مجلة حكمة
الرؤية النسوية للجنس والنوع الاجتماعي

الرؤية النسوية للجنس والنوع الاجتماعي

الكاتبماري ميكولا
ترجمةمشرف بك أشرف
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي شامل حول الرؤية النسوية للجنس والنوع؛ نص مترجم، ومنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها التعديل من منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


النسوية – كما يقولون – عبارة عن حركة للحد مما تلقى النسوة من الاضطهاد والقمع[2]. فكلمة “النسوة” في هذا السياق يمكن أن تفهم مشيرة إلى الناحية الجنسية البشرية، فهي تخصص من أفراد البشر الأناثى، وتقصي الذكور، تخصيصا مبنيا على الخصائص التشريحية والحياتية (من نحو الأعضاء التناسلية). ولكن أنصار الحركة النسوية على مر التاريخ أطلقوا هذه الكلمة إطلاقا مختلفا، أطلقوها إطلاقا يوحي بالحالة الاجتماعية وينظر إلى العنصر الثقافي دون الجانب التشريحي الحياتي الجنسي، وأفضوا إلى التفريق بين الجنس – وهو كون الإنسان ذكرا أو أنثى – والنوع الاجتماعي – وهو كونه رجلا وامرأة، وطبيعي أن هذا كان اصطلاحا منهم، وإلا لم يكن هذا التفريق موجودا عند عامة الناس الذين يجعلون هذا وذاك خلفة، ويطلقون أحدهما فيما يطلقون فيه الآخر. لقد ثار في الفلسفة النسوية حول ذلك نقاش حاد. نواة النقاش هي السؤال الآتي: “كيف يمتاز الجنس عن النوع إن كان بينهما فارق؟ ما معنى أن النوع متوكئ على العوامل الاجتماعية والثقافية؟ ومامعنى كون الفرد رجلا أو امرأة أو غريبا في نوعه؟”

نحن فيما يلي نرسم الخطوط العريضة لمواقف أنصار النسوية من الجنس والنوع البشري، مواقف ماضية ومعاصرة ونتناولها بالدراسة والبحث.


1. التفريق بين الجنس والنوع الاجتماعية

لقد تضاربت آراء التيارات النسوية في شأن هاتين الكلمتين: الجنس والنوع الاجتماعي، والتوى شأنهما التواء شديدا. فالمناسب أن نعرض فصولا من تاريخ هاتين الكلمتين تدوالا وإطلاقا عل أيدي النسويين، فيتعبد لنا طريق بحثنا.

1.1 الحتميو الإحيائية

سواد الناس لايفرقون بين الجنس والنوع، ويجعلونهما شيئا واحدا. فالمرأة أنثى، والأنثى امرأة. وكذلك أمر الذكر والرجل. ولكن جل النسويين لم يرتاحوا لهذه التسوية، بل أيدوا بينهما تفرقة. يمكن أن نعبر عنها بشيء من التسامح والتساهل بأن الجنس إشارة إلى المزايا الحياتية الجسدية من الصبغيات (أو الكروموسومات) والأعضاء التناسلية والغدد وما تفرز (الهرمونات) وغيرها، وأن النوع دلالة على الخصائص الاجتماعية من الدور والوضع والهوية والسلوك وما إليها. وكان الباعث على هذه التفرقة هو مواجهة نزعة الحتمية الأحيائية التي تقضي بأن المزايا الحياتية لها كلمة الفصل في أمر الجنس وما نيط به من المظاهر الاجتماعية، وما هي إلا مرائي المزايا الجسدية.

لنأخذ تمثيلا للحتمية الأحيائية موقف باتريك جيدس وآرثر تومسون اللذين قررا في سنة 1889 أن المظاهر الاجتماعية والنفسية والسلوكية إن كل منها إلا ناجم عن نوع الأيض (التفاعلات الكيمياوية في الخلايا). فالأنثى ذات الأيض البنائي تجنح إلى الحفاظ على فضل طاقتها جنوحا، يخلق فيها الفتور والخمول والتشبث بالتقاليد وتفضيل الثبات في الحياة والابتعاد عن التحول فيها فالعزوف عن السياسة والذكر ذو الأيض الهدمي يركن إلى تبديد فضل طاقته، ركونا يصب في طبعه التحمس والحيوية وتفضيل التغير والتحول في الحياة فالرغبة في السياسة والأمور الاجتماعية. فهذا التحليل إذ فسر به السلوك الجبلي، استدل به من استدل على إقصاء المرأة من النظم السياسية وحرمانها ما تمتع به الرجل من الحقوق فيها. فمجلس الشيوخ لايستطيع – كما قال باتريك جيدس وآرثر تومسون – أن يلغي ما قررته الكائنات الأولية التي منها عجنت طبيعة الذكر والأنثى. [3] فلاتنسجم طبيعة الأنثى مع الحقوق السياسية، فإنها بحكم طبيعتها لاتقبل على ممارستها، فمثل هذا التقنين لاطائل تحته. فشمر النسويون لمواجهة هذه الحتمية، وتسلحوا بالجانب المعاكس بالحتمية الاجتماعية التي تقضي بأن نواة هذه المظاهر هي المجتمع. فنادت السيدة “سيمون دي بوفوار” بأن الواحد لايولد امرأة، بل يصبح كذلك بعدئذ، وأن السلوك التمييزي الذي يحدق بمن تعد امرأة في مجتمعها وظرفها يغرز فيها آثارا عقلية وخلقية، غرزا كأنها من صنع الطبيعة. فإن الممارسات التي تحيط بالإنسان لها آثار عميقة جدا.[4] عصارة الأمر عل هذه النزعة الاجتماعية أن ما يناط بالجنسين من السلوك والخصائص مرده التعليم والتربية، وليس التشريح أو الغدد وما تفرز.

لقد اختفى ضرب الحتمية الأحيائية الذي أعلى كلمته باتريك جيدس وآرثر تومسون، ولكن أساس الفكرة – وهو أن للفرق بين الجنسين سلوكا ونفسا جذورا تشريحية – لم يختف. فنلفي أن الطيران اندلع فيه في العقد السابع من القرن التاسع عشر نقاش حول اشتغال المرأة بقيادة الطائرة، فتحكم المانعون إلى ما ينتاب المرأة في كل شهر من الحيض، فيجعلها غير مناسبة لمثل هذا العمل. فكان الاستناد إلى غددها وماتفرز.[5] بل نلفي في وقت لاحق محاولة توجيه هذه الفروق على أساس الدماغ، خاصة “الجسم الثفني” الذي هو حزمة من الألياف العصبية الرابطة بين شقي الأيمن والأيسر الكرويين في الدماغ. فمجلة تايم نشرت في سنة 1992 دراسة محللة لما كان سائدا آنذاك من التفسيرات التشريحية الموجهة للفرق بين الجنسين، وقررت أن حجم الجسم الثفني يمكن أن يفسر بعض المظاهر في المرأة. فإن هذا الجسم الثفني فيها أغلظ منه في الرجل، وهذا يعوق في أنواع من التفكير المرئي في المرأة. لذلك تعاني من المشكلة عند قراءة الخرائط.[6] ولكن السيدة “آن فاوستو ستيرلينغ” أخذت على هذه الدراسة مآخذ تالية:

  • أن أمر حجر الجسم الثفني فضفاض جدا. فهو يختلف في الرجال كما يختلف في النساء. فالحذر الحذر عن اتخاذ رأي بهذا الشأن، بالنظر إلى حجم الحجم وشكله وغلظه ويحسب للجنس وحده عند تطبيقه وتسليطه دون العوامل الأخرى من الصغر وغيره.
  • وأن هذا الفارق لم يلاحظ في الرضّع ملاحظته في الكبار. وهذا يمكن أن يشير إلى أن هذا الفرق ليس تشريحيا، بل منبثقا عما يعرض كل الجنسين فيما استقبل في  حياتهما من السلوك والتعامل.
  • وأن التجربة أخبرتنا أن القصور في قراءة الخرائط يسد بالتدرب والمواظبة والمثابرة. فهذا يدل على أن هذا الفارق بين الجنسين ليس منتصبا على قوائم ثابتة وإن سلمنا بأن الجنسين يتفاوتان في الجسم الثفني حجما.[7]

2.1 مصطلح النوع

كان لمصطلح النوع حتى عقد الستين من القرن التاسع عشر مدلول جنسي، ويشار به إلى الذكورة والأنوثة، شأنه كشأن الأدوات التي تستخدم في اللغة للتمييز بين الجنسين ولكن تداول النسويون مصطلح النوع الاجتماعي تفرقة بين فروق أحيائية وأخرى اجتماعية نفسية، وكسوا الأخرى كسوة “النوع الاجتماعي”. وأول ما وجد هذا المدلول لمصطلح النوع لدى الكتاب النفسيين عند معالجتههم للتحول الجنسي. فالعالم النفسي “روبرت ستولر” درس أناسا، يشعرون بأنهم مرتطمون في أجساد غير أجسادهم، فأشرع يشير (حوالي سنة 1968) بكلمة الجنس إلى الخصائص التشريحية والحياتية، وبلفظة النوع إلى المظاهر والسلوك والأدوار المرتبطة بالجنسين. لاشك أن الجنس والنوع كانا متكاملين عنده، ولكنه بهذا التفريق استطاع – فيما يبدو – أن يفسر ظاهرة الانفصام الجنسي الذي يشعر به بعض الناس بين جنسه وبين جسده ودوره.

فاستخدم النفسيون من نحو روبرت ستولر هذه التفرقة تلبية لحاجة دراستهم، فاستغلها النسويون أيضا، ونادوا على أساسها أن كثيرا من الفروق بين الجنسين من صنع المجتمع، ليس لها أساس ثابت، فيمكن أن تغير وتبدل. “غايل روبين” على سبيل المثال يرى أن المجتمع انطوى على مسابك، يصب فيها المادة الخام من الجنس والوظيفة التناسلية، وتخرج منها سبائك من الأدوار والصفات والسلوك الخاصة بكل جنسين، ويسميها بنظام الجنس والنوع.[8] وحاول به أن يضع إصبعه في جسد المجتمع على الجرح الذي منه يحيض دم قمع الأنثى واضطهادها،[9] ونعت النوع بمفاصل، اصطنعها المجتمع.[10] وانطلق”غايل روبين” من مبدأ ثبات الجنس وتغير النوع. فالعناصر التشريحية والحياتية لاتزول ولاتحول، أما النوع فأعراض كيّفها المجتمع الذي يقنن لكل جنس سلوكه ومظاهره، ويأمر وينهى. فالمرأة تقهر، وهي تجبر على أن تكون امرأة.[11] فكانت النتيجة أنا إن جددنا نظمنا السياسية، وقلبنا مؤسساتنا الاجتماعية، تمكنا من تغيير النوع ومايليه من الصفات والأدوار، وأنقذنا الأنثى من براثن القمع والقهر. فيقع على عاتقي النسوية أن يعقم الجراثيم النوعية (لا الجنسية) من المجتمع، ويصيره صافيا منها و”زنمرديا”، ثم لايدخل الجنس في تحديد هوية الإنسان، وفيما يقوم به من الوظائف، وفي اختيار من يعاشره معاشرة جنسية.[12]

كان الجنس والنوع في أوائل تأويلاتهما – مثل تفسير روبين – متكاملين، تكاملا يجلوه الشعار القائل: “النوع مظهر اجتماعي للجنس.” مثلهما عند نيكلسون كمثل جسد، يكسى أنواعا وألوانا من الثياب ويزدان بها. فالجنس جسد، يقام عليه النوع الاجتماعي.[13] فالجنس يكسوه الاجتماع أنواعا من تصوراته وتطلعاته تجاه جسد كل من الذكر والأنثى، فيخلق بذلك فروقا نوعية على أجسادنا. عصارة هذا التأويل أن الناحية الجنسية ثابتة، ولكن النواحي الاجتماعية تختلف، فالأعراف تفرض علينا على حسب الهوية الجنسية أمورا، فيصبح فينا الرجل والمرأة بعدما كانا ذكرا وأنثى. ومن ثمرات هذا التأويل والتفريق انفصال العروة التي تربط الذكر بالرجل، والتي تحط الأنثى عند المرأة، فيمكن أن يوجد فينا، أنثى هي رجل، وذكر هو امرأة.[14]

الخلاصة أن هذه النزعة النسوية ترفض فكرة الحتمية الأحيائية، وترد الفروق المشاهدة بين الجنسين إلى الأعراف والاصطلاحات. ونجد الأقلام اليوم تعبر عن هذا بأن النوع من صنع يد المجتمع، وتشير بهذا التعبير إلى أن النوع (الرجولة والنسوية) وما نيط بكل منهما من المواصفات من نحو كون المرأة مربية للأطفال، وكون الرجل طموحا إن هي إلا نتاج للعمل الاجتماعي سواء أمقصودا كان أم عن غير قصد.[15] ولكن هذا لايعني أن الأمر في هذا التفريق هين، بل نجد تضارب آراء بين أصحاب النسوية في تحديد الممارسات الاجتماعية التي تبني قسمات النوع. بل وقع الخلاف قبل ذلك في تبيين ملامح صنع المجتمع نفسه، وما معنى كون الإنسان من نوع معين؟ ولم تتفق كلمتهم عليها. (يراجع مقالة تقاطع النسويتين التحليلية والقارية للاستزادة من الرؤى حول فهم النوع الاجتماعي).

2. النوع صنع يد المجتمع

1.2 التنشئية الاجتماعية والنوع

لقد مر بنا قول السيدة “سيمون دي بوفوار” بأن الواحد لايولد امرأة، بل يصبح كذلك بعدئذ. فعلى أي نحو نفسر قولها هذا؟ أحد الأنحاء هو التنشئة الاجتماعية. فصيرورة المولود رجلا أو امرأة تحصل رويدا رويدا بالممارسات الاجتماعية، فمن توصف بالمرأة تتعلم السلوك النسوي و تتحلى على مر الزمان بما يعد نسويا. فبين الرجولة والنسوية وبين المجتمع آصرة سبب ومسبب.[16] والقوى الاجتماعية لها دور في تكوين الشخصية النوعية أو المجتمع نفسه يخلقنا نحن من حيث الرجل والمرأة، فالمجتمع جزء من جوهر الشخصية النوعية وليس سببا فقط. وأما مصنع هذه الشخصية فهو التعليم الاجتماعي. السيدة “كيت ميليت” – على سبيل المثال – تعود بالفروق النوعية إلى الاجتماع دون العناصر التشريحية الأحيائية. تعاطي المجتمع مع كل من الجنسين يخرج لنا نوعين مختلفين.[17] فالنوع عند السيدة حصيلة الوالدين والأقران وتطلعات المجتمع نحو ما يناسب كل جنس من المزاج والشيم والسلوك والرغبات والتعبيرات وما يلاءمه من طرق الإشارات، وتحديد المجتمع ما لكل من المكانة والقيمة.[18] موطن الاعتراض في هذه الممارسات أنها تؤدي إلى إتباع الأنثى للذكر في أدوار الحياة ومواقف الأيام. فالمرأة تدرب على الجهل والابتعاد عن المعرفة وعلى السمع والطاعة وعلى التقاعس والخمول والاستسلام، ويغرس فيها أنها رفيقة عاطفية للرجل.[19] ولكن هذه المظاهر معلّمة، فيمكن تغيير مجراها ومحو آثار الخطى التي قد خطاها المجتمع على درب التمييز ضد المرأة. حاصل هذا التحليل أن مهمة النسوية أن تسعى للدحر في صدر هذه الممارسات الاجتماعية.

هذا ويقرر أنصار فكرة التعليم الاجتماعي أن العوامل التي تؤدي دورا في تكييفنا في الرجولة والنسوية كثيرة تستعصي على النسوية محاربة هذا التيار. فالوالدان على سبيل المثال يعاملان الطفل والطفلة على نحو مختلف بغير أن يشعرا بذلك. فقد سئل بعض الآباء والأمهات أن يصفوا وليد يوم وليلة، فجاء وصفهم ذا تمييز بين الجنسين، فكانت كلمات القوة واليقظة والاتساق من نصيب الوليد الذكر، وكان من حظ الأنثى نحو الصغر والنعومة. ثم تعاملهم مع رضعهم أيضا يختلف على حسب الجنس وإن لم يتعمدوا ذلك.[20] بل بعض الممارسات صارخة في هذا التمييز. فالذكر يختص من الألوان والثياب بغير ما يختار للأنثى. فاللون الأزرق يناط بالذكر، ولون الورد ينسجم في أعينهم مع الأنثى. يزيد الطين بلة أن هذا التمييز يلاحظ في تخير اللعب أيضا وأنهم يفرضون أنماطا لكل من الجنسين. لامرية في أن الموجة الثانية من النسوية غيرت من التنشئة الاجتماعية الشيء الكثير، ولكن لاتزال الجارية غير مرغوب في قيامها بكرة القدم واشتغالها باللعب الخشنة، ولاتزال نصيبها من الدمى وأدوات الطبخ أكثر من نصيب الغلام الذي لايزال يقال له عند البكاء: “لاتبك بكاء الجارية”، ويعطى مثل الشاحنات والمسدسات من أدوات اللعب التي فيها مسحة من الرجولية.[21]

فيقرر أصحاب نظرية التعليم الاجتماعي أن الأطفال يتأثرون بما حولهم من العالم. فتزداد محاربة التنشئة الاجتماعية صعوبة. الكتب الموضوعة للأطفال ترسم الرجال والنساء رسما نمطيا، فتبدي الرجل قائدا ومقداما ومقتحما، وتظهر المرأة ذيلا وتبعا. فعلى وضاع الكتب للتقليل من هذه النمطية أن يعرضوا المرأة مستقلة بنفسها غير تابعة لغيرها، والرجل مربيا منشئا وبعيدا عن مواطن العنف والخشونة.[22] وقد خطا بعض أصحاب المطابع خطوة أخرى: إنهم أنشأوا رموزا خيالية محايدة في الجنس مثل برنامج الأطفال البريطانوي ” تليتبيز”. ولكن أولياء الأطفال الذين يقرأون لهم مثل تلك الكتب – على حسب دراسة رينزيتي وكوران – يودون بجهود أصحاب المطابع، فيميزون الرموز في الجنس على حسب الأوصاف المنوطة لكل رمز.[23] فهذه الأنماط الجنسية التي لاتزال سائدة في المجتمع تبعث في نفوس الأطفال رسالة حول ما يصلح من السلوك على حسب جنسه، فتجعل من الطفل رجلا وامرأة.

2.2 النوع عبارة عن الشخصية

جاءت عالمة الأجتماع الأمريكية نانسي جوليا تشوردو[24] تنقد نظرية التعليم الاجتماعي ناعتة إياها بأنها مفرطة في تسهيل الأمر، وتقديم تفسير قريب.[25] وجهة نظرها أن النوع عبارة عن شخصية، تتحدد ملامحها وقسماتها بالأعراف والتقاليد في نعومة أظفار صاحبها، والجانب النوعي من الرجولة أو النسوية على سبيل الخصوص ينضج عن طريق تعامل الأم مع ولدها فإنها قيمة على تربيته عادة ما. فالسيدة “نانسي” من حجتها أن الخلاف بين الشخصيتين ينبثق عن منحى عناية المربية من الأم أو غيرها بالطفل. فعلاقتها بالطفل الذكر غير علاقتها بالطفل الأنثى، فهي تشعر الأنثى بأنها مثلها جسدا ونفسية وسلوكا، وأن شخصيتها ليست منفصلة عنها فتذوب الأنثى في شخصية المربية، وتكون ذيلا لها ولكنها تغرس في الذكر أنه يغايرها في هذه المناحي، فلاتذوب شخصيته، بل يقوم حولها من السياج ما يفصله عن مربيته في كل منحى من مناحي الحياة والسلوك، فلايخضع له شخصية. ثم تأتي التنشئة الاجتماعية في صغر الولد تحكم أسلاك هذه السياجات لتخرج شخصية رجولية أو نسوية.[26] هذه الرؤية لها جذور في التحليل النفسي الفرويدي مع ملاحظة أن السيدة نانسي بينها وبين فرويد فروق شتى.

هذه الشخصية النوعية – سواء أرجولية كانت أم نسوية – تنجلي في أنماط السلوك التي نيطت بكل جنس. ولنأخذ التبعية العاطفية مثالا. فالنمط السائد حول المرأة أنها أكثر عاطفية من شقيقها الرجل، فتتوكأ على غيرها، فلاتستطيع أن ترسم لنفسها خريطة حول مصالحها وخيرها من غير أن تقطع لولدها وبعلها فيها مكانا. ويعود بعض المحللين بهذه الظاهرة إلى أن الحدود التي تفصل ذات الإنسان من غيرها والتي تتكون رويدا رويدا، تكون في المرأة غير واضحة ولابينة، فيعصب عليها أن تفصل حوائجها مما لمن حولها، وتستقل عنهم. ولكن الرجل في جانبها المعاكس يجعل مستقلا عاطفيا، ويعد من مناقبه أن يسير على درب الانفراد والتعقل، ويذم منه أن تقوده المشاعر. السبب في ذلك كما يقولون أنه تتكون له ذات مستقلة منفردة عمن حوله، فهو يولي لحوائجه ومصالحه أولوية، وإن كانت على حساب مصالح غيره أحيانا.

فجنوح السيدة نانسي إلى أن هذه الفروق الشخصية النوعية يمكن، بل يجب، أن تحول؛ فإن هذه الشخصية وما نيط بها من الأدوار والأوضاع قطب الرحى في قمع المرأة واضطهادها. فإنها تضرب المرأة في قالب إنسان مرهف حساس لغيره، وتصب الرجل في مصب من لايعبأ ولايبالي. وتصحيح هذا الوضع أن يشترك الأبوان كلاهما في تنشئة الولد.[27] بذلك نضمن أن يقوم حول ذات كل من ذكر وأنثى سياج من الانفراد والاستقلال، وأن تختفي الأنماط الشخصية السائدة بيننا.

3.2 النوع هو الجنس

الكاتبة والناشطة النسوية الشهيرة “كاثرين ماكينون” لها وجهة نظر أخرى حول شأن النوع الاجتماعي. هي على سبيل التقريب أن المجتمع هو الذي ينسج مفهوم الجنس (النوع) على أنه استعباد الرجل للمرأة لإشباع غزيرته الجنسية.[28] فالرجولة عبارة عن السيادة جنسا والنسوية عن الخنوع كذلك ويحدد الشخصية الجنسية وضع الصاحب والصاحبة عند الوقاع، وأن الإثارة الجنسية منوطة بسلطان الرجل وافتراش المرأة. وهذا هو تصور المجتمع للجنس.[29] ولكن هذا لايعني أن الجنس عند السيدة معزول عن صنع المجتمع، بل هو أيضا عندها ظاهرة مجتمعية، لايمكن تفسيرها بغير الاستناد إلى تصرفات المجتمع وتقاليدها، لاسيما وضع الرجل والمرأة عند الوقاع كما مر آنفا.[30] وهذا الوضع يصير الجنس في صميمه شأنا هرميا مترتبا، ففيه الأعلى وفيه الأدنى. عصارة الأمر أن الجنس مرآة لوضع كل من الشريكين عند إشباع الغزيرة الجنسية وضعا هرميا مترتبا. ونتج عن ذلك أن تصور المساواة بين الصنفين غير معقول في إطار السيدة. لئن خلا الجنس من تصور السيادة والخنوع، لم يعد وجود للشخصية النوعية الهرمية المترتبة التي تتمثل في الجنس.

لقد رأينا من موقف السيدة أن وضع القرينين عند إشباع العزيرة في المجتمع الأبوي هو الحكم في تحديد قسمات الشخصية النوعية، وليس الاتجاه النفسي أو السلوك البادي أو غيرهما من الأمر. وقد ذكرنا كذلك من موقفها أن هذا الوضع أيضا من صنع المجتمع، وليس متطلبا فطريا طبيعيا جبليا. بل تكيف الرجل بأنه يتمتع سيدا وقرينته طيعة لينة، وتكيفت المرأة بذلك أيضا. فالمرأة جعلها المجتمع منسجمة مع نسخة الرجل للإثارة، وأيقنها بأن رغبتها لا تثور إلا وهي طيعة لينة وأن هذه فطرة. هنا تضع السيدة إصبعها – في رأيها – على الجرح، وتقرر أن المواد الإباحية أدت دورا محوريا في نشر هذه الفكرة، وترسيخها في العقول.[31] فالوسائط الإباحية تكذب حينما تعرض المرأة راغبة في الخنوع جانحة إلى الخضوع، فتصهر رغبة الرجل في مصب السيادة فلاتشبع إلا وهو سيد سلطان قاهر. والرجل الذي هو الآخذ بناصية القوى في المجتمتع يسلط هذه النسخة من الإثارة الجنسية على المرأة وإن كان على كره منها أحيانا. وهنا تزيد السيدة موقفها وضوحا، وتخبرنا بصلة مركز القوة في المجتمع والفروق الصنفية في السلوك والدور والوضع،[32] فهي ترى أن القوة لم تتركز في المركز الأبوي بحكم الفروق، بل هي ناتجة عن اختلال ميزان القوة. فالرجل والمرأة يراهما المجتمع رؤية متفاوتة لأن معايير القوة لديه تجاهما مختلفة. فالسيادة – كما تقول السيدة – قبل التمييز.[33] وفي نهاية المطاف، تصف السيدة علاج هذا الداء، وتدعو ملاك ناصية التقنين إلى حظر المواد الإباحية كي يستأصلوا بذلك شأو خنوع المرأة وخضوعها.

ج: مشكلات في التفريق بين الجنس والنوع الاجتماعي

3. مشكلات في التفريق بين الجنس والنوع الاجتماعي

1.3 هل النوع نسيج من الجنس؟

إن المواقف التي مرت بنا آنفا تشترك في الواقعية الصنفية التي تفترض أن النسوة طبقة، تتحلى فعلا بمزايا، تميزها، ومن تحلى بها، فقد أصبح من عداد النسوة من دون الرجال. فالمرأة تلك المزايا المتحققة واقعيا. وهذه هي الواقعية الصنفية (أو النوعية). فالسيدة “كاثرين ماكينون” مثلا قد مر بنا أنها ترى أن النوع الاجتماعي للمرأة يتكون من استعباد الرجل لها عند الإشباع. وتزيد على ذلك أن التي تتنصل من هذه العبودية لاتعد “امرأة”. والأمر الوحيد الذي يفصل الرجل من المرأة هو طرفا الاستعباد الغزيري. فالطرف المهيمن هو الرجل والطرف المفترش هو المرأة. المواقف الثلاثة يمكن أن تنتقد في جزئياتها وتفاصيلها (يلاحظ لنقد رؤية السيدة نانسي تشودرو مثلا عمل سبيلمان). ولكن هذه المواقف تكبدت نقدا شديدا في بنيتها التحتية التي تتمثل في الواقعية الصنفية. وهذا النقد سار على اتجاهين: الأول هو إغفال هذه المواقف ما للعرق والطبقة والديانة والتوجه الجنسي وغيرها من عوامل التأثير في التمييز الجنسي الذي مناواته هو قطب رحى النسوية، والاتجاه الثاني هو أن المواقف تصوغ تصورا معياريا للمرأة. فالأول يمكن أن يسمى بنقد إغفال الخصوصيات، والثاني بنقد المعيارية.

1.1.3 نقد إغفال الخصوصيات

إن السيدة إليزابيث سبليمان[34] نقدت الواقعية الصنفية على أساس أنها تغفل الخصوصيات. بيان ذلك على سبيل التقريب أن أنصار الواقعية يخطئون حين يتصورون الجنس بمعزل عن العرق والطبقة والجنسية. لو كان هذا كهذا، لكانت نسوية كل امرأة شيئا واحدا، وليس الأمر كذلك. السيدة أنجيلا هاريس (1993) والسيدة ستون (2007) على سبيل المثال وجهتا النقد إلى موقف السيدة ” كاثرين ماكينون” المار آنفا القائل بأن النسوية عبارة عن الخنوع الجنسي. فإنهما تريان أن هذا الموقف يغمض عن طبقة المرأة التي تسهم في تكوين جنسها وأنوثتها. ولقد يخبرنا تاريخ العنصرية أن كان النمط السائد في عصر العبودية أن الجارية السوداء شهوانية، صاحبة غزيرة جامحة، متطلعة إلى إشباعها بأي طريق كان. فكأنها راضية طاعية لاترد يد لامس، فلايتحقق أن ينسب إليها أن اغتصبت. بل كل ما حدث بها فكأنه عن رضا.[35] ولكن البيضاوات صواحب حشمة وعفة. فالنتيجة التي تتلو ذلك أن الخنوع الجنسي لايصلح لأن يحدد الملامح الجنسية. فإنه مختلف من امرأة إلى أخرى.

فالخطأ الساري في عروق الواقعية الصنفية هو الأنثوية البيضاء. كأن جوهر المرأة هو ما تجلوه البيضاوات، كأن هنا شذرات، تتألف منها النسوان كلهن[36] بغض النظر عن ثقافتهن وأرضهن وسماتهن. ثم إذ كانت النسوية منطوية على الطبقة الوسطى من بيضاوات الغرب، أضحت تلك الطبقة هي التمثيل الوحيد للمرأة، وظن أن النسوية التي تسترها بشرة السوداوات ما هي إلا ما للبيضاوات. فالمرأة اللاتينية في نواتها هي الإنجليزية، وإنما يميزها عنها غشاء من الثقافة التي ما إن قشطت إلا عادتا سواء بسواء.[37] فأقامت هذه النسوية على الصعيد الوجودي ما كان إضافيا، جعلته حقيقة وجودية واقعية. فأعلت من شأن طبقة من النسوة وأنزلت من شأن أخرى، وشملت جميع الطبقات برداء طبقة واحدة.[38]

من خير مثال للأنثوية البيضاء عمل السيدة بيتي فريدان الشهير.[39] فإنها وجدت نواة الاضطهاد الجنسي في العمل بالمنزل، فدعت بنات حواء إلى أن يبحثن عن العمل في السوق خارج أسوار البيت. ولكنها غرب عنها أن من انحدرت من الطبقات الدانية غير السوداء في المجتمع، تعمل خارج بيتها دعما لقرار بيتها وتقديما لأسباب معيشة من يظله بيتها. وتلك الطبقات معظمها غير السوداوات. فنظرة السيدة بيتي كانت مقصورة على المرأة الغربية البيضاء ذات الطبقة الوسطى، ولكنها طبقت على النسوة عن آخرهن خطأ، ومكمن الخطأ أنها طوت كشحها عن الفروق الطبقية والعرقية عند تنقيب أسباب الضيم الذي تلاقيه المرأة.[40]

هذا وتقرر السيدة سبليمان أن المجتمع لايصير الأنثى امرأة فحسب، بل امرأة ذات خصوصيات.[41] فالنسوية تتكيف باختلاف المجتمع والمحيط الذي يحيط بالأنثى. فلاتتحقق أمرأة مطلقة، بل أمرأة عاملة أو غير عاملة، بيضاء أو ذات لون، فقيرة أو ذات ثراء، أوروبية أو غير ذلك وما إلى ذلك من المناحيت التي ينحت بها المجتمع الأنثى لتصير امرأة.

هذا النقد من    السيدة لقي رواجا في الوسط النسوي. فتشيد به “يونغ” بأن سبليمان برهنت على أن الواقعية الصنفية لاثبات لها.[42]

ولكن في الجانب المعاكس استنتجت السيدة “ميكولا”[43] من نقد سبليمان غير ما استنتجته “يونغ”. فإن ميكولا جنحت إلى أن نقد سبليمان لاتؤدي إلى الإطاحة بفكرة الواقعية التي تقضي بأن المرأة لها ما يفسرها ويميزها. وإنما يقتضي أن بعض المحاولات لتحديد هذا العنصر باءت بالفشل. صحيح أن تفسير المرأة بما يخص المرأة الغربية صاحبة الطبقة الوسطى هو ناقص، ولكن صحيح كذلك أن النقد لايسد الباب أمام المحاولة للبحث عن عنصر آخر، يفي بالغرض. (يراجع هاسلانجر [2001 أ] لمعالجة أن الواقعية الصنفية ليست بغير أساس بالضرورة، ويراجع “ستولجار” [2011] لدراسة نقد السيدة “ميكولا” لآراء السيدة “سبليمان”)

2.1.3 نقد المعيارة

ممن نقد التفريق بين الجنس والنوع الاحتناعي السيدة جوديث بتلر، التي نقدت المعيارية المتأصلة في الواقعية الصنفية.[44] هي لم تكتف بالنقد، بل رأت أن هذا التفسير لا يفسر (سنعالج هذا الأمر في جزء ٣.٣). ولكن نقد السيدة للمعيارية ليس متجها إلى جانبها الماورائي (الميتافيزقي)، بل إلى جانبها السياسي الذي يعرف بسياسة الهوية التي هي حراك سياسي قائم على أساس مجموعة عرقية أو ثقافية أو طبقية أو نوعية اجتماعية، واجهت تجربة أو حالة خاصة أو اتسمت بخصائص.[45] فسياسة الهوية النسوية على حسب هذا النقد تحتوى على الواقعية الصنفية حيث تفترض طبقة، هي طبقة النساء، وتواجه هي دون الرجال تجربة أو حالة خاصة في المجتمع، وتميزها هذه التجربة أو الحالة عن غيرها من الطبقات.

نقد السيدة بتلر مبنية على مقدمتين: الأولى تشبه نقد الخصوصية من السيدة سبليمان وهي أن تجريد المرأة في تفسير موحد شامل ثم تسليطه على كل امرأة فيهما تقصير، فإن المرأة لاتتحقق في الخارج إلا مشخصة بعناصر ثقافية واجتماعية وسياسية.[46] فالنسويون في سبيل منافحة الحتمية الأحيائية ركبوا من حيث لايشعرون، من العناصر الاجتماعية تصورا جديدا شاملا للمرأة. أما المقدمة الثانية فهي أن مثل هذا التفسير الواقعي للصنف معياري. فإن أصحابه تصوروا ميزانا، يجب أن يوزن به من تندرج في فئة المرأة.[47] وهذا الميزان بمنزلة عصا، تضبط ما يسوغ للمرأة من التصرفات والسلوك مما لايسوغ، وما يقبل تجاهها من التجارب مما يرفض.[48] فإذا طبقنا هذا النقد على موقف السيدة “نانسي جوليا تشوردو” المار آنفا والمبني على أن النوع عبارة عن شخصية، فالنتيجة أنه لايعد امرأة إلا من تحلى بشخصية نسوية، فلاتعتني النسوية إلا بها. ومن لم تقمص هذه الشخصية، فليس من عشيرة “النساء”، ولامن صواحبات التمثيل النسوي السياسي.

هذه المقدمة الثانية من السيدة قائمة على أن “مقولات الهوية لاتصف فحسب، بل هي في كنهها معيارية، فهي غير شاملة.”[49] فليس الخطأ في تقديم تفسير صحيح للمرأة، بل الخطأ كل الخطأ في الإقدام على المحاولة نفسها. فالتفسير، مهما كان، يتأبط ميزانا ومعيارا، يجب أن تفي به من كانت امرأة.[50] وهذا، في نظر السيدة، طبيعة مقولات الهوية التي لاتنفك عن ضرب من المعيارية. يبدو من كلام السيدة أنها تربط مثل هذه المحاولات ربطا ضروريا بالمنازع والمذاهب[51] التي صنعها من بيديه مقاليد القوة ويحاول بمثل هذا التفسير الإبقاء على هيمنته.[52]

يزيدنا إيضاحا لموقف السيدة نظرتها إلى الأداء النوعي. فإنها ترى أن النظرة النسوية السائدة (التي تنقدها هي) تنوط بكل من الرجل والمرأة صفات ذاتية وأخرى عرضية. فالأولى هي التي تمسك شخصية الرجل والأنثى، وهي التي بفضلها يبقى الرجل رجلا على مر الزمان، والمرأة امرأة. ولكنها في رأي السيدة نظرة معوجة لسبيين:

1: أنه لاتوجد صفات ذاتية،

2: وأن النوع ليس له حقيقة، وما هو إلا قناع تتقنع به القوى السياسية للإبقاء على هيمنتها.

ثم تفصيل السبب الأول أن النسويين يفترضون أن النوع تصنعه يد المجتمع، فكل من الرجل والمرأة من يميل إلى مخالفه. وهذا الجنوح إلى الجنس المخالف هو المحدد للنوع،[53]  وهو الذي يضمن بقاء النوع. فيفترضون أن كل فرد لايقبل نوعه[54] إلا إذا تبع هذا النمط الصارم، (والنمط أن الميل الجنسي النابع من الرغبة الجنسية يجب أن يتبع السلوك الأنثوي أو الذكوري، وأن السلوك بدوره يتحتم أن يقتدي بالمزايا الحياتية الجسدية).

وتفصيل السبب الثاني أن القوى السياسية تجعل من لايتبع هذا النمط من نحو السحاقيات خاطئا في نوعه، وغير ممارس لنوعه الحقيقي، وتشن الغارة على مثل هذه التصرفات غير الملائمة للنمط، وتوظف في سبيل ذلك نحو التنابز بالألقاب والسلوك التمييزي الصريح. لقد أومأنا إلى ذلك من قبل حيث ذكرنا أن تحديد المرأة بالملامح الاجتماعية التي لاتعكس إلا المرأة القوية في المجتمع (وهي في الغرب المرأة البيضاء المتوسطة الجانحة في جنسها إلى الرجل)، أن هذا التحديد أداة لتهميش النسوة اللاتي لايتمتعن بهذه الملامح.

فهذه الصفات الجوهرية للنوع ما هي إلا تخييلات في قوالب قيم وأنماط سلوك، لأصحاب النزعة المائلة إلى الجنس المخالف (المغايرة الجنسية) التي تزدري بالمثلية الجنسية وتراها معجوة مائلة.[55] كأن تلك الصفات الجوهرية طبيعية، مجبول عليها الرجل والمرأة، وليس الرجل إلا ذكرا، وليس المرأة إلا أنثى. فهي نظرة تحتوى على المثنوية الجنسية التي ما هي إلا صورة للإبقاء على هيمنة النمط الاجتماعي القائم على توجه المغايرة الجنسية.

ولكن السيدة بتلر ترفض أن يكون التوجه الجنسي تعبيرا عن النوع الاجتماعي، بل هو عندها منفصل عن الأول.  إن هو إلا أداء. وليس “الهوية الثابتة أو النقطة الدائمة التي تصدر منها الأفعال، بل هو مؤسس على تكرار متعمد غير عفوي لتلك الأفعال.”[56] من نحو لبس كل من الرجل والمرأة ملبسا، ومشيه مشية، وجلوسه جلسة، وتسريح الشعر تسريحة. فليس النوع هو الهوية والكون، بل هو فعل. وإذا استمر الإنسان في مثل هذه الأفعال التي تخص جنسا دون جنس، تجصص في نفسه نوعه، وخيل إليه أنه طبيعة مجبول عليها. فليس نوع المرأة هو الباعث له على مضاجعة الرجل، وليست هذه المضاجعة تعبيرا عن نوعها. بل فعلها هذا (مع غيره من الأفعال) هو يصنع نوعها. فالأمر معكوس.

فهذه الأفعال الصانعة للنوع لها قهرها وقوتها مما يوهمنا أن النوع حقيقة.[57] ونمطنا حول قسمة البشر قسمة نوعية لنمط عملي قوي قائم على تحديد القوى الاجتماعية، ولكنه لايمت بصلة إلى “الأمر الواقع”[58] ومن نتيجته ما نشاهده من أن الناس يظنون أن هنا مظهرا صحيحا للنوع وآخر خاطئا منبوذا من تقمصه. ولكن النوع ليس له من الحقيقة إلا قدر ما هو فعل وأداء.[59] فغير ذي معنى في رأي السيدة أن نقول في المتحول جنسا من الرجل إلى المرأة: إنه رجل قد تأنث. بل هذه الظاهرة على عكس ذلك تخبرنا – في رأي السيدة – أن الانتماء إلى نوع المرأة مجموعة تصرفات وأعمال، ليس إلا.[60] والنتيجة التي تبنيها على هذه المقدمة أن نوع المتحول جنسا حق مستقيم مثل نوع من يعد مسقيما في المجتمع من رجل ذكر وامرأة أنثى، لافرق.[61] لولا المغايرة الجنسية التي تضطر الناس على تصرفات نوعية، لما كان هنا تصور النوع رأسا. فهدف النسوية يجب أن يكون إذابة هذه الأعراف والتقاليد التي تكبل الناس في تصرفات نوعية.

إذ قد قررت السيدة أن النوع أداء، اقترحت في وجه سياسات الهوية النسوية أمرين:

1: أن أصحاب النسوية لاينبغي أن يحددوا كلمة “المرأة”، بل عليهم أن يدعوها تستمر وتتطور وتتغير وتتحول، ولايصح أن يطلق لها بداية ولانهاية.[62]

2: وأن السياسة النسوية لاينبغي أن تكون قائمة على مقولة “المرأة”[63] بل يجب أن يكون منهجها تفسير القوى الاجتماعية وأنماطها التي تعمل على تحديد تصورنا للمرأة، والتي ليس لها سلطان في المجتمع فقط، بل في صفوف النسويين أنفسهم.

2.3 هل الجنس أمر موكول إلى المزايا الجسدية وحدها؟

يذهب كثير من الناس – ومنهم كثير من النسوييين أنفسهم – إلى أن الجنس أمر موكول إلى المزايا الجسدية، ولايد للمجتمع والمحيط في تحديده، وإلى أن الجنس جنسان وهم لايرون فيه إشكالا. ولكن خالفهم طائفة من النسويين ولم يقروا بأن المزايا الجسدية وحدها هي المحدد للجنس. يزيد الأمر وضوحا أن ننظر إلى الفرق بين صنع الفكرة وصنع الشيء العين.[64] ذلك أن الأيدي الاجتماعية كما تخلق أفكارا مختلفة من نحو الجنس والنوع، تخلق كذلك أشياء.

ولنأخذ من باب خلق الشيء العين الجسد الجنسي. فإن من المزايا الجنسية الثانوية أوالجسدية الوظائفية ما يتحدد بتصرفات المجتمع. فرب مجتمع، يطعم الأنثى أقل مما يطعم الذكر، فتكبر وقامتها أقل من قامته.[65] وكذلك العضلات في هيئتها وحجمها وقوتها لاتتحدد بالجنس وحده، بل فرص الرياضة هي التي تحددها في الذكر وفي الأنثى. فإن أتيحت لكل من الجنسين فرصة متكافئة للرياضة، رأى بعض الباحثين أن هذه الثنائية في الشكل والهيئة تنكمش وتتضاءل.[66] ثم عدد من الظواهر الطبية المتصلة بالعظام من نحو تخلخلها وهشاشتها تنجم عن العوامل الاجتماعية من التطلعات التي ينوطها المجتمع بالجنسين والتغذية وفرص الرياضة.[67] فهذه الأمثلة تنبو عن الفكرة القائلة بأن الجنس أمره موكول إلى المزايا الجسدية الوظائفية وحدها. كلا، بل يشاركها فيه المجتمع. عصارة الأمر أن للمجتمع يدا في تحديد قسماتنا الجسدية.

لنتاول الجنس من منظار صنع المجتمع للفكرة! فكرتنا للجنس من هذا المنظار نتاج القوى الاجتماعية التي تصب تصور الجنس في معانيها. المعيار السائد لتعريف الذكر والأنثى ما يلي:

الأنثى: من كان له الصبغي الجنسي المتماثل (أكس أكس)، والمبيض الذي ينتج بويضات كبيرة بالمقارنة إلى غير الأنثى، وعضو تناسلي إناثي، وعدد الإفرازات الغددية (الهرمونات) الإناثية أكبر من عدد الإفرازات الذكورية، وله مزايا جنسية ثانوية من نحو صغر الحجم وقلة الشعر.

الذكر: من كان له الصبغي الجنسي غير المتماثل (أكس واي) والخصية التي تفرز خلايا منوية صغيرة وعضو تناسلي ذكوري وعدد الإفرازات الذكورية أكبر من الإفرازات الإناثية وله مزايا جنسية ثانوية من نحو كبر حجم الجسد وكثرة الشعر.

هذا الإطار لفهم الجنس لم يتكون إلا في نهاية القرن الثامن عشر. فإن الفكرة السائدة قبل ذلك كانت هي اليونانية التي لم تفرق بين الذكر والأنثى بالمزايا، بل كانت نظرة إحادية الجنس تدرج الذكور والإناث في تصنيف جنسي واحد، ولم يكن العضو التناسلي الذكوري مختلفا عن العضو الإناثي إلا في أن أحدهما داخل والآخر مدخول فيه. حتى كان المصطلح للخصية والمبيض واحدا، وإنما كان يفرق بينهما بالسياق.[68] استمر الوضع على ذلك فإذا بعلماء التشريح البشري في أواخر القرن الثامن عشر بدأوا ينظرون إلى التشريح البشري نظرة ثنائية، تجعل بين التشريح الذكوري والتشريح الإناثي خلافا جوهريا،[69] ولاتزال سائدة.

ولكن أستاذة علم الإحياء والدراسات الجنسية “فاوستو ستيرلنغ” تذهب إلى أن هذه النظرة الثنائية لاتخلو من فجوات أيضا[70] فإنها غير شاملة ولاجامعة. إنها خمنت بناء على دراسة تلوية طبية أن الواحد وفاصل السبعة في المائة من البشر تحوي على مزيج من المزايا الجنسية، فلاتسعهم هذه القسمة الثنائية.[71] لقد ذهبت الأستاذة في بواكير أعمالها إلى أن أصحاب الثنائية الجنسية يكوّنون بالإضافة إلى الذكر الأنثى تصنيفات ثلاثة أخرى على الأقل:

المتخنث: من له خصية واحدة ومبيض واحد،

غرانق الماء: من له الخصية دون مبيض، ولكن يتجلى فيه مظاهر العضو التناسلي الإناثي،

المترجلة: من له مبيض دون خصية، ولكن يتجلى فيه مظاهر العضو التناسلي الذكوري.[72] (ذكرت الأستاذة فيما بعد أن هذه الأسماء كانت من باب الهزل). فإدراك الثنائية الجنسية يومئ إلى أن النسوية – وشاركها عامة المجتمع – كانت خاطئة في قسمة البشر إلى الذكر والأنثى.

ويزيد الأمر –  تصور صنع المجتمع لتصور الجنس – وضوحا مثال اللاعبة “ماريا باتينو” التي لها عضو تناسلي إناثي وتظن هي نفسها ويظنها غيرها أنثى، ولكن اكتشف فيما بعد أنها صاحبة الصبغي الجنسي غير المتماثل (أكس واي)، فعزلت عن الخوض في الألعاب النسائية.[73] ولكنها لم تتقاعس، بل لجأت إلى المحكمة، واستصدرت القرار في حقها بأن الصبغيات وحدها لاتكفي لتقرير جسنها. فأمثال ماريا من الثنائيي الجنسية دليل على أن الجنس ليس له معيار معين علمي، بل كل ما نضربه من الموازين فهو دائما متأصل فيه الجوانب الاجتماعية مهما بدا علميا.

فإذا كان المجتمع له يد في تكوين فكرتنا للجنس، فعلى النسوية الحذر في شأن القسمة الجنسية وأن تعيد النظر فيما يعين الجنس[74] لاسيما إذا نلفي في أصحاب الثنائية الجنسية دليلا على أن الخصائص الجنسية المنوطة عادة بكل جنس يمكن أن تنفصل عنه وأن من الحالات ما يجمع بين خصائص كلا الجنسين. تستدل به السيدة أليسون ستون على أن الجنس تصور غير صارم ولامتصلب، بل توجد مزايا وخصائص، إذا توفر بعض منها في واحد، عددناه في جنس معين، ولكن لايلزم أن تتحقق جميعها فيها.[75] فالجنس تصور مشكك غير متواطئ. فالجنس طيف متصل غير منفصل، فيه ألوان، وليس لكل من الذكورة والأنوثة قسمات حادة. بل الانتماء إلى الذكورة والأنوثة ليس إلا مثل درجات لون واحد. فإذا كان الشيء أكثر بياضا من غيره، فالإنسان أيضا أكثر رجلا من غيره. هذا وأصحاب الثنائية الجنسية والمتحولون جنسا يقعون في منتصف هذا الطيف الجنسي، ويصعب تصنيف كثير منهم ذكرا أو أنثى.[76]

في الآونة الأخيرة، قدمت السيدتان فاسيليفا وأيالا[77] فكرة الجنس الممتد. ومثلها كمثل العصا التي يستعين بها المكفوف للتعويض عن البصارة المفقودة. فيستخدم الواحد الدمى الجنسية الاصطناعية التي تعين صاحبها على أداء الدور الجنسي الذي يرغب فيه بغض النظر عن الآلة المنوطة به خلقة. ولكن انتحت السيدة أوستا – وهي فيلسوفة آيسلندية – منحى مختلفا. إنها تجعل الجنس مثل اللقب الذي يمنحه المجتمع صاحبه، فهو في غيره من “الصفات المجتمعية” في نظر السيدة من صنع المجتمع. أما الصفات المجتمعية فهي النعوت التي يحوكها المجتمع في ظرف، فترسم لصاحبها مكانة وحالة في المجتمع، فتحدد سلوكه وخطواته في دائرة وتمكنه فيها. ونمط[78] هذه النعوت فيما يلي:

النعت الممنوح: هو الصفة أو السمة التي يصوغها المجتمع،

الناعت: هو الذي يسم وينعت غيره،

فعل الناعت: هو الفعل أو الحالة أو السلوك الذي له يد في هذا المنح.

السياق: هو الظرف الذي يتم فيه منح النعت.

الهدف: هو ما يحاول الناعت الوصول إليه من خلال النعت الممنوح وإن كان عن غير قصد.

فإذا كان الجنس وظيفته عند السيدة الإشارة إلى المزايا الجسدية، فهو من النعوت الاجتماعية بل المؤسسية، وليس طبيعيا. وإذا ذهبنا نطبق نمطها على الجنس، أضحى لنا ما يلي:

النعت الممنوح: كون الفرد ذكرا أو أنثى،

الناعت: القانون المستند إلى رأي الأطباء وغيرهم من المتخصصين،

فعل الناعت: تسجيل الجنس في السجل الحكومي … وحكم المتخصصين بما يصلح للمولود من الجنس محتكمين إلى خصائصه الأحيائية.

السياق: الولادة أو الجراحة أو معالجة الغدد وماتفرز (الهرمونات).

الهدف: هو إحراز أقصى ما أمكن من الصفات الجنسية النمطية، وقيام الأطباء بالجراحة والمعالجة في المولود الذي يرونه حائدا عن الصفات النمطية كي ينسجم معها.

هذا التحليل من السيدة يكشف مايتوهم في شأن الجنس. فإنه يظن طبيعيا، ولكن هذا التحليل النعتي يقلب الأمر رأسا على عقب. فالجنس هو الحالة القانونية التي يمنحها قانون البلاد. ولكن الملاحظ أن موقف السيدة لا يستلزم ما مر في هذا العنوان من تهافت التفريق بين الجنس والنوع، بل هي تفرق بينهما وإن كان كل منهما من النعوت الاجتماعية. على كل حال، يقوم النمط النعتي على أن الجنس والنوع من صنع المجتمع وأن المجتمع نفخ فيهما معنى. فالمزايا الجسدية النمطية تظن ذات أهمية ومعنى في المجتمع، فتأتي بقيود وحدود على صاحبها في سلوكه وخطواته.

تحليل السيدة هذا يتوافق مع مغزى ما مر في هذا الركن من الحوار حول صنع التصور ولكن بمنظار مختلف.

3.3 هل الجنس والنوع مفترقان

في سياق مواجهة سياسة الهوية و تقديم فكرة الأداء النوعي، رأت السيدة جوديث بتلر أن فصل الجنس عن النوع الاجتماعي لامعنى له، بل كل منهما من صنع المجتمع.

“ولئن نوزعت فكرة الجنس غير المتبدل، ليعودن الجنس – لعله كذلك دائما أبدا – مصنوعا بيد المجتمع، ولتنمحيَنّ التفرقة بين الجنس والنوع الجتماعي.”[79]

(ليست السيدة بتلر ترفض وحدها فرقا حقيقيا بين الطبيعي والاجتماعي، وبين الفطرة والصنع وبين الجنس والنوع. بل يشاركها غيرها.[80]) نجد السيدة في عبارتها المذكورة آنفا تقرر أمرين: أن الجنس بصنع المجتمع وأن الجنس من النوع الاجتماعي. لنرهما بشيء من التفصيل: كون الجنس بصنع المجتمع يرجع إلى أن الجنس عندما نسب إلى أجسادنا، فهو أداء، وليس له حقيقة ووجود بمعزل عن الأفعال التي تكونه.[81] وظاهر هذا يقتضي أن الجسدين الذكوري والإناثي غير مستقلين، فإذا توقف الأداء الجنسي، زال عن الجسد النسبة الجنسية. وهذه نتيجة غير معقولة ولاتقول بها السيدة. بل قصدها أن هذا الجسد الذي هو منصة للجنس، مصنوع بدوره فكأن صنعه يقدم اللبنات للجنس. وكأن تصور المجتمع جزء من المصنع الذي ينتج الجنس ذكرا أو أنثى.[82]

فالجسد المنسوب إلى جنس معين، لايتحقق خارج السياق الاجتماعي، والجنس يصطبغ بالصبغة الاجتماعية[83] وليس الجسد مادة خام، شيد عليها الجنس ولا الجنس من ذكر أو أنثى مبنيا على مزايا حقيقية موضوعية، بل أجسادنا المعجونة بجنس معين، خلقتها نظرتنا ولغتنا التي نستخدمها لها، والكليات التي نصوغها لتصنيف الجنس.[84] فنسبة جنس معين إلى واحد ليست وصفا، بل عملا معياريا. فإذا دعا الطبيب المولود جارية أو ولدا، سلط عليه معيارا من عند نفسه، ولم يكن واصفا للواقع، وكان منه ما يعرف بالفعل اللغوي الإنجازي. (يلاحظ مقالة الموسوعة حول الأفعال اللغوية) حيث إن نطقه يصير المولود ذا جنس معين، ثم ينتهض المجتمع ويتعامل مع جنسه على أنه اثنان لاثالث لهما وأنه طبيعي جبلي غير مصطنع بعمل عامل. وهذا ما قصدته السيدة بتلر حينما قررت أن الجسد المنسوب إلى جنس معين، لايتحقق خارج السياق الاجتماعي وأن الجنس من النوع الاجتماعي، ولم تنكر أن الجسد له جنس، ولكنها أشارت إلى أن فهمنا لهذا الوجود صنعه المجتمع الذي يصير الجسد ذا جنس معين بنظرته ولغته ومقولاته.[85]

وإذا كانت نسبة الجنس إلى جسد ما دائما فعلا تسليطيا معياريا وليست وصفا فقط، فهذه النسبة اضطهاد في نظر السيدة. فإذا أردنا أن نتتبع “نسب الجسد” أو جذور الأسباب التي أدت إلى تطبيع تصور أن الجنس المعجون بجنس معين إما ذكر وإما أنثى، وجب أن نتسلح بالآلات والمناهج النسوية.[86] فمن مسئولية التيار النسوي أن يكشف اللثام عن الوجوه التي بها يؤثر المجتمع وأفعاله في تصورنا للجسد، فيتقمص جسدنا معاني، خلقها المجتمع، ويصطبغ بجنس، قيدته له عادات المجتمع اللغوية وأعرافه العملية. فيستطع التيار النسوي بذلك أن يقاوم مثل هذا التأثير في المجتمع.

على أن قول السيدة بتلر: ” الجنس من النوع الاجتماعي”[87] فيه غموض وإبهام على رغم كل ما مر من التفصيل. فالسيدة ” أليسون ستون”[88] تحمله على ما يظهر منه من أن الجنس هو النوع الاجتماعي، ثم تأخذ عليه أنا نسلم دور المجتمع في صنع الجنس والنوع ولكنهما لايصيران بهذا الصنع شيئا واحدا. فالصواب عندها أن تقول بتلر: “إن الأحكام المتعلقة بالجنس تفترض معايير نوعية مجتمعية” فكثير من تلك الأحكام تحمل في طياتها تطلعات المجتمع نحو الرجل والمرأة سلوكا كأن يقال: “الممرأة أضعف بنية من الرجل”. لاشك أن مثل هذا الحكم يصف شيئا من الحقيقة، ولكنه منطو عل اقتراح المجتمع ألا تشتغل المرأة بحمل الأثقال وأنها لاتجيده. فليست الأحكام الجنسية هي الأحكام النوعية المجتمعية بعينها، ولكن الأولى تفترض الثانية.[89]

4.3 هل الفرق بين الجنس والنوع ذو معنى

ليس كل نسوي يرى هذا التفريق الذي بين الجنس والنوع ذا جدوى. فأولا يرى بعض أن هذا التفريق في الحقيقة يمت بصلة إلى فكرة مركزية الذكورة المناوئة للهدف النسوي. وذلك أنها مبنية على فكرة الأزواج المتقابلة من العقل والجسد، والطبيعة والثقافة، والفكر والعاطفة. وهي استغلت عبر التاريخ لتسويغ قهر المرأة.[90] والسر في ذلك أن أحد الفردين في مثل هذه الأزواج، يعد أفضل من صاحبه، والمفضول منسوب إلى المرأة دائما.[91] فالشخصية الإنسانية – مثلا – تساوق العقل من ثنائية العقل والجسد. والمرأة تسوى بالجسد في هذه الثنائية. والنتيجة أن الشخصية الإنسانية في المرأة أخفض منها في الرجل. ثم التقابل بين الجسد والعقل ينبثق منه التقابل بين الفكر والعاطفة، وبين الطبيعة والثقافة، وبين المعقول وغير المعقول. وطرف واحد من كل هذه المتقابلات أدون من الطرف الآخر. الأدون هو من ذَنوب المرأة. (معلوم أن العقل أكثر قيمة من الجسد، والمعقولية أرفع قدرا من غير المعقولية) فالمرأة تعد أدنى إلى طرف الجسد وطرف الطبيعة من الرجل. فالمرأة تظن عاطفية مزاجية غير معقولة بخلاف الرجل. من مظاهر ذلك الأسئلة التي توجه إلى كل من الرجل والمرأة في المقابلات الوظيفية. فالمفروض في مثل هذه الأسئلة أن نوع الرجل لايستند إليه من المنحى الوظيفي، فلايسئل في المقابلة مثلا: أيصمم هو على بناء الزواج والأسرة في المستقبل القريب وإنجاب الولد؟ ولكن المرأة تواجه هذا السؤال. وهذا يدل على أن المرأة أكثر التصاقا من الرجل بالمزايا الجسدية التي منها الزواج والإنجاب.[92] فالتعادل بين العقل والجسد يعكس التقابل بين الرجل والمرأة.

هذا ويرى فريق من النسوية أن التعادل بين الرجل والمرأة يتفرع منه التوازي بين الجنس والنوع.[93] فالجنس بأزاء الجسد، والنوع بقبالة العقل. ويعبر عنه الشعار القائل: “الجنس بين الفخذين والنوع بين الصدغين” (وإن كان المعارضون من النسوية المقرون بالتفرقة بين الجنس والنوع لايقرون بهذا التفرع). ويتضمن هذا الشعار أن الجنس ثابت غير متغير، والنوع ممكن تغييره ومخير صاحبه بأن يستبدل به. ويوضع الرجل في جانب النوع والمرأة في جانب الجنس كما مر. فالنتيجة أن الرجل مسوى بالعقل وأنه صاحب اختيار ومالك لناصية الجسد فممكن أن يتحرر من قيوده، ورمز للمجال العام وأن المرأة موحدة بالجسد والجنس والإنجاب والانسجام الطبيعي ورمز للمجال الخاص.[94] وهذا يصيّر فكرة الجنس والجسد في نظر نقادها معجونة بالقهر والاضطهاد، فلاتعمل شيئا في سبيل تحرير المرأة، بل “تعضد انتساب المرأة إلى الجسد والجنس والانسجام الطبيعي غير الإرادي.”[95] فلايصح التعويل – على رغم ما ذهبت إليه “غايل روبين” – على هذه الفكرة التي تعزل تصور المرأة من المزايا الجسدية التي منها الإنجاب.

في السياق نفسه، قررت السيدة “توريل موي” أن فكرة الجنس والجسد ساعدت على تفهمنا بطلان الحتمية الأحيائية السائدة عل مر التاريخ، ولكنها تقصر عن “تقديم نظرية عن الإضافية محكمة”،[96] و”عن نسج تعريف للمرأة (أو الرجل) في مجتمع ما على مر التاريخ تعريفا متقنا”.[97] فهذه التفرقة غير مساعدة لأهداف النسوية النظرية.[98] ففكرة الجنس والنوع التي سادت في العقد السادس من القرن التاسع عشر، والتي جعلت الجنس ثابتا غير مشوب بشيء من الثقافة والعوامل التاريخية، أغفلت مكانة التجربة الشخصية في تعيين الرجولة والنسوية، حيث رسمت خطا حادا بين الجنس والنوع، وأدرجت تعيين النسوية والرجولة من باب النوع دون الجنس، فيما كان المفروض أن تدخل التجربة الشخصية عنصرا في كل نظرية، تسعى لتحديد الرجل والمرأة.

ونلفي السيدة “ماري ميكولا”[99] تصف هذا التفريق بأنه غير سائغ وأنه يفترض أمورا واقعية غير مرضية مغبتها، ولامجدية وجوهها السياسية. وتبرهن على ذلك بنقطتين: الأولى أن تسوية النوع بالمجتمع تسوية تامة تؤذن بأن النساء والرجال يزولون بزوال الأعراف والحالات التي تكون النوع. ولكن عامة الناس لايستسيغون ذلك فإنهم لايفرقون بين الجنس والنوع. والثانية أن القول بأن النوع منتج قوى اجتماعية قاهرة مضطهدة، يقتضي أن يكون الذهاب بتصور الرجل والمرأة من أهداف النسوية السياسية. ولكن كثيرا من الناس يرون نوعهم حقيقة واقعة، لاتجحد. فالنسوية بذلك تسعى لإزالة ما لاينبغي إزالته، فلاينهض حينئذ عامة الناس نحو العدالة بين الجنسين. فتقترح السيدة بناء على ما مر أن منطق النشاط السياسي يقتضي أن تترك النسوية التفريق بين الجنس والنوع.

هذا وأماط السيد توماس بوجاردوس [100] اللثام عن ضعف في صميم موقف المفرقين بين الجنس والنوع، وهو أن النسويين لم يكلفوا أنفسهم بأن يبرهنوا على التفريق وإنما افترضوا افتراضا أنه واقع موجود. فلم تبرأ ذمتهم حتى الآن من إقامة برهان على أن المرأة ليس من الضروري أن تكون أنثى بالغة. فنجد السيد أليكس بيرن[101] يذهب إلى ضدما ذهب إليه النسويون، وقرر أن المرأة هي الأنثى البالغة، ليس إلا.[102] وينبي رأيه هذا على قوائم ست:

  • أنه ينسجم مع ما أطبق عليه القواميس،
  • وأن القياس يقتضي أن يكون في اللغة كلمة خاصة تدل على الأنثى البالغة، ولانلفي لهذه الدلالة إلا كلمة “المرأة”،
  • وأن تداولنا لهذه الكلمة أيضا يشير إلى هذا. فإنا أحيانا نعلم الفرد امرأة، ولم نكن علمنا منها إلا أنها أنثى بالغة،
  • وأن ما قيل في كلمة المرأة يجري في كلمة “الفتاة”، ويمكن التدليل عليه باستقلال. فهما متجاريان ثبوتا وبطلانا،
  • وأن هذه الرؤية ترسم بنجاح ما يحدث حينما يتبادل الزوجان أدوارهما ووظائفهما،
  • وأنها تتأيد بأن كلمتي المرأة والأنثى كثيرا ما تترادفان في سياقات مختلفة حتى في السياق الشديد الحساسية الذي لايستقيم فيه وضع رديف للكلمة لأسباب مختلفة من نحو السبب النفسي أو التأثير الذي تحدثه الكلمة ولايتأتى لرديفها.

ولكن لم يذهب مذهب أليكس غير واجد لناقد. فقد انتقده السيد “روبن ديمبروف”[103]، وأشار إلى مغامز ثلاثة:

  • الأول أنه أقام رأيه على افتراض أن كلمة المرأة أو النسوة لها مدلول واحد صارم، وأغمض عن إمكان أنها مشترك، ولها أكثر من مدلول، وقد قال بهذا الإمكان النسوييون من مجالات شتى. ثم إنه يفترض أن المرأة تصور كلي يقوم على ما تشترك فيه جميع النسوان، ولكن أنصار النسوية وفلاسفتها قد انتقدوا هذه الفكرة بإسهاب.
  • والثاني أن أليكس حينما تخير “معنى راجحا” لكلمة المرأة، أغمض عن ساحات شتى، ترد فيها كلمة المرأة في غيرما ترد فيه في الساحات التي اقتصر هو عليها، من نحو الإعلام والقانون. فلم يستوعب جميع السياقات، بل ترك جلها لتحديد المعنى الراجح الغالب.
  • والثالث أن ما فرق به بين ما هو اجتماعي وماهو طبيعي لايتجه نحو ما كان يبغي وراءه من إثبات أن المرأة تشير إلى عنصر أحيائي، لا إلى جانب اجتماعي.

فموقف “أليكس” على حسب ” ديمبروف” مثل المقاتل الذي قتل بسيفه. هذا وقد أجابه أليكس وحاول دفع مغامزه.

غير أنا لانعدم في النسويين أنفسهم من يدنو من بوجاردوس وأليكس في رؤيتهما حول النوع، ويطلق عليهم النسويون المناوئون للنوع الاجتماعي. فالسيدة ” هولي لوفورد سميث” ترى هذه التفرقة بين الجنس والنوع، التفرقة بين الرجل والمرأة وبين الذكر والأنثى غير ذات جدوي، بل هي توحد بين هذه المصطلحات في مصب الجنس، وتجنح إلى أن الرجولة والنسوية مردهما المعيارية النوعية. نحن في هذه المقالة لانسترسل في موقف “المناوئين للنوع” بما أن جل حديثهم دار في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات العامة في الشبكة، ولم يجد حتى الآن سبيلا إلى الدراسات العلمية الجامعية المتقنة.

4. فئة النساء

في ظل ما مر من نقد فكرة الجنس والنوع، نرجع إلى هدف النسوية وهو مقارعة الاضطهاد الذي يواجه طبقة النساء. فالسؤال الطبيعي الذي يمثل بين أيدينا هو: كيف نفهم فكرة “فئة النساء” إن كان النسوية تقرر ما مر من أن النوع ليس نسيجا متجانسا وأن التفريق الحاد بين الجنس المربوط بالمزايا الجسدية الأحيائية والنوع المربوط بالعناصر الاجتماعية باطل أو غير ذي طائل على الأقل، وأن كثيرا من الخصائص التي ظنت تحقق “المرأة” واقعيا (من الخصائص الاجتماعية من الدور والوضع والهوية والسلوك والتجربة، ومن المزايا الجسدية) ليست ضرورية في كل فرد من فئة المرأة، ولاكافية؟ كيف نفهم فكرة فئة النساء إذن بعد تقرير ما تقرر؟ فإن على النسوية رعاية الفروق الاجتماعية والثقافية في تشكيل النوع إذا أزمعت أن تظل برداءها جميع أفراد “طبقة النساء” غير مسلطة على الواقع من التجريدات ما يعمى عن الفروق المحققة للمرأة من حيث هي المرأة. فحصل لنا في ظل تفاعل هذه الجوانب المختلفة، من الوضع  – في تعبير السيدة ” ليندا مارتن الكوف” – ما ينادي فيه النسوي ويتحدث باسم فئة، يرفض أن تكون لها قسمات وملامح معينة. وهي فئة النساء.[104] فإن كان النقد النسوي لفئة النساء في محله، فما حقيقة المرأة وما الخيط الذي يجمع أفراد النساء التي تنافح عنها النسوية؟

ولكن كثير من الباحثين في المجال النسوي لايرتضون بتفكك فئة النساء هذا نظرا إلى تداعياته السياسية.[105] رأت”يونغ” أن موقفا من نحو موقف السيدة إليزابيث سبليمان يعبث بتخوم فئة النساء، ويصيرها أفرادا، لاتنتظم بخيط.[106] فالمرأة لاتختلف عن صاحبتها في اللون وحده، بل في الجنسية والعرق والطبقة والديانة والتوجه الجنسي ومستوى المعيشة. فالمرأة الثرية غير العاملة تختلف عن المرأة العاملة من النسوة البيض طبقة وثروة. ثم هذه الطبقات الفرعية أيضا بدورها تختلف أفرادها اختلافا شديدا. فنجد في الطبقة العاملة من النسوة في إيرلندا الشمالية تحزبا حادا على أساس الانتماء الديني. فإن جارينا السيدة سبلميان، بقينا بغير خيط رابط لأفراد النساء. وهذه مشكلة كبيرة؛ لأن ما تولته الحركة النسوية من منافحة الاضطهاد الذي منيت به النسوة، يقتضي أن نفهم النسوة طبقة واحدة، يجري في أفرادها خيط واحد يربطها. و”لايمكن بغير ذلك”، تقول يونغ: “تفهم الاضطهاد على أنه عمل مراد منظم قائم على أسس”.[107] هذا يعني أن بعض المفكرين يرون تحديد تصور المرأة مقدمة ضرورية لأي عمل نسوي سياسي، وقد شهدت الساحة النسوية أدبا، عني بهذه المهمة.[108] ونستطيع أن نحصر المواقف التي تكونت إبان ذلك في دائرتين:

دائرة الاسمية الجنسية التي ترفض أن يكون هنا للمرأة حقيقة واقعية، بل هي تصور إضافي، وتستند لتحديد تصور المرأة إلى عنصر خارج من المرأة.

ودائرة الواقعية النوعية التي تقر بأن للمرأة حقيقة واقعية ذاتية (ولكن الملاحظ هنا أن مواقف هذه الدائرة تختلف عن المواقف المذكورة في ركن “النوع صنع يد المجتمع”). نستعرض فيما يلي بعض مواقف بعض أصحاب هاتين الدائرتين ذوي الصيت والتأثير. ولكن ينبغي أن نسجل قبل ذلك أن ليس كل واحد من منظري الحركة النسوية يحمل قناعة بأن محاولة تحديد المرأة نظريا تتكلل بنجاح أو يرى ضرورة مثل هذا التحديد للعمل النسوي. لقد أفصحت السيدة “ميكولا”[109] عن عدم ضرورة البت فيما سمته بالخلاف حول النوع، هل يتحتم على النشاط النسوي أن يحدد قسمات “المرأة” ويعين طريقة لتصنيف النسوة تصنيفا اجتماعيا؟ فموقفها أن هذا الخلاف عاد حرونا، لايذلل، وقاحلا لايثمر، بل بات عائقا في التحليل النسوي. فلتطرحه النسوية جانبا، ولاتظنن أن التغاضي عنه يشكل عراقيل في الساحة السياسية.

في السنوات الأخيرة، تقدمت السيدة ” إليزابيث بارنز”[110] بإجابة مختلفة شيئا ما وإن كانت هي أيضا ترى أن يكون رداء النسوية مبسوطا على كل من يرى نفسه امرأة، لاسيما المتحولين. موقفها أن عامة النظريات الفلسفية تحاول الزرع في الأرض القاحلة. فإنها تدعي تقديم تصور جامع مانع للمرأة (أو الرجل أو الغريب النوع) أو مصاديق هذا التصور. ولكن الوصول إلى مثل هذا التصور مستحيل، مخطئ من يظن الوصول إليه. فالموضع الصحيح لمثل هذه النظريات أنها إن كانت لها ثمرة فهي أنها تحلل الوضع الاجتماعي الذي إليه مرجع النوع ومآبه. [111] ثم هذا التحليل من السيدة ليس عين الأول الذي انتقدته، بل هو يختلف عن محاولة تعريف المرأة تعريفا جامعا مانعا أو بيان شروط مصاديق الكلمات النوعية.

1.4 الاسمية الصنفية

1.1.4 متسلسلة النسوة

لقد رأينا من قول السيدة يونغ أن العمل النسوي السياسي لاتبقى له قائمة إن فقدت فئة النسوة خصوصيتها التي تميزها عن غيرها من الفئات.[112] فلأجل إفضاء معنى لفئة النسوة، توظف السيدة تصور “المتسلسلة” وهي أفراد، يجمعها جمعا غير إرادي أحد أمرين على الأقل: الأشياء التي يدور حولها أفعال الأفراد أنفسهم أو آثار عادات قديمة إرادية لغير أفراد المجموعة.[113] والمتسلسلة تختلف عن المجموعة في أن المجموعة يجمعها جمعا إراديا أهداف أو خطط أو مزايا أو تصور للذات، والمتسلسلة يمكن أن يتخذ كل فرد من أفرادها هدفا لنفسه من غير أن يعتد بمشاركة غيره له في شيء. فترى السيدة يونغ نظرا إلى نقد إغفال الخصوصية أن النسوة لاينتظمن في تجربة معينة أو ميزة كذلك أو مجموعة من التجارب أو المزايا[114] بل تتحد فئة النسوة بالنتائج المستقرة من العادات الاجتماعية الإرادية القديمة التي وجهت حياة المرأة وخطواتها نحو أشياء معينة وماجريات يومية.[115] لنأخذ مثلا متسلسلة “ركاب المراكب العامة” التي تتحد بخطوات أفرادها التي تتجه نحو شيء معين وهو المركب، وعمل يومي، وهو استقلالهم له. وكذلك فئة النسوة تتحد بأشياء وأعمال، تسوغ اندراجهن في فئة. وتضع يونغ إصبعها على نوعين من مثل هذه الأشياء والماجريات:

1: قسمات المرأة الجسدية وما يعتمل في جسدها من العمليات من الحيض والحبل والولادة، ويناط بتلك العمليات من الأعراف والعادات في المجتمع.

2: الأشياء والعادات التي تحمل إيحاء إلى خصوصية نوعية من نحو ضمائر وصيغ فعل وأمكنة وملابس ومساحيق وآلات ومنتجات وأثاث مخصصة لكل من النوعين.

 فالنساء متسلسلة بأن حياتهم وخطواتهم متجهة نحو أجسادهم وماوالاها، والأشياء والعادات التي تحمل إيماء إلى خصوصية نوعهم. ثم هذه المتسلسلة يجمع أفرادها جمعا غير إرادي عادات قديمة إرادية من غير أن يكون لأفراد النسوة الموجودة الآن فيها يد.[116]

غير خاف أن السيدة يونغ استجابت لما أثارته إليزابيث سبليمان من النقد. ولكن وضعت ” أليسون ستون” هذا الجواب موضع السؤال: أحقا هو منسجم مع نقد إغفال الخصوصية؟ فإن النسوة على حسب موقف يونغ أيضا ينتظمن بشيء (النتائج المستقرة من العادات الاجتماعية الإرادية)[117]

2.1.4 الاسمية الشبية

الباحثة ناتالي ستولجار أيضا ترى في جانب أن العمل النسوي السياسي مفقتر إلى تصور رابط لجميع النسوة،[118]وتقر في جانب بأنه لايجمعهم شيء ذاتي. فتخلصت من هذه الورطة بالاسمية الشبهية التي تقضي بأن أفراد فئة واحدة تحمل شبها.[119] وهذا ليس ببدع من قول الباحثة، لقد شاركها غيرها مستلهما من تصور فيتغنشتاين للشبه الأسري في سياق الأواصر[120] وإن كانت الباحثة توكأت على تصور الفيلسوف الويلوي “برايس” للاسمية الشبهية التي تقول بأن عضوية فئة تقوم على معيار لها. فزيد مثلا ينتمي إلى فئة إذا كان مشابها للمعيار المحدد لها.[121] فالأشياء الحمراء إنما تعد كذلك لأن كل فرد منها يحقق معيار مطلوبا للحمرة. فكذلك فئة النسوة يحققها معيار، فلايصلح لعضويتها إلا من كان وافيا بالمعيار.[122] فدلالات تصور المرأة أقنعت الباحثة بأن الاسمية الشبهية يتحتم أن يؤخذ بها لتأسيس العمل النسوي السياسي.[123] ثم بعيد أن يقام معيار فئة النسوة بصرامة على ميزة واحدة معينة، يكتسي بها كل عضو من أعضاء هذه الفئة وحدها. بل المرأة تصور معقد مركب متراكم. فنفرد مزايا مختلفة ونوزعها على تصنيفات،[124] ثم نصوغ آلية للاكتتاب في الفئة بناء على تلك المزايا ومافوقها من التصنيفات. وتلك التصنيفات هي مايلي:

1: جنس الأنثى،

2: المزايا الظاهرية من نحو الحيض والولادة والرضاعة وخوف الاغتصاب والخوف أثناء التجول في الشوارع بالليل والتجربة الجنسية،

3: أدوار اجتماعية من نحو الاشتغال بالوظائف المتعلقة برعاية الآخرين من حضانة الأطفال والتمريض وما إلى ذلك، ولبس ملابس خاصة وتلقي الاضطهاد بناء على الجنس،

4: النسبة وهي هنا أن تعرف المرأة نفسها بأنها كذلك، وأن يناديها غيرها بذلك.[125] فالانضمام إلى فئة المرأة على حسب “ناتالي ستولجار” مشروط بمزايا وتجارب متنوعة. منها ما سمته الحركة النسوية على مر التاريخ بالمزايا النوعية المتعلقة بالحالة الاجتماعية والنفسية والسلوكية، ومنها ما يتعلق بالجنس وماوالاه. فهي ترى أن الشخص يمكن أن يكون امرأة من غير أن يكون أنثى. والشاهد على ذلك أن المتحول من الرجل إلى المرأة بغير تغيير الجنس يعد امرأة غير أنثى.[126]

ثم ما الآلية للاكتتاب في فئة النسوة بناء على تلك التصنيفات وماحوت من المزايا؟ لاشك أنها آلية معقدة ملتوية. فلنضرب أولا معيارا، ثم نصغ آلية لإدراج عضو فيها!

المعيار هو أن يحظي شخص بميزة واحدة من كل من أي ثلاثة من التصنيفات الأربعة. فيعد وافيا بالمعيار – مثلا – الشخص الأفريقي الأمريكي المتصف بالمزايا الجنسية الأنثوية الأساسية والثانوية، الداعي نفسه امرأة، المضطهد على أساس جنسه، وكذلك الخنثى الأوروبية التي ربيت جارية، والتي تشغل أدوار المرأة وتحمل المزايا الظاهرية الأنثوية بدون المزايا الجنسية الأنثوية.[127]

أما آلية الاكتتاب فهي ما صاغه “برايس” من نسخة الاسمية الشبهية. فكل من شابه هذا المعيار وقاربه فهو من فئة النسوة.[128] وهذا هو تحديد المرأة.

2.4 الواقعية النوعية الجديدة

1.2.4 الإخضاع والنوع

نشرت السيدة “سالي هاسلانجر” في سنة 2012 كتابا، مكونا من سلسلة من المقالات، عبدت فيه طريقا لتحديد المرأة على أنه تصور اجتماعي غير مرتبط بالمزايا الجسدية الأحيائية فيكون سلاحا في الساحة السياسية في وجه التحيز الجنسي. وعالجت على سبيل الخصوص “النوع”، وقررت أنه إما خضوع أو شغل لوضع مميز في المجتمع. لقد أعادت السيدة النظر في تصور المرأة في مقالات،[129] ولكن أومأت في أخرى ألا يلزم أن يكون تحليلها من باب إعادة النظر.[130] فلنتناول موقفها الذي هو من باب إعادة النظر. ذكرت السيدة أن تحليلها هو التحسين وأنها تجلو المفاهيم التي يهتدي بنورها الحركة النسوية لبلوغ غاياتها.[131] فالنسوية لأجل ذلك تحتاج إلى مصطلح لمواجهة الاضطهاد القائم على الجنس.[132] وهذا الاصطلاح يزداد أهمية لمعالجة أوجه التفاوت في التعامل بين الجنسين. نواة التحليل لدى السيدة هي أن الجنسين يختلفان في أمرين: الجانب الجسدي والحالة الاجتماعية. فالمجتمع ميال إلى الإعلاء من شأن من عنده جسد الذكر،[133] فإلى تفضيل حالته الاجتماعية على من عنده جسد الأنثى. وهذا الوضع صنو التمييز والتفاوت في نظر المجتمع إلى الجنسين. فنظرا إلى ذلك فسرت السيدة الجنسين بما يلي:

المرأة من أخضع في جانب من جوانب الحياة من الاقتصاد والسياسة والقانون وما إلى ذلك أخضاعا منظما نابعا من نظر المجتمع إلى المزايا الجسدية الحقيقية أو الوهمية التي جعلت مرآة لدور الأنثى في التناسل. وليست المرأة إلا هذه،و العكس صحيح أيضا. فالتعريف يحصر كلا من الطرفين في صاحبه.

الرجل من حظي بامتياز في جانب من جوانب الحياة بناء على المزايا الجسدية الحقيقية أو الوهمية التي جعلت انعكاسا لدور الذكر في التناسل. وليس الرجل إلا هذا، والعكس صحيح كذلك.[134]

فالمقوم لتصور المرأة هو الاضطهاد النابع من أرض الجنس، والمقوم لتصور الرجل هو الامتياز النابع كذلك.

ولكن هذا التحليل يبدو غير متبادر إلى القبول. فإنه لايعد من المرأة من لايتلقى الاضطهاد على أساس الجنس من نحو ملكة إنجلترا، ولايحسب من الرجل من لايحظى بامتياز بناء على الجنس. وهذا يدعو إلى ترك هذا التحليل. غير أن السيدة لها رأي آخر في شأن التعريفات والحدود التي هي من باب إعادة النظر. فليست مهمتها ضبط ما هو السائد.

علقت السيدة ميكولا على كلام هاسلانجر وردته بأنه لافي السياسة نافع ولافي التحليل مهم.

ثم الملاحظ هنا أن اقتراح السيدة يستدعي الذهاب بالرجل والمرأة. فإنه إن زالت الممارسات التمييزية التي تخضع هذه وتجعل هذا ذا حظوة، زال “الرجل والمرأة” على تعريف السيدة وإن كان الذكر والأنثى يدومان. ولكن ليس كل نسوي يتخذ من هدف النسوية هذا الاستئصال. من هنا علقت “ستون” على موقفها بأنه لايفسح المجال لتقويم تصور المرأة مرة بعد أخرى بما يسوي بين المرأة والخنوع. فالمرأة التي تتحدى حالة خنوعها، تتحدى كونها امرأة سواء أشعرت به أم لم تشعر، والتغير المنشود يكون على هذا الموقف هو الذهاب بالمرأة من المجتمع.[135]

وهذا ليس غير مطلوب فحسب فإن المطلوب هو تملص المرأة من الخنوع وتبقى هي مرأة، بل هو مناف للأمر الواقع أيضا. والأمر الواقع أن ما يناط بالأنوثة من الأعراف والمعايير في تغير دائم وتحول قائم، فالمرأة تبقى مرأة من غير أن تكون خاضعة.[136] السيد ثيودور باخ والسيدة “ميكولا” أيضا شاركا ستون في أن الاستئصال غير مرضي. هذا والسيد باخ أيضا يرى أن موقف ستون غير مرضي ولكن على أسس مختلفة، ثم هو محفوف نوعين من الصعاب:

صعوبة الحضور السياسي: فإنا إذا ذهبنا بفئة المرأة، فما الذي نذب عنه ونطالب بالحقوق السياسية له؟[137]

صعوبة الحد الجامع المانع: فإنا لانعثر على ميزة، تشترك فيها النسوة في جميع البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وعلى مر التاريخ. ثم إن آثرنا ميزة، فقد آثرنا من النسوة شريحة متحلية بها، وهمشنا غيرها التي هي عطل عنها.[138]

فلأجل التملص من هاتين الصعوبتين، لجأت “هاسلانجر” على حسب “باخ”، إلى ما سماه بالموضوعية الاجتماعية. فلأجل التخلص من صعوبة الحد الجامع المانع، نستند إلى خاصية غير جوهرية.[139] وتفاديا لصعوبة الحضور الساسي، نتوكأ على تصور خفيف للموضوعية. فرؤية هاسلانجر أن النسوة متكافئة على مستوى موضوعي أيضا، وليس الأمر أنهن يجمعهن إطار مضروب ضارب في أعماق التاريخ غير مستند إلى شيء موضوعي. ولكن “باخ” يعترف بأن هذه الرؤية ليست على درجة كافية من الموضوعية، فيبقى بحاجة في ساحة السياسة إلى تفسير أحكم وأقوى للرجل والمرأة، يصيرهما مختلفين اختلافا طبيعيا واقعيا.[140] فتمضي قدما معرفا المرأة على أساس الجوهرية التاريخة قائلا:

“الحد الفاصل الذي يسمح للفرد بالدخول في فئة النساء، هو انحداره من نسب معين. فالفرد امرأة إذا كان منحدرا من امرأة مارا بأحوال جنينية خاصة بالمرأة في نظام التولد المعروف العام.”[141]

فليست المرأة كذلك على حسب الخصائص الاجتماعية الظاهرة من نحو الحالة الاجتماعية، بل على حسب جذورها الضاربة في التاريخ بـأن تمر بأحوال جنينية خاصة بالمرأة غير مقصورة على مكان دون مكان. لاشك أن هذا المنحى أضبط وأشمل مما عند السيدة هاسلانجر.

ولكن لم يعدم السيد “باخ” من يخالفه الرأي. فالسيدة “ميكولا” اعترضت على موقفه بأنه مضطرب ، وهذا الاضطراب صيره لغزا. ثم فلسفته أيضا يعوزها ما يعوز غيرها: إنها لاتذلل صعوبتي الحد الجامع المانع والحضور السياسي. هذا ونحن نعلم أن الموقف الواقعي القديم في خميرته يضاد التحول الجنسي.  فالمرأة المتحولة التي لم تخض التحول الاجتماعي ولم تصطبغ بالصبغة الاجتماعية لاتعد امرأة على هذا التفسير.[142] بل تعد رجلا على خلاف هويتها. والسيدتان بيتشر وكاثرين جينكانز توليان للهوية وزنا وأهمية، فالأولى تؤكد أن المرأة تفهم على أكثر من وجه. فالوجه السائد الغالب يوصد باب النسوة والنسوية أمام المتحولات، والوجه المهمش هو ذو الشمول والعموم الذي يسع صدرا بالمتحولات. فيقرر هذا الوجه أن ليس الأصل أن تحتاج المتحولة أن تثبت استحقاقها في الانتماء إلى النسوة والنسوية، بل الأصل أن كل من نطق بأنه امرأة، فهو كذلك غير مسئول عن إقامة البرهان عليه. فلاينبغي أن نغلق باب التحليل أمام أطياف مختلفة لتصور المرأة في أوساط شتى في المجتمع.[143]

وكذلك السيدة “كاثرين جنكينز”[144] خصصت رؤية هاسلانجر بالنقد وأبرزت أنها من باب إعادة النظر والتحسين، ومقصية لبعض المتحولات، وتفرع رؤيتها التحسينية إلى فرعين: الأول  هو ما تقصده هاسلانجر بنفسها من أن النوع مفهوم تصنعه يد المجتمع، والثاني هو ما يعيشه الفرد من تجربته الشخصية.[145] وهو التصور الذي يسمح لنا بأن نمدد تصور المرأة إلى المتحولات أيضا وقد أقصاها موقف هاسلانجر بغير حق. (ولكن لم يسلم موقف “جنكينز” من نفس ما نقدت به موقف هانسلانجر. لقد أبرز السيد “أندلر”[146] أنه وإن بدا شاملا، ولكنه في قرارته مقص ومخرج أيضا. لقد أجابت السيدة إلى نقدها، وطورت تصور الهوية النوعية تطويرا.)

أومأت السيدة هاسلانجر إلى أن رؤيتها وإن كانت تحسينية ولكنها ليست من باب إعادة النظر كما قد يبدو في أول وهلة.[147] وأساس قولها هذا أن عامة الناس لايحيطون بمحتوى الكلمات التي يطلقونها، وليس مستبعدا أن استخدامنا للغة يكون قد كونته يد الأفكار المستولية القاهرة التي تخدعنا من حيث لانشعر.[148] فمصطلح النوع عند السيدة إذا كان غير متبادر إلى الفهم ولاقريب إلى الوجدان، فهو بسبب أن يد الأفكار المستولية تكون قد عبثت بتصوراتنا التي اعتدناها، وأغرتنا بشأن تصوراتنا النوعية. فلعل لغتنا اليومية المتعلقة بالنوع تدل على غير ما تظن دلالتها ونحن لانشعر بذلك. فرؤية السيدة قائمة على تحليلها للإطلاق اللغوي، فلعل منحاها أنا نطلق المرأة على أساس التابعية الجنسية وإن لم نشعر بذلك. إن كان الأمر كذلك، فهي محقة في أن رؤيتها ليست بالضرورة من باب إعادة النظر.

ولكن مالت السيدة شاول[149] إلى أنا إن سلمنا إمكان هذا من السيدة ” هاسلانجر” من إطلاق كلمة المرأة على الخنوع إطلاقا منبثقا غير مشعور به، فإثبات وقوعه صعب جدا. فإن اللغة اليومية تتنوع وتلتوي في إطلاقاتها ومدلولاتها.[150] فلايكفي هذا الإمكان لإثبات وقوعه مالم تقدم السيدة هاسلانجر بينة على ذلك.

1.2.4 المهاوية الأحادية والنوع

تميل ” شارلوت ويت”[151] إلى ما تسميه بالماهوية الأحادية. وباعثها في هذا الميل أن كثيرا من الأفراد يصرون على أن النوع جزء من ماهيتهم: لوكان نوعهم غير ما هم عليه، لكانوا أفرادا مختلفين تماما. فالماهوية الأحادية استجابة لهذا الإصرار احترام لهذا الشعور الموجود عند عامة الناس. ولكن ما الذي يميز هذا الموقف الماهوي من المواقف السابقة الواقعة تحت ظلة الماهوية أو الواقعية النوعية؟ الجواب أن بينهما بونا بائنا وفرقا شاسعا. فالسيدة “ويت” لاتفترض لتصور المرأة وصفا جوهريا، لاتتحق المرأة بدونه، كما تفترض المواقف التي مر ذكرها آنفا غير مراعية بالفروق الموجودة في النسوة.

ثم موقفها يمتاز عن مواقف الواقعية الأخرى في جهة أخرى. وهي أن مواقف الواقعية كانت استجابة لمشكلة النوع الاجتماعي للمرأة لتوظيفه للنشاط السياسي. وأما موقف السيدة فلم يكن محاكمة بين الواقعية والاسمية أو محاولة للوصول إلى تصور النوع الاجتماعي المبني عليه النشاط السياسي. بل هو سعي لإثبات أن النوع جزء من هويتنا نحن.

الماهوية الأحادية ضرب من الماهوية الشخصية. لقد درج الفلاسفة على نوعين من الماهوية: الفردية التي هي ناظرة إلى ما يقوم الفرد والماهوية الصنفية التي هي معنية بالمشترك الذي يربط بين أفراد شتى. ثم يسعنا أن نميز في الماهوية الشخصية نفسها بين ضربين: ماهوية “كريبكين” التي قطب رحاها تحديد الفرد والماهوية الأرسطية التي تنحنى عن الأولى شيئا ما. ذلك أنها تقدم خيط تفسير لوحدة الأفراد والأعضاء. كيف نفهم أن الهوية الشخصية للفرد توجد مستقلة عن أجزاءه وأبعاضه؟ (كان النقاش في صفوف النسوية حول الاسمية والواقعية حائما حول الماهوية الصنفية قبل السيدة “وت”. ولكنها جاءت تشق طريقا جديدا في النقاش). فالسيدة تؤيد من هذين النوعين الماهوية الأرسطية التي تنوط مهمة الربط بين أفراد الصنف بالماهيات الوظيفية التي تنشئ الهوية الفردية وتجعل شخصية مستقلة للفرد المؤلف من أجزء وأبعاض وجزيئات. تضرب السيدة مثلا دارا، مكونة من أجزاء شتىى، يجمع بينها غاية واحدة وهو كونها للسكنى. فالدار بهذا الخيط الغائي تصبح وحدة مستقلة، وليست مجموعة من أجزاء مستقلة.[152] فالنوع له الوظيفة نفسها، فإنه يكسو ذلك الخيط الذي يحدد أدوار أعضاء المجتمع ويؤلف بينها. ذلك الخيط هو مبدأ الوحدة المعيارية.[153] من ثم، كان الجنس خصوصية ماهوية فردية لأعضاء المجتمع.

حري بنا في هذه المرحلة أن نوضح مصطلح الجنس ومصطلح الفردية الاجتماعية اللذين يتداولهما أعمال السيدة “وت”. فالجنس عبارة عن الوضع الاجتماعي الذي يتحدد بنظرة المجتمع إلى الوظيفة التي يؤديها الفرد في عملية الإنجاب: فالمرأة تحبل وتحمل، والرجل يصيرها كذلك.[154] فهاتان الوظيفتان وإن اتصلتا بالإنجاب ولكنهما غير الوظيفة الأحيائية التي توازي الجنس في ثنائية الجنس والنوع الاجتماعي.[155] فالرجل والمرأة هما أن يعرفا في المجتمع بأنهما يؤديان وظيفة خاصة في مراحل الإنجاب.[156] فالوضع الاجتماعي هو نظر المجتمع.

ثم تفرق السيدة بين “الشخص” الذي يشعر بنفسه و”الإنسان” الذي هو إشارة إلى الجانب الأحيائي و”الفرد الاجتماعي” الذي يحتل مكانة خاصة ووضعا معينا في المجتمع احتلالا مستمرا. وهذه المفاهيم الثلاثة تختلف من حيث الدوام والاستمرار ومن حيث حالة الهوية. فالفردية الاجتماعية هي قائمة على معيار اجتماعي كما أن الإنسانية قائمة على معيار أحيائي. يختلف أحد المعيارين عن صاحبه في جهتين: أن الأعراف الاجتماعية تختلف من مكان إلى مكان، بخلاف العرف الأحيائي وأن المعيار الاجتماعي مفتقر في تقومه إلى اعتراف المجتمع بأن الفرد يستجيب لعرف خاص، ويوزن به.[157] ثم تسوي السيدة بين الشخصية والشعور الذاتي، فالشخصية تبقى وإن لم يعترف بها المجتمع، فيما توحد السيدة الفردية الاجتماعية بخاصية اجتماعية خارجة من ذات الفرد. فالفردية بقاؤها منوط بنظر المجتمع، إن زال، زالت.

يتبين من كل ما مر أن النوع عند السيدة يختص بالفردية الاجتماعية، وأن تسليطه على الشخصية أو الإنسانية خطأ. فلايعقل في نظامها أن الشخصية رجل أو امرأة، أو أن الإنسان كذلك. وإنما الفرد يوصف بأنه رجل أو امرأة. وسبب ذلك أن الفرد هو الذي يحتل في الأمر الواقع مواضع منوطا بها الأعراف، يستجيب لها ويجري تقويمه عليها.[158] ولكن نعلم أنا نحتل ونحن أفراد، أوضاعا شتى في آن واحد. فالمرأة ممكن أن تكون أما ومهاجرة وشقيقة وأستاذة وزوجا وداعية ومرشدة في آن واحد. فما الذي يقوم الفردَ من هذه الأوضاع فليس كلها مقوما لها يقينا؟ (كما أن الثريد مليح كثيف وذو مرق، ولكن ليس كل ذلك يؤدي دورا في ماهية الثريد). وجواب السيدة أن الفردية لحمتها وسداها النوع: كون الفرد امرأة ورجلا. تقول:

“[النوع هو] الوضع الاجتماعي الرئيس الذي يبقى ويستمر ويبنى عليه غيره من الأوضاع المتزامنة معه بناء مبدأ معياري غير مادي.”[159]

والمراد بالبناء المعياري أن الفرد يستجيب للفيف من الأعراف في أدواره التي يؤديها في المجتمع، والأوضاع التي يشغلها، وهذه الأعراف مناويل من السلوك والعمل، تعين ما ينبغي أن يفعله الفرد في وضع معين وهو في دوره وسياقه الاجتماعي.[160] ثم هذه الأعراف يمكن أن تتعارض: فمثلا تتعارض أمومة المرأة مع منصبها في الجامعة فيلسوفة. ولكن هذا التعارض لايتصور بغير أن نفترض أن جميعها لازمة ويكلف بها الفرد. الآن تسأل السيدة: ما الذي يفسر وجود الفرد في المجتمع واستمراره ووحدته وهو تعتوره هذه الاعراف المتضاربة؟ فتجيب بأنه النوع.

فليس النوع دورا من أدوار المجتمع عند السيدة. بل هو الدور الأب الذي يتماسك بالفرد المستجيب في المجتمع. الدور الأب هو ما يقوم على قاعدتين، تتحققان في نظر السيدة في الجنس: أنه يحافظ على وحدة الفرد في المجتمع باستمرار، ويصيره باقيا مع غيره من الأفراد، وأنه أساس لغيره من الأدوار الكثيرة. وواضح أن الجنس يقدم القاعدتين فإنه يستمر مع الفرد مادام وضعه الجنسي باقيا في المجتمع. وإن ورد عليه التحول الجنسي، أجابت بأن التحول لايعني سوى أن الفرد القديم زال، ويحل محله جديد. وهذا منسجم مع أن الشخص مستمر ولكن الفرد يتحول. فنظريتها متماسكة، لاتنتقض بالتحول الجنسي. ثم إنه قالب لأدوار كثيرة، تنصب فيه من نحو كون الفرد أبا أو أما وكونه ذا حرفة. وما نيط بهذه الأدوار من تطلعات المجتمع موكول إلى جنس الفرد. فالجنس هو المتحكم في تلك الأدوار الاجتماعية. ثم الجنس بخلاف غيره من المظاهر الاجتماعية من نحو العرق، ليس الدور الأب فقط، بل هو بالإضافة إلى ذلك الخيط الموحد. وهذا معتضد بدراسة الثقافات المختلفة عبر العصور المتباينة. تقرر السيدة أن قوامية الأب عرف عالمي غير مقتصر على زمان دون زمان، ولاعلى ثقافة دون ثقافة.[161] ولكن العرق لم يحظ بهذه العالمية في التاريخ البشري. فالجنس هو الأقمن بأن يكون الماهية التي تمسك أفراد المجتمع. هذه الرؤية – الماهوية الجنسية – إذا فسرت آصرة الفرد بجنسه، فإنها مهدت طريقا لتصور شخص المرأة، فتساعد في العمل النسوي السياسي.

2.2.4 الوضع الاجتماعي والنوع

ترى السيدة ” ليندا مارتن الكوف” أن النسوية تعاني من أزمة الهوية. ذلك بأن منطلقها فئة النسوة. ولكن قد رأينا أن كثيرا من النقود قد توجهت إلى هذه الفئة، وأن “المرأة” قد حفت بسحب من الخفاء.[162] فلكي تنقشع هذه السحب، تقدم السيدة تفسيرا جديدا للجنس مشيدا الوضع الاجتماعي. فالجنس مع غيره من العناصر هو الوضع الذي يحتله الفرد في المجتمع، وهو المنصة التي منها الانطلاق للعمل النسوي السياسي.[163] وتجعل الوضع الاجتماعي خاصة أرضا، ينبت عليها الهويات النوعية (أي تصور الفرد عن نفسه). “الشخصية” (أو شعور الفرد بكونه امرأة) وهوية المرأة تتكونان بوضعها في المجتمع.”[164] تقر”الكوف” بأن الدور الذي يؤديه الفرد في الإنجاب هو معيار موضوعي لتمييز الأفراد بعضها عن بعض.

“الرجل والمرأة يختلف أحدهما عن صاحبه بحجة صلة كل منهما بالإنجاب الذي يضم الحبل والحمل والولادة والرضاعة مما يتصل بجسد الفرد.”[165]

الفكرة هي أن من تعد أنثى في العادة تواجه، وإن لم تنجب بالفعل، أعمالا وتطلعات وعواطف، غير ما يواجهه من يعد ذكرا.[166] ثم هذا الاختلاف في صلة كل من الجنسين بالإنجاب يضحي سماء، تظهر فيها مظاهر شتى اجتماعية وثقافية، تحدد وضع كل من الرجل والأنثى. فالإنجاب:

“ممكن أن يكون أساسا للتكتلات الاجتماعية، ومايخوضه الفرد من التجارب، ومايثير من العواطف والمشاعر من المباهاة أوالبهجة أوالخجل أوالشعور بالذنب أوالندم أوالارتياح بالتملص من الإنجاب.”[167]

فالإنجاب أساس موضوعي للتفريق بين الأفراد، يأخذ إخذ الثقافة فيضع كلا من الرجل والمرأة موضعه، فيعيش كل منهما منحى حياته على حسب جسده. ثم تضحي في المجتمع هويات نوعية. فالمجرى ما يلي: أن الدور في الإنجاب يحدد الوضع الاجتماعي الذي بدوره ينشئ الهويات.

بما أن النسوة لها دورها في السياقات المختلفة، لايشتركن في جوهر.[168] بيد أن “الكوف” تعترف بأن تفسيرها يدنو من التفرقة بين الجنس والنوع السائدة في العقد الستين من القرن الماضي حيث إن الجنس، (بمعنى ما يعانيه الفرد من الآلام في المخاض والإنجاب) يقوم أساسا لترتيبات اجتماعية معينة (أي تكون هوية اجتماعية نوعية). ولكنها صاغت رؤيتها صياغة، تحامت ذلك النقد. قالت: “فنلاحظ أن التفرقة بين الجنس وهو هوية موضوعية، والنوع الاجتماعي وهو أمر اجتماعي متغير، لاتستلزم ماكان يظن من تفرقة حادة بين الطبيعة والثقافة.”[169]

فرؤيتها تتحاشى ما لايمكن أن يفسر ويؤيد من إيلاء الجنس بالطبيعة والنوع بالثقافة. بل التفريق على أساس الإمكانات في الإنجاب يتجاوب تأثيرا وتأثرا مع المظاهر الاجتماعية والثقافية من نحو التكتلات الاجتماعية. ويؤيد ذلك أن التقدم في العلوم مكننا من التدخل في الفروق الجنسية وتغييرها.[170] فعصارة القول أن نواة النشاط النسوي السياسي هي النوع الذي تتحدد قسماته بالوضع الاجتماعي.

5. ما وراء الثنائية

في الآونة الأخيرة، لاحظ السيد ” روبن ديمبروف” أن جميع النظريات المفسرة للنوع الاجتماعي تغفل عن الهويات النوعية غير الثنائية. وهذا الوضع يستتبع مشكلتين:

الأولى أن مثل هذه النظريات لاتضم إلى صدرها أناسا، لايبغون تصنيف أنفسهم في التصنيف الثنائي التقليدي الذي لايعرف إلا الرجل وحده والمرأة وحده. فلانستطيع أن نتوكأ على هذه النظريات حينما نفهم النوع في أفق أوسع يتجاوز سماء الثنائة.

الثانية أن المشكلة الأولى تولد ما يسمى بالتعسف التصوري الذي هو نوع من التعسف المعرفي. ذلك أنها تخلق حالة اجتماعية، يقصر فيها عامة الناس عن إدراك الإطار المعرفي والسلوكي الذي به تتبين قسمات النظرة غير الثنائية وملامحها، فيعجز الإنسان غير الثنائي نفسه أن يتفهم هو ما يجري بداخله وبذاته، فلايجد بين يديه مصبا، يصب فيه حقيقة ذاته، ولايتأتى له أن يعبر عن قرارة نفسه في مصطلح مقرر. فيقترح يمبروف تفسير “غريب النوع”، ويسمىه “النوع الناقد”. يقول عنه:

"... القسم الذي يقوم أعضاؤه بزعزعة التصور السائد حول النوع. فالغريب النوع في رؤيتي قسم، أفراده جميعا يسعون وراء كسر رحى الثنائية التي تعلن أن الإنسان في نوع إما رجل وإما امرأة، لايجتمعان في إنسان، ولايكون إنسان غيرهما."[171]

إياك أن تسوي بين هذا الموقف و موقف “المناوئين للنوع” الذي قد مر آنفا والذي يعيب على النسوية تركيزها على النوع دون الجنس. أما موقف ديمبروف فهو أيضا مركز على النوع، ولكنه ينتقد الفهم الثنائي له ويدخل قسما له جديا وهو غريب النوع.

يتبين ديمبروف ضربين من مساعي زعزعة الثنائية: ضرب مبدئي وآخر ذاتي. فالضرب المبدئي “يحلق في فضاء التزام شخص التزاما اجتماعيا أو سياسيا بالأعراف والسلوك والأطر النوعية. والضرب الذاتي يتدفق من شعور شخص بالدور والتمثل والتصنيف النوعية أو رغبته في التقمص بها.”[172] وجلي منهما أنهما ليس متباينين بالضرورة. ثم هما يفرقان بين أعضاء “الغريب النوع” وأنصاره. يقول: “إذا كان كل من العضو والناصر يكافحان النظرية النوعية السائدة، فالعضو ينطلق – ولو من وجه – من شعوره أو رغبته، فيحيد عن التطلعات والأعراف والافتراضات السائدة.”[173] ثم هذا المنحى من ديمبروف يبصرنا بالنوع غير الناقد الذي تمثله ثنائة الرجل والمرأة، في قبالة ” النوع الناقد”. يعرف ديمبروف النوع غير الناقد بما يلي:

"النوع يعد غير ناقد في سياق اجتماعي إذا كان أعضاؤه يحافظون على أركان النظرية النوعية السائدة في بيئتهم، كل الأركان أو بعضها."[174]

المهم في فهم ديمبروف للنوع الناقد والنوع غير الناقد أن انتساب الإنسان إلى ضرب من النوعين ليس مجرد ظاهرة نفسية، بل هو أكثر من ذلك. فالسعى وراء زعزعة السائد أو المحافظة عليه لايكتمل بمجرد الشعور والإحساس والرغبة، بل لابد من ضم عمل ونشاط. هذا وديمبور يقدم هذا الفهم بديلا لموقفين من النوع داخليين:

الموقف الأول للسيدة جينيفر ماكيتريك[175] التي تجعل النوع الاجتماعي فطريا بمعنى أن الشخص هو صاحب هوية النسوان – مثلا – في بيئة إذا كان مجبولا على التصرفات التي تقرنها تلك البيئة بالمرأة.

الموقف الثاني للسيدة كاثرين جنكينز التي تخضع الهوية النوعية للأعراف التي يعامل بها الشخص في بيئته التي عاشها. فالشخص على هذا الموقف يعد امرأة إذا كان يمر بالأعراف التي تخصص بالمرأة في بيئته. ولكن الموقفين كليهما على حسب “ديمبروف” يقصر عن الهويات غير الثنائية، فتصبح نظرية الغريب النوع بذلك نظرية ناقدة.

هذا ويعترف ديمبروف بأن الأعمال الفلسفية الجادة حول غير الثنائية لاتزال بكرا. ولكن الملاحظ أن الفلاسفة في تحليلاتهم قد أضحوا يشتغلون بغير الثنائية. وهذا مهم.

6. الخاتمة

هذا المقال بدأ بدراسة الحتمية الأحيائية وماوجهت إليها النسوية من النقد والوزان بينها وبين الموقف القائل بأن الجنس من صنع يد المجتمع. ثم ثنى بالنظر في نقد النسوية لتصور الجنس والنوع بل للتفرقة بينهما نفسها. ثم عالج جميع المآخذ التي أثارها الأول والثاني وانتهى بمناقشة تقديم تصور شامل للنسوة، يقوم عليه النشاط النسوي السياسي. فأبرز أن النوع – وهو كون الفرد امرأة أو رجلا – لايزال مادة دسمة للنقاش والمداولة، وأن النسوية المعاصرة وإن كانت جانحة إلى نقد النسخة الأولى من التفرقة بين الجنس والنوع والتي كانت في العقد الستين من القرن الماضي ولكن كثيرا من النسويين لم يعزفوا عن الرؤية القائلة بأن النوع شيء اجتماعي وأنه بوجه أو آخر غير الجنس. ولكن ولم يبت القضاء حتى الآن في شأن تصور الأمثل أو الأنجح أو الأصوب للنوع الاجتماعي.


المراجع

  • Alcoff, L., 1988, “Cultural Feminism Versus Post-Structuralism: The Identity Crisis in Feminist Theory”, Signs, 13: 405–436.
  • –––, 2006, Visible Identities, Oxford: Oxford University Press.
  • Ásta (Sveinsdóttir), 2011, “The Metaphysics of Sex and Gender”, in Feminist Metaphysics, C. Witt (ed.), Dordrecht: Springer.
  • Ayala, S. and Vasilyeva, N., 2015, “Extended Sex: An Account of Sex for a More Just Society”, Hypatia, 30: 725–742.
  • Antony, L., 1998, “‘Human Nature’ and Its Role in Feminist Theory”, in Philosophy in a Feminist Voice, J. Kourany (ed.), New Haven: Princeton University Press.
  • Armstrong, D., 1989, Universals: An Opinionated Introduction, Boulder, CO: Westview Press.
  • Bach, T., 2012, “Gender is a Natural Kind with a Historical Essence”, Ethics, 122: 231–272.
  • de Beauvoir, S., 1972, The Second Sex, Harmondsworth: Penguin.
  • Benhabib, S., 1992, Situating the Self, New York: Routledge.
  • Bettcher, T.M., 2013, “Trans Women and the Meaning of ‘Woman’”, in The Philosophy of Sex, N. Power, R. Halwani, and A. Soble (eds.), Lanham, ML: Rowman and Littlefield Publishers, Inc.
  • Butler, J., 1990, “Performative Acts and Gender Constitution”, in Performing Feminisms, S-E. Case (ed.), Baltimore: John Hopkins University.
  • –––, 1991, “Contingent Foundations: Feminism and the Question of ‘Postmodernism’”, Praxis International, 11: 150–165.
  • –––, 1993, Bodies that Matter, London: Routledge.
  • –––, 1997, The Psychic Life of Power, Stanford, CA.: Stanford University Press.
  • –––, 1999, Gender Trouble, London: Routledge, 2nd edition.
  • Campbell, A., 2002, A Mind of One’s Own: The Evolutionary Psychology of Women, Oxford: Oxford University Press.
  • Chodorow, N., 1978, Reproducing Mothering, Berkeley: University of California Press.
  • –––, 1995, “Family Structure and Feminine Personality”, in Feminism and Philosophy, N. Tuana, and R. Tong (eds.), Boulder, CO: Westview Press.
  • Deaux, K. and B. Major, 1990, “A Social-Psychological Model of Gender”, in Theoretical Perspectives on Sexual Difference, D. Rhode (ed.), New Haven: Yale University Press.
  • Fausto-Sterling, A., 1993a, Myths of Gender: Biological Theories about Women and Men, New York: Basic Books, 2nd edition.
  • –––, 1993b, “The Five Sexes: Why Male and Female are Not Enough”, The Sciences, 33: 20–24.
  • –––, 2000a, “The Five Sexes: Revisited”, The Sciences, July/August: 18–23.
  • –––, 2000b, Sexing the Body, New York: Basic Books.
  • –––, 2003, “The Problem with Sex/Gender and Nature/Nurture”, in Debating Biology: Sociological Reflections on Health, Medicine and Society, S. J. Williams, L. Birke, and G. A. Bendelow (eds.), London & New York: Routledge.
  • –––, 2005, “The Bare Bones of Sex: Part 1 – Sex and Gender”, Signs, 30: 1491–1527.
  • Friedan, B., 1963, Feminine Mystique, Harmondsworth: Penguin Books Ltd.
  • Frye, M., 1996, “The Necessity of Differences: Constructing a Positive Category of Women”, Signs,21: 991–1010.
  • –––, 2011, “Metaphors of Being a φ”, in Feminist Metaphysics, C. Witt (ed.), Dordrecht: Springer.
  • Gatens, M., 1996, Imaginary Bodies, London: Routledge.
  • Gorman, C. 1992, “Sizing up the Sexes”, Time, January 20: 42–51.
  • Green, J. M. and B. Radford Curry, 1991, “Recognizing Each Other Amidst Diversity: Beyond Essentialism in Collaborative Multi-Cultural Feminist Theory”, Sage, 8: 39–49.
  • Grosz, E., 1994, Volatile Bodies: Toward a Corporeal Feminism, Bloomington, IN: Indiana University Press.
  • Harris, A., 1993, “Race and Essentialism in Feminist Legal Theory”, in Feminist Legal Theory: Foundations, D. K. Weisberg (ed.), Philadelphia: Temple University Press.
  • Haslanger, S., 1995, “Ontology and Social Construction”, Philosophical Topics, 23: 95–125.
  • –––, 2000a, “Feminism in Metaphysics: Negotiating the Natural”, in Feminism in Philosophy, M. Fricker, and J. Hornsby (eds.), Cambridge: Cambridge University Press.
  • –––, 2000b, “Gender and Race: (What) are They? (What) Do We Want Them To Be?”, Noûs, 34: 31–55.
  • –––, 2003a, “Future Genders? Future Races?”, Philosophic Exchange, 34: 4–27.
  • –––, 2003b, “Social Construction: The ‘Debunking’ Project”, in Socializing Metaphysics: The Nature of Social Reality, F. Schmitt (ed.), Lanham: Rowman & Littlefield Publishers Inc.
  • –––, 2005, “What Are We Talking About? The Semantics and Politics of Social Kinds”, Hypatia, 20: 10–26.
  • –––, 2006, “What Good are Our Intuitions?”, Proceedings of the Aristotelian Society, Supplementary Volume 80: 89–118.
  • –––, 2012, Resisting Reality, Oxford: Oxford University Press.
  • Heyes, C., 2000, Line Drawings, Ithaca & London: Cornell University Press.
  • hooks, b., 2000, Feminist Theory: From Margins to Center, London: Pluto Press, 2nd edition.
  • Jaggar, A., 1983, “Human Biology in Feminist Theory: Sexual Equality Reconsidered”, in Beyond Domination: New Perspectives on Women and Philosophy, C. Gould (ed.), Lanham: Rowman & Littlefield Publishers, Inc.
  • Jenkins, K., 2016, “Amelioration and Inclusion: Gender Identity and the Concept of Woman”, in Ethics, 126: 394–421.
  • Kimmel, M., 2000, The Gendered Society, New York: Oxford University Press.
  • King, H., 2013, The One-Sex Body on Trial: The Classical and Early Modern Evidence, Farnham: Ashgate Publishing, Ltd.
  • Laqueur, T., 1990, Making Sex: Body and Gender from the Greeks to Freud, Cambridge, Mass.: Harvard University Press.
  • Lloyd, G., 1993, The Man of Reason: ‘Male’ and ‘Female’ in Western Philosophy, London: Routledge, 2nd edition.
  • MacKinnon, C., 1989, Toward a Feminist Theory of State, Cambridge, Mass.: Harvard University Press.
  • –––, 2006, “Difference and Dominance”, in Theorizing Feminisms, E. Hackett and S. Haslanger (eds.), Oxford: Oxford University Press.
  • Martin, J. R. 1994, “Methodological Essentialism, False Difference, and Other Dangerous Traps”, Signs, 19: 630–655.
  • Mikkola, M. 2006, “Elizabeth Spelman, Gender Realism, and Women”, Hypatia, 21: 77–96.
  • –––, 2007, “Gender Sceptics and Feminist Politics”, Res Publica, 13: 361–380.
  • –––, 2009, “Gender Concepts and Intuitions”, Canadian Journal of Philosophy, 9: 559–583.
  • –––, 2011, “Ontological Commitments, Sex and Gender”, in Feminist Metaphysics, C. Witt (ed.), Dordrecht: Springer.
  • –––, 2016, The Wrong of Injustice: Dehumanization and its Role in Feminist Philosophy, New York: Oxford University Press.
  • Millett, K., 1971, Sexual Politics, London: Granada Publishing Ltd.
  • Moi, T., 1999, What is a Woman?, Oxford: Oxford University Press.
  • Munro, V., 2006, “Resemblances of Identity: Ludwig Wittgenstein and Contemporary Feminist Legal Theory”, Res Publica, 12: 137–162.
  • Nicholson, L., 1994, “Interpreting Gender”, Signs, 20: 79–105.
  • –––, 1998, “Gender”, in A Companion to Feminist Philosophy, A. Jaggar, and I. M. Young (eds.), Malden, Mass.: Blackwell Publishers Inc.
  • Price, H. H., 1953, Thinking and Experience, London: Hutchinson’s University Library.
  • Prokhovnik, R., 1999, Rational Woman, London: Routledge.
  • Rapaport, E. 2002, “Generalizing Gender: Reason and Essence in the Legal Thought of Catharine MacKinnon”, in A Mind of One’s Own: Feminist Essays on Reason and Objectivity, L. M. Antony and C. E. Witt (eds.), Boulder, CO: Westview Press, 2nd edition.
  • Renzetti, C. and D. Curran, 1992, “Sex-Role Socialization”, in Feminist Philosophies, J. Kourany, J. Sterba, and R. Tong (eds.), New Jersey: Prentice Hall.
  • Rogers, L., 1999, Sexing the Brain, London: Phoenix.
  • Rubin, G., 1975, “The Traffic in Women: Notes on the ‘Political Economy’ of Sex”, in Toward an Anthropology of Women, R. Reiter (ed.), New York: Monthly Review Press.
  • Salih, S., 2002, Judith Butler, London: Routledge.
  • Saul, J., 2006, “Gender and Race”, Proceedings of the Aristotelian Society (Supplementary Volume), 80: 119–143.
  • Spelman, E., 1988, Inessential Woman, Boston: Beacon Press.
  • Stoljar, N., 1995, “Essence, Identity and the Concept of Woman”, Philosophical Topics, 23: 261–293.
  • –––, 2000, “The Politics of Identity and the Metaphysics of Diversity”, in Proceedings of the 20thWorld Congress of Philosophy, D. Dahlstrom (ed.), Bowling Green: Bowling Green State University.
  • –––, 2011, “Different Women. Gender and the Realism-Nominalism Debate”, in Feminist Metaphysics, C. Witt (ed.), Dordrecht: Springer.
  • Stoller, R. J., 1968, Sex and Gender: On The Development of Masculinity and Femininity,New York: Science House.
  • Stone, A., 2004, “Essentialism and Anti-Essentialism in Feminist Philosophy”, Journal of Moral Philosophy, 1: 135–153.
  • –––, 2007, An Introduction to Feminist Philosophy, Cambridge: Polity Press.
  • Tanesini, A., 1996, “Whose Language?”, in Women, Knowledge and Reality, A. Garry and M. Pearsall (eds.), London: Routledge.
  • Witt, C., 1995, “Anti-Essentialism in Feminist Theory”, Philosophical Topics, 23: 321–344.
  • –––, 2011a, The Metaphysics of Gender, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2011b, “What is Gender Essentialism?”, in Feminist Metaphysics, C. Witt (ed.), Dordrecht: Springer.
  • Wittig, M., 1992, The Straight Mind and Other Essays, Boston: Beacon Press.
  • Young, I. M., 1997, “Gender as Seriality: Thinking about Women as a Social Collective”, in Intersecting Voices, I. M. Young, Princeton: Princeton University Press.
  • Zack, N., 2005, Inclusive Feminism, Lanham, MD: Rowman & Littlefield Publishers, Inc.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

Beauvoir, Simone de | feminist philosophy, approaches: intersections between analytic and continental philosophy | feminist philosophy, topics: perspectives on reproduction and the family | feminist philosophy, topics: perspectives on the self | homosexuality | identity politics | speech acts

Acknowledgments

I am very grateful to Tuukka Asplund, Jenny Saul, Alison Stone and Nancy Tuana for their extremely helpful and detailed comments when writing this entry.


[1] Mikkola, Mari, “Feminist Perspectives on Sex and Gender”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2022 Edition), Edward N. Zalta & Uri Nodelman (eds.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2022/entries/feminism-gender/>.

[2] hooks 2000, 26

[3] Quoted from Moi 1999, 18

[4] Beauvoir 1972 [original 1949], 18; for more, see the entry on Simone de Beauvoir

[5] Rogers 1999, 11

[6] Gorman 1992

[7] Fausto-Sterling 2000b, chapter 5

[8] 1975، 165

[9] 1975، 159

[10] 1975، 179

[11] Rubin 1975, 204

[12] Rubin 1975, 204

[13] 1994, 81

[14] Haslanger 2000b; Stoljar 1995

[15] Haslanger 1995, 97

[16] Haslanger 1995, 98

[17] 1971, 28–9

[18] Millett 1971, 31

[19] Millett 1971, 26

[20] Renzetti & Curran 1992, 32

[21] for more, see Kimmel 2000, 122–126

[22] Renzetti & Curran 1992, 35

[23] 1992, 35

[24] 1978; 1995

[25] see also Deaux & Major 1990; Gatens 1996

[26] 1995, 202–206

[27] Chodorow 1995, 214

[28] MacKinnon 1989

[29] MacKinnon 1989, 113

[30] see Haslanger 1995, 98

[31] MacKinnon 1989, chapter 7

[32] see 2.1.

[33] see, MacKinnon 2006

[34] 1988

[35] هاريس 1993

[36] سبليمان 1988، 159

[37] سبليمان 1988، 13

[38] أيضا

[39] 1963

[40] hooks 2000, 1–3

[41] سبليمان، 1988, 113

[42] 1997, 13

[43] 2006

[44] 1999 [original 1990], chapter 1

[45] Heyes 2000, 58; see also the entry on Identity Politics

[46] Butler 1999, 19–20

[47] Butler 1999, 5

[48] Nicholson 1998, 293

[49] Butler 1991, 160

[50] Butler 1999, 9

[51] Moi 1999, 43

[52] Witt 1995

[53] Butler 1999, 24

[54] Butler 1999, 23

[55] Butler 1999, 42

[56] Butler 1999, 179

[57] Butler 1990, 271

[58] Haslanger 1995, 100

[59] Butler 1990, 278–9

[60] Stone 2007, 64

[61] Butler 1990, 278

[62] Butler 1999, 43

[63] Butler 1999, 9

[64] see Haslanger 2003b for more

[65] Jaggar 1983, 37

[66] Fausto-Sterling 1993a, 218

[67] Fausto-Sterling 2005

[68] Laqueur 1990, 4

[69] For an alternative view, see King 2013.

[70] 1993b; 2000a; 2000b

[71] Fausto-Sterling 2000a, 20

[72] Fausto-Sterling 1993b, 21

[73] Fausto-Sterling 2000b, 1–3

[74] Stone 2007, chapter 1

[75] Stone 2007, 44

[76] Stone 2007

[77] 2015

[78] Ásta 2018, 8

[79] Butler 1999, 10–11

[80] يلاحظ: Antony 1998; Gatens 1996; Grosz 1994; Prokhovnik 1999

[81] 1999, 173

[82] Butler 1999, 11

[83] 1999, 139

[84] يلاحظ لتأثير اللغة والكليات: Haslanger 1995, 99

[85] يلاحظ Salih 2002 لمدخل إلى رؤية بتلر

[86] Butler 1993, 28–9

[87] 1999, 11

[88] 2007

[89] Stone 2007, 70

[90] Grosz 1994; Prokhovnik 1999

[91] Lloyd 1993

[92] Prokhovnik 1999, 126

[93] Grosz 1994; Prokhovnik 1999

[94] Prokhovnik 1999, 103

[95] Prokhovnik 1999, 103

[96] 1999, 6

[97] 1999, 4–5

[98] 1999, chapter 1

[99] 2011

[100]  2020

[101] 2020

[102] 2020, 3801

[103] 2021

[104] 2006, 152

[105] Alcoff 2006; Bach 2012; Benhabib 1992; Frye 1996; Haslanger 2000b; Heyes 2000; Martin 1994; Mikkola 2007; Stoljar 1995; Stone 2004; Tanesini 1996; Young 1997; Zack 2005

[106] 1997, 20

[107] 1997, 17

[108] Alcoff 2006; Ásta 2011; Frye 1996; 2011; Haslanger 2000b; Heyes 2000; Stoljar 1995, 2011; Young 1997; Zack 2005

[109] 2016

[110] 2020

[111] 2020, 706

[112] 1997, 13

[113] Young 1997, 23

[114] 1997, 13; see also: Frye 1996; Heyes 2000

[115] Young 1997, 23–4

[116] Young 1997, 32

[117] Stone 2004

[118] 1995, 282

[119] يراجع للاستزادة Armstrong 1989, 39–58

[120] Alcoff 1988; Green & Radford Curry 1991; Heyes 2000; Munro 2006

[121] Price 1953, 20

[122] Stoljar 1995, 284

[123] Stoljar 2000, 28

[124] Stoljar 2000, 27

[125] Stoljar 1995, 283–4

[126] Stoljar 1995, 282

[127] Stoljar 1995, 284

[128] Stoljar 1995, 284

[129] 2000b; 2003a; 2003b

[130] 2005; 2006

[131] Haslanger 2000b, 33

[132] Haslanger 2000b, 36

[133] Haslanger 2000b, 38

[134] 2003a, 6–7

[135] Stone 2007, 160

[136] Stone 2007

[137] Bach 2012, 234

[138] Bach 2012, 235

[139] Bach 2012, 236

[140] Bach 2012, 238

[141] Bach 2012, 271

[142] لقد انتقدته ميكولا 2016

[143] 2013, 235

[144] 2016

[145] Jenkins 2016, 397

[146] 2017

[147] 2005, 2006

[148] Haslanger 2005, 12

[149] 2006

[150] Saul 2006, 129

[151] 2011a; 2011b

[152] 2011a, 6

[153] Witt 2011a, 73

[154] Witt 2011a, 40

[155] Witt 2011a, 29

[156] 2011a, 39

[157] Witt 2011a, 19

[158] Witt 2011a, 59

[159] 2011a, 19–20

[160] Witt 2011a, 82

[161] 2011a, 98

[162] 2006, chapter 5

[163] 2006, 148

[164] Alcoff 2006, 148

[165] Alcoff 2006, 172

[166] Alcoff 2006, 172

[167] Alcoff 2006, 172

[168] Alcoff 2006, 147–8

[169] Alcoff 2006, 175

[170] Alcoff 2006, 175

[171] 2020, 2

[172] 2020, 13

[173] 2020, 14

[174] 2020, 14

[175] 2015