مجلة حكمة
هل يقبل المسيحيون الاستنتاج العلمي القائل بأن الله لا يستجيب للصلاة من أجل الغير؟

هل يقبل المسيحيون الاستنتاج العلمي القائل بأن الله لا يستجيب للصلاة من أجل الغير؟

الكاتببرايان بولتون
ترجمةعبدالله الحميدي

في العام 1982 كان لدى طبيب قلب شاب في مركز سان فرانسسكو الطبي San Francisco General Medical ، يدعى راندولف بيرد رؤية ثاقبة، كان من أثرها أن شجعت العديد من التجارب المهمة عن الصلاة خلال العقدين التاليين. فقد أدرك بأن نموذج البحث القياسي المعروف بالتجربة السريرية مزدوجة التعمية، يمكن استعمالها لاختبار مدى فاعلية الصلاة من أجل الغير على المرضى في المستشفى.

اعتقد الدكتور بيرد، والذي ولد مسيحياً، أن باستطاعته أن يضع (بناء على أسس دينية حتى الآن) الصلاة على أسس علمية صلبة وذلك من خلال القيام بإجراء دراسة صارمة في إطار تجريبي. حيث عمد في تجربته الرائدة، إلى اختيار 400 مريض بالقلب بشكل عشوائي وتقسيمها بحيث ليصلي من أجل أحدها ولا يصلى من أجل الأخرى. حيث توسلت صلوات الشفعاء المسيحيين من أجل شفاءٍ سريعٍ وبأقل قدر من المضاعفات.

تم تسجيل مجموعة متنوعة لمتوسط مقاييس التحسن الطبي، بالإضافة إلى المؤشر النهائي لشفاء المريض – التعافي مقابل الوفاة – بشكل موضوعي لجميع الأشخاص، لكل من متلقي الصلاة والمجموعة الضابطة على السواء. بعد تحليل البيانات استنتج بيرد خطاً، بأن النتائج تدعم الفرضية القائلة بأن الصلاة من أجل الغير، الموجهة للإله اليهومسيحي، ذات أثر علاجي على مرضى القلب. شاكراً بذلك الله على استجابته للصلاة من أجل الشفاء. نشرت الدراسة الرائدة لبيرد في المجلة الطبية الجنوبية Southern Medical Journal في العام 1988.

على الرغم من كون النتائج الأولية قد أشارت إلى إمكانية أن تكون الصلاة قد منحت فائدة قليلة، إلا أن الكشف اللاحق عن وجود انتهاكات للبروتوكول التجريبي قد ألقى بظلال من الشك حتى على بصيص الأمل هذا. فقد أكدت الدراسات اللاحقة الاستنتاج الصحيح، أي بأن الله لا يستجيب للصلاة من أجل الغير.

بعد ردود فعل متباينة من قبل باحثين مختصين وأطباء ومتدينين، أجريت أربعة أبحاث جديدة في مراكز طبية أخرى تضمنت نفس الخطوات التي اتبعها بيرد، كان الباحثون الرئيسيون للدراسات الأربعة هم: وليام هاريس، مستشفى سانت لوكاس Saint Luke’s Hospital (1999)؛ جينيفر أفيليس، مايو كلينك Mayo Clinic (2001)؛ ميتشل كروكوف، المركز الطبي بجامعة ديوك Duke University Medical Center (2005)؛ وهربرت بنسون، مركز بيث إسرائيل ديكونيس الطبي Beth Israel Deaconess Medical Center (2006). وسيتم وضع ملخصات موجزة لكل من هذه الدارسات في ملحق هذه المقالة.

لماذا يجب اختبار الصلاة من أجل الغير؟

إذا ابتدأنا بتعريفٍ عام للصلاة بوصفها رجاءً أو طلباً للعون موجه إلى قوة عليا، عندئذٍ يمكننا أن نميز بين ثلاثة أنواع من الصلاة: صلاة شخصية وصلاة بين الأشخاص وصلاة من أجل الغير ” صلاة شفاعية”. لكن لماذا لا نختبر النوعين الأولين من الصلاة؟

من الصعب عزل الفوائد المزعومة للصلاة الشخصية (صلاة الشخص لنفسه) والصلاة بين الأشخاص (مع ولأجل أشخاص موجودين أو يعرفون بأنهم مقصودون بالصلاة) بسبب الآثار الخادعة للاعتقاد (أو أثر الدواء الوهمي) والدعم الشخصي على التوالي.

في المقابل تبدو صلاة من أجل الغير (الصلاة من أجل أشخاص آخرين غير موجودين أو لا يعلمون بكونهم مقصودين بالصلاة) قابلة للبحث العلمي. هذا الإدراك النقدي من قبل بيرد بكون الصلاة الشفاعية قابلة للدراسة الموضوعية، هو ما أرسى الأساس المفاهيمي لمشروعه الحالم. حيث يشار للصلاة من أجل الغير أحياناً في الأدبيات العامة باسم “الشفاء عن بعد”.

المحددات الحاسمة للتجارب

تشترك جميع عينات التجارب العشوائية الخمس للصلاة من أجل الغير لمرضى القلب في المستشفى، بمجموعةٍ من السمات التي تبرر الثقة في النتائج التي تم الحصول عليها في تلك الدراسات:

  1. ضمن الاختيار العشوائي الحذر للأفراد الذي يُصلى من أجلهم والذين لا يصلى من أجلهم أن تكون الظروف متساوية ( في حدود تقلب العينات الإحصائية) في جميع المتغيرات ذات الصلة.
    • تم اشتراط التعمية المزدوجة، بحيث لا يعرف المرضى ولا العاملين بالمستشفى المجموعة (مجموعة الصلاة أو عدم الصلاة) التي تم تعيين الأشخاص فيها تجنباً للخلط. كانت هذه هي أحد عيوب دراسة بيرد، حيث كانت منسقة الدراسة تعرف مسبقاً المرضى الذين كانوا يتلقون الصلاة في الوقت الذي كانت تتفاعل معهم.
    • جميع الباحثين كانوا مسيحيين متدينين، يؤمنون بالقوة العلاجية للصلاة أو متعاطفين طبياً (كما هو الحال في الدراسة الخامسة) مع قيمة الصلاة والدعم الروحي في الممارسة الطبية. كما تم التأكيد على أنه ليس هناك كافر أو متشكك بينهم.
    • جاءت الغالبية العظمى من المتشفعين من خلفيات مسيحية، تضمن ذلك مختلف الطوائف البروتستانتية والكاثوليكية، مع مشاركة عدد قليل من اليهود والمسلمين والبوذيين في بعض الدراسات.
    • مؤشر النتيجة الخطرة المشتركة في جميع الدراسات هو موت المريض، وهي المعيار الأساسي للنجاح أو للفشل الذي يعكسه التركيز الأساسي للصلاة من أجل الغير للتعجيل بشفاء المريض مع أقل قدر من المضاعفات.

نتائج تجريبية دقيقة

دحضاً للمعتقدات الصادقة وآمال الباحثين المتفانين ومؤسسات التمويل، جاءت نتائج الدراسات الخمس حول الصلاة من أجل الغير سلبية بشكل متساو. لم تفسر هذه السلسلة من التجارب السريرية التي تم إجراؤها بعناية، أية نتيجة تدعم الافتراض القائل بأن مرضى القلب في المستشفى يستفيدون من صلاة المتشفعين المواظبين على الصلاة من أجل الغير.

على وجه التحديد كانت معدلات الوفاة المدرجة في العمود الجانبي متطابقة إلى حد كبير للمرضى الذين صُلي من أجلهم وأولئك الذين لم يُصل لأجلهم. كما يمكن ملاحظة وجود ميل طفيف في نتائج الدراسات الفردية الثلاث لصالح المرضى الذين لم يُصل لأجلهم، على الرغم من أن الفروقات الخمسة لا تحمل أية أهمية إحصائية. أما المقارنة الإجمالية (تحليل تلوي بسيط) فتحتوي على أهمية إحصائية بسبب العينات الإجمالية الضخمة، بيد أن حجم تأثيرها ضئيل، وذلك غالباً بسب دراسة بيرد، التي رصدت اختلافاً يصل إلى 80 بالمئة. وهذا لا يرقى، دون شك لأن يكون إنجازاً لإلهٍ كلي القدرة.

معدل وفيات المرضى في مجموعات الصلاة والضبط
الدراسةمرضى صُلي من أجلهممرضى لم يُصلَ من أجلهم
العددالوفياتالنسبةالعددالوفياتالنسبة
بيرد192136.77201178.46
هاريس466429.01524468.78
أفيليس383318.09379348.97
كروكوف371143.77377133.45
بينسون604162.65597142.35
المجمل20161165.7520781245.97

حيث بدا أن الإله اليهومسيحي يتجاهل الصلوات الخالصة من أجل التعافي بنفس القدر الذي تحدث فيه النتائج المناسبة. بمعنى أن استعادة الصحة هو مسألة رعاية طبية مناسبة وحظ جيد. فالصلاة من أجل الغير لم تزد في احتمالية النجاة. وإلا لماذا سمح الله بأن يموت 116 مريضاً، ممن تلقوا صلاة مسيحية في عينات الدراسات الخمس، رغم وعد المسيح “إن سألتم شيئاً باسمي فإني أفعله” (يوحنا 10:14-14).

أحد الاكتشافات الغريبة في دراسة بنسون والتي على الرغم من مضي عشرة سنوات عليها، لا تزال يُستشهد بها في المقالات التي تتحدث عن الصلاة في المجلات الشعبية، هي أن مجموعة ثالثة من المشاركين، والتي تألفت من مرضى يعلمون بتلقيهم صلاة من أجل الغير، قد أظهروا مضاعفات كبيرة على نحو لافت بعد الجراحة خلال فترة التعافي. ومع ذلك كان المعدل الإجمالي للوفاة في هذه المجموعة هو (2.16 بالمئة) مساوٍ بشكل كبير لمجموعتي الدراسة الأخريين، مما يشير إلى أن المعدل العالي للمضاعفات لا يظهر على شكل زيادة في احتمالية الوفاة.

تستحق البيانات الصريحة والمعروضة في العمود الجانبي تعليقاً خاصاً. فهذه الأرقام تلخص إحصائيات الوفيات لما يقرب لألفي شخص ممن تلقوا صلاة من أجل الغير، وألفين ممن لم يتلقوها جميعهم من مرضى القلب، في خمسة اختبارات أجريت على مدى عشرين سنة. يعد هذا المستوى من التوثيق غير مسبوقٍ في تاريخ الأبحاث حول الصلاة.

التبرير، الإنكار، التجاهل

كيف كانت ردة فعل الطاقم الطبي من المسيحيين وغيرهم من المتدينين على النتائج المحبطة للقوة الشفائية للصلاة، والتي تمخضت عن الدراسات العلمية الخمسة حول الصلاة؟ فيما يلي ستة إثباتات تسلط الضوء على مجموع التبريرات والإنكار التي تم التعبير عنها. الذي عبر عنها منتقدي الدراسات بشكل غير نقدي:

  • يقوم البحث على افتراض خاطئ حول كيفية استجابة الله للصلاة.
  • الله خارج نطاق العلم، وبالتالي فهو قابل للتقييم التجريبي.
  • من غير الممكن التنبؤ بإرادة الله أو فهمها.
  • لا يمكن للبحث أن يثبت أو أن ينفي صحة التدخل الإلهي.
  • لأن الله يعلم بالفعل من هو بحاجة للشفاء، فإن الصلاة في هذه الحالة لا لزوم لها.
  • يمثل اختبار الله تقويضاً للإيمان، إن لم يكن تجديفاً متعمداً أوتدنيساً للمقدسات.

تنطوي هذه التبريرات الستة على استدعاء لعقيدة الدينية لمحاولة دحض الدليل القاطع بأن الإله اليهومسيحي لا يستجيب للصلاة. تجدر ملاحظة أن هذه التفسيرات الركيكة للمجتمع الديني المصدوم، لم تظهر إلا بعد تكرار النتائج السلبية الدقيقة للتجارب السريرية. ثمة سؤالان يجب على مناصري الصلاة الإجابة عليهما:

  1. لماذا رفض الإله كلي القدرة، كلي العلم، كلي الخير، الاستجابة للصلوات من أجل الغير لعلاج مرضى القلب (أو أي مريض آخر)؟
    1. لماذا لم يشف الإله على الفور، جميع المرضى في كلا المجموعتين، التي صلي من أجلها والتي لم يُصلَ لها؟ فقد كان من شأن هذا التدخل الإعجازي أن يثبت عل نحو قاطع بأن الله يتدخل حقاً بشكل خارق للطبيعة لعلاج الأمراض والآلام.

لتوضيح مدى بعد مناصري الصلاة عن الواقع، فقد أكد أحد الباحثين الرئيسيين لإحدى الدراسات الرئيسية أنه من الممكن تصور أن تتسبب جرعة زائدة من الصلاة بآثاراً وخيمة على الجسم البشري! مصرحاً بأنه إذا كان للصلاة تلك القوة، كما يعتقد، فجيب أن يتم تدريس تأثيرات الصلاة ودورها في العلاج في جميع كليات الطب (تم الإدلاء بهذا التصريح المتفائل قبل النتائج السلبية لدراسته المذكورة)

أما أحد أكثر ردود الفعل غرابة إزاء نتائج بحوث الصلاة، فهي تلك التي نشرتها مجلة مسيحية إنجيلية. تكشف الاقتباسات التالية الارتباك الواضح للمؤلفين المتدينين: “الفضيحة الحقيقية هي أن المجموعة التي لم تتلق الصلاة تلقت نفس القدر، إن لم يكن أكثر، من بركات الله. وفقاً لطبيعته، يبدو أن الله يميل لشفاء ومباركة أكبر عدد ممكن. إلا أن إجاباته تخبرنا غالباً متى وأين أو كيف. لكننا نعلم تأثير الصلاة. أما السؤال الحقيقي فهو، هل نحن مستعدين لاستجابة الله؟”. تجسد هذه التعليقات الرفض الأصولي للعلم، والذي سيتم مناقشته أدناه.

نقد مشترك للدراسات

أحد الانتقادات التي تتكرر إزاء البحوث، هي أن المرضى في المجموعة التي لم تتلق الصلاة، قد تلقوها إما من العائلة والأصدقاء والكنائس. بمعنى أن المشاركين في الدراسة، بما فيها المجموعة الضابطة، قد تلقت “صلوات من أجل الغير” من أجل الشفاء من قبل أشخاص آخرين.

أوضح المدافعون المسيحيون عن الدراسات، بأن المرضى في المجموعات التجريبية قد تلقوا بالفعل صلوات تكميلية أو إضافية ذات طبيعة مركزة وبعناية، بالإضافة إلى تلقيهم صلوات من العائلة والأصدقاء والكنيسة. كما توقع داعمو هذه الدراسات، استناداً إلى افتراض العلاقة الإيجابية بين الجرعة والاستجابة، بأن المرضى في المجموعة التي تم الصلاة من أجلها سيجدون شعوراً أكبر بالشفاء.

بالتأكيد سيكون هذا النقد محل نظر، حال افترضنا بأن الإله اليهومسيحي، كلي القدرة، كلي العلم، كلي الخير، قد شافى جميع أمراض البشر منذ البداية. لكن لنتذكر بأن الله ينزل الأمراض بشكل روتيني بأبنائه وأعدائه كعقاب على معصيتهم أو اختبار لإيمانهم.

دراسات عينات صغيرة

تستمر المقالات في المجلات الإخبارية في التأكيد على أن نتائج البحث عن الصلاة متفاوتة، حيث وجدت بعض الدراسات أن من شأن الصلاة أن تخفف من أعراض الأمراض وتطيل في العمر. عادة ما يستند هذا الاستنتاج المضلل والغير مبرر، على القبول غير النقدي لمزاعم من دراسات عينات صغيرة متعددة للصلاة من أجل الغير، والتي تمخضت جميعها من مشروع بيرد البحثي المبتكر.

على سبيل المثال فقد أسفرت دراسة حول تأثير الصلاة من أجل الغير على مرضى في مراحل متقدمة من الأيدز (Western Journal of Medicine, 1998, 169, 356–363) عن نتائج إيجابية، إلى أن تم الكشف عن الانتهاكات المنهجية الصارخة، الأمر الذي جعل من نتائجها بلا معنى.

ثمة بحث آخر حظي باهتمام كبير، والذي أطلق عليها لاحقاً “دراسة معجزة صلاة كولومبيا” (Journal of Reproductive Medicine, 2001, 46, 781–787) . حيث أدعى الباحثون أنهم استخدموا الصلاة من أجل الغير من أجل نساء مصابات بالعقم، مما أدى إلى نتيجة مذهلة لدرجة أن المراجعين المستقلين استنتجوا في النهاية بأن البيانات كانت مفتعلة، إذ لم توجد سجلات تشير إلى إجراء الدراسة على الاطلاق.

ومع ذلك، وفي نفس الوقت، قام دعاة الصلاة البارزون ومرشدي “الشفاء عن بعد”، بالترويج لهذه البحوث وغيرها باعتبارها دليلاً على ثورة علمية في طرق الشفاء. تضمنت البحوث المستوحاة من “تأثير بيرد” أثر الصلاة من أجل الغير على مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي ومرضى يعانون من بثور شائعة ومدمنين على الكحول. بعد الفحص الدقيق هذه الدارسات وغيرها، بدا جلياً أن الشفاء المأمول من النجاح المنسوب للصلاة لم يحدث على الاطلاق.

ارتباك بعض المتشككين

في حين أصبح من الواضح من تعليقاتهم، رفض العديد من المؤمنين بقوة الصلاة، لقبول النتائج الحاسمة لدراسات الصلاة. من الصحيح أيضاً أن يجد حتى بعض المراقبين العقلانيين صعوبة في تقدير أهمية المساهمة التي تقوم بها أبحاث الصلاة من أجل الغير للدراسة العلمية للادعاءات الفوقطبيعية.

على سبيل المثال توصل أحد المشككين البارزين إلى نتيجتين غير مبررتين تماماً، قائلاً بأن البحث العلمي للصلاة هو”علم سيء ودين أسوأ”. من الواضح أنه ليس علماً سيئاً على الاطلاق، ذلك لأن التجربة السريرية العشوائية مزدوجة التعمية قد أفضت إلى معرفة رصينة ومفيدة للغاية تُعرف باسم الطب المسند بالدليل evidence-based medicine وليس ثمة أحد يشكك في النجاح العلمي لهذا المسعى.

شارحاً ادعاءاته حول وجود عيب في الدين، صور المشكك تهمته بشكل حيوي قائلاً بأن “إخضاع الصلاة للعلم من شأنها أن تجعل الله فأر مختبر سماوي”. إذ يبدو أن الباحثين المسيحيين الذين أجروا أبحاثهم، إما أن يكونوا مقتنعين بسلامة إجراءات بحثهم من الناحية اللاهوتية، وإما أنهم لم يجروا ابحاثهم على الإطلاق.

عدم ثقة في المنهج العلمي

بعد مرور أكثر من عقد على نشر نتائج الدراسات الخمس التي تتكرر في الأدبيات الطبية، لم تبذل أية جهود في توثيق الفوائد العلاجية للصلاة. وهذا يشير إلى أن المؤمنين إما أن يكونوا قد “شاهدوا الكتابة على الحائط” * أو أن أنهم اتبعوا منطق الاستقراء الرياضي وتخلوا عن هدفهم المتمثل في وضع أساس علمي للصلاة.

هل هذا بسبب قبول المسيحيين لرأي العلم وتجاهلهم لقيمة الصلاة من أجل الغير؟ لا. فعندما يخفق العلم في دعم الإيمان، فالعلم هو من سيتم التخلي عنه، لا الإيمان. (لمزيد من التفاصيل أنظر كريس مور، حرب الجمهوريين على العلم، 2005، شاون أوتو، الحرب على العلم، 2016، وأنتوني ألومكال، جنون عظمة العلم: حرب اليمين المسيحي على الواقع، 2017) حيث تشهد التبريرات العديدة التي قدمها المتدينون المسيحيون، بشكل عميق على انتشار عدم الثقة في العلم.

ما لذي يجعل الإيمان بفعالية الصلاة من أجل الغير يستمر في مواجهة ذلك الكم الهائل من الأدلة العلمية النافية؟ الإجابة ببساطة هي أن المسيحيين يميلون بشكل كبير لتقبل ادعاءات القصص في الصحف والتلفاز والشهادات الشخصية، بدلاً من قبول النتائج المكررة للتجارب السريرية العشوائية.

على سبيل المثال، بعد نجاة توأمي ممثل مشهور، يبلغان من العمر اثني عشر عاماً، من جرعة زائدة من الدواء. صرح قائلاً “أن قوة الصلاة التي قدمها كثير من الأشخاص هي من أنقذتهم”. لكن في نفس الوقت، وفي حدث مأساوي غير مرتبط بالموضوع، توفي شاب من مرض سرطانٍ لا شفاء منه.

تثير مثل هذه الحالات، والتي تتكرر بشكل يومي في أمريكا، سؤالاً محيراً: لماذا أنقذ الإله الرحيم طفلي الممثل وسمح بموت شاب من السرطان؟ في محاولة انقاذ الصلاة من الإخفاق، شدد نعي الشاب أنه “تمت الاستجابة للكثير من الصلوات الشفاعية للمسيحيين بشكل معجز طوال تلك الفترة” (حتى الموت).

بغض النظر عن طبيعة المأساة، أكانت متعلقة بفقد الأطفال أو اختطافهم، أو بمرضى مصابين بأمراض خطيرة أو بضحايا كوارث طبيعية – تظل ردة الفعل واحدة. العائلة والأصدقاء والغرباء، كلهم يصلون من أجل نتيجة سعيدة. وعندما ينجو الشخص الذي صُلي من أجله، يتم نسبة كل الفضل في ذلك إلى الله والإشادة بتأثير الصلاة. لكن عندما يموت الشخص الذي صُلي من أجله، فلا يتم إلقاء اللوم على الله بسبب هذه المحصلة السلبية. حيث تكون الإجابة المعتادة هي “لكن دعاه الله إليه”، “سيجاور المسيح”. إذ تعد عصمة الصلاة ركناً أساسياً من الأيمان لا يمكن التشكيك بها. وبلغة واضحة، فإن البنية التقليدية للإيمان للمسيحي لا تسمح بإخفاق الصلاة.

يسارع المؤمنون إلى ذكر الحالات التي اقترنت فيها الصلاة بنتائج إيجابية، في حين يتجاهلون بشكل متعمد تلك الحالات التي تبعت الصلاة فيها نتائج غير مرضية. هذا الانتباه الانتقائي للأحداث اليومية، يساعد في الحفاظ على الإيمان بقوة الصلاة.

هل يوجد سبب للاعتقاد بأن النتائج السلبية الحاسمة التي أسفرت عنها البحوث المتعلقة بالصلاة، قد أدت إلى تقلص أنشطة الصلاة في الولايات المتحدة؟ لا. حيث تشير الأبحاث إلى أن الغالبية العظمى من الأمريكيين لا يزالون يؤمنون بقيمة الصلاة، والتي تتطابق عملياً مع الاعتقاد بوجود إله، لأن الصلاة هي ببساطة تواصلٌ مع الإله.

علاوة على ذلك، لا تزال الصلاة من أجل الغير من أجل الشفاء سمة هامة للكثير من الأنشطة المسيحية، حيث تتضمن خدمات العبادة العادية وحلقات الصلاة وخدمات الصلاة على مدار الأسبوع (24/7) لمعالجة المشاكل الصحية لأبناء الرعية وقادة المجتمع والشخصيات العامة. بعبارة أخرى، على الرغم من الأدلة العلمية المؤكدة، لم يفقد المسيحيون الإيمان بقوة الصلاة من أجل الشفاء.

أحد الأدلة القوية على الإيمان المسيحي الراسخ بقيمة الصلاة، هو في ذلك الكم الهائل من الكتب المنشورة حول الموضوع خلال العقد الماضي، والتي تجاوزت ألف عنوان في السنة. حيث تنشر المجلات الشعبية الجديدة بشكل روتيني، مقالات خاصة تروج للعلاقة المزعومة بين التدين والصحة. حيث يتم تناول موضوع الصلاة تحت عناوين مثل “دليل جديد على تأثير الصلاة” و “القوة الشافية للصلاة”. حيث يعتمد الكتاب عادة على المؤمنين كمصدر معلومات وحيد دون الالتفات للمشككين.

من الواضح عدم قبول المسيحيين للاستنتاج العلمي بأن الله لا يستجيب للصلاة من أجل الغير، وهو ما يؤكد على نحو لا لبس فيه بأن الإيمان يتجاوز الدليل في العقل الديني، خصوصاً عندما يتم تعزيزه بالدعاية الغير مسؤولة والتي تغذيها المنافذ الإخبارية الرئيسية لغرض إدامة الأساطير الدينية الشائعة.

تطبيقات على قضايا أكبر

على الرغم من التبريرات اللامتناهية التي قدمها المؤمنون الأصوليون، فإن الاستنتاج العقلاني المدعوم من خمسة أبحاث حول نفس الموضوع هو: أن الله لا يستجيب للصلوات من أجل مرضى القلب الذين يرقدون في المستشفى. بالإمكان تعميم هذا الاستنتاج ليشمل المرضى خارج المستشفى وأولئك الذين يعانون من ظروف صحية وليشمل كذلك جميع أشكال الصلاة لجميع الآلهة تحت مختلف الظروف. فالله ببساطة لا يستجيب للصلاة. لكن ماذا يعني هذا الاستنتاج لأكبر مسألتين في الإيمان المسيحي؟

أولاً، أنه تقوض بشكل كامل المسلمة الأساسية لما يدعى “بالعلم التوحيدي” الذي يذهب إلى أن مجال الخارق للعادة موجود بالفعل، وبالتالي فإن السببية الخارقة للطبيعة هي تفسير علمي غير مشروع. يشكل الاخفاق المتكرر لمحاولات البرهنة لصالح الصلاة من أجل الغير أقوى انتقاد حتى الآن لهذا الادعاء العقائدي، والمشتق من اعتقاد ديني عالمي.

أما ثانياً، فهو تلقي بظلال من الشك على الادعاء اللاهوتي التأسيسي، والذي يذهب إلى أن الإله المفترض، ذا وجود مستقل في الواقع الموضوعي. بمعنى آخر، فإن اللاهوت يؤكد أن الله موجود بالفعل خارج العقل البشري وليس مجرد نسجٍ من الخيال. إن الاستنتاج المعقول من دراسات الصلاة الفاشلة هو أن الإله اليهومسيحي كلي القدرة المفترض، غير موجود. وهذا يذكرنا بالقول المأثور لمارك توين “الإيمان هو تصديق ما تعرفه ليس إلا”.

ملحق

ملخص موجز للدراسات المتعلقة من أجل الغير

أجرى راندولف بيرد أول دراسة تجريبية عن الصلاة الشفاعية ونشرها في Southern Medical Journal (1988, 81, 826–829). تم تسجيل ما مجموعه 29 من المتغيرات التشخيصية والنتائج لـ 393 مريضاً من مرضى الشريان التاجي، حيث تم اختيارهم عشوائياً للمجموعات التي تمت الصلاة من أجلها وتلك التي لم يُصل من أجلها. صلى الوسطاء المسيحيون يومياً من أجل المرضى في المجموعة التجريبية. تم الحصول على اختلافات ذات دلالة إحصائية على ستة متغيرات وأيضاً على الحكم الشامل للتحسن الذي أنجزه بيرد. مع ذلك اكتشف لاحقاً بأن الدراسة تضمنت خرقين إجرائيين خطيرين. فقد تم إصدار الحكم الشامل للتحسن بعد الكشف عن البيانات، كما أن منسقة الدراسة قد عرفت المرضى الذين تم تعيينهم ضمن مجموعة الصلاة في الوقت الذي كانت تتفاعل معهم. كان من شأن هذه التسويات أن تكون مسؤولة بلا شك عن النتائج الإيجابية إلى حد ما.

بعد عقد من نشر دراسة بيرد، قام وليام هاريس وتسعة من زملائه بمحاولة إعادة نتائج بيرد (Archives of Internal Medicine, 1999, 159, 2273–2278). تم تسجيل تسعة وثلاثين متغيراً، بما فيها متغيرات بيرد الـ 990 لمرضى القلب، الذين تم اختيارهم عشوائياً لصالح مجموعات الصلاة والضبط. لم يكن لأي من متغيرات بيرد التسعة والعشرين أو حكمة الشامل للتحسن أية أهمية إحصائية. من الواضح أن محاولات الاستعادة قد فشلت تماماً. مع ذلك، بالكاد تم الحصول على نتيجة مهمة لدرجة تعافي جديدة. خلافاً للتقرير الأصلي، فإن أقل من واحد بالمئة من مجمل متغيرات التعافي تم تعليلها من خلال الصلاة. وهو دليل بالكاد ما يُشير إلى إله كلي القدرة.

أما الاختبار الثالث لعينة إحصائية كبيرة، قد أجرته جينيفر أفيليس وستة من زملائها. Mayo Clinic Proceedings, 2001, 76, 1192–1198. تم تقييم نتائج المتغيرات الخمسة الأولى في متابعة لمدة ستة أشهر لـ 762 مريضاً من مرضى الشريان التاجي، الذين تم اختيارهم لكل من المجموعات التي صُلي من أجلها وتلك التي لم يُصل من أجلها. بدأ المتشفعون المسيحيون بالصلاة للمرضى في مجموعة الاختبار وقت خروجهم من المستشفى. لم يتم الحصول على اختلافات ذات أهمية إحصائية لمقارنات مجمل المجموعة أو المجموعات الفرعية من المرضى ذوي الحلات عالية أو منخفضة المخاطر.

أجرى ميتشل كروكوف وستة من زملائه، الدراسة الرئيسية الرابعة للصلاة الشفاعية (Lancet, 2005, 366, 211–217). تم تسجيل أربعة نتائج متغيرة في المستشفى، ومتابعة على مدى ستة أشهر لـ 748 مريضاً من مرضى الشريان التاجي، الذي كانوا يُعالجون في تسعة مراكز طبية. ضمت المجموعات المشاركة في الصلاة، أشخاصاً مسيحيين ومسلمين وبوذيين. لم يكن ثمة فروق ذات أهمية إحصائية بين المرضى في المجموعات التي تم الصلاة من أجلها بشكل عشوائي وبين تلك التي تنتمي للمجموعة الضابطة. من الجدير بالذكر أن كروكوف كان من المدافعين بحماس لاستخدام الصلاة جنباً إلى جنب مع العلاجات الطبية المعيارية.

أما خامس وأكبر اختبار عن الفوائد المزعومة للصلاة الشفاعية فقد أُعد من قبل هيربرت بينسون وخمسة عشر شخصاً من زملائه. American Heart Journal, 2006, 151, 934–942. تم تسجيل عشر مؤشرات على حدوث مضاعفات لـ 1201 مريضاً من مرضى المجازة التاجية في ستة مستشفيات، والذين تم اخيارهم بشكل عشوائي للمجموعات التي صُلي من أجلها وتلك التي لم يُصل من أجلها. تلقى المرضى الذين كانوا ضمن مجموعة الصلاة أربعة عشر يوماً متتالياً من الصلاة من قِبل شفعاء كاثوليك وبروتستانت. لم تُسفر المقارنات الإحصائية بين الأشخاص في المجموعات التجريبية والضابطة للمؤشرات العشر عن أية نتائج مهمة.

من المفارقة أن تكون دراسة بينسون، والتي كانت بمثابة المسمار الأخير في نعش مزاعم الصلاة الشفاعية، قد تم تمويلها من قِبل مؤسسة جون تيمبلتون John Templeton Foundation ، وهي مؤسسة مسيحية مانحة، تهدف لإثبات أن العلم والدين يمتلكان وجهتي نظر متوافقتين.

  • إشارة لما ورد في سفر دانيال “وفي تلك الساعة ظهرت أصابع يد إنسان، وكتبت بإزاء النبراس على مكلس حائط قصر الملك، والملك ينظر طرف اليد الكاتبة” دانيال 5:5

المصدر