية.

يمكن رسم حجة دوركين على النحو الآتي:

 

  • لدينا التزام بمعاملة الناس على قدم المساواة.

 

  • وأفضل طريقة لتحقيق المساواة بين الناس هي إعطاء الناس المساواة في الموارد (ويمكن من الناحية النظرية أن تظهر هذه الفكرة على أنها متماسكة من خلال تصميم مزاد أولي مناسب، جنبًا إلى جنب مع الصفقات المناسبة بعد المزاد وخطط التأمين ضد الغبن).

 

  • لنفترض أن لدينا تكافؤًا في الموارد في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، وأن الدخل والثروة تم توزيعهما بالتساوي، وأن جميع الأشخاص لديهم معلومات حول تدخلات الرعاية الصحية وآثارها كما لدى أفضل الأطباء، وأنه لا أحد لديه معلومات مسبقة حول المخاطر المحددة التي يواجهها أفراد معينون.

 

  • ثم يمكن لكل شخص التصرف بحكمة لشراء الحماية التأمينية ضد الاحتياجات الصحية المختلفة دون دعم حكومي أو أسواق مشوهة.

 

  • ما يجب أن يؤمّن معظم الناس ضده بحكمة يجب إدراجه في نظام الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية الصحية. (وبالتالي، سيكون تضمين بعض أنواع الحماية تسرعًا وعلينا التخلي عن قاعدة الإنقاذ التي تضمنتهم.)

 

  • عندما يكون هناك خلاف حول ما يعتبره الناس تأمينًا حكيماً (قد يشتريه البعض، ولا يشتريه البعض الآخر)، فإننا نحتاج إلى التشاور مع الأشخاص الذين يمثلون وجهات نظر مختلفة واتخاذ قرارات بشأن التغطية الشاملة التي تعكس تلك الاستشارة.

 

ستوضح بعض التعليقات الجوانب الرئيسية لهذه الحجة. أولاً، تتضمن المقدمتان الأولى والثانية كلاً من افتراض مساواة قوي، برغم تقبله الواسع (معاملة الناس على قدم المساواة) وطريقة قوية جدًا (محددة ومفصلة) لتحقيق ذلك (تكافؤ الموارد). مناقشة تفاصيل هذه الادعاءات ستأخذنا إلى ما هو أبعد من نطاق هذا المقال. يكفي أن نقول إن هذه الحجة لا يمكن أن تنتقل إلى حساب الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية الصحية دون بعض الافتراضات الأكثر عمومية لوجهة نظر العدالة. وفي هذا الصدد، فإنها تتفق مع حساب تكافؤ الفرص العادل في الحاجة إلى استعارة مبرر للإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية من شواغل العدالة الأهم.

ثانيًا، الافتراضات المحددة في (3) قوية جدًا ويمكن القول أنه لا يمكن تحقيقها. وبالتالي ينبغي النظر إلى الحجة التي تفترضها مسبقًا على أنها أداة تحليلية وليست محاولة لقول أي شيء دقيق حول كيفية تصميم المؤسسات الحقيقية. (نلاحظ أن هذا المطلب القوي لا يحتاج إليه نموذج الإمكانية الشاملة والمتساوية للحصول على الرعاية الذي يؤكد على الاختيار الحقيقي. بدلاً من ذلك، يسمح نموذج الاختيار بعدم المساواة في الدخل ويحتاج فقط إلى الدعم الحكومي لموازنة القدرة على تحمل تكلفة شراء التأمين على قدم المساواة مساويًا بذلك تطلّب قانون الرعاية الصحية ميسورة التكلفة بالتأمين الذي تم شراؤه من البورصات التي يصرح بها.) بدون معرفة، على سبيل المثال، مستوى الموارد الذي سينتج عن تكافؤ الموارد، يمكننا أن نقول القليل عن مستويات التغطية التأمينية لظروف معينة تعزز الرفاهية للأفراد. نظرًا لعدم وجود طريقة مجدية لتلبية الافتراضات حول توزيع المعرفة الطبية أو استبعاد المعرفة بالمخاطر الفردية، فإن هذه الافتراضات تجعل حجة دوركين افتراضية تمامًا ونظرية وليست عملية. ثالثًا، الافتراض بأن هناك سوق تأمين تنافسي بشكل مثالي مفترض في الخطوة الرابعة من الحجة يضيف إلى الطبيعة الافتراضية للحجة ككل.

رابعًا ، تركز الحجة بشكل أساسي على الخدمات الطبية الشخصية وليس تدابير الصحة العامة الأوسع نطاقًا التي تقلل المخاطر الإجمالية أو توزع تلك المخاطر بعدالة أكبر. لا يوجد ذكر للتدخلات بخلاف العلاج الفردي أو تدابير الوقاية، ويوضح الاتجاه 4 و 5 أن الحجة تدور حول سوق التأمين لتلك التدابير فقط. إن فحوى الخطوتين 5 و 6 توضح أن الهدف من الحجة هو توضيح ما يمكن أن يتضمنه المحتوى القابل للدفاع عن حزمة مزايا الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية. على وجه التحديد، تهدف الحجة إلى إثبات أننا بحاجة إلى رؤية أكثر قبولًا لما ندين به لبعضنا البعض عن طريق توفير الرعاية الصحية من وجهة النظر التي لا يمكن تبريرها بأن ما ينقذ شخصًا ما من الموت أو الإعاقة يجب تقديمه بغض النظر عن التكاليف أو تكاليف الفرصة.

النسخة الأخرى من حجة التأمين الحكيم للتغطية الشاملة تستند إلى افتراض أضعف بأن لدينا الحق في حد أدنى لائق من الدخل. في مناقشة جيبارد (1982)، أُثير الافتراض و لم يُجادل به. مثل الحجة الأخرى، يكمن الدافع الرئيسي لحجة جيبارد في آثارها على محتوى حزمة مزايا الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية

  • افترض مبدأ باريتو الأوّلي الذي يقول: إذا كان كلاً من أ) أحوال شخص ما أفضل بموجب السياسة P من Q ، و ب) لن تكون أحوال أحد أسوأ تحت Q من P ، فإن P أفضل من Q.( لا يوجد تعارض مصالح في الحالات التي ينطبق فيها هذا المبدأ.)

 

  • افترض أن هناك حقًا في حد أدنى لائق من الرفاهية الاقتصادية. (لا يدافع جيبارد عن هذا الحق، فقط أن هذا المبدأ بالإضافة إلى مبدأ باريتو الأوّلي كافيان لإثبات أنه يجب أن يكون هناك إمكانية متساوية للحصول على حد أدنى لائق من الرعاية.)

 

 

  • إن التأمين الصحي الذي من الحكمة أن يشتريه الجميع من حدهم الأدنى اللائق يحدد الرعاية الصحية الأساسية، أي الحد الأدنى اللائق من الرعاية الصحية.

 

  • يجب أن يكون هناك إمكانية شاملة للحصول على حد أدنى لائق من الرعاية الصحية، لأن الجميع أفضل حالًا مع مثل هذه الإمكانية ولا أحد أسوأ حالًا.

 

  • لا ينبغي، على أية حال، أن يكون هناك إمكانية متساوية للحصول على جميع أشكال الرعاية الصحية، بافتراض مبدأ باريتو الأوّلي، لأن الحزمة الشاملة للرعاية الصحية التي من الحكمة شرائها ستختلف عن الحد الأدنى اللائق. علاوة على ذلك، يشير مبدأ باريتو الأوّلي إلى أن بعض أشكال الرعاية الصحية قد لا تستحق شراء التأمين لها من قبل أي شخص.

 

ستساعد بعض التعليقات في توضيح صورة الحجة هذه. أولاً، يهتم جيبارد بإظهار أن هذا المبدأ الأخلاقي الضعيف له آثار هامة على السياسة الصحية (وهي مذكورة في الخطوتين 4 و 5). إنه يدافع عن المبدأ ضد الحجج المناهضة للنفعية وضد بعض البديهيات التي تتعارض معها ولكن قد تكون غير عقلانية (من وجهة نظره). ثانيًا، للوصول إلى الاستنتاج الرئيسي في 4 – دعم الإمكانية الشاملة للحصول على حد أدنى لائق من الرعاية – يتبنى جيبارد مبدأ أخلاقيًا كافيًا لدعم توفير أساس لمستوى عالمي لشراء التأمين. إنه لا يجادل، كما لوحظ، من أجل الحق المحدد المنصوص عليه هنا. ومع ذلك، فإنه يحاول الحصول على بعض الدعم له من قبل الحجج النفعية حول تقليل المنفعة (الهامشية) للدخل والثروة، لأنها أضعف من وجهة النظر الأكثر مساواة التي يدافع عنها براندت (1979) حول أسس تحسين المنفعة والتي يتعاطف معها جيبارد.

ثالثًا، يتمثل جوهر الحجة الخاصة بالاستنتاج في الخطوة 4 في فكرة أنه إذا تصرف الجميع بحكمة عند الحد الأدنى اللائق من الرفاهية الاقتصادية لشراء بعض أنواع الرعاية الصحية، فما يشترونه، على افتراض أنهم يتحملون التكلفة الاجتماعية الشاملة للتأمين (بما في ذلك أي خسائر في الكفاءة)، سيشكل الحد الأدنى المناسب من الرعاية. إن القول بأنه من الحكمة أن يشتري الشخص التأمين (أثناء تحمل هذه التكاليف) هو (باستخدام مبدأ باريتو الأوّلي) كالقول بأن الشخص أحواله أفضل مع التأمين من دونه وأنه لا يوجد أحد أسوأ حالًا نتيجة لذلك. من المفترض، مع ذلك، أن هذا يتطلب وجود سوق تنافسية لمثل هذا التأمين (وهو افتراض كان على دوركين أن يقدمه في حجته)، وليس من الواضح كيفية تحقيق ذلك في ضوء الشكوك المنتشرة الموجودة في الأسواق الطبية (راجع Arrow 1963)، وهي نقطة لاحظها جيبارد.

رابعًا، فوق الحد الأدنى للرفاهية اللائقة، من غير المحتمل أن يكون من الحكمة للجميع شراء حزمة التأمين الأوسع نطاقاً. لهذا السبب يقول جيبارد أنه ليس من العدل أن نطلب المساواة في الحصول على جميع أشكال الرعاية الصحية. تُقرن هنا العدالة بما هو مقبول أخلاقياً، وما يعتبر مقبولاً أخلاقياً هو (من بين أشياء أخرى) ما أقره مبدأ باريتو الأوّلي. نفس المبدأ الذي يقول أن بعض أنواع الرعاية ليس من الحكمة لأي شخص شرائها – فالأحوال أفضل لجميع الأشخاص إذا لم يشتروا تأمينًا لتلك الرعاية – وبالتالي يُدافع عن بعض الآثار المترتبة على تحليل فعالية التكلفة.

خامسًا، على عكس دوركين، الذي يعترف باحتمال وجود خلافات حول ما هو من الحكمة القيام به، لا يقدم جيبارد هذا التنازل. وبالتالي، فهو لا يهتم، كما هو الحال مع دوركين (أو مؤيد المساءلة عن المعقولية، في الحجة السابقة) بتطوير طريقة لحل النزاعات حول ما يمكن اعتباره حكيمًا.

 

 ٣.٣ إمكانية الحصول على حد أدنى لائق من الرعاية الصحية

توجد حجة مختلفة لحصول الجميع على حد أدنى لائق من الرعاية الصحية لا تركن إلى دعم المبادئ العامة للعدالة (المساواة العادلة في الفرص، أو معاملة الشعوب على قدم المساواة، أو الحق في الحد الأدنى اللائق من الرفاهية الاقتصادية)، بل إلى تعددية الاعتبارات الأخلاقية بالإضافة إلى حجة لصالح الدولة المُوجّهه (بالإكراه) (بوكانان 1984). في مناقشته، يرفض بوكانان أولاً العديد من الحسابات التي تحاول إرساء حق عالمي في حد أدنى لائق من الرعاية، لكننا سنركز هنا على الحجة الإيجابية الداعمة لفكرة الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية من خلال استحقاق قانوني لمثل هذه الرعاية على الرغم من عدم وجود أي حق أخلاقي لها.

يمكن رسم الحجة على النحو التالي:

  • هناك مجموعة من الحقوق الخاصة بالحصول على حد أدنى لائق من الرعاية تستحقها هذه الجماعات: أعضاء الجماعات، مثل الأمريكيين من أصل أفريقي والأمريكيين الأصليين، الذين يدان لهم بالتعويض عن الظلم الذي تعرضوا له منذ فترة طويلة؛ الأفراد الذين تضرروا بصحتهم من إجراءات خاصة أو شركات، مثل تلويث الأماكن العامة أو تعريض العمال للسموم؛ أعضاء الجماعات التي قدمت تضحيات استثنائية لصالح المجتمع ككل، مثل الجنود القدامى الجرحى.

 

  • يُبرر الحصول على بعض أشكال الخدمات الوقائية من مبدأ منع الضرر الذي يبرر استخدام الأموال العامة لبعض تدابير الصحة العامة بالإضافة إلى حجة دستورية تتطلب حماية متساوية من الأضرار التي يعمل الجمهور على منعها.

 

  • الحصول على بعض أشكال الخدمات المفيدة تبرره اعتبارات احترازية مثل أهمية بعض أشكال الرعاية الصحية لإنتاج قوة عاملة منتجة ومواطنين صالحين للدفاع الوطني.

 

  • هذه الاعتبارات مجتمعة من شأنها أن تبرر الاستحقاق القانوني لبعض أشكال الرعاية الصحية.

 

  • بالإضافة إلى ذلك، هناك حجتان للمنفعة التي تحكّمها الدولة والتي يمكن استخدامها لدعم الاستحقاق القانوني للحد الأدنى من الرعاية: إذن افتراض وجود واجب خيري لمساعدة المحتاجين إلى رعاية صحية:

 

  • يمكن أن يؤدي فرض المساهمات إلى إنتاج الصالح العام بحد أدنى لائق من الرعاية الصحية للجميع في حين أن عدم فرض المساهمات قد يؤدي بالعديد إلى اختيار طرق بديلة لتعظيم الخير الذي يمكن أن ينتجوه بأفعالهم الفردية، مما يقوض إنتاج الصالح العام؛

 

  • ينتج عن فرض المساهمات ضمان بأن الآخرين سوف يساهمون في الحد الأدنى الأساسي اللائق وأن مساهمتهم الخاصة في ذلك تستحق القيام بذلك لأن الآخرين سيفعلون الشيء نفسه.

 

بعض نقاط التوضيح بالترتيب. أولاً، لا يزال من غير الواضح كيف يُجمع بين الحقوق الخاصة التي طالب بها لإنتاج حد أدنى لائق للجميع. فهي لبعض الأشخاص فقط، وليس من الواضح تمامًا ما الذي تخوله هذه الحقوق لحامليها. ثانيًا، ليس من الواضح أنه عندما نضيف استحقاقات حاملي الحقوق الخاصة إلى محتوى ما يلي من مبدأ منع الضرر أو الاعتبارات الاحترازية، فإننا ننتهي بما يسميه الناس الحد الأدنى من الرعاية اللائقة. كيف تُجمع الحقوق الأوسع لأصحاب الحقوق الخاصة (إن كانت واسعة) مع الرعاية التي يجب توفيرها عالميًا وفقًا لمبدأ منع الضرر والاعتبارات الاحترازية؟ لا يتم تقديم حساب واضح. بعبارة أخرى، قد تكفي هذه الاعتبارات التعددية لتأسيس بعض الاستحقاقات القانونية لبعض الأشخاص لبعض أشكال الرعاية، لكن ليس من الواضح أن ما ينشأ هو استحقاق قانوني شامل للحصول على حد أدنى لائق من الرعاية.

ثالثًا، يبدو أن الحجج الخاصة بفرض المنفعة تشير إلى أن هناك واجبًا جماعيًا للانخراط في أعمال خيرية، في حين أن الواجب الذي تذكره الحجة صراحة هو واجب فردي للخير. إن حقيقة أن الأفراد قد يفشلون في إنتاج سلع عامة معينة من خلال المنفعة الفردية (غير القسرية) هي قيد يتغلب على التنسيق القسري، ولكنه ليس فشلًا ناتجًا عن عدم أداء واجبهم. فالتعامل معه كما لو أنه كذلك، يفترض مسؤولية جماعية لفعل أكبر قدر ممكن من الخير.

 

٤.٣  دروس حول مبررات الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية

يمكن استخلاص عدة دروس من هذا العرض لخطوط التبرير للإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية. إحدى هذه الدروس هو أن مبررات الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية تنبع من اعتبارات عامة للعدالة. تباعًا، فهم يشحذون قوتهم التبريرية من حجج تلك الاعتبارات العامة. كما أنهم يجلبون معهم من تلك النظريات العامة اعتبارات محددة قد تؤثر على محتوى المطالبة بالإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية. بالتالي، فإن عائلة من نظريات المساواة التي تتحدث عن تكافؤ الفرص بطرق مختلفة قد تدعم جميعًا الإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية الصحية بسبب تأثيرها على الفرص، لكنها تبرر أنواعًا مختلفة من إمكانية الحصول لأنها ترى الالتزام بتعزيز الفرص بطرق مختلفة إلى حد ما.

الدرس الثاني هو أن بعض المبررات تعتمد على افتراضات مثالية للغاية وقد توفر وضوحًا أقل حول تصميم حزم المزايا مما قد نأمله. على سبيل المثال، فإن الحجج المستقاة من التأمين الحكيم – على الرغم من افتراضاتهم الأخلاقية المختلفة – تعطي إرشادات أقل مما كان مأمولًا للتصميم المؤسسي وتصميم حزمة المزايا لأنها تفترض مسبقًا استقراءًا لسلوك المستهلك في سوق تأمين تنافسي حقيقي ومستنير بشكل مثالي. وبالمثل، فإن كلا الخطين يجعل من المستحيل أن نكون محددين بشأن ما سيشمله التأمين الحكيم لأننا لا نعرف ما هو مستوى الشراء الممكن سواء في “الموارد المتساوية” أو “الحد الأدنى الاقتصادي اللائق” الذي يفترضه الرأيان. في المقابل، لا تتطلب العملية التداولية العادلة التي تكمل حساب المساواة العادلة للفرص مثل هذا السياق الافتراضي لتحقيق النتائج.

الدرس الثالث هو أن تجنب حساب نظري موحد للإمكانية الشاملة للحصول على الرعاية قد يكلف أكثر مما يكسب. على وجه التحديد، إن تجنب اللجوء إلى نظرية عامة تبرر الرعاية الصحية لأنها تساهم في شيء آخر ذي أهمية للعدالة الاجتماعية (المساواة العادلة في الفرص، ومعاملة الناس على قدم المساواة)، والتوجه بدلاً من ذلك إلى تعددية الاعتبارات، يخاطر بفقدان الوضوح حول نوع الرعاية الذي يتضمنه “الحد الأدنى اللائق” الذي يزعم أنه يوفر استحقاقات قانونية له.

في القسمين التاليين، سنركز بمزيد من التفصيل على ما يقول حساب المساواة العادلة في الفرص أننا ندين به لبعضنا البعض وتبعاته على حق الرعاية الصحية. نركّز عليه لأنه، على عكس وجهات النظر الأخرى التي شملها الاستطلاع، أكثر وضوحًا حول محتوى الرعاية الصحية التي ندين بها لبعضنا البعض. سنلاحظ تبعات وجهات النظر الأخرى حيثما كان ذلك ممكنا.

٤.  ما هي أنواع الرعاية الصحية التي ندين بها لبعضنا البعض؟

من منظور المساواة العادلة في الفرص، فإن تلبية الاحتياجات الصحية لجميع الأشخاص، بصفتهم مواطنون أحرار ومتساوون، لها أهمية أخلاقية خاصة ومماثلة. (إذا تم التعامل مع “المواطنين” على نطاق واسع ليشمل جميع أفراد المجتمع، فيمكن عندئذٍ إدراج المهاجرين القدامى غير المصرح لهم (دانيلز ولادين سيصدر قريبًا).  خصوصًا وأن تلبية الاحتياجات الصحية تحمي مجموعة الفرص التي يمكن للأشخاص ممارستها، فالتزاماتنا الاجتماعية لحماية الفرصة تنطوي على التزامات لحماية وتعزيز الصحة (الأداء الوظيفي الطبيعي) لجميع الناس. تؤكد النظريات الحديثة المختلفة للعدالة، على الرغم من اختلافاتها، أن علينا مثل هذه الالتزامات الاجتماعية لحماية الفرص، وبالتالي تتلاقى حول أهمية حماية الصحة.
من وجهة النظر القائمة على الفرص، تتطلب العدالة أن نحمي نصيب الأشخاص من نطاق الفرص الطبيعية من خلال علاج المرض عند حدوثه، والحد من مخاطر المرض والإعاقة قبل حدوثهما، وعن طريق توزيع هذه المخاطر بشكل منصف. داخل النظام الطبي، هذا يعني أننا يجب أن نمنح جميع الأشخاص إمكانية الحصول على مجموعة معقولة من الخدمات التي تعزز وتعيد الأداء الوظيفي الطبيعي، ويجب ألا نتجاهل التدابير الوقائية لصالح التدابير العلاجية. هذا يعني أننا يجب أن ننظر إلى ما وراء النظام الطبي، إلى تدابير الصحة العامة التقليدية التي تؤثر بعمق على مستويات المخاطر وتوزيعها. يجب علينا أيضًا أن ننظر إلى ما وراء قطاع الصحة، إلى المحددات الاجتماعية الأوسع للصحة وتوزيعها. ونظرًا لأننا لا نستطيع تلبية جميع الاحتياجات الصحية التي تنشأ داخل القطاع الصحي أو خارجه، يجب أن نكون مسؤولين عن مدى معقولية قرارات تخصيص الموارد التي نتخذها.

يمكن القول أن الآراء البديلة المذكورة في القسم السابق لها نطاق أضيق، على الرغم من أن بعضها قد يكون أكثر قابلية للتوسّع من البعض الآخر. قد يكون لنهج دوركين للتأمين الحكيم نفس النطاق مثل وجهة النظر القائمة على الفرصة إذا كانت بوليصة التأمين التي يشتريها المشترون الحكيمون (معظمهم؟) تتضمن الحماية من المخاطر الصحية التي تتجاوز علاجات المرض. لم يوضّح دوركين كيفية تصميم هذه السياسة الأوسع. ما يمكن شراؤه بأي حال من الأحوال مقيد بمستوى الموارد المتاحة في نهج المساواة في الموارد، ودوركين واعٍ لحقيقة أن بعض المشترين قد يختلفون بشأن ما تتطلبه الحكمة. يفترض جيبارد أن مشتري التأمين الحذرين يرضون بقسط أقل ما لم يكن الحد الأدنى الاقتصادي اللائق يساوي ما نحصل عليه من منظور الموارد المتساوية. يتحدث جيبارد صراحة فقط عن تأمين الخدمات الطبية، وقد يكون من الصعب توسيع حسابه ليشمل حسابًا يلبي الاحتياجات الصحية على نطاق أوسع. يلبي الحد الأدنى اللائق لبوكانان عن عمد احتياجات صحية أقل من النظرة القائمة على الفرصة.

فكر بشكل أكثر تحديدًا في ما يتطلبه الحساب القائم على الفرص للعدالة والرعاية الصحية عن طريق الخدمات الوقائية؛ (1) الحد من مخاطر المرض و (2) السعي إلى التوزيع العادل لتلك المخاطر. الشرط الأول واضح. غالبًا ما يكون منع المرض والعجز أكثر فاعلية من علاجه عند حدوثهما (أو لتعويض الأفراد عن فقدان الوظيفة، حيث يتعذر العلاج). سيكون لحجج جدوى التكلفة بعض التأثير على الادعاءات حول التوزيع المناسب للتدابير الوجيزة، في مقابل التدابير الوقائية (راسل 1986). نظرًا لأنه من الأفضل بشكل عام تجنب أعباء المرض بدلاً من تقليلها بمجرد حدوثها، فسيتم إعطاء العديد من أنواع الإجراءات الوقائية مكانة بارزة في نظام يحكمه الحساب القائم على الفرصة.

 

يجب أن يبدو المتطلب الثاني واضحًا أيضًا، لا سيما في ضوء ما نعرفه عن أهمية المحددات الاجتماعية للصحة. ضع في اعتبارك هذه النقطة من منظور الصحة المهنية. لنفترض أن نظام الرعاية الصحية يميل بشدة نحو الرعاية الوجيزة، وأنه يوفر فرصًا متساوية للحصول على خدماته. وبالتالي فإن أي شخص يعاني من أمراض الجهاز التنفسي الحادة – الرئة السوداء، والرئة البنية، والتليف الرئوي، وانتفاخ الرئة، وما إلى ذلك – يحصل على خدمات طبية شاملة كافية حسب الحاجة، ولكن يتم عمل القليل لتقليل التعرض للمخاطر في مكان العمل. هل يلبي النظام مطالب العدالة؟

إن نظامًا كهذا لهو غير مكتمل وغير عادل، وفقًا لوجهة نظر تكافؤ الفرص العادلة. إذا كانت بعض الجماعات السكانية معرضة بشكل مختلف لخطر الإصابة بالمرض، فلا يكفي مجرد تطبيبهم. عندما يختلف خطر المرض بشكل منهجي بطرق يمكن تجنبها، فإن ضمان تكافؤ الفرص يتطلب أن نحاول القضاء على المخاطر التفاضلية ومنع المرض الزائد الذي يعاني منه الأشخاص المعرضون لخطر أكبر والذي يمكن تجنبه (بالخضوع، طبعًا، لحدود الموارد والإجراءات العادلة في رسم الحدود). وبخلاف ذلك، ستقع أعباء ومخاطر المرض بشكل مختلف على جماعات مختلفة، وسيظل خطر ضعف الفرص لتلك الجماعات قائمًا، على الرغم من الجهود المبذولة لتوفير الرعاية الوجيزة. الرعاية لا تعادل الوقاية. لن يتم الكشف عن بعض الأمراض في الوقت المناسب حتى يتم علاجها. بعضها غير قابل للشفاء، حتى لو كانت الوقاية منه ممكنة، وستختلف فعالية العلاجات.  نحمي تكافؤ الفرص بشكل أفضل من خلال تقليل ومساواة مخاطر هذه الظروف الناشئة. إن حقيقة حصولنا على فرصة متساوية للشفاء من المرض عند حصوله بسبب المساواة في الحصول على الرعاية لا تعوضنا عن فرصنا غير المتكافئة في الإصابة بالمرض.

لهذه الأسباب، يولي حساب تكافؤ الفرص العادل أهمية خاصة للتدابير التي تهدف إلى التوزيع العادل لمخاطر المرض. إن خفض انبعاثات الكربون بهدف الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية ضمن حد معقول يمكن أن يقلل من فرص زيادة تغير المناخ لمخاطر الإصابة بالأمراض للجميع؛ حتى إن كان خطر المرض على الأفراد من تغير المناخ غير متساوٍ، فإن عدم المساواة الصحية تجعل الحد من انبعاثات الكربون مثل تدابير الصحة العامة الأخرى. على سبيل المثال، بعض تدابير الصحة العامة، مثل معالجة المياه والنفايات، لها تأثير عام في تقليل المخاطر. لكن، كان لها، تاريخياً، تأثير مساواة المخاطر بين الطبقات الاجتماع-اقتصادية وبين الجماعات التي تعيش في مناطق جغرافية مختلفة. وبالمثل، فإن العديد من التدابير البيئية الأخرى، مثل قوانين الهواء النظيف الأخيرة ولوائح المبيدات، لها تأثيرات عامة على الحد من المخاطر وتأثيرات محددة على توزيع المخاطر. على سبيل المثال، الملوثات المنبعثة من المداخن لها تأثير مختلف على الأشخاص الذين يعيشون في اتجاه الريح من أولئك الذين يعيشون عكس اتجاه الريح. انبعاثات الرصاص من البنزين لها تأثير أكبر على سكان المناطق الحضرية من سكان الريف. لكن تدابير حماية الصحة الأخرى لها تأثير أساسي على توزيع المخاطر: ربما يكون تنظيم المخاطر الصحية في مكان العمل أوضح مثال. بعض مجموعات العمل معرضة لمخاطر مكان العمل، على الرغم من أن العديد من العمال يواجهون بعض المخاطر أو غيرها، خاصة في أماكن التصنيع. تتطلب الصحة العادلة أن يكون التنظيم الصارم بكل هذه الطرق جزءًا من نظام الرعاية الصحية.

ما هي الأنواع الأخرى من السياسات الاجتماعية التي يجب على الحكومات اتباعها لتقليل عدم المساواة في المخاطر الصحية، خاصة في ضوء ما نعرفه الآن عن المحددات الاجتماعية للصحة؟ يجب أن تتضمن قائمة الخيارات سياسات تهدف إلى تحقيق تكافؤ فرص الحياة الفردية، مثل الاستثمار في التعليم الأساسي والتدخلات الأخرى في مرحلة الطفولة المبكرة، والإسكان ميسور التكلفة، والأمان المادي، والأشكال الأخرى لسياسة مكافحة الفقر. نحن نعلم، على سبيل المثال أن التدخلات المبكرة الهادفة إلى تنمية الطفل، كمشروع بيري عالي النطاق (Schweinhardt et al. 1993)، لها تأثيرات دائمة على التحصيل العلمي، والتوظيف، والزواج، والحد من الأمراض النفسية. نتج عن برنامج “البداية الأولى للحرب على الفقر” تأثيرات دائمة على التحصيل التعليمي. التحصيل التعليمي، بدوره، له تأثير مباشر على السلوك الصحي في مرحلة البلوغ، بما في ذلك النظام الغذائي والتدخين والنشاط البدني (أتشسون وآخرون ، 1998). يمكن للسياسات الأخرى التي قد تقلل من المخاطر التفاضلية استكشاف التغييرات في درجة التحكم والسلطة التي يتمتع بها العمال في مكان العمل (Marmot et al.1997) . أوصت لجنة منظمة الصحة العالمية المعنية بالمحددات الاجتماعية للصحة (2010) بتدخلات أوسع نطاقًا، بما في ذلك معالجة عدم المساواة في توزيع الثروة والسلطة والموارد. على الرغم من أن العلاقة بين هذه السياسات الاجتماعية الشاملة المشتركة بين القطاعات والصحة قد تبدو بعيدة بعض الشيء، ونادراً ما ترتبط بقضايا الصحة في مناقشات السياسة العامة لدينا، تشير الدلائل المتزايدة إلى أنه ينبغي ربطها بهذه الصفة.

إحدى التبعات المركزية لوجهة النظر هذه حول الصحة للجميع هو أنه يجب أن يكون هناك إمكانية شاملة للحصول، بناءً على الاحتياجات الصحية، على أي مجموعة من خدمات الصحة العامة والخدمات الطبية الشخصية التي توفر الدعم للمساواة العادلة في الفرص في ظل قيود الموارد المعقولة. يجب شرح هذه التبعات، لأن الاحتياجات الصحية يتم تلبيتها بطرق مختلفة، من خلال الصحة العامة وكذلك الخدمات الطبية الشخصية.

تعمل خدمات الصحة العامة على تعزيز الظروف التي تقلل من بعض مخاطر المرض أو الإعاقة. تقلل هذه المخاطر من خلال ضمان بيئتي عمل وعيش نظيفتان وآمنتان وتوفير الحماية من الأمراض المعدية. يجب أن تهتم هذه الخدمات بالمخاطر التي يواجهها جميع السكان وأن تهدف إلى تقليل المخاطر بطريقة عادلة.

بغض النظر عن مدى قدرتنا على تقليل المخاطر على صحة السكان والقيام بذلك بطريقة منصفة، سيمرض بعض الأشخاص أو سيعانون من إعاقة وسيحتاجون إلى خدمات طبية شخصية أو أشكال أخرى من الدعم الاجتماعي التي تعوض آثار فقدان الأداء الوظيفي الطبيعي. حتى لو كان الترتيب المناسب للمحددات الاجتماعية للصحة والاهتمام الكافي بالصحة العامة يقللان بشكل كبير من عبء المرض والعجز في المجتمع، سيحتاج معظم الناس إلى رعاية طبية في مراحل مختلفة من حياتهم، خاصة مع تقدمهم في السن. لحماية نطاق الفرص لأولئك الذين لا يمكننا منع فقدانهم للأداء الوظيفي الطبيعي، سيتعين علينا تخصيص بعض الموارد الهامة لخدمات الدعم الطبي والاجتماعي هذه. من الواضح أنه ستكون هناك حاجة إلى مداولات متأنية في عملية عادلة لتحديد التخصيص المناسب للموارد للوقاية مقابل العلاج والدعم الاجتماعي.

يجب أن تكون الخدمات الطبية الشخصية التي تُعتبر ضرورية لتعزيز الفرص العادلة للجميع في متناول الجميع. بالتالي، سيعني هذا عمومًا “التغطية الشاملة” من خلال شكل ما من أشكال التأمين العام أو الخاص للخدمات التي تعتبر مجموعة “لائقة” أو “مناسبة”، كما هو مطلوب من استدعاء المفهوم الأساسي لحماية المساواة العادلة في الفرص. يجب ألا تكون هناك عقبات – مالية، وعرقية، وجغرافية، وما إلى ذلك – للحصول على المستوى الأساسي للنظام. يجب توضيح ما هو موجود في هذا المستوى الأساسي في ضوء الحجج حول كيفية حماية التكافؤ العادل للفرص في ظل قيود الموارد المعقولة، وتتطلب هذه الحجج عملية عادلة (المساءلة عن المعقولية) حيث يمكن إجراء التداول الديمقراطي المناسب. تستبعد النظرية الاستثناءات التعسفية لفئات كاملة من أنواع الخدمات التي تلبي احتياجات من النوع الذي يجب تلبيته في المستوى الأساسي. تاريخيًا، على سبيل المثال، تم استبعاد الخدمات الوقائية، والرعاية الصحية النفسية، وإعادة التأهيل، وخدمات الرعاية طويلة الأجل من كل من خطط التأمين العامة والخاصة، لأسباب ثقافية واقتصادية مختلفة. معظم هذه الاستبعادات “القاطعة” غير مبررة من منظور حماية الأداء الوظيفي الطبيعي، ولكن لا يمكن تحديد خيارات رسم الحدود إلا من خلال عملية تداولية عادلة.

 

لا يوفر حساب الفرص للعدالة والصحة إجابة فريدة عن أنواع أشكال التنظيم – الإدارة العامة أو الخاصة والتمويل -. ربما توجد مجموعة من الهياكل المؤسسية “العادلة بما فيه الكفاية” التي يمكن أن توفر الحماية المطلوبة للفرص. وبالمثل، فإن أنواع “التصنيف” أو عدم المساواة في الخدمات التي تتجاوز المستوى الأساسي، والمتوافقة مع حماية الفرص للجميع قد لا تحصل على إجابات محددة من النظرية العامة، على الرغم من أنها ستوفر لها قيودًا واضحة. يجب معالجة الخلافات المعقولة حول هذه الأسئلة في عملية تداولية عادلة.

 

٥.  هل هناك حق في الصحة أو الرعاية الصحية؟

إذا كانت الرعاية الصحية هي المحدد الوحيد أو الأكثر أهمية لصحة السكان، فإن حساب الفرص للعدالة والصحة سيكون محقًا بالتركيز فقط على حق في الرعاية الصحية وتجاهل ادعاء حق – ربما مُضلِّل، وأشد إثارة للجدل – في الصحة. عندئذ يكون الحق في الرعاية الصحية حالة خاصة للحق في تكافؤ عادل في الفرص. يُفهم هذا الحق في الرعاية الصحية على أنه حق متعلق بالنظام. الاستحقاقات التي تنطوي عليه هي مطالبات مشروطة لمجموعة من خدمات الرعاية الصحية التي تحمي الحصص العادلة من نطاق الفرصة في ظل قيود الموارد المعقولة.

يجب تعديل هذه الصورة البسيطة للحق في الرعاية الصحية بطريقتين لاستيعاب النقاط التي سبق ذكرها في مناقشتنا. أولاً، بما أن فئة العوامل التي يمكن السيطرة عليها اجتماعيًا والتي تحدد صحة السكان وتوزيعها هي بوضوح أوسع من الرعاية الصحية وحدها (حتى لو قمنا بتضمين تدابير الصحة العامة التقليدية في مجال الرعاية الصحية)، فإن هدف المطالبة بالحق في الصحة لا يمكن أن يكون ببساطة لادعاء أن الآخرين مدينون لنا بأنواع معينة من الرعاية الصحية. هل يعطينا هذا سببًا إضافيًا للحديث عن الحق في الصحة؟ ثانيًا، بغض النظر عن المعنى الذي يمكن أن نستخلصه من الحق في الصحة (أو الرعاية الصحية)، لا يمكن تحديد الاستحقاقات المحددة التي ينطوي عليها إلا من خلال عملية تداول عادلة. ضع في اعتبارك هذه التعديلات بدورها.

إذا كانت الاحتياجات الصحية أوسع من احتياجات الرعاية الصحية، فهل يجب أن نحاول فهم الحق في الصحة؟ نواجه اعتراضًا فوريًا وخطيرًا. يبدو أن تعبير “الحق في الصحة” يجسد التباسًا حول نوع الشيء الذي يمكن أن يكون هدفًا لمطالبة حق. الصحة هي شيء غير مناسب، في حين أن الرعاية الصحية مناسبة. إذا لم تكن صحتنا السيئة ناتجة عن قيام أي شخص بفعل، أو فشل في القيام بشيء تجاهنا أو لنا من الممكن أن يمنع أو قد يعالج حالتنا، فمن الصعب أن نرى كيف انتُهك أي حق من حقوقنا.
قد يعني الأشخاص الذين يدّعون حقًا في الصحة شيئًا أقل إثارة للجدل. ينبغي فهمه على أنهم يدّعون أن بعض الأفراد أو الجماعات أو المجتمع ككل ملزمون بأداء إجراءات مختلفة، مثل تصميم مؤسسات معينة وتوزيع سلع مهمة بطرق معينة تعزز صحتهم أو تحافظ عليها أو تستعيدها، وهم ملزمون بالامتناع عن الأعمال التي تتعارض معها. يجب تفسير الإشارة إلى الصحة على أنها طريقة سهلة لوصف الإجراءات ذات الصلة التي يمكن السيطرة عليها اجتماعياً، أي تلك التي تؤثر على صحة السكان وتوزيعها. يوسع شرح  معنى الحق في الصحة هذا نطاق الإجراءات من توفير الرعاية الصحية إلى تلبية مجموعة أوسع من الاحتياجات الصحية التي تنشأ عندما نفهم المحددات الأوسع للصحة. يسمح لنا هذا الشرح بمعرفة سبب إصرار بعض المدافعين، على سبيل المثال عن حق الإنسان في الصحة، على “الحق في الصحة” وليس فقط على “الحق في (بعض) خدمات الرعاية الصحية”. إنهم يريدون، وبشكل معقول، الحق في الإيحاء بأن هناك التزامات بأداء مجموعة واسعة من الإجراءات التي تؤثر على الصحة، حتى لو لم يتم تفسير هذه الإجراءات عادةً على أنها خدمات رعاية صحية وحتى إذا كانت تنطوي على عوامل خارج القطاع الصحي، مهما اتسع نطاقها. على أية حال، يوضح الشرح هذا أن الحق في الصحة، كما هو مفهوم، لا يُنتهك عندما يكون هناك توزيع عادل للعوامل التي يمكن السيطرة عليها اجتماعيًا والتي تؤثر على الصحة، ومع ذلك تفشل الصحة على أي حال. وبالتالي، لا يتعين علينا نعت أولئك الذين يدعون الحق في تلبية مجموعة كاملة من احتياجاتهم الصحية، بالالتباس.

الاستحقاقات المترتبة على الحق في تلبية مجموعة واسعة من الاحتياجات الصحية تعتمد على النظام وتعتمد على قرارات تخصيص الموارد التي تُتّخذ في عملية تداول عادلة. لمعرفة الهدف، ضع في اعتبارك اعتراضًا يُقدَّم أحيانًا على المطالبة الأضيق بالحق في الرعاية الصحية، أي اعتراض فرايد (1978) بأن حق الفرد في الرعاية الصحية يدعو إلى الوقوع في “حفرة لا نهاية لها”. يشعر فرايد بالقلق من أننا إذا افترضنا حقًا فرديًا أساسيًا في تلبية احتياجات، فلن تتمكن أي أهداف اجتماعية أخرى من تجاوز مطالبات الحق في جميع احتياجات الرعاية الصحية.

لا يُطرح حق أساسي في تلبية احتياجات معينة كهذا مباشرة في العرض الموضح هنا. بدلاً من ذلك، فإن الحقوق والاستحقاقات الخاصة بالأفراد لتلبية احتياجات معينة تُحدد فقط نتيجة لعملية تداول عادلة تهدف إلى تلبية الاحتياجات الصحية للسكان بشكل عادل. عادة، لا يمكن تلبية جميع الاحتياجات الصحية في ظل قيود معقولة من الموارد. إن تحديد الاحتياجات التي يجب تلبيتها وما هي الموارد التي يجب تخصيصها للقيام بذلك – داخل وخارج القطاع الصحي – يتطلب حكمًا أخلاقيًا دقيقًا وثروة من المعرفة التجريبية حول تأثيرات المخصصات البديلة. يمكن للحق في الصحة أن يمنح استحقاقات فقط لتلك الاحتياجات التي من المعقول محاولة تلبيتها.

هذا القيد على كيفية تحديدنا لمحتوى الحق في الصحة يعني، على سبيل المثال، أنه لا يمكننا الاستدلال مباشرة من (أ) الحقيقة الأخلاقية بأن جاك لديه الحق في الرعاية الصحية و (ب) الحقيقة التجريبية المتمثلة في أن إجراء عملية زرع بنكرياس تجريبية يقدم له فرصته الوحيدة في البقاء على قيد الحياة والتي (ج) يحق لجاك الحصول على هذا التدخل. تعتمد استحقاقات جاك الطبية – بناء على حقه – على كل من حالته وعلى مجموعة التدخلات التي من المعقول توفيرها للسكان الذي هو فرد منهم. وتعتمد هذه المجموعة المعقولة بدورها على ما نعرف أنه فعال، وما هي الموارد التي لدينا، والأولوية التي ينبغي إعطاؤها لتلبية احتياجاته مقارنة باحتياجات الآخرين. إذا كانت عمليات زرع البنكرياس ذات فعالية غير مثبتة، أو إذا كانت تكلفتها أو فعاليتها من حيث التكلفة تجعل تضمينها في حزمة المزايا أمرًا غير معقول، نظرًا لما سيكون من الأفضل تضمينه، فقد تُرفض تغطية عمليات الزرع هذه بالنسبة لجاك وغيره. على الرغم من أن الحق الأخلاقي في الصحة يرتكز على الفكرة العامة القائلة بأن لدينا التزامات لحماية الفرصة من خلال تعزيز الأداء الوظيفي الطبيعي، فإن محتواه المحدد بهذه الطريقة الأساسية متعلق النظام.

لقد لاحظنا سابقًا بعض أبعاد رسم الحدود الذي يجب أن يستمر. يجب الموازنة بين المؤسسات المختلفة التي تؤثر على الفرص. وبالمثل، يجب الموازنة بين الموارد المطلوبة لتوفير تكافؤ عادل في الفرص مقابل ما هو مطلوب لتوفير المؤسسات الاجتماعية الهامة الأخرى. هذا صحيح على الرغم من أن ضمان المساواة العادلة في الفرص له أولوية (معجمية أو صارمة) على مبادئ العدالة التي تعزز الرفاهية بطرق أخرى، على الأقل ضمن نظرية راولز للعدالة كإنصاف. النقطة المهمة هي أن المؤسسات، بما في ذلك مؤسسات الرعاية الصحية، القادرة على حماية الفرص لا يمكن الحفاظ عليها إلا في المجتمعات التي لا تقوض هذه المؤسسات قدراتها الإنتاجية. إن الحفرة التي لا نهاية لها لأقل تهديدًا في سياق هذه النظرية. والثمن المدفوع هو أننا أقل وضوحًا، بشكل عام، ونستخلص من تطبيق النظرية على مجتمع معين، تمامًا ما ينتهي إليه الادعاء الفردي.

يجب أن يكون الحق في الصحة معتمدًا على النظام لسبب آخر تتضمّنه سمة أعمق للحساب القائم على الفرصة. ما يميز تلبية الاحتياجات الصحية، لأغراض العدالة، هي أنها تساهم في حماية الأسهم العادلة للأفراد من نطاق الفرص الطبيعي لمجتمعهم. هذا النطاق، للتأكيد على هذه النقطة، يعتمد على المجتمع. ومع ذلك، فإن هذه النسبية تصيب أيضًا الادعاءات حول ما يحق لنا الحصول عليه عندما يتم تصميم نظام صحي لمجتمع معين. إن نسبية النطاق الطبيعي إلى المجتمع تتطلب مطلبًا هامًا لنظرية الرعاية الصحية العادلة. إنها ليست ميزة يجب أن نتخلى عنها بسهولة. ستختلف أهمية تلبية الاحتياجات الصحية المحددة اعتمادًا على الحقائق حول المجتمع، ويجب أن يترك مبدأ التوزيع مجالًا لمثل هذا الاختلاف. قد يكون علاج عسر القراءة أكثر أهمية في بعض المجتمعات من البعض الآخر، على الرغم من أنه مرض يحصل في كل المجتمعات. (لنفترض أن المرض منتشر، بل شامل، في مجتمع ما. لنفترض أنه شكل من أشكال فقر الدم يؤثر على الجميع ويُضعِف في جميع المجالات. قد يعتقد المرء أن التأثير على نطاق الفرصة الطبيعي لن يخبرنا بمدى أهمية علاج هذا المرض، لأنه يؤذي جميع الأفراد على قدم المساواة. ولكن حساب الفرصة لا يزال يساعدنا هنا، لأنه ليس فقط مبدأ يحكم الميزة التنافسية. وفقر الدم في هذه الحالة هو مرض يمنع كل فرد بشكل كاف من تنفيذ أي خطة حياة لولا ذلك ستكون منطقية في مجتمعه. تذكر أن النقطة المرجعية هي الأداء الوظيفي الطبيعي، لا الأداء الوظيفي الطبيعي في مجتمع معين).

 

ضع في اعتبارك الادعاء بأن الأمر متروك للمحاكم لتقرير ما يجب تضمينه في الحق في الصحة أو الرعاية الصحية. في بعض البلدان، يتجسد هذا الحق في دستور البلاد. في كولومبيا، على سبيل المثال، شُجّع الجمهور على رفع دعاوى قانونية، تسمى tutelas ، ويهدف بعضها إلى إجبار خطط التأمين على تغطية الخدمات التي ينبغي تغطيتها (بموجب القانون) في حزمة المزايا وبعضها يهدف إلى توسيع التغطية للمدعي لتشمل خدمة ليست جزءًا من حزمة المزايا المحددة. علاوة على ذلك، فإن جميع الموقعون على المعاهدات الدولية التي تعترف بحق الإنسان في الصحة ملزمون قانونًا بالاعتراف بهذا الحق، ويمكن القول إن محاكمهم يجب أن تلعب دورًا في القيام بذلك. قد نفرق بين دورين للمحاكم. يتمثل أحد الأدوار غير المثيرة للجدل في الإصرار على أن تحدد السلطات المفوضة (وزارة الصحة) المعايير والعملية المستخدمة لتحديد حزمة المزايا، ثم ممارسة المراجعة القضائية لمعرفة ما إذا كانت قرارات محددة اتُخذت من خلال تلك العملية التي تستخدم تلك المعايير. سيكون الدور الأكثر إثارة للجدل هو أن تحاول المحاكم تحديد ما يجب تضمينه في الحق في الصحة بشكل مباشر. لأداء المهمة الأخيرة، ستحتاج المحاكم إلى معرفة أشياء كثيرة حول قدرة النظام الصحي على تقديم خدمة معينة بشكل مستدام في ضوء المطالبات المتنافسة على الخدمات، أي على الموارد. إذا لم تكن المحاكم في وضع يمكنها من لعب هذا الدور، فعليها قصر مهمتها على التأكد من أن وزارة الصحة تؤدي هذه المهمة وفقًا لعملية مقبولة.

سنختتم بالنظر إلى أي مدى يجب أن تتساوى حقوقنا في الصحة أو الرعاية الصحية؟ على وجه التحديد، هل يجب أن يتلقى الجميع نفس أنواع خدمات الرعاية الصحية والتغطية بالضبط، أم أن الإنصاف في الرعاية الصحية متوافق مع نظام “متدرج”؟ في جميع أنحاء العالم، تختلف حتى البلدان التي تقدم التأمين الصحي الشامل في إجاباتها على هذا السؤال. في كندا، على سبيل المثال، لا يُسمح بالتأمين التكميلي. تُقدّم الخدمات للجميع فقط من خلال خطط التأمين الصحي الوطنية، على الرغم من أن الأشخاص الذين يبحثون عن خدمات إضافية أو خدمة أسرع قد يذهبون إلى أماكن أخرى، كما يفعل بعض الكنديين من خلال عبور الحدود. في بريطانيا، يسمح التأمين الخاص التكميلي لحوالي 10 في المائة من السكان بالوصول بشكل أسرع إلى الخدمات التي يوجد فيها انتظار طويل في النظام العام. إن تأسيس الحق في الرعاية الصحية على الالتزام بحماية تكافؤ الفرص يتوافق مع نوع التصنيف الذي يتمتع به البريطانيون، لكنه لا يتطلب ذلك، ويفرض بعض القيود على نوع التصنيف المسموح به.

يتمثل الالتزام الاجتماعي الأساسي في ضمان حصول الجميع على فئة من الخدمات التي تعزز الأداء الوظيفي الطبيعي بشكل فعال وبالتالي تحمي تكافؤ الفرص. نظرًا لأن الرعاية الصحية ليست السلعة المهمة الوحيدة، فإن الموارد التي تُستثمر في المستوى الأساسي محدودة بشكل مناسب ومعقول، على سبيل المثال، من خلال القرارات الديمقراطية حول مقدار الاستثمار في التعليم أو التدريب الوظيفي بدلاً من الرعاية الصحية. بسبب “تكاليف الفرصة” المرتفعة جدًا، سيكون هناك بعض الخدمات الطبية المفيدة التي سيكون من المعقول عدم تقديمها في المستوى الأساسي، أو تقديمها على أساس محدود فقط، على سبيل المثال، في شكل قائمة الانتظار. إن القول بأن هذه الخدمات لها “تكاليف فرصة” عالية يعني أن توفيرها يستهلك موارد من شأنها أن تنتج فوائد صحية أكبر وتحمي الفرص بشكل أكبر إذا استخدمت بطرق أخرى.

في مجتمع يسمح بعدم مساواة شاسعة في الدخل والثروة، سيرغب بعض الناس في شراء تغطية لهذه الخدمات الإضافية. لماذا لا ندعهم؟ فنحن نسمح للناس باستخدام دخلهم وثروتهم بعد خصم الضرائب كما يرونه مناسبًا لمتابعة نوعية الحياة والفرص التي يفضلونها. يمكن للأغنياء شراء أنظمة أمنية خاصة لمنازلهم. يمكنهم شراء سيارات أكثر أمانًا. يمكنهم شراء تعليم في المدارس الخاصة لأطفالهم. لماذا لا نسمح لهم بشراء رعاية صحية تكميلية لأسرهم؟

 

أحد الاعتراضات على السماح بدرجة تكميلية هو أن وجودها قد يقوض المستوى الأساسي إما اقتصاديًا أو سياسيًا. قد يجتذب موفرو الجودة الأفضل بعيدًا عن المستوى الأساسي، أو يرفع التكاليف في المستوى الأساسي، مما يقلل من قدرة المجتمع على الوفاء بالتزاماته الاجتماعية. قد يقوض المستوى التكميلي الدعم السياسي للمستوى الأساسي، على سبيل المثال، من خلال تقويض التضامن الاجتماعي المطلوب إذا كان الناس سيظلون ملتزمين بحماية الفرص للجميع. هذه الاعتراضات جدية، وحيثما يقوض المستوى التكميلي المستوى الأساسي في أي من الاتجاهين، اقتصاديًا أو سياسيًا، يجب إعطاء الأولوية لحماية المستوى الأساسي. ومع ذلك، من حيث المبدأ، يبدو من الممكن تصميم نظام لا تقوض فيه الطبقة التكميلية النظام الأساسي. إذا كان ذلك ممكنًا، فإن النظام الذي يسمح بالتدرج يتجنب تقييد الحرية بطرق يجدها البعض مرفوضة جديًّا.

والاعتراض الثاني لا يتعلق بالتدريج نفسه بل على هيكل عدم المساواة الناتج. قارن بين سيناريوهين. في إحداهما، تُقدّم الخدمات المناسبة لمعظم الناس من خلال المستوى الأساسي، ولا تمتلك الوسائل وترى الحاجة إلى شراء تأمين تكميلي إلا الجماعات الأكثر ثراءًا في المجتمع. هذا هو الحال في بريطانيا العظمى. وفي الجانب الآخر، لا يخدم المستوى الأساسي سوى الفئات الأشد فقراً في المجتمع ومعظم الأشخاص الآخرين يشترون التأمين التكميلي. خطة ولاية أوريغون لتوسيع أهلية ميديكيد جزئيًا من خلال تقنين الخدمات التي تغطيها، لها جوانب من هذا الهيكل من عدم المساواة، نظرًا لأن معظم الأشخاص مشمولون بخطط تتجنب هذه القيود (دانيلز ، 1991). يبدو السيناريو الأول أفضل من الثاني على أساس الإنصاف. في المجموعة الثانية، يمكن للفئات الأفقر أن تشتكي من تخلفهم عن الركب في المجتمع حتى في حماية صحتهم. في الحالة الأولى، يكون لدى الأغلبية أسباب أقل للاستياء أو الأسف المعقول.

إذا لم يتم تقويض المستوى الأساسي من خلال المستويات الأعلى، وإذا كانت بنية عدم المساواة التي تنتج غير مرفوضة، فمن الصعب معرفة سبب عدم السماح ببعض المستويات. هناك تضارب أساسي هنا بين المخاوف المتعلقة بالمساواة والمخاوف المتعلقة بالحرية، بين الرغبة في التأكد من معاملة الجميع بإحسان فيما يتعلق بالرعاية الصحية وبين الرغبة في منح الناس الحرية في استخدام مواردهم (بعد الضرائب) لتحسين حياتهم كما يريدون. من الناحية العملية، يبدو أن القيد الحاسم على الحرية التي نسمح بها للناس يعتمد على حجم المنفعة المتاحة في المستوى التكميلي وغير المتوفرة في المستوى الأساسي. سيكون من الصعب استبعاد الأشكال الواضحة للغاية لإنقاذ الأرواح وتحسين الأداء الوظيفي الطبيعي من المستوى الأساسي بينما نجعلها متاحة في مستوى تكميلي. ومع ذلك، من حيث المبدأ، لن تكون بعض أشكال التصنيف غير عادلة حتى عندما تنطوي على مزايا طبية غير متاحة للجميع.

 


بيبلوغرافيا

  • Acheson, D., 1998, Report of the Independent Inquiry into Inequalities in Health, London: The Stationery Office.
  • Aday, L. A., 1975, “Economic and non-economic barriers to the use of needed medical Services”, Medical Care, 13(6): 447–56.
  • –––, 2001, At Risk in America: The Health and Health Care Needs of Vulnerable Populations in the United States, San Francisco, CA: Jossey-Bass Publishers, 2nd edition.
  • Aday, L.A., and Anderson, R., 1974, “A framework for the study of access to medical care”, Health Service Research, 9: 208–20.
  • –––, 1975, Development of Indices of Access to Medical Care, Ann Arbor, MI: Health Administration Press.
  • Aday, L. A., Anderson, R., and Fleming, G. V., 1980, Health Care in the U.S.: Equitable for Whom?, Beverly Hills, CA: Sage.
  • Aday, L. A., Begley, C. E., Lairson, D. R., and Balkrishnan, R., 2004, Evaluating the Healthcare System: Effectiveness, Efficiency, and Equity, Chicago, IL: Health Administration Press, 3rd edition.
  • Arneson, R., 1988, “Equality and equal opportunity for welfare”, Philosophical Studies, 93: 77–112.
  • Arrow. K., 1963, “Uncertainty and the welfare economics of medical care”, American Economic Review, 53: 941–73.
  • –––, 1973, “Some ordinalist-utilitarian notes on Rawls’s theory of justice”, Journal of Philosophy, 70(9): 251.
  • Brandt, R., 1979, Theory of the Good and the Right, New York: Oxford University Press.
  • Buchanan, A., 1984, “The right to a decent minimum of health care”, Philosophy and Public Affairs, 13(1): 55–78.
  • Bump, P., 2017, “Millions might lose health coverage? Not to hear Republican leaders tell it,” Washington Post, March 12, 2017, available online.
  • CSDH, 2008, Closing the gap in a generation: health equity through action on the social determinants of health. Final Report of the Commission on Social Determinants of Health, Geneva: World Health Organization. [Available online]
  • Cohen, G. A., 1989, “On the currency of egalitarian justice”, Ethics, 99: 906–44.
  • Daniels, N., 1981, “Health care needs and distributive justice”, Philosophy and Public Affairs, 10(2): 146–79.
  • –––, 1985, Just Health Care, New York: Cambridge University Press.
  • –––, 1991, “Is the Oregon rationing plan fair?”, Journal of the American Medical Association, 265(17): 2232–5.
  • –––, 1993, “Rationing fairly: Programmatic considerations”, Bioethics, 79(2/3): 36–46.
  • –––, 2008, Just Health: Meeting Health Needs Fairly, New York: Cambridge University Press.
  • –––, 2009a, “Social and Individual Responsibility for Health”, in Distributive Justice and Responsibility, C. Knight and Z. Stemplowska (eds.), Oxford and New York: Oxford University Press.
  • –––, 2010, “Capabilities, Opportunity, and Health”, in Measuring Justice: Primary Goods and Capabilities, I. Robeyns and H. Brighouse (eds.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 131–149.
  • Daniels, N. and Ladin, K., forthcoming, Immigration and Access to Health Care, in Routledge Companion to Bioethics, K. Arras, R. Kukla, and E. Fenton (eds.), New York: Routledge.
  • Daniels, N. and Sabin, J. E., 1997, “Limits to health care: Fair procedures, democratic deliberation, and the legitimacy problem for insurers”, Philosophy and Public Affairs, 26: 303–50.
  • –––, 2008, Setting Limits Fairly: Learning to Share Resource for Health, New York: Oxford University Press.
  • Dworkin, R., 1981, “What is Equality? Part 2: Equality of resources”, Philosophy and Public Affairs, 10: 185–246.
  • –––, 1994, “Will Clinton’s Plan Be Fair?”, New York Times Review of Books, 41(1–2).
  • –––, 2000, Sovereign Virtue: The Theory and Practice of Equality, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Emergency Medical Treatment and Active Labor Act (EMTALA), 1986, Stat. 42 USC 1395dd. [Available online].
  • Fadiman, A., 1997, The Spirit Catches You and You Fall Down: a Hmong child, her American doctors, and the collision of two cultures, New York: Farrar, Straus, and Giroux.
  • Fried, D., 1976, “Equality and rights in medical care”, Hastings Center Report, 6: 29–34.
  • –––, 1978, Right and Wrong, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Gibbard, A., 1982, “The prospective pareto principle and its application to questions of equity of access to health care: a philosophical examination”, Milbank Memorial Fund Quarterly/Health and Society, 60: 3.
  • Institute of Medicine (IOM), 2002, Care Without Coverage: Too Little, Too Late, Washington, DC: National Academies Press.
  • Institute of Medicine (IOM), 2002, Unequal Treatment: Confronting Racial and Ethnic Disparities in Health Care, Washington, DC: National Academies Press.
  • Johnson, T. D., 2007, ‘Census Bureau: Number of U.S. Uninsured Rises to 47 Million Americans are Uninsured: Almost 5 Percent Increase Since 2005’, Nation’s Health, 37(8): 1–10.
  • Jost, T., 2017, Health Affairs Blog, Health Affairs, January 20, 2017, available online.
  • Marmot, M., 2004, The Status Syndrome: How Social Standing Affects Our Health and Longevity, New York: Henry Hold, Times Books.
  • Marmot, M. G., Hemingway, B.H., Brunner, E., and Stansfield, S., 1997, “Contribution of job control and other risk factors to social variations in coronary heart disease incidence”, The Lancet, 350: 235–9.
  • Medicare Prescription Drug, Improvement, and Modernization Act of 2003, Pub. L. No. 108–173, 117 Stat 2066 (2003). [Available online]
  • U.S. Supreme Court, 2012, National Federation of Independent Business et al. v. Sebelius, Secretary of Health and Human Services, et al., 567 U.S. 519 (2012), 132 S.Ct. 2566, 183 L. Ed. 2d 450, available online.
  • Newhouse, J. P., 2004, “Consumer-Directed Health Plans and the RAND Health Insurance Experiment”, Health Affairs 23: 107–113.
  • Ottersen, T., Norheim, O.F., et al., 2014, Making fair choices on the path to universal health coverage, Geneva: World Health Organization, available online.
  • Rawls, J., 1971, A Theory of Justice, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • –––, 1995, Political Liberalism, New York: Columbia University Press.
  • –––, 2001, Justice as Fairness: A Restatement, E. Kelly (ed.), Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Russell, L., 1986, Is Prevention Better Than Cure?, Washington, DC: Brookings Institution.
  • Schweinhardt, L. J., Barnes, H.V., and Weikart, D. P., 1993, Significant Benefits: High/Scope Project Perry Preschool Study Through Age 27, Ypsilanti, MI: High/Scope Press.
  • Segall, S., 2010, Health Luck and Justice, Princeton, N.J.: Princeton University Press.
  • Selden, T.M., and Sing, M., 2008, “The Distribution of Public Spending for Health Care in the United States, 2002”, Health Affairs, 27: w349–w359.
  • Sen, A. K., 1980, “Equality of what?”, in The Tanner Lectures on Human Values, S. McMurrin (ed.), Salt Lake City: University of Utah Press, pp. 197–220.
  • –––, 1992, Inequality Reexamined, Cambridge: MA: Harvard University Press.
  • Sloan, F. and Bentkover, J. D., 1979, Access to Ambulatory Care and the US Economy, Lexington, MA: Lexington Books.
  • Sreenivasan, G., 2007, “Health care and equality of opportunity”, Hastings Center Report, 37(2): 21–31.
  • Williams, B., 1971, “The idea of equality [1962]”, in Justice and Equality, H. A. Bedau (ed.), Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall, pp. 116–37
  • World Health Organization (WHO), 1948, “WHO definition of Health” in Preamble to the Constitution of the World Health Organization as adopted by the International Health Conference, New York, 19–22 June, 1946; signed on 22 July 1946 by the representatives of 61 States (Official Records of the World Health Organization, no. 2, p. 100) and entered into force on 7 April 1948. [Available online]
  • –––, 2010, Health Systems Financing: The Path to Universal Coverage, Geneva: World Health Organization. [Available online]

أدوات أكاديمية

 

How to cite this entry.

 

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

 

Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).

 

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الانترنت

مُدخلات ذات صلة

beneficence, principle of | egalitarianism | equality | equality: of opportunity | ethics, biomedical: justice, inequality, and health | ethics, biomedical: justice and allocation of scarce resources | health | justice | justice: distributive | social minimum [basic income]


[1] Daniels, Norman, “Justice and Access to Health Care”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2017 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2017/entries/justice-healthcareaccess/>.