مجلة حكمة
السببية ذات الأثر الرجعي

السببية ذات الأثر الرجعي

الكاتبجان فاي
ترجمةمنال محمد خليف
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول السببية ذات الأثر الرجعي؛ نص مترجم، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


تُسمى أحياناً السببية الرجعية، إذ تظهر السمة المشتركة لعالمنا في تزامن السبب والنتيجة في حالات السببية كافة، حيث يسبق السبب نتيجته زمنياً، وهذه ميزةٌ يفترضها فهمنا الطبيعي للسببية لدرجة أنَّنا نواجه حدسياً صعوبةً كبيرة في تخيل الأشياء على نحوٍ مختلف. ومع ذلك، فإنَّ فكرة السببية ذات الأثر الرجعي تؤكد فكرة أن يكون الترتيب الزمني للسبب والنتيجة مجرد ميزة عرضية وقد تكون هناك حالات يسبق فيها السبب نتيجته سببياً، ولكن الترتيب الزمني للسبب والنتيجة يكون منعكساً بالنسبة للسببية العادية؛ أي توجد حالات قد تسبق فيها النتيجة سببها زمنياً، وليس سببياً.

ولا ينبغي الخلط بين فكرة السببية ذات الأثر الرجعي وفكرة السفر عبر الزمن، إذ يرتبط هذان المفهومان باتفاقهما على امكانية التأثير سببياً في الماضي. ومع ذلك، يختلفان في أنَّ السفر عبر الزمن يتضمن حلقة سببية في حين أنَّ السببية ذات الأثر الرجعي لا تتضمن ذلك. ولا يمكن للحلقة السببية من جانبها أن تحدث إلا في كونٍ يمتلك فيه المرء منحنيات شبه زمنية مغلقة، وذلك على خلاف السببية ذات الأثر الرجعي التي قد تحدث في عالمٍ لا توجد فيه منحنيات شبه زمنية مغلقة.

وبعبارة أخرى، سيحافظ النظام العادي (S) الذي يشارك في السفر عبر الزمن على الترتيب الزمني أثناء سفره، وسيحافظ على معنى الزمن ذاته خلال رحلته بأكملها (ستستمر الساعة التي تقيس الزمن لـ (S) بالتحرك في اتجاه عقارب الساعة)؛ ولكن إذا كان النظام ذاته (S) سيتضمن عملية السببية ذات الأثر الرجعي، فإنَّ ترتيبه في الزمن سينعكس بمعنى أنَّ المعنى الزمني للنظام سيصبح عكس ما كان عليه قبل عودته في الزمن (ستبدأ الساعة بالتحرك عكس اتجاه عقارب الساعة). ولذلك لا تستلزم السببية ذات الأثر الرجعي والسفر عبر الزمن بعضهما البعض منطقياً، ويختلف السفر عبر الزمن عن الرجوع في الزمن.


1. تاريخ السببية ذات الأثر الرجعي

إنَّ الجدل الفلسفي المتعلق بالسببية ذات الأثر الرجعي جديد نسبياً، ويمكن أن نجد بعض الاهتمام بالمشكلة في الأدبيات الفلسفية قبل أن يبدأ مايكل دوميت Michael Dummett وأنتوني فلو Anthony Flew مناقشتهما في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي. والسبب في ذلك ذو شقين: يبدو أنَّه ما من ظواهر تجريبية تتطلب فكرة السببية ذات الأثر الرجعي لفهمنا لها، وكان يُعتقد لفترة طويلة أنَّ مثل هذا المفهوم ينطوي على تناقضٍ في المصطلحات أو استحالة مفاهيمية.

كما أنَّ تعريف ديفيد هيوم David Hume للسببية على أنَّها وقوع أحد الحدثين قبل الآخر يستبعد بالتالي إمكانية حدوث السبب بعد نتيجته. علاوة على ذلك، ووفقاً لفكرة كانط Kant عن الحقيقة القبلية التركيبية، نُظر إلى الادعاء بأنَّ السبب يسبق نتيجته زمنياً على أنَّه يوضح هذه الحقيقة. وقد أجرى دوميت وفلو في عام 1954، مناقشةً تتعلق فيما إذا كان يمكن أن تسبق النتيجة سببها. ودافع دوميت عن الفكرة بينما جادل فلو بأنَّها تنطوي على تناقضات من حيث المصطلحات.

وقدم ماكس بلاك Max Black (1956) بعد ذلك بعامين حجةً ضد السببية ذات الأثر الرجعي، والتي أصبحت تُعرف باسم حجة الخداع، ويبدو أنَّ المحاولات اللاحقة لمواجهة هذه الحجة ولدتْ جميع أنواع المفارقات. تخيلْ أنَّ  “B” سابقة على “A”، ولتكن “B” هي النتيجة المزعومة لـ “A”. وبالتالي، نفترض أنَّ “A” تسبب “B”، على الرغم من أنَّ “A” متأخرة عن “B”. وتتمثل الفكرة الكامنة وراء حجة الخداع في أنَّه كلما حدث “B” فمن الممكن من حيث المبدأ، التدخل في مسار الأحداث ومنع حدوث “A”. ولكن إذا كان هذا هو الحال، فلا يمكن أن يكون “A” سبباً لـ “B”؛ ومن ثم، لا يمكن أن يكون لدينا سببية ذات أثر رجعي. وناقش الفلاسفة منذ ذلك الحين فعالية حجة الخداع بشكلٍ خاص، وصحة وصواب مفهوم السببية ذات الأثر الرجعي بشكلٍ عام.

وبدأ الفيزيائيون في مناقشة احتمالات انتقال الجسيمات بسرعةٍ أكبر من الضوء، أو ما يسمى بالتاكيونات(*) في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ونتيجة لذلك نشأ نقاشٌ مماثل لديهم حول المفارقات التي تنطوي عليها السببية ذات الأثر الرجعي. وفي حالة وجود جسيمات فائقة أو تسبق سرعة الضوء مثل التاكيونات، ويمكن استخدامها لتوليد إشارات، يبدو أنَّه من الممكن التواصل مع الماضي؛ لأنَّ التاكيونات المتقدمة في الزمن سيُنظر دائماً إليها من حيث علاقتها بمجموعة من الأطر المرجعية على أنَّها السفر عبر الزمن إلى الوراء بمجموعة أخرى من الأطر المرجعية.

ويستدعي الفيزيائيون والفلاسفة بين الحين والآخر، السببية ذات الأثر الرجعي من أجل شرح بعض النتائج التجريبية والنظرية في ميكانيكا الكم. وقد يكون هذا مرتبطاً على سبيل المثال بفهم التشابك الكمي بعد أن أثبتت العديد من التجارب انتهاك عدم مساواة بيل Bell.

2. الفلسفة

تثير الفكرة العامة للسببية ذات الأثر الرجعي مجموعتين من الأسئلة: تلك المتعلقة بالمشكلات المفاهيمية وتلك المرتبطة بالمسائل التجريبية أو المادية. ومن المجموعة الأولى من الأسئلة التي تتطلب إجابة مرضية ما يلي:

1.2 الزمن والسببية ذات الأثر الرجعي

هل يمكن للميتافيزيقا أنْ تقدم فكرةً عن الزمن تسمح بأنْ تسبق النتيجة سببها؟ وقد يجادل المرء للإجابة على هذا السؤال من ناحية، كما يفعل مودلين Maudlin (2002, p. 184)، أنَّه في حال سمحنا بأن تكون السببية ذات الأثر الرجعي والمتقدمة أجزاءً من وصفنا للعالم، “يجب التخلي عن الصورة الميتافيزيقية عن أنَّ الماضي يولد المستقبل، ومعه القدرة على التتبع الرياضي للنظريات المكانية”. وقد يجادل المرء من ناحية أخرى، كما يفعل إيفانز Evans (2015) وآخرين، أنَّ السببية ذات الأثر الرجعي لا “تستبعدها البنية المعروفة للواقع”. ويفترض ادعاء إيفانز بالفعل مسبقاً أنَّ المستقبل على قدم المساواة وجودياً مع الماضي وأنَّ القوانين الفيزيائية الأساسية متناظرة زمنياً لدرجة أنَّ تأثير العملية الفيزيائية في ظلِ ظروفٍ خاصة معينة قد يصل إلى الرجوع في الزمن.

وتفترض الفكرة الملائمة عن السببية ذات الأثر الرجعي أنَّ المستقبل حقيقي تماماً مثل الحاضر والماضي. ومن الشائع عند الميتافيزيقيين التمييز بين ثلاث وجهات نظر مختلفة عن الزمن، وأولها الحاضرية، ويدعي هذا الرأي أنَّ الأحداث الموجودة الآن فقط هي الموجودة بالفعل، أما الأحداث الماضية أو المستقبلية فهي غير موجودة. فالأحداث الماضية لم تعد موجودة، في حين أنَّ الأحداث المستقبلية لم تصبح حقيقية بعد. لذلك فإنَّ عبارات الحاضر أو ​​المتعلقة به لها فقط قيمة صدق محددة.

أما وجهة النظر الثانية فهي الإمكانية التي تكون وفقاً لها كلّ من الأحداث الماضية والحاضرة موجودة، ولكن الأحداث المستقبلية لا تزال مجرد احتمال أو غير موجودة. ويُطلق على هذا الرأي أحياناً اسم الكون كتلة متنامية the Growing block universe. ونتيجة لذلك، ترى وجهة النظر هذه أنَّ عبارات الأحداث الماضية والحاضرة فقط لها قيمة صدق محددة، في حين من الممكن أن تكون العبارات المتعلقة بالمستقبل صادقة أو قد تفتقر تماماً إلى أيّ قيمة صدق. وأخيراً، يُطلق على الرأي الثالث اسم الأبدية، ويُسمى أيضاً الكون كتلة. ويؤكد هذا الموقف أنَّ كلّ حدث ماضي وحاضر ومستقبلي موجود بلا توتر في وقت معين وأنَّ العبارات المتعلقة بهذه الأحداث لها بالتالي قيمة صدق محددة في كلّ زمن آخر.

وترتبط الحاضرية والكون كتلة متنامية عادةً بالنظرة الديناميكية للصيرورة. ويؤدي العابر الآن دوراً وجودياً تماماً كما في الزمن المتغير باستمرار الذي تصبح فيه الأشياء حقيقية أو ربما تكون كذلك، فإذا كنتَ حاضراً، فاختفي من الوجود. وقد يكون أحد أسباب تفضيل الكون كتلة متنامية على الحاضرية هو تحليلها للسببية المتقدمة. ولكي يكون سبب الحدث الحالي هو حدث ماضي، يجب أن يكون الحدث الماضي موجوداً. وما هو غير موجود في الماضي، يمكن أن يسبب شيئاً موجود حالياً. وعلى نفس المنوال، إذا كانت السببية ذات الأثر الرجعي تمثل احتمالاً مفاهيمياً، فيجب أن يوجد شيء ما في المستقبل حتى يتسبب في شيءٍ ما في الحاضر.

وتفترض السببية ذات الأثر الرجعي بالتالي الأبدية أو تفسيراً ثابتاً للزمن بمعنى أنَّه لا توجد صيرورة موضوعية، ولا تتشكل مثل هذه الأحداث المستقبلية التي توجد على قدمِ المساواة مع الأحداث الحالية والماضية. وهذا يعني أنَّ المستقبل حقيقي، ولا يتألف المستقبل فقط من إمكانيات غير محققة أو حتى من لا شيء على الإطلاق. وقد نفكر في الماضي عادةً وكأنَّه لم يكن هناك شيء في يومٍ من الأيام.

ولكن عند سؤالنا عمّا يجعل الجمل المتعلقة بالماضي صادقة أو كاذبة، ربما نقول أيضاً إنَّ حقائق الماضي هي التي تجعل الجمل الحالية عن الماضي إما صادقة أو كاذبة. وحقيقة ذهابي إلى السينما أمس تجعل الأمر كذلك اليوم عندما أقول: إنَّني ذهبت إلى السينما أمس، وهذه النظرة واقعية فيما يتعلق بالماضي. وإذا كانت السببية ذات الأثر الرجعي ممكنة من الناحية المفاهيمية، فإنَّها تجبرنا على أن نكون واقعيين فيما يتعلق بالمستقبل. ويجب أن يحتوي المستقبل على حقائق وأحداث ذات خصائص معينة، ويمكن لهذه الحقائق أنْ تجعل الجمل المتعلقة بالماضي / المستقبل صادقة أو كاذبة.

وتوفر نظريات الزمن الثابتة والخالية من التوتر مثل هذا التفسير الواقعي. وتكون الأبدية نظرية من هذا القبيل وترى أنَّ الاشتراك بين الزمن الماضي والحاضر والمستقبل يعتمد على المنظور الذي نضفيه نحن البشر على العالم. ويتحدد إسناد الماضي والحاضر والمستقبل إلى الأحداث من خلال ما نعتبره موجوداً في أزمنة سابقة على زمن خبرتنا ولاحقة لها. (لمزيد من المناقشة، راجع المدخل الخاص بالوجود والصيرورة في الفيزياء الحديثة.)

2.2 التأثير في الماضي؟

هل تعني السببية ذات الأثر الرجعي أنَّ سبباً مستقبلياً يغير شيئاً ما في الماضي؟ نفكر في السبب باعتباره حدثاً عندما نتحدث عن السببية المتقدمة، على أنَّه يُحدث نتيجته أو يقود إليها. ونقول: إنَّ السبب يغير أيّ شيء في المستقبل ليس جزءاً من مفهومنا عن السببية المتقدمة، حيث يحدد السبب ما سيكون نتيجة. وبغض النظر عمّا إذا كان المرء مدافعاً عن الحاضرية، أو الكون كتلة متنامية أو الأبدية، لا يعتبر أبداً أنَّ السبب حدث سيجعل المستقبل مختلفاً عمّا سيكون عليه. وفي الواقع، لولا السبب الموجهة للأمام لكان المستقبل مختلفاً عمّا سيكون عليه.

حتى أنَّ معظم المناصرين يعتبرون أنَّ فكرة السببية ذات الأثر الرجعي تكون نتيجة غير مبررة، وتتضمن إن كانت متسقة فكرة أنَّ المستقبل قادر على تغيير الماضي. ولذلك كانت إجابتهم عادة أنَّه إذا كانت لدينا القدرة على إحداث شيء ما في الماضي، فإنَّ ما حدث كان موجوداً بالفعل عندما كان الماضي حاضراً. وعلينا أنْ نميز بين تغيير الماضي بحيث يصبح مختلفاً عمّا كان عليه والتأثير في الماضي حتى يصبح كما كان. وتفترض الفكرة المتسقة عن السببية ذات الأثر الرجعي فقط أن يكون المستقبل قادراً على التأثير فيما يحدث في الماضي. ومع ذلك يمكننا القول بالتوازي تماماً مع السببية المتقدمة: لو لم يكن السبب الموجه للخلف قد صنع الماضي كما اتضح لاحقاً لما اختلف الماضي.

3.2 الفرق بين السبب والنتيجة

هل يمكن التمييز بين السبب والنتيجة بحيث لا يعتمد التمييز على ترتيب زمني للأحداث؟ كان التمييز بين السبب والنتيجة لفترة طويلة يمثل ترتيبهما الزمني. ويعود هذا الرأي إلى حدٍ ما إلى هيوم الذي قال: “قد نحدد السبب على أنَّه شيئاً متبوعاً بآخر، وعلى غرار الأول تنتج كلّ الأشياء عن أشياء مشابهة للثاني”، وهذا يعني أنَّه “[…] إذا لم يكن الشيء الأول موجوداً، فإنَّ الثاني لم يكن موجوداً” (Hume, [1748] 2007, 56). وعلى الرغم من أنَّ هيوم لم يقل ذلك صراحةً، فقد قُرأ التعبير “ناتجة عن” دائماً على أنَّه “ناتجاً على نحوٍ زمني” وليس “ناتج سببياً”. لذلك غالباً ما يحاول أنصار هذا التعريف إعطاء تفسير للسببية يحيث يُنظر إلى السبب والنتيجة على أنَّهما انتظام زمني بين أنواع الأحداث.

ولكن يمكننا أن نرى أيضاً أنَّ هيوم نفسه أضافَ عبارةً مضادة للواقع عن السببية التي لا يمكن اشتقاقها من تعريفه الزمني. ولاحظَ على ما يبدو، أنَّه إذا كان لدينا سبب ونتيجة، فهناك علاقة بينهما لا يعطيها الترتيب الزمني.

ويُفترض لتكون السببية ذات الأثر الرجعي ممكنة وجود تفسير معين لاتجاه السببية الذي لا يعتمد على اتجاه الزمن. وتشير المقترحات البديلة المختلفة إلى الوقائع المضادة، والاحتمالات، والقوة، والتلاعب والتدخل، والسبب المشترك أو التشعبات السببية. ويبدو أنَّ فكرة السببية الهيومية فقط هي التي تقدم من بينها تحديداً زمنياً للسبب والنتيجة. ولكن هناك أيضاً مشكلات في بعض التفسيرات الأخرى.

وهو مثالٌ معروف تماماً عند اتباع ديفيد لويس David Lewis  حول تعريف السببية من حيث الوقائع المضادة (Lewis, 1973). افترضْ أنَّ الحدث “c” يسبب الحدث “e”، إذن لدينا موقف يحدث فيه كلّ من “c” و”e”، حيث تكون العبارة الواقعية “إذا لم تحدث “c”، فلن تحدث “e” صادقة. وبالتالي، فإنَّ “e” من وجهة نظر لويس تعتمد سببياً على “c” إذا وفقط إذا كانت “e” تعتمد بشكلٍ مضاد للواقع على “c”. ووفقاً للنظرية التقليدية التي صاغها لويس وستالناكر Stalnaker، فإنَّ أيّ عبارة مضادة تكون صادقة إذا كانت النتيجة صادقة في أقرب عالم ممكن من العالم الفعلي الذي يكون فيه السابق صادقاً. ويقدم تعريف لويس على ما يبدو، عدم تناظر سببي غير زمني؛ لأنَّ النتيجة “e” تعتمد بشكلٍ مضاد للواقع على العلة “c”.

وكما رأينا أعلاه، اعتقدَ هيوم أيضاً أنَّ العبارات السببية تستلزم وقائع مضادة، ولكن السؤال هو ما إذا كانت العبارات السببية قابلة للتحديد من حيث الوقائع المضادة. وحول الاعتراض على هذه المحاولة، انظر إلى المثال التالي: يغطي الجليد البحيرة هذا الصباح بسبب الصقيع الشديد أثناء الليل؛ لذلك ونظراً للظروف، لو لم يكن هناك صقيعٌ شديد، لما كان هناك أيّ جليدٍ على البحيرة.

ومع ذلك يبدو أنَّ الصقيع في هذه الظروف كسببٍ للجليد ليس فقط ضروري سببياً للجليد، ولكن يبدو أيضاً أنَّ الصقيع كافٍ سببياً للغطاء الجليدي. وبعبارة أخرى، يبدو من الصواب القول نظراً للظروف الفعلية: إنَّ الصقيع كافٍ وضروري سببياً أيضاً للجليد. وإذا كان ينبغي أن نُعبّر عن الكفاية السببية من حيث عبارة الواقع المضاد، فقد نقول بعد ذلك: لو لم يكن الجليد قد غطى البحيرة هذا الصباح نظراً للظروف الفعلية، لما كان هناك صقيع شديد أثناء الليل. ولكن إذا قبل المرء هذا الاعتراض، فيظهر أنَّ العبارات السببية لا يمكن تعريفها من حيث الوقائع المضادة؛ لأنَّ مثل هذا التعريف لا يعطينا اللاتناظر المطلوب بين السبب والنتيجة؛ لأنَّ كلّ منهما يعتمد بشكلٍ مضاد للواقع على الآخر.

وتُسمى هذه المشكلة أحياناً بمشكلة النتائج، حيث لا تتميز النتيجة ذاتها وفقاً لهذه المشكلة عن السبب على نحو زمني؛ لأنَّ السبب والنتيجة يعتمدان بشكلٍ مضاد للواقع على بعضهما البعض. وقدمتْ عدة محاولات حلولاً لهذه المشكلة على مر السنين، واقترحَ لويس بحدّ ذاته بعض المعايير التي تتكون من تسلسل هرمي للعوالم المحتملة مثل أنَّ العالم الذي يحدث فيه “e” ولكن لا يحدث “c” يكون أقرب إلى العالم الفعلي من العالم الذي لا تحدث فيه “c” بسبب غياب “e”. ولكن عدداً من الفلاسفة تحدوا ملاءمة هذه المعايير، ومن بينهم بينيت Bennett  (1974)، وفاي Faye (1989)، وهورويتش Horwich  (1993)، وبيكر Baker (2003)، وتشوي Choi (2007)، وواسرمان Wasserman  (2015) ووسيلي Seli (2020).

ومع ذلك، والأهم من ذلك في السياق الحالي، هو أنَّ نظرية لويس وستالناكر المضادة للوقائع تواجه صعوبات في الوقائع المضادة الرجعية والسببية ذات الأثر الرجعي؛ لأنَّه إذا حدثتْ “c” بعد “e”، فإنَّ المنهج المقترح لتقييم الصدق يفترض أنَّ “e” تحدث في العوالم الممكنة ذات الصلة حيث لا تحدث “c”. وبشكلٍ عام، يجري تقييم شرط الواقع المضاد من خلال افتراض أنَّ العالم المحتمل يجب أن يكون متطابقاً مع العالم الفعلي حتى مع “c”. ولذلك، يُشترط أن يكون أقرب عالم ممكن هو العالم الذي يحدث فيه كلّ شيء تماماً كما هو الحال في العالم الفعلي حتى زمن حدوث “c”، مما يعني أنَّ العالم المحتمل سيشمل حدوث “e”؛ نظراً لحدوث “e” قبل “c”.

ولكن يصدق بعد ذلك بالضرورة أنَّه لا يوجد أبداً عالمٌ محتمل أقرب إلى العالم الفعلي الذي يتضمن “c” وليس “e”. وهذا يخلق مشكلةً؛ لأنَّنا نعتبر أيّ علاقة سببية بين “c” و”e”عرضية. ونتوقع بدلاً من ذلك أنَّنا إذا واجهنا حالة من السببية ذات الأثر الرجعي حيث يحدث كلّ من الحدث الحالي “c” والحدث الماض “e”، فستصدق الواقعة المضادة التالية: “إذا لم تحدث “c”، فلن تحدث “e”. وسيفترض تقييم صدق هذه الواقعة المضادة، إذا كانت تمثل السببية ذات الأثر الرجعي، أن يكون العالم الأقرب خالٍ من “c” وخالٍ أيضاً من “e”. ومع ذلك، فإنَّ النظرية التقليدية لا تسمح بمثلِ هذا التقييم.

وإلا كيف يمكن تحديد السببية بحيث لا يعتمد ترتيب علاقة السبب والنتيجة على الزمن؟ يبدو أنَّ هناك العديد من الاحتمالات المقترحة لمثل هذا التفسير. وسنذكر هنا فقط بعضها، حيث يمكن للمرء أن يعتقد أنَّ السبب يجعل النتيجة أكثر احتمالية من حيث الظروف، ويمكن للمرء أن يقول: يمكن فهم السببية من حيث التلاعب والتدخل، ويمكن أن يقول أيضاً: يمكننا تحديد السببية من حيث نقل المعلومات أو الكميات المادية المحفوظة. وأخيراً، يمكن للمرء أن يقول: إنَّ السببية فكرة بدائية قد تتضمن أو تستخدم الشرح، والاطرادات، والوقائع المضادة، والاحتمالات، وإرسال الإشارات، والتلاعب والتدخل، ولكن لا يمكن تحليلها بالكامل في أيٍّ من هذه المصطلحات. وإذا أخذنا بالاعتبار أنَّ الحيوانات الأسمى تُظهر إحساساً بالسببية، فقد يكون ذلك مؤشراً جيداً على أنَّ أصل هذه الفكرة يعود وينبثق تاريخياً من التطور الإدراكي في فهم الطرق التي تكون فيها بيئة المرء مستقرة وتتضمن طرقاً يمكن أن يتفاعل بها سلوك الفرد ويغير البيئة.

وقد تقترب هذه الملاحظة من تحليل لويس لاحقاً للسببية كتأثير (Lewis, 2000). وبالتالي، من خلال قدرتنا على التأثير في بيئتنا نحسّن قدرتنا على التلاعب والتدخل في سبب الأحداث التي نتلقى من خلالها معرفةً بالعلاقات السببية والترتيب السببي لهذه العلاقة (Faye, 1989; Woodward, 2003). ومع ذلك، فإنَّ هذا الفهم للسببية معقد نوعاً ما بالفعل، بناءً على قدرتنا على التنبؤ بتأثير أفعالنا، وقدرتنا على توقع نتائج أفعال الآخرين، وفهمنا لسبب تصرفات الآخرين وسبب الأحداث المادية (Gärdenfors, 2006, p. 41).

4.2 حجة الخداع

هل يمكن الطعن في حجة الخداع بطريقة تمنع مجرد إمكانية التدخل من توليد أيّ مفارقات خطيرة؟ ترجع حجة الخداع إلى ماكس بلاك Max Black (1956) الذي افترض السيناريو التالي: لنفترض أنَّ هوديني توقعَ على سبيل المثال، نتيجة عملة نقدية على وشك أن تُقلب “B” قبل أن يقوم شخص ما بالفعل بالقلب “A”. وقد نفترض أيضاً أنَّه نادراً ما فشل هوديني في توقعاته في الماضي. وقد نحاول في هذه الحالة القول: إنَّ إجابة هوديني تسببت بالقلب اللاحق. ولكن بلاك يقول: بعد توقع هوديني لـ “B”، يمكننا دائماً التدخل بحيث لا تُقلب العملة النقدية أو تُرتب عكس توقع هوديني.

والمقصود هو أنَّ “A” تبدو هي السبب في كليهما وليست السبب في”B”. وجادل بلاك أيضاً: إنَّه إذا كانت “A” سبب “B”، فإنَّ السوابق السببية لـ “A” تكون مستقلة عن “B”. ومن هنا إذا لم نتمكن بعد حدوث “B”، من منع حدوث “A”، فلا يمكن القول: إنَّ “A” مستقلة سببياً عن “B”. ولكن نظراً لقدرة الإنسان على التدخل فيما يتعلق بـ “A”، خلصَ بلاك إلى أنَّ “A” لا يمكن أن تكون سبب “B”.

ونظراً لأنَّ التلاعب والتدخل أساسيان جداً في معرفتنا بالعلاقات السببية، فإنَّ صورة قدرتنا على التدخل في مسار السببية ذات الأثر الرجعي بعد حدوث النتيجة المزعومة، تبدو وكأنَّها تنتهك الفكرة الكاملة القائلة: إنَّ فكرة السببية ذات الأثر الرجعي متسقة. ومع ذلك يبدو أنَّ قوة حجة الخداع يمكن إضعافها بطرقٍ مختلفة.

أولاً: قد يعتقد المرء أنَّ قدرتنا من حيث المبدأ على التدخل في مسار الأحداث لا تمثل مشكلةً بالنسبة لمفهومنا عن السببية ذات الأثر الرجعي. ونكتشف عادةً ما إذا كان حدثان مترابطان سببياً من خلال التلاعب والتدخل. وفي حال تمكننا من إنتاج حدث “Q” واحد عن طريق إحداث “P” آخر، أو يمكننا عرقلة حدث “Q” عن طريق منع “P” آخر، نعتقد أنَّ “P” هو سبب “Q”. ونعتقد بالمثل، أنَّه إذا تسبب “P” في “Q” في الظروف ذات الصلة، قد نكون قادرين على منع حدوث “Q” إذا تدخلنا في الترتيب السببي بعد حدوث “P” عن طريق تغيير بعض هذه الظروف، مما يجعل “P” يسبب “Q”. وإذا حدث “Q” على الرغم من هذا التدخل، فيجب أن يكون هناك في ظل الظروف الجديدة حدثٌ آخر “X” بدلاً من “P” الذي يسبب “Q”.

وترى حجة الخداع الآن أنَّ السببية ذات الأثر الرجعي أمرٌ مستحيل لكوننا نستطيع دائماً التدخل بعد أنْ نلاحظ حدوث النتيجة المزعومة ومنع حدوث السبب المزعوم. وذلك يوضح أنَّ السببية ذات الأثر الرجعي لا تحدث، بما أنَّه لا يوجد ما يمنعنا من فعل ذلك متى شئنا. وفي الواقع، إذا تدخلنا بالفعل ومنعنا حدوث “A” بعد حدوث “B”، فلا يمكن بالطبع أن يكون “A” المحدد لاحقاً (لا وجود له) سبباً لوجود “B” المحدد مسبقاً (الموجود). ولكن في جميع الحالات التي لا يتدخل فيها أحد فعلياً، قد تكون الأحداث من النوع ذاته مثل  “A” سبباً في أحداث من النوع ذاته مثل “B”. ولا يختلف هذا الموقف عمّا قد يحدث في بعض حالات السببية المتقدمة. افترض أنَّ “P” تسبب “Q” في الظروف ذات الصلة، وربما لا نزال نمنع حدوث “P” معين، ولكن قد يحدث “Q” معين في الوقت ذاته؛ لأنَّ هناك حدثٌ آخر غير “P” أحدثه في ظروف معينة.

ثانياً: إذا تسبب حدثٌ لاحق “A” بالفعل في حدوث آخر “B” السابق، فسيكون من المستحيل التدخل في سبب الحدث بعد حدوث “B” وبالتالي من المستحيل منع حدوث “A”. وإذا حاول شخصٌ ما، فسوف يفشل بجميع السبل. وقد يبدو الأمر غريباً بشكلٍ حدسي طالما أنَّنا نعتقد أنَّ السببية ذات الأثر الرجعي تتكون من شيءٍ يمكننا التحكم فيه بشكلٍ مباشر من خلال أفعالنا اليومية. ولكن إذا كانت السببية ذات الأثر الرجعي هي فكرة قابلة للتطبيق فقط على العمليات التي لا يستطيع البشر التحكم فيها بأيّ طريقة يمكن توقعها، فلن تثير الفكرة حدسنا كثيراً.

ولكن حتى لو امتلكنا سيطرةً كاملة على العمليات السببية ذات الأثر الرجعي واستطعنا التدخل في سبب حوادثها، فقد لا نستبعد السببية ذات الأثر الرجعي من الحدوث في مثل هذه الحالات التي نتدخل فيها بالفعل. افترض على سبيل المثال أنَّ شخصاً ما ألقى عملة نقدية بعد دقيقة واحدة من توقع الساحر هوديني سواء كانت رؤساً أم ذيولاً (رسم أو نقش). افترض علاوة على ذلك، أنَّ تنبؤات هوديني مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنتائج العملة التي رُميتْ، فمن المفترض ألا يكون هناك مثل هذا الارتباط الكبير ما لم نواجه حالة من السببية ذات الأثر الرجعي. ومع ذلك، فقد اتضح أنَّ بناء الارتباط قد ينحو بشكلٍ مختلف اعتماداً على ما إذا كنا نعتبر تنبؤات هوديني أحداثاً مادية بحتة أو ذات محتوى دلالي.

ومن المعقول في مثال كذلك المذكور، الاعتقاد بأنَّنا نكتشف الارتباط بين تنبؤات هوديني والنتائج اللاحقة للعملة التي رُميتْ من خلال مقارنة المحتوى الدلالي للتنبؤات بأحد الجانبين المنقشوين للعملة التي تحدد المحتوى الدلالي. ويحدد الجانب الموجه للأعلى ما إذا كان التوقع صحيحاً أم لا. أولاً: من أجل إنشاء ارتباط سببي بين محتوى التنبؤات ونتائج الرمي، سنبحث عن نسبة عالية من العبارات الصحيحة التي أدلى بها هوديني. وهذا شرط ضروري إبستمولوجي لتأسيس علاقة سببية. ثانياً: لا يمكن أن يكون هناك ارتباط سببي وجودي بين المحتوى الدلالي لتنبؤ هوديني ونتائج (قراءة) الرأس أو الذيل إذا لم يحدث قلب للعملة. ولن تحمل تنبؤاته أيّ قيمة صدق وسننظر إليها على أنَّها مجرد تخمينات. ومن ثم، عندما يحاول شخص ما التحايل بشأن هذه التجربة، فسيرتب النتيجة عكس محتوى توقع هوديني أو يمتنع عن قلب العملة المعدنية.

ومع ذلك، قد يقترح المرء أنَّ الرد المحتمل على حجة الخداع عند بلاك هو القول: إنَّ رمي العملة المعدنية والامتناع عن رميها قد يتسبب بشكلٍ رجعي في سلوك هوديني. وقد افترض بريان غاريت Brian Garrett (2020) أنَّ الامتناع عن رمي العملة قد يكون سبباً في ردِّ هوديني. ولكنه يجادل على عكس السيناريوهات الموضحة أدناه، بأنَّ عدم قلب العملة قد يكون السبب المباشر لتنبؤ هوديني السابق (بسبب الاستباق السببي ذات الأثر الرجعي) وليس فقط بسبب الافتقار السابق للتنبؤ.

وبالتالي، يبدو من المتسق أن نقول على الأقل: إنَّ كلاً من الرمي والامتناع عنه قد يتسببان في سلوك هوديني السابق بغض النظر عمّا إذا كان هذا السلوك تنبؤاً أو يفتقر لتنبؤ، طالما أنَّنا نعتبر كلا الفعلين أحداثاً مادية لا غير. وإذا نظرنا في الواقع إلى توقع هوديني فقط (بغض النظر عن محتواه الدلالي) أو افتقاره للتنبؤ بأحداثٍ مادية بحتة وفعلنا الشيء ذاته مع أفعال “رمي العملة” و”الامتناع عن رمي العملة”، فقد يكون لدينا ترابط كبير بين هذه الأحداث المادية.

وبالتالي، يبدو أنَّ لدينا ثلاثة سيناريوهات يمكننا من خلالها ملاحظة السببية ذات الأثر الرجعي على الرغم من محاولة المرء في اثنين منها أن يحتال بشأن حدوث السبب بعد النتيجة المزعومة.

السيناريو 1: يطلب المُختبِر من هوديني توقع نتيجة رمي عملة نقدية بعد دقيقة. ويتضح أنَّ هناك ارتباطٌ إيجابي كبير بين إجابات هوديني والرؤوس أو الذيول الفعلية.

السيناريو 2: يطلب المُختبِر الآن من هوديني إجراء تنبؤاته، لكنه يرتب العملة بحيث تُظهر رؤوساً أو ذيولاً معاكسة لتصريحات هوديني. وفي هذه الحالة، سيكون هناك ارتباط سلبي بين المحتوى الدلالي لإجاباته ونتائج الأشياء المرمية. (يمكنك بالفعل أيضاً ترتيب النتيجة بحيث لا يكون هناك ارتباطٌ على الإطلاق.) ولكن لا يزال بإمكان المرء أن يقول: إنَّ حقيقة عدم امتناع هوديني عن الرد كانت لأنَّ ما دفعه تلقائياً إلى تقديم إجابة هو الفعل المادي المتمثل في التعامل مع العملة. وسيلاحظ المرء ارتباطاً إيجابياً كبيراً بين قيام هوديني بإصدار التصريحات المادية والمعاملات المادية للعملة النقدية، على الرغم من وجود ارتباط سلبي أو عدم وجود ارتباط بين المحتوى الدلالي لإجاباته والنتائج على شكل رؤوس وذيول.

السيناريو 3: يطلب المُختبِر من هوديني إجراء تنبؤاته، مع أنَّه يمتنع عن ذلك في المواقف التي يمتنع فيها شخص ما بعد ذلك من قلب العملة، ولكن في المواقف التي لا يتدخل فيها أحد؛ هناك ارتباطٌ كبير بين تنبؤاته والنتائج. وفي تلك الحالات التي يمتنع فيها شخصٌ ما عن قلب العملة، يمتنع هوديني بالتالي عن قول أيّ شيء، ولا يمكن أن يكون هناك أيّ ارتباط بين قيمة الصدق في إجابات هوديني (لأنَّه لا يقدم أياً منها). ومع ذلك، يبدو أنَّه لا يزال هناك ارتباطٌ كبير بين سلوكياته (أي الافتقار المادي للردود) ومنع أي نتيجة لاحقة.

ولهذه الأسباب، قد يجادل المرء بأنَّ حجة الخداع ليست قوية كما اعتقد بلاك.

5.2 الإراد الحرة

هل توحي السببية ذات الأثر الرجعي بالقدرية؟ غالباً ما يُقدَم اعتراض ضد السببية ذات الأثر الرجعي وهو أنَّه إذا كان الخلود والسببية ذات الأثر الرجعي ممكنين، فعندئذ يكون المستقبل محدداً بالفعل. ولا يهم ما سيفعله الفاعل إذا حُدد ما سيكون عليه المستقبل الآن بالفعل؛ لأنَّ كلّ شيء تمّ تعيينه وفعله في المستقبل. ولا يمكن للفاعل أنْ يفعل خلافاً لما حُدد في المستقبل. وعلى الرغم من أنَّ هذه الحجة تبدو جذابة للغاية، إلا أنَّها قد لا تصمد أمام الفحص الدقيق.

وكونكَ أبدياً قد تميز بين مستقبلٍ محتوم ومستقبلٍ محسوم. ويمتلك هذا الزوج من المفاهيم أيضاً أسماءً مختلفة في الأدب. حيث تُسمى الحتمية في بعض الأحيان الحتمية الفيزيائية والحتمية السببية أو الحتمية الاسمية، في حين نطلق كلمة الحسم على الحتمية المنطقية والحتمية الزمنية أو حتمية الكتلة. ويُحدد الحدث المستقبلي الآن إذا وفقط إذا كان الحدث الحالي كافٍ سببياً أو اسمياً لحدوثه. ويُحدد الحدث المستقبلي في المقابل ما يتعلق بالحاضر إذا وفقط إذا حدث هذا الحدث بلا توتر في زمن المستقبل. وهكذا، سيقول الخالدون: إنَّ الفاعل لا يزال يمتلك خياراً يدلي به غداً يتعلق فيمّا إذا كان سيذهب لرؤية والديه أم لا؛ لأنَّه لا يوجد حدث حاضر يحدد اختياره غداً. ومع ذلك اختياره محدد، وبالتالي فإنَّ ما سيفعله غداً صحيح اليوم.

ولمناقشة الإرادة الحرة تاريخٌ طويل وقد خُصصتْ الأجزاء العظيمة من هذه المناقشة لمشكلة تفيد في أنَّه إذا كان العالم محكوماً بالكامل بقوانين حتمية، فهل يكون من المنطقي التحدث عن الإرادة الحرة؟ تعتمد نتيجة هذه المناقشة في الواقع إلى حدٍ كبير على كيفية فهمنا لمفهوم الإرادة الحرة. وعادةً ما يرتبط مفهوم الإرادة الحرة بما إذا كان يمكن للفاعل البشري أنْ يفعل خلاف ذلك أم لا. ويعتقد بعض الفلاسفة التوافقيون أنَّ الفاعل البشري طالما لا يخضع لأيّ قوى خارجية أو داخلية، فهو حرٌ في فعل ما يريد. ولكن يتعين على التوافقيين بعد ذلك أن يرفضوا جزءاً ما من حجة العواقب التالية.

  1. لا يمكننا تغيير الماضي.
  2. لا يمكننا تغيير قوانين الطبيعة.
  3. ومن ثم لا يمكننا تغيير الماضي أو قوانين الطبيعة (1 و2).
  4. إذا كانت الحتمية صادقة، فإنَّ أفعالنا الحالية تمثل نتائج لازمة عن الماضي وقوانين الطبيعة.
  5. ومن ثم إذا كانت الحتمية صادقة، فلا يمكننا إذن فعل أيّ شيءٍ الآن لتغيير حقيقة أنَّ أفعالنا الحالية تمثل نتائج لازمة عن الماضي وقوانين الطبيعة (4).
  6. إذا كانت الحتمية صدقة، فلا يمكننا إذن تغيير حدوث أفعالنا الحالية (3 و5).
  7. ومن ثم، إذا كانت الحتمية صادقة، فليس لدينا القدرة على القيام بالأشياء على نحوٍ مختلف عمّا نفعله (6).
  8. تتطلب الإرادة الحرة قوةً للقيام بالأشياء على نحوٍ مختلف.
  9. ومن هنا إذا كانت الحتمية صادقة، فليس لدينا إذن إرادة حرة (7 و 8).

وسوف يقول غير التوافقي: إنَّ لدينا إرادة حرة يعنى أنَّه بإمكاننا فعل ذلك بطريقةٍ أخرى، ومن ثم فإنَّ الحتمية لا يمكن أن تكون صادقة.

وسوف يقبل التوافقي في الواقع (1)؛ لأنَّه حتى المدافع عن السببية ذات الأثر الرجعي لا يدعي إمكانية تغيير الماضي. علاوة على أنَّ التوافقي لا يتعين عليه قبول السببية ذات الأثر الرجعي. ولن يتحدى التوافقي على الأرجح غير التوافقي بالقول: إنَّنا قد نكون قادرين على التأثير في الماضي. ومن المرجح أن يعترض التوافقي على الحجة بالقول: إنَّ قوانين الطبيعة ليست كلّها حتمية أو بالقول: إنَّ الدماغ يعمل بموجب قوانين ثبات العوامل الأخرى بما في ذلك شرط غياب القوى الخارجية والداخلية. ويكفي أن يقول التوافقي: إنَّ الفاعل استطاع القيام بشيء آخر. وبعبارة أخرى، لا يتعلق اعتراض التوافقي عادةً بحسم الماضي.

وكما نرى، فإنَّ حجة النتيجة المذكورة أعلاه تجمع بين حسمٍ للماضي وحسمٍ للقوانين. وأيا كان ما سيعارضه التوافقي من أجل رفض حجة النتيجة، فلا يمكن استخدام الحجة مع ما يلزمها من تعديل للمجادلة ضد الأبدية أو الكون كتلة؛ لأنَّه على النقيض من مناقشة الإرادة الحرة والماضي الذي يركز على الحتمية، فإنَّ مناقشة الإرادة الحرة والمستقبل تركز على الحسم؛ لأنَّه حتى لو كانت اللاحتمية صادقة، أي إذا كانت بعض عمليات الطبيعة غير حتمية، فلا يزال بإمكان المرء أن يجادل لصالح الكون كتلة كما أشار بعض مؤيديه منذ زمن طويل (See Grünbaum, 1967, 28–35).

لذلك، فإنَّ الحجة ضد السببية ذات الأثر الرجعي القائمة على الإرادة الحرة يجب أن تكون مختلفة عن الحجة ضد القدرية التقليدية، ولابدّ أن تبدو مثل هذا:

  • 1. إذا كانت السببية ذات الأثر الرجعي ممكنة، فيجب إذن تحديد المستقبل.
  • 2. إذا كان المستقبل محدداً، فهذه هي الحالة التي يحدث فيها الآن الإجراء المطلوب في وقت لاحق “t” أو أنَّه لم يحدث الآن في هذا الوقت اللاحق “t” (1).
  • 3. إذا كانت الحالة الآن أنَّ الإجراء المطلوب يحدث في وقت لاحق “t” أو إذا كانت الحالة الآن لم تحدث في هذا الوقت اللاحق “t”، فلا يمكنني تنفيذ الإجراء المطلوب الذي لم يحدث في هذا الوقت اللاحق “t”.
  • 4. ومن ثم، إذا لم أتمكن من تكوين إجراء مطلوب في وقت لاحق”t”، فلا يمكنني أن أكون حراً في أن أفعل غير ذلك (2 و3).
  • 5. على افتراض أنَّ المستقبل محسوم الآن.
  • 6. ومن ثم، فأنا لست حراً في القيام بخلافِ ذلك (في 4 و5).
  • 7. ومن ثم، ليس لدي إرادة حرة.
  • 8. ومع ذلك، فأنا أعلم بالخبرة أنَّه كان بإمكاني القيام بخلافِ ذلك.
  • 9. ومن ثم، فإنَّ المستقبل غير محسوم.
  • 10. ومن هنا فإنَّ السببية ذات الأثر الرجعي غير ممكنة.

كان النقد الشائع أنَّه إذا كانت أفعال الفاعل محسومة غداً، وبالتالي إنْ صحّ اليوم القول على سبيل المثال: إنَّ الفاعل سيزور والديه، فلا يمكن له فعل أيّ شيء سوى زيارة والديه. ومع ذلك، يبدو أنَّ هذا الاستنتاج غير متسلسل. ومن أجل الوصول إلى مثل هذا الاستنتاج، يجب على المرء أن يفترض ضمنياً أنَّ فعل الفاعل يحسم سببياً نتيجة اختياره، بينما تُظهرَ الحجة كما اعتُقد أنَّ السببية ذات الأثر الرجعي تنتهك مفهوم الإرادة الحرة.

ويمكن أن يجادل الأبدي في في المقابل بأنَّ الدافع وراء حقيقة أنَّ الفاعل سيزور والديه غداً هو اتخاذه لقرار يحدد زيارته سببياً قبل أن يذهب لرؤيتهما. وإذا اتخذ الفاعل القرار المعاكس غداً، فسيصدق اليوم أنهَّ لن يزور والديه. وبغض النظر عمّا يختاره غداً، سيكون قراره الذي يجعل الأمر حقيقياً اليوم أنَّه سيرى والديه. وتكون نتيجة قراره غداً غير محسومة؛ ليس لأنَّ قيمة الصدق الحالية تحدد قراره، بل لأنَّ نتيجتها المستقبلية تحدد قيمة الصدق الحالية. (وليس الأمر أنَّ نتيجة قراره تحدد قراره السابق سببياً). وهكذا، قد يجادل الأبدي بأنَّ المستقبل على الرغم من أنَّه محسوم، إلا أنَّه لا يستبعد أن يتمتع الناس بالإرادة الحرة. وتذهب الحجة إلى أنَّه إذا كان لدى الناس إرادة حرة، فإنَّ حقيقة أنَّ نتيجة قرارهم المستقبلي محسومة فيما يتعلق بالماضي لا تؤثر على قدرتهم على الاختيار بحرية.

3. المفارقات في السببية ذات الأثر الرجعي

من المشكلات الفلسفية التي تثيرها السببية ذات الأثر الرجعي (والسفر عبر الزمن)، والمفارقات هي تلك التي ولدتْ أكبر قدر من الإثارة في كلّ من الفيزياء والفلسفة؛ لأنَّها تستبعد إذا كانت صحيحة أن تكون السببية ذات الأثر الرجعي ممكنة ميتافيزيقياً ومنطقياً. ويمكن تقسيم المفارقات إلى أبعد حد إلى ثلاثة أنواع: (1) تتضمن مفارقات التمهيد الحلقة السببية أو حلقة المعلومات. (2) تتضمن مفارقات الاتساق توليد عدم اتساق محتمل، و(3) يبدو أنَّ مفارقة نيوكومب Newcomb تمنع الإرادة الحرة. لذلك إذا كانت السببية ذات الأثر الرجعي (والسفر عبر الزمن) ممكنة منطقياً، فيجب على المرء أن يُظهر إمكانية حل المفارقات، وبالتالي فإنَّ الحجج القائمة عليها غير صالحة.

1.3 مفارقات التمهيد

تنشأ مفارقات التمهيد في الحالات التي يكون لديكّ فيها سلسلة سببية تتكون من أحداث معينة يتسبب فيها “a” في “b” و ” b” يتسبب في ” c” و ” c” يسبب ” a”. وتكمن المشكلة هنا في أنَّ حدوث ” a” يفترض مسبقاً حدوث “c”، وبمعنى آخر، يفترض السبب نتيجته. ولكن كيف يمكن افتراض شيءٍ لما يفترضه في حدّ ذاته؟ يبدو هذا متناقضا ًفي الواقع؛ لذلك يعتقد بعض الفلاسفة أنَّ هذا يجعل فكرة الحلقة السببية غير متسقة. ويعتقد هيو ميلور Hugh Mellor أنَّه:

من الممكن استبعاد إمكانية الحلقة السببية مسبقاً، وبالتالي يمكن أن تستلزم المسارات شبه الزمنية المغلقة زمناً مغلقاً، وسفراً عبر الزمن إلى الوراء وجميع أنواع السببية ذات الأثر الرجعي. (1991: 191).

ويمضي دليله على النحو التالي: خذ أربع سلاسل من الأحداث، ويتكون كلّ منها من ثلاثة أحداث معينة “a، b، c”، وكلّها رموز مختلفة من نوع الأحداث ذاتها “a، b، c”. ثم نُنشأ سلسلة من هذا القبيل:

1- b⇒c⇒a

2- ∼b⇒∼c⇒∼a

3- b⇒c⇒∼a

4- ∼b⇒∼c⇒a

وقد يطلق على التسلسلين الأولين اسم السلاسل “G”  والسلسلتين الأخريين اسم السلاسل “H”. علاوة على ذلك، يفترض ميلور أنَّ جميع الرموز المميزة لـ A، B، C. موزعة على السلاسل الأربع بحيث يكون عدد السلاسل متماثل تماماً، أي ربع التسلسلات. ويعرّف ميلور بعد ذلك العلاقة السببية بين حدثين منفردَيْن ” a” و” b” من حيث الحالة ” K” التي تجعل من حدوث ” b” عند وجود ” a” أكثر احتمالاً من حدوثها في حال عدم وجود ” a”، أيP(b∣a)>P(b∣∼a) . ولكن يمكننا أن نرى أنَّ عدد السلاسل التي تُدمج فيها “b” مع “a” يساوي عدد السلاسل التي لا تُدمج فيها “b” مع “a”. ولدينا في الواقع P(b∣a)= P(∼b∣∼a)= P(b∣∼a)= P(∼b∣a). ويترتب على ذلك أنَّ فرصة “b” معينة في “k” لا يمكن أن تزيد فيما يتعلق بـ”a” مقارنةً بفرصتها من دون “a”. ومن ثم لا يمكن أن تؤثر “a” في “b”، وتكون الحلقة السببية بالتالي مستحيلة.

ولم يجد بعض الفلاسفة أنَّ هذه الحجة مقنعة للغاية. وأشار فاي (1994) إلى القضايا الإشكالية التالية: يقيس ميلور أولاً احتمالية الأحداث الفردية (الميول) بدلاً من احتمال حدوث أنواع معينة من الأحداث. ولا يفرق ثانياً بين الظروف التي يكون فيها “B” ناجماً عن “A” وتلك التي لا ينتج فيها “B” عن “A”. وتكون الحجة صحيحة فقط إذا كان بالإمكان إثباتها وعدم وضع شروط لها، وأنَّ يكون حدوث (1) و (3) محاطاً بالحقائق ذاتها.

وقد يقول الكثير من الناس: إنَّ العالم (1) يجب أن يكون مختلفاً عن عالم (3) في بعض النواحي المهمة الأخرى لمجرد احتواءه على a أو ∼a، خاصةً وأنَّ ميلور يدعي أنَّ الحجة صالحة للمواقف الحتمية أيضاً. ويبدو ثالثاً أنَّ التوزيع المتساوي للسلاسل المختلفة انتقائياً تماماً. وفي عالم G & H عند ميلور، الذي يكون فيه عدد السلاسل الأربعة متساوياً، وتكون الاحتمالات بالتالي متساوية، لا يمكن أن تكون هناك أيّ علاقة سببية بين الفرد “b” والفرد “a” نظراً لحقيقة أنَّ ظهور “a” أو a∼ يحدث في الظروف ذاتها تماماً التي تحدث فيها “b”.

رابعاً وأخيراً: يبدو من المناسب الادعاء بأنَّ أيّ حجة سلبية، كتلك التي قدمها ميلور، يجب أن تكون قادرة على إظهار أنَّ ما ينطوي على صدق في عالمٍ واحد يمكن إثبات أنَّه ينطوي على صدق في كلّ عالم آخر مشابه من جميع النواحي ذات الصلة، ولكن توزيع السلاسل “G” والسلاسل “H” لا يكون بالتساوي.

ومن الواضح أنَّ أيّ عالم يحتوي على سلاسل “G” بدلاً من سلاسل “H” لا يُظهر التناقض نفسه الذي يظهره عالم G & H عند ميلور. وإذا أمكن إثبات أنَّ الحلقة السببية في مثل هذه العوالم متسقة مع التعريف المعتمد، فإنَّ الحلقة السببية ممكنة. وبعبارة أخرى، إذا أعددنا نموذجاً ثابتاً تزيد فيه “A” من احتمالية “B”، وتزيد “B” من احتمالية “A”، نكون قد برهنا على أنَّ الحلقة السببية ممكنة وأنَّ حجة ميلور غير صالحة. وبالتالي فإنَّ الادعاء هو أنَّ:

i- P(A∣B)>P(A∣∼B)

ii-P(B∣A)>P(B∣∼A),

يمكن إثبات صدقهما فيما يتعلق بعالم يحتوي على سلاسل “A” وسلاسل “B”. وافترض أنَّ الاحتمالات التالية التي تنطوي على الامور الموزعة بين A و ∼AوB و∼B، هي:

P(A&B)=0.7

P(A&∼B)=0.1

P(∼A&B)=0.1

P(∼A&∼B)=0.1.

نحصل على أساس تعريف الاحتمال الشرطي على:

وبالتالي فإنَّ كلّ من (i) و (ii) صادقتين فيما يتعلق بالعالم المذكور؛ ومن ثم فقد برهنّا وفقاً لتعريف ميلور للسببية على أنَّه من المتسق الحديث عن الحلقة السببية. ولم يكن ميلور قادراً على إثبات أيّ حجة مسبقة مقنعة ضد الحلقة السببية أو السببية ذات الأثر الرجعي.

حتى إنْ افترض المرء علاوة على ذلك أنَّ ميلور كان محقاً في استبعاد الحلقة السببية مسبقاً، فقد يكون مخطئاً في افتراض أنَّ هذه الاستحالة تستلزم استحالة السفر عبر الزمن بالإضافة إلى السببية ذات الأثر الرجعي. وتفترض حجة ميلور أنَّ نوع العمليات ذاتها يخضع لنوع القوانين الفيزيائية العيانية ذاتها التي تدخل في كلّ من الجزء المتقدم وذات الأثر الرجعي من الحلقة السببية. وقد ينطبق هذا الافتراض على السفر عبر الزمن وليس السببية ذات الأثر الرجعي.

2.3 مفارقات الاتساق

تنبثق مفارقات الاتساق عندما تحاول على سبيل المثال، قتل نفسك الأصغر سناً من خلال عملية سببية ذات أثر رجعي ولكن من الواضح أنَّك لابد أن تفشل. والسبب الذي قد يجعلكَ تفشل واضح تماماً. إذ تنتمي نفسك الأصغر سناً إلى الماضي، وبالتالي نظراً لأنَّه لا يمكنك تغيير الماضي، فلا يمكنكَ أن ترتكب الانتحار الرجعي. وتفترض هذه الإجابة ضمنياً أنَّ القيامة مستحيلة، ويمكنك بالطبع أن تقتل نفسك الأصغر سناً في الماضي دون تغيير الماضي إذا عدتَ للحياة مرةً أخرى لاحقاً.

وهذا ليس من قبيل المفارقة، بل تتمثل المفارقة في حقيقة أنكَ تفترض قدرتكَ على قتل نفسك الأصغر، بمعنى أنَّك معدٌّ جيداً للقيام بمثل هذه الأنواع من القتل الرجعي، إلى درجة أن تستهدف نفسكَ الأصغر سناً، ولكن لابدّ أن تخفق دائماً. وينطبق الشيء ذاته في الواقع، على كلّ أولئك الذين بقوا على قيد الحياة في الوقت الحاضر. ولا يمكنكَ أنْ تقتل رجعياً بالأمس شخصاً ما زال على قيد الحياة اليوم. ويجب أن تكون هناك قيود معينة تمنعكَ من القيام بالانتحار الرجعي أو القتل الرجعي، وقد تخص هذه القيود حالة معينة، وتتغير من حالة إلى أخرى أو قد تكون كلية بطبيعتها اعتماداً على بعض القوانين المادية. ولذلك يكون الافتراض أنَّه من الممكن مادياً أن تقتل شخصاً ما في الماضي من ناحية، ولكن من المستحيل مادياً أن تفعل ما هو ممكن مادياً من ناحية أخرى، وهذه هي المفارقة.

واقترح ديفيد لويس David Lewis (1976) طريقةً للخروج من هذه المفارقة، وهو القائل: إنَّ القدرة على قتل شخص ما ينبغي فهمها كإمكانية متوافقة مع الواقعة ذات الصلة. وبصفتكَ مغني أوبرا على سبيل المثال، يمكنكَ غناء الأوبرا؛ نظراً لأنَّ لديك القدرة البدنية والتدريب على القيام بذلك، ولكن بسبب فقدان الصوت مؤقتاً، لا يمكنكَ أن ترنم نغمةً واحدة. وما يمكنكَ فعله بالنسبة لمجموعة واحدة من الحقائق، هو شيء لا يمكنكَ القيام به بالنسبة لمجموعةٍ أخرى من الحقائق.

ويشرح هذا الحل السياقي سبب قدرتكَ على قتل نفسكَ الشابة بأثرٍ رجعي، نظراً لحقيقة أنَّ بندقيتكَ تعمل كما يجب، ولديكَ هدفٌ وجيه لتحقيق هدفكَ، ولا يجبركَ أحد على الامتناع عن اتخاذ أيّ إجراء. ولكنه يشرح أيضاً سبب عدم قدرتكَ على قتل أيّ شخص على قيد الحياة اليوم؛ لأنَّك لا تستطيع تغيير الماضي. ولا توجد مفارقة الاتساق إلا بموجب المراوغة في كلمة “يستطيع” الحساسة للسياق، وإذا لاحظنا ذلك، فإنَّنا نرى أنَّ المفارقة تتلاشى كتلاشي الندى أمام الشمس.

وقد يجيب البعض بأنَّنا ما زلنا نتحدث عن قدرات مختلفة. وعلى عكس الحالة التي يتعذر فيها على مغني الأوبرا أحياناً الغناء، فإنَّ محاولتكَ للقيام بالانتحار الرجعي تفشل حتماً. فمغني الأوبرا قادرٌ على غناء الأوبرا؛ لأنَّه أظهرها من قبل ويمكنه إثبات ذلك مرة أخرى، لكن محاولة القاتل الرجعي لم تُثبت ولن تستطيع أبداً إثبات قدرته. ولذلك فأنتَ لستَ في وضع يمكنكَ فيه قتل نفسكَ الأصغر سناً. وإذا قبلنا هذا الاعتراض، فقد نعيد صياغة الحل بالقول: إنَّ الحل السياقي يشرح لماذا ينبغي أن تكون قادراً على قتل نفسك الأصغر سناً في ظل الظروف المناسبة.

ولكن كيف يمكننا التحدث مرةً أخرى عن القدرة على القيام بالانتحار الرجعي بالنسبة إلى حقائق معينة على الإطلاق، إذا لم تكن هناك عوالم محتملة تقوم فيها بعملك. ويبدو من المعقول أنْ تقول: إنَّ لديك القدرة على فعل شيء ما إذا كان هناك عالمٌ محتمل تقوم فيه بهذا الفعل. وهذا يصدق على مغني الأوبرا الذي يمكنه غناء الأوبرا؛ لأنَّه يفعل ذلك في عالمٍ محتمل لم يفقد فيه صوته. ولكن لا يمكنكَ القيام بالانتحار الرجعي؛ لأنَّه لا يوجد عالم محتمل تقتلُ فيه نفسك الأصغر سناً. أنت عاجزٌ حتى من حيث المبدأ على القيام بذلك.

وباختصار، إنَّ مفارقة الاتساق ليست مفارقة طالما أنَّك لا تصرّ على تغيير الماضي، وأنت عاجزٌ عن تغيير الماضي، وبالتالي لا يمكنكَ أن ترتكب القتل الرجعي بحقّ أيّ شخص على قيد الحياة عندما تحاول قتله. ويبدو أنَّ المفارقة تظهر فقط لكونكَ تعتقد خطأً أنَّكَ قادرٌ على القيام بشيءٍ تعجز عن القيام به.

والآن إذا لم تكن هناك مفارقة على المستوى المفاهيمي، فما الذي يجعل الانتحار الرجعي مستحيل مادياً؟ يمكن أن تكون هناك حقائق محلية أو حقائق عالمية، وهناك العديد من الحقائق المحلية التي يمكن أن تقيد ارتكابك لفعل القتل الرجعي. كأن ترتجف يدك أثناء إطلاقكَ للرصاص، ولديكَ ذبابة في عينكَ، وأزعجتك قطة، وأغمي عليك للتو، وما إلى ذلك. وتبدو هذه الحقائق المقيدة معقولة في حدّ ذاتها، وكان من الممكن أن تحدث بشكلٍ مستقل عن قدرتكَ الإجمالية على قتلِ شخصٍ ما في الماضي، ولكنها تتفاعل أيضاً في الموقف الفعلي مع قدرتكَ وتحول الفعل إلى حدثٍ غير ناجح.

والمشكلة أنَّ مثل هذا الشرح يبدو مريباً. والحقيقة العامة هي أنَّنا لا نستطيع أن نرتكب القتل الرجعي بحقِ أيّ شخص على قيد الحياة بعد وقت الوفاة المزعوم. وبالمثل تكون الحقيقة العامة في افتراض أنَّ السببية ذات الأثر الرجعي (أو السفر عبر الزمن) ممكنة مادياً، ويمكننا أنْ نرتكب القتل الرجعي بحقِ أيّ شخص ليس على قيد الحياة بعد وقت حدوث الوفاة المزعومة. ولكن شرح حقيقة عامة يتطلب الاحتكام إلى حقيقةٍ عامة أو قانوناً للطبيعة. وبالتالي، فإنَّ الإشارة إلى حقيقة عرضية فردية لتوضيح سبب عدم نجاحكَ أبداً في قتل نفسك الأصغر سناً لا يبدو أنَّها تفي بمتطلبات الشرح.

ويمكن فهم المشكلة بشكلٍ أفضل بالطريقة التالية: في كلّ مرةٍ تحاول فيها أن ترتكب القتل الرجعي بحقِ شخص ما ليس على قيد الحياة بعد الوقت الذي حدث فيه التأثير المزعوم للقتل، ربما يفشل اغتيالكَ بسبب اهتزاز يدك، وما إلى ذلك. وتشرح حقائق معينة سبب اخفاقك الفعلي في إصابة الهدف الذي تمكنتَ من إحرازه من حيث المبدأ. ولكن القول بقدرتكَ من حيث المبدأ على تنفيذ القتل الرجعي يعني أنَّ هناك قوانين طبيعية تسمح لك عادةً بتنفيذ مثل هذا الفعل في الظروف المناسبة. وفي كلّ مرةٍ تحاول فيها بالمثل ارتكاب القتل الرجعي في حقِ شخص ما على قيد الحياة بعد حدوث الوفاة المزعومة، قد تفشل لسببٍ أو آخر. ولكن يجب أن تفشل دائماً في ارتكاب القتل الرجعي في حقَ شخص ما على قيد الحياة بعد قيامكَ بفعلك، أيّ أنَّك عاجزٌ من حيث المبدأ على ارتكاب القتل الرجعي في حقِ هذا الشخص.

ومن المستحيل مادياً في هذه الحالات، أن تقتل نفسك الأصغر سناً على سبيل المثال. لذلك يبدو أنَّ هناك بعض قوانين الطبيعة التي تعمل على المستوى المحلي أو المستوى العالمي، تنتهك مثل هذا الفعل وتجعله مستحيل مادياً.

ويمكن العثور على حلٍ محتمل في نتيجة حديثة توضح أنَّ السمات الأساسية لميكانيكا الكم قد تضمن عدم قدرتنا على تغيير الماضي، حتى لو كان من الممكن التفاعل مع الماضي. ويتخيل الفيزيائيان، دانيال غرينبرغر Daniel Greenberger وكارل سفوزيل Karl Svozil (2005 في مصادر الإنترنت الأخرى)، شكلاً من أشكال الاستجابة الميكانيكية الكمومية من خلال إدخال مقسمات الشعاع التصويري الأحادي، أيّ تسمح المقسمات بعكس حلقة الاستجابة؛ لأنَّ عدد منافذ الدخول ومنافذ الخروج لديها هو ذاته.

ونعلم من ميكانيكا الكم أنَّ الجسم قد يتصرف مثل الموجة وأنَّ عاملاً موحداً يصف انتشار النظام المادي. ويُمثل النظام بواسطة دالة موجية، ويشار إليها أيضاً باسم المسار، ويُحسب التطور الزمني للنظام على أنَّه خلاصة جميع المسارات الممكنة من الحالة الأولية إلى الحالة النهائية.

وعادةً ما يقتصر هذا الحساب على الاتجاه المتقدم للزمن. وإذا فكرنا الآن في بعض المسارات على أنَّها تتكشف بالرجوع عبر الزمن، فإنَّ غرينبرغر وسفوزيل قادران على إثبات أنَّ مسارات المكون المتقدم والرجعي للحلقة تكون مستبعدة، أو أنَّ الناشر الذي ينشئ استجابات عبر الزمن، “يمحو العقود الآجلة البديلة الممكنة، وبالتالي يضمن المستقبل الذي حدثَ بالفعل”. ومن ثم إذا كان بإمكانكَ أن تستهدف شيئاً ما في الماضي، فإنَّ قوانين الطبيعة تمنعكَ من التصرف بطرقٍ تتعارض مع ما يجعل المستقبل على ما هو عليه (ما أصبح عليه بالفعل). واستنتاج المؤلفين هو أنَّك إذا عدتَ بالزمن إلى الوراء أو أثّرتَ في “الماضي الكمي ميكانيكياً، فلن ترى سوى تلك البدائل المتسقة مع العالم الذي تركتُه وراءك”.

3.3 مفارقة نيوكومب

تتضمن هذه التجربة الفكرية لاعباً يلعب لعبة مع العرّاف، ويوجد في هذه اللعبة صندوقان يمكن للاعب اختيار أحدهما أو كليهما. وأحد هذين الصندوقين شفاف ونسميه “A”، والآخر معتم ونطلق عليه “B”. وقبل أن يقدم اللاعب اختياره يضع العرّاف بناءً على توقعه لاختيار اللاعب، مبلغاً معيناً من المال في صندوق واحد أو كلا الصندوقين. وعندما يقوم اللاعب باختياره، تتوفر له المعلومات التالية: 1) حتى الآن كان العرّاف قادراً على التنبؤ بالمستقبل بثقةٍ مطلقة وتوقعَ ما يختاره اللاعبون الآخرون.

وعلاوة على ذلك: 2) أحياناً يضع العرّاف مليون دولار في الصندوق “B”، ولكن فقط إذا اختار اللاعب الصندوق “B” ولم يأخذ كلا الصندوقين، بينما يضع ألف دولار في الصندوق “A”، بغض النظر عمّا إذا كان اللاعب يختار الصندوق “A” أو كلا الصندوقين. ولذلك عندما يتعين على اللاعب الاختيار بين الصندوقين، يُحدد ما إذا كان الصندوق “B” يحتوي على مليون دولار أو لا شيء. وإذا كان العرّاف صادقاً في تنبؤه، فإنَّ اللاعب سيحصل على مليون دولار، فقط إذا اختار الصندوق “B”، ومع ذلك، إذا أراد اللاعب أن يكسب مليون وألف دولاراً واختار كلا الصندوقين، فسوف يفقد معظم الثروة وسيحصل فقط على ألف دولار، وهو ما يمكنه رؤيته بالفعل في الصندوق “A”.

واقترح هذا اللغز في الأصل ويليام نيوكومب William Newcomb ولكنه لم يُنشر مطلقاً. ونوقشَ كثيراً في نظرية القرار بعد أن نشره روبرت نوزيك Robert Nozick (1969) لأول مرة. ولكنه نوقشَ أيضاً في سياق السببية ذات الأثر الرجعي؛ لأنَّه يعطي توضيحاً بارعاً لبعض المشكلات الفلسفية التي تنشأ فيما يتعلق بالسببية ذات الأثر الرجعي. واستُخدمَ في هذا النقاش لإثبات ادعاءات مختلفة ومنها أنَّ السببية ذات الأثر الرجعي مستحيلة أو أنَّها تعني القدرية أو الحتمية.

ويمكن العثور على أقدم مناقشة لبعض عواقب السببية ذات الأثر الرجعي والإرادة الحرة عند جورج شليزنجر George Schlesinger (1974) وفي المناظرة بين دون لوك Don Locke (1978 ، 1979) وأندريه غالوا André Gallois (1979). وجادل شليزنجر هنا بأنَّ هناك حججاً جيدة لأخذ كلا الصندوقين، “A” و “B”، وحجج جيدة أيضاً لأخذ الصندوق “B” فقط، في حين أكّدَ لوك أنَّ السببية ذات الأثر الرجعي غير ذات صلة ويجب على اللاعب أنْ يأخذ كلا الصندوقين. ومع ذلك يعتقد جالوا أنَّ حجج لوك في أخذ كلا الصندوقين خاطئة.

ويمكن تقديم حجتين متعارضتين لما ينبغي على اللاعب أنْ يقرره. وبافتراض أنَّ اللاعب لديه إرادة حرة، يبدو من المنطقي أن نقول: إنَّ العرّاف لا يمكنه من حيث المبدأ التنبؤ بما سيفعله اللاعب. وعندما يقوم اللاعب باختياره، يُحدد ما إذا كان الصندوق “B” يحتوي على مليون دولار أو لا شيء. ولذلك لا يمكن أن يتأثر اختياره بتنبؤات العرّاف، وسيكون أفضل حالاً باختيار كلا الصندوقين، على أمل أن يكون هناك بالفعل مليون دولار في الصندوق “B”. وتؤكد الحجة الأخرى والتي تخبرنا أنَّ العرّاف كان دائماً على صواب بشأن تنبؤاته، سيكون من المنطقي للغاية للاعب بناءً على الخبرة السابقة أن يأخذ “B” فقط.

ومن هنا اختلف الفلاسفة بشأن قوة الجدل. ويمكن للمرء أن يصرّ على أنَّ العرّاف يمكن أن يتنبأ باختيار اللاعب فقط بناءً على المعرفة ذات الصلة بسلوك هذا الشخص في الماضي أو الحاضر أو ​​حالته الذهنية (التوافقية). ويمكن للمرء أن يجادل بدلاً من ذلك، بأنَّ العرّاف يمكن أن يكون لديه مثل هذه المعرفة الكاملة فقط من المعلومات المتعلقة باختيار اللاعب في المستقبل.

ومع ذلك، فقد قيل أنَّ مفارقة نيوكومب توضح أنَّ السببية ذات الأثر الرجعي أمرٌ مستحيل. ويتخيل شليزنجر (1980:75 ff.)، على سبيل المثال، قاضياً مثالياً يُسمح له بالتحقق من الصندوقين بعد أن يضع العرّاف الأموال فيها، ولكن قبل أنْ يتخذ اللاعب قراره. ومن الواضح أنَّه إذا قام القاضي المثالي بإبلاغ اللاعبة بمحتوى الصندوقين، فلدينا حالة يتسبب فيها توقع العرّاف في قيام اللاعب باختيار كلا الصندوقين حيث يتم إبلاغه بمبلغ مليون دولار في الصندوق “B”. وسيكون هذا مثالاً واضحاً بالفعل على حالة الخداع عند بلاك، لكن شليزنجر يجادل أيضاً بأنَّ الشيء ذاته ينطوي على الصدق، إذا كان القاضي المثالي يعرف ذلك فقط من دون إبلاغ اللاعب.

ومع ذلك من الصعب أنْ نفهم لماذا ينبغي أن تكون هذه هي النتيجة. وإذا افترضنا أنَّ اللاعب لديه إرادة حرة وأنَّ العرّاف قادرٌ على التنبؤ بنتيجة اختيار اللاعب، فيبدو أنَّه من المنطقي أن يتعلم اللاعب من الخبرة ويختار الصندوق “B” فقط بدلاً من أن يكون جشعاً ويأخذ كليهما. وطالما أنَّ القاضي المثالي صامت، فإنَّ معرفته بمحتوى الصندوقين لا يبدو أنَّها قادرة على التأثير في قرار اللاعب. ولا يبدو أنَّ معرفة اللاعب المحتملة بوجود قاضٍ مثالي لها أيّ تأثير في قراره؛ لأنَّ هذه المعلومات لا تضيف أيّ شيء إلى المعلومات التي لديه بالفعل؛ أي أنَّ العرّاف قد وضع المال في الصناديق قبل أن يتخذ قراره وأنَّه لم يفشل أبداً في التنبؤ بالنتيجة مسبقاً.

وتبدو المشكلة الأخرى لتلك المفارقة في إشارتها إلى أنَّ السببية ذات الأثر الرجعي تعني الجبرية والحتمية. وإذا كانت السببية ذات الأثر الرجعي ممكنة، فلا يمكن أن تكون لدينا إرادة حرة. في حال كان من الممكن التنبؤ بنتيجة فعل اللاعب؛ لأنَّه يصدق بالفعل اليوم ما سيختاره اللاعب غداً، فلا يمكن أن يكون حراً في الاختيار. وإذا كان العرّاف يعرف بالفعل أنَّ اللاعب سيختار كلا الصندوقين، فيجب أن يكون هذا صادقاً ولا يمكن للاعب أن يفعل غير ذلك. وفي حال كان العرّاف يعلم بالفعل أنَّ اللاعب سيختار الصندوق “B” فقط، فيجب أن يكون هذا صادقاً، ولا يسع اللاعب سوى القيام بذلك، ومع ذلك يبدو أنَّ هذه الحجة مضللة.

وتنبثق القوة البديهية للحجة من الفرضية العامة التي تقول: إنَّ السببية ذات الأثر الرجعي تفترض مستقبلاً مغلق وجودياً – وهو الموقف الميتافيزيقي من الزمن الذي يُطلق عليه عادةً اسم الأبدية. ومن ثم فهي ليست حجة ضد السببية ذات الأثر الرجعي فحسب، بل ضد الأبدية أيضاً. ولنفترض الآن أنَّ ما سيحدث غداً صادق أو كاذب بالفعل؛ فيجب أن يكون هناك إذن بعض صانعي الحقائق المستقبليين الذين يقررون أنَّ ما سيحدث الآن صادق أو كاذب. وتُظهرَ النتيجة أنَّ ما سيفعله اللاعب غداً قد حُدد بالفعل اليوم، ومن ثم لا يمكن للاعب أن يفعل غداً خلاف ما هو صادق اليوم. لذلك لا يمكن أن يكون لدى الاعب حرية بالاختيار، ويبدو أنَّه من العبث أن يتخذ أيّ قرار.

ومع ذلك، يمكن التأكيد على أنَّ اللاعب لازال يمتلك خياراً حراً، ولا يوجد لدى العراف ما يجعل اللاعب يتخذ قراراً معيناً، وهو حرٌ كما لو لم يكن لديه توقع، وما يستطيع العرّاف توقعه ناجمٌ عن اختيار اللاعب. ومع ذلك قد يكون الاختيار بحدّ ذاته حراً. علاوة على أنَّ المرء لا يمكنه القول: إنَّ نتيجة اختيار اللاعب هي التي تسبب قراره، ما لم يستبدل بالسببية المتقدمة السببية ذات الأثر الرجعي. وتكون العبارة المتعلقة بنتيجة قراره صادقة وفقاً للعرّاف، بسبب القرار الخاص الذي يتخذه اللاعب؛ وتكون العبارة المتعلقة بقرار اللاعب غير صحيحة بسبب نتيجة قراره.

وبالتالي، حتى فيما يتعلق بالعرّاف، يمكن اعتبار قرار اللاعب حراً بمعنى أنَّه لا يوجد شيء في الماضي ولا في المستقبل يحدد ما سيصبح عليه القرار في الواقع. وقد يكون السبب في قدرة العرّاف على الادلاء بتنبؤاته هو أنَّ اختيار اللاعب يدفع بمسار المعلومات إلى الوراء عبر الزمن.

والفلاسفة الذين يرفضون الأبدية قد لا يتخلوا عن النقاش هنا، ويمكن أن يجادلوا بأنَّه قد يكون من الجيد جداً ألا يُحدد اختيار اللاعب سببياً في هذه الحال من خلال الأحداث الماضية أو الأحداث المستقبلية. ومع ذلك، تتضمن الأبدية أنَّ قرار اللاعب محدد وجودياً قبل أن يُتخذ؛ لأنَّ ما يصدق اليوم سيقرره غداً. لذلك فهو ليس حراً كما لو كان المستقبل متاح وجودياً، أي أنَّه لم يحدد بعد ما سيكون عليه المستقبل وجودياً، بما في ذلك اختيار اللاعب. وقد يحاول الأبدي دحض هؤلاء النقاد بالقول: إنَّه طالما أنَّ قرار اللاعب لم يُحدد سببياً، فهو حرٌ بأيّ معنى من المعاني.

4. الفيزياء في السببية ذات الأثر الرجعي

يثير مفهوم السببية ذات الأثر الرجعي مجموعةً مختلفة تماماً من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة قبل تطوير فكرة مناسبة مادياً.

1- ما الذي يمكن أن يميز السببية ذات الأثر الرجعي من الناحية المادية؟

على المرء أن يتذكر أنَّ السببية في حدّ ذاتها فكرة يومية ليس لها تطبيق طبيعي في الفيزياء. وتعتمد الطريقة التي يمكننا أن نحدد بها العمليات السببية ذات الأثر الرجعي مادياً إلى حدٍ كبير على الميزة التي نطبق بموجبها مفهومنا العادي عن السببية على عملية فيزيائية. وقد نميلُ في الفيزياء إلى ربطها بمفاهيم العمليات الفيزيائية المختلفة. وقد طُرحتْ أربعة اقتراحات: (أ) يمكن تحديد العلاقة السببية بانتقال الطاقة، (ب) يمكن تحديدها مع الحفاظ على الكميات الفيزيائية مثل الشحنة والزخم الخطي والزاوي؛ (ج) يمكن تحديدها بتفاعل القوى أو (د) يمكن التعرف عليها من خلال مفهوم التفاعل المجهري. ومع ذلك يبدو فيما يتعلق بجميع الاقتراحات الأربعة، أنَّ الأوصاف المتضمنة ثابتة في ظل عملية الإنعكاس الزمني.

إنَّ أكثر قوانين الطبيعة جوهرية هي ثابت الانعكاس الزمني، بمعنى أنَّ نظرياتنا الفيزيائية تسمح بوصف التفاعلات والعمليات الأساسية من حيث النظام الزمني المعكوس. ويُقال: يمكن عكس هذه العمليات عبر الزمن. حيث تسلّم نظرية ماكسويل للكهرومغناطيسية على سبيل المثال بنوعين من الحلول الرياضية للمعادلات التي تصفُ إشعاع الطاقة في المجال الكهرومغناطيسي.

وأحدهما يُسمى الحل المتخلف حيث يظهر الإشعاع على شكل موجات صادرة متحدة المركز، ويُسمى الآخر الحل المتقدم الذي يظهر الإشعاع وفقاً له كموجات واردة متحدة المركز. ومن الواضح أنَّ الحل المتقدم يصف الظواهر المعاكسة زمنياً للحل المتخلف بحيث يُنظر إلى هذين الحلين عادةً على أنَّ أحدهما معاكس زمنياً للآخر. ومع ذلك، يبدو أنَّ الموجات المتخلفة مثل زيادة القصور الحراري في الأنظمة شبه المغلقة، غير قابلة للانعكاس بحكم الواقع على الرغم من وصفها من حيث قوانين الزمن الثابتة. ويبدو أنَّ الطبيعة تفضّل عمليات معينة بدلاً من نظيراتها المعكوسة زمنياً على الرغم من حقيقة أنَّ قوانين الطبيعة لا تُظهر مثل هذا التفضيل. وينتشر الضوء والإشعاع والتموجات على البركة دائماً خارج مصدرها بدلاً من الداخل تماماً مثل الانتقال الدائم لللقصور الحراري في نظام شبه مغلق من الحالات المنخفضة إلى الأعلى.

1.4 نظرية الامتصاص عند ويلر-فاينمان

لماذا لا نرى أيّ موجات متقدمة في الطبيعة؟ توصل جون أرشيباك ويلر J. Wheeler وريتشارد فاينمان R.Feynman (1945) إلى إجابة. فإذا افترضنا على حدّ قولهما، أنَّ الإشعاع الصادر عن جسيم مشحون متسارع معزول متخلف ومتقدم بشكل متساوٍ، أي نصف متخلف ونصف متقدم على وجه الدقة، يمكننا أن نشرح سبب ظهوره على أنَّه متخلف تماماً من حيث التأثير الذي تصنعه الماصات البعيدة في المصدر. ويتكون الامتصاص من مادةٍ مشحونة تتفاعل مع مجال المصدر عن طريق الإشعاع بموجات نصف متخلفة ونصف متقدمة. وهذا هو المجال نصف المتقدم للجسيمات المشحونة للامتصاص الذي يضاف إلى مجال المصدر نصف المتخلف.

وتتداخل الموجات المتقدمة للامتصاص بشكلٍ بناء مع موجات المصدر المتخلفة، بينما تستبعد الموجات ذاتها موجات المصدر المتقدمة في تداخل غير بناء. وبالتالي فإنَّ إحدى نتائج نظرية الامتصاص عند ويلر وفاينمان هي فكرة أنَّ البواعث متناظرة جوهرياً، والنتيجة الأخرى هي أنَّه لا يوجد فرقٌ جوهري بين ما يسمى بالبواعث وما يسمى بالامتصاص. وبعبارةٍ أخرى، إذا كانت هذه النظرية صحيحة، فعلينا أن نستنتج أنَّ الإشعاع الصادر من المصدر يمثل عملية متناظرة زمنياً، غير أنَّ وجود الامتصاص يجعلها غير متناظرة.

وتعتبر نظرية ويلر- فاينمان أنَّ الموجات الخارجة والممتدة متطابقة مع الإشعاع المتخلف والموجات الواردة والمتقلصة مع الإشعاع المتقدم. ولكن ألا يخلو هذا التحديد من المصاعب؟ ليس تماماً. ويوضح المثال المتعلق بالانبعاثات المتخلفة والمتقدمة السبب بوضوح. فكرْ في حجرٍ يُلقى مباشرة في منتصف بركة دائرية، حيث تتحرك الموجات باتجاه الخارج من النقطة التي يصطدم فيها الحجر بالماء (المصدر) على شكل موجة متماسكة ومنظمة تتقدم وتصل في النهاية إلى الحواف (الامتصاص).

ولكن إن كان المصدر يعمل في وقت سابق على الامتصاص، فكيف ستبدو العملية العكسية؟ يعتمد ذلك على كيفية فهمنا لمثل هذه العملية، سواء اعتبرنا أنَّ الحالة تتضمن مصدراً معكوساً وامتصاصاً معكوساً أم لا. (أ) إذا كانت تنطوي عليهما، فستعمل حواف البركة الآن كمصدر وستصل الموجات المتقاربة في النهاية إلى منتصف البركة. وقد نخلق شيئاً كهذا إذا أسقطنا حلقة كبيرة أفقياً في البركة. وتتحرك الموجات داخل الحلقة إلى الداخل في مقدمة موجة منظمة باتجاه المركز.

ولايزال المصدر (قطرة من الحلقة) يعمل في هذه الحالة في وقتٍ سابق على الامتصاص (تلتقي الموجات في منتصف البركة من جميع الجوانب). (ب) ولكن إذا كان فهمنا للعملية العكسية لا يشمل تبادل المصدر مع الامتصاص والعكس صحيح، فإنَّ الموجات تصل إلى حواف البركة (الامتصاص) قبل أن يغرق الحجر في الماء (المصدر). وهذه بالتأكيد ليست حالة من حالات الأشياء التي يمكننا أن نحققها. وعلاوة على ذلك، إذا راقبنا مثل هذه العملية، فإنَّ الموجات ستبدو وكأنَّها تتحرك إلى الداخل كموجاتٍ انكماشية. وتكمن المشكلة في أنَّ كلا النوعين من العمليات العكسية قد يبدو لنا وكأنَّهما موجات واردة منظمة، لكن أحدهما سيكون حالة إشعاع متخلف والآخر حالة إشعاع متقدم.

وقد لا يكون هذا هو الافتراض الإشكالي الوحيد لنظرية ويلر وفاينمان. حيث حددَ هيو برايس Huw Price (1996) مشكلاتٍ أخرى، ومن بينها السؤال عن كيفية اختبارنا للفرق بين الموجات المتخلفة والمتقدمة. وعندما عزا ويلر وفاينمان إلى المصدر حقل من الموجات نصف المتخلفة ونصف المتقدمة، افترضا أنَّ الحقل يتكون في الواقع من مكون متخلف ومتقدم. ولكن برايس يعترضُ بأنَّه لا يوجد فرق قابل للقياس بين هذين النوعين من الموجات، ولا يمكننا تبرير مثل هذا التمييز من خلال مناشدة طبيعة المصدر؛ لأنَّ كلا من الانبعاث والامتصاص يمكن أن يقترن بالموجات المتخلفة وكذلك المتقدمة.

ويعتقد بدلاً من ذلك أنَّ هذه المكونات خيالية وأنَّ صورية ويلر وفاينمان لا تقدم سوى وصفين مختلفين للموجة ذاتها. ويرى أنَّ مشكلة عدم التناظر لا علاقة لها بحقيقة أنَّ المرسلات مرتبطة بالإشعاع الصادر وليس الإشعاع الوارد، بل إنَّ المرسلات تتركز على جبهات موجية صادرة منظمة بينما المستقبلات لا تتمحور على جبهات موجات واردة منظمة مماثلة .

2.4 التاكيونات في السببية ذات الأثر الرجعي

عندما بدأت تظهر مناقشة التاكيونات في الفيزياء في الستينيات، سرعان ما لوحظ أنَّ مثل هذه الجسيمات وفقاً لبعض الأطر المرجعية كانت مرتبطة بالطاقات السلبية المتراجعة عبر الزمن. ولفهم الكيفية، ضع باعتبارك مسار التاكيون ذاته فيما يتعلق بثلاثة أطرٍ مرجعية مختلفة، S وS* وS**  في مكان منكوفسكي Minkowski. وافترضْ الآن أنَّ “A” تمثل فيما يتعلق بـ S، انبعاث تاكيون عند t1 و”B” هي امتصاص تاكيون عند t2. ووفقاً لمراقب فيS ، و”A”، سيكون “A”سابق على “B” وسيحمل تاكيون الطاقة الإيجابية المتقدمة عبر الزمن. ومع ذلك من الممكن دائماً اختيار إطار مرجعي S* والذي يرى المراقب بموجبه أنَّ “A” يحدث بالتزامن مع “B” ومع ذلك فإنَّ إطاراً مرجعياً آخر S** يرى المراقب بموجبه أنَّ “A” يحدث عند t2** بينما يحدث “B” عند t1**. ووفقاً للمراقب فيS*، ستحدث “A” بعد “B” وسيحمل تاكيون الطاقة السلبية المتراجعة عبر الزمن (انظر الشكل1).

    الشكل 1: مخطط الزمكان لتاكيون

وتمثل الخطوط في الشكل (1) الأسطح الفوقية للتزامن. وبالنسبة للإطار S، يكون مصدر تاكيون في حالة سكون، ويصدر تاكيون في الحدث”A”، بسرعةٍ فائقة ولكنها محدودة. وسيحدث امتصاص تاكيون والحدث “B”، وفقاً لذلك بعد “A” بالنسبة للمراقب في S، ولهذا السبب يشير سهم المسار إلى المستقبل فوق السطح الفائق الذي يمر عبر “A” ويقف بشكلٍ عامودي على خط العالم(*) من المصدر.

ولكن مصدر التايكون في حال السكون لا يتعلق بالإطار S* ولاS** ، وبالتالي فإنَّ الأسطح الفائقة مائلة فيما يتعلق بسهم المسار. ويلاحظ المراقب في S* سرعة لا نهائية للتاكيون، وبالتالي فإنَّ السطح الفائق مائل لدرجة تزامنه مع السهم. ويتحرك المراقب فيS**  بسرعةٍ كبيرة فيما يتعلق بمصدر التاكيون بحيث يصبح السطح الفائق مائل لدرجة أن يشير السهم إلى الماضي أسفل السطح الفائق.

وحاولَ إيراسمو ريكامي E. Recami (1978) تجنب فكرة أن تتمكن التاكيونات من التحرك متراجعة في الزمن من خلال إدخال ما يُسمى بمبدأ إعادة التفسير الذي ينبغي تفسير جميع تاكيونات الطاقة السلبية وفقاً له كما لو كانت لديها طاقة إيجابية وتتقدم في الزمن. وقد يعني هذا أنَّ الترتيب السببي للتاكيون لا ينبغي اعتباره موضوعياً؛ لأنَّ كلّ من “A” و “B” تشير أحياناً إلى الانبعاث وأحياناً الامتصاص اعتماداً على الإطار المرجعي. ومع ذلك توجدُ أسبابٌ وجيهة للاعتقاد بأنَّ هذا الاقتراح لا يحلّ المشكلات التي كان ينوي حلها (Faye 1981/1989).

3.4 ميكانيكا الكم والسببية ذات الأثر الرجعي

يمكن أن نستند إلى مرشحين فيزيائيين آخرين للسببية ذات الأثر الرجعي في أدبيات الفيزياء. حيث قدم فاينمان ذات مرة فكرة أنَّ الإلكترون يمكن أن يرجع بالزمن إلى الوراء كتفسيرٍ محتمل للبوزيترون (Feynman 1949). وتخيلَ في الواقع أنَّه ربما كان هناك إلكترون واحد فقط في العالم يتأرجحُ في الزمن ذهاباً وإياباً. ويحمل الإلكترون المتحرك إلى الوراء في الزمن طاقةً سالبة في حين أنَّ ما يتعلق بإحساسنا بالزمن العادي لديه شحنة موجبة وطاقة موجبة. ولكن القليل منهم يعتبر هذا تفسيراً قابلاً للتطبيق اليوم (Earman 1967a, 1976).

وقد فسر البعض تجارب نوع بيل في الآونة الأخيرة كما لو كان بالإمكان ربط الأحداث الكمومية بطريقةٍ تجعل مخروط الضوء السابق متاحاً في ظل تفاعل غير محلي؛ ليس فقط بمعنى الفعل عن بعد ولكن كعلاقة سببية ذات أثر رجعي. ومن أكثر التجارب إغراءً من هذا النوع هي (الممحاة الكمومية والخيار المتأخر Delayed Choice Quantum Eraser) التي صممهاYoon-Ho Kim  وآخرون. (2000).

وهي بناءٌ معقدٌ إلى حدٍ ما. ومعدّ لقياس أزواج الفوتونات المترابطة التي تكون في حالة التشابك، بحيث يُكتشف أحد الفوتونين قبل 8 نانوثانية من شريكه، وكانت نتائج التجربة مذهلة للغاية. ويبدو أنَّهم يشيرون إلى أنَّ سلوك الفوتونات اكتشف هذه الثماني نانو ثانية قبل أن يحددها شركائه عبر الطريقة التي سيُكتشفها بها الشركاء. وقد يكون من المغري بالفعل تفسير هذه النتائج على أنَّها مثالٌ عن المستقبل الذي يسبب الماضي، وهي نتيجة تتوافق على أي حال مع تنبؤات ميكانيكا الكم.

ومع ذلك، يجادلُ ديفيد إلرمان David Ellerman (2015) بأنَّ تفسير تجارب الاختيار المتأخر أو التجارب المماثلة على أنَّها تكشف عن حالات السببية ذات الأثر الرجعي أو العودة إلى السببية يعتمد على ما يسميه مغالطة الفصل:

رأينا مغالطة التفسير ذاتها في التجارب ذات الشقين؛ أي تجارب مقياس التداخل، ومحللات الاستقطاب، وتجارب شتيرن-غيرلاخ Stern-Gerlach. والعنصر المشترك في جميع الحالات هو أنَّ هناك بعض أجهزة الفصل التي تضع الجسيم في تراكب مكاني  معين “متشابك” أو حالات خاصة مترابطة بطريقة تجعل الكاشف الموجود بشكلٍ مكاني مناسب يؤدي إلى الانهيار في الحالة الخاصة، وسيقوم الكاشف بتسجيل حالةٍ واحدة فقط من الحالات الخاصة. وتكون مغالطة الفصل بأنَّ هذا يساء تفسيره بإظهار أنَّ الجسيم كان بالفعل في حالة خاصة في ذلك الموضع كنتيجة “للانفصال” السابق.

ويتطور التراكب في الواقع حتى يتم إجراء التمييز الذي يشكل مقياساً، وعندها فقط تُختزل الحالة إلى حالةٍ خاصة. وتكون المحايات الكمومية نسخاً أكثر تفصيلاً من هذه التجارب الأبسط، وتظهر في هذا السياق مغالطةُ فصلٍ مماثلة.

وهكذا، يجادل إلرمان أنَّه عندما يصف المرء نظاماً في تراكب لحالات خاصة معينة، فهذا لا يعني أنَّ النظام موجود في أيّ من هذه الحالات الخاصة قبل اتخاذ قياس معين. ولذلك من الخطأ تفسير تجارب الاختيار المتأخر وما شابهها، كما لو أنَّ القياس المستقبلي يحدد بعض الحالات الخاصة السابقة، والتي كانت جميعها أجزاء من التراكب.

ويميز دون هوارد  Don Howard (1989) في مناقشته للانتهاك التجريبي لتفاوتات بيل، بناءً على تجربة سابقة لها بين المكان وقابلية الفصل قدمها جون جاريت Jon Jarrett. وينص الشرط المكاني على أنَّ قياس زوج من الأشياء المنبثقة عن حالة فردية يكون مستقل إحصائياً عن إعداد الجهاز المستخدم لقياس نظيره. ومع ذلك يُعرَّف شرط الفصل على أنَّه احتمال مشترك يساوي ناتج احتمالية كلّ حالة. ونحن نعلم أنَّ الانتهاك التجريبي لمتباينات بيل ينطوي على إبطال أحد هذه الشروط. علاوة على أنَّنا إذا أخذنا حجة إلرمان في الاعتبار، فإنَّ الجسيمين المتشابكين لا يزالان في حالة تراكب على الرغم من فصلهما حتى يتم القياس.

وإذا أخذنا بالاعتبار فكرة الحالة المتشابكة في ميكانيكا الكم، نجد أنَّها تتميز في كونها حالة موحدة وغير قابلة للفصل بسبب مساعدة فكرة تراكب الحالات الخاصة الممكنة الممثلة بدالة موجية واحدة مشتركة للزوج المرتبط.

ولا يعتمد مثل هذا التراكب على المسافة ولا على الزمن، ولذلك ليس من المستغرب أنَّنا من المستحيل أن نعثر بناءً على التنبؤات الصحيحة للميكانيكا، على دعمٍ لانتهاك السببية الطبيعية في هذا النوع من التجارب. ويمكننا أنْ نستنتج عند عودتنا إلى المناقشة الفلسفية المتعلقة بالتشابك الميكانيكي الكمومي، أنَّ النتائج التجريبية من هذا النوع تنتهك مبدأ الفصل وليس مبدأ المكان.

وقد وضعَ فيليب إيبرهارد Phillippe Eberhard ورونالد روس Ronald R. Roos (1989) نظريةً تقول: إنَّه إذا كانت ميكانيكا الكم صحيحة، فمن المستحيل استخدام التأثيرات الكمية لتوليد انقطاع في سلسلة السببية العادية. ولا تسمح نظرية المجال الكمي بأيّ اتصالٍ أسرع من الضوء بين المراقبين المختلفين. وهذا ليس غريباً جداً في الواقع؛ لأنَّ نظرية المجال الكمومي ثابتة نسبيًا في حين أنَّ الأطر المرجعية الفائقة ليست كذلك. ولكن نظرية إبرهارد وروس لا تستبعد كلّ أشكال السببية ذات الأثر الرجعي. ولا يزال هناك سيناريوهان محتملان مفتوحان: (1) تبادل الأزواج المتشابكة شكلاً من أشكال المعلومات (والطاقة) الفائقة لا يليق بحدود علاقات عدم اليقين لدى هايزنبرغ؛ أو (2) قد تكون السببية متناظرة بحيث يُحدد اتجاه السببية في نظام مادي من خلال شروط حدوده.

واقترح  كوستا دي بوروجارد Costa de Beauregard على سبيل المثال (1977، 1979) أنَّه عندما يقيس مراقبان نظام من فوتونين في حالة مفردة في منطقتين مفصولتين في بعدٍ يشبه المكان، فإنَّ فعل الملاحظة هو بالضبط ما ينتج ماضي عملية القياس بمعنى أنَّه يؤثر في المصدر الذي انبعث منه الفوتونين. وتتمثل فكرة بوروجارد في أنَّ عنصر الواقع الذي يتم الكشف عنه في صياغة مفارقة [EPR] (مفارقة ألبرت أينشتاين وبوريس بودولسكي وناثان روزن) يكون حقيقي فقط إذا أقيمَ من خلال اجراء أعمال الملاحظة التي نُقلت إلى الوراء عبر الزمن مع أحد الكائنين الكميين المترابطين من جهاز القياس إلى مصدر الفوتونات.

ويقترح بعض علماء الفيزياء مثل إليتزورElitzur  (2016) وآخرين، شكلاً من أشكال تجربة الاختيار المتأخرة جداً والداعمة لمثل هذه التفسيرات المماثلة زمنياً لميكانيكا الكم والتي وفقاً لها تؤدي السببية ذات الأثر الرجعي دوراً مهماً. حيث يحدد كلّ قياس على سبيل المثال في تجربة (أينشتاين وبودولسكي وروزن) العادية قيمة الدوران لاثنين من الإلكترونات المنفصلة، في حالة مفردة على طول اتجاه معين للجهاز. وتثبت النتيجة بعد ذلك أنَّ قيمة دوران إلكترون واحد قد تأثرتْ باختيار المجرب البعيد لاتجاه دوران الإلكترون الآخر. ومع ذلك، ما تخيله الآن إليتزور وآخرون هو إعداد انعكاسي تحدد فيه قيمة الدوران المختار الاتجاه المقابل، واستنتجوا بناءً على تحليلهم ما يلي:”اتضح أنَّ الاتجاه يخضع بالمثل لتأثيرات غير محلية [مثل قيمة الدوران].”

وتقدمَ العديد من الفلاسفة والفيزيائيين الآخرين بأفكارٍ مماثلة؛ حيث صاغ أهارونوف Aharonov وفيدمان Vaidman (1997) نهجاً ثنائي الاتجاه لميكانيكا الكم “الذي يوصف فيه النظام الكمي في زمن معين من خلال حالتين كميتين (بدلاً من واحدة): تتطور الحالة المعتادة نحو المستقبل وتتطور الثانية متراجعة في الزمن عن قياس المستقبل”. كما يتضمن تفسير المعاملات الإجرائي لميكانيكا الكم عند كرامر Cramer فكرة سفر الموجة الثانية رجوعاً في الزمن (Cramer, 1986).

والافتراض الأساسي الكامن وراء كلّ منهم هو أنَّنا نجد في عالم الجسيمات الصغيرة تناظراً سببياً فقط، ويمكن استخدام هذه الحقيقة إلى جانب الشروط الحديّة(*) المناسبة لإعطاء شرح للنتائج التي تبدو خلاف ذلك متناقضة. ومع ذلك يمكن تفسير تجارب الارتباط الكمي هذه بعدة طرق أخرى. ويبدو في النهاية كما لو أنَّ الأمر كله يتوقف على ما إذا كان المرء يفترض أنَّ تجارب بيل تنفصل عن شرط المكان أو شرط الفصل. ولا يكون التفسير المتناظر زمنياً لميكانيكا الكم مطلوباً إلا إذا اعتقد المرء أنَّ شرط المكان هو الذي انتُهك لتجنب التعارض مع نظرية النسبية.

4.4 البديلان

تشترك هذه الأمثلة المزعومة عن العلاقة السببية ذات الأثر الرجعي في شيءٍ واحد، حيث تستند كلّها إلى فكرة أنَّ العمليات الفيزيائية الأساسية تكون في حدّ ذاتها متماثلة في طبيعتها. ومفهومنا العادي عن السببية لا يتتبع أيّ سمة من سمات العالم المستقبلي. وما يُعتبر سبباً ونتيجة يعتمد على إسقاط المراقب لحسه أو إحساسها المؤقت على العالم. لذلك لا يزال السؤال المقترح هو: كيف يمكن لمفهومٍ متسقٍ عن السببية ذات الأثر الرجعي أن يتناسب مع هذا الفهم العام للطبيعة؟ وبالتالي فإنَّ السؤال الذي يتعين علينا الإجابة عليه هو ما يلي:

ثانيا. كيف يمكننا التمييز بين السببية المتقدمة والسببية ذات الأثر الرجعي إذا كانت جميع العمليات الفيزيائية الأساسية متناظرة زمنياً وفقاً لوصفنا للطبيعة؟

ويبدو أنَّ هناك اجابتين مختلفين للغاية لهذه المشكلة.

1.4.4 الشروط الحدّية في السببية ذات الأثر الرجعي

أحد الاقتراحات هو أنْ نقول: إذا صادفنا حالات معكوسة بحكم الواقع لعمليات غير قابلة للعكس، مثل الرجوع بالفيلم إلى حيث تمتزج الكريمة في فنجان قهوة، إذ ينبغي تفسير مثل هذه الحالات على أنَّها أمثلة عن السببية ذات الأثر الرجعي (Price 1996). وهذا الادعاء مبني على تفسير شائع لثبات العمليات المنعكسة زمنياً والتي تخلق بموجبها هذه الميزة الوصفية للمعادلات الديناميكية للفيزياء عمليات انعكاسية متناظرة زمنياً. ودافع العديد من الفلاسفة عن مثل هذا التفسير، ولا سيما هانز ريتشينباخ Hans Reichenbach (1956, 1929 [1958]) وأدولف غرونباوم Adolf Grünbaum (1963).

وقد دفعهم هذا أيضاً إلى القول: إنَّه لا يمكن أن نستخدم سوى العمليات غير قابلة للعكس بحكم الواقع لتحديد التوجه المادي للزمن مثل تلك الموصوفة بالديناميكا الحرارية الإحصائية. ويبدو الحال بالتالي: أنَّ العالم الفعلي الذي يتكون في الغالب من عمليات غير قابلة للعكس بحكم الواقع على المستوى العياني يقتضي مجموعة سائدة من الشروط الحديّة المتناظرة زمنياً وسببياً على المستوى المجهري. وتظهر عمليات فعلية غير قابلة للعكس على المستوى العياني؛ لأنَّ الشروط الحديّة تكون النتيجة لدرجة الحرية الهائلة بين عمليات مجهرية أو شروط متماسكة مفروضة على العمليات المجهرية الأساسية.

والهدف هنا هو القول: إنَّ غياب الشروط الأولية أو الحديّة الصحيحة على المستوى العياني هو الذي يجعل السببية ذات الأثر الرجعي نادرة جداً أو شبه مستحيلة تجريبياً. ويعتمد هذا الاقتراح على ثلاثة افتراضات أساسية:

(1) لا يوجد عدم تناسق موضوعي في العالم، والعمليات السببية متناظرة من حيث جوهرها بطبيعتها، أو السببية ثنائية الاتجاه، وبالتالي فإنَّ العمليات الأساسية للعالم الجزئي متناظرة زمنياً؛ (2) عدم التناظر السببي شخصي بمعنى أنَّ أيّ إسناد لعدم التناظر بين السبب والنتيجة يعتمد على استخدامنا للواقع المضاد وتوجهنا الزمني الخاص؛ (3) تكون السببية ذات الأثر الرجعي أو الإجراء المتقدم ممكنين مع ذلك؛ لأنَّ ترابط بعض الأحداث الماضية يعتمد في بعض الأحيان على وجود عمليات متناظرة سببياً وبعض الشروط الحديّة المستقبلية.

وتتطلب الإجراءات المتقدمة في الديناميكا الكهربائية على سبيل المثال أن يتركز وجود المرسلات في المستقبل على جبهات موجات واردة منظمة، وتتطلب الإجراءات المتقدمة في ميكانيكا الكم أن تُحددْ حالاتها الحالية جزئياً بوساطة الشروط المستقبلية (القياسات) التي سيواجهونها. ومن ثم تؤخذ هذه الميزة لشرح التشابك الكمي وانتهاك عدم مساواة بيل في ميكانيكا الكم.

ويبدو أنَّ دراسةً بسيطة تدعم هذا التفسير: فكرْ في جسيم ينتقل بين صندوقين، وسيصف المراقب العادي والمراقب المضاد الذي لديه إحساس زمني معكوس التبادل بعباراتٍ متضاربة. وسينظر المراقب العادي إلى الصندوق الأول على سبيل المثال على أنَّه الباعث؛ لأنَّه يفقد الطاقة قبل حدوث أيّ شيء في الصندوق الثاني. ولذلك سيُنظر إلى الصندوق الثاني كمستقبل؛ لأنَّه يكتسب طاقة في زمنٍ لاحق.

ولذلك ينتقل الجسيم فيما يتعلق بالمراقب العادي، من الصندوق الأول إلى الصندوق الثاني. ومع ذلك ينظرُ المراقب المضاد للموقف نظرةً معاكسة. حيث يفقد الصندوق الثاني طاقته برأيه ولن يكتسب الصندوق الأول قدراً مماثلاً من الطاقة إلا بعد ذلك. ووفقاً لذلك، يتحرك الجسيم بالنسبة للمراقب المضاد، من الصندوق الثاني إلى الصندوق الأول. وبعبارة أخرى، يعتمد ما إذا كان الصندوق يُعتبر باعثاً أو مستقبلاً على إحساس المراقب بالزمن.

2.4.4 الشروط الاسمية في السببية ذات الأثر الرجعي

ينكر الاقتراح الآخر أنْ تكون العمليات الفيزيائية الأساسية متناظرة زمنياً ويجادل على النقيض من ذلك، بأنَّ عدم التناظر السببي موضوعي، وبالتالي يوجد فرقٌ جوهري بين السبب والنتيجة في جميع العمليات الفيزيائية. وقد يكون جون إيرمان John Earman (1967b and 1969) أول من جادل ضد التفسير القائل: إنَّ ثبات الانعكاس الزمني للعمليات متطابق مع الثبات في ظل تبادل النظام الزمني بين السابق واللاحق. ولم يتطور رمزين معكوسين من النوع ذاته من العمليات الفيزيائية في الاتجاه المعاكس للزمن.

ومن هنا لا ينبغي النظر إلى السببية ذات الأثر الرجعي كمفهومٍ يتعلق بالشروط الحدّية بل كمفهومٍ معني بالعمليات التي تميز بحد ذاتها اسمياً عن العمليات السببية المتقدمة. وبالتالي إذا كانت هناك عمليات في العالم يمكن أن يُنظر إليها على أنَّها مظهرٌ من مظاهر السببية ذات الأثر الرجعي، فلا يجب تصورها من خلال وصف يتيج لها أن تكون حالات معكوسة زمنياً للعمليات السببية المتقدمة العادية (Faye 1981/1989, 1997, 2002). ويرتكزُ هذا التفسير البديل على ادعاء أساسي وأربعة افتراضات.

ويتضمن الادعاء الأساسي أنَّه من الممكن أن يحدد أيّ مراقب السبب والنتيجة تجريبياً بحيث تبقى على حالها حتى فيما يتعلق بالمراقبين المضادين؛ أي المراقبان اللذان يمتلكان إحساساً زمنياً معاكس لما لدينا. ولدعم هذا الادعاء، ضعْ في اعتبارك التجربة الفكرية التالية: افرض على سبيل الفرضية أنَّ هناك صندوقان لكل منهما قفل، ويواجهان بعضهما البعض، وأنَّ الصندق الأول هو مصدر الجسيم والصندق الثاني هو مستقبل الجسيم. والسؤال هو كيف يمكن للمراقب العادي والمراقب المضاد الاتفاق على أنَّ الجسيمات تنتقل من الصندق الأول إلى الصندق الثاني. ويمكن العثور على الإجابة إذا أمكنني القول من خلال سلسلة من التلاعب بالأقفال.

وهناك أربع مجموعات ممكنة من الأقفال: مفتوح- مفتوح، ومغلق-مغلق، ومفتوح- مغلق، ومغلق-مفتوح. ودعونا نسمي أيّ تغيير للطاقة في الصندوق الأول باسم “A”، بغض النظر عمّا إذا كان يصدر أو يستقبل جسيماً،  وبالمثل أيّ تغيير في الطاقة في الصندوق الثاني “B”. ويمكن تحديد ما إذا كانت “A” أو “B” تعني اكتساباً للطاقة أو فقدانها عن طريق وزن الصندوقين.

(1) في حالة إغلاق كلا الصندوقين، لن يغادر أيّ جسيم الصندوق الأول ولا يستقبل الصندوق الثاني أيّ جسيم، وبالتالي لا يحدث أي اكتساب للطاقة أو فقدانها، ويرى كلّ من المراقب العادي والمراقب المضاد حالة ليست “A”، وليست “B”. (2) في حالة فتح كلا الصندوقين، يغادر الجسيم الصندوق الأول ويستقبله الصندوق الثاني. ومرة أخرى، يمكن ملاحظة ذلك عن طريق قياس تغير الطاقة في الصندوقين.

وبالتالي سيرى المراقبون حالة كلّ من “A” و”B”. (3) في حال إغلاق الصندوق الأول وفتح الصندوق الثاني، فلن يلاحظا أيّ تغيير في الطاقة في الصندوق الأول(لأنَّه مغلق)، وبما أنَّه لا يوجد جسيم يخرج من الصندوق الأول، فلن يصل أيّ جسيم إلى الصندوق الثاني على الرغم من أنَّ قفله مفتوح. ومن ثم لا يقيس المراقبون أيّ تغيرٍ في الطاقة في هذا الصندوق. وبالتالي فهم لا يرون “A” ولا “B”. (4) وأخيراً، إذا كان الصندوق الأول مفتوحاً والصندوق الثاني مغلقاً، فإنَّ الجسيم يغادر الصندوق الأول ولكن الصندوق الثاني لا يتلقي أيّ منها. وبمعنى آخر، هناك اكتساب أو فقدان للطاقة في الصندوق الأول، ولكن لا يوجد اكتساب أو فقدان للطاقة في الصندوق الثاني. ولذا يرى المراقبون “A” وليس “B”.

وخلاصة تجربة اللعبة هي أنَّ المراقب العادي وكذلك المراقب المضاد يختبران s”A” ولكن واحد فقط “B”، وواحد ليس “A” ولكن الاثنان ليس S“B”؛ لذلك سيتفق كلاهما على انتقال الجسيمات من الصندوق الأول إلى الصندوق الثاني.

وهذا يعني أنَّ ما يحدده مراقب عادي كعملية سببية متقدمة سيُعتبر عملية سببية ذات أثر رجعي فيما يتعلق بالمراقب المضاد؛ بمعنى أنَّ الحدث ذاته الذي يمثل سبباً ماضٍ بالنسبة للمراقب العادي سيفيد كسبب مستقبلي للمراقب المضاد.

ويشير هذا أيضاً إلى أنَّه فيما يتعلق بالسببية المتقدمة والسببية ذات الأثر الرجعي بالنسبة للمراقب العادي لا يمكن النظر إليهما كمظهرين مختلفين للعمليات القابلة للانعكاس اسمياً (ولكنها غير قابلة للعكس بحكم الواقع) لأنَّ كلا المظهرين؛ أي العملية المشتركة والعملية المعكوسة غير المحتملة للغاية سوف يتطوران متقدمان عبر الزمن. وإذا كان هذا الادعاء صحيحاً، فهذا يعني ضمنياً أنَّ وصف العمليات الفيزيائية ينبغي أن يعكس عدم تناظر جوهري بطريقةٍ يختلف فيها الوصف الاسمي وفقاً لما إذا كانت العملية المعنية تتقدم أو تتراجع في الزمن.

ويجب أن نكون قادرين أيضاً علاوة على ذلك على التمييز نظرياً (وليس تجريبياً فقط) بين تقرير المراقب العادي وتقرير المراقب المضاد عن العملية ذاتها من خلال اتفاقية منفصلة تتعلق بما إذا كانت العملية تنتقل إلى الأمام أو تنتقل للخلف. وما نريده هو توصيف كلّ عملية فيزيائية بحيث يتوافق ثبات السبب والنتيجة مع اللاانعكاسية الاسمية.

ومن أجل إنشاء تمييز اسمي وجوهري بين العمليات السببية المتقدمة والعمليات السببية ذات الأثر الرجعي، لابدّ أن ينطلق المرء من أربعة فرضيات.

  • (1) التمييز بين رموز العمليات وأنواع العمليات؛ بمعنى أنَّ أنواع العمليات فقط يمكن عكسها، بينما لا تكون رموز العمليات على هذا النحو.
  • (2) سيصف المراقب العادي العمليات السببية التي تنتشر متقدمة في الزمن من حيث الكتلة الإيجابية وحالات الطاقة الإيجابية التي تشير إلى مستقبلها بينما ستصف الرموز ذاتها من حيث الكتلة السلبية وحالات الطاقة التي تشير إلى ماضيها. ويعكس هذا حلّين محتملين لمتجه رباعي الزخم في نظرية النسبية.
  • (3) وبالتالي، يجب على المرء أن يميز بين عملية عكس الزمن السلبي وعملية عكس الزمن الفعال، وينطبق الانتقال السلبي على رمز العمليات ذاتها بوصفها من حيث الإحداثيات المعاكسة وحالات الطاقة المعاكسة. ويؤدي الانتقال الفعال على النقيض من ذلك إلى ظهور رمز آخر لنوع العمليات ذاتها بفضل انتقال مادي ما أو تعاقب النظام ذاته، وكلا الرمزان يمتلكان علامة الطاقة ذاتها والتي تشير إلى اتجاه الزمن.
  • (4) يتوافق الوصف من حيث الكتلة الموجبة وتدفق الطاقة الموجبة مع الترتيب الجوهري للانتشار.

والآن، دعونا نحاول تطبيق التفسير الاسمي على الدراسة أعلاه المتعلقة بتبادل الجسيم بين صندوقين. فهو بالنسبة للمراقب العادي الذي يصف الجسيم من حيث مكونات الطاقة الإيجابية، ينتقل من الصندوق الأول إلى الصندوق الثاني؛ لأنَّ الصندوق الأول يفقد طاقة في زمن سابق ويكتسب الصندوق الثاني طاقة في زمن لاحق. ووصف المراقب المضاد الموقف ذاته من حيث مكون الطاقة السلبية للجسيم على أنَّه موقف يحدث فيها شيء ما في الصندوق الثاني قبل حدوثه في الصندوق الأول.

ولن يفقد الصندوق الثاني طاقة  بالنسبة للمراقب المضاد كما يوحي التفسير الحدي. وعلى العكس من ذلك، سيبدو أنَّ الصندوق الثاني يكتسب طاقة، لكن المراقب المضاد سيصف الجسيم كسلسلة من حالات الطاقة السلبية التي تصل إلى مستقبلها بافتراض أنَّ الجسيم المنتقل من الصندوق الثاني إلى الصندوق الأول يحمل طاقة سالبة. ولكن كما جادلنا للتو، ينتقل الجسيم حقاً من الصندوق الأول إلى الصندوق الثاني، ومن مستقبل المراقب المضاد إلى ماضيه حاملاً طاقة إيجابية.

وبذلك يرى التفسير الاسمي أنَّ الاتجاه السببي للعمليات العادية المتعلقة بإحساسنا بالزمن الطبيعي مطابق لاتجاه عملياته المعكوسة. وبعبارة أخرى، خذ رمزين من نوع العمليات القابلة للانعكاس اسمياً ولتكن على سبيل المثال “A” و”B”، وتمثل “B” العملية المعكوسة زمنياً بشكل فعال لـ “A”، حيث يدعي هذا التفسير  أنَّ “A” و”B” تتطوران سببياً في الاتجاه الزمني ذاته؛ ولذلك لا يمكن أن نعتبر وفقاً لوجهة النظر هذه أنَّ الموجات الكهرومغناطيسية الواردة والمتقلصة أو انخفاض القصور الحراري أمثلة على السببية ذات الأثر الرجعي طالما أنَّ هذه العمليات تتضمن أنواعاً عادية من المادة؛ أي المادة التي تمتلك كتلة موجبة و/ أو طاقة تشير إلى المستقبل فيما يتعلق بإحساسنا الطبيعي بالزمن.

وينبغي بدلاً من ذلك تطبيق فكرة السببية ذات الأثر الرجعي على مادة من نوع مختلف، أي الجسيمات التي يبدو أنَّها تحتوي بحسب الاتفاقيات المعتادة، على كتلةٍ سلبية و / أو طاقة تشير إلى المستقبل فيما يتعلق بإحساسنا الطبيعي بالزمن، مع أنَّ الكتلة الإيجابية و/ أو الطاقة تشيران إلى الماضي. وينبغي تمييز هذه المادة المتقدمة إن وجدتْ عن كلّ من المادة المتخلفة العادية وكذلك التاكيونات من خلال وصفها دائماً فيما يتعلق بإحساسنا بالزمن من حيث الكتلة السالبة والطاقة الممتدة إلى الأمام عبر الزمن. والنتيجة هي أنَّ العالم الذي توجد فيه مادة متقدمة إلى جانب المادة المتخلفة، وتكون المادة المتقدمة قادرة على التفاعل مباشرةً مع الكمية ذاتها من المادة المتخلفة، سيفنى كلاهما عند تفاعلهما بالفعل من دون ترك أي أثرٍ للطاقة .

ولم يُنظر بعد فيما إذا كان مفهوم السببية ذات الأثر الرجعي يضطلع بدورٍ في الفيزياء أم لا. ولكن طالما لا يوجد اتفاق مشترك بين الفلاسفة والفيزيائيين حول توافق الوصف الفيزيائي للعالم مع مفهومنا اليومي عن السببية، فسيظل الأمر محل خلاف نظري حول ما يُعتبر أمثلة تجريبية للسببية ذات الأثر الرجعي.


المراجع

  • Aharonov, Y. and L. Vaidman, 1997, “Protective measurements of two-state vectors”, in Cohen, R.S., Horne, M., & Stachel, J. (eds.), Potentiality, Entanglement and Passion-at-a-Distance: Quantum Mechanical Studies for Abner Shimony, (Volume 2), Dordrecht: Springer, pp. 1–8.
  • Arons, M.E. and E.C.G. Sudarshan, 1968, “Lorentz Invariance, Local Field Theory and Faster-than-Light Particles”, Physical Review, 173(5): 1622–1628.
  • Baker, S., 2003, “Counterfactual Analyses of Causation: The Problems of Effects and Epiphenomena Revisited”, Noûs, 37(1): 133–150.
  • Bennett, J., 1974, “Counterfactuals and Possible Worlds”, Canadian Journal of Philosophy, 4: 381–402.
  • Bilaniuk, O.M.P, V.K. Deshpande, and E.C.G. Sudarshan, 1962, “’Meta’ Relativity”, American Journal of Physics, 30(2): 718–723.
  • Bilaniuk, O.M.P. et al., 1969, “More About Tachyons”, Physics Today, 22(12): 47–51.
  • Bilaniuk, O.M.P. and E.C.G. Sudarshan, 1969, “Particles beyond the light barrier”, Physics Today, 22(5): 43–51.
  • Black, M., 1956, “Why Cannot an Effect Precede its Cause”, Analysis, 16: 49–58.
  • Choi, S., 2007, “Causation and Counterfactual Dependence”, Erkenntnis, 76(1): 1–16.
  • Cramer, J., 1986, “The transactional interpretation of quantum mechanics”. Review of Modern Physics, 58(July), 647–688.
  • Csonka, P.L., 1970, “Causality and Faster than Light Particles”, Nuclear Physics, B21: 436–444.
  • Curry, R., 2015, “Retrocausal Models of EPR”, Studies in History and Philosophy of Science. Part B: Studies in History and Philosophy of Modern Physics., 49: 1–9.
  • de Beauregard, C., 1977, “Time Symmetry and the Einstein Paradox”, Il Nuovo Cimento, 42B: 41–64.
  • –––, 1979, “Time Symmetry and the Einstein Paradox–II”, Il Nuovo Cimento, 51B: 267–279.
  • Dorato, M., 1995, Time and Reality: Space-Time Physics and the Objectivity of Temporal Becoming, Bologna: CLUEB.
  • Dummett, M., 1954, “Can an Effect Precede its Cause”, Proceedings of the Aristotelian Society, 28(Supplement): 27–44.
  • –––, 1964, “Bringing about the Past”, Philosophical Review, 73: 338–359.
  • Earman, J., 1967a, “On going Backward in Time”, Philosophy of Science, 34: 211–222.
  • –––, 1967b, “Irreversibility and Temporal Asymmetry”, The Journal of Philosophy, 47: 543–549.
  • –––, 1969, “The Anisotropy of Time”, Australasian Journal of Philosophy, 47: 273–295.
  • –––, 1976, “Causation: A Matter of Life and Death”, The Journal of Philosophy, 73: 5–25.
  • Eberhard, P.H. and R.R. Ross, 1989, “Quantum Field Theory cannot provide Faster-than-Light-Communication”, The Foundation of Physical Letters, 2: 127–149.
  • Elitzur, A.C., E. Cohen, and T. Shushi, 2016, “The too-late-choice experiment: Bell’s proof within a setting where the nonlocal effect’s target is an earlier event”, International Journal of Quantum Foundation 2: 32–46.
  • Ellerman, D., 2015, “Why delayed choice experiments do Not imply retrocausality”, Quantum Studies: Mathematics and Foundations, 2: 183–199.
  • Evans, P.W., 2015, “Retrocausality at no cost”, Synthese, 192: 1139–1155.
  • Faye, J., 1981/1989, The reality of the future, Odense: Odense University Press.
  • –––, 1994, “Causal Beliefs and their Justification”, in J. Faye, U. Scheffler & M. Urchs (eds.), Logic and Causal Reasoning, Berlin: Akademie Verlag, pp. 141–168.
  • –––, 1997, “Causation, Reversibility, and the Direction of Time”, in J. Faye, U. Scheffler & M. Urchs (eds.), Perspectives on Time (Boston Studies in the Philosophy of Science: Volume 189), Dordrecht: Kluwer, pp. 237–266.
  • –––, 2002, “When Time Gets Off Track”, in C. Callender (ed.) Time, Reality, and Experience, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Feinberg, G., 1967) “Possibility of Faster-Than-Light Particles”, Physical Review, 159(5): 1089–1105.
  • Feynman, R.P., 1949, “The Theory of Positrons”, Physical Review, 76: 749–459.
  • Flew, A., 1954, “Can an Effect Precede its Cause”, Proceedings of the Aristotelian Society, 28(Supplement): 45–62.
  • –––, 1956, “Effects before their Causes—Addenda and Corrigenda”, Analysis, 16: 104–10.
  • –––, 1956–7, “Causal Disorder Again”, Analysis, 17: 81–86.
  • Gale, R., 1965, “Why a Cause Cannot be Later than its Effects”, Review of Metaphysics, 19: 209–234.
  • Gallios, A., 1979, “How not to make a Newcomb Choice”, Analysis, 39(1): 49–53.
  • Garrett, B., 2020, “Max Black and Backwards Causation”, Argumenta, 1–5. doi:10.14275/2465-2334/20200.gar
  • Gorovitz, G., 1964, “Leaving the Past Alone”, Philosophical Review, 73: 360–371.
  • Grünbaum, A., 1963, Philosophical Problems of Space and Time, New York: A.A. Knopf; 2nd expanded edition, 1973, published in Boston Studies in Philosophy of Science.
  • –––, 1967, Modern Science and Zenos Paradoxes, Middletown: Wesleyan University Press.
  • Gärdenfors, P., 2006, How Homo Became Sapiens, Oxford: Oxford University Press.
  • Horwich, P., 1987, Asymmetries in Time, Cambridge, MA: MIT Press.
  • –––, 1993, “Lewis’s programme”, in E. Sosa & M. Tooley (eds.), Causation, New York: Oxford University Press, pp. 208–216.
  • Howard, D., 1989, “Holism, Separability, and the Metaphysical Implication of Bell Experiments”, in J. Cushing and E. McMullin (eds.), Philosophical Consequences of Quantum Theory: Reflections on Bells Theorem, Notre Dame: The University of Notre Dame Press.
  • Hume, D., 1748 [2007], An Enquiry concerning Human Understanding, edited with an introduction and notes by Peter Millican, Oxford: Oxford University Press.
  • Kim, Y-H. et al., 2000, “A Delayed Choice Quantum Eraser”, Physical Review Letters, 84: 1–5.
  • Lewis, D.K., 1973, “Causation”, Journal of Philosophy, 70: 556–567.
  • –––, 1976, “The Paradoxes of Time Travel”,American Philosophical Quarterly, 13: 145–152.
  • –––, 2000, “Causation as Influence”, Journal of Philosophy, 97: 182–197.
  • Locke, D., 1978, “How to make a Newcomb Choice”, Analysis, 38(1): 17–23.
  • –––, 1979, “Causation, Compatibilism and Newcomb’s Problem”, Analysis, 39(4): 210–211.
  • Maudlin, J., 2002, Quantum Non-locality and Relativity, Oxford: Blackwell Publishing.
  • Mellor, D.H., 1981, Real Time, Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 1991, “Causation and the Direction of Time”, Erkenntnis, 35: 191–203.
  • Nozick, R., 1969, “Newcomb’s Problem and Two Principles of Choice”, in R. Rescher et al. (eds.) Essays in Honor of Carl. F. Hempel, Dordrecht: Reidel, pp. 114–146.
  • Price, H., 1996, Times Arrow and Archimedes Point, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2012, “Does time-symmetry imply retrocausality? How the quantum world says ‘Maybe’?”, Studies in History and Philosophy of Science Part B: Studies in History and Philosophy of Modern Physics, 43 (2): 75–83.
  • Recami, E., 1978, “How to Recover Causality in Special Relativity for Tachyons”, Foundations of Physics, 8: 329–340.
  • Reichenbach, H., 1956, The Direction of Time, Berkeley: University of California Press.
  • –––, 1928 [1958], The Philosophy of Space and Time, New York: Dover, 1958, translated by Maria Reichenbach and John Freund, from his 1928 Philosophie der Raum-Zeit-Lehre.
  • Schlesinger, G., 1974, “The Unpredictability of Free Choices”, British Journal for the Philosophy of Science, 25(3): 209–221.
  • –––, 1980, Aspects of Time, Indianapolis: Hackett.
  • Seli, G., 2020, “A Troublesome Case of Backward Causation for Lewis’s Counterfactual Theory”, Analytic Philosophy, 1–20. doi:10.1111/phib.12186
  • Tanaka, S., 1960, “Theory of Matter with Super Light Velocity”, Progress of Theoretical Physics, 24(1): 171–200.
  • Wasserman, R., 2015, “Lewis on Backward Causation”, Thought, 4: 141–151.
  • Wharton, K., 2018, “A New Class of Retrocausal Models”, Entropy, 20(6): 410; doi:10.3390/e20000410
  • Wheeler, J.A. and R.P. Feynman, 1945, “Interaction with the Absorber as the Mechanism of Radiation”, Reviews of Modern Physics, 17: 157–181.
  • Woodward, J., 2003, Making Things Happen: A Theory of Causal Explanation, New York: Oxford University Press.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up this entry topic at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

  • Greenberger, D.M. & Svozil, K., 2005, “Quantum Theory Looks at Time Travel”, preprint at arXiv.org. This paper contains minor changes to the Greenberger and Svozil paper published as Chapter 4 of Quo Vadis Quantum Mechanics?, ed. by A. Elitzur, S. Dolev and N. Kolenda, Berlin: Springer Verlag, 2005. It is an expanded version of D.M. Greenberger and K. Svozil, in Between Chance and Choice, ed. by H. Atmanspacher and R. Bishop, Thorverton England: Imprint Academic, 2002, pp. 293–308.

مداخل ذات صلة

space and time: being and becoming in modern physics | time | time travel | time travel: and modern physics

Acknowledgments

Thanks to John Norton for his editorial suggestions and for his drawing of Figure 1.


الهوامش

[1] Faye, Jan, “Backward Causation”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2021 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/spr2021/entries/causation-backwards/>.

* – جسيم افتراضي يتحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء. (المترجم)

* خط العالم: من مفاهيم النظرية النسبية، وهو وصف لمسار الجسم في الزمكان النسبي ذو الأبعاد الأربعة. (المترجم)

*الشروط الحدية: مصطلح رياضي، بمعنى الحدود التي تخضع لها معادلة رياضية في ظروف معينة، والشروط الحدية مهمة في حل المشكلات التي تعالج قضايا العالم الحقيقي، وتشكل برأينا مجموعة من الأسباب الكافية لشرح الظاهرة.(المترجم) وللمزيد راجع:

https://physics.stackexchange.com/questions/309950/what-is-a-boundary-condition.