مجلة حكمة
التموقف الإبستمولوجي ستانفورد

التموقف الإبستمولوجي وعلاقته بالمعرفة – جون توري، ومارك ألفانو، وجون غريكو


التموقف الإبستمولوجي

  • التموقف الإبستمولوجي

 يميل إبستمولوجيو الفضيلة من جميع الاتجاهات إلى إدراك أهمية النتائج التجريبية حول المعرفة والاستقصاء، كما ذُكر آنفًا. إذ توجد أسباب متعددة لهذه الحساسية تتجاوز الميل إلى المذهب الطبيعي. أولًا، على الرغم من أن إبستمولوجيا الفضيلة هي نظام معياري كما نوقش سابقًا، فإن بعض إبستمولوجيي الفضيلة يقبل نسخة من مبدأ الوجوب يتضمن الاستطاعة  ought implies can.

إلى الحد الذي يحدد فيه البحث التجريبي في علم النفس والعلوم المعرفية وغيرها من المجالات حدود الإدراك البشري،. مثل هذا البحث يقيد من التساؤلات والتصرفات والحالات التي يمكن أن يطلبها الأشخاص إبستمولوجيًّا. بصورة أكثر طموحًا، قد يعتقد المرء أن المعايير المعرفية شديدة المتطلبات،. قد تكون أحياناً غير مناسبة  – حتى لو بالمعنى الدقيق للكلمة – يمكن استيفاؤها. ثانيًا، حتى لو رفض المرء مبدأ الوجوب يتضمن الاستطاعة ought implies can، فإن القوة المزعومة لإبستمولوجيا الفضيلة هي قدرتها على الاستجابة بنجاح للشك.

ومع ذلك، يمكن القول إذا كانت تصرفات إبستمولوجيي الفضيلة تفترض وجودها أبدًا أو نادرًا متجسدة من قبل البشر، فإن ثمة شكوكاً تلوح في الأفق. لاحظ أن هذه الحجة تستمر حتى لو تمكن الناس من اكتساب الفضائل الفكرية وإظهارها، طالما أنهم في الواقع لا يستجيبون للشك. ثالثًا، قد يساعد البحث التجريبي في حل مشكلة التعميم. أي واقعة لاكتساب اعتقاد يسعها أن تصنف تحت عدد غير محدد من العناوين؛ تفرد بعض هذه التصنيفات أحكامًا موثوقة للغاية، بينما يفرد البعض الآخر أحكامًا أقل موثوقية. عندما أستنتج من حقيقة أن كل زمرد قمت بفحصه هو أخضر:. أن كل زمرد (سواء تم فحصه أم لا) أخضر، فهل يجب وصف استنتاجي بأنه تعميم استقرائي أو تعميم استنتاجي يستخدم مدلولات متوقعة؟

 على الرغم من أن مشكلة التعميم تم توضيحها لأول مرة بوصفها عقبة لموثوقية العملية (Pollock 1984)، إلا أن جولدمان (1986: 50) وزاجزيبسكي (1996: 300) يدركون أن إبستمولوجيا الفضيلة تواجه نسختها الخاصة من المشكلة. هل ينبغي تصنيف الفضائل المعرفية بشكل تقريبي، بحيث يؤدي الانفتاح الذهني إلى الفصل،. أو يجب أن يتم تصنيفها بدقة، بحيث يكون الانفتاح على الأصدقاء في حالة المزاج الجيد هو الفيصل؟ Zagzebski (1996: 309) يقول أنه يجب الإجابة على هذا السؤال تجريبيًا، مع تفضيل التصنيف التقريبي. وأخيرًا، فإن إبستمولوجيي الفضيلة الذين يفضلون نهجًا تحسينيًا أو تعليميًا لـ إبستمولوجيا الفضيلة،. لديهم سبب إضافي للإصغاء إلى النتائج التجريبية، حيث قد تكشف عن العيوب الإبستمولوجية الشائعة التي يمكن تصحيحها، علاوةً على اقتراح آفاق واعدة أكثر للتدريب والتطوير الإبستمولوجي من أولئك العاملين في علم أصول التربية المعاصر.

.

  • العلوم الفكرية والإبستمولجيا

على الرغم من هذه الاعتبارات، فقد تشكَّل العلومُ الفكرية تهديدًا لإبستمولوجيا الفضيلة. بعد كل شيء، إلى الحد الذي لا تعدُّ فيه التصرفات الفكرية للناس فضائل (لأنهم غير موثوقين أو غير مسؤولين، على سبيل المثال)،. فإن المعتقدات الحقيقية التي ينتجونها لن تعد معرفة (Alfano 2012). باستدعاء أن إبستمولوجيي الفضيلة، متفقون إلى حد كبير على أن المعرفة اعتقاد حقيقي يظهر الفضيلة. إذا كانت الدراسات التجريبية تشير إلى أن معتقدات الناس عادةً ما تُظهر عيوبًا إبستمولوجية أو عدم كفاءة،. فسيتم توجيه إبستمولوجيا الفضيلة إلى استنتاج مفاده أن معظم معتقداتنا الحقيقية لا تحتسب كـ معرفة. هذا التحدي لإبستمولوجيا الفضيلة مشابه لـ “التحدي الموقفي” لأخلاقيات الفضيلة (Doris 1998، 2002؛ Flanagan 1991؛ Harman 1999؛ للحصول على تعبير حديث. انظر Merritt، Doris، and Harman 2010).

مارك ألفانو (2012: 234) أول من صاغ المشكلة على أنها تثليث غير متسق:. مناهضة الشكوكية، وبموجبها يمتلك جميع البشر تقريبًا قدرًا كبيرًا من المعرفة، التموقف الإبستمولوجي،. والذي وفقًا له لا تعد الأحكام المعرفية لدى معظم الناس فضائل؛ لحساسيتها تجاه عوامل ظرفية غير مهمة، وغير ذات صلة معرفيًّا لـ إبستمولوجيا الفضيلة. فيما يتعلق بموثوقية الأحكام الاستنتاجية للناس، أشار ألفانو (2014a، 2013b: الفصل 6). إلى سلسلة قوية من النتائج المتعلقة بعدم موثوقية الاستنتاج مثل التوافر الاستنتاجي، الاستنتاج التمثيلي، والاستنتاج الإدراكي.

فيما يتعلق بمسؤولي إبستمولوجيا الفضيلة،. شدد ألفانو (2012، 2013 ب: الفصل 5) على النتائج المتعلقة بالتأثير الكبير للعوامل التي تبدو بسيطة ولكنها غير ذات صلة معرفيًّا بتكوين المعتقدات. تشمل هذه العوامل عوامل تحسين المزاج، ومثبطات المزاج، والإشارات الاجتماعية للاتفاق بإجماع مقابل عدم الإجماع. في وقت لاحق، بينما بعض الفلاسفة زادوا طين التجريبية بِلَّة (twisted the empirical knife) (على سبيل المثال، Olin وDoris 2014؛ Blumenthal-Barby 2015)، ظهرت على الأقل أربع استجابات.

.

  • استجابات التموقف الإبستمولوجي

  •  الاستجابة الرئيسة الأولى لـ التموقف الإبستمولوجي هي إنكار وجود مشكلة، مشيرًا إلى المزيد من الأدلة التجريبية المشجعة. على سبيل المثال، يجادل فايوثر ومونتمايور (2014) بأن الاستدلال -بدلًا من أن يكون اختصارات عقلية غير موثوقة-. أكثر موثوقية من الأنماط الاستنتاجية التقليدية التي يميل الناس إلى إساءة استخدامها. على المنوال نفسه يجادل ساملسون وشورش (2015) بأن الاستدلال عندما يتم رصده ومقاطعته بشكل صحيح من خلال معرفة مليئة بالجهد من أعلى إلى أسفل،. يمكن أن يكون موثوقًا به، وأن الممارسة الفعالة لمثل هذا التحكم من أعلى إلى أسفل يشكل نسخة من فضيلة المسؤولية للتواضع المعرفي. كنج  (2014a) يدافع عن المسؤولية من خلال الإشارة إلى أنه -في الأقل في نسخة زاجزبسكي (1996). من إبستمولوجيا الفضيلة- لا تحتاج المعرفة إلى إظهار الفضيلة،. ولكن بدلاً من ذلك تحتاج إلى أن تنشأ من التساؤل المحفز الذي قد ينخرط فيه الشخص الفاضل.

  •  الاستجابة الرئيسة الثانية هي أكثر توفيقية،. مما يُشير إلى أن إبستمولوجيا الفضيلة يجب أن تركز بدرجة أقل على تحقيق الفضيلة وبدرجة أكثر على تجنب الرذيلة. يؤكد روبرتس وويست (2015). أن البحث في الاستدلال والتحيزات المعرفية ذات الصلة يُظهر أنه من الأفضل فهم البشر على أنهم يظهرون عيوبًا معرفية طبيعية مختلفة. إن العمل على أن تصبح عارفًا جيدًا بما فيه الكفاية هو إذن مسألة تطوير أساليب لتجنب هذه العيوب أو التغلب عليها. اذ يقترحان، اليقظة الذاتية والحيوية الفكرية المتزايدة بوصفها أسلوبين رئيسيين للتعامل مع هذه العيوب، مما يجعل وجهة نظرهما تشبه إلى حد ما يذهب إليه Samuelson and Church (2015).

يجادل كاسام (2016) بأن الأدبيات الموسعة حول نظريات المؤامرة والتفكير التآمري تظهر أن الناس عرضة للعديد من الرذائل الفكرية،. التي تُفهم على أنها سمات شخصية تعوق الاستقصاء الفعال والمسؤول. لذلك فإن فهم الاستقصاء البشري، وكيف يمكن أن يخطئ يتطلب دراسة الرذائل الفكرية. يستكشف ألفانو (2014 ب) ظاهرة التنميط بوصفها تهديدًا من منظور الرذيلة الفكرية، بحجة أن القابلية للتهديد التنميطي يجب أن تفسر على أنها عيب إبستمولوجي تتحمله البيئة الاجتماعية، وليس الفاعل. يشير هذا إلى أن التغلب على بعض الرذائل الفكرية على الأقل يتطلب مقاربة اجتماعية أو مؤسسية.

  •  يتوافق هذا الاقتراح مع الاستجابة الرئيسة الثالثة لـ التموقف الإبستمولوجي،. والتي تتمثل في التخلص بطريقةٍ ما من بعض القوة الإبستمولوجية المطلوبة تقليديًّا للفرد في البيئة المادية أو الاجتماعية أو السياسية. على سبيل المثال، يدافع بريتشارد (2014) عن نسخة أكثر تواضعًا من إبستمولوجيا الفضيلة التي تقر بالدور الأساسي للبيئة في اكتساب المعرفة. الشخص المحظوظ، الذي يتم وضعه في بيئته المادية والاجتماعية والسياسية سينتهي به الأمر. بمعرفة أكبر على الرغم من ممارسة أقل للقوة الإبستمولوجية مقارنة بشخص غير محظوظ،. حتى لو كان الأخير يمارس مستويات عالية من القوة الإبستمولوجية.

التموقف الإبستمولوجي يُفسر هذا بكونه دليلًا على اعتمادنا المعرفي الذي لا مفر منه على الظروف. يربط ألفانو (2013b، 2016a) وألفانو وسكوربرغ (2017). تحدي التموقف الإبستمولوجي مع الأدب في فلسفة العقل حيال الإدراك المتضمن. والمدعوم والممتد المستوحى من كلارك وشالمرز (1998؛ انظر أيضًا Sterelny 2010). الفكرة الأساسية هنا هي أنه عندما يتكامل الفاعل الإبستمولوجي. بشكل مناسب مع الأشياء الطبيعية والآثار والفاعلين الآخرين في بيئتهم المادية والاجتماعية والسياسية، فقد تكون تلك العوامل الخارجية جزءًا أساسيًّا من الأحكام الفكرية للعارف. إنّ الإدراك المضمن يحدث في بيئة طبيعية مستقرة في الغالب؛. بينما الإدراك المدعوم يحدث في بيئة اصطناعية مستقرة في الغالب؛ والإدراك الممتد يحدث في بيئة تفاعلية ديناميكية.

ضمن هذا التصنيف، يجادل ألفانو وسكوربورغ (قريبًا) أنه من الممكن تحسين موثوقية التعرف على الاستدلال،. ليس من خلال تطوير المزيد من الموارد الفكرية الداخلية (مثل Samuelson & Church 2015 وRoberts & West 2015). ولكن من خلال هيكلة النظام البيئي المعلوماتي الذي يجد الناس أنفسهم فيه بشكل أفضل –. وهو اقتراح يتوافق مع العمل الأخير حول إبستمولوجيا لتقنيات المعلومات والاتصالات مثل الإنترنت. (Bozdag & van den Hoven 2015؛ Lynch 2016) وعلوم المكتبات (Fallis & Whitcomb 2009).

يجادل ألفانو (2016a) وألفانو وسكوربورغ (2017)، أنه في بعض الحالات،. نجد أزواجًا من الفاعلين يشكّل بعضُهم شخصية بعضٍ بشكل متبادَل من خلال الانخراط في تفاعلات ديناميكية مع الفضائل المتشابكة. أحد الأمثلة التي يركزون عليها هي الصداقة،. حيث إن كوني صديقك يتشكل جزئياً من كونك صديقي، والعكس صحيح. إن الأدبيات حول الفضائل الفكرية المُضمّنة والمدعومة والممتدة هي تطور طبيعي لتركيز. إبستمولوجيا الفضيلة على الفاعلين الإبستمولوجيين والجماعات الفكرية.

  •  الإستجابة الرابعة، هي أنه لا يوجد دليل على أن المعرفة. تتطلب نوعًا من الأحكام التي تتحدى التموقف الإبستمولوجي،. وعلاوةً على ذلك، فإنه يوجد دليل نظري وتجريبي على أن المعرفة لا تتطلب مثل هذه التصرفات (Turri 2017). وبشكل أكثر تحديدًا، وفقًا لهذا النوع من النقد،. لم يتم تقديم أي حجّة جادّة على أن المعرفة تتطلب الموثوقية؛. بدلًا من ذلك، اعتمد الفلاسفة على حجج تفسيرية ضعيفة أو بشكل أكثر شيوعًا، افترضوا ببساطة أن المعرفة تتطلب الموثوقية (Turri 2016a).

وكذلك فإنه إذا كانت المعرفة إنجازًا، فيجب أن نتوقع أنها لا تتطلب الموثوقية،. لأنه لا يتطلب أي إنجاز آخر الموثوقية (Turri 2015c). علاوةً على ذلك، أظهرت الدراسات التجريبية الحديثة أن المفهوم العادي للمعرفة -وهو المفهوم الذي يدعي إبستمولوجيو الفضيلة أنهم مهتمون به-. لا يجعل الموثوقية شرطًا ضروريًّا للمعرفة (Turri 2016a). على سبيل المثال، في حالات المعتقدات الإدراكية والتذكرية،. ينسب الناس المعرفة بمعدلات عالية مماثلة (~ 80 ٪) بغض النظر عما إذا كان الفاعل. يحصل عليها بشكل صحيح في 10٪ من الوقت أو 90٪ من الوقت. إلى جانب هذا التوجه النقدي، قدّم الباحثون نظرية بديلة للمعرفة حيث تسمح للمعرفة. أن تنتج حتى القدرات أو القوى الفكرية غير الموثوقة للغاية (Turri 2016a، c).