مجلة حكمة
الذات المنبثقة عن العقل: بناء الوعي بأحجار الدماغ - أنطونيو داماسيو / ترجمة: متعب حامد

الذات المنبثقة عن العقل: بناء الوعي بأحجار الدماغ – أنطونيو داماسيو / ترجمة: متعب حامد

Brain and Creativity Institute
د. أنطونيو داماسيو

ترجمة الفصل الأول (البدء من جديد) من كتاب (الذات المنبثقة عن العقل –  أنطونيو داماسيو )


-١-

استيقاظة

حينما استيقظت من نومي، كانت الطائرة تهبط، وكنا نهبط معها. قضيت في النوم فترة كانت طويلة بما يكفي لتفوتني تنبيهات طاقم الطائرة عن الهبوط، وربط الأحزمة، وحالة الجو. لم أكن أشعر بنفسي، أو بما يجري حولي. كنت في حالة من اللّاوعي.

هذه السلعة، التي قد تبدو بسيطة جدا، لدرجة ألّا تثير الانتباه،  ولكنها في نفس الوقت معقذة جدا، سلعة نسميها ( الوعي -consciousness)[2]. قليلة هي الأمور التي تشبه هذه السلعة بالنسبة لنا. الوعي ، يعبر عن تلك القدرة الهائلة، المتمثلة بوجود عقل، له مالك معيّن، هذا المالك، بطل القصة الشخصية كاملة لكل منّا. هذا المالك أيضا، هو (ذاتٌ)[3] تتبصر بالعالم القابع داخلها والمتناثر حولها.هذا المالك: وكيل، أو مفوّض، يبدو متأهباً للعمل على الدوام.

الوعي ، هو ليس “اليقظة”المجردة. حينما استيقظت من النوم، كما أخبرتك قبل الفقرتين أعلاه، لم أتطلع حولي بذهول ودهشة، لم أمتص الأصوات والمشاهد وكأن عقلي، ذلك الذي استيقظ على حين غرة،  يتسكع وحده دون مالك. كان الأمر على العكس من هذا، حيث عرفت مباشرة، دون تردد على الإطلاق،  أو ربما مع قدر ضئيل جدا من التردد، أن هذا الذي يستيقظ الآن:هو  أنا! جالسٌ على مقد في طيارة، وأنني  مسافر  ذاهب إلى بيته في لوس آنجلس، مع قائمة طويلة من المهام التي تنتظر الإنجاز قبل نهاية اليوم، يدرك إحساسه بخليطٍ من وعثاء السفر، في جهة، والحماس الذي ينتظره باقي اليوم، في الجهة الأخرى، يشعر بالفضول بخصوص مدرج الطائرة الذي سنهبط عليه، ينتبه للتغيّرات في المحركات التي تحاول سحب الطائرة إلى الأرض.  بلا شك، اليقظة كانت ضرورية جدا، كي أصل لحالة الوعي هذه. لكن اليقظة لم تكن  المكوّن الوحيد لهذه الحالة،حالة الوعي . ما هو إذن ، المكوّن الأساسي لحالة الوعي هذه!؟ الحقيقة أن هذه المحتويات المعروضة،اللانهائية،  وإن كانت غير واضحة، وتفتقد إلى الترتيب، إلا أنها  مرتبطة بي، مرتبطة بـ(مالك عقلي).  بخيوط لا تُرى، أحضرت كل هذه المحتويات، اللا نهائية، مربوطة، ومجتمعة، في تلك الكتلة الضخمة، المتحركة، التي نسميها: الذات. أمر آخر مهم، هذا الارتباط كان محسوسا، كان هناك شعور ما  بهذه الخبرة: خبرة ذاتي المترابطة!

الاستيقاظ، يعني أنني جربت أن يعود لي عقلي الذي غاب مؤقتا،مع وجودي في داخله،  دون أن تسقط منه أملاكي (العقل)، ودون أن تُنزع من المالك (أنا) صفة الملكية. الاستيقاظ سمح لي بأن أنطلق مجددا، وأتساءل عما يحدث في نطاقات عقلي، عن الفيلم السحري المعروض على رقعة بحجم السماء، جزء منه يشبه الأفلام الوثائقية،  وجزء منه شبيه بأفلام الخيال، هذا الفيلم المتعارف على تسميته: العقل البشري الواعي.

كلنا لدينا تذكرة مفتوحة لندلف إلى الوعي . عقولنا مليئة بهذا الوعي ، يتبرعم ويتقافز في كل مكان، دون تردد، أو توجس، نقوم بالتخلي عن هذه التذكرة المفتوحة، كل مساء، حينما نذهب إلى النوم، ونسمح لها بالعودة عند الصباح، حينما يرن جرس المنبة. نفعل هذا ما يقارب، من ٣٦٥ مرة في السنة، هذا إذا لم نقم بحساب فترات القيلولة هنا وهناك. على الرغم من هذه السهولة، التي نترك بها الوعي ونعود إليه، دون اهتمام، إلّا أن هذا الوعي ، من أغرب، وأهم، وأعظم، الأمور المتعلقة بوجودنا في هذا العالم. دون، وعي، أقصد، بدون عقل له مالك/فاعل، لن تعرف أبدا أنك موجود أصلا، بغض النظر عن كونك تعرف من أنت مثلا، أو بماذا تفكّر!

لو لم تبدأ الشخصانية [4] والتعبير عن الذات، ولو كان ذلك بطريقة متواضعة في البداية،[ في وقت ما من تاريخ عالمنا]، وفي كائنات تكوينها أبسط بكثير من تكويننا، لو لم تبدأ هذه الشخصانية، لكانت فرص وظائف الذاكرة والمنطق في التوسّع الفظيع-الذي حصل لهما بالفعل- توشك أن تكون معدومة.  لو لم تبدأ الشخصانية، لكان من المستحيل تعبيد طريق اللغة، و طريق الوعي، الذي نمتلكه الآن.لم يكن بالإمكان للإبداع، والابتكار، أن يزدهر. لم يكن ليوجد أغانٍ، أو رسومات، أو أدب وكتابة. كان الحب،لن يكون كالحب الذي نعرفه، سيكون جنسا فقط.   و الألم،في المقابل، لن يكون معاناة كما نعرفه، بل ألم متجرد فقط،  ليس أمرا سيئاً، أليس كذلك؟ – لكن هذا الأمر في المقابل له مزايا عظيمة، لأن اللذّة لم يكن لها أن تصبح سعادة وبهجة [لولا هذه الشخصانية]. لو لم تظهر الشخصانية، بهذه الطريقة الطاغية، لم يكن لأحد أن يعرف، ولا لأحد أن يلاحظ أن أحدا لم يعرف، وهكذا، لن يصبح هناك تاريخ لما فعلته المخلوقات خلال الأزمنة المختلفة، ولن تصبح هناك ثقافة لأية حضارة على الإطلاق!

على الرغم من أنني لم أقدم أية تعريف حتى الآن، لمعنى “الوعي”، أرجو أنني لم أترك مجالا لنا لنشكّ بما يعنيه، عدم امتلاك الوعي[5]: حينما لا يوجد الوعي تكون نظرتنا  الشخصية للأمور معلقة؛ لن نعرف أننا موجودون على سطح هذه الأرض، ولن نعرف بوجود أي شيء آخر. لو لم يتطور الوعي خلال رحلة التطور ويتّع ليشمل النسخة البشرية منه، لكانت بشريتنا المألوفة لنا الآن، بضعفها وقوتها، لم تكن لتطور بدورها. حريّ بنا أن نصاب بالقشعريرة، حينما نفكر، كيف أن منعطفا كهذا، لو لم يسلكه قطارنا، لكان ذلك يعني، أن نفقد هذه البدائل الحيوية التي تجعلنا بشرا بحق. ولكن، كيف كان يمكن لنا أن نعرف عن هذا الفقد على أية حال ؟!

نمرر فكرة الوعي ، دون تفكير، لأنه متوفر دائما، وسهل الاستخدام، ومتلطف جدا في ظهوره وغيابه اليومي [عند النوم]، وبالرغم من كل هذا، حينما نفكر به، سواء كنا باحثين أو لم نكن، نجده أمرا مُلغزا محيرا! مم يتكون الوعي ؟ بالنسبة لي أشعر أنه عبارة عن (عقل، مع خدعة)، خدعة: لأننا لا نستطيع أن نكون واعين بدون أن يوجد لدينا عقل، لنعيه! ولكن، مم يتكون العقل؟ هل يأتي العقل من الهواء حولنا أم أنه يأتي من الجسد؟ بعض العارفين يقولون أنه يأتي من الدماغ، أن العقل موجود في مكان ما، داخل الدماغ، ولكن هذا ليس جوابا مرضياً، كيف يخرج هذا الدماغ، كساحر، العقلَ من قبعته!؟

من الأمور الغامضة: كيف يستطع أحدنا رؤية عقول الآخرين،بغض النظر  عما إذا كنا نتحدث عن رؤية عقولهم الواعية، أو غير ذلك. نستطيع أن نتفرج على أجساد الآخرين وأفعالهم، ماذا يقولون وماذا يكتبون، لكننا لا نستطيع الفرجة على عقولهم. فقط نستطيع أن نتفرج على عقولنا الخاصة، من الداخل، ومن خلال نافذة ضئيلة جدا، للأسف. خصائص العقول، تبدو مختلفة بصورة فظيعة، عما نستطيع أن نراه من الموادّ الحيوية، ولهذا السبب يتساءل بعض من يتحلون بالحصافة من الناس، كيف يمكن لعملية ك: عقل واعٍ يعمل، أن تتقاطع مع عملية مختلفة ك: خلايا حيوية تعيش في تجمعات نسميها أنسجة!.

قولنا بأن عملية الوعي في العقول غامضة – هي بالتأكيد كذلك- لا يعني أن نقول أن هذه المعضلة غير قابلة للحل!. هذا يختلف عن قول من يقولون بأننا البشر لن يتوصلوا، أبدا، لفهم كيف يمكن لكائن يدب على الأرض، ويملك دماغا، أن يكوّن عقلا واعيا! [6]

-٢-

الأهداف، والأسباب،  لكتابة  هذا الكتاب

هذا الكتاب، مخصص لمحاولة مناقشة سؤالين. أولا: كيف يتم بناء العقل، بأحجار الدماغ؟. ثانيا: كيف يقوم الدماغ بجعل العقل واعيا؟. أدرك بالطبع، أن مناقشة الأسئلة يختلف عن تقديم إجابات لها. كما أدرك أنه، بخصوص، أمر ك: (وعي العقل)، من الحماقة أن نفترض إجابات مؤكدة. إضافة إلى ذلك، أدرك جيّدا أن دراسة الوعي ، قد توسعت بطريقة تجعل الإشارة لجميع الاكتشافات والدراسات والإضافات لفهم الوعي ، أمرا مستحيلا لا أستطيع فعله. ونضيف إلى ذلك، أن مشكلة المصطلحات، وزوايا الرؤية تجعل العمل على الكتابة عن الوعي ، أمرا شبيها بالمرور من خلال حقل ألغام. لكن في رأيي، من المناسب، أن يعرّض واحدنا نفسه للخطر والتهلكة، مادام سيفكر مليّا في السؤال المطروح، ويتأمل في إجاباته المحتملة، وأن ينظر للأدلة المتوفرة، وإن كانت ناقصة وابتدائية، كيف يبني تخمينا يمكن اختباره، ويحلم بمستقبل يحمل الإجابات. الهدف من هذا الكتاب، هو التبصّر في التخمينات، ومناقشة بناء نظريات مناسبة. نقطة التركيز هي: كيف يجب أن يُبنى الدماغ البشري،  وكيف عليه أن يعمل، كي يمكن للعقول الواعية أن تنبثق منه!

الكتب لا يتم كتابتها دون سبب. سبب كتابة هذا الكتاب هو أن نبدأ من جديد .قضيت أكثر من ثلاثين سنة في دراسة العقل البشري، والدماغ البشري، ونشرت ما كتبته عن الوعي في مجلات علمية، وكتب ألفتها[7]. ولكنني وصلت لحالة من عدم الرضا، عن فهمي ورؤيتي للمعضلة، بخصوص أمرين على وجه الخصوص: ماهو مصدر وطبيعة المشاعر في جهة، ومن جهة أخرى،ماهي الميكانيكية خلف تكوّن وبناء الذات، هذا الكتاب عبارة عن محاولة لنقاش الآراء الحالية. وهو كذلك، بشكل أساسي، للحديث عما لا نعرفه بعد، ولكننا نتمنى لو عرفناه!

بقية هذا الفصل الأول مخصصة لتجهيز القاريء لفهم المعضلة، وشرح خطة العمل التي اخترتها لمناقشة الموضوع، ولإعطاء نبذة بسيطة عما ينتظرك في الفصول القادمة. سيجد بعض القراء أن هذه المقدمة الطويلة، ستخفف من سرعة القراءة، لكنني أعدك، عزيزي القاريء، بأن قراءة هذا الفصل، ستسهل من فهمك لبقية الفصول، التي قد تستعصي على الفهم بدون هذه المقدمة.

-٣-

التوجه لفهم المعضلة

قبل أن نحاول فهم الكيفية التي يبني بها الدماغ، عقلا واعيا، لابد أن نتوجه بالعرفان لإرثين مهمّين. أحدهما، كان عبارة عن محاولة لاكتشاف الأساس العصبي للوعي، في اجتهادات يعود تاريخها لمنتصف القرن العشرين. كانت هذه عبارة عن سلسلة من الدراسات الرائدة  أجريت في أمريكا الشمالية، وإيطاليا، لفرقة من الباحثين أشاروا بطريقة مدهشة، لجزء من الدماغ، نعرف الآن بدون شك، بأنه يصنع الوعي . هذا الجزء، هو جذع الدماغ (Brain Stem).ربما لا يفاجئنا الآن أن نعرف أن ماقدمه هؤلاء الرواد-وايلدر بينفيلد، هيربيت جاسبر، قوسب موروزي، و هوريس ماقون- لم يكن كاملا بالنظر إلى مانعرفه اليوم عن الموضوع. أجزاء منه لم تكن بالضرورة صحيحة. لكن لا يمكن لنا إلا ننظر بعين التقدير والإجلال، ونحن نمتدح مافعله هؤلاء الباحثون، وهم يصوبون عين أبحاثهم، نحو هذا الجزء الصحيح بدقة ملهمة. كانت هذه بداية شجاعة للمجال الذي نرجو الآن أن ننتباحثه بنجاح.[8]

الدراسات التي تم إجراءها على مرضى الجهاز العصبي، المصابين باعتلال في الوعي ، بسبب إصابات لمناطق معينه في الدماغ، هي جزء آخر من هذه الإرث آنف الذكر. أعمال فريد بلم Fred Plum، و جيروم بوسنر Jerome Posner، أطلقت إشارة البدء في هذا الاتجاه[9]. خلال السنوات الماضية، هذه الأبحاث، إضافة إلى ما فعله روّاد أبحاث الوعي ، أنتجت لنا قاعدة صلبة من الحقائق المتعلقة بتركيب الدماغ، التي تتعلق، أو لا تتعلق، بصناعة الوعي في عقول البشر. نستطيع الآن أن نبني على هذه القاعدة الصلبة.

الإرث الآخر الذي يجب علينا تقديره، يختص بالتقليد الطويل المتعلق بتكوين مفاهيم [إنسانية] عن العقل و الوعي . لهذا الأمر تاريخ غنيّ، كطول تاريخ الفلسفة، وكتشعّبه. من هذه المعروضات الغنية، وجدت نفسي أجنح لتفضيل كتابات ويليم جيمس، كمرساة، تعود لها أفكاري الشخصية حينما تبحر.على الرغم من أن هذا لا يعني أنني أقوم بتأييد موقفه بالنسبة للوعي، وخصوصا ما يتعلق بحديثه عن موضوع” المشاعر.”[10]

عنوان هذا الكتاب، وصفحاته الأولى، لن تترك لديك شكّاً في أنني حينما أتوجه لمناقشة العقل الواعي، أضع (الذات) في مرتبة هامة. اعتقادي، أن العقل الواعي، ينشأ حينما نضيف (ذاتا”) إلى عمليات العقل الأساسية. حينما لا تحوي العقول ذواتا، هذه العقول ليست بالفعل واعية بطريقة لائقة. لو فكرنا في الأمر، فالبشر في الحقيقة يواجهون هذا المأزق، حينما ينامون دون أحلام، أو يكونون تحت تخدير كامل، لعملية مثلا، أو تصاب أدمغتهم بعطبٍ ما.

تعريف عملية الذات، التي أعتبرها أساسية جداً  بالنسبة للوعي، مسألة صعبة جدا للأسف، والحديث عن هذا المصطلح أسهل من نحت تعريف له. لهذا السبب بالذات، أجد أفكار ويليام جيمس نافعة لهذا الاستهلال. جيمس كتب، بطريقة أنيقة عن أهمية الذات، ولكنه أيضا، لاحظ، أنه في حالات عديدة، وجود الذات يكون دقيقا لدرجة أن لا تلاحظه وأنت تتفرج على سيل أفكار العقل، التي تستحوذ على الوعي . ليس لنا بدّ من أن نواجه هذه مراوغة الذات هذه ونقرر بشأن تبعاتها قبل أن نمضي قُدماً في هذا الكتاب. هل يوجد ذات، أم لا يوجد ذات؟ إذا كان هنالك ذاتا. هل هي موجودة دائما حينما نكون واعين، أم أنها تغيب أحيانا؟.

الإجابة واضحة، ولا شكّ فيها. هنالك بالتأكيد ذات. لكن الذات عبارة عن عملية (process) وليست شيئا. وهذه العملية موجودة دائما حينما نكون واعين. نستطيع تباحث مسألة، (عملية الذات)[11]، من زاويتين أساسيتين. الزاوية الأولى، تتعلق بجزء من الذات، يتصرف  كمُراقِب، يتبصر بوجود (مُستهدف[12]) نشِط، هذا المستهدف النشط، كوّنته عمليات معينة للعقل، وصفات معينة للسلوك، وتاريخ حياة طويل، أدى في نهاية المطاف، إلى هذه الذات التي نرى. الزاوية الأخرى تتعلق بوجود جزء من الذات، يتصرّف ك(عارِف). هذا الجزء من ذواتنا  الذي يركز على تجاربنا، ويتبصّر بها فيما بعد.  خلط هذين الجزأين مع بعضهما، يؤدي إلى المعنى الذي أقصده كل مرة أتحدث بها عن (الذات) في هذا الكتاب. تستطيع أن تفكر بها كعملية مزدوجة، تتكون من الجزأين المذكورين للتوّ. كما سنلاحظ فيما بعد،هذين الجزأين، يتراتبان بطريقة، تتعلّق بتطوّرنا البشري. الذات، كعارف، انبثقت -تطوريّاً- من  الذات-كمستهدف .في حياتنا اليومية، وما يتعلق بعمل العقل الواعي، نجد أن فكرة الذات؛ كمستهدف، أبسط في نطاقها، وتصورها ، من فكرة الذات؛كعارف. [13]

من كلا الزاويتين، تختلف عملية الذات، في شدتها، ونطاقها، ومظاهرها، بحسب مايحصل. يمكن للذات، أن تعمل بشكل خفيّ، لطيف، كتلميحة، بأن هناك كائن حي، موجود. ويمكن للذات، في الجانب الآخر، أن تكون حاضرة بقوة، معبرة عن الشخصية، وعن وجود مالك واضح الهوية، يملك هذا العقل! يمكن لك الآن، أن تلاحظ وجود الذات، وفي لحظة أخرى، قد يغيب ذلك عنك، لكنك على الدوام، تشعر، بوجود الذات. هذه هي طريقتي في تلخيص الأمر!!

ويليام جيمس-المذكور أعلاه-، كان يفكر بأن الذات-كمُستهدف-،أي  الذات المادية،  هي مجموع ما يستطيع الشخص أن يقول عنه: هذا يخصنيّ/ هذا من ممتلكاتي، ولنقتبس بعضا من كلامه هنا: ” ذاتك ليست فقط جسمك وقواك النفسية،بل ملابسك، وزوجتك، وأولادك، أجدادك، وأصدقاؤك، سمعتك، وعملك، الأراضي التي تمتلكها، وأحصنتك، ويختك، وحسابك في البنك.”[14] حينما أنحي جانبا ما قد نلاحظه هنا، من تجاوزه الأدبي[15]، في هذا النص، فأنا أتفق معه في رأيه. ولكن ويليام جيمس كان يفكر في أمر آخر، أوافقه عليه بشكل أكبر: ما يمكّن العقل من معرفة وجوده في ماضيه، وحاضره، ومستقبله، هو إدراك المشاعر المتعلقة بهذه المواضيع. وهذه المشاعر بدورها تعمل كحد فاصل، يفصل بين المحتويات التي تخص الذات، وتلك التي لا تخصها. من وجهة نظري، هذه المشاعر تعمل ك:علامات. هذه العلامات هي إشارات معتمدة على المشاعر،أُفرِدُ لها هذا الوصف: علامات جسدية. حينما تتدفق هذه المحتويات، المتعلقة بالذات، في مجرى العقل، تؤدي إلى ظهور علامة، تتدفق في مجرى العقل، كصورة، مجاورة للصورة التي أثارتها.  هذه المشاعر، تتوصل إلى فصل، بين ما يكون متعلقا بالذات، وما لا يتعلّق بها. لو جاز لي أن أختصر هذه المشاعر في عبارة، ستكون: أن تشعر بأنك تعرف.  ْ

سنرى فيما يلي، في بقية هذا الكتاب، بأن بناء العقل الواعي، يعتمد، في مراحل مختلفة، على إصدار هذه المشاعر. لو رغبت في معرفة تعريفي الخاص، لما يمكن أن تسميه: أناي المادي-  the material me-، وهو ما عنيته، بالذات، كمُستهدَف، فتعريفي له كما يلي:

مجموعة، ديناميكية، من عمليات عصبية، متكاملة، تحاول أن تمثّل، بشكل رئيسي، الجسد الحي، وهذه المجموعة الديناميكية من العمليات العصبية، تعبر عن نفسها، بمجموعة ديناميكية متكاملة، من العمليات الذهنية.

في المقابل، الذات- كعارف،  -الذات كتعبير عن الضمير، أنا- تمتلك حضورا مراوغاً محيراً! للأسف، لم يجمعها أحد بعد، في وحدات، ذهنية، أو حيوية.  هي مشتتة على رقعة واسعة، وتذوب عادة في نهر الوعي الجاري. وهي أحيانا، رقيقة الحضور، بشكل فظيع، فهي موجودة، ولكنها توشك أن تكون غير موجودة!  الذات-كعارف صعبة الالتقاط، بلا أدنى شك، مقارنة بالذات المباشرة سالفة الذكر (الذات-كمستهدف). لكن هذا الحضور المراوغ، لا يقلل من أهميتها بالنسبة للوعي. الذات، كعارف، موجودة بشكل واضح، وهي ليست موجودة فقط، ولكنها كذلك، من أهم نقاط التحول في وجودنا وتطورنا. يمكننا أن نتخيل أن الذات كعارف، وهي تتراكب فوق الذات- كمستهدف، وكأنها طبقة جديدة من العمليات العصبية، لتمنحنا ، طبقة جديدة من العمليات الذهنية. لا يوجد فصل واضح، بين الذات؛ كمستهدف، والذات؛كعارف، بل يوجد استمرار وتقدّم.  الذات؛كعارف، تقوم كبناء على أساسات الذات؛ كمستهدف.

الوعي لا يتعلق، بمجرد خيالات وصور في العقل.أقل ما يمكن أن نقوله عن الوعي ، هو أنه: جهة تنظيمية، لمحتويات العقل، تتمحور حول الكائن، الذي يُنتج ويحفّز هذه المحتويات. ولكن الوعي ، بالصورة التي أستطيع أنا وأنت، أن نجربها كما يحلو لنا، هي أكثر من عقل مرتب في خزانة الوظائف الحيوية، لهذا الكائن الحي (نحن). هو أيضا عقل، يتمكن من معرفة أن هذا الكائن الحي [نحن] موجود. وأيضا، جزء هام، من عملية : أن تكون واعياً  أن الدماغ ينجح بتكوين أنماط عصبية، تقوم برسم خريطة لتجاربنا الحياتية، عن طريق تحويلها إلى صور. ترتيب هذه الصور بما يتناسب مع منظور هذا الكائن الحي، هو جزء من هذه العملية أيضاً.ولكن من المهم أن ننتبه أن هذا الترتيب، لا يعني بالضرورة وجود معرفة جلية، بأن هذه الصور تخصنا، وأنها داخلنا، وأنه يمكن لنا التصرف بشأنها. الوجود المجرد لصور مرتبة، تجري ضمن تيار ذهني، قد يُنتج لنا عقلاً، لكن لا بد من بدء عملية إضافية لهذا، وإلا فسيبقى العقل، لا موعيّاً[16]. إذن، مايحتاجه الدماغ ليصبح واعياً، هو أن يحصل على هذه الخاصية الجديدة، ألا وهي:الشخصانية  (Subjectivity). ومن أهم مايعبر عن هذه الشخصانية، هو الشعور الذي يتخلّل تجاربنا الذاتية. كي تحصل على معالجة معاصرة لأهمية الشخصانية، من منظور فلسفي، أنصحك بقراءة كتاب جون سيرلز، “غموض الوعي .”[17]

تماشياً مع هذه الفكرة، الخطوة الأهم في (بناء الوعي)، ليست في خلق الصور، وصنع أساسيات العقل. الخطوة الأهم، هي في جعلنا نمتلك هذه الصور. وأن تكون صورا خاصة بنا. هي في جعل هذه الصور تنتمي لمالكها المستحق، المتفرد، الذي نبعت هذه الصور ابتداءا من داخله.

 من منظور التطور، ومن منظور تاريخ الحياة الشخصي للفرد: الذات العارفة ، جاءت في عدة خطوات: الذات الأصلية، ومشاعرها البدائية؛ ثم الذات، التي تحركها رغبة العمل والفعل، وأخيرا، الذات صاحبة السيرة الذاتية، تلك التي تدمج الأبعاد الاجتماعية والروحانية. لكن هذه جميعها، لو لاحظت، عمليات نشطة، وليست مجرد أشياء جامدة، وباختلاف الأوقات، تختلف مستويات هذه العمليات، لتتراوح بين البساطة والتعقيد ، وما بينهما. ومن الممكن أيضا، لهذه العمليات أن تعدّل نفسها بسرعة حسب ما تمليه الظروف المحيطة. العارف- سمه ما شئت: ذات، نفس، مجرّب، بطل القصة- هذا العارف، لا بد من أن ينبثق من الدماغ، كي يصبح العقل واعياً. حينما ينجح الدماغ في عملية دسّ عارفٍ في العقل، تبدأ محركات( الشخصانية) بالدّبيب على الأرض.

هل يتوجب على القاريء أن يتساءل هنا، إذا كان هذا الدفاع عن الذات، ضروري، دعني أخبره، بأنني أراه دفاعا مبرراً. وذلك لأنني أرى أن المشتغلين بعلوم الأعصاب حاليا، الذين تهدف أعمالهم وأبحاثهم، إلى توضيح الوعي ، وفهمه، لديهم نزعه مختلفة عن هذه النزعة، بخصوص الذات. هذه النزعة، لها عدة مستويات، وأشكال، وهي تتدرج من اعتبار الذات، كموضوع لا يمكن فصله على الإطلاق عن أجندة البحث في موضوع الوعي ، وتنتهي بنزعات محتلفة،  اطلعت عليها، حيث رأيت من كتب حرفيا: الوقت لم يحن بعد لنتعامل مع موضوع الذات!!رأيي في الموضوع:  بما أن المخرجات البحثية، لمعتنقي أحد هاتين النزعتين،مازالت تنتج أفكارا مفيدة، ،لا حاجة لنا، في الوقت الحالي، لاتخاذ قرار بشأن أي الفريقين سيقدم فهما مُرضيا. لكن، من المهم أن ندرك ونستوعب هذا الاختلاف، وأن ندرك أنّ مخرجاته مختلفة.

في الوقت الحالي، من المهم أن نلاحظ، أن هذه النزعات المختلفة، قامت بتخليد اختلافات الرأي، التي فرقت بين ويليام جيمس، وديفيد هيوم. هذه الاختلافات، التي قام البعض، بغض الطرف عنها عند مناقشة هذا الموضوع. جيمس ويليام، أراد التأكد من أن يكون لمفهومه عن “الذات” أساس حيوي. “الذات” التي حاول أن يقدمها في طرحه، ليست ذاتا ميتافيزيقية عارفة! ولكن ذلك لم يمنعه من إدراك وظيفة “أن تعرف” بالنسبة للذات، وإن كانت وظيفة خفية متلطفة. في المقابل، ديفيد هيوم، كان يبدو وكأنه يحاول أن يسحق الذات، إلى الدرجة التي تصبح فيها وكأنها ذرّات لا ترى. الفقرة التالية قد تعبر عن وجهة نظر ديفيد هيوم، وهي مقتبسة من كتاباته، يقول: “لا يمكنني أن أقبض على (نفسي) في أية لحظة وهي لا تقوم بالإدراك! ولا يمكن ملاحظة أية شيء عدا هذا الإدراك!” ويستمر بالقول: ” من الممكن أن أغامر، وأقول مؤكدا لباقي البشر، بأنهم ليسوا سوى مجموعة أو حزمة، من الإدراكات المختلفة، التي تتعاقب بسرعة خارقة لا يمكن تصوّرها، في تدفق إدراكي، وحركة لا تتوقف!.”

لاحظ جيميس هذا التجاهل عند ديفيد هيوم لمفهوم الذات، فاستثاره ذلك، وتحرك لإصدار توبيخ علنيّ قاس، جدير بأن لا يغادر ذاكرة من قرأه، مؤكدا وجود مفهوم الذات، وموضحاً الخلطة الغريبة، للاتحاد، والتنوّع، في ثنايا الذات، وداعيا المهتمين، لملاحظة ” الجوهر المتجانس” لمكوّنات الذات الأساسية. [18]

  التأسيس المعرفي الذي ناقشته هنا فيما سبق،قد خضع لتعديلات، ومناقشات مستفيضة، من قبل الفلاسفة، وعلماء الأعصاب، ليشمل جوانب متعددة لمفهوم الذات. [19] لكنني حاولت جهدي، أن لا أقلل من أهمية “الذات” في بناء العقل الواعي. أشك كثيرا في أن نتمكن من الوصول لفهم كامل للأساس العصبي،للعقل الواعي، دون أن نسجل ،باديء ذي بدء،  فهمنا للذات، كمستهدف، أي الذات المادية، والذات؛ كعارف.

الأعمال المعاصرة التي تتحدث عن فلسفة العقل، وفلسفة علم النفس، قامت بتوسيع هذا الإرث المفاهيمي، وفي الوقت ذاته، تطوّرُ علمِ البيولوجيا العامة، وعلم بيولوجيا التطور، وعلم الأعصاب، أدى إلى استغلال أمثل للإرث العصبي. والنتيجة: تقنيات متعددة، كثيرة،لإجراء أبحاث وتقصيّات عن الدماغ، ومخزون هائل من الحقائق. في هذا الكتاب، ما ستراه من أدلة، أو تخمينات، أو نظريات، سترتكز جميعها على هذه المساهمات الهامة.

-٤-

الذات، كشاهد

لملايين السنوات، كانت هناك كائنات لا تحصى، تحمل عقولا نشطة. لكن، فقط هؤلاء الذين تمكنوا من امتلاك ذات تعمل كشاهد، يشهد على العقل، تمكنوا من  التسليم بوجوده (وجود العقل). عرفنا بعدها عن وجود عقولنا،  حينما تتطورت العقول بما يكفي لتمتلك اللغة، وعاشت بما يكفي لتخبرنا عن نفسها. الذات كشاهد، هو (إضافة) لعقولنا، لتكشف لنا،  في كل واحد منا، عن أحداث، نسميها أحداث ذهنية. نحتاج هنا إلى أن نفهم: كيف نشأت هذه الإضافة.

المفاهيم المتعلقة بوجود شاهد على القصة، وبطل للقصة. لم أقصد منها أن تكون مجرد صور حرفية. أرجو من هذه المفاهيم أن تساعد في توضيح الأدوار المختلفة التي تتقمصها الذات في داخل العقل. هذه الاستعارة، ستساعدنا في فهم الموقف الذي يواجهنا حين نحاول أن نفهم العمليات الذهنية. العقل، الذي لا يملك، ذاتا  تتصرف كبطل شخصي لقصة العقل، يظل عقلا! لكن، بالنظر لكوننا لا نملك طريقة، سوى استخدام ذواتنا، كطريقة طبيعية لمعرفة  العقل، يتسبب ذلك في جعلنا معتمدين على حضور ذواتنا،وعلى  قدراتها، محدودة كانت أو وافره. وبالنظر لهذه الاعتمادية، يصبح من شبه المستحيل تخيل طبيعة العمليات العقلية، دون تدخل (الذات). وذلك على الرغم، من تصورنا بأن الأمر-من ناحية تطورية- يشير إلى أن العمليات العقلية المجردة، سبقت تطور عملية الذات (Sefl Proccess). الذات تسمح لنا بنافذة نرى من خلالها العقل. لكنها نافذة ضبابية.

جوانب الذات، التي تسمح لنا بتكوين تفسيرات تتعلق بوجودنا، وبالعالم الذي نعيش داخله،مازالت تتجدّد وتتغير، لا سيما على المستوى الثقافي، ومن المرجح، على المستوى الحيوي أيضا. على سبيل المثال،هذه المنابع المعرفية تتعرض لتعديلات، من خلال التداولات الاجتماعية والثقافية، وأيضا، من خلال الحصول على المعرفة العلمية عن عمليات العقل، والدماغ نفسها. لنوضح الأمر ببعض الأمثلة:  قرن كامل من رؤية الأفلام، لا بد أنه أثر بشكل ما،  على الذات البشرية، كما ينطبق هذا الأمر أيضا، على الثورة الرقمية، ووسائط الإعلام التي تنقل مجتمعاتنا المتعولمة في ثوانٍ،  لزيارة بعضها. وإذا أردنا أن نفكر في أثر هذه الثورة الرقمية، ما زالت ذواتنا تحاول تقدير هذه الثورة وفهمها. باختصار، نافذتنا الوحيدة لرؤية العقل، تعتمد على جزء من ذلك العقل ذاته، هذا الجزء: عملية للذات، والتي لا تستطيع – بحسب اعتقادي- أن تقدم تصورا كاملا، يمكن الوثوق به، لفهم ما يجري بالفعل!

حينما نحيل نظرنا ابتداءا، بعد أن نستوعب، أن (الذات) هي نافذتنا نحو المعرفة، قد نبدو متناقضين- وربما قليلي خاتمة!- حينما نتساءل عن إمكانية الوثوق ب(الذات) ولكن للأسف هذا هو موقفنا المحرج. باستثناء تلك النوافذ المباشرة التي تفتحها الذات، لنشعر بالألم، أو السعادة، باستثناء هذه النوافذ،  ما تقدمه لنا (الذات) من معلومات، يجدر بنا أن نتساءل بشأنه، خصوصا، حينما تحاول أن تخبرنا عن نفسها. لكن هناك أخبار جيدة هنا، الخبر الجيد، أن الذات، جعلت المنطق، والملاحظة العلمية ممكنة. ومن خلال هذا المنطق، والملاحظة العلمية، استطعنا، ونستطيع، تدريجيا،  أن نقوم بتصحيح بعض المفاهيم التلقائية من ذلك النوع الذي تسوّق له (ذات ) لا تتسلح بالمنطق والعلم.

-٥-

عن تجاوز فهم تلقائى مضلل

من الممكن لنا تقديم الجدلية التالية: الثقافات والحضارات، لم يكن لها أن تنتعش لو كان الوعي غائباً، وذلك من دوره أن يجعل الوعي ، حدثاً ملحوظا في رحلة التطور الحيوي البشري. ولكن، طبيعة الوعي ذاتها، تشكل مشكلة جادة، لهؤلاء الذين يحاولون فهمها بطريقة بيولوجية/حيوية. حينما ننظر للوعي من الزاوية التي نقف عندها اليوم، ونحن نراها كعقل واع، يتسلح ب (ذات)، هذه النظرة يمكن لنا أن نعاتبها على المشاكل -التي يمكن فهمهما بالطبع- والتشويهات التي علقت بدراسات العقل و الوعي تاريخياً. حينما ننظر من الأعلى، العقل، له موقع خاص، يتميز عن باقي أعضاء الجسد الذي ينتمي له. حينما ننظر من الأعلى، العقل لا يبدو معقدا فقط – هو معقد بالتأكيد، ولكنه أيضا، مختلف، نوعياً، عن باقي الأنسجة الحيوية، ووظائف ذلك الجسد الذي أنجبه. في الحياة العملية، نستخدم عادة، نوعين من المناظير، حينما نلاحظ وجودنا: نلاحظ العقل باستخدام منظار يوجه عدسته إلى الداخل، ونلاحظ الأنسجة الحيوية، باستخدام منظار، يوجه عدسته، خارجه.  بالنظر إلى هذه الظروف، لن يفاجئنا، أن نلاحظ أن العقل، يبدو وكأنه يملك، طبيعة غير فيزيائية [لا تتعلق بالنسيج ذاته-المترجم]، وأنه عبارة عن ظاهرة، يبدو وكأنها تنتمي لقائمة أخرى [قائمة غير فيزيائية-المترجم].

النظرة للدماغ، كظاهرة غير فيزيائية، منقطعة عن البيولوجيا، التي أنتجتها، وحافظت عليها، هذه النظرة، مسؤولة، عن وضع العقل حاليا، خارج أطر القوانين الفيزيائية. وفي المقابل، نجد أن ظواهر الدماغ الأخرى، موجودة داخل هذه الأطر. الظاهرة الأكثر إدهاشا، لمحاولة فهم هذه الغرابة، كانت في محاولة ربط العقل الواعي، بالخواص الفيزيائية التي لم نستطع شرحها حتى الآن، على سبيل المثال، محاولة شرح العقل الواعي، عن طريق الظواهر الكمية (quantic phenomena) ! المنطق المستخدم لهذه الفكرة يبدو كما يلي: العقل الواعي يبدو غامضاً؛و لأن الفيزياء الكمية، مازالت غامضة، ربما كان هناك رابط إذن، لتفسير الغموضين المختلفين![20]

بالنظر للممعطيات هنا، المتمثلة في فهمنا الناقص، لعلوم الأحياء (البيولوجيا)، وللفيزياء، لا بد لنا من الحذر قبل أن نرفض التفسيرات البديلة. لا يمكن لنا أن ننكر، أنه  و رغم كل النجاحات البارزة لعلوم الأعصاب المرموقة، مازال فهمنا للدماغ البشري ناقصاً. بالرغم من ذلك، احتمالية تفسير العقل، و الوعي ، ولو كان بشكل بخيل، داخل أطر علوم الأعصاب الحيوية، كما نفهمها الآن، يظل ممكنا؛ أرى أنه لا يجدر بنا التخلي عن هذا الأمل، إلا إذا استنفدنا، كل طاقات علوم الأعصاب الحيوية، و أنا لا أتخيل أن مثل هذا الاستنفاد ممكن في الوضع الحالي!

حدسنا يخبرنا أنه لا وجود لامتدادات فيزيائية، لهذا الشأن الزئبقي، المتملص، المتعلق بفهم الدماغ. أعتقد أن هذا الحدس، حدس خاطيء، وأعتقد أنه آتٍ من محدودية فهم تلك الذات التي لا تتسلح بالمنطق والعلم، التي أسلفت ذكرها.  ربما مثل هذا الحدس، لا يجدر بنا احترامه، بالطريقة التي ندرك بها الآن أنه لم يكن يجدر بنا احترام الحدس القوي، الذي سبق كوبيرنكس[21]، عما تفعله الشمس بالأرض، أو الحدس القديم، القائل بأن العقل يقطن داخل القلب!

الأشياء ليست كما تبدو دائما. الضوء الأبيض، يتكون من ألوان قوس قزح، رغم أن العين المجردة لا تراه هكذا![22]

يمكنك قراءة الفصل الثاني عبر هذا الرابط


الهوامش

[1]    العنوان الأصلي: Self Comes To Mind: Constructing the Conscious Brain. فهمي لاستخدام عبارة comes to: أنها تتضمن لعبا على الكلمات، يعبر عن (يعود لرشدة، يصحى من غيبوبة) وبالاستنباط، يعود أخيرا. وأيضا تعبر أن شيئا وصل لشيء، لذا كانت عبارة الانبثاق، التي أرى أنها تجمع المعنيين. – المترجم

من المناسب هنا، أن نتحدث باختزال شديد عن موضوع الكتاب: يحاول الكتاب أن يناقش كيف نبثق ذواتنا الشخصية، من عضو الدماغ، ووظيفة العقل-المترجم.

[2]  سيتم استخدام كلمة (الوعي) خلال هذا الترجمة كتعبيرعن Consciousness وستلاحظ أن هناك محاولات لتعريف هذه الكلمة من خلال الكتاب هنا. المهم حاليا، إدراك أن كلمة الوعي هنا، المقصود بها (الوعي الذهني)، ولا علاقة لها بما يقصد بالوعي أحيانا باللغة العربية- كتعبير عن التبصّر والرقيّ. هناك من ترجم نفس الكلمة باستخدام كلمة (إدراك) والتي أرى أنها تنطبق على كلمة Perception مما قد يؤدي لاختلاط المفاهيم-المترجم.

[3]  ذات، هي الترجمة التي اخترتها، لكلمة: Self. هناك معانٍ غنية لهذه الكلمة لا يمكن حصرها في هذا الهامش. لكن من المفيد للقاريء معرفة احتماليات الترجمة الأخرى لهذه الكلمة. هناك كلمة: نفس، التي يعيبها -في نظري- الإشارات الروحية للكلمة، واستخدامها عادة كمادة متستهدفة: “يقتل نفسا”، “يعرف نفسه”..الخ. وهناك كلمة “شخص”، التي يعيبها، تعلقها بموضوع الصفات الشخصية، وقربها من كلمة إنسان، البعيدة كليا عن المقصود هنا. كلا الكلمتين يعيبهما كثرة تداولهما، مما قد يُصعّب التقاط المفهوم التقني للكلمة. أرجو من القاريء الكريم هنا أن يرى كلمة ذات، وكأنها نقطة متحركة، نشطة، في منتصف مثلث،أطرافه (الأنا) و(النفس) و(الشخص)-المترجم.

[4]   الشخصانية، الترجمة التي اخترتها لكلمة: Subjectivity. هذه الكلمة التي تعبر عن الذاتية، أو الشخصانية، أي نزعة الشخص للنظر للأمور من منظوره الخاص. وهي بذلك، تعبر عن المعنى المضاد، ل Objectivity والتي يمكن ترجمتها ب: الموضوعية، وهي النزعة للنظر للأمور كما هي فعلا، دون تدخل الذاتية، أو الشخصانية، في هذه النظرة.

[5]   للتوضيح مرة أخرى، عدم امتلاك الوعي ، لا علاقة له هنا بالمفهوم الشائع بعدم امتلاك المعرفة، أو القدرة على التبصر والفهم-المترجم.

[6]  ابتدأت بإدراك أن هناك معارضة لأبحاث الوعي في وقت متأخر من الثمانينيات الميلادية، تكلمت بفي هذا الموضوع، أول مرة مع فرانسيس كريك، Francis Crick. في ذلك الوقت كان فرانسيس يفكر، أن ينحّي جانبا اهتماماته الأخرى في علوم الأعصاب، ويركز جهوده على موضوع الوعي . بالنسبة لي لم أكن جاهزا لأعمل هذا! لم تكن فكرة سيئة بالنظر للمزاج العام وقتها. أتذكر حينما كان فرانسيس يسألني، مشاكساً، بجذل، : هل تعرف تعريف ستيوارت سذرلاند للوعي. أجيبه: لا أعرفه!. ستيوارت سذر لاند، النفساني بريطاني، الشهير بمقولاته اللاذعة، والقاسية، عن شؤون مختلفة، وعن زملائه، كان قد نشر في قاموسه: “قاموس علم النفس، تعريف مربك، قرأه فرانسيس ، لكي أسمعه: ” الوعي ، ظاهرة فاتنة، ولكنها متملصة: من المستحيل أن تحدد ماهيتها، أو ماذا تفعل من أجلنا، أو كيفية تطورها. لم يكتب عنها أية شيء يستحق القراءة على الإطلاق” ستيوارت سذرلاند، القاموس العالمي لعلم النفس ، الطبعة الثانية. “ Stuart Sutherland, International Dictionary of Psychology, 2nd ed. (New York: Continuum, 1996).”

ضحكنا من قلوبنا. وقبل أن نضع في حسباننا تلك المقولة خرافية التفاؤل، قرر فرانسيس أن يقرأ لي تعريف سذرلاند للحب. هذا هو، لمن يهمه هذا الأمر من القراء: ” الحب، نوع من أنواع المرض النفسي، لم يتم اعتباره تشخيصا حتى الآن، من قبل أية معايير التشخيص المعتبرة!” أضحكنا ذلك أيضا.

حتى لو نظرنا إلى المزاج العام وقتها، تصريح ستيوارت سذرلاند، كان متطرفا، رغم أنه يشير إلي نزعة سائدة وقتها: الأبحاث عن الطريقة التي ينبثق بها الوعي من الدماغ، لم يحن وقتها بعد! هذه النزعة السائدة لم تتسبب بشلل كامل للأبحاث عن الوعي ، لكنها، كانت مؤذية، لأنها قامت بفصل -مفتعل وغير حقيقي- لمعضلة الوعي ، عن معضلة العقل. كأن هذه النزعة منحت ترخيصا لعلماء الأعصاب، بأن يستمروا في دراسة العقل وبحث ما يتعلق به، دون الحاجة إلى مواجهة معضلة الوعي ، وصداعها. (بالمناسبة، التقيت بستيوارت سذرلاند، بعد هذه القصة بسنوات طويلة، وأخبرته بأبحاثي عن الوعي ، والذات. بدا لي أن الأفكار أعجبته، وكان لطيفا جداً معي.)

هذه النزعة السلبية، لم تختف تماماً. أحترم، بالطبع، شكوك الزملاء الذين ما زالوا يملكون هذه النزعة، لكن الفكرة القائلة بأن شرح انبثاق الوعي من العقل، تتجاوز ذكاءنا البشري، أجدها فكرة غريبة، وربما خاطئة، ويشابه ذلك الفكرة القائلة بأننا يجب أن ننتظر اينشتين القادم، أو داروين القادم، لحل هذا الغموض. نفس الذكاء الذي فككّ التاريخ التطوري في علم الأحياء، واكتشف الرموز الجينية لحياتنا، يمكنه، على الأقل، أن يحاول أن يفكك معضلة الوعي ، قبل أن يعلن انهزامه. داروين بالمناسبة، لم يفكر بالوعي ، كقمة يستحيل الوصول لها بالنسبة للعلم. وآينشتاين، الذي نظر للطبيعة من خلال عدسات الفيلسوف سبينوزا، من الصعب تخيل أن مشكلة الوعي ستؤرقه، لو قرر أن يخصص جهده لها.

[7]   منذ عقد من الزمن، في مقالات مجلات علمية، وفي كتاب سابق، حاولت مناقشة معضلة الوعي . انظر: أنتونيو داماسيو، مرفق أسماء هذه المؤلفات/المصادر.

 See Antonio Damasio, “Investigating the Biology of Consciousness,” Philosophical Transactions of the Royal Society B: Biological Sciences 353 (1998); Antonio Damasio, The Feeling of What Happens: Body and Emotion in the Making “of Consciousness (New York: Harcourt Brace, 1999); Josef Parvizi and Antonio Damasio, “Consciousness and the Brainstem,” Cognition 79 (2001), 135–59; Antonio Damasio, “The Person Within,” Nature 423 (2003), 227; Josef Parvizi and Antonio Damasio, “Neuroanatomical Correlates of Brainstem Coma,” Brain 126 (2003), 1524–36; David Rudrauf and A. R. Damasio, “A Conjecture Regarding the Bio logical Mechanism of Subjectivity and Feeling,” Journal of Consciousness Studies 12 (2005), 236–62; Antonio Damasio and Kaspar Meyer, “Consciousness: An Overview of the Phenomenon and of Its Possible Neural Basis,” in The Neurology of Consciousness: Neuroscience and Neuropathology, ed. Steven Laureys and Giulio Tononi (London: Academic Press, 2009).”

[8]  “W. Penfield, “Epileptic Automatisms and the Centrencephalic Integrating System,” Research Publications of the Association for Nervous and Mental Disease 30 (1952), 513–28; W. Penfield and H. H. Jasper, Epilepsy and the Functional Anatomy of the Human Brain (New York: Little, Brown, 1954); G. Moruzzi and H. W. Magoun, “Brain Stem Reticular Formation and Activation of the EEG,” Electroencephalography and Clinical Neurophysiology 1, no. 4 (1949), 455–73.”

[9]    لمراجعة المصادر المتعلقة بموضوعنا هنا. أقترح الطبعة الحالية من هذا الكتاب الكلاسيكي:

 Jerome B. Posner, Clifford B. Saper, Nicholas D. Schiff, and Fred Plum, Plum and Posner’s Diagnosis of Stupor and Coma (New York: Oxford University Press, 2007).”

[10]  “ William James, The Principles of Psychology (New York: Dover Press, 1890).”

[11]        (عملية الذات،) ترجمتي لعبارة المؤلف: Self Process. ويقصد منها، نقل الذات من أن تكون اسما مجردا، كشيء مادي، أو مستهدف، لتكون عملية تنضوي تحت لوائها وظائف ومفاهميم معينة، كما سيأتي- المترجم.

[12]        مستهدَف نشط-Dynamic Object. كلمة Object الإنجليزية، من أكثر المفاهيم صعوبة بالنسبة لترجمتها بالعربية. لم يتم الاتفاق على أي ترجمة لها بعد. على سبيل المثال، أحد مدارس التحليل النفسي، تتسمى بObject Relations. والمقصود بObject هنا حرفيا: شيء، أو موضوع. لكن المعنى يتعلق بوجود (شيء/شخص/موضوع  مُستهدَف). اخترت أن أترجمها بكلمة، مُستهدَف. والمقصود منها هنا في سياق هذا الكتاب، أن الذات قد تكون (موضوعا/مستهدفا) قابل للمراقبة، والاستهداف،  في مقابل أن تكون الذات، عارفا، أو مراقبا لما يقبع خارجه.

[13]        self-as-object /self-as-knower. ترجمتها تباعا، ك؛ الذات؛ كمستهدف/ الذات؛ كعارف.

[14]        “James, Principles, 1, chap. 2.”

[15]        يقصد تجاوزه الأدبي في الحديث عن الزوجة كجزء من الممتلكات في هذا النص القديم، مما لم يعد لائقا استخدامه اليوم-المترجم

[16]        المقصود: يكون العقل، غير موعيّ/ لا موعيّ/ لا يمكن إدراكه في هذه الحالة.  قمت بترجمة unconscious ب(لامَوْعيّ) حينما جاءت في سياق كونها صفة لما لم يتم وعيه. وذلك بعد بحث وتمحيص وغياب ا لمقابل العربي الدقيق، حيث تمت  ترجمتها سابقاً  باللاوعي، واللا شعور، وهذه عبارة عن أسماء مصدر و لا يصح استخدامها كصفة. على سبيل المثال، ينتشر في أدبياتنا استخدام عبارة (فكرة لا واعية)، وهذا استخدام خاطيء ومضلل حيث أن الفكرة  لا تكون “ واعية”بذاتها. أو يتم ا لالتفاف على هذا الاستخدام اللغوي الخاطيء بعبارة ك:(فكرة في اللا وعي)، وهذا أيضا استخدام أراه يشجع على سوء الفهم، حيث يتم الحديث عن اللا وعي كصندوق، مما قد يناسب النظرية ا لأولى (الطبوغرافية) لفرويد، لكنه  لا يناسب الفهم الحالي. يصبح الحديث عن أفكار لايعيها الشخص، أقرب إلى الفهم حينما يتم استخدام عدم الوعي بها كصفة تخصها، كما في النصوص الأصلية-المترجم.

[17]        “ John Searle, The Mystery of Consciousness (New York: New York Review Books, 1990).”

[18]  فحوى الاختلاف هذا تم نقاشها، في: كتاب جيمس ويليام، “Principles, 1, 350–52.”

نقاشات هيوم الوثوقية، و التي رد عليها جيمس ويليام، كانت التالية:

هيوم:

بالنسبة لي، حينما أدخل بحميمية نحو ما أدعوه (نفسي)، دائما ما أتعثر بإدراك أو آخر، أدرك البرودة  أو الحرارة، الضوء أو الظل،الحب أو الكره، الألم أو السعادة. لا يمكنني أن أقبض على (نفسي) في أية لحظة وهي لا تقوم بالإدراك! ولا يمكن ملاحظة أية شيء عدا هذا الإدراك! حينما تتم إزالة هذا الإدراك لفترة من الزمن، كما يحدث حينما أكون نائما، مادمت غير مدرك لنفسي، يمكنني القول، بأن نفسي غير موجودة. وحينما يزيل الموت إدراكاتي جميعها، ولا أستطيع أن أفكر، أو أحس، أو أرى أو أحب، أو أكره، بعد أن يفنى جسدي، سأكون والعدم شيئا واحدا. ولا أستطيع أن أفهم، احتياجي لأي مطلب آخر، كي أصبح فانيا تماما. إذا كان هناك شخص، يتأمل بصورة جادة، وغير متكبرة، حيث يصدّق ما يجعله يعجب بذاته، أقول، إذا كان هناك شخص يملك فهما مختلفا عن هذا الفهم ل(نفسه)، لا بد لي من الاعتراف بأنني لن أستطيع مناقشته وإقناعه. كل ما سيمكنني قوله، أنه قد يكون على حق، كما أنني ممكن أن أكون على حق، ولا بد لنا من الاعتراف بأننا لن نتفق بخصوص هذه الجزئية. ربما كان يستطيع استيعاب، شيء بسيط، ومستمر، يدعوه نفسه/ذاته، ولكنني شخصيا، متأكد أنه ليس ثمة شيء كهذا بالنسبة لي. “Hume, Treatise on Human Nature, book 1.”

ويليام جيمس:

“ولكن هيوم، بعد أدائه لهذه الوصلة الجيدة من التأمل في ذاته، بدا وكأنه تطرف كثيرا. كما يقولون، الذات، عبارة عن مجرد “اتحاد”. هيوم يقول بأنها مجرد تعددية واختلاف. أرى الحقيقة في كونها خليطا من الاتحاد والتفرق، كما استطعنا التوضيح… هو [هيوم] ينكر خيط التشابه هذا: الذي أراه كجوهر متجانس، يمر عبر مكونات الذات، ويعبر عن وجود الذات كظاهرة استثنائية.”

[19]  من أمثلة هذه النقاشات والمؤلفات، مايلي،

“D. Dennet, Consciousness Explained (New York: Little, Brown, 1992); S. Gallagher, “Philosophical Conceptions of Self: Implications for Cognitive Science,” Trends in Cognitive Science 4, no. 1 (2000), 14–21; G. Strawson, “The Self,” Journal of Consciousness Studies 4, nos. 5–6 (1997), 405–28. In addition to the works cited in note 10, see also Damasio, Feeling of What Happens; P. S. Churchland, “Self-Representation in Nervous Systems,” Science 296, no. 5566 (2002), 308–10; J. LeDoux, The Synaptic Self: How Our Brains Become Who We Are (New York: Viking Press, 2002); Chris Frith, Making Up the Mind: How the Brain Creates Our Mental World (New York: Wiley-Blackwell, 2007); G. Northoff, A. Heinzel, M. de Greck, F. Bermpohl, H. Doborowolny, and J. Panksepp, “Self-referential Processing in Our Brain—A Meta-analysis of Imaging Studies on the Self,” NeuroImage 31, no. 1 (2006), 440–57.”

[20]  فيما يلي بعض الأعمال التي تناقش هذه الفكرة-المترجم

“ The work of Roger Penrose and Stuart Hameroff exemplifies this position, which has also been championed by the philosopher David Chalmers. See R. Penrose, The Emperor’s New Mind: Concerning Computers, Minds, and the Laws of Physics (Oxford: Oxford University Press, 1989); S. Hameroff, “Quantum Computation in Brain Microtubules? The Penrose-Hameroff ‘Orch OR’ Model of Consciousness,” Philosophical Transactions of the Royal Society A: Mathematical, Physical and Engineering Sciencies 356 (1998), 1869–96; David Chalmers, The Conscious Mind: In Search of a Fundamental Theory (Oxford: Oxford University Press, 1996). The point about the coincidence of mysteries was argued convincingly in Patricia S. Churchland and Rick Grush, “Computation and the Brain,” in The MIT Encyclopedia of Cognitive Science, ed. R. Wilson (Cambridge, Mass.: MIT Press, 1998).

[21] Nicolaus Copernicus: عالم فلك ورياضيات، انتقد الفكرة القائلة بأن الأرض محور الكون، كان رأيا غريباً وقتها، واليوم لا يشكّ فيه أحد-المترجم.

[22]  هذا الحدس الخاطيء، يقويه الادعاء القائل بأن أبعاد، أو كتلة العمليات الذهنية، لا يمكن قياسها بالأدوات المعتادة. بلا شك، هذا صحيح، لكن الوضع له علاقة بمكان العمليات الذهنية، ألا وهو: دهاليز الدماغ العويصة، حيث لا يمكن بالطبع استخدام هذه المقاييس والأدوات. هذا الوضع محبط للمراقب المهتم، لكنه لا يؤكد ولا ينفي وجود فيزيائية معينة للحالات الذهنية. الحالات الذهنية تبدأ ، وتنتهي بشكل فيزيائي. من الممكن كشف غموضها، فقط حينما يتوجه إليها بناء الذات -الفيزيائي بدوره-ملاحظا ومتأملا. المفهوم التقليدي الذي يفرق بين ماهو مادّي، وماهو ذهني، مفهوم ضيق بشكل غير ضروري. مسؤولية كشف هذه المعضلة، يحملها أولئك الذين يؤمنون بأن الحالات الذهنية، قد نشأت من نشاط الدماغ. في تصوري، دعم الفكرة، التي تبدو بديهية، والقائلة بفصل العقل عن الدماغ، والنظر لهذه الفكرة وكأنها المنصة الأوحد لمناقشة هذه المعضلة، لن يشجعنا على البحث في اتجاهات أخرى-المؤلف.