مجلة حكمة
التفكير الناقد التفكير النقدي تعريف التفكير الناقد ما هو التفكير الناقد مفهوم التفكير الناقد

التفكير الناقد

الكاتبديفيد هيتشكوك
ترجمةصالح الفلاحي
تحميلنسخة PDF

مدخل فلسفي حول التفكير الناقد وتاريخه واستخداماته، والمنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة، والتي قد يطرأ عليها بعض التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


التفكير الناقد هو هدف تعليمي يحظى بقبول واسع النطاق. وإن كان تعريفه محل جدل، إلا أنه يمكن فهم تعريفاته المتمايزة على أنها تصورات متباينة لمفهوم أساسي وهو: التفكير اليقظ الموجه لهدف. تختلف التصورات بشأن نطاق ذلك التفكير، ونوعية الهدف، ومعايير وقواعد التفكير بتيقّظ، ومكونات التفكير التي تركز عليها تلك التصورات. وقد أوصيَ باعتماده كهدف تعليمي انطلاقاً من احترام استقلالية الطلاب وإعدادهم للنجاح في الحياة وللمواطنة الديمقراطية. يتمتع “المفكرون الناقدون” بالاستعدادات والقدرات التي توجههم كي يفكروا على نحو ناقد عند الاقتضاء، ويمكن تحديد تلك القدرات بشكل مباشر؛ أما الاستعدادات فعلى نحو غير مباشر، أخذاً بالاعتبار العوامل التي تساعد على ممارسة القدرات أو تعرقلها. طُوّرت اختبارات قياسية لتقييم درجة تمتع الشخص بتلك الاستعدادات والقدرات، وثبت تجريبيا أن التدخل التعليمي يحسّنها، لا سيما عندما يشمل الحوار والتعليم الإرسائي anchored instruction والتوجيه. نشأ الجدل حول قابلية تعميم التفكير الناقد عبر المجالات المعرفية، وحول التحيز المزعوم في نظريات التفكير الناقد وتدرسيها، وحول علاقة التفكير الناقد بأنواع التفكير الأخرى.


1. التاريخ

يعود استخدام مصطلح “التفكير الناقد” بوصفه هدفا تعليميا إلى الفيلسوف الأمريكي جون ديوي (1910)، وكان يشير إليه في الغالب باسم “التفكير الاستقصائي”. وقد عرّفه بأنه:

النظر النشط والمثابر واليقظ في أي معتقد أو صورة مفترضة للمعرفة في ضوء الأسس التي تدعمه، والاستنتاجات الإضافية التي يجنح إليها. (Dewey 1910: 6; 1933: 9)

وقد ربط ديوي عادة النظر تلك بموقف علمي للعقل. وتشير اقتباساته المطولة عن فرانسيس بيكون وجون لوك وجون ستيوارت ميل إلى أنه لم يكن أول شخص يقترح تطوير توجه علمي للعقل ليغدو هدفاً تعليمياً.

في الثلاثينيات من القرن الماضي، شاركت مدارس عدة في دراسة دامت ثماني سنوات وبإشراف جمعية التعليم التقدمي (Aikin 1942)، وقد تبنّى الكثير منها التفكير الناقد بوصفه هدفا تعليميا، كما طوّر فريق التقييم في الدراسة اختبارات لأجل تحقيق ذلك الهدف (Smith, Tyler, & Evaluation Staff 1942). استطاع جلاسر(1941) Glaser  أن يُبيّن تجريبياً أنّ من الممكن تحسين التفكير الناقد لدى طلاب مدارس المرحلة العليا، وبينما تضمّن التصنيف ذو التأثير الكبير الذي أعدّه بلوم للأهداف التعليمية المعرفية قدرات التفكير الناقد (Bloom et al 1956)، اقترح إنيس Ennis (1962) اثني عشر مظهرا من مظاهر التفكير الناقد كأساس للبحث في تعليم قدرة التفكير الناقد وتقييمها.

اجتذب مؤتمر دولي سنوي حول التفكير الناقد والإصلاح التعليمي يعقد في كاليفورنيا منذ 1980 عشرات الآلاف من المعلمين من جميع مستويات التعليم ومن أجزاء كثيرة من العالم. كذلك فإنه ومنذ 1980 اشترط نظام الجامعات الحكومية في ولاية كاليفورنيا على جميع طلاب المرحلة الجامعية التسجيل في مادة دراسية في التفكير الناقد. تقوم جمعية المنطق غير الصوري والتفكير الناقد مند 1983 برعاية جلسات بالتزامن مع اجتماعات الجمعية الفلسفية الأمريكية (APA)، وفي 1987 وجّهت لجنة فلسفة المرحلة ما قبل الجامعية التابعة للجمعية الفلسفية الأمريكية بإصدار بيان توافقي حول التفكير الناقد لأغراض التعليم والتقييم التربوي  (Facione 1990a)، كما طوّر الباحثون اختبارات قياسية لقدرات التفكير الناقد وسماته؛ للحصول على التفاصيل، راجع ملحق التقييم. في وقتنا الراهن، تُدرج مؤسسات التعليم حول العالم التفكير الناقد ضمن إرشادات برامج التعليم والتقييم، ويصادق القادة السياسيون ورجال الأعمال على أهميته.

للاطلاع على تفاصيل حول هذا التاريخ، راجع ملحق التاريخ.

2. ما تُعدّ أمثلة على التفكير الناقد وما تٌعدّ

سيكون مفيداً قبل النظر في تعريف التفكير الناقد أن نأخذ بعين الاعتبار بعض الأمثلة على التفكير الناقد، مع أمثلة لضروب تفكير أخرى سيتضح أنها لا تعد تفكيراً ناقداً.

1.2 أمثلة ديوي الرئيسية

يتخذ ديوي نماذجَ للتفكير الاستقصائي (1910 Dewey: 68-71 ؛ 1933: 91-94) من ثلاث أوراق صفية للطلاب يصفون فيها تفكيرهم، وهي تتراوح بين أمثلة من الحياة اليومية وأمثلة علمية.

مثال التنقل: “ذات يوم، بينما كنت في وسط المدينة وتحديدا في الشارع رقم 16، لفتت انتباهي ساعة جدارية، فرأيت أن عقاربها تشير إلى 12:20، وهو ما ذكرني بموعدي في شارع 124 في تمام الساعة الواحدة. ففكرت أنه ونظرًا لأنني استغرقت ساعة للنزول إلى مكاني الحالي بواسطة الترام، فالأرجح أنني سأتأخر عشرين دقيقة إذا عدت بذات الوسيلة، في حين يمكنني أن أوفر عشرين دقيقة إذا ركبت قطار الأنفاق. لكن هل هناك محطة بقربي؟ إذا لم تكن هناك محطة قريبة، فربما سأضيع أكثر من عشرين دقيقة في البحث عن واحدة. ثم فكرت في قطار السكة الحديد، ورأيت خط قطار يمر بين مجمعين. لكن أين المحطة؟ إذا كان موقعها بعد عدة مجمعات في الجهة العليا من الشارع الذي أقف فيه أو الجهة السفلى، فسأضيع الوقت بدلاً من اكتسابه. تذكرت أن قطار الأنفاق أسرع من قطار السكة الحديد؛ علاوة على ذلك، تذكرت أنه يمر أقرب منه إلى الجزء الذي أود الوصول إليه من الشارع 124، وذلك سيوفر الوقت في نهاية المشوار. فخلصت لأفضلية قطار الأنفاق، ووصلت إلى وجهتي بحلول الساعة الواحدة “. (Dewey 1910: 68-69; 1933: 91-92)

مثال العبّارة: “يبرز عمود أبيض طويل به كرة ذهبية من سطح العبّارة العلوي وهي العبّارة التي أعبر بواسطتها النهر يوميًا. وقد بدا لي أنه سارية علم حين رأيته لأول مرة؛ يؤيد ذلك لونه وشكله وكرته المذهبة، وبرّرت كل تلك الأسباب اعتقادي هذا. إلا أنه سرعان ما واجهت التحديات اعتقادي. كان وضع العمود أفقيًا على وجه التقريب، وهو وضع غير معتاد لسارية العلم؛ ثم أنه لم تكن هناك بكرة أو حلقة أو حبل يمكن من خلاله تثبيت العلم؛ وتمثلت خاتمة التحديات بوجود عَصَوين عموديّتين في مكان آخر على القارب تُرفع منهما الأعلام أحيانًا. بدا مرجّحا أن وجود العمود لم يكن لرفع الأعلام.

ثم حاولت بعدها أن أتخيل جميع الأغراض الممكنة من وجود العمود، وأن أفكر في الأنسب منها: (أ) ربما كان للتزيين. ولكن نظرًا لأن جميع العبارات وحتى زوارق السحب تحوي أعمدة، فقد رفضتُ هذه الفرضية. (ب) ربما كان قطب تلغراف لاسلكي. لكن ذات الاعتبارات السابقة جعلت هذا الافتراض غير محتمل. أضف إلى ذلك أن الموقع الطبيعي لقطب كهذا سيكون الجزء العلوي من القارب، أعلى غرفة الملاحة. (ج) قد يكون الغرض منه تبيان الاتجاه الذي يتحرك فيه القارب.

” دعم هذا الاستنتاج ما اكتشفته من أن العمود كان أخفض من غرفة الملاحة، بحيث يمكن لمن يوجه الدفة رؤيته بسهولة. علاوة على ذلك، كان طرفه أعلى بدرجة كافية من القاعدة، ذلك لكي يبدو من موقع الربّان أكثر بروزا من مقدمة القارب. أضف إلى ذلك أن الربّان، في وقوفه بالقرب من مقدمة القارب، سيحتاج إلى توجيه كهذا بشأن اتجاه القارب. وتحتاج زوارق السحب كذلك إلى أعمدة لذات الغرض. كانت هذه الفرضية أكثر احتمالاً من الفرضيات الأخرى بكثير ولذا اقتنعت بها. توصلت إلى استنتاج مفاده أن العمود إنما أعد لغرض أن يظهر للقبطان الاتجاه الذي يتوجه إليه القارب، لتمكينه من التوجيه بشكل صحيح”. (1910Dewey: 69-70 ؛ 1933: 92-93)

مثال الفقاعات: “عند غسل الكؤوس برغوة صابون ساخنة ثم وضعها مقلوبة الفوهة على طبق، تظهر فقاعات على الجزء الخارجي من فوهات الكؤوس ثم تدخل إلى الداخل. لماذا؟ يشير وجود الفقاعات إلى وجود هواء، لا بد وأنه يأتي من داخل الكأس كما لاحظت. وألاحظ أن الماء الصابوني الموجود على الطبق يمنع تسرب الهواء عدا ذلك العالق في فقاعات. ولكن لمَ يخرج الهواء من الكأس؟ لم تدخل أي مادة لتدفعه إلى الخروج. لابد أن الهواء تمدد. يتمدد الهواء بارتفاع الحرارة أو بانخفاض الضغط أو بكليهما. هل تعرّض الهواء إلى الحرارة بعد أخذ الكأس من الرغوة الساخنة؟ من الواضح أنه لم يكن الهواء الذي كان عالقاً في الماء. إذا كان الهواء الذي تعرّض للتسخين هو السبب، فلا بد أن هواءً بارداً قد دخل خلال نقل الكؤوس من الرغوة إلى الطبق. أختبرُ مدى صحة هذا الافتراض بإخراج عدة كؤوس أخرى. أهزّ بعضها لأضمن احتجاز هواء بارد في داخلها، وأخرج بعضها الآخر جاعلاً فوهته نحو الأسفل حتى أمنع الهواء البارد من الدخول. تظهر الفقاعات على السطح الخارجي لكل كأس احتجزتُ هواءً بارداً في داخله، ولم تظهر فقاعات على أيٍّ من الكؤوس التي لم يدخلها هواء بارد. من المؤكد أن استدلالي صحيح. لابد أن الهواء الذي دخل من الخارج قد تمدد بفعل حرارة الكأس، وهو ما يفسر ظهور الفقاعات خارج الكأس. لكن لماذا تتجه بعد ذلك إلى الداخل؟ المواد الباردة تتقلص. برد الكأس وكذلك برد الهواء بداخله. وبانخفاض الضغط، ظهرت الفقاعات في الداخل. ولأتأكد من ذلك، أختبر بوضع كوب من الثلج على الكأس بينما لا تزال الفقاعات تتشكل في الخارج، وسرعان ما تنعكس متجهة إلى الداخل” (Dewey 1910: 68-69; 1933: 93-94)

2.2 أمثلة ديوي الأخرى

يضمّن ديوي (1910 ، 1933) كتابه أمثلة أخرى من التفكير الناقد. سنتطرق منها إلى ما يلي.

مثال الطقس: يلاحظ رجل أثناء مشيه أن الجو غدا بارداً فجأة، فيعتقد أن من المرجّح أن تمطر، ثم ينظر  لأعلى ويرى سحابة مظلمة تحجب الشمس، فيحث خطاه (1910: 6-10 ؛ 1933: 9-13).

مثال الفوضى: يجد رجل وهو عائد إلى مسكنه أن المسكن في حالة اضطراب وأن حاجيّاته مبعثرة، فيفكر بداية في السطو كتفسير للأمر، ثم يفكر في الأطفال الأشقياء كتفسير بديل، ينظر بعدها ما إذا كانت الأشياء الثمينة مفقودة، فيكتشف أنها فُقدت (1910: 82–83 ؛ 1933: 166–168).

مثال التيفوئيد: في تشخيصه لحالة مريض تشير أعراضه الظاهرة إلى إصابته بالتيفوئيد، يتجنب طبيب الاستدلال على نتيجة حتى تُجمع بيانات أكثر من خلال سؤال المريض وإجراء الفحوصات (1910: 85-86 ؛ 1933: 170).

مثال الضبابية: يلفت انتباهنا شيء منطمس المعالم ومتحرك من بعيد، فنتساءل ما إذا كانت عاصفة غبار أو أفرع شجرة تتحرك أو شخص يؤشر نحونا، نفكر في سمات أخرى ينبغي أن توجد في كل احتمال مما سبق، وننظر ونرى ما إذا وُجدت تلك السمات (1910: 102 ، 108 ؛ 1933: 121 ، 133).

مثال مضخة الشفط: في تأمّله لمضخة الشفط، يلاحظ العالِم أولا أنها ستسحب الماء إلى ارتفاع أقصاه 33 قدمًا عندما تكون عند مستوى سطح البحر وإلى مستوى أقل من ذلك عند ارتفاعات أعلى، ويختار ما يستحقّ انتباهه من الدرجات المختلفة للضغط الجوي عند تلك الارتفاعات، ويقوم بإجراء تجارب يُفرّغ من خلالها الهواء من الوعاء الذي يحتوي الماء (بعد توقف الشفط عن العمل) ويحسب بواستطها وزن الهواء عند مستويات مختلفة، ويقارن نتائج الاستدلال حول الارتفاع الذي يسمح عنده وزن معين من الهواء لمضخة شفط برفع المياه إلى أقصى ارتفاع ملحوظ عند ارتفاعات مختلفة، ويماثل أخيراً بين مضخة الشفط وظواهر مختلفة ظاهريًا مثل السيفون (آلية حمل السائل إلى مستوى منخفض) وارتفاع البالون (1910: 150-153 ؛ 1933: 195-198).

3.2 أمثلة أخرى

مثال الألماس[sa1] : يقود شخص سيارته في حارة الألماس والمخصصة للسيارات التي تحمل راكباً واحداً على الأقل، ويلاحظ أن علامات الشكل الألماسي ذي الأضلاع الأربعة ومتساوية الطول مرسومة على أرضية تلك الحارة من الشارع لكنها تمتاز بأنها متباعدة في بعض الأماكن ومتقاربة في أماكن أخرى. يتساءل: لماذا؟ يقترح قائد السيارة أن السبب ربما يكمن في أن علامات الشكل الألماسي ليست ضرورية عند وجود خط مزدوج ومتصل يفصل حارة الألماس عن الحارة المجاورة، ولكن تظهر الحاجة إليها عند وجود خط واحد ومتقطع يسمح بالعبور إلى حارة الألماس. المزيد من التقصّي يؤكد أن علامات الشكل الألماسي تكون متقاربة عندما يفصل خط متقطع حارة الألماس عما يجاورها، ولكنها تكون متباعدة في حالة الخط المتصل والمزدوج.

مثال الطفح الجلدي: تصاب امرأة فجأة بطفح جلدي أحمر يسبب حكة شديدة على حلقها وأعلى صدرها. ولاحظت مؤخرًا علامة على ظهر يدها اليمنى، لكنها لم تكن متيقنة ما إذا كانت العلامة طفحاً جلدياً أو خدشاً. تستلقي على السرير مفكرة فيما عساه يكون سبباً للطفح الجلدي وماذا ستفعل حياله. كانت قد بدأت قبل أسبوعين تقريبًا بتناول أدوية ضغط الدم التي تحتوي على عقار السلفا، وحذرها الصيدلاني أن تتأهب لردة فعل تحسسية، نظرًا لردة فعل تحسسية سابقة لديها تجاه دواء يحتوي على عقار السلفا؛ إلا أنها كانت تتناول الدواء لمدة أسبوعين دون أي تأثير. في اليوم السابق، بدأت في استخدام مرهم جديد على رقبتها وأعلى صدرها؛ إلا أن وجود علامة على ظهر يدها التي لم تتعرض للمرهم الجديد يتعارض مع اعتبار المرهم هو السبب. بدأت في تناول مُعينات حيوية قبل حوالي شهر. كما بدأت مؤخرًا في استخدام قطرات جديدة للعين، لكنها افترضت أن مصنعي قطرات العين سيحرصون على عدم تضمين المكونات المسببة للحساسية في الدواء. قد يكون الطفح الجلدي عبارة عن طفح جلدي حراري، حيث كانت تتعرق بغزارة مؤخرًا من الجزء العلوي من جسدها. ونظرًا لأنها على وشك السفر في إجازة قصيرة، حيث لن تتمكن من مقابلة طبيبها المعتاد، فقد قررت الاستمرار في تناول المُعينات الحيوية واستخدام قطرات العين الجديدة وأن تتوقف عن تناول دواء ضغط الدم وتعود إلى المرهم القديم لرقبتها وأعلى صدرها. وهي تخطط لاستشارة طبيبها المعتاد عند عودتها بشأن دواء ضغط الدم.

مثال المترشح: على الرغم من أن ديوي لم يضمّن أي أمثلة على تفكير موجه نحو تقييم حجج الآخرين، إلا أن تفكيرا كهذا بات يُعدّ نوعًا من التفكير الناقد. نجد مثالاً على هذا التفكير في مهمة الأداء ضمن تقييم التعلم الجامعي (CLA+)، والذي تصفه المنظمة المشرفة عليه بأنه

تقييم قائم على الأداء يقدم مقياسًا لمساهمة مؤسسة ما في تطوير التفكير الناقد ومهارات الاتصال الكتابي عند طلابها. (Council for Aid to Education 2017)

تتطلب عينة لمهمة نشرت على موقع المنظمة من المتقدم للاختبار كتابة تقرير للنشر على نطاق عام يُقيّم فيه مقترحات سياسة مرشح وهمي والحجج الداعمة له، بحيث يُتاح له استخدام وثائق مرجعية، مع كتابة توصية بشأن ما إذا كان سيصادق على المرشح أم لا.

4.2 أمثلة لا تعد تفكيراً ناقداً

إن قبولاً فورياً لفكرة تظهر تلقائياً كحل لمشكلة (على سبيل المثال، تفسير محتمل لحدث أو ظاهرة، أو فعل يبدو أنه يؤدي إلى نتيجة مرغوبة) هو “تفكير غير ناقد، أي الحد الأدنى من التقصي” (Dewey 1910 : 13). كذلك فإن تعليقاً مستمراً للحكم في ضوء الشك حول حل ممكن ليس تفكيرًا ناقداً (Dewey 1910: 108). لا يعتبر النقد الذي تحركه أيديولوجية سياسية أو دينية راسخة تفكيرًا ناقداً. وهكذا يستخدم باولو فريري(1968 [1970]) Paulo Freire المصطلح (على سبيل المثال ، في 1970: 71 ، 81 ، 100 ، 146) بمعنى يتصف بميل سياسي شديد بحيث لا يشمل التفكير فحسب، بل يشمل أيضًا سلوكا ثورياً ضد الاضطهاد. كذلك فإن اشتقاق استنتاج من معطيات معينة باستخدام خوارزمية ليس تفكيرًا ناقداً.

3. تعريف التفكير الناقد

ما هو التفكير الناقد؟ تتعدد التعريفات. يسرد إنيس  Ennis (2016)أربعة عشر تعريفًا أكاديمياً فلسفية التوجه وثلاثة تعريفات معجمية. واتباعاً لراولز (1971) Rawls الذي ميز تصوره للعدالة عن التصور النفعي لها بيد أنه اعتبرهما تصورين متنافسين لذات المفهوم، يرى إنيس أن التعريفات السبعة عشر هي تصورات مختلفة للمفهوم ذاته. صاغ راولز المفهوم المشترك للعدالة على أنه:

مجموعة مميزة من المبادئ لتعيين الحقوق والواجبات الأساسية ولتحديد … التوزيع الصائب لمنافع التعاون الاجتماعي وأعبائه. (Rawls 1971: 5)

يزعم بايلين وآخرون Bailin et al. (1999b) أنه إذا أخذ المرء في الاعتبار أي أنواع التفكير لا يعتبرها تربوي ما تفكيرًا ناقداً وأي أنواع أخرى يعتبرها كذلك، فبإمكانه أن يستنتج أن التربويين يرون التفكير الناقد عادة مُتّسما بثلاث سمات على الأقل.

  1. أنه يتم لغاية تتمثل في اتخاذ قرار بشأن ما يعتقده المرء أو يفعله.
  2. أن من يشرع في التفكير إنما يسعى لاستيفاء معايير الملاءمة والدقة بما يتلاءم مع ذلك التفكير.
  3. أنه تفكير يستوفي المعايير ذوات الصلة عند مستوى معين من الحد الأدنى.

يمكن للمرء تلخيص المفهوم الأساسي الذي يتضمن هذه الجوانب الثلاثة بالقول إن التفكير الناقد هو تفكير يقظ وموجّه لغاية. يبدو هذا المفهوم الأساسي منطبقاً على جميع أمثلة التفكير الناقد الموضحة في القسم السابق. أما بالنسبة للأمثلة التي لا تعد تفكيراً ناقداً، فإن استبعادها يعتمد على اعتبار أن التفكير اليقظ هو استبعاد القفز المباشر إلى الاستنتاجات، وتعليق الحكم دون اعتبار لقوة الدليل، واستبعاد الاستدلال المنطلق من منظور أيديولوجي أو ديني لا يقبل التشكيك، واستخدام خوارزمية بشكل تلقائي للإجابة عن سؤال.

إذا كان أساس التفكير الناقد هو التفكير اليقظ والموجّه نحو غاية، فإن التصورات حوله يمكن أن تتنوع وفقًا لنطاقه المفترض، وهدفه المفترض، ومعايير الفرد مع الحد الأدنى الذي يكون فيه يقظاً، ومكون التفكير الذي يركز عليه الفرد. أما من حيث نطاقه، فتقصره بعض التصورات (على سبيل المثال:Dewey1910 ،1933) على التفكير البنّاء على أساس ملاحظات الفرد وتجاربه، ويقصره آخرون (على سبيل المثال Ennis 1962; Fisher & Scriven 1997; Johnson 1992) على تقييم نواتج ذلك التفكير. ويعتبره كل من إنيس (1991) Ennis وبيليت إت ال Bailin et al. (1999b) شاملاُ لكل من البناء والتقييم. فيما يتعلق بغايته، فإن بعض التصورات تقصرها على تكوين حكم (Dewey 1910, 1933; Lipman 1987; Facione 1990a). ويجيز آخرون أن تكون الأفعال وكذلك المعتقدات منتهى عملية التفكير الناقد (Ennis 1991; Bailin et al. 1999b). أما فيما يتعلق بمعايير التيقّظ وحدّها الأدنى فتتباين التعريفات بشأن المصطلح المستخدم للإشارة إلى أن التفكير الناقد يلبي معايير معينة منها: “منضبط فكريًا” (Scriven & Paul 1987) “معقول” (Ennis1991)، “بارع” (Lipman 1987) “ماهر”  (Fisher & Scriven 1997) متيقّظ”  (Bailin & Battersby 2009). تحدد بعض التعريفات هذه المعايير، وتشير بطرق شتى إلى “النظر في أي اعتقاد أو شكل مفترض للمعرفة على ضوء الأسس التي تدعمه والاستنتاجات الأخرى التي تخلص إليه” (Dewey 1910, 1933) ؛ “طرق التساؤل المنطقي والاستدلال” (Glaser1941)؛ “وضع تصور و/أو تطبيق وتحليل وتجميع وتقييم المعلومات التي تم جمعها من (أو الناتجة عن) الملاحظة أو الخبرة أو التقصي أو الاستدلال أو الاتصال” (Scriven & Paul 1987)؛ كذلك هناك الشرط في أن يكون التفكير الناقد “حساسًا للسياق، ويعتمد على المعايير، ويصحح ذاته بذاته” (Lipman 1987)؛ إلى جانب “اعتبارات إثباتية أو مفاهيمية أو منهجية أو معيارية أو سياقية” (Facione 1990a)؛ و “اعتبارات الإيجابية والسلبية للمُخرَج من حيث المواصفات (والمعايير) الملائمة” (Johnson 1992). ويقترح ستانوفيتش وستانوفيتش Stanovich and Stanovich (2010)تأسيس مفهوم التفكير الناقد على مفهوم العقلانية، الذي يفهمانه على أنه يجمع بين العقلانية المعرفية (ملاءمة معتقدات المرء مع العالم من حوله) والعقلانية الأداتية (تحسين استيفاء الهدف)؛ ويريان أن المفكر الناقد هو شخص “لديه ميل لتجاوز الاستجابات دون المستوى والصادرة من العقل في حالته التلقائية” (2010:227). هذه المواصفات المتنوعة لمعايير التفكير الناقد ليست غير متوافقة بالضرورة مع بعضها البعض، وهي تفترض سلفاً وفي كل الأحوال الفكرة الأساسية للتفكير بتيقّظ. بالنسبة لعنصر التفكير المتفرد بالاهتمام، فإن بعض التعريفات تركّز اهتمامها على التأني في إقرار الحكم أو تعليقه أثناء التفكير (Dewey 1910; McPeck 1981)، في حين يركّز البعض الآخر اهتمامه على التساؤل أثناء تعليق الحكم (Bailin & Battersby 2009)، كما أن هناك تعريفات تهتمّ بالحكم الناتج (Facione 1990a)، وأخرى تهتمّ بالاستجابة الانفعالية اللاحقة (Siegel 1988).

يعتبر تعريف التفكير الناقد في السياقات التعليمية “تعريفًا برامجياً” (Scheffler 1960: 19). إنه تفكير يعبر عن برنامج عملي لتحقيق هدف تعليمي. من أجل هذا الهدف، التعريف ذو صيغة الجملة الواحدة أقل فائدة بكثير من توضيح لعملية التفكير الناقد، مع معايير ومواصفات لأنواع التفكير التي قد تنطوي عليها هذه العملية. الهدف التعليمي الحقيقي هو إدراك الطلاب لتلك المعايير والمواصفات وتنبيّها وتطبيقها. يتكون هذا المزيج من التبني والتطبيق بدوره من اكتساب معرفة المفكر الناقد وقدراته واستعداداته.

لا تتضمن تصورات التفكير الناقد على وجه العموم النزاهة الأخلاقية كجزء من المفهوم. اعتبر ديوي، على سبيل المثال، أن التفكير الناقد هو الهدف الفكري الفائق للتعليم، غير أنه قام بتميزه عن تنمية التعاون الاجتماعي بين أطفال المدارس، والذي اعتبره الهدف الأخلاقي المركزي. أضاف إنيس Ennis (1996, 2011)Ennis إلى قائمته السابقة من الاستعدادات المرتبطة بالتفكير الناقد مجموعة من الاستعدادات التي تهتم بكرامة وقيمة كل إنسان، والتي وصفها مجتمعة بأنها استعداد “متلازم” (1996) يكون من دونه التفكير الناقد أقل قيمة بل ربما ضارّا، وقد أكّد على أن البرنامج التعليمي الذي يهدف إلى تنمية التفكير الناقد مع إهمال الاستعداد المتلازم للاهتمام بكرامة كل إنسان وقيمته “سيكون ناقصًا بل وربما خطيرًا” (Ennis1996: 172).

4. قيمة التفكير الناقد

رأى ديوي أن تعليم التفكير الاستقصائي من شأنه إضافة قيمة للفرد والمجتمع؛ ذلك أن الإقرار في الممارسة التعليمية بصلة النفس العلمي للفضول الفطري عند الأطفال، إلى جانب خيالهم الخصب وحبهم للتساؤل التجريبي، “من شأنه أن يخلق سعادة الفرد ويحد من الهدر الاجتماعي”  (Dewey 1910: iii).اضطلعت المدارس المشاركة في دراسة الثماني سنوات بتطوير عادة التفكير الاستقصائي ومهارة حل المشكلات كوسيلة لتوجيه الشباب نحو فهم أسلوب الحياة الديمقراطية التي تتسم بها الولايات المتحدة وتقديرها والعيش وفقها (Aikin 1942: 17– 18 ، 81). قدّم هارفي سيجل Harvey Siegel (1988: 55–61) أربعة اعتبارات لدعم تبني التفكير الناقد بوصفه نموذجا تعليميا أمثل. (1) يقتضي احترام الأشخاص احترام المدارس والمعلمين لمطالبة الطلاب بأسباب وتفسيرات، والتعامل مع الطلاب بصدق، وإدراك الحاجة إلى التعامل مع الأحكام المستقلة للطلاب؛ تتعلق كل هذه المتطلبات بالأساليب التي يعامل بها المعلمون الطلاب. (2) يتولى التعليم مهمة إعداد الأطفال ليكونوا بالغين ناجحين، وهي مهمة تتطلب تنمية اعتمادهم على ذواتهم. (3) ينبغي للتعليم أن يدرّب الأطفال على التقاليد العقلانية في مجالات مثل التاريخ والعلوم والرياضيات. (4) يجب أن يهيئ التعليم الأطفال ليصبحوا مواطنين ديمقراطيين، الأمر الذي يتطلب إجراءات منطقية ومواهب وسلوكيات ناقدة. استكمالاً لهذه الاعتبارات، يرد سيجل Siegel (1988: 62–90) على اعتراضين: الاعتراض الأيديولوجي المتمثل في أن تبني أي نموذج تعليمي يتطلب التزامًا أيديولوجيًا سابقًا، واعتراض التلقين المتمثل في أن تنمية التفكير الناقد لا يمكن أن تتحرر من كونها شكلاً من أشكال التلقين.

5. عملية التفكير على نحو ناقد

على الرغم من تنوع الأحد عشر مثالاً الواردة في القسم الثاني من هذا المقال، إلا أنه يمكن للمرء تمييز نمط مشترك بينها. حلّل ديوي هذا النمط بوصفه متألفًا من خمس مراحل:

  1. اقتراحات يثب من خلالها العقل إلى حل ممكن؛
  2. تحويل ذهني لصعوبة أو حيرة إلى مشكلة ينبغي حلها، أو إلى سؤال ينبغي العثور على إجابة عنه؛
  3. استخدام اقتراح تلو الآخر كفكرة جوهرية، أو فرضية، بغرض الشروع في المراقبة إلى جانب العمليات الأخرى وتوجيهها لجمع حقائق مادية؛
  4. التطوير الذهني المفصّل لفكرة أو افتراض من حيث هي فكرة أو افتراض (التفكير، بالمعنى الذي يكون فيه التفكير جزءًا من الاستدلال، وليس كلّه)؛
  5. اختبار الفرضية عبر نشاط علني أو تخيلي. (Dewey 1933: 106–107؛ الخط في الأصل مائل)

ستسبق عملية التفكير الاستقصائي التي تتكون من هذه المراحل حالة تتصف بالحيرة أو الإشكالية أو التشتت، ثم يعقب هذه العملية موقف أشدّ وضوحًا وتماسكًا وحسمًا (Dewey 1933: 106). حلّ مصطلح “مراحل”محلّ مصطلح “خطوات” (Dewey 1910: 72)، وبذلك حُذف الاقتراح السابق للتسلسل الثابت، كما ظهرت بدائل للتحليل أعلاه في (Dewey 1916: 177) و (Dewey 1938: 101–119).

يشير تنوع الصيغ إلى الصعوبة التي ينطوي عليها تقديم تحليل منطقي واحد لعملية متباينة جداً. قد يكون لعملية التفكير الناقد نمط حلزوني، مع إعادة تعريف المشكلة على ضوء العقبات التي تحول دون حلها بصيغتها الأصلية. على سبيل المثال، من الممكن أن يخلص الشخص في مثال التنقّل أعلاه إلى استحالة وصوله إلى الموعد في الوقت المحدد ومن ثم يعيد صياغة المشكلة على أنها إعادة جدولة الموعد لوقت مناسب للطرفين. كذلك فإن تعريف مشكلة لا يأتي دائما بعد فكرةً لحل مقترح ما أو لا يؤدي إليها على الفور، ولا ينبغي للتعريف أن يقوم بذلك، وهذا ما أدركه ديوي نفسه في وصفه للطبيب في مثال التيفوئيد بأنه يتجنب أي تفضيل شديد لهذا الاستنتاج أو ذاك قبل حصوله على معلومات إضافية (Dewey 1910: 85; 1933: 170). إن من لديهم فرضية في أذهانهم، حتى وإن كان ارتباطهم بها ضعيفاً جدًا، يكون لديهم ما يسمى “بالانحياز التأكيدي” (Nickerson 1998): من المرجح أن يولوا اهتماماً بالدليل الذي يؤكد الفرضية ويتجاهلوا الدليل الذي يخالفها أو يؤيد فرضيات تنافسها. يبلغ المحققون ووكالات الاستخبارات والتحريات في حوادث الطائرات من الحصافة بحيث يجمعون الأدلة ذات الصلة بشكل منهجي ويؤجلون حتى مجرّد التبني المبدئي لفرضية تفسيرية إلى أن يَستبعد الدليلُ – الذي تم جمعه بدرجة ملائمة من التحقق- جميع التفسيرات باستثناء تفسير واحد. يمكن أيضاً انتقاد تحليل ديوي لعملية التفكير الناقد من حيث أنه يتطلب قبولَ أو رفضَ حلٍ محتمل لمشكلة محددة، مع عدم جواز اتخاذ قرار لتعليق الحكم على ضوء الأدلة المتاحة. علاوة على ذلك، وأخذاً بالاعتبار التنوع الهائل في أنواع المشكلات التي يكون التقصّي مناسبًا لها، سيكون هذا التقصّي على الأرجح متنوعاً في مكوّنات أحداثه. لعلّ أفضل طريقة لتصور عملية التفكير الناقد هو باعتبارها قائمة تحقق بحيث يُمكن لأحداثها المكونة لها أن تتجسد وفق تنوع في ترتيبها، وانتقائيتها، ولأكثر من مرة. قد تشمل هذه الأحداث المكونة (1) الانتباه إلى صعوبة، و(2) تحديد المشكلة، و(3) تقسيم المشكلة إلى مشكلات فرعية تسهل معالجتها، و(4) صياغة أشكال متعددة من الحلول الممكنة للمشكلة أو المشكلة الفرعية، و(5) تحديد أي من الأدلة له صلة باتخاذ قرار، من بين الحلول الممكنة، للمشكلة أو المشكلة الفرعية، و(6) وضع خطة للمراقبة المنهجية أو التجربة التي ستكشف عن الدليل ذي الصلة، و(7) تنفيذ خطة المراقبة المنهجية أو التجريب، و(8) ملاحظة نتائج المراقبة أو التجربة المنهجية، و(9) جمع الإفادات والمعلومات ذات العلاقة من الآخرين، و(10) الحكم على مصداقية الإفادات والمعلومات التي تم جمعها من الآخرين، و(11) استخلاص النتائج من الأدلة التي تم جمعها ومن الإفادة التي تم قبولها، و(12) قبول حل تدعمه الأدلة بشكل ملائم، راجع(cf. Hitchcock 2017: 485)

إن التصورات القائمة على قوائم التحقق لعملية التفكير الناقد عرضة للاعتراض كونها ميكانيكية وإجرائية للغاية، وبدرجة لا تناسب القضايا متعددة الأبعاد والمحملة بالمشاعر والتي هي بحاجة ملحّة للتفكير الناقد حيالها (Paul 1984). لمثل هذه القضايا، يُلجأ إلى عملية أكثر دياليكتية، وتُحدّد فيها وجهات النظر المتنافسة وذوات العلاقة، وتُستكشف تطبيقاتها، ويُسعى من خلالها إلى شكل من التوليف الإبداعي.

6. مكونات العملية

إذا نظرنا إلى عملية التفكير الناقد كما وضحتها الأمثلة الأحد عشر، فبوسعنا تحديد أنواع مميزة من الأفعال والحالات العقلية التي تشكّل جزءًا من تلك العملية. إن التمييز بين تلك المكونات وتسميتها وتوصيفها بإيجاز يعدّ تمهيداً مفيداً لتحديد القدرات والمهارات والميول والمواقف والعادات وما شابهها مما يسهم سببيّا في التفكير بشكل ناقد. تحديد تلك القدرات والعادات يعد بدوره تمهيدًا مفيدًا لتحديد أهداف تعليمية، كما أنّ تحديدُ تلك الأهداف يعدّ بدوره تمهيدًا مفيدًا لتصميم استراتيجيات للأخذ بيد المتعلمين نحو تحقيق الأهداف ولتصميم طرق قياس لمدى قيام المتعلمين بذلك. توفر هذه المقاييس تعقيبات للمتعلمين حول إنجازهم وأساسًا للبحث التجريبي حول فعالية الاستراتيجيات المختلفة لتثقيف الناس حول التفكير بشكل ناقد. لنبدأ -إذًا- بتمييز أنواع الأفعال والأحداث العقلية التي يمكن لها أن تظهر في عملية التفكير الناقد.

  • الملاحظة: يلاحظ المرء شيئًا ما في محيطه المباشر (كبرودة درجة الحرارة على نحو مفاجئ في مثال الطقس، أو فقاعات تتشكل خارج الزجاجة ثم تدخل إليها في مثال الفقاعات، أو طيف متحرك من مسافة بعيدة في مثال الطيف، أو طفح جلدي في مثال الطفح الجلدي)، أو يلاحظ نتائج تجربة أو رصد منهجي (كفقدان أشياء ثمينة في مثال الفوضى، أو عدم حدوث شفط من دون ضغط الهواء كما في مثال مضخة الشفط).
  • الشعور: يشعر المرء بحيرة أو تشكّك  حيال أمر ما (ككيفية الوصول إلى موعد في الوقت المحدد في مثال النقل، أو كالسبب وراء اختلاف المسافات بين علامات الشكل الألماسي في مثال الألماس). إزاء حيرة كهذه، يبتغي المرء حلاً. كذلك فإنه يشعر بالرضا بمجرّد عثوره على إجابة (كمثل استقلال قطار الأنفاق في مثال النقل، وكمثل إدراك علة اقتراب المسافات بين علامات الشكل الألماسي في كونها نابعة من حاجة للتحذير في مثال الألماس).
  • التساؤل: يصيغ المرء سؤالاً يستوجب إجابة (كالسؤال عن سبب تشكّل الفقاعات على الجدار الخارجي لكأس بعد إخراجه من الماء الساخن كما في مثال الفقاعات، أو عن كيفية عمل مضخات الشفط كما في مثال الشفط، أو عن سبب الطفح الجلدي كما في مثال الطفح الجلدي).
  • التخيل: يفكر المرء في إجابات ممكنة (مثل حافلة أو قطار أنفاق سريع أو قطار سكة حديد في مثال التنقّل، ومثل سارية علم أو زخرفة أو أداة اتصال لاسلكي أو مؤشر اتجاه في مثال العبارة، أما في مثال الطفح الجلدي: فيفكر في رد فعل تحسسي أو طفح حراري).
  • الاستدلال: يتدبّر المرء ما تكون عليه الحال إذا افترض التسليم بإجابة ممكنة (كمثل فقدان الممتلكات الثمينة إذا تعرّض المنزل للسطو في مثال الفوضى، أو كمثل البداية المبكرة لظهور الطفح الجلدي إذا كان الأمر يتعلق بردّ فعل تحسسي تجاه عقار السلفا في مثال الطفح الجلدي). أو أن يتوصل المرء إلى نتيجة بمجرد جمع ما يكفي من الأدلة ذوات العلاقة (تتمثل في استخدام قطار الأنفاق في مثال التنقّل، والسطو في مثال الفوضى، والتوقف عن تناول أدوية ضغط الدم والمرهم الجديد في مثال الطفح الجلدي).
  • المعرفة: يستخدم المرء ما حُفظ من معرفة حول الموضوع قيد التفكير لتوليد إجابات محتملة أو للاستدلال على ما يمكن توقعه استنادا إلى افتراض إجابة معينة (كمثل معرفة نظام النقل العام لمدينة في مثال التنقّل، أو معرفة الاشتراطات المرتبطة بسارية العلم في مثال العبّارة، أو معرفة قانون بويل في مثال الفقاعات، أو معرفة ردود فعل تحسّسية في مثال الطفح الجلدي).
  • التجريب: يصمم المرء وينفذ تجربة أو ملاحظة منهجية لمعرفة ما إذا كانت النتائج المستخلصة من إجابة محتملة ستحدث (كالنظر إلى موقع سارية العلم بالنسبة لموقع الربّان في مثال العبارة، أو وضع مكعب ثلج فوق كأس بعد إخراجه من ماء ساخن في مثال الفقاعات، أو قياس الارتفاع الذي ستسحب مضخة الشفط إليه الماء على ارتفاعات مختلفة في مثال مضخة الشفط، أو ملاحظة تواتر علامات الشكل الألماسي عندما يُسمح بالحركة من وإلى حارة السير ذات العلامات ألماسية الشكل في مثال الألماس).
  • الاستشارات: يجد المرء مصدرًا للمعلومات، ثم يحصل على المعلومات من المصدر، ويصدر حكمًا بشأن قبولها. لا يتضمن أي من الأمثلة الأحد عشر البحث عن مصادر المعلومات. من هذه الناحية فإن تلك الأمثلة غير مُعبرّة، حيث أن لدى معظم الناس حالياً إمكانية الوصول شبه الفوري إلى المعلومات ذوات الصلة بالإجابة عن أي سؤال، بما في ذلك العديد من تلك التي توضحها الأمثلة. ومع ذلك، فإن مثال المرشح يتضمن أنشطة استخراج المعلومات من المصادر وتقييم موثوقيتها.
  • تعيين الحجج وتحليلها: يلاحظ المرء حجة ويتدبّر بنيتها ومحتواها كبداية لتقييم قوتها. هذا النشاط أساسي في مثال المرشح. إنه جزء مهم من عملية التفكير الناقد التي يقوم من خلالها المرء باستعراض حجج لمواقف مختلفة حول قضية ما.
  • الحكم: يصدر المرء حكمًا على أساس من التفكير والأدلة المتراكمة، مثل الحكم بأن الغاية من العمود تتثمل في تبيان الوِجهة للربّان في مثال العبّارة.
  • اتخاذ القرار: يتخذ المرء قرارًا بشأن ما يجب فعله أو السياسة التي يجب تبنيها، كما هي الحال مع قرار ركوب قطار الأنفاق في مثال العبّارة.

7. قدرات واستعدادات مُسهمة

حين يقوم شخص ما بشيء ما على نحو طوعيّ، فإنه بطبيعة الحال يعبّر عن كلّ من إرادته وقدرته على القيام بذلك الشيء في وقت محدد. تسهم كل من الإرادة والقدرة بدور سببي في سلوك هذا الشخص، بمعنى أن فعلاً طوعياً لم يكن ليتم لولا تحقق أحدهما (أو كليهما). لنفترض على سبيل المثال أن أحدهم يقف وذراعاه تنسدلان على جانبيه، ثم يرفع ذراعه اليمنى طواعية إلى وضع أفقي ممتد. ليس بوسعه فعل ذلك ما لم يكن قادراً على رفع ذراعه، كأنْ يكون جانبه الأيمن مصاباً بالشلل نتيجة جلطة دماغية. كما لن يكون بوسعه فعل ذلك ما لم يكن راغباً في رفع ذراعه، كأنْ يشارك مثلاً في مظاهرة في الشارع ويحدث أن يحث أحد المتعصبين للعرق الأبيض الحشد على رفع الذراع اليمنى في تحية نازية في ظل عدم رغبة هذا الشخص التعبير عن دعمه للأيديولوجية العنصرية النازية. ينطبق هذا التحليل نفسه على التفكير الناقد بوصفه عملية ذهنية طوعية. يتطلّب الأمر إرادة وقوة كي يتحقق التفكير بشكل ناقد، بما في ذلك الإرادة والقدرة على أداء كل فعل من الأفعال العقلية التي تشكّل عملية التفكير الناقد إلى جانب تنسيق تلك الأعمال في تسلسل يُستثمر في العثور على حل حين تطرأ معضلة ما.

لنتأمّل الإرادة أولاً. يمكننا تحديد كل ما من شأنه المساهمة سببيا في إرادة التفكير على نحو ناقد من خلال النظر في عوامل من شأنها منع الفرد من التفكير على نحو ناقد في مسألة ما رغم قدرته على ذلك (Hamby 2014). لكل عامل من هذه العوامل -إذًا- موقف نقيض يساهم سببيا في إرادة التفكير على نحو ناقد في مناسبة محددة. فعلى سبيل المثال، الأشخاص الذين اعتادوا القفز إلى استنتاجات من دون تفكير في بدائل لن يفكروا بشكل ناقد في ما يبرز من قضايا، حتى وإن كانت لديهم القدرات اللازمة لفعل ذلك. لهذا، فإن الموقف النقيض والمتمثّل في إرادة التأني في الحكم يُساهم سببيا في التفكير على نحو ناقد.

لنتأمّل الآن القدرة، فعلى النقيض من قدرة المرء على تحريك ذراعه، وهي قدرة قد تكون مفقودة تمامًا نتيجة لجلطة دماغية تسببت في شللها، تعتبر القدرة على التفكير الناقد قدرة متطورة من حيث أنّ غيابها ليس غياباً تامّا للقدرة على التفكير بل هو غياب القدرة على التفكير على نحو سليم. يمكننا تحديد القدرة على التفكير السليم بشكل مباشر من خلال قواعد التفكير الجيد ومعاييره. بشكل عام، يحتاج المرء في سبيل أن يكون قادرًا على تأدية أنشطة التفكير على نحو سليم – وهي الأنشطة التي قد تشكّل مكونات عملية التفكير الناقد – إلى معرفة المفاهيم والمبادئ التي تميز الأداء الجيد لتلك الأنشطة، إلى جانب إدراك الحالات التي تستدعي تطبيق تلك المفاهيم والمبادئ، ومن ثمّ تطبيقها. قد تكون المعرفة والإدراك والتطبيق ذوات طبيعة إجرائية بدلا من تقريرية، وقد تكون مختصة بمجال معين بدلا من قابليتها للتطبيق على نطاق واسع، وفي أيّ من الحالتين قد تتطلب معرفة بالموضوع، معرفة من نوع عميق أحياناً.

قادت تأمّلات من النوع الذي عبّرت عنه الفقرتان السابقتان الباحثين إلى تحديد معرفة “المفكر الناقد” وقدراته واستعداداته، بوصفه شخصا يفكر على نحو ناقد متى ما كان من الملائم فعل ذلك. ننتقل الآن إلى الأنواع الثلاثة من المسهمات السببية في التفكير الناقد. نبدأ بالاستعدادات، إذ يمكن القول أنها أقوى ما يسهم في كون المرء مفكرًا ناقداً، وتتسم بإمكانية تعزيزها في مرحلة مبكرة من نمو الطفل، وهي قابلة للتطوير عموماً (Glaser 1941: 175).

8. استعدادات التفكير الناقد

يستخدم الباحثون التربويون مصطلح “الاستعدادات Dispositions” على نطاق واسع للإشارة إلى عادات العقل والمواقف التي تسهم سببيًا في أن يكون المرء مفكرًا ناقداً. يقترح بعض الكتاب (e.g., Paul & Elder 2006; Hamby 2014; Bailin & Battersby 2016) استخدام مصطلح “الفضائل” لوصف هذا الجانب عند المفكر الناقد. هذه الفضائل، وبالرغم من أنها فضائل تتعلق بالشخصية، إلّا أنها تخص طرق تفكير الشخص، لا طرق تصرفه تجاه الآخرين. هي ليست فضائل أخلاقية بل فضائل فكرية، من النوع الذي أوضحه زاجزبسكي Zagzebski (1996) وناقشه توري وألفانو وجريكو Turri, Alfano, and Greco (2017).

وفق تصور واقعي، تُعدّ الاستعدادات الفكرية أو الفضائل الفكرية خصائص واقعية للمفكرين. إنها ميول عامة أو قابليات أو نزعات للتفكير بطرق معينة في ظروف معينة، ويمكن أن تكون تفسيرية على نحو فعلي (Siegel 1999). يجادل المشككون بعدم وجود دليل داعم لأساس عقلي محدد تقوم عليه عادات العقل التي تسهم في التفكير على نحو ناقد، ويرون أنّ من التضليل التربوي افتراض أساس كهذا (Bailin et al. 1999a) إن استعدادات التفكير الناقد- مهما كانت حالتها- تحتاج إلى دافع لبدء تشكّلها عند الطفل، ويمكن لهذا الدافع أن يكون خارجيًا أو داخليًا. مع نمو الأطفال، تغدو قوة العادة أكثر أهمية شيئا فشيئا في إبقاء الاستعداد مستداماُ (Nieto & Valenzuela 2012). قوة العادة لوحدها، مع ذلك، لن تستطيع على الأرجح المحافظة على استعدادات التفكير الناقد. ينبغي على المفكرين الناقدين أن يقدّروا استخدام معرفتهم وقدراتهم للتفكير في الأشياء بأنفسهم ولأنفسهم ويستمتعوا بذلك. يجب أن يكونوا ملتزمين بالتساؤل ومغرمين به.

قد يكون لدى المرء استعداد للتفكير الناقد فيما يتعلق بأنواع معينة من القضايا فحسب. يمكن للمرء، على سبيل المثال، أن يكون متفتح الذهن بشأن القضايا العلمية ولكنه ليس كذلك بشأن القضايا الدينية. وبالمثل، يمكن للمرء أن يكون واثقًا من قدرته على التفكير حول العواقب اللاهوتية لوجود الشر في العالم، لكن من دون أن تكون له ثقة مماثلة في قدرته على التفكير حول أفضل تصميم لصاروخ باليستي موجَّه.

من المفيد عادة تقسيم استعدادات التفكير الناقد إلى استعدادات ابتدائية (تلك التي تسهم سببياً في تدشين التفكير الناقد في قضية ما) واستعدادات داخلية (تلك التي تسهم سببيًا في أداء جيد لتفكير ناقد بعد تدشينه) (Facione 1990a: 25). لا يوجد تعارض بين هاتين الفئتين من الاستعدادات، فالانفتاح الذهني، على سبيل المثال، بمعناه الذي يشير إلى قابلية الفرد للتمعّن في وجهات نظر بديلة عن وجهة نظره، هو استعداد ابتدائي وداخلي في آن واحد.

1.8 الاستعدادات الابتدائية

 باستخدام استراتيجية النظر في العوامل التي من شأنها إعاقة التفكير الناقد عند مَن يمتلكون القدرة على القيام به يمكننا تحديد استعدادات الشروع في التفكير الناقد بأنها: الانتباه، وعادة التساؤل، والثقة بالنفس، والجرأة، والانفتاح الذهني، وقابلية تعليق الحكم، والثقة بالعقل، ورغبة المرء في العثور على دليل على معتقداته، وابتغاء الحقيقة. سننظر بإيجاز إلى ما يعنيه كل استعداد منها، ونبين المصادر التي تقر كل حالة على حدة.

الانتباه: لن يفكر المرء على نحو ناقد إن فشل في ملاحظة قضية تتطلب تفكيراً مليّا. فعلى سبيل المثال، أحد المشاة في مثال الطقس لم يكن لينظر نحو الأعلى لولا أنه لاحظ أن الهواء أصبح فجأة أشد برودة. يحتاج المرء -إذًا- كي يكون مفكراً ناقدًا إلى أن يعتاد الانتباه لما يحيط به، بحيث لا تقتصر ملاحظته على ما يشعر به بل تشمل أيضا منابع الحيرة في مضامين يتلقّاها وفي معتقداته ومواقفه (Facione 1990a: 25; Facione, Facione, & Giancarlo 2001).

عادة التساؤل: التساؤل أمر مجهد ويحتاج المرء إلى دافع داخلي للانخراط فيه. على سبيل المثال، كان بإمكان الطالب في مثال الفقاعات أن يتوقف بكل بساطة عند التساؤل حول سبب الفقاعات بدلا من الانخراط في تفكير قاده إلى فرضية، ومن ثمَّ إلى تصميم تجربة وتنفيذها لاختبار الفرضية. إرادة التفكير على نحو ناقد -إذًا- تحتاج إلى طاقة ذهنية ومبادرة. ما الشيء القادر على توفير تلك الطاقة؟ إنه الشغف بالتساؤل، أو لعلّها عادة التساؤل فحسب. حاجج Hamby (2015) بأن إرادة التساؤل هي الفضيلة المحورية للتفكير الناقد، بحيث تشمل جميع الفضائل الأخرى، كما أنها تُعدّ استعداداً  للتفكير الناقد عند ديوي (1910: 29 ؛ 1933: 35)، وجلاسرGlaser (1941: 5)، وإنيس Ennis (1987: 12 ؛ 1991: 8)، Facione (1990a: 25، بايلين وآخرون. (Bailin et al.1999b: 294)، هالبرن (1998: 452) Halpern، Facione، وFacione، وجيانكارولو& Giancarlo (2001).

الثقة بالنفس: يمكن أن يؤدي عدم ثقة الفرد في قدراته إلى إعاقة التفكير الناقد لديه. على سبيل المثال، لو كانت المرأة في مثال الطفح الجلدي تفتقر إلى الثقة في قدرتها على استيضاح الأمور بنفسها، فلربما اكتفت بافتراض أن الطفح الجلدي على صدرها لم يكن سوى رد فعل تحسسي لأدويتها التي حذرها الصيدلي منها. لهذا فإن إرادة التفكير على نحو ناقد تتطلب ثقة المرء في قدرته على التقصي (Facione1990a: 2؛ Facione ، Facione، & Giancarlo 2001).

الجرأة: خوف المرء من أن يفكر لنفسه بنفسه قد يمنعه من التفكير. لذا فإن إرادة التفكير على نحو ناقد تتطلب جرأة فكرية (Paul & Elder 2006: 16).

الانفتاح الذهني: يعيق الموقف الدوغمائي التفكير الناقد. فعلى سبيل المثال، الشخص الملتزم بموقف صلب في تأييده لحق الاختيار بشأن قضية الوضع القانوني للإجهاض الإرادي قد لا تكون لديه رغبة في التفكير بجدية حول مسألة توقيت اكتساب الجنين أثناء نموه للحق الأخلاقي في الحياة. لهذا فإن إرادة التفكير على نحو ناقد تتطلب انفتاحاً ذهنياً، أي أنها تقتضي استعداد المرء لفحص أسئلة يمتلك أجوبة مسبقة عنها، لكن المزيد من الأدلّة والتفكير قد يدفعانه إلى أن يجيب عنها على نحو (Dewey 1933; Facione 1990a; Ennis 1991; Bailin et al. 1999b; Halpern 1998, Facione, Facione, & Giancarlo 2001). يؤكد بول Paul (1981) على الانفتاح الذهني بشأن الرؤى البديلة حول العالم، ويوصي بمقاربة ديالكتيكية لدمج رؤى كتلك باعتبارها مركزية لما يسميه التفكير الناقد “بمعناه التّام”.

قابلية تعليق الحكم: سيؤدي التوقّف السابق لأوانه عند حل أوّلي إلى إعاقة التفكير الناقد. لهذا فإن الرغبة في التفكير على نحو ناقد تتطلب قابلية تعليق الحكم أثناء استكشاف البدائل (Facione 1990a; Ennis 1991; Halpern 1998)

الثقة في العقل: بما أنّ عدم الثقة في عمليات التساؤل الاستدلالي ستثني المرء عن الانخراط فيه، تُعدّ الثقة في تلك العمليات استعدادًا مبدئيًا للتفكير الناقد  (Facione 1990a, 25; Bailin et al. 1999b: 294; Facione, Facione, & Giancarlo 2001; Paul & Elder 2006). تحاجج ثاير بيكون Thayer-Bacon (2000)، في رد فعل لها على التركيز الحصري المزعوم على العقل في نظرية التفكير الناقد والتعليم، بأن الحدس والخيال والمشاعر تلعب أدواراً مهمة في تصور ملائم للتفكير الناقد والذي تسميه “التفكير البنّاء”. يتطلب التفكير الناقد من وجهة نظرها الثقة، ليس في العقل فحسب، بل في الحدس والخيال والمشاعر أيضاً.

ابتغاء الحقيقة: إذا لم يهتم المرء بالحقيقة بل غدا راضياً عن تمسكه بتحيزه المبدئي إزاء قضية ما، فلن يفكر على نحو ناقد في تلك القضية. لهذا فإن ابتغاء الحقيقة هو استعداد ابتدائي للتفكير الناقد (Bailin et al. 1999b: 294; Facione, Facione, & Giancarlo 2001). إن استعدادا لابتغاء الحقيقة متضمّن في استعدادات التفكير الناقد الأكثر تحديدًا، كمثل محاولة الفرد بأن يكون جيد الاطلاع، وأن ينظر على نحو جاد في وجهات نظر أخرى غير وجهة نظره، ويبحث عن بدائل، ويعلّق الحكم حين يكون الدليل غير كافٍ، ويتبني موقفاً حين تكون الأدلة الداعمة لذلك الموقف كافية.

2.8 الاستعدادات الداخلية

تعتبر بعض الاستعدادات الابتدائية، مثل الانفتاح الذهني وقابلية تعليق الحكم، استعدادات داخلية للتفكير الناقد أيضاً، وذلك من حيث إشارتها إلى عادات أو مواقف عقلية تسهم سببيًا في أداء جديد في عملية التفكير الناقد بمجرد تدشينها. بيد أنّ هناك العديد من الاستعدادات الداخلية الأخرى للتفكير الناقد، ويعتمد بعضها على تصوّر المرء للتفكير السليم. على سبيل المثال، من مقوّمات التفكير السليم في قضية ما صياغتها بوضوح والمحافظة على التركيز عليها. لهذا الغرض، لا يحتاج المرء إلى القدرة الملائمة فحسب، بل يحتاج أيضًا إلى الاستعداد الملائم أيضاً. يصفه إنيس (1991: 8) Ennis بأنه استعداد “لتحديد استنتاج أو سؤال مع المحافظة على التركيز عليه”، ويصفه فيشيكوني Facione (1990a: 25) بأنه “وضوح في عرض السؤال أو المسألة”. أما الاستعدادت الداخلية الأخرى فهي محفزات لمواصلة عملية التفكير الناقد أو مواءمتها، كمثل رغبة الاستمرار في مهمة معقدة ورغبة التخلي عن الاستراتيجيات غير المثمرة في محاولة لتصحيح الذات (Halpern 1998: 452). للحصول على قائمة باستعدادات التفكير الناقد الداخلية التي تمت الإشارة إليها، راجع الملحق الخاص بتوجهات التفكير النقدي الداخلية.

9. قدرات التفكير الناقد

يفترض بعض المنظرين مهارات، بمعنى قدرات مكتسبة، باعتبارها مهارات فاعلة في التفكير الناقد. ليس من الواضح، مع ذلك، أن فعلا عقلياً سليماً يمثّل ممارسة لمهارة عامة ومكتسبة. الاستدلال على وقت الوصول المتوقع، كما في مثال التنقّل، يتضمن بعض المكونات العامة لكنه يستخدم أيضاً معرفة غير عامة حول موضوع معين. يعارض بايلين وآخرون Bailin et al. (1999a) النظر إلى مهارات التفكير الناقد بوصفها مهارات عامة ومنفصلة، ويستندون في ذلك إلى أن الأداء الماهر في مهمة التفكير الناقد لا يمكن فصله عن معرفة بمفاهيم وعن مبادئ من ذوات المجال المحدد حول التفكير السليم، كما يقرون بأن الحديث عن المهارات ليس إشكالياً إذا كان يعني فحسب أن الشخص الذي يمتلك مهارات التفكير الناقد قادر على القيام بأداء ذكي.

بالرغم من هذا التشكّك، أدرج منظرو التفكير الناقد مسهمات عامة في التفكير الناقد أطلقوا عليها أسماء متعددة، كالقدرات (Glaser 1941; Ennis 1962, 1991)، أو المهارات (Facione 1990a; Halpern 1998) أو الكفاءات (Fisher & Scriven 1997). إن دمج قوائم تلك المسهمات من شأنه إنتاج وفرة مربكة ومشوشة لما يربو على الخمسين من الأهداف التعليمية المحتملة، مع مجرّد تداخل جزئي فيما بينها. إنّ من المعقول عوضاً عن ذلك محاولة فهم أسباب التعددية والتنوع، والقيام باختيار وفقًا لأسباب ذاتية ويهدف إلى تمييز قدرات محددة لتطويرها ضمن منهج للتفكير الناقد. هناك سببان للتنوع في قوائم قدرات التفكير الناقد، وهما التصور الكامن للتفكير الناقد والمستوى التعليمي المنتظر. تتضمن التصورات المقتصرة على التقييم، مثلا، مجموعة من القدرات تختلف عن تلك التي تتضمّنها التصورات المقتصرة على التكوين. طُرحت بعض القوائم، كتلك الموجودة في (Glaser1941)، كأهداف تعليمية لطلاب المدارس الثانوية، في حين اقتُرح بعضها الآخر كأهداف لطلاب الجامعات (على سبيل المثال، Facione 1990a).

تشير الفقرات المتبقية من هذا القسم إلى قدرات نابعة من تأمّل في القدرات العامة اللازمة لأداء جيد في أنشطة التفكير المشار إليها في القسم السادس من هذا المدخل، وهي الأنشطة التي تُعدّ مكونات لعملية التفكير الناقد والموضحة في القسم الخامس. يصاحب اشتقاق كل مجموعة من القدرات استشهاد بالمصادر التي تسرد هذه القدرات مع إشارة إلى الاختبارات المعيارية التي تزعم فحصها.

قدرات الملاحظة: تتطلب الملاحظة اليقظة والدقيقة أحيانًا خبرة وممارسة متخصصة، كحالة ملاحظة الطيور وملاحظة مواقع الحوادث. إلا أن هناك قدرات عامة لملاحظة ما تلتقطه حواس المرء من محيطه والقدرة على التعبير عنها بوضوح ودقة لنفسه وللآخرين. هذه الملاحظة من شأنها التدريب على الأخذ في الاعتبار والقدرة على التعرف على عوامل تجعل ملاحظة شخص ما أقل جدارة بالثقة، كمثل التأطير المسبق للموقف، والوقت غير الملائم، والحواس الضعيفة، وسوء ظروف الملاحظة، وما إلى ذلك. من المفيد أيضًا أن يكون المرء ماهرًا في اتخاذ خطوات لجعل الملاحظة أجدر بالثقة، مثل الاقتراب من شيء ما للحصول على نظرة أفضل، وقياس شيء ما ثلاث مرات واحتساب متوسط قيمة القياس، والتحقق من ماهية الشيء الذي يظن المرء مشاهدته من خلال وجود شخص آخر يقف في موضع يتيح له مشاهدة الشيء نفسه بصورة جيدة. ذات فائدة أيضًا مهارة الفرد في تمييز جوانب يقوم فيها بتضمين تقريره عمّا يلاحظه استدلالا بدلا من ملاحظة مباشرة، وبهذا يستطيع عندئذٍ الحُكم حول ما إذا كان الاستدلال مُبرّرا أم لا. تكشف تلك القدرات عن نفسها أيضا حين يفكر المرء في ما إذا كان سيقبل تقرير ملاحظة ما وعلى أي  درجة من الثقة يكون قبوله بالتقرير، كما هي الحال على سبيل المثال في دراسة التاريخ أو في تحقيق جنائي أو في تقييم التقارير الإخبارية. تظهر قدرات الملاحظة في بعض قوائم قدرات التفكير الناقد (Ennis 1962: 90; Facione 1990a: 16; Ennis 1991: 9). هناك عناصر تختبر قدرة المرء من حيث الحكم على مصداقية تقارير الملاحظة في اختبارات كورنيل للتفكير الناقد، في المستويات X وZ (Ennis & Millman 1971; Ennis, Millman, & Tomko 1985, 2005)، كما أنّ اختبار نوريس وكينغ Norris and King (1983, 1985, 1990a, 1990b) يمثّل اختبارا للقدرة على تقييم تقارير الملاحظة.

قدرات المشاعر: تتضمن المشاعر التي تقود عملية التفكير الناقد الحيرة أو الالتباس، والرغبة في حلها، والرضا الناتج من إنجاز الحل المنشود. يشعر الأطفال بهذه المشاعر في سن مبكرة، ومن دون تدريبهم عليها. إنّ التعليم الذي يتخذ من التفكير الناقد هدفاً له يحتاج فحسب إلى توجيه تلك المشاعر والتأكّد من عدم كبتها. يستفيد التفكير الناقد التعاوني من القدرة على تمييز التزامات شعورية وردود أفعال متعلقة بالفرد وبالآخرين من حوله.

قدرات التساؤل: تحتاج عملية التفكير الناقد إلى تحويل الشعور الأولي بالحيرة إلى سؤال واضح. تتطلب صياغة السؤال بصورة جيدة عدم البناء على افتراضات مشكوك فيها، وعدم استباق الحكم على القضية، إلى جانب استخدام لغة في سياق بحيث لا يشوبها لبس وعلى قدر كافٍ من الدقّة (Ennis 1962: 97؛1991:9).

قدرات التّخيّل: يتطلب التفكير الذي يُراد منه إيجاد التفسير السببي الصحيح لظاهرة عامة أو لحدث معين قدرةً على تخيل تفسيرات محتملة، كما يتطلب التفكير حول ماهية سياسة أو خطة عمل جديرة بالتبنّي توليد خيارات وتأمّل العواقب المحتملة لكلّ منها. إن المعرفة المختصة بمجال معين مطلوبة لنشاط إبداعي كهذا، لكن القدرة العامة على تخيل البدائل مفيدة ويمكن العناية بها من أجل أن تصبح أسهل وأسرع وأكثر امتدادًا وأشدّ عمقًا  (Dewey 1910: 34–39; 1933: 40–47). يضمّن فوكيشيا Facione (1990a) وهالبرن Halpern (1998) القدرة على تخيل البدائل بوصفها قدرة من قدرات التفكير الناقد.

قدرات استدلالية: من المسلّم به على نطاق واسع أن القدرة على استخلاص نتائج من معلومات معيّنة، وعلى تمييز الفرد لدرجة التحقق من استتباع نتائجه أو نتائج الآخرين، هي واحدة من القدرات العامة للتفكير الناقد. تشتمل جميع الأمثلة الأحد عشر والواردة في القسم الثاني من هذه المقالة على استدلالات، بعضها ناتج عن فرضيات أو خيارات (كما في أمثلة التنقّل والعبّارة والفوضى)، وبعضها الآخر ناتج عن شيء تمّت ملاحظته (كما في مثاليْ الطقس والطفح الجلدي). ليس من بين تلك الاستدلالات استدلال واحد سليم صوريّا، وإنما أُجيزت جميعها بواسطة قواعد استدلال عامة تتسّم في بعض الأحيان بأنها قواعد أساسية ومحدودة أو مشروطة (Toulmin 1958) وتعتمد على معرفة مختصة بمجال معين – مثل الاستدلال على أن رحلة الحافلة تستغرق الوقت نفسه تقريبًا في كل اتجاه، وأن قطب التلغراف اللاسلكي يقع على أعلى مكان ممكن في العبّارة، وأن البرد المفاجئ غالبًا ما يتبعه المطر، وأن رد فعل تحسسي على عقار السلفا يظهر بشكل عام بعد وقت قصير من بدء تناوله. هناك جدل حول تحديد مدى حاجة التفكير الناقد إلى القدرة المتخصصة في استخلاص نتائج من مقدّمات بواسطة قواعد الاستدلال الصورية. يرى ديوي (1933)Dewey أن الصيغ المنطقية تكمن في عرض نتاج التأمّل بدلاً من وجودها في عملية التأمل ذاتها. من ناحية أخرى ، يؤكد إنيس Ennis (1981a)أن المتوقّع من شخص متعلم على نحو متحرر امتلاكه للقدرات التالية: ترجمة عبارات اللغة الطبيعية إلى عبارات توظف الروابط المنطقية القياسية، والاستخدام الصحيح للمفردات المرتبطة بالشروط الضرورية والكافية، والتعامل مع الصيغ المجرّدة للحجج إلى جانب الحجج التي تتضمّن رموزاً، وتحديد ما إذا كانت نتيجة الحجة تستتبع بالضرورة مقدّماتها استنادا إلى الصيغة المجرّدة للحجة، والتفكير من خلال الاستعانة بالقضايا المُركّبة منطقيًا، وتطبيق قواعد المنطق الاستنباطي وإجراءاته. تُعتبر القدرات الاستدلالية قدرات تفكير ناقد عند جلاسر Glaser (1941: 6) ، Facione (1990a: 9) ، Ennis (1991: 9) ، فيشر وسكريفن Fisher & Scriven (1997: 99, 111)، وهالبرن Halpern (1998: 452). تشكل العناصر التي تختبر القدرات الاستدلالية اثنين من الاختبارات الفرعية الخمسة لتقييم واطسون وجلاسر الخاص بالتفكير الناقد (Watson & Glaser 1980a, 1980b, 1994)، كما تُشكّل تلك العناصر أيضا قسمين من الأقسام الأربعة في اختبار كورنيل للتفكير الناقد على المستوى ما دون الجامعي (Ennis & Millman 1971; Ennis, Millman, & Tomko 1985, 2005)، وثلاثة من الأقسام السبعة في اختبار كورنيل للتفكير الناقد على المستوى الجامعي (Ennis & Millman 1971; Ennis, Millman, & Tomko 1985, 2005) و 11 من أصل 34 عنصرًا في النموذجين A و B من اختبار مهارات التفكير الناقد بكاليفورنيا (Facione 1990b ، 1992) ، إلى جانب تشكيل تلك العناصر أيضا لنسبة عالية لكنها متغيرة من الأسئلة الخمسة والعشرين متعدّدة الخيارات في تقييم التعلم الجماعي لمجلس دعم التعليم (Council for Aid to Education 2017).

قدرات تجريبية: إن أهمية معرفة كيفية تصميم تجربة وتنفيذها لا تقتصر على البحث العلمي فحسب، بل تشمل أهميتها أيضا الحياة اليومية، كما هي الحال في مثال الطفح. خصص ديوي فصلاً كاملاً من كتابه “كيف نفكر” (1910: 145–156 ؛ 1933: 190–202) لتفوّق التجربة على الملاحظة في تقدّم المعرفة. تبرز القدرات التجريبية بصورة غير مباشرة في تقييم تقارير الدراسات العلمية. أمّا المهارة في تصميم التجارب وتنفيذها فتتضمّن القدرات المعترف بها لتقييم الأدلة (Glaser1941: 6)، ولإجراء التجارب وتطبيق تقنيات الاستدلال الإحصائي المناسبة (Facione1990a: 9)، وللحكم على الاستقراءات المُفضية إلى فرضية تفسيرية (Ennis1991: 9)، وإدراك الحاجة إلى عينات كبيرة الحجم بما يكفي (هالبيرن 1998). يتضمن اختبار كورنيل للتفكير النقدي على المستوى الجامعي (Ennis & Millman 1971; Ennis, Millman, & Tomko 1985, 2005)أربعة عناصر ( من أصل 52 عنصرا) حول التصميم التجريبي، كما يقوم تقييم التعلم الجامعي The Collegiate Learning Assessment (مجلس دعم التعليم Council for Aid to Education 2017) بالمبادرة في فتح المجال لتقييم تصميم الدراسة من حيث كلّ من مهام الأداء وأسئلتها متعددة الخيارات.

قدرات استشارية: تبرز أهمية مهارة الرجوع إلى مصادر المعلومات حين يسعى المرء للحصول على معلومة لمساعدته في حل مشكلة، كما هي الحال في مثال المرشح. تتضمن القدرة على العثور على المعلومات وتقييمها القدرة على جمع المعلومات ذوات الصلة وتنظيمها (Glaser1941: 6)، والقدرة على الحكم فيما إذا كان من الممكن القبول بصحة عبارة صادرة عن سلطة مزعومة (Ennis1962: 84)، والقدرة على التخطيط للبحث عن المعلومات المطلوبة (Facione 1990a: 9)، والقدرة على الحكم على مصداقية المصدر (Ennis 1991: 9).  تُختبر القدرة على الحكم على مصداقية العبارات من خلال 24 عنصرًا (من أصل 76) في اختبار كورنيل للتفكير الناقد على المستوى ما دون الجامعي (Ennis & Millman 1971; Ennis, Millman, & Tomko 1985, 2005)ومن خلال أربعة عناصر (من أصل 52) في اختبار كورنيل للتفكير النقدي على المستوى الجامعي (Ennis & Millman 1971; Ennis, Millman, & Tomko 1985, 2005) تتطلب مهمة أداء تقييم التعلم الجامعي تقدير ما إذا كانت المعلومات الواردة في مستندات معينة جديرة بالوثوق بها (Council for Aid to Education 2017 مجلس دعم التعليم).

قدرات تحليل الحجج: إن القدرة على تحديد الحجج وتحليلها تسهم في عملية مسح الحجج حول قضية ما من أجل تكوين حكم عقلاني خاص بالمرء، وذلك كما في مثال المرشح. تُعدّ هذه القدرة مهارة من مهارات التفكير الناقد عند فوكيشيني    Facione (1990a: 7-8) وإنيس(1991: 9)  Ennis و هالبرن (1998) Halpern. خمسة عناصر (من أصل 34) في اختبار مهارات التفكير الناقد بكاليفورنيا (Facione 1990b, 1992) تقوم باختبار مهارة تحليل الحجة، كما يقوم تقييم التعلم الجامعي (Council for Aid to Education 2017 مجلس دعم التعليم) بإدراج التحليل الحجاجي في الاختبارات متعددة الخيارات حول القراءة والتقييم النقديّيْن إلى جانب انتقاد الحجح.

مهارات الحكم واتخاذ القرار: المهارة في الحكم واتخاذ القرار هي مهارة التعرف على الحكم أو القرار الذي تدعمه الأدلة والحجج المتاحة، وتحديد درجة الثقة بهذا الدعم. تعدّ هذه المهارة -إذًا- أحد مكونات المهارات الاستدلالية التي سبقت مناقشتها.

غالبًا ما تتضمن القوائم والاختبارات المتعلقة بقدرات التفكير الناقد قدرتين إضافيتين: تحديد الافتراضات وصياغة التعريفات وتقييمها.

10. المعرفة الضرورية

إلى جانب الاستعدادات والقدرات، يحتاج التفكير الناقد أيضا معرفة: معرفة بمفاهيم التفكير الناقد، وبمبادئه، وبما يتصل بالموضوع محل التفكير.

من قدرات التفكير الناقد الموضحة في الجزء السابق من المقال يمكننا استخلاص قائمة قصيرة بالمفاهيم التي يُسهم فهمُها في التفكير الناقد. تتطلب قدرات الملاحظة فهماً للفرق بين الملاحظة والاستدلال، وتتطلب قدرات التساؤل فهماً لمفاهيم الغموض والالتباس، وتتطلب القدرات الاستدلالية فهم الفرق بين الاستدلال القاطع والاستدلال القابل لإعادة النظر (وكما جرى العرف في التسمية، بين الاستنباط والاستقراء)، وكذلك الفرق بين الشروط الضرورية والشروط الكافية. تتطلب القدرات التجريبية إدراكا لمفاهيم الفرضية والفرضية الصفرية والافتراض والتنبؤ، وكذلك مفهوم الجوهرية الإحصائية ووجه اختلافها عن الأهمية الإحصائية. كما تتطلب القدرات التجريبية أيضا فهم الاختلاف بين التجربة والدراسة الرصدية، وعلى وجه الخصوص الفرق بين تجربة عشوائية محكومة ودراسة ارتباطية مستقبلية ودراسة بأثر رجعي (دراسة الحالات والشواهد). أما قدرات تحليل الحجج فتتطلب استيعاباً لمفاهيم الحجة والمقدمة والافتراض والاستنتاج ونقيض الاستنتاج، كما تمّ اقتراح مفاهيم إضافية للتفكير الناقد من قبل بيلين وآخرون . Bailin et al. (1999b: 293) وفيشر وسكريفن Fisher & Scriven (1997: 105–106),، وبلاك Black (2012).

إن القدرة على التفكير على نحو ناقد تتطلب، وفقًا لجلاسر (1941: 25) Glaser معرفةً بطرق التساؤل والتفكير المنطقيّيْن. لكن لو عدنا لنراجع قائمة القدرات في الجزء السابق، سنلاحظ أن بعضها يمكن اكتسابه والتمرن عليه من خلال الممارسة فحسب، مع ربما شيء من التوجيه لهذه الممارسة في بيئة تعليمية، متبوعة بتعقيبات عليها. يتطلب البحث بذكاء عن تفسير سببي لظاهرة ما أو حدث ما أن يفكر المرء في نطاق كامل من المُسهمات السببية المحتملة، لكن تجسيد المرء لهذا المبدأ من خلال ممارسته يبدو أكثر أهمية من قدرة المرء على التعبير عنه. إن ما يهمّ هو “المعرفة الإجرائية” لمعايير التفكير السليم ومبادئه (Bailin et al. 1999b: 291–293)، إلا أن تطوير قدرات للتفكير الناقد، كمثل تصميم تجربة أو بناء تعريف إجرائي، يمكن تعزيزه من خلال تعلّم الجانب النظري الكامن وراء تلك القدرات. علاوة على ذلك، فإن معرفة صريحة بمواربات التفكير البشري تبدو مفيدة كإرشاد تحذيري، ذلك أن الذاكرة البشرية ليست قابلة للخطأ فحسب فيما يتعلق بالتفاصيل، وهو الأمر الذي يدركه الناس من خلال تجاربهم الخاصة مع التذّكر بشكل مغلوط، وإنما هي أيضا ذاكرة طيّعة إلى درجة أن التذكّر المفصل والواضح والحيوي لحدث ما يمكن أن يكون بأكمله مجرد تلفيق (Loftus 2017). يسعى الناس إلى الأدلة أو يفسرونها بطرق تنحاز لمعتقداتهم وتوقعاتهم القائمة، وغالبًا ما يكونون غير واعين “لانحيازهم التأكيدي” (Nickerson 1998). لا يقتصر الأمر على خضوع الأشخاص لهذا أو ذاك من الانحيازات الذهنية (Kahneman 2011، والتي لا يكونون واعين بها عادةً، بل قد ينتج أثر عكسي على المرء حين يدرك تلك الانحيازات ثم يحاول واعياً الانحياز إلى الأثر المعاكس لها من خلال إبطالها أو إبطال التحيزات الاجتماعية كالتنميط العرقي أو الجنسي (Kenyon & Beaulac 2014). من المفيد أن يكون المرء واعياً بتلك الحقائق وبالفعالية الفائقة في شلّ مفعول الانحيازات وذلك -على سبيل المثال- من خلال عمل سجل فوري لملاحظاته، وبالامتناع عن تكوين فرضية تفسيرية أولية، وبالتحكيم محجوب المعلومات، وبالتجارب العشوائية مزدوجة التعمية، وبحجب أسماء الطلاب عند حساب درجات أعمالهم.

يتطلب التفكير الناقد حول قضية ما معرفة جوهرية بالمجال الذي تنتمي إليه القضية، إذ ليست قدرات التفكير الناقد إكسيراً سحريًا بحيث يمكن تطبيقها على أية قضية من قبل شخص ليست لديه معرفة بالحقائق ذوات الصلة باستكشاف تلك القضية. على سبيل المثال، احتاج الطالب في مثال الفقاعات إلى معرفة أن الغازات لا تخترق الأجسام الصلبة مثل الزجاج، وأن الهواء يتمدد عند تسخينه، وأن حجم الغاز المحصور يتناسب طردياً مع درجة حرارته وعكسياً مع ضغطه، وأن الأجسام الساخنة ستبرد تلقائيًا لتصل إلى درجة الحرارة المحيطة بالوسط ما لم تظل ساخنةً من خلال العزل أو عن طريق مصدر للحرارة. لهذا فإنّ المفكرون الناقدون يحتاجون إلى مصدر غني بالمعرفة ذات العلاقة بالموضوع وبما يتناسب مع مجموعة المواقف المتنوعة التي يواجهونها. تُأخذ هذ الحقيقة بعين الاعتبار من خلال إدراج الحرص والمحافظة على سعة الاطلاع بشكل عام ضمن استعدادات التفكير الناقد.

11. طرق التعليم

أظهرت التدخلات التعليمية التجريبية، في ظل مجموعات محكومة، أن بإمكان التعليم تحسين مهارات التفكير الناقد واستعداداته، وذلك وفق ما تم قياسه بواسطة الاختبارات المعيارية. للحصول على معلومات حول تلك الاختبارات، راجع ملحق التقييم.

ما هي طرق التعليم الأكثر فاعلية في تنمية استعدادات المفكر الناقد وقدراته ومعرفته؟ وجد أبرامي وآخرون Abrami et al. (2015) من خلال تحليلهم للدراسات التجريبية وشبه التجريبية أنّ كُلّا من الحوار والتعليم الإرسائي والإرشاد زاد من فاعليّة التدخل التعليمي، كما أنها أكثر فاعليّة حين تكون مجتمعة. وجد هؤلاء الباحثين أيضًا في تلك الدراسات أنّ الجمع بين تعليم التفكير الناقد على نحو مستقل مع تعليمه من خلال موضوع محدد يتم فيه تشجيع الطلاب على التفكير الناقد أكثر فاعلية من الاقتصار على أي منهما على حده. لم يكن الفرق، مع ذلك، جوهريا من الناحية الإحصائية؛ بمعنى أنه ربما نشأ مصادفة.

تفتقر معظم تلك الدراسات إلى المتابعة ذات المدى الزمني الطويل والضرورية لتحديد ما إذا كانت التحسينات التفاضلية الملحوظة في القدرات أو الاستعدادات المرتبطة بالتفكير الناقد تستمر مع مرور الزمن، إلى فترة التخرج مثلا في المرحلة الثانوية أو الجامعية. للحصول على تفاصيل حول دراسات أساليب تنمية مهارات التفكير الناقد واستعداداته، انظر ملحق طرق التدريس.

12. جوانب خلافية

نفى باحثون قابلية قدرات التفكير الناقد للتعميم على حقول ميدانية مختلفة، كما ادّعى باحثون وجود تحيّز في نظرية التفكير الناقد وطرق تدريسها، في حين تقصّى آخرون علاقة التفكير الناقد بأنواع التفكير الأخرى.

1.12 قابلية التفكير الناقد للتعميم

هاجم مكبيك McPeck (1981) المسارات التي ظهرت في السبعينيات نحو مهارات التفكير، بما فيها المسار نحو التفكير الناقد، مُحاججاً بأنه لا توجد مهارات تفكير عامة، لأن التفكير إنما هو دائما تفكير بموضوع يختصّ بقضية محددة. زعم مكبيك أيضا أنّ من غير المفيد للمدارس والكليات تدريس التفكير وكأنه موضوع منفصل،  بل ينبغي أن يوجه المدرّسون تلاميذهم إلى أنْ يكونوا مفكرين مستقلين من خلال تدرسيهم للمواد الدراسية بطريقة تبرز فيها بنيتهم ​​المعرفية وتشجّع النقاش والحجاج وتكافئ على ممارستهما. غير أنه وبحسب بعض منتقديه (على سبيل المثال: Paul 1985; Siegel 1985)، فإن حجة مكبيك المركزية تحتاج إلى تفصيل، ذلك أنها حجة تتناقض مع أمثلة جلية في كلّ من الكتابة والتحدث، فكلاهما يتضمن (حتى مستوى تعقيد معين) قدرات عامة يمكن تعليمها بالرغم من أنها تتعلّق دائما بموضوع يختصّ بقضية محددة. يتوجّب على مكبيك، في سبيل جعل حجته مقنعة، تبيان كيفية اختلاف التفكير عن الكتابة والتحدث على نحو لا يسمح بالتجريد المفيد لمكوناته من الموضوعات التي يتناولها، وهو التبيان الذي لم يقم به. بيد أن العديد من منظري التفكير الناقد يشاطرونه موقفه في أن استعدادات المفكر الناقد وقدراته إنما تُطور على نحو أمثل في سياق تناول موضوع يختص بقضية محددة، ومنهم  Dewey (1910, 1933), Glaser (1941), Passmore (1980), Weinstein (1990), and Bailin et al. (1999b)

ساهم تحدي مَكبيك في تحفيز التأمّل في المدى الذي يكون فيه التفكير الناقد مُختصّا بموضوع محدد. حاجج مكبيك لصالح أطروحة الاختصاص بالموضوع الصارمة، وبحسب هذه الأطروحة يُعتبر اختصاص جميع قدرات التفكير الناقد بموضوع محدد حقيقة مفاهيمية. (لكنه لم يقم بتوسيع أطروحته المتعلقة بالاختصاص بالموضوع لتشمل استعدادات التفكير الناقد. لا سيما أنه رأى استعداد “التأني في الحكم” في حالات التنافر المعرفي باعتباره استعداداً عامًا.) يواجه الاختصاص بالموضوع من الناحية المفاهيمية أمثلة مضادة في غاية الوضوح، مثل القدرة العامة على إدراك الخلط بين الشروط الضرورية والكافية. هناك أطروحة أكثر تواضعًا، أيّدها مكبيك أيضا، وهي الاختصاص بالموضوع من الناحية المعرفية، وبحسب هذه الأطروحة تتباين قواعد التفكير السليم من ميدان إلى آخر. من الجليّ أن هذه الأطروحة تحتفظ بتماسكها حتى حدود معينة؛ على سبيل المثال، المبادئ التي يحل المرء بمقتضاها معادلة تفاضلية تختلف تمامًا عن المبادئ التي يحدد المرء بمقتضاها ما إذا كانت لوحة ما لوحة أصلية لبيكاسو. لكن الأطروحة تعاني، كما يشير إنيس (1989) Ennis، من غموض مفهوم “الميدان” أو “الموضوع”، كما تعاني أيضا من الوجود الواضح لمبادئ تشترك فيها ميادين مختلفة مهما اتسع نطاق تأويل مفهوم “الميدان”. على سبيل المثال، تحتفظ مبادئ الاستدلال الاستنباطي-الافتراضي بقابلتيها للتطبيق في جميع الميادين المختلفة والتي يُستخدم فيها هذا النوع من الاستدلال. هناك أيضا نوع ثالث من الاختصاص بالموضوع، ونعني به أطروحة الاختصاص بالموضوع من الناحية التجريبية، وبحسب هذه الأطروحة فإنّ من المُسلّم به بوصفه حقيقة قابلة للفحص تجريبيا أنّ الشخص الذي يمتلك قدرات المفكر الناقد واستعداداته في ميدان معين من ميادين البحث لن يمتلكها بالضرورة في ميدان آخر.

تثير أطروحة الاختصاص بالموضوع من الناحية التجريبية الإشكالية العامة حول نقل التعلم، فإذا كان لابد من تطوير قدرات التفكير الناقد واستعداداته على نحو مستقل في كل مادة تعليمية، كيف يمكن لها أن تكون ذوات فائدة عند التعامل مع مشكلات الحياة اليومية والقضايا السياسية والاجتماعية للمجتمع المعاصر، ومعظم هذه المشكلات والقضايا لا يتناسب مع إطار المادة التعليمية التقليدية؟ يميل أنصار أطروحة الاختصاص بالموضوع من الناحية التجريبية إلى القول بأن من المرجح أن يتحقق نقل التعلم إذا كان هناك تعليم للتفكير الناقد في مجموعة متنوعة من المجالات، مع عناية صريحة بالاستعدادات والقدرات المشتركة بين المجالات. غير أنّ الأدلة على هذا الزعم هزيلة، وهناك حاجة لدراسات تجريبية جيدة التصميم وتهدف إلى تقصّي الظروف التي تزيد من احتمالية نقل التعلم.

في النقاشات التي تتناول عمومية أو محدودية استعدادات التفكير الناقد وقدراته، من المسلّم به أن التفكير الناقد حول أي موضوع يتطلّب خلفية معرفية حول ذلك الموضوع. على سبيل المثال، أشدّ الفهم عمقاً لمبادئ الاستدلال الاستنباطي-الافتراضي ليس ذا فائدة إلا إذا كان مصحوبًا بشيء من المعرفة بما يمكن له أن يشير إلى تفسيرات معقولة لبعض الظواهر قيد البحث.

2.12 الانحياز في نظرية التفكير الناقد وطرق تعليمه

أبدى ناقدون اعتراضات على وجود انحياز في نظرية التفكير الناقد وتعليمه وممارسته، في حين أشار بعض الشارحين (ومنهم Alston 1995; Ennis 1998) أن كل من يتخذ موقفًا إنما لديه تحيز بمعناه الحيادي من حيث أنه يميل إلى توجه محدد دون سواه من التوجهات الأخرى.  لكن اعتراض الناقدين على التحيز يتمثّل في معناه الازدرائي والناشئ عن تفضيل غير مُبرَّر لأساليب معينة من المعرفة على أخرى، مع ترديدهم لزعم مفاده أن الأساليب التي فُضلت على نحو مجحف هي أساليب الجنس المهيمن أو الثقافة المهيمنة (Bailin 1995). تفضّل تلك الأساليب:

  • تعزيز تحيّزات متمركزة حول الذات والمجتمع على الانخراط الديالكتيكي مع رؤى معاكسة للعالم (Paul 1981, 1984; Warren 1998).
  • الابتعاد عن موضوع البحث على القرب منه (Martin 1992 ؛ Thayer-Bacon 1992)
  • اللامبالاة تجاه حالة الآخرين على الاهتمام بهم (Martin 1992)
  • الميل إلى الفكر على الميل إلى الفعل (Martin 1992)
  • التحلي بالعقلانية على الاهتمام بفهم أفكار الناس (Thayer-Bacon 1993)
  • تحقيق الحيادية والموضوعية على تحقيق التجسيد والتموضع (Thayer-Bacon 1995a)
  • الشك على الاعتقاد (Thayer-Bacon 1995b)
  • العقل على المشاعر والخيال والحدس (Thayer-Bacon 2000)
  • التفكير الانفرادي على التفكير التعاوني (Thayer-Bacon 2000)
  • المهام المكتوبة والمنطوقة على أشكال التعبير الأخرى  (Alston 2001)
  • العناية بأنواع التواصل المكتوبة والمنطوقة على العناية بالمشكلات البشرية  (Alston 2001)
  • الفوز في المناظرات في المجال العام على صنع المعنى وفهمه  (Alston 2001)

القاسم المشترك في هذا المزيج من الاتهامات هو الاستياء من التركيز على التحليل المنطقي وتقييم التفكير والحجج. بينما يقر هؤلاء الباحثون بأن مثل هذا التحليل والتقييم يعدّ جزءا من التفكير الناقد وينبغي أن يكون جزءًا من تصوره وطرق تعليمه، إلا أنهم يصرون على أنه جزء فحسب. يتأسّف بول Paul (1981)، مثلاً، على ميل التدريس المتشظي لأساليب تحليل الحجج وتقييمها إلى ما يؤدي إلى تحويل الطلاب إلى مجرد سفسطائيين بكفاءة أكبر، بحيث يصبحون ماهرين في اكتشاف أخطاء في المواقف والحجج التي يختلفون معها، لكنهم يظلون أكثر رسوخًا في التحيزّات التي انطلقوا منها والمتمركزة حول ذواتهم ومجتمعاتهم. يستشهد مارتن Martin (1992) وثاير بيكون Thayer-Bacon (1992) بالألفة مع موضوع البحث والتي عبّر عنها كبار الباحثين في علم الأحياء والطب كتجارب ذاتية لهم ويستحسنانها، وهي ألفة تتعارض مع النأي الذي يُزعم أنه موصى به في تصورات التفكير الناقد القياسية وطرق تعليمه. تقارن ثاير بيكون Thayer-Bacon (2000) بين التعلم المتجسد والمضمّن اجتماعيًا لطلاب مدرستها الابتدائية في مدرسة مونتيسوري، حيث استخدموا خيالهم وحدسهم وعواطفهم بالإضافة إلى تفكيرهم المنطقي، مع تصورات للتفكير الناقد بوصفه:

تفكيرًا يستخدم لنقد الحجج، وتقديم التبريرات، وإصدار الأحكام حول ماهية الأسباب الوجيهة أو الإجابات الصحيحة. (Thayer-Bacon 2000: 127–128)

أفادت ألستون Alston (2001) أن طلابها في فصل للدراسات النسائية كانوا قادرين على إدراك العيوب في أسطورة سندريلا التي يسودها كثير من الخيال الرومانسي ولكنهم بقوا يتصرفون على صعيد علاقاتهم الرومانسية كما لو أن جميع الإخفاقات تعود إلى خطأ المرأة، مع استمرارهم في القبول بمفاهيم الحب من النظرة الأولى والحياة السعيدة الأبدية. تقول ألستون إنّ على الطلاب أن:

 يكونوا قادرين على ربط نقدهم الفكري باعتبارات أكثر عاطفية وجسدية وأخلاقية عند اتخاذ خيارات محفوفة بالمخاطر وذوات تحيّزات جنسانية أو عنصرية أو طبقية أو عائلية أو جنسية أو غيرها من العواقب التي تنالهم أو تنال القريب منهم أوالبعيد عنهم … إن تفكيراً ناقداً يقتصر في قراءته للحجج أو النصوص أو الممارسات على ظاهرها فحسب، دون صلات بالمشاعر/ أو الرغبة / أو الممارسة أو الفعل، لهُوَ تفكير يفتقر إلى العمق الأخلاقي الذي من شأنه ردم الهوّة بين نشاط ذهني مجرد وبين ما نود تسميته تفكيراً ناقداً  (Alston 2001: 34)

يصف بعض النقاد تحيزات كتلك على أنها مجحفة بحق النساء، وقد اتهمت ثاير-بيكون Thayer-Bacon (1992)، على سبيل المثال، نظرية التفكير الناقد الحديثة بأنها جنسانية، بحجة أنها نظرية تفصل الذات عن الموضوع وتتسبب في فقدان اتصال المرء بصوته الداخلي، وبالتالي، هي منحازة ضد المرأة، ذلك أن النساء (كما تؤكد بيكون) يصلن الذات بالموضوع ويستمعن إلى صوتهن الداخلي. لا يقتضي اتهامها أن النساء كمجموعة ​​أقل قدرة في المتوسط من الرجال على تحليل الحجج وتقييمها. لم يجد فيكوشيني Facione (1990c) فرقًا في الأداء على أساس الجنس في اختبار مهارات التفكير الناقد في كاليفورنيا، كما لم يجد كون Kuhn (1991: 280–281 أي فرق على أساس الجنس في التصرف أو الكفاءة للانخراط في التفكير الحجاجي.

يقترح النقاد مجموعة متنوعة من التدابير العلاجية للتحيزات التي يزعمون وجودها، وهم لا ينصحون عموماً باستبعاد التفكير الناقد كهدف تعليمي أو التقليل من أهميته، بل إنهم يقترحون وضع تصور مختلف للتفكير الناقد وتغيير طرق التعليم وفقًا لذلك التصور. إنّ مقترحاتهم في طرق التعليم ناتجة منطقيا عن اعتراضاتهم، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:

  • التركيز على شبكات الحجاج ذوات التبادلات الجدلية والتي تظهر من خلالها وجهات النظر المتنافسة بدلاً من الحجج المتشظية، وذلك لتطوير تفكير ناقد ذي “حس قوي” يتجاوز التحيزات الذاتية والاجتماعية (Paul 1981, 1984).
  • تعزيز التقارب مع الموضوع قيد النظر والشعور بالتواصل مع الآخرين من أجل المساهمة في ديمقراطية إنسانية (Martin 1992).
  • تطوير “تفكير بنّاء” كنشاط اجتماعي في مجتمع من المتسائلين المتجسدين فعلياً واجتماعياً بآراء ذاتية لا تقدّر العقل فحسب، بل الخيال والحدس والمشاعر أيضاً  (Thayer-Bacon 2000).
  • عند تطوير التفكير الناقد في المواد الدراسية، لا تعطى الأهمية للمهارات ولا للاستعدادات، وإنما تعطى الأهمية لفتح المجال أمام عوالم المعنى (Alston 2001).
  • الاهتمام بتنمية استعدادات التفكير الناقد جنباً إلى جنب مع مهاراته، وتبني “طرق التعليم الناقدة” التي مارسها ودافع عنها فريري Freire (1968 [1970]) و هوكسhooks (1994) (Dalgleish, Girard, & Davies 2017).

القاسم المشترك بين هذه المقترحات هو التعامل مع التفكير الناقد باعتباره نشاطًا اجتماعيًا وتفاعليًا وشخصي الانخراط كمثل النشاط الجماعي في التجمّعات الحرفية أو في تنمية الحظائر  (Thayer-Bacon 2000)وذلك بدلا من اعتباره نشاطًا فرديًا ومنعزلاً وقاصيا كما رمز إليه النحات رودان في تمثاله المفكر The Thinker. يمكن للمرء أن يجد وصفاً جليّاً للتعليم من النوع الذي يجسده التعريف الأول في الجملة السابقة في كتابات بيل هوكس bell hooks (1994, 2010) . فهي ترى في التفكير الناقد تبادلاً جدلياً منفتحاً ومعبّرا عن مواقف متعارضة ونابعا من وجهات نظر متعددة، وهو تصور يشبه التفكير الناقد في “معناه الصارم” عند بول (Paul 1981). تخلّت بيل هوكس عن بنية الهيمنة في الصفوف الدراسية التقليدية، فعلى سبيل المثال، أصبحت تكلّف طلابها في برنامج تدريبي تمهيدي حول الكاتبات السود بكتابة فقرة عن سيرتهم الذاتية حول ذاكرة عرقية مبكرة، ومن ثمّ قراءتها بصوت عالٍ بينما يستمع الآخرون، وبذلك تؤكد على تفرّد كل صوت وقيمته، إلى جانب خلق وعي جمعي حول تنوع التجارب في المجموعة (hooks 1994: 84). إنّ “طرق تعليمها التشاركية” -إذًا- تشبه “الحرية الموجّهة” والتي تم تطبيقها في مدرسة مختبر جون ديوي في شيكاغو في أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إذ تشتمل على الحوار والتعليم الإرسائي والتوجيه، وهي العناصر التي رأى أبرامي Abrami (2015) أنها الأكثر فاعلية في تحسين مهارات التفكير الناقد واستعداداته.

3.12 علاقة التفكير الناقد بسائر أنواع التفكير

ما علاقة التفكير الناقد بحل المشكلات واتخاذ القرار ومستويات التفكير العليا والتفكير الإبداعي وسائر أنواع التفكير المعروفة؟ يبدو جلياً أن الإجابة عن هذا السؤال تعتمد على كيفية تعريف ما يتضمّنه من مصطلحات. إذا نظرنا إلى التفكير الناقد بمنظور واسع بحيث يشمل أي تفكير يقظ تجاه أي موضوع ولأي غرض، فإن حل المشكلات واتخاذ القرار سيكونان من ضمن أنواع التفكير الناقد، شريطة الحرص عند القيام بكل منهما. تاريخيا، كان “التفكير الناقد” و “حل المشكلات” اسمين للشيء ذاته. أما إذا نظرنا للتفكير الناقد من منظور أضيق بحيث يقتصر على تقييم نواتج فكرية فحسب، فسيكون عندئذٍ منفصلاً عن حل المشكلات واتخاذ القرار، فهذان يُعتبران من ضروب التفكير البنّاء.

ما أشار إليه تصنيف بلوم للأهداف التعليمية بعبارة “القدرات والمهارات الفكرية” هو ما أطلق عليه البعض “التفكير الناقد”، وهو أيضا “التفكير الاستقصائي” كما سمّاه ديوي وآخرون، و”حل المشكلات” كما سّماه غيرهم (Bloom et al 1956: 38). لهذا فإن ما يسمى بـ “مهارات التفكير العليا” في المستويات الأعلى من التصنيف والمتعلقة بالتحليل والتركيب والتقييم ليست سوى مهارات تفكير ناقد، على الرغم من خلوّها من معايير عامة لتقييمها (Ennis1981b). كذلك تتعاطى النسخة المنقحة من تصنيف بلوم (Anderson et al. 2001) مع التفكير الناقد بوصفه تفكيرا عابرا لتلك الأنواع من العمليات الذهنية والتي تنطوي على ما هو أكثر من التذكّر (Anderson et al. 2001: 269–270). للحصول على التفاصيل، راجع ملحق التاريخ.

أما التفكير الإبداعي فهو تفكير يتداخل مع التفكير الناقد  (Bailin 1987, 1988). إنّ التفكير حول تفسير لظاهرة ما أو حدث ما، كما هو الحال في مثال العبّارة، يتطلّب خيالًا إبداعيًا لبناء فرضيات تفسيرية معقولة. بالمثل، يتطلب التفكير في مسألة سياسية، كما في مثال المرشح، إبداعًا يؤدي إلى خيارات. في المقابل، يحتاج الإبداع في أي مجال إلى أن يكون متوازنا من قِبل تقييم ناقد لمسودة لوحة أو رواية أو نظرية رياضية.


 [sa1]أرى أن كلمة الألماس هنا غير معتادة للقارئ العربي وأن الأنسب هو ” العلامات معينة الشكل ربما تكون أقرب للفهم 

المراجع

  • Abrami, Philip C., Robert M. Bernard, Eugene Borokhovski, David I. Waddington, C. Anne Wade, and Tonje Person, 2015, “Strategies for Teaching Students to Think Critically: A Meta-analysis”, Review of Educational Research, 85(2): 275–314. doi:10.3102/0034654314551063
  • Aikin, Wilford M., 1942, The Story of the Eight-year Study, with Conclusions and Recommendations, Volume I of Adventure in American Education, New York and London: Harper & Brothers. [Aikin 1942 available online]
  • Alston, Kal, 1995, “Begging the Question: Is Critical Thinking Biased?”, Educational Theory, 45(2): 225–233. doi:10.1111/j.1741-5446.1995.00225.x
  • –––, 2001, “Re/Thinking Critical Thinking: The Seductions of Everyday Life”, Studies in Philosophy and Education, 20(1): 27–40. doi:10.1023/A:1005247128053
  • American Educational Research Association, 2014, Standards for Educational and Psychological Testing / American Educational Research Association, American Psychological Association, National Council on Measurement in Education, Washington, DC: American Educational Research Association.
  • Anderson, Lorin W., David R. Krathwohl, Peter W. Airiasian, Kathleen A. Cruikshank, Richard E. Mayer, Paul R. Pintrich, James Raths, and Merlin C. Wittrock, 2001, A Taxonomy for Learning, Teaching and Assessing: A Revision of Bloom’s Taxonomy of Educational Objectives, New York: Longman, complete edition.
  • Bailin, Sharon, 1987, “Critical and Creative Thinking”, Informal Logic, 9(1): 23–30. [Bailin 1987 available online]
  • –––, 1988, Achieving Extraordinary Ends: An Essay on Creativity, Dordrecht: Kluwer. doi:10.1007/978-94-009-2780-3
  • –––, 1995, “Is Critical Thinking Biased? Clarifications and Implications”, Educational Theory, 45(2): 191–197. doi:10.1111/j.1741-5446.1995.00191.x
  • Bailin, Sharon and Mark Battersby, 2009, “Inquiry: A Dialectical Approach to Teaching Critical Thinking”, in Juho Ritola (ed.), Argument Cultures: Proceedings of OSSA 09, CD-ROM (pp. 1–10), Windsor, ON: OSSA. [Bailin & Battersby 2009 available online]
  • –––, 2016, “Fostering the Virtues of Inquiry”, Topoi, 35(2): 367–374. doi:10.1007/s11245-015-9307-6
  • Bailin, Sharon, Roland Case, Jerrold R. Coombs, and Leroi B. Daniels, 1999a, “Common Misconceptions of Critical Thinking”, Journal of Curriculum Studies, 31(3): 269–283. doi:10.1080/002202799183124
  • –––, 1999b, “Conceptualizing Critical Thinking”, Journal of Curriculum Studies, 31(3): 285–302. doi:10.1080/002202799183133
  • Berman, Alan M., Seth J. Schwartz, William M. Kurtines, and Steven L. Berman, 2001, “The Process of Exploration in Identity Formation: The Role of Style and Competence”, Journal of Adolescence, 24(4): 513–528. doi:10.1006/jado.2001.0386
  • Black, Beth (ed.), 2012, An A to Z of Critical Thinking, London: Continuum International Publishing Group.
  • Bloom, Benjamin Samuel, Max D. Engelhart, Edward J. Furst, Walter H. Hill, and David R. Krathwohl, 1956, Taxonomy of Educational Objectives. Handbook I: Cognitive Domain, New York: David McKay.
  • Casserly, Megan, 2012, “The 10 Skills That Will Get You Hired in 2013”, Forbes, Dec. 10, 2012. Available at https://www.forbes.com/sites/meghancasserly/2012/12/10/the-10-skills-that-will-get-you-a-job-in-2013/#79e7ff4e633d; accessed 2017 11 06.
  • Center for Assessment & Improvement of Learning, 2017, Critical Thinking Assessment Test, Cookeville, TN: Tennessee Technological University.
  • Cohen, Jacob, 1988, Statistical Power Analysis for the Behavioral Sciences, Hillsdale, NJ: Lawrence Erlbaum Associates, 2nd edition.
  • College Board, 1983, Academic Preparation for College. What Students Need to Know and Be Able to Do, New York: College Entrance Examination Board, ERIC document ED232517.
  • Commission on the Relation of School and College of the Progressive Education Association, 1943, Thirty Schools Tell Their Story, Volume V of Adventure in American Education, New York and London: Harper & Brothers.
  • Council for Aid to Education, 2017, CLA+ Student Guide. Available at http://cae.org/images/uploads/pdf/CLA_Student_Guide_Institution.pdf; accessed 2017 09 26.
  • Dalgleish, Adam, Patrick Girard, and Maree Davies, 2017, “Critical Thinking, Bias and Feminist Philosophy: Building a Better Framework through Collaboration”, Informal Logic, 37(4): 351–369. [Dalgleish et al. available online]
  • Dewey, John, 1910, How We Think, Boston: D.C. Heath. [Dewey 1910 available online]
  • –––, 1916, Democracy and Education: An Introduction to the Philosophy of Education, New York: Macmillan.
  • –––, 1933, How We Think: A Restatement of the Relation of Reflective Thinking to the Educative Process, Lexington, MA: D.C. Heath.
  • –––, 1936, “The Theory of the Chicago Experiment”, Appendix II of Mayhew & Edwards 1936: 463–477.
  • –––, 1938, Logic: The Theory of Inquiry, New York: Henry Holt and Company.
  • Dominguez, Caroline (coord.), 2018a, A European Collection of the Critical Thinking Skills and Dispositions Needed in Different Professional Fields for the 21st Century, Vila Real, Portugal: UTAD. Available at http://bit.ly/CRITHINKEDUO1; accessed 2018 04 09.
  • ––– (coord.), 2018b, A European Review on Critical Thinking Educational Practices in Higher Education Institutions, Vila Real: UTAD. Available at http://bit.ly/CRITHINKEDUO2; accessed 2018 04 14.
  • Dumke, Glenn S., 1980, Chancellor’s Executive Order 338, Long Beach, CA: California State University, Chancellor’s Office. Available at https://www.calstate.edu/eo/EO-338.pdf; accessed 2017 11 16.
  • Ennis, Robert H., 1958, “An Appraisal of the Watson-Glaser Critical Thinking Appraisal”, The Journal of Educational Research, 52(4): 155–158. doi:10.1080/00220671.1958.10882558
  • –––, 1962, “A Concept of Critical Thinking: A Proposed Basis for Research on the Teaching and Evaluation of Critical Thinking Ability”, Harvard Educational Review, 32(1): 81–111.
  • –––, 1981a, “A Conception of Deductive Logical Competence”, Teaching Philosophy, 4(3/4): 337–385. doi:10.5840/teachphil198143/429
  • –––, 1981b, “Eight Fallacies in Bloom’s Taxonomy”, in C. J. B. Macmillan (ed.), Philosophy of Education 1980: Proceedings of the Thirty-seventh Annual Meeting of the Philosophy of Education Society, Bloomington, IL: Philosophy of Education Society, pp. 269–273.
  • –––, 1984, “Problems in Testing Informal Logic, Critical Thinking, Reasoning Ability”. Informal Logic, 6(1): 3–9. [Ennis 1984 available online]
  • –––, 1987, “A Taxonomy of Critical Thinking Dispositions and Abilities”, in Joan Boykoff Baron and Robert J. Sternberg (eds.), Teaching Thinking Skills: Theory and Practice, New York: W. H. Freeman, pp. 9–26.
  • –––, 1989, “Critical Thinking and Subject Specificity: Clarification and Needed Research”, Educational Researcher, 18(3): 4–10. doi:10.3102/0013189X018003004
  • –––, 1991, “Critical Thinking: A Streamlined Conception”, Teaching Philosophy, 14(1): 5–24. doi:10.5840/teachphil19911412
  • –––, 1996, “Critical Thinking Dispositions: Their Nature and Assessability”, Informal Logic, 18(2–3): 165–182. [Ennis 1996 available online]
  • –––, 1998, “Is Critical Thinking Culturally Biased?”, Teaching Philosophy, 21(1): 15–33. doi:10.5840/teachphil19982113
  • –––, 2011, “Critical Thinking: Reflection and Perspective Part I”, Inquiry: Critical Thinking across the Disciplines, 26(1): 4–18. doi:10.5840/inquiryctnews20112613
  • –––, 2013, “Critical Thinking across the Curriculum: The Wisdom CTAC Program”, Inquiry: Critical Thinking across the Disciplines, 28(2): 25–45. doi:10.5840/inquiryct20132828
  • –––, 2016, “Definition: A Three-Dimensional Analysis with Bearing on Key Concepts”, in Patrick Bondy and Laura Benacquista (eds.), Argumentation, Objectivity, and Bias: Proceedings of the 11th International Conference of the Ontario Society for the Study of Argumentation (OSSA), 18–21 May 2016, Windsor, ON: OSSA, pp. 1–19. Available at http://scholar.uwindsor.ca/ossaarchive/OSSA11/papersandcommentaries/105; accessed 2017 12 02.
  • –––, 2018, “Critical Thinking Across the Curriculum: A Vision”, Topoi, 37(1): 165–184. doi:10.1007/s11245-016-9401-4
  • Ennis, Robert H., and Jason Millman, 1971, Manual for Cornell Critical Thinking Test, Level X, and Cornell Critical Thinking Test, Level Z, Urbana, IL: Critical Thinking Project, University of Illinois.
  • Ennis, Robert H., Jason Millman, and Thomas Norbert Tomko, 1985, Cornell Critical Thinking Tests Level X & Level Z: Manual, Pacific Grove, CA: Midwest Publication, 3rd edition.
  • –––, 2005, Cornell Critical Thinking Tests Level X & Level Z: Manual, Seaside, CA: Critical Thinking Company, 5th edition.
  • Ennis, Robert H. and Eric Weir, 1985, The Ennis-Weir Critical Thinking Essay Test: Test, Manual, Criteria, Scoring Sheet: An Instrument for Teaching and Testing, Pacific Grove, CA: Midwest Publications.
  • Facione, Peter A., 1990a, Critical Thinking: A Statement of Expert Consensus for Purposes of Educational Assessment and Instruction, Research Findings and Recommendations Prepared for the Committee on Pre-College Philosophy of the American Philosophical Association, ERIC Document ED315423.
  • –––, 1990b, California Critical Thinking Skills Test, CCTST – Form A, Millbrae, CA: The California Academic Press.
  • –––, 1990c, The California Critical Thinking Skills Test–College Level. Technical Report #3. Gender, Ethnicity, Major, CT Self-Esteem, and the CCTST, ERIC Document ED326584.
  • –––, 1992, California Critical Thinking Skills Test: CCTST – Form B, Millbrae, CA: The California Academic Press.
  • –––, 2000, “The Disposition Toward Critical Thinking: Its Character, Measurement, and Relationship to Critical Thinking Skill”, Informal Logic, 20(1): 61–84. [Facione 2000 available online]
  • Facione, Peter A. and Noreen C. Facione, 1992, CCTDI: A Disposition Inventory, Millbrae, CA: The California Academic Press.
  • Facione, Peter A., Noreen C. Facione, and Carol Ann F. Giancarlo, 2001, California Critical Thinking Disposition Inventory: CCTDI: Inventory Manual, Millbrae, CA: The California Academic Press.
  • Facione, Peter A., Carol A. Sánchez, and Noreen C. Facione, 1994, Are College Students Disposed to Think?, Millbrae, CA: The California Academic Press. ERIC Document ED368311.
  • Fisher, Alec, and Michael Scriven, 1997, Critical Thinking: Its Definition and Assessment, Norwich: Centre for Research in Critical Thinking, University of East Anglia.
  • Freire, Paulo, 1968 [1970], Pedagogia do Oprimido. Translated as Pedagogy of the Oppressed, Myra Bergman Ramos (trans.), New York: Continuum, 1970.
  • Glaser, Edward Maynard, 1941, An Experiment in the Development of Critical Thinking, New York: Bureau of Publications, Teachers College, Columbia University.
  • Halpern, Diane F., 1998, “Teaching Critical Thinking for Transfer Across Domains: Disposition, Skills, Structure Training, and Metacognitive Monitoring”, American Psychologist, 53(4): 449–455. doi:10.1037/0003-066X.53.4.449
  • –––, 2016, Manual: Halpern Critical Thinking Assessment, Mödling, Austria: Schuhfried. Available at https://drive.google.com/file/d/0BzUoP_pmwy1gdEpCR05PeW9qUzA/view; accessed 2017 12 01.
  • Hamby, Benjamin, 2014, The Virtues of Critical Thinkers, Doctoral dissertation, Philosophy, McMaster University. [Hamby 2014 available online]
  • –––, 2015, “Willingness to Inquire: The Cardinal Critical Thinking Virtue”, in Martin Davies and Ronald Barnett (eds.), The Palgrave Handbook of Critical Thinking in Higher Education, New York: Palgrave Macmillan, pp. 77–87.
  • Haynes, Ada, Elizabeth Lisic, Kevin Harris, Katie Leming, Kyle Shanks, and Barry Stein, 2015, “Using the Critical Thinking Assessment Test (CAT) as a Model for Designing Within-Course Assessments: Changing How Faculty Assess Student Learning”, Inquiry: Critical Thinking Across the Disciplines, 30(3): 38–48. doi:10.5840/inquiryct201530316
  • Hitchcock, David, 2017, “Critical Thinking as an Educational Ideal”, in his On Reasoning and Argument: Essays in Informal Logic and on Critical Thinking, Dordrecht: Springer, pp. 477–497. doi:10.1007/978-3-319-53562-3_30
  • hooks, bell, 1994, Teaching to Transgress: Education as the Practice of Freedom, New York and London: Routledge.
  • –––, 2010, Teaching Critical Thinking: Practical Wisdom, New York and London: Routledge.
  • Johnson, Ralph H., 1992, “The Problem of Defining Critical Thinking”, in Stephen P, Norris (ed.), The Generalizability of Critical Thinking, New York: Teachers College Press, pp. 38–53.
  • Kahane, Howard, 1971, Logic and Contemporary Rhetoric: The Use of Reason in Everyday Life, Belmont, CA: Wadsworth.
  • Kahneman, Daniel, 2011, Thinking, Fast and Slow, New York: Farrar, Straus and Giroux.
  • Kenyon, Tim, and Guillaume Beaulac, 2014, “Critical Thinking Education and Debasing”, Informal Logic, 34(4): 341–363. [Kenyon & Beaulac 2014 available online]
  • Krathwohl, David R., Benjamin S. Bloom, and Bertram B. Masia, 1964, Taxonomy of Educational Objectives, Handbook II: Affective Domain, New York: David McKay.
  • Kuhn, Deanna, 1991, The Skills of Argument, New York: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9780511571350
  • Lipman, Matthew, 1987, “Critical Thinking–What Can It Be?”, Analytic Teaching, 8(1): 5–12. [Lipman 1987 available online]
  • Loftus, Elizabeth F., 2017, “Eavesdropping on Memory”, Annual Review of Psychology, 68: 1–18. doi:10.1146/annurev-psych-010416-044138
  • Martin, Jane Roland, 1992, “Critical Thinking for a Humane World”, in Stephen P. Norris (ed.), The Generalizability of Critical Thinking, New York: Teachers College Press, pp. 163–180.
  • Mayhew, Katherine Camp, and Anna Camp Edwards, 1936, The Dewey School: The Laboratory School of the University of Chicago, 1896–1903, New York: Appleton-Century. [Mayhew & Edwards 1936 available online]
  • McPeck, John E., 1981, Critical Thinking and Education, New York: St. Martin’s Press.
  • Nickerson, Raymond S., 1998, “Confirmation Bias: A Ubiquitous Phenomenon in Many Guises”, Review of General Psychology, 2(2): 175–220. doi:10.1037/1089-2680.2.2.175
  • Nieto, Ana Maria, and Jorge Valenzuela, 2012, “A Study of the Internal Structure of Critical Thinking Dispositions”, Inquiry: Critical Thinking across the Disciplines, 27(1): 31–38. doi:10.5840/inquiryct20122713
  • Norris, Stephen P., 1985, “Controlling for Background Beliefs When Developing Multiple-choice Critical Thinking Tests”, Educational Measurement: Issues and Practice, 7(3): 5–11. doi:10.1111/j.1745-3992.1988.tb00437.x
  • Norris, Stephen P. and Robert H. Ennis, 1989, Evaluating Critical Thinking (The Practitioners’ Guide to Teaching Thinking Series), Pacific Grove, CA: Midwest Publications.
  • Norris, Stephen P. and Ruth Elizabeth King, 1983, Test on Appraising Observations, St. John’s, NL: Institute for Educational Research and Development, Memorial University of Newfoundland.
  • –––, 1984, The Design of a Critical Thinking Test on Appraising Observations, St. John’s, NL: Institute for Educational Research and Development, Memorial University of Newfoundland. ERIC Document ED260083.
  • –––, 1985, Test on Appraising Observations: Manual, St. John’s, NL: Institute for Educational Research and Development, Memorial University of Newfoundland.
  • –––, 1990a, Test on Appraising Observations, St. John’s, NL: Institute for Educational Research and Development, Memorial University of Newfoundland, 2nd edition.
  • –––, 1990b, Test on Appraising Observations: Manual, St. John’s, NL: Institute for Educational Research and Development, Memorial University of Newfoundland, 2nd edition.
  • Obama, Barack, 2014, State of the Union Address, January 28, 2014. [Obama 2014 available online]
  • OCR [Oxford, Cambridge and RSA Examinations], 2011, AS/A Level GCE: Critical Thinking – H052, H452, Cambridge: OCR. Information available at http://www.ocr.org.uk/qualifications/as-a-level-gce-critical-thinking-h052-h452/; accessed 2017 10 12.
  • OECD [Organization for Economic Cooperation and Development] Centre for Educational Research and Innovation, 2018, Fostering and Assessing Students’ Creative and Critical Thinking Skills in Higher Education, Paris: OECD. Available at http://www.oecd.org/education/ceri/Fostering-and-assessing-students-creative-and-critical-thinking-skills-in-higher-education.pdf; accessed 2018 04 22.
  • Ontario Ministry of Education, 2013, The Ontario Curriculum Grades 9 to 12: Social Sciences and Humanities. Available at http://www.edu.gov.on.ca/eng/curriculum/secondary/ssciences9to122013.pdf; accessed 2017 11 16.
  • Passmore, John Arthur, 1980, The Philosophy of Teaching, London: Duckworth.
  • Paul, Richard W., 1981, “Teaching Critical Thinking in the ‘Strong’ Sense: A Focus on Self-Deception, World Views, and a Dialectical Mode of Analysis”, Informal Logic, 4(2): 2–7. [Paul 1981 available online]
  • –––, 1984, “Critical Thinking: Fundamental to Education for a Free Society”, Educational Leadership, 42(1): 4–14.
  • –––, 1985, “McPeck’s Mistakes”, Informal Logic, 7(1): 35–43. [Paul 1985 available online]
  • Paul, Richard W. and Linda Elder, 2006, The Miniature Guide to Critical Thinking: Concepts and Tools, Dillon Beach, CA: Foundation for Critical Thinking, 4th edition.
  • Payette, Patricia, and Edna Ross, 2016, “Making a Campus-Wide Commitment to Critical Thinking: Insights and Promising Practices Utilizing the Paul-Elder Approach at the University of Louisville”, Inquiry: Critical Thinking Across the Disciplines, 31(1): 98–110. doi:10.5840/inquiryct20163118
  • Possin, Kevin, 2008, “A Field Guide to Critical-Thinking Assessment”, Teaching Philosophy, 31(3): 201–228. doi:10.5840/teachphil200831324
  • –––, 2013a, “Some Problems with the Halpern Critical Thinking Assessment (HCTA) Test”, Inquiry: Critical Thinking across the Disciplines, 28(3): 4–12. doi:10.5840/inquiryct201328313
  • –––, 2013b, “A Serious Flaw in the Collegiate Learning Assessment (CLA) Test”, Informal Logic, 33(3): 390–405. [Possin 2013b available online]
  • –––, 2014, “Critique of the Watson-Glaser Critical Thinking Appraisal Test: The More You Know, the Lower Your Score”, Informal Logic, 34(4): 393–416. [Possin 2014 available online]
  • Rawls, John, 1971, A Theory of Justice, Cambridge, MA: Harvard University Press.
  • Rousseau, Jean-Jacques, 1762, Émile, Amsterdam: Jean Néaulme.
  • Scheffler, Israel, 1960, The Language of Education, Springfield, IL: Charles C. Thomas.
  • Scriven, Michael, and Richard W. Paul, 1987, Defining Critical Thinking, Draft statement written for the National Council for Excellence in Critical Thinking Instruction. Available at http://www.criticalthinking.org/pages/defining-critical-thinking/766; accessed 2017 11 29.
  • Sheffield, Clarence Burton Jr., 2018, “Promoting Critical Thinking in Higher Education: My Experiences as the Inaugural Eugene H. Fram Chair in Applied Critical Thinking at Rochester Institute of Technology”, Topoi, 37(1): 155–163. doi:10.1007/s11245-016-9392-1
  • Siegel, Harvey, 1985, “McPeck, Informal Logic and the Nature of Critical Thinking”, in David Nyberg (ed.), Philosophy of Education 1985: Proceedings of the Forty-First Annual Meeting of the Philosophy of Education Society, Normal, IL: Philosophy of Education Society, pp. 61–72.
  • –––, 1988, Educating Reason: Rationality, Critical Thinking, and Education, New York: Routledge.
  • –––, 1999, “What (Good) Are Thinking Dispositions?”, Educational Theory, 49(2): 207–221. doi:10.1111/j.1741-5446.1999.00207.x
  • Simpson, Elizabeth, 1966–67, “The Classification of Educational Objectives: Psychomotor Domain”, Illinois Teacher of Home Economics, 10(4): 110–144, ERIC document ED0103613. [Simpson 1966–67 available online]
  • Skolverket, 2011, Curriculum for the Compulsory School, Preschool Class and the Recreation Centre, Stockholm: Ordförrådet AB. Available at http://malmo.se/download/18.29c3b78a132728ecb52800034181/pdf2687.pdf; accessed 2017 11 16.
  • Smith, B. Othanel, 1953, “The Improvement of Critical Thinking”, Progressive Education, 30(5): 129–134.
  • Smith, Eugene Randolph, Ralph Winfred Tyler, and the Evaluation Staff, 1942, Appraising and Recording Student Progress, Volume III of Adventure in American Education, New York and London: Harper & Brothers.
  • Splitter, Laurance J., 1987, “Educational Reform through Philosophy for Children”, Thinking: The Journal of Philosophy for Children, 7(2): 32–39. doi:10.5840/thinking1987729
  • Stanovich Keith E., and Paula J. Stanovich, 2010, “A Framework for Critical Thinking, Rational Thinking, and Intelligence”, in David D. Preiss and Robert J. Sternberg (eds), Innovations in Educational Psychology: Perspectives on Learning, Teaching and Human Development, New York: Springer Publishing, pp 195–237.
  • Stanovich Keith E., Richard F. West, and Maggie E. Toplak, 2011, “Intelligence and Rationality”, in Robert J. Sternberg and Scott Barry Kaufman (eds.), Cambridge Handbook of Intelligence, Cambridge: Cambridge University Press, 3rd edition, pp. 784–826. doi:10.1017/CBO9780511977244.040
  • Tankersley, Karen, 2005, Literacy Strategies for Grades 4–12: Reinforcing the Threads of Reading, Alexandria, VA: Association for Supervision and Curriculum Development.
  • Thayer-Bacon, Barbara J., 1992, “Is Modern Critical Thinking Theory Sexist?”, Inquiry: Critical Thinking Across the Disciplines, 10(1): 3–7. doi:10.5840/inquiryctnews199210123
  • –––, 1993, “Caring and Its Relationship to Critical Thinking”, Educational Theory, 43(3): 323–340. doi:10.1111/j.1741-5446.1993.00323.x
  • –––, 1995a, “Constructive Thinking: Personal Voice”, Journal of Thought, 30(1): 55–70.
  • –––, 1995b, “Doubting and Believing: Both are Important for Critical Thinking”, Inquiry: Critical Thinking across the Disciplines, 15(2): 59–66. doi:10.5840/inquiryctnews199515226
  • –––, 2000, Transforming Critical Thinking: Thinking Constructively, New York: Teachers College Press.
  • Toulmin, Stephen Edelston, 1958, The Uses of Argument, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Turri, John, Mark Alfano, and John Greco, 2017, “Virtue Epistemology”, in Edward N. Zalta (ed.), The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2017 Edition). URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2017/entries/epistemology-virtue/>
  • Warren, Karen J. 1988. “Critical Thinking and Feminism”, Informal Logic, 10(1): 31–44. [Warren 1988 available online]
  • Watson, Goodwin, and Edward M. Glaser, 1980a, Watson-Glaser Critical Thinking Appraisal, Form A, San Antonio, TX: Psychological Corporation.
  • –––, 1980b, Watson-Glaser Critical Thinking Appraisal: Forms A and B; Manual, San Antonio, TX: Psychological Corporation,
  • –––, 1994, Watson-Glaser Critical Thinking Appraisal, Form B, San Antonio, TX: Psychological Corporation.
  • Weinstein, Mark, 1990, “Towards a Research Agenda for Informal Logic and Critical Thinking”, Informal Logic, 12(3): 121–143. [Weinstein 1990 available online]
  • –––, 2013, Logic, Truth and Inquiry, London: College Publications.
  • Zagzebski, Linda Trinkaus, 1996, Virtues of the Mind: An Inquiry into the Nature of Virtue and the Ethical Foundations of Knowledge, Cambridge: Cambridge University Press. doi:10.1017/CBO9781139174763

أدوات أكاديمية

sep man iconHow to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up topics and thinkers related to this entry at the Internet Philosophy Ontology Project (InPhO).
phil papers iconEnhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الإنترنت

مداخل ذات صلة

abilities | bias, implicit | children, philosophy for | civic education | decision-making capacity | Dewey, John | dispositions | education, philosophy of | epistemology: virtue | logic: informal

Hitchcock, David, “Critical Thinking”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2020 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2020/entries/critical-thinking/>.